مكفرات الذنوب
وقفتنا هذه المرة مع دعاء أولي الألباب ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ (193)﴾ (آل عمران).
وتكفير الذنوب: هو محو لأصل الذنب بالكلية أو محو لبعضه فلا يبقى له أثر بالكلية فضلاً من الله وتكرمًا.
أما مغفرة الذنوب: فهي وقاية شر الذنوب بسترها وتغطيتها عفوًا من الله ورحمةً، ولكنها مكتوبة في سجلات العبد.. يُذكِّره الله بها بلا حسابٍ عليها، وكفى بذلك تخويفًا.
- والاستغفار: هو دعاء بالمغفرة كمثل كل الدعاء إن شاء الله استجاب وإن لم يشأ لم يستجب جلَّ وعلا.
- والاستغفار: كلمة مطلقة تقيدها آية آل عمران ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)﴾ (آل عمران).
- والاستغفار مطلوبٌ في كل الأوقات لعله يوافق ساعات استجابة في الأوقات الفاضلة.
- وتدبر قول عائشة- رضي الله عنها-: "طوبي لمَن وجد في صحيفته استغفارًا كثيرًا".
- ثم أُبشرك بمقولة نبيك صلى الله عليه وسلم "عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن لزم الاستغفار جعل الله له من كلِّ همٍّ فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب".
ومكفرات الذنوب ثمانية :
1- الدعاء مع الرجاء.
2- الاستغفار.
3- التوحيد.
4- اتباع السيئة الحسنة.
5- المصائب المكفرة للذنوب.
6- اجتناب الكبائر.
7- شفاعة النبي لأهل الكبائر من أمته.
8- نار جهنم- عياذًا بالله منها- لمَن لم يتطهر بالسبع السابقات.
والأسباب الثلاثة الأول يجمعهن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الترمذي، وقال: حديث حسن. عن أنس رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: "يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تُشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة".
والسبب الرابع ورد في حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم من رواية أبي ذر عند الترمذي، وقال حديث حسن: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئةَ الحسنةَ تمحها، وخالق الناس بخلق حسن"
والمعني: إذا فعلت سيئةً فأتبعها بحسنة، فهذه الحسنة تمحو السيئة، واختلف العلماء- رحمهم الله- هل المراد بالحسنة التي تتبع السيئة هي التوبة، فكأنه قال: إذا أسأت فتب أو المراد العموم؟
الصواب الثاني، أن الحسنة تمحو السيئة وإن لم تكن توبة، ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)﴾ (هود)، ولما سأل رجلٌ النبي صلي الله عليه وسلم وقال: إنه أصاب من امرأةٍ ما يُصيب الرجل من امرأته إلا الزنا، وكان قد صلَّى معهم الفجر فقال صلى الله عليه وسلم: "أصليت معنا الفجر؟ قال: نعم، فتلا عليه الآية: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾"، وهذا يدل على أن الحسنة تمحو السيئة وإن لم تكن هي التوبة.
فيا من تحاول الاقلاع عن السيئات.. ولا تقدر.. أحدث بعد كل سيئةٍ حسنة، السر بالسر والعلانية بالعلانية.
السبب الخامس يوضحه حديث النبي- صلي الله عليه وسلم- الذي رواه أبو سعيد الخدري وأبو هريرة رضي الله عنهما: "ما يصيب المسلم من نصبٍ ولا وصبٍ ولا هم ولاحزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها الا كفَّر الله بها من خطاياه" (متفق عليه).. فقط استحضر عند صبرك على المصيبة نية أن يُكفِّر الله بذلك الصبر من خطاياك.
السبب السادس: يظهر في قوله تعالى ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيمًا (31)﴾ (النساء).
فقط استحضر نية باجتنابك للكبائر أن يُكفِّر الله الصغائر، وتبقى الكبائر تحتاج إلى التوبة النصوح.
السبب السابع: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم للعصاة من أمته فعن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" (صحيح).
"فأكرم به من نبي نسأل الله أن يجعلنا من أهل شفاعته فهو صاحب المقام المحمود عند ربه، وما كان الله ليخذل حبيبه يوم القيامة أبدًا.
أخي الحبيب.. إذا لم تُفدك السبعة السابقة!! فلم يبق لك إلا الثامنة.. نار جهنم- عياذًا بالله منها- يتطهر بها مَن استوجب النار بذنوبه حتى إذا نُقِّي وهُذِّب دَخَلَ الجنةَ مُطَّهرًا، فلا يفرح عاقلٌ بأنَّ مآله في النهاية إلى الجنة؛ لأن نارَ الدنيا جزءٌ من سبعين جزءٍ من نار جهنم.. نار أُوقد عليها ألف سنة حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتي ابيضت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودَّت فهي الآن سوداء مظلمة!!.
وقفات مع بعض مكفرات الذنوب
أ) الدعاء الذي تُكفَّر به الذنوب (كمثل كل صيغ الدعاء بالمغفرة وتكفير الذنوب التي وردت في الكتاب وصحيح السنة).. له شروط وآداب:
1- استحضر قلبك وارج الإجابة من الله تعالى: كما خرَّجه الترمذي من حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، وإن الله لا يقبل الدعاء من قلب غافل لاه".
وما دام العبد مخلصًا في الدعاء ويطمع في الإجابة من غير قطع الرجاء فهو قريبٌ من الإجابة، ومن أدمن قرع الباب يوشك أن يُفتح له.
2- كن لحوحًا بالدعاء بالمغفرة: بتكرير ذكر ربوبيته، وهو من أعظم ما يطلب به إجابة الدعاء، ومن تأمَّل الأدعية المذكورة في القرآن وجدها غالبًا تفتتح باسم الرب جلَّ وعلا: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ (البقرة: من الآية 201)، ﴿ رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ﴾ (آل عمران: من الآية ، ﴿ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ﴾ (البقرة: من الآية 286)، ومثل هذا في القرآن كثير.
3- لا تستعجل: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل: يقول: قد دعوت ربي فلم يستجب لي" (متفق عليه)، وفي رواية لمسلم: " لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل. قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت فلم أرَ يستجيب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء".
4- اسجد واقترب، واغتنم الأوقات الفاضلة كوقت السحر في جوف الليل الآخر، وادخل على مولاك من باب السجود، واستحضر دموع الندم لتكون واحدًا من السبعة الذين يظلهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظله " ورجلٌ ذَكَرَ الله خاليًا ففاضت عيناه..".
وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء " (رواه مسلم).
5- لا تيأس من هول الذنوب وعظمها: فإن عفو الله ومغفرته أعظم منها وأعظم فهي صغيرة في جنب رحمته التي وسعت كل شيء والله تعالي يقول: " أنا عند ظن عبدي بي " (حديث قدسي متفق عليه من حديث أبي هريرة).
ب) التوحيد الذي يغفر الله تعالى به الذنوب هو التوحيد الذي يخرج من قلب العبد كل ما سوى الله محبةً وتعظيمًا وإجلالاً ومهابةً وخشيةً ورجاءً وتوكلاً، وحينئذٍ تحرق ذنوبه وخطاياه كلها ولو كانت مثل زبد البحر، بل وربما قلبتها حسنات، فإن هذا التوحيد هو الإكسير الأعظم فلو وُضع منه ذرة على جبال الذنوب والخطايا لقلبها حسنات، كما في المسند وغيره عن أم هانئ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا إله إلا الله لا تترك ذنبًا ولا يسبقها عمل ".
فإن كمُل توحيد العبد وإخلاصه لله فيه وقام بشروطه كلها بقلبه ولسانه عند الموت وبجوارحه في حياته قبل الموت أوجب ذلك مغفرة ما سلف من الذنوب كلها ومنعه من دخول النار بالكلية والموحد، كما هو معلوم في عقيدة أهل السنة والجماعة لا يخلد في النار بل يخرج منها ثم يدخل الجنة برحمة الرحمن الرحيم.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يحيينا على التوحيد الخالص، وأن يقبضنا عليه.. آمين.
ج) لكي تكون من أهل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم أسألك أخي الحبيب أن تتدبر أحاديث الحوض عند الامام مسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا رب أصحابي.. مناديًا على أُناسٍ مُنعوا من الحوض فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فيدعو عليهم رسول الله: " سحقًا سحقًا لمَن غيَّر بعدي " فاحذر أن تكون من هؤلاء الذين بدَّلوا شرعته وهجروا سنته فتُحرم شفاعته.
وها هي أيام الخير قد أقبلت، وأكرمنا الله ببلوغها.. فهل أعددنا لها توبةً نصوحًا؟، والله من وراء القصد.
بقلم د/عبدالعزيز المالكي
وقفتنا هذه المرة مع دعاء أولي الألباب ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ (193)﴾ (آل عمران).
وتكفير الذنوب: هو محو لأصل الذنب بالكلية أو محو لبعضه فلا يبقى له أثر بالكلية فضلاً من الله وتكرمًا.
أما مغفرة الذنوب: فهي وقاية شر الذنوب بسترها وتغطيتها عفوًا من الله ورحمةً، ولكنها مكتوبة في سجلات العبد.. يُذكِّره الله بها بلا حسابٍ عليها، وكفى بذلك تخويفًا.
- والاستغفار: هو دعاء بالمغفرة كمثل كل الدعاء إن شاء الله استجاب وإن لم يشأ لم يستجب جلَّ وعلا.
- والاستغفار: كلمة مطلقة تقيدها آية آل عمران ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)﴾ (آل عمران).
- والاستغفار مطلوبٌ في كل الأوقات لعله يوافق ساعات استجابة في الأوقات الفاضلة.
- وتدبر قول عائشة- رضي الله عنها-: "طوبي لمَن وجد في صحيفته استغفارًا كثيرًا".
- ثم أُبشرك بمقولة نبيك صلى الله عليه وسلم "عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن لزم الاستغفار جعل الله له من كلِّ همٍّ فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب".
ومكفرات الذنوب ثمانية :
1- الدعاء مع الرجاء.
2- الاستغفار.
3- التوحيد.
4- اتباع السيئة الحسنة.
5- المصائب المكفرة للذنوب.
6- اجتناب الكبائر.
7- شفاعة النبي لأهل الكبائر من أمته.
8- نار جهنم- عياذًا بالله منها- لمَن لم يتطهر بالسبع السابقات.
والأسباب الثلاثة الأول يجمعهن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الترمذي، وقال: حديث حسن. عن أنس رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: "يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تُشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة".
والسبب الرابع ورد في حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم من رواية أبي ذر عند الترمذي، وقال حديث حسن: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئةَ الحسنةَ تمحها، وخالق الناس بخلق حسن"
والمعني: إذا فعلت سيئةً فأتبعها بحسنة، فهذه الحسنة تمحو السيئة، واختلف العلماء- رحمهم الله- هل المراد بالحسنة التي تتبع السيئة هي التوبة، فكأنه قال: إذا أسأت فتب أو المراد العموم؟
الصواب الثاني، أن الحسنة تمحو السيئة وإن لم تكن توبة، ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)﴾ (هود)، ولما سأل رجلٌ النبي صلي الله عليه وسلم وقال: إنه أصاب من امرأةٍ ما يُصيب الرجل من امرأته إلا الزنا، وكان قد صلَّى معهم الفجر فقال صلى الله عليه وسلم: "أصليت معنا الفجر؟ قال: نعم، فتلا عليه الآية: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾"، وهذا يدل على أن الحسنة تمحو السيئة وإن لم تكن هي التوبة.
فيا من تحاول الاقلاع عن السيئات.. ولا تقدر.. أحدث بعد كل سيئةٍ حسنة، السر بالسر والعلانية بالعلانية.
السبب الخامس يوضحه حديث النبي- صلي الله عليه وسلم- الذي رواه أبو سعيد الخدري وأبو هريرة رضي الله عنهما: "ما يصيب المسلم من نصبٍ ولا وصبٍ ولا هم ولاحزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها الا كفَّر الله بها من خطاياه" (متفق عليه).. فقط استحضر عند صبرك على المصيبة نية أن يُكفِّر الله بذلك الصبر من خطاياك.
السبب السادس: يظهر في قوله تعالى ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيمًا (31)﴾ (النساء).
فقط استحضر نية باجتنابك للكبائر أن يُكفِّر الله الصغائر، وتبقى الكبائر تحتاج إلى التوبة النصوح.
السبب السابع: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم للعصاة من أمته فعن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" (صحيح).
"فأكرم به من نبي نسأل الله أن يجعلنا من أهل شفاعته فهو صاحب المقام المحمود عند ربه، وما كان الله ليخذل حبيبه يوم القيامة أبدًا.
أخي الحبيب.. إذا لم تُفدك السبعة السابقة!! فلم يبق لك إلا الثامنة.. نار جهنم- عياذًا بالله منها- يتطهر بها مَن استوجب النار بذنوبه حتى إذا نُقِّي وهُذِّب دَخَلَ الجنةَ مُطَّهرًا، فلا يفرح عاقلٌ بأنَّ مآله في النهاية إلى الجنة؛ لأن نارَ الدنيا جزءٌ من سبعين جزءٍ من نار جهنم.. نار أُوقد عليها ألف سنة حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتي ابيضت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودَّت فهي الآن سوداء مظلمة!!.
وقفات مع بعض مكفرات الذنوب
أ) الدعاء الذي تُكفَّر به الذنوب (كمثل كل صيغ الدعاء بالمغفرة وتكفير الذنوب التي وردت في الكتاب وصحيح السنة).. له شروط وآداب:
1- استحضر قلبك وارج الإجابة من الله تعالى: كما خرَّجه الترمذي من حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، وإن الله لا يقبل الدعاء من قلب غافل لاه".
وما دام العبد مخلصًا في الدعاء ويطمع في الإجابة من غير قطع الرجاء فهو قريبٌ من الإجابة، ومن أدمن قرع الباب يوشك أن يُفتح له.
2- كن لحوحًا بالدعاء بالمغفرة: بتكرير ذكر ربوبيته، وهو من أعظم ما يطلب به إجابة الدعاء، ومن تأمَّل الأدعية المذكورة في القرآن وجدها غالبًا تفتتح باسم الرب جلَّ وعلا: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ (البقرة: من الآية 201)، ﴿ رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ﴾ (آل عمران: من الآية ، ﴿ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ﴾ (البقرة: من الآية 286)، ومثل هذا في القرآن كثير.
3- لا تستعجل: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل: يقول: قد دعوت ربي فلم يستجب لي" (متفق عليه)، وفي رواية لمسلم: " لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل. قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت فلم أرَ يستجيب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء".
4- اسجد واقترب، واغتنم الأوقات الفاضلة كوقت السحر في جوف الليل الآخر، وادخل على مولاك من باب السجود، واستحضر دموع الندم لتكون واحدًا من السبعة الذين يظلهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظله " ورجلٌ ذَكَرَ الله خاليًا ففاضت عيناه..".
وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء " (رواه مسلم).
5- لا تيأس من هول الذنوب وعظمها: فإن عفو الله ومغفرته أعظم منها وأعظم فهي صغيرة في جنب رحمته التي وسعت كل شيء والله تعالي يقول: " أنا عند ظن عبدي بي " (حديث قدسي متفق عليه من حديث أبي هريرة).
ب) التوحيد الذي يغفر الله تعالى به الذنوب هو التوحيد الذي يخرج من قلب العبد كل ما سوى الله محبةً وتعظيمًا وإجلالاً ومهابةً وخشيةً ورجاءً وتوكلاً، وحينئذٍ تحرق ذنوبه وخطاياه كلها ولو كانت مثل زبد البحر، بل وربما قلبتها حسنات، فإن هذا التوحيد هو الإكسير الأعظم فلو وُضع منه ذرة على جبال الذنوب والخطايا لقلبها حسنات، كما في المسند وغيره عن أم هانئ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا إله إلا الله لا تترك ذنبًا ولا يسبقها عمل ".
فإن كمُل توحيد العبد وإخلاصه لله فيه وقام بشروطه كلها بقلبه ولسانه عند الموت وبجوارحه في حياته قبل الموت أوجب ذلك مغفرة ما سلف من الذنوب كلها ومنعه من دخول النار بالكلية والموحد، كما هو معلوم في عقيدة أهل السنة والجماعة لا يخلد في النار بل يخرج منها ثم يدخل الجنة برحمة الرحمن الرحيم.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يحيينا على التوحيد الخالص، وأن يقبضنا عليه.. آمين.
ج) لكي تكون من أهل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم أسألك أخي الحبيب أن تتدبر أحاديث الحوض عند الامام مسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا رب أصحابي.. مناديًا على أُناسٍ مُنعوا من الحوض فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فيدعو عليهم رسول الله: " سحقًا سحقًا لمَن غيَّر بعدي " فاحذر أن تكون من هؤلاء الذين بدَّلوا شرعته وهجروا سنته فتُحرم شفاعته.
وها هي أيام الخير قد أقبلت، وأكرمنا الله ببلوغها.. فهل أعددنا لها توبةً نصوحًا؟، والله من وراء القصد.
بقلم د/عبدالعزيز المالكي
تعليق