إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أسئلة مهمه وشائعه حول الاعتكاف لفضيلة الشيخ محمد المختار الشنقيطي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أسئلة مهمه وشائعه حول الاعتكاف لفضيلة الشيخ محمد المختار الشنقيطي

    أسئلة حول الاعتكاف
    الشيخ محمد المختار الشنقيطي

    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ؛ أما بعد :

    فضيلة الشيخ : حفظك الله ورعاك ، هذه مجموعة من الأسئلة تتعلق بالاعتكاف ، وبعض المسائل التي تم تلخيصها من الأسئلة الكثيرة الواردة في أحكامه وفضائله ، نرجو منكم التوجيه والإجابة عليها ، نسأل الله العظيم أن يُعْظم لك بذلك الأجر والمثوبة .

    س1 : ما هي حقيقة الاعتكاف ؟ وما هو الأصل في مشروعيته وجوازه ؟ وجزاك الله كل خير ؟

    بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين ، وعلى آله وصحبه ، ومن سار على نهجه وسبيله إلى يوم الدين ؛ أما بعد :

    فإن الاعتكاف هو لزوم الشيء ، يقال : عَكَف على الشيء إذا لبث عنده ولزمه ، ومنه قوله تعالى : { مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ } .

    وأما الاعتكاف في شريعة الله - تعالى - : فهو لزوم المسجد لطاعة الله - عز وجل - .

    وقرر العلماء - رحمهم الله - أن الاعتكاف الشرعي لا يكون إلا بلزوم المساجد ، ومذهب جمهور العلماء - رحمهم الله - على أنه لا يصح في غير المسجد .

    وذهب بعض العلماء إلى أنه يجوز للمرأة وحدها أن تعتكف في مسجد بيتها .

    والصحيح ما ذهب إليه الجمهور ؛ لظاهر الكتاب في قوله - سبحانه - : { وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } .

    فدل على أن الاعتكاف لا يكون إلا في بيوت الله - تعالى - وهي المساجد .

    وقول العلماء : (( إن الاعتكاف لزوم المسجد لطاعة الله )) أي من أجل طاعة الله - عز وجل - ، فلا يكون الاعتكاف اعتكافا شرعيا إلا إذا قصد صاحبه التقرب لله - تعالى - بالطاعات المختلفة من : الصلاة ، والذكر ، ومن التسبيح ، والتحميد والتكبير ، وتلاوة القرآن ، والاستغفار ، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وغير ذلك مما يحبه الله ويرضاه ، من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة .

    والأصل في مشروعية الاعتكاف قوله - عز وجل - : { وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ }.

    فبين عز وجل شرف الاعتكاف وفضله ، وأنه مشروع ، حينما بيّن أن بيته الحرام الذي هو أفضل البيوت على وجه الأرض على الإطلاق ، أنه أمر خليله ، وعبده إبراهيم - تعالى - أن يطهّره من أجل العاكفين ، وهذا يدل على فضل الاعتكاف وشرفه ، وعلوّ منزلته .

    وقال عز وجل : { وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } .

    فعظّم الاعتكاف ، وجعل للاعتكاف حرمة ، حيث حظَر على الزوج أن يباشر زوجته وهو معتكف ، وهذا يدلّ دلالة واضحة على مشروعية الاعتكاف ، وأنه قربة لله - تعالى - توجب الإمساك عن بعض ما حظر .

    وأما دليل السّنة فإن النّبي - صلى الله عليه وسلم - اعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان ، واعتكف العشر الوسطى كما في الصحيح من حديث أبي موسى - t وأرضاه - ، ونزل عليه الوحي ، وذلك في آخر ليلة من ليالي العشر الوسطى ، نزل عليه جبريل - تعالى - وقال : (( يا محمد ، إن الذي تطلبه أمامك )) يعني ليلة القدر . فأمر عليه الصلاة والسلام أصحابه أن يعتكفوا معه العشر الأواخر ، فدلّ هذا على مشروعيّة الاعتكاف ، فثبت الاعتكاف بالقول من سنّة النّبي - صلى الله عليه وسلم - ، وثبت بالفعل ، وكان عليه الصلاة والسلام يفعل الاعتكاف .

    وأجمع العلماء – رحمهم الله – على مشروعيّة الاعتكاف ، وأنه قربة لله - تعالى - ، وطاعة لله - عز وجل - ، ويتأكّد استحباب هذه العبادة العظيمة في العشر الأواخر من شهر رمضان ، وهي جائزة في سائر السَنّة ، يجوز للمسلم أن يعتكف في المسجد في أي ليلة ، وفي أي يوم ، وفي أي ساعة على الصحيح : أن الاعتكاف ليس له حد أدنى ؛ لعدم عدم ثبوت التحديد والتأقيت، ولذلك لا يتقيد بزمان ، وهذا مذهب الأئمة الأربعة - رحمهم الله - على مشروعية الاعتكاف في سائر السنة وليس مخصوصا في رمضان ، وأنه يجوز للمسلم أن يعتكف في أيّ يوم أو في أي ليلة ، ما عدا من يشترط الصوم ، فإنه يمنع إذا كان يوما محظورا على المسلم أن يصومه .

    ويتأكّد الاستحباب في العشر الأواخر ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتكف العشر الأواخر ، وقد ثبت عن النّبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قضى اعتكافه في رمضان في شوّال ، وهذا يدلّ على مشروعية الاعتكاف في سائر السَنّة ، لأنه أنزل ليالي في شوال منزلة الليالي من رمضان ، فدل هذا على صحة الاعتكاف في سائر السنة .

    والإجماع منعقد على أن هذه العبادة والطاعة مما يتقرّب بها إلى الله - تعالى - إذا حفظ العبد حدودها ، وقام بحقوقها ، وأداها على وجهها ؛ نال بركتها وخيرها ، فعظم ثوابه ، وحسن جزاؤه عند الله - عز وجل - ، ولذلك قلّ أن ترى عينك رجلا قام بالاعتكاف على وجهه إلا وجدت أثره في نفسه، وفي قوله وعمله .

    ومن الناس من يخرج من اعتكافه صالح الحال سائر السَنّة ، ومن الناس من يخرج بالقليل والكثير ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، نسأل الله العظيم ربّ العرش الكريم أن يجعل لنا من فضله أوفر الحظ والنصيب ، والله تعالى أعلم .

    س2 : فضيلة الشيخ : هل الاعتكاف واجب ، وإذا لم يكن واجبا فمتى يحكم بوجوبه ، وما هي الشروط التي ينبغي توفرها لصحة الاعتكاف ، وجزاك الله كل خير ؟

    الاعتكاف ليس بواجب ، بل هو قربة ، وسنة مستحبة ، وليس هناك دليل يدل على الإلزام بالاعتكاف ، وإنما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - طلبا للأفضل والأكمل ، والتماسا لليلة القدر في العشر الأواخر .

    وأما متى يكون واجبا ؟ فإن الاعتكاف يكون واجبا بالنذر ، فإذا نذر الإنسان أن يعتكف ؛ فإنه يوفي بنذره ؛ لأن النّبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الحديث الصحيح : (( من نذر أن يطيع الله ؛ فليطعه )) .

    فهذا أمر يقتضي وجوب الوفاء بالنذر ، وثبت عنه - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الصحيح حينما سأله عمر عن أنه نذر في الجاهلية أن يعتكف ، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يوفي بنذره ، فهذا يدل على أن الاعتكاف يكون واجبا في حال النذر .

    واختلف العلماء - رحمهم الله - لو كان الاعتكاف نافلة وطاعة ، فدخل فيها المكلف : هل الشروع في النافلة يُصيّرها فريضة - وقد تقدمت معنا هذه المسألة - وبيّنا أن هناك عبادات نص الشرع على أن الدخول في نافلتها يُصيّرها فريضة ، ويلزم إتمامها ، كما في الحج والعمرة ، وأن هناك عبادات تبقى على الأصل ، كما في الحديث عنه - عليه الصلاة والسلام - في الصوم أنه قال : (( المتطوع أمير نفسه )) .

    فهذا الحديث أصل عند طائفة من العلماء - رحمهم الله - على أن المتطوع أمير لنفسه ، إن شاء أتم ، وإن شاء لم يتم ، ولا شك أن الأفضل والأكمل أن يتم العبد طاعته لله - تعالى - .

    أما الشروط التي ينبغي توفرها في المعتكف :

    فأولا : يشترط الإسلام ، فلا يصح الاعتكاف من كافر ؛ لأن الله - عز وجل - أحبط الأعمال بالكفر ، كما قال عز وجل : { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا } .

    فأحبط الله الأعمال بالكفر، فلا يصح اعتكاف الكافر .

    ثانيا : يشترط العقل ، فلا يصح الاعتكاف من مجنون ، ولا يصح الاعتكاف من سكران غائب العقل .

    وثالثا : يشترط النية ، فلا يصح الاعتكاف إلا بالنية ، فلو أنه دخل المسجد ، ومكث فيه ليالي العشر، ولم يستحضر أنه معتكف ، ولم ينوِ الاعتكاف ؛ فإنه يُعتبر متقربا لله - تعالى - ، مطيعا، ممتثلا ، ولكنه ليس بمعتكف ؛ لأنه لم ينوِ الاعتكاف ، فلا يصح الاعتكاف إلا بنيّة ؛ لأن النبّي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى )) .

    كذلك يشترط في المعتكف : أن يكون طاهرا من الحدث الأكبر من : الجنابة ، والحيض ، والنفاس ، فلا يصح الاعتكاف من الجُنُب ، وكذلك الحائض والنفساء ، ولكن المعتكف إذا أجنب خرج واغتسل ، ثم رجع إلى المسجد ، ولا يقطع ذلك اعتكافه ؛ لوجود العذر الشرعي .

    وكذلك المرأة إذا اعتكفت ، ثم نزل عليها الحيض خرجت من مسجدها واعتكافها .

    كذلك أيضا يشترط في الاعتكاف : أن يكون في المسجد ، فلا يصح الاعتكاف في غير المسجد ؛ لأن الله - تعالى - خص الاعتكاف في المساجد ؛ فقال سبحانه : { وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } .

    فدل على أن محل الاعتكاف إنما هو المسجد ، فإذا استتمّت هذه الشروط ؛ فإنه يحكم بصحة الاعتكاف واعتباره ، واختلف في شرط الصوم فالصحيح عدم لزومه . والله تعالى أعلم .

    س3 : فضيلة الشيخ : لا يخفى أن المساجد تتفاوت في الفضيلة ، فما هو الضابط في تفضيل المساجد بعضها على بعض في الاعتكاف ، وأيها يقدم المعتكف ويحرص عليه مع ذكر الدليل على تلك الضوابط من الكتاب والسنة . وجزاكم الله كل خير ؟

    أول المساجد فضلا ، وأعظمها أجرا ، وأعلاها قدرا البيت الحرام ، فمسجد الكعبة هو أعظم المساجد ، وأفضلها على الإطلاق ؛ لأنه اجتمعت فيه فضائل لا توجد في غيره :

    فأولا : أن الطواف لا يشرع إلا فيه ، وهذه فضيلة لا توجد في غير المسجد الحرام ، والطواف من أجل القربات لله - عز وجل - .

    وثانيا : مضاعفة الصلاة فيه أكثر من غيره ، فالصلاة في مسجد الكعبة بمائة ألف صلاة ، وهذه فضيلة لا توجد في غيره ؛ كما نص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ذلك .

    وثالثا : قِدَمه ؛ لأنه أول بيت وضع للناس ، وهو مسجد الكعبة ، والأقدم مقدّم على غيره - كما سيأتي في ضوابط التفضيل بين المساجد - . فالأفضل مسجد الكعبة ، ثم يليه مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الصلاة فيه بألف ، وهذه فضيلة لا توجد في غيره ما عدا المسجد الحرام ، ولذلك يفضل مسجد المدينة على ما سواه من المساجد بعد مسجد الكعبة ، ثم المسجد الأقصى ؛ لورود الفضل فيه ، والصلاة فيه بخمسمائة ، وكذلك ينظر في التفضيل إلى أصول وضوابط دلت عليها أدلة الكتاب والسنة :

    فأولها : قِدَم المسجد ، فإذا كان المسجد أقدم ؛ فإنه أفضل ، وأولى بالاعتكاف ؛ والدليل على ذلك قوله تعالى : { لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ } فبيّن عز وجل في هذه الآية الكريمة أن المسجد الأقدم أحقّ أن يقوم الإنسان فيه بالعبادة ، وهذا أخذ منه الأئمة - رحمهم الله - تفضيل المسجد الأقدم .

    كذلك أيضا : يفضل المسجد الأكثر عددًا ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثبت في الحديث الصحيح عنه أنه قال : (( صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده ، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الواحد وما كان أكثر فهو أزكى )) .

    ففضّل الصلاة مع كثرة العدد ، فتفضل المساجد التي هي أكثر عددا ؛ لوجود هذه الفضيلة الثابتة في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - .

    كذلك يفضل الاعتكاف في المسجد الذي يخشع فيه قلب الإنسان أكثر، وتتوفر الدواعي للخشوع من : وجود إمام يتأثر بقراءته ، ويتأثر بخُطَبه ، ويتأثر بمواعظه ، ويتأثر بتوجيهه ؛ فحينئذ يحرص على أن يصلي فيه ؛ لأن الله - عز وجل - مقلّب القلوب، ويرزق أئمة المساجد القبول فضلا منه - عز وجل - ، والإخلاص له أثر، فقلّ أن يوضع القبول لإنسان في أمر من أمور الدين إلا ووراء ذلك بعد فضل الله سر من الإخلاص .

    فإذا صلى الإنسان وراء إمام مخلص أو تظهر آثار إخلاصه في انتفاعه بوعظه ، وانتفاعه بتوجيهه ، وحبه له ، وتأثره بنصائحه ، فهذا لا شك أنه أفضل في حق هذا المكلف ؛ لأن المقصود الأعظم هو الخشوع ، وحضور القلب ، وهذا أصل معتبر في سماع التلاوة ، والتأثر بالقرآن، وبالمواعظ .

    وبخلاف الإمام الذي ينفّر الناس ؛ وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك ، فقال : (( إن منكم منفرين )) .

    فإذا كان في المسجد له إمام ينفر، وأسلوبه ينفّر ولا يحبّب، فحينئذ يقدّم غيره عليه ؛ لأنه أقرب إلى السنة ، واتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهذه كلها من الأسباب أو الضوابط التي توجب تفضيل مسجد على آخر، وتقديمه على غيره . والله تعالى أعلم .


يعمل...
X