"لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم من لا يرحم صغيركم ولا يوقر كبيركم بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عميا وأذان صما وقلوب غلفا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا .
يا أمة الحق والآلام مقبلة متى تعين ونار الشر تستعر
متى الهواء وقد ضمت مصيبتنا متى الخلاص وقد لمت بنا العبر
متى يعود إلى الإسلام مسجده متى يعود إلى محرابه عمر
أكل يوم يرى للدين نازلة وأمة الحق لا سمع ولا بصر
عباد الله: ونحن نعيش زمنًا عصيبًا، ووقتا دقيقًا وحرجًا، يتعلق بمصير أمتنا، أقول: إن النجاة في انقيادنا لكتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فلقد كتب الله لهذه الأمة حين تحيد عن كتاب الله أن تتقلب في ثنايا الإهانات، وتتنقل من هزيمة إلى هزيمة، فلنرفع الغطاء عن أعيننا، ولنكن صرحاء مع أنفسنا، كفانا نكبات، وكفانا كوارث، وكفانا نكسات، وكفانا تلمس النصر في ثنايا البشر من دون الله، كفانا كوننا عن كتاب الله بعيدين، وعن سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- حائدين، ولنعُد إلى الحق المبين، فاسمعوا إليه يوم يقول: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ)
ألا فاتقوا الله حق تقواه، يا عباد الله، واعلموا أن من أسباب النجاة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومن أسباب السقوط والهلاك: السكوت عن المنكرات، قال تعالى: (وأَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُوءِ).
ألا فاعلموا: أن من أعظم خصائص أمتنا: أنها تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وأن علماءها يغضبون إذا انتُهكت محارم الله، ودعاتها يشتاطون غيظًا وغضبًا لانتهاك حدود الله، فهي المأمورة بقوله: (وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ألا فلتكن طائفة تقف على حدود الله؛ ترعى المجتمع، تنظر لأحوال الأمة، لا تسمح للجريمة، غَضِبَ مَنْ غضب، ورَضِيَ مَنْ رضي، ليكن منكم علماء ودعاة يقفون أمام الشرور والمنكرات، يؤدون رسالة الله، ليرحمنا الله- عز وجل- (أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ) ويوم يترك الأمر بالمعروف، فلنعلم أننا نحارب الله، ولنعلم أن غضب الله قد طوَّقنا، وأن سخط الله قد قرب منا، فإن تمادَتْ بنا الأهواء والخور؛ فهي العقوبة لا تُبقي ولا تذر.
ما نتيجة أن يقر الناس على الجريمة، ويسكت على الفاحشة، ويقدم العاصي، ويؤخر المؤمن المرضي الراضي، ما نتيجة ترك الصلوات؟ وتعاطي المخدرات؟ والركون إلى الذين ظلموا؟ وسماع الأغاني الماجنات؟ والجري وراء الشهوات؟ والمجاهرة بكل هذه المنكرات؟
ما نتيجة الرضا بكل هذه المنكرات؟ وما نتيجة السكوت على هذه المنكرات؟
إن نتيجة ذلك ومعناه سوف تختل الأمور، ويغضب الله وملائكته، معناه أن البركة نزعت؛ لأننا سمعنا ورأينا وفسدنا، فما حرَّكنا ساكنًا، وإلا لماذا كنا خير أمة أخرجت للناس؟، كنا كذلك بالأمر والنهي؛ نأمر بالمعروف بالمعروف، وننهى عن المنكر بالمعروف، وإلا فان العذاب والسوء ينتظرنا. في الأثر "أن الله- جل وعلا- أوحى إلى جبريل -عليه السلام-: أن اقلب مدينة <سبأ> على من فيها. -وجبريل كما تعلمون أعطاه الله قوة هائلة، يقتلع الجبال والوديان والثغور والأشجار والأحجار، له ستمائة جناح- بجناح واحد حمل أربع قرى، ورفعها إلى السماء حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم، ثم رماهم، فجعل العالي سافلا، أرسله الله إلى هذه المدينة ليقلبها على من فيها، فقال: يا رب إن فيها عبدَك فلانًا، لم يعصِك طرفة عين، قال الله: فبه فابدأ؛ لأنه لم يتمعَّر وجهه فيَّ قط." لا إله إلا الله، يصلي ولم يعصِ الله طرفة عين، لكنه يرى المنكر فلا يغار، ويسكت عليه، فنزل جبريل، فأخذه بطرف جناح من معبده، فجعله في أول موكب المعذبين (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) لم لعنوا؟ (ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)
ذاك في بني إسرائيل، لكن والله قد وجد في مجتمعاتنا من يدعو إلى عدم التكلم عن الجرائم، والمنكرات، وعدم تشخيصها، وتحذير الأمة منها، ووالله ما حصل ذلك إلا وهلكت الأمة، وذهبت إلى الدمار، والعار، والنار، (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ) الزنى ودور الخمر فشت، وقطيعة الرحم والعقوق ذاعت، وتَفْوِيت الجماعات شاع، والتطفيف في المكيال والميزان زاد، والضغينة والمنكرات فاحت رائحتها، وعلماء بني إسرائيل ساكتون، صامتون، ملجمون، لماذا؟ سكتوا –والله- رغبةً أو رهبةً، والسكوت –دائمًا- إما رغبة وإما رهبة؛ إما رغبة في حطام فانٍ أو منازل ومناصب، أو وظائف لا تسمن ولا تغني من جوع، وإما رهبة من سوط وقسوة بعض الظلمة، فسكتوا، فماذا كان الجزاء؟ قال سبحانه: (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ)
قال أهل العلم: كان في الميثاق الذي أخذ عليهم: أن يأمروا بالمعروف، وينهوا عن المنكر، صح عنه –صلى الله عليه وسلم- أنه قال –في حديث ابن مسعود، الذي رواه الترمذي-: "إنما دخل النقض على بني إسرائيل أنه كان إذا لقي أحدهم أخاه، وهو على الفاحشة، قال له: اتق الله، ثم لا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وقعيده وشريبه، فلما فعلوا ذلك لعنهم الله، وعمَّهم بعقاب وغضب من عنده، كان- صلى الله عليه وسلم- متكئًا فتربع، وجلس، وقال: كلا والذي نفسي بيده، لتأمرنَّ بالمعروف، ولتنهَوُنَّ عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق أطرًا، أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض، ثم يلعنكم كما لعنهم." لا إله إلا الله، نعوذ بالله من لعنة الله، وغضب الله، "لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم من لا يرحم صغيركم ولا يوقر كبيركم "لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم، فيدعوا خياركم فلا يستجاب لهم"، أترضون أن يعم الشر؛ فيُؤخَذ الصالح والطالح، وأن تنزل لعنة الله، وإذا تنزلت لا ترفع؟ أترضون أن يمقتنا الله من فوق سماواته؟، أين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ أما اتكلنا على غير الله، أما عمت الشعوذة والخرافة في بعض القرى والبوادي؟، أما انتشر الفحش؟ أما استبدل القرآن في بيوت كثير من الناس بالأغنية؟ أما عهد في متاع القرآن باللهو والمجون؟ أما ضيعت الصلوات- إلا في بيوت من رحم الله-؟ أما تُهُوِّنَ بالجماعات؟ أما انتشر الربا وسُكت عليه؟ أما قطعت الأرحام؟ أما أُعلن الإلحاد؟ أما سُبَّ الإله؟ أما سُبَّ محمد -صلى الله عليه وسلم-؟ أما قُتل المسلمون؟ أما أُحييت الليالي على الماجنات من المغنين والمغنيات؟ أحييت على -هل رأى الحب سكارى مثلنا- ورفع ستار الخجل، وغيرها من الترهات والخزعبلات؟ أما أُخذ الميراث؟ أما عُقَّ الوالدان، ولم يؤخذ على أيدي هؤلاء، والدعاة مئات ومئات، والعلماء كذلك، والجامعات تخرج، والمعاهد والمدارس؟
فيا طلبة العلم، ويا أيها العلماء، ويا دعاة الإسلام: هذا وقت الأمر والنهي، من يأمر وينهى إن لم تأمروا وتنهوا؟ إنا لا ندعو لمضاربة الناس، ولا لشتمهم، ولا لجرح شعورهم، ولا للتشهير بهم، حاشا وكلا لكن ندعو إلى إنقاذ الناس من الضلالة ندعو إلى إنقاذ الناس من النار ندعو إلى أخذ الناس بمركب النجاه ندعو إلى الأخذ بحبل الله؛ بكلمة الحق في أي مكان، بالنصيحة في الشارع، بالقدوة الحسنة، بالزيارات، يقول محمد –صلى الله عليه وسلم-: " من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده؛ فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان." وفي رواية" ليس بعد ذلك حبة خردل من إيمان" وعن [عبادة بن الصامت]- رضي الله عنه وأرضاه- قال:" بايعنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في المنشط والمكره، والعسر واليسر، وأن نقول في الله لا تأخذنا فيه لومة لائم، ومنا من وفى بذلك؛ فأجره على الله"، ألا لا تأخذ المسلم في الله لومة لائم، يغضب مَنْ يغضب إذا رضي الله، ويسخط من يسخط إذا رضي الله، من أرضى الناس بسخط الله، سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس، ومن أرضى الله بسخط الناس، رضي الله عليه، وأرضى عليه الناس، والله إذا علم منك أنك تريد إرضاءه، أرضى عنك الناس، وحماك وسددك وكفاك وآواك، ألا فاحفظ الله يحفظك، واحفظ الله تجده تجاهك، تعرَّف على الله في الرخاء، يعرفك في الشدة، صح عنه- صلى الله عليه وسلم- أنه قال:" مثل القائم في حدود الله- أي الذي يأمر وينهى- والواقع فيها، كمثل قوم استهموا في سفينة، فكان قوم أعلاها، وقوم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على الذين في أعلاها، فظنوا أنهم آذوهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في الجانب السفلي لما آذينا الذين فوقنا" ثم قال- عليه الصلاة والسلام-: "فإذا تركوهم هلكوا، وهلكوا جميعًا، وإذا أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا."
وهذا مثل من يترك المفسدين الفجرة، الذين يلعبون بالأعراض والمبادئ والقيم، ويقول: نفسي نفسي، يصلي ويخرس كالشيطان الأخرس، من بيته إلى المسجد، ويرى الأمم، ويرى الأجيال، والشباب تائهين، ضائعين، حائرين، ثم لا يقول هذا هو الطريق ليبقى وديعًا، هادئ البال، مطمئنًا مرتاحًا، من كلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يرى الجرائم ولا يتكلم بكلمة، أما –والله- لو أن أحدنا أمر بأمر بسيط، أو نهى عن منكر في اليوم الواحد بالتي هي أحسن، لصلح حالنا، من ننتظر أن يصلح حالنا إذا ما لاأصلحنا؟ (إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ )