((بعض مناهج التربية الإسلامية تحتوي على "أفكار يمكن فهمها على محمل التحريض ضد الآخر والانعزال عن المجتمع"!! وفيها "عبارات تحض على التطرف والعنف"، فـ"الآن (التعديل) مطلوب لتجنيب الطلاب سوء الفهم لأي أفكار دينية"، و"بسبب شكوى البعض داخل المجتمع من وجود بعض الخلل في مناهج التربية الدينية"))
. هذا ما صرح به وزير التربية والتعليم ، وسط دهشة لا محدودة من الأطياف المختلفة في مصر، وعلى كافة المستويات الثقافية التي لم تخفِ ارتيابها مما تسعى الحكومة إليه من مزيد من طمس مناهج التربية الإسلامية المطموسة أصلاً، والتي فيها ما فيها من تسطيح التفكير وترسيخ النظرة المشوهة إلى الدين الإسلامي التي تصوره على أنه انحصر دوره وانتهى بعدما قضى على عبادة الأصنام ووأد البنات في مكة وما حولها من القرى وفقط.
أما الأزمة الجديدة فهي التي أعلنتها مصادر صحفية عن أحمد جبيلي رئيس حزب الشعب الديمقراطي أن خبيرة يهودية تعمل ضمن عدد من الخبراء الأمريكيين يصل عددهم لحوالي 600 خبير مشاركين في مشروع الخطة الاستراتيجية لتطوير التعليم في مصر.
ولا أدري حقيقةً حتى هذه اللحظة أين التطرف والعنف الذي يحويه كتاب التربية الإسلامية بمراحله المختلفة، وسط هذا الركام من البساطة الذي جُمع من هنا وهناك ليوضع بين دفتي كتاب كُتب عليه من الخارج: التربية الدينية الإسلامية، حيث لا مادة علمية ، ولا عقيدة صافية سليمة تربي الروح وتنمي الشعور والوجدان، ولا رابط فيما بين موضوعاته، ولا تصور صحيح للقوة الإسلامية، ولا قراءة عقلية لمناهج الأعداء وطريقة التصدي لمخططاتهم وعداواتهم الظاهرة والباطنة!!
إن المستهدف الأساسي من هذه الخطة هو تغيير التركيبة الدينية للمجتمع، لتحل محلها منظومة دينية أخرى غير تلك التي صارت لها شوكة مع الزمن، فالتركيبة الحالية ليست على هوى بعض المسئولين الحوميين وحتى بعض الدينيين، ولاحظوا معي كيف بدأت الحرب قبل تولي وزير التربية والتعليم لتولي مهام منصبه بحربه على المنتقبات، ومنعهن من دخول الامتحانات في جامعته التي كان رئيسًا لها، واللافت للنظر كذلك توليه لمنصب الوزارة بعد إعلانه الحرب عليهن، واللافت كذلك تكرار اسم سيادة الوزير وسماحة المفتي علي جمعة في هذه الحادثة وتلك، فبعد أن أمر "بدر" بمنع الطالبات من دخول امتحانات الفصل الدراسي الأول، أعلن مفتي الجمهورية الدكتور "علي جمعة" أن النقاب ليس من الإسلام، مخالفًا في ذلك وبوضوح شديد فتواه السابقة قبل جلوسه على كرسي الإفتاء بوجوب لبس النقاب أو على أقل تقدير استحباب لبسه والتشجيع على ارتدائه وعدم التشنيع على من ترتديه.
ملاحَظ بشدة في هذا السياق أن مضادة الصحوة الإسلامية هو الخيط الرفيع الذي جمع بين المسئولين في هاتين الجولتين، واللتين نرى أنهما لن تكونا آخر جولتين، بل إنها بداية الحرب التي قد تستمر جولات وجولات، وتمتد إلى ساحات أخرى غير ساحات التربية أو فضاءات المناهج التعليمية؛ لترسيخ إسلام صوفي جديد ينتشر في أوساط المجتمع باعتباره بديلاً عن الإسلام السني المعتدل، ذلك الإسلام الصوفي الذي يزرع في عقول معتنقيه التسليم التام لكل موقف كائنًا ما كان ، سواء أكانت تلك المواقف والقرارات صالحة مصلحة أم كان يجلس على كراسيها ويمسك بحقائبها الفاسدون والمفسدون.
لا تزال الطرق الصوفية عبر الأزمنة تمسك في يديها سيفًا خشبيًا لا أكثر، ليصير دلالة على الانقياد، بل وللتدليل أحيانًا على إعانتهم للمحتلين بحجة أن ذلك من قدر الله الذي ينبغي الإذعان له، فإن سعى أحد لتغييره بمقاومة وجهاد المحتل اتُّهم بالكفر والزندقة لأنه يسعى في تغيير قدر الله، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.
وبالتزامن مع هذه الأحداث يلاحظ المتابع للأحوال في مصر مدى التوسع والتشجيع على نشر طريقة التفكير الصوفية على المجتمع المصري، ومحاولات غربية كذلك للترويج للطرق الصوفية التي كان السفير الأمريكي السابق حريصًا كل الحرص على حضور موالدها في مختلف مدن مصر، بل ومدحه من حين لآخر للأولياء وأصحاب الأضرحة المنتشرين في جنبات البلاد.
ولكن السؤال الأهم هنا: لماذا يخفي المسؤولون أن هناك أيادٍ غربية -أمريكية بالأخص- وراء تغيير المناهج أو تعديلها؟! لماذا يصرون على إنكار أن السفارة الأمريكية تعمل في الخفاء منذ خمسة أعوام لوضع كتاب لتدريسه على التلاميذ على غرار مادة الأخلاق، التي كانت في الأساس من تأليف وتمويل هيئة المعونة الأمريكية؟! ومن المعلوم أنه ما دامت الأموال أمريكية فإن الأفكار الممولة أمريكيًا لابد وأن تكون هي الأخرى أفكارًا يرتضيها المنتِج الأمريكي.
انا لله وانا اليه راجعون
وحسبنا الله ونعم الوكيل
وحسبنا الله ونعم الوكيل