الحمدُ للهِ والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسانٍ إلى يوم الدين.. وبعد!!
فإن الإسلام خاتم الأديان، ورسالة الله الأخيرة للعالم، ومنهج الله تعالى للأمة الإسلامية .. وبه يجمع الله للأمة شتاتها، ويوحد صفها، ويجدد شبابها، ويحيى مواتها، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) (الأنفال: من الآية 24).
والرسول خاتم الأنبياء والمرسلين، والرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107).
وقد تجلت تلك الرحمة في أعظم صورها حتى في ظروف الانتصارات التي تحققت للرسول في هذا الشهر العظيم.
انتصارات في شهر رمضان
إن رمضان شهر الصبر وتقوية الإرادة وتكامل بناء الشخصية الإسلامية بشقيها الروحي والبدني، مع تحقيق التقوى والرقابة الدائمة لله عز وجل، وكل هذا يمنح المسلم من القوة ما يجعله يقف أمام أعدائه ثابت الجأش، قوي الإرادة، يصبر ويصابر إلى أن يحقق الله له النصر.
وشهر رمضان بصيامه وقيامه وتلاوة القرآن الكريم والاعتكاف يقرب المسلمين من ربهم، ويمنحهم القوة، ويذكرهم ببدر، وفتح مكة العظيم، وإن أعداء الله ليخشون المواجهة مع المسلمين في رمضان؛ لأنهم على يقين من أن رمضان يمد المسلمين بقوة لا تكون لهم في غير رمضان.
وفي هذا الشهر المبارك قد تحققت للمسلمين انتصارات عظيمة منها:
- بدر الكبرى: وفيها أحق الله الحق وأبطل الباطل وانتصر لعباده المؤمنين وأعلى شأنهم: (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ. لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) (الأنفال: 7- 8)
- فتح مكة: وفي رمضان كان فتح مكة وفيه أعز الله الإسلام ونصره وأعلى رايته وأصبحت الأراضي المقدسة والكعبة المشرفة قبلة المسلمين إلى يوم الدين.
- فتح الأندلس: وكان بدء فتح الأندلس في رمضان سنة 92 هـ على يد طارق بن زياد مولى موسى بن نصير.
- عين جالوت: وقعت في العشر الأخير من رمضان سنة 658هـ وكان فيها الانتصار الحاسم على التتار بعد ما فعلوا من جرائم تشيب منها الولدان من قتل ونهب للبلاد والعباد.
- العاشر من رمضان: وفي تاريخنا المعاصر كان انتصار العاشر من شهر رمضان، سنة 1393 هجرية، ذلك اليوم التاريخي الفذ الذي أعاد لمصر ووطنها العربي والإسلامي مشاعر العزة والكرامة.
وفي كل المعارك كان الجنود المسلمون ملتزمون بأخلاق الإسلام بعد الإجهاز على أي جريح وحماية النساء والأطفال ورعاية الأسر وعدم التمثيل بأي جثة رغم عدم التزام عدوهم بهذه القيم والمبادئ.
عوامل الانتصار
ومن خلال تلك المعارك، نستطيع أن نستمد أهم عوامل النصر وتتلخص في:
1- بناء الإيمان الصادق
ويتجلى ذلك في الطاعة لله ورسوله والثبات والذكر والصبر: قال الله تعالى تعقيبا على غزوة بدر الكبرى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال: 45 – 46).
2- القوة النفسية والروحية قبل القوة المادية
يظن كثير من الناس أن المسلمين تعوزهم القوة المادية من المال والعتاد؛ لينهض ويسابق الأمم التي تسببت في تخلفه، وهضمت حقوق أهله، ذلك صحيح ومهم ولكن أهم منه وألزم: القوة الروحية من الإيمان الصحيح، والخلق الفاضل، والنفس النبيلة، والإرادة الماضية، والتضحية في سبيل الواجب والوفاء الذي تنبني عليه الثقة والوحدة وعنهما تكون القوة.
ولو آمنت الشعوب بحقها، وغيرت من نفسها، واعتنت بقوة الروح، وتقويم الأخلاق، لأتته وسائل القوة المادية من كل جانب وعند صحائف التاريخ الخبر اليقين.
فالإيمان يعيد تشكيل نفسية الإنسان، ويغير ما بداخله، ويجعل منه خلقًا آخر، يواجه الشدائد بعزيمة قوية وإرادة لا تنكسر، بل تنتصر على الهوى ورغبات النفس وشهواتها، ولرمضان المبارك الأثر الكبير في ذلك، كما أنه شهر الصبر وبالصبر والمصابرة ننتصر على الأعداء: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (آل عمران: 120).
كما أن هذه القوة الروحية هي الأساس المتين في بناء الحضارات وتحقيق النهضة لأي أمة وفي ذلك يقول الإمام البنا رحمه الله: إن تكوين الأمم، وتربية الشعوب، وتحقيق الآمال، ومناصرة المبادئ: تحتاج من الأمة التي تحاول هذا أو الفئة التي تدعو إليه على الأقل، إلى "قوة نفسية عظيمة" تتمثل في عدة أمور: إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف، ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر، وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل، ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه والمساومة عليه، والخديعة بغيره.
لى هذه الأركان الأولية التي هي من خصوص النفوس وحدها، وعلى هذه القوة الروحية الهائلة، تبنى المبادئ وتتربى الأمم الناهضة، وتتكون الشعوب الفتية، وتتجدد الحياة فيمن حرموا الحياة زمناً طويلاً. وهذا هو قانون الله تبارك وتعالى وسنته في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلاً: (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد: 11).
3- الوحدة والتآلف
إن مواجهة أعداء الوطن تتطلب منا أن نقف صفا واحدًا في مواجهة القوى التي تريد أن تجرنا إلى الوراء، وأن تعيدنا إلى ما قبل الثورات المباركة، هذه القوى تبذل أقصى جهدها في الداخل والخارج حتى لا ننعم بخيرات هذا النصر العظيم الذي يرسم تاريخ بلادنا من جديد.. ولقد حث الإسلام على التعاون والترابط قال الله تعالى: (وتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ والتَّقْوَى ولا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ والْعُدْوَانِ) (المائدة: 2).
وإن المسلم ليعجب من هذا الصخب للوقوف في وجه المشروع الإسلامي حتى لا ينعم بحقه في الحياة ويقوم بدوره في بناء مصر.
كما نعجب من سعيهم الدائب في تفريق شمل الأمة، وإثارة الخلاف والتنازع، والنفخ في كير تمزيق وحدة الشعوب باستغلال بعض الأخطاء والمخالفات والاختلافات ، بينما المتفق عليه كثير وكثير.
وإذا أردنا أن ننتصر ونعلي شأن بلادنا ، فسبيلنا أن تبقى أخلاق الثورة المباركة هي المهيمنة علينا، وعمادها الوحدة بين أبناء الوطن جميعا المسلم والمسيحي والرجل والمرأة والشاب والكبير، هذا الاتحاد يجعل هدفه الأسمى نهضة بلادنا واستقرارها، وتمام حريتها، وتحقيق العدالة بين أبنائها والمساواة بين المواطنين دون تفرقة بلون أو دين أو طبقة.. وأن يكون هدف الجميع حماية المبادئ، ونصرة الحق، وإرساء دعائم الديمقراطية بمعناها الصحيح، وميزانها العدل، أما أن تكون الديمقراطية ذات معيارين، أو تكيل بمكيالين، فهذا لا يليق بتلك الثورات العظيمة التي قامت بها الشعوب وضحت في سبيلها.
4- الحذر من أسباب الهزيمة
مع تحقيق ما سبق يجب علينا الحذر من أسباب الضعف والفشل والتي منها:
- التنازع والاختلاف: والقرآن صريح واضح في ذلك (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال: 46).
كما حذر من التفرق وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا آل عمران: 103. وقال تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (آل عمران: 105).
- التنافس على الدنيا: ففي بدر حين لاحت بوادر النصر وكانت الغنائم، بدأ الاختلاف حول من أحق بالغنائم وكل يدعي أحقيته فنزل هذا التحذير: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) (الأنفال: 1)، وقال الرسول: "مَا الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ".
- وهن النفس: إن ضعف النفوس، وتسرب اليأس إلى القلوب، هزيمة للإنسان من الداخل يعقبه الهزيمة من العدو، وانكسار وتحطيم للإرادة يتبعه تحطيم وانكسار أمام الخصوم، يقول رسول الله : "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل: ومن قِلّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، ولينزعنَّ اللّه من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنَّ اللّه في قلوبكم الوهن فقال قائل: يا رسول اللّه وما الوهن؟ قال: "حبُّ الدنيا وكراهية الموت".
أولست تراه قد بين أن سبب ضعف الأمم، وذلة الشعوب، وهن نفوسها، وضعف قلوبها، وخلاء أفئدتها من الأخلاق الفاضلة، وصفات الرجولة الصحيحة، وإن كثر عددها وزادت خيراتها وثمراتها، وإن الأمة إذا رتعت في النعيم، وأنست بالترف، وغرقت في أعراض المادة، وافتتنت بزهرة الحياة الدنيا، ونسيت احتمال الشدائد، ومقارعة الخطوب، والمجاهدة في سبيل الحق، فقل: على عزتها وآمالها العفاء.
- الإعجاب بالكثرة : إن المسلم الذي يؤمن بالحق، يدافع عنه بكل ما يملك، ولا يقعده عن ذلك قلة عدد أو انعدام العتاد، ويظل على تمسكه بالحق والدفاع عنه، حتى يظهره الله أو يموت دونه.. ويوم يزهو المسلم بمن معه من أعداد، أو لما معه من عتاد، فإنه يدخل في دائرة الإعجاب بالنفس والاغترار بالقوة، وهذا يؤدي به إلى الهزيمة: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) (التوبة: 25)
منقول من احد مواقع الإخوان
فإن الإسلام خاتم الأديان، ورسالة الله الأخيرة للعالم، ومنهج الله تعالى للأمة الإسلامية .. وبه يجمع الله للأمة شتاتها، ويوحد صفها، ويجدد شبابها، ويحيى مواتها، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) (الأنفال: من الآية 24).
والرسول خاتم الأنبياء والمرسلين، والرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107).
وقد تجلت تلك الرحمة في أعظم صورها حتى في ظروف الانتصارات التي تحققت للرسول في هذا الشهر العظيم.
انتصارات في شهر رمضان
إن رمضان شهر الصبر وتقوية الإرادة وتكامل بناء الشخصية الإسلامية بشقيها الروحي والبدني، مع تحقيق التقوى والرقابة الدائمة لله عز وجل، وكل هذا يمنح المسلم من القوة ما يجعله يقف أمام أعدائه ثابت الجأش، قوي الإرادة، يصبر ويصابر إلى أن يحقق الله له النصر.
وشهر رمضان بصيامه وقيامه وتلاوة القرآن الكريم والاعتكاف يقرب المسلمين من ربهم، ويمنحهم القوة، ويذكرهم ببدر، وفتح مكة العظيم، وإن أعداء الله ليخشون المواجهة مع المسلمين في رمضان؛ لأنهم على يقين من أن رمضان يمد المسلمين بقوة لا تكون لهم في غير رمضان.
وفي هذا الشهر المبارك قد تحققت للمسلمين انتصارات عظيمة منها:
- بدر الكبرى: وفيها أحق الله الحق وأبطل الباطل وانتصر لعباده المؤمنين وأعلى شأنهم: (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ. لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) (الأنفال: 7- 8)
- فتح مكة: وفي رمضان كان فتح مكة وفيه أعز الله الإسلام ونصره وأعلى رايته وأصبحت الأراضي المقدسة والكعبة المشرفة قبلة المسلمين إلى يوم الدين.
- فتح الأندلس: وكان بدء فتح الأندلس في رمضان سنة 92 هـ على يد طارق بن زياد مولى موسى بن نصير.
- عين جالوت: وقعت في العشر الأخير من رمضان سنة 658هـ وكان فيها الانتصار الحاسم على التتار بعد ما فعلوا من جرائم تشيب منها الولدان من قتل ونهب للبلاد والعباد.
- العاشر من رمضان: وفي تاريخنا المعاصر كان انتصار العاشر من شهر رمضان، سنة 1393 هجرية، ذلك اليوم التاريخي الفذ الذي أعاد لمصر ووطنها العربي والإسلامي مشاعر العزة والكرامة.
وفي كل المعارك كان الجنود المسلمون ملتزمون بأخلاق الإسلام بعد الإجهاز على أي جريح وحماية النساء والأطفال ورعاية الأسر وعدم التمثيل بأي جثة رغم عدم التزام عدوهم بهذه القيم والمبادئ.
عوامل الانتصار
ومن خلال تلك المعارك، نستطيع أن نستمد أهم عوامل النصر وتتلخص في:
1- بناء الإيمان الصادق
ويتجلى ذلك في الطاعة لله ورسوله والثبات والذكر والصبر: قال الله تعالى تعقيبا على غزوة بدر الكبرى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال: 45 – 46).
2- القوة النفسية والروحية قبل القوة المادية
يظن كثير من الناس أن المسلمين تعوزهم القوة المادية من المال والعتاد؛ لينهض ويسابق الأمم التي تسببت في تخلفه، وهضمت حقوق أهله، ذلك صحيح ومهم ولكن أهم منه وألزم: القوة الروحية من الإيمان الصحيح، والخلق الفاضل، والنفس النبيلة، والإرادة الماضية، والتضحية في سبيل الواجب والوفاء الذي تنبني عليه الثقة والوحدة وعنهما تكون القوة.
ولو آمنت الشعوب بحقها، وغيرت من نفسها، واعتنت بقوة الروح، وتقويم الأخلاق، لأتته وسائل القوة المادية من كل جانب وعند صحائف التاريخ الخبر اليقين.
فالإيمان يعيد تشكيل نفسية الإنسان، ويغير ما بداخله، ويجعل منه خلقًا آخر، يواجه الشدائد بعزيمة قوية وإرادة لا تنكسر، بل تنتصر على الهوى ورغبات النفس وشهواتها، ولرمضان المبارك الأثر الكبير في ذلك، كما أنه شهر الصبر وبالصبر والمصابرة ننتصر على الأعداء: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (آل عمران: 120).
كما أن هذه القوة الروحية هي الأساس المتين في بناء الحضارات وتحقيق النهضة لأي أمة وفي ذلك يقول الإمام البنا رحمه الله: إن تكوين الأمم، وتربية الشعوب، وتحقيق الآمال، ومناصرة المبادئ: تحتاج من الأمة التي تحاول هذا أو الفئة التي تدعو إليه على الأقل، إلى "قوة نفسية عظيمة" تتمثل في عدة أمور: إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف، ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر، وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل، ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه والمساومة عليه، والخديعة بغيره.
لى هذه الأركان الأولية التي هي من خصوص النفوس وحدها، وعلى هذه القوة الروحية الهائلة، تبنى المبادئ وتتربى الأمم الناهضة، وتتكون الشعوب الفتية، وتتجدد الحياة فيمن حرموا الحياة زمناً طويلاً. وهذا هو قانون الله تبارك وتعالى وسنته في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلاً: (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد: 11).
3- الوحدة والتآلف
إن مواجهة أعداء الوطن تتطلب منا أن نقف صفا واحدًا في مواجهة القوى التي تريد أن تجرنا إلى الوراء، وأن تعيدنا إلى ما قبل الثورات المباركة، هذه القوى تبذل أقصى جهدها في الداخل والخارج حتى لا ننعم بخيرات هذا النصر العظيم الذي يرسم تاريخ بلادنا من جديد.. ولقد حث الإسلام على التعاون والترابط قال الله تعالى: (وتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ والتَّقْوَى ولا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ والْعُدْوَانِ) (المائدة: 2).
وإن المسلم ليعجب من هذا الصخب للوقوف في وجه المشروع الإسلامي حتى لا ينعم بحقه في الحياة ويقوم بدوره في بناء مصر.
كما نعجب من سعيهم الدائب في تفريق شمل الأمة، وإثارة الخلاف والتنازع، والنفخ في كير تمزيق وحدة الشعوب باستغلال بعض الأخطاء والمخالفات والاختلافات ، بينما المتفق عليه كثير وكثير.
وإذا أردنا أن ننتصر ونعلي شأن بلادنا ، فسبيلنا أن تبقى أخلاق الثورة المباركة هي المهيمنة علينا، وعمادها الوحدة بين أبناء الوطن جميعا المسلم والمسيحي والرجل والمرأة والشاب والكبير، هذا الاتحاد يجعل هدفه الأسمى نهضة بلادنا واستقرارها، وتمام حريتها، وتحقيق العدالة بين أبنائها والمساواة بين المواطنين دون تفرقة بلون أو دين أو طبقة.. وأن يكون هدف الجميع حماية المبادئ، ونصرة الحق، وإرساء دعائم الديمقراطية بمعناها الصحيح، وميزانها العدل، أما أن تكون الديمقراطية ذات معيارين، أو تكيل بمكيالين، فهذا لا يليق بتلك الثورات العظيمة التي قامت بها الشعوب وضحت في سبيلها.
4- الحذر من أسباب الهزيمة
مع تحقيق ما سبق يجب علينا الحذر من أسباب الضعف والفشل والتي منها:
- التنازع والاختلاف: والقرآن صريح واضح في ذلك (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال: 46).
كما حذر من التفرق وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا آل عمران: 103. وقال تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (آل عمران: 105).
- التنافس على الدنيا: ففي بدر حين لاحت بوادر النصر وكانت الغنائم، بدأ الاختلاف حول من أحق بالغنائم وكل يدعي أحقيته فنزل هذا التحذير: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) (الأنفال: 1)، وقال الرسول: "مَا الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ".
- وهن النفس: إن ضعف النفوس، وتسرب اليأس إلى القلوب، هزيمة للإنسان من الداخل يعقبه الهزيمة من العدو، وانكسار وتحطيم للإرادة يتبعه تحطيم وانكسار أمام الخصوم، يقول رسول الله : "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل: ومن قِلّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، ولينزعنَّ اللّه من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنَّ اللّه في قلوبكم الوهن فقال قائل: يا رسول اللّه وما الوهن؟ قال: "حبُّ الدنيا وكراهية الموت".
أولست تراه قد بين أن سبب ضعف الأمم، وذلة الشعوب، وهن نفوسها، وضعف قلوبها، وخلاء أفئدتها من الأخلاق الفاضلة، وصفات الرجولة الصحيحة، وإن كثر عددها وزادت خيراتها وثمراتها، وإن الأمة إذا رتعت في النعيم، وأنست بالترف، وغرقت في أعراض المادة، وافتتنت بزهرة الحياة الدنيا، ونسيت احتمال الشدائد، ومقارعة الخطوب، والمجاهدة في سبيل الحق، فقل: على عزتها وآمالها العفاء.
- الإعجاب بالكثرة : إن المسلم الذي يؤمن بالحق، يدافع عنه بكل ما يملك، ولا يقعده عن ذلك قلة عدد أو انعدام العتاد، ويظل على تمسكه بالحق والدفاع عنه، حتى يظهره الله أو يموت دونه.. ويوم يزهو المسلم بمن معه من أعداد، أو لما معه من عتاد، فإنه يدخل في دائرة الإعجاب بالنفس والاغترار بالقوة، وهذا يؤدي به إلى الهزيمة: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) (التوبة: 25)
منقول من احد مواقع الإخوان