إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

علو الهمة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [منقول] علو الهمة

    " علو الهمة "
    أولًا : في القرآن الكريم :


    (علو الهمة خلق رفيع وغاية نبيلة، تتعشقه النفوس الكريمة، وتهفو إليه الفطر القويمة، وعلو الهمة من الأسس الأخلاقية الفاضلة، وإليه يرجع مجموعة من الظواهر الخلقية، كالجد في الأمور، والترفع عن الصغائر والدنايا، وكالطموح إلى المعالي) [الهمة العالية معوقاها ومقوماتها،لمحمد الحمد] والإسلام يحثُّ على هذا الخلق النبيل، وقد وردت آيات من القرآن الكريم، تدل على ذلك، ومنها :
    - قوله تعالى : " وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ " [آل عمران: 133] .
    ففي هذه الآية (ندب الله عباده إلى المبادرة إلى فعْل الخيرات، والمسارعة إلى نَيْل القُرُبات) [تقسير القرآن العظيم]وهو أمر من الله بالهمة العالية .
    - وقال تعالى : " فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ " [الأحقاف: 35] .
    فهذه الآية فيها ثناء (على أصحاب الهمم العالية، وفي طليعتهم الأنبياء والمرسلون وفي مقدمتهم أولو العزم من الرسل، وعلى رأسهم خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم... وقد تجلت همتهم العالية في مثابرتهم، وجهادهم، ودعوتهم إلى الله عزَّ وجلَّ، كما أوضحه الله عزَّ وجلَّ في قصص الأنبياء : كنوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) [علو الهمة ،لمحمد إسماعيل المقدم] .
    ثانيًا : في السنة النبوية :


    - عن حكيم بن حزام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله)) [رواه البخارى ومسلم،واللفظ للبخارى] .
    قال ابن بطال : (فيه ندب إلى التعفف عن المسألة، وحض على معالي الأمور، وترك دنيئها، والله يحب معالي الأمور) [شرح صحيح البخارى] .
    - وقال صلى الله عليه وسلم : ((احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز)) [رواه مسلم] .
    (وعامة نصوص الترغيب والترهيب في الوحيين الشريفين؛ إنما ترمي إلى توليد قوة دافعة تحرك قلب المؤمن، وتوجهه إلى إقامة الطاعات، وتجنب المعاصي والمخالفات، وإلى بعث الهمة وتحريكها واستحثاثها للتنافس في الخيرات، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصر) [تيسير الكريم الرحمن] ومن ذلك :
    - قوله صلى الله عليه وسلم : ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا)) [رواه البخارى ومسلم] .
    أقوال السلف والعلماء في علو الهمة :


    - روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : (لا تصغرنَّ همتكم؛ فإني لم أرَ أقعد عن المكرمات من صغر الهمم) [أدب الدنيا والدين] .
    - وقال مالك : (عليك بمعالي الأمور وكرائمها، واتقِ رذائلها وما سفَّ منها؛ فإنَّ الله تعالى يحبُّ معالي الأمور، ويكره سفسافها) [ترتيب المدارك ، للقاضى عياض] .
    - وعن دكين الراجز قال : (أتيت عمر بن عبد العزيز بعد ما استُخلف أستنجز منه وعدًا كان وعدنيه، وهو والي المدينة، فقال لي : يا دكين، إن لي نفسًا توَّاقة، لم تزل تتوق إلى الإمارة، فلمَّا نلتها تاقت إلى الخلافة، فلما نلتها تاقت إلى الجنة) [عيون الأخبار ،لابن قتيبة] .
    - وقال ابن الجوزي : (من علامة كمال العقل علوُّ الهمة، والراضي بالدون دني) [صيد الخاطر] .
    - وقال ابن القيم : (فمن علت همته، وخشعت نفسه، اتصف بكلِّ خلق جميل، ومن دنت همته، وطغت نفسه، اتصف بكلِّ خلق رذيل) [الفوائد] .
    صور علو الهمة :


    مظاهر وصور علو الهمة كثيرة جدًّا؛ فالأعمال الجادة كلها تحتاج إلى علو الهمة، وسنتحدث عن بعض مظاهر علو الهمة وهي كالتالي :
    1- علو الهمة في طلب العلم :
    من مظاهر علو الهمة : الاجتهاد في طلب العلم؛ والجد والمثابرة في تحصيله وإن من أعظم ما يعين على علو الهمة في طلب العلم مطالعة ما أعده الله عزَّ وجلَّ لطالب العلم والعلماء .
    قال الشوكاني في الحثِّ على علو الهمة في طلب العلم : (فإنَّ الله سبحانه قد قرن العلماء في كتابه بنفسه وملائكته فقال : " شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ " [آل عمران:18] .
    وقصر الخشية له التي هي سبب الفوز لديه عليهم فقال : " إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ " [فاطر:28] .
    وأخبر عباده بأنه يرفع علماء أمته درجات فقال : " يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ "[المجادلة:11] وأخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن العلماء ورثة الأنبياء .
    وناهيك بهذه المزية الجليلة، والمنقبة النبيلة، فأكرم بنفس تطلب غاية المطالب في أشرف المكاسب، وأحبب برجل أراد من الفضائل ما لا تدانيه فضيلة، ولا تساميه منقبة، ولا تقاربه مكرمة)
    [أدب الطلب ومنتهى الأدب] .
    كذلك مطالعة أحوال السلف، وعلو همتهم في التعلم والتعليم، والقراءة والإقراء والتصنيف، والرحلة في طلب العلم، والسهر في المذاكرة، والتعرض للأخطار، ومعاناة الجوع والمرض في سبيله، والضن بالوقت أن يضيع في غير تحصيل فائدة، أو الوقوف على نكتة علمية، إلى غير ذلك من صور علو همتهم في طلب العلم .
    2- علو الهمة في الدعوة إلى الله :
    من مظاهر علو الهمة : الدعوة إلى الله؛ فالمسلم يدعو إلى الله سبحانه وتعالى بما علم، قال صلى الله عليه وسلم :((بلغوا عني ولو آية)) [رواه البخارى] والداعية إلى الله سبحانه وتعالى همه هداية الناس، ودعوتهم إلى الحق، فيقوم ببذل نفسه في سبيل الدعوة إلى الله، قال ابن حزم: (لا تبذل نفسك إلا فيما هو أعلى منها، وليس ذلك إلا في ذات الله عز وجل في دعاء إلى حقٍّ، وفي حماية الحريم، وفي دفع هوان لم يوجبه عليك خالقك تعالى، وفي نصر مظلوم، وباذل نفسه في عرض دنيا، كبائع الياقوت بالحصى) [مداواة النفوس،لابن حزم] ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابته وسلف الأمة القدوة الحسنة فقد بذلوا كل غال ونفيس في سبيل الدعوة إلى الله .
    من أسباب دنو الهمة :


    1- المعاصي :
    إن المعاصي أحد أسباب انحطاط الهمم، إذ كيف ينطلق الإنسان إلى المعالي وهو مكبل بالشهوات، مثقل بالذنوب، منهك القوى بالمعاصي، يقول ابن قيم الجوزية : (فالذنب يحجب الواصل، ويقطع السائر، وينكس الطالب، والقلب إنما يسير إلى الله بقوته، فإذا مرض بالذنوب ضعفت تلك القوة التي ستسيره، فإذا زالت بالكلية انقطع عن الله انقطاعًا يبعد تداركه، فالله المستعان) [الجواب الكافى] .
    2- الخوف والهم والحزن :
    وهذه الثلاثة من الآفات التي توهن الهمة، وتضعف العزيمة، وتدفع إلى الفتور؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يستعيذ بالله منها، فيقول : (( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال))[رواه البخارى] [انظر: الرائد..الدروس فى التربية والدعوة،لمازن الفريح].
    (فاستعاذ من ثمانية أشياء، كلُّ اثنين منها قرينان، فالهم والحزن قرينان وهما من آلام الروح ومعذباتها، والفرق بينهما أن الهم توقع الشر في المستقبل، والحزن التألم على حصول المكروه في الماضي أو فوات المحبوب، وكلاهما تألم وعذاب يرد على الروح فإن تعلق بالماضي سمي حزنًا، وإن تعلق بالمستقبل سمي همًّا) [بدائع الفوائد] .
    إن علو الهمة يحتاج إلى جهد ومجاهدة وصبر ومصابرة، وتلمس الأسباب التي توصل إليه، وسلوك الطرق التي تؤدي إليه، وفيما يلي بعض أسباب علو الهمة :
    1- العلم :
    العلم أحد أسباب علو الهمة، فهو يرشد من طلبه إلى مصالحه، ويدفعه إلى العمل، ويعرفه بآفات الطريق ومخاطره، ويورث صاحبه فقها بالأولويات ويعرفه بمراتب الأعمال. وكلما ازداد الإنسان من العلم النافع علت همته، وازداد عمله؛ ونماذج العلماء الصادقين الذين علت هممهم أكبر برهان على ذلك .
    2- الدعاء :
    وهو سلاح المؤمن الذي يلجأ إليه إذا فترت الهمة وضعفت العزيمة، فعلى المسلم ألا يغفل هذا الباب فهو من أعظم الأسباب لتحصيل الهمة العالية، والعاجز من عجز عن الدعاء .
    3- تذكر اليوم الآخر :
    فلا شك أن تذكر الموت، وفتنة القبر، وأهوال القيامة، يبعث في القلب الهمة ويوقظه من غفلته، وتبعثه من رقدته؛ وتدبر قوله عز وجل " وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ " [آل عمران: 133]، وكان صلى الله عليه وسلم يذكر أصحابه بالجنة والنار، فالحث على العمل وبعث الهمم يكون بالتذكير باليوم الآخر والجنة والنار .
    4- النشأة في مجتمع مليء بالقمم :
    فمن بواعث الهمة، أن ينشأ الصغير في مجتمع تكثر فيه النماذج المشرقة من الأبطال المجاهدين، والعلماء العاملين؛ والتي تمثل القدوة، فهذا مما يحرك همته؛ كي يقتدي بهم، ويسير على طريقهم، ومن لم يتهيأ له ذلك فليتحول عن البيئة المثبطة، الداعية إلى الكسل والخمول وإيثار الدون .
    75- وجود المربين الأفذاذ، والمعلمين القدوات :
    الذين يستحضرون عظم المسؤولية، ويستشعرون ضخامة الأمانة، والذين يتسمون ببعد النظرة، وعلو الهمة، وسعة الأفق وحسن الخلق، والذين يتحلون بالحلم والعلم، والصبر والشَّجَاعَة، وكرم النفس والسماحة .
    نماذج من علو همة النبي صلى الله عليه وسلم :

    - روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((والذي نفسي بيده، لولا أن رجالًا من المسلمين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني، ولا أجد ما أحملهم عليه، ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده لوددت أن أقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل)) [رواه البخارى] فأية همة عالية أعلى من هذه الهمة النبوية) [الأخلاق الإسلامية،لعبد الرحمن الميدانى] .
    - وكان صلى الله عليه وسلم القدوة في الهمة العالية في العبادة. فعن عائشة رضي الله عنها قالت : أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت له : لم تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : ((أفلا أكون عبدًا شكورًا)) [رواه البخارى ومسلم واللفظ للبخارى] .
    نماذج للصحابة في علو الهمة :

    علو الهمة في طلب العلم :
    1- عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :
    - عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : كنت أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط، فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، فقال : ((يا غلام، هل من لبن ؟ قال : قلت : نعم، ولكني مؤتمن، قال : فهل من شاة لم ينز عليها الفحل ؟ فأتيته بشاة، فمسح ضرعها، فنزل لبن، فحلبه في إناء، فشرب، وسقى أبا بكر، ثم قال للضرع : اقلص فقلص، قال : ثم أتيته بعد هذا، فقلت : يا رسول الله، علمني من هذا القول، قال : فمسح رأسي، وقال : يرحمك الله، فإنك غليم معلم)) [رواه أحمد] .
    2- أبو هريرة رضي الله عنه :
    - عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال : يقولون : إن أبا هريرة يكثر الحديث، والله الموعد، ويقولون : ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون مثل أحاديثه ؟ وإنَّ إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخوتي من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم، وكنت امرأ مسكينًا، ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، فأحضر حين يغيبون، وأعي حين ينسون، وقال النبي صلى الله عليه وسلم يومًا : ((لن يبسط أحد منكم ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه، ثم يجمعه إلى صدره فينسى من مقالتي شيئًا أبدًا،فبسطت نمرة ليس علي ثوب غيرها، حتى قضى النبي صلى الله عليه وسلم مقالته، ثم جمعتها إلى صدري، فوالذي بعثه بالحق، ما نسيت من مقالته تلك إلى يومي هذا، والله لولا آيتان في كتاب الله، ما حدَّثتكم شيئًا أبدًا : " إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى " [البقرة: 159] إلى قوله الرَّحِيمُ [البقرة: 160])) [رواه البخارى] .
    علو الهمة في الجهاد :
    1- أنس بن النضر رضي الله عنه :
    - عن أنس رضي الله عنه قال : ((غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله، غبت عن أول قتال قاتلت المشركين؛ لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرينَّ الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال : اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء، يعني أصحابه - وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء، يعني المشركين، ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال : يا سعد بن معاذ، الجنة وربِّ النضر، إني أجد ريحها من دون أحد، قال سعد : فما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنس : فوجدنا به بضعًا وثمانين ضربة بالسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل وقد مثَّل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه، قال أنس: كنا نرى أو نظنُّ أنَّ هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه " مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ " [الأحزاب: 23] إلى آخر الآية [رواه البخارى].
    2- سعد بن خيثمة رضي الله عنهما :

    - عن سليمان بن بلال رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى بدر أراد سعد بن خيثمة وأبوه جميعًا الخروج معه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأمر أن يخرج أحدهما، فاستهما، فقال خيثمة ابن الحارث لابنه سعد رضي الله عنهما : إنه لابد لأحدنا من أن يقيم، فأقم مع نسائك، فقال سعد : لو كان غير الجنة لآثرتك به، إني أرجو الشهادة في وجهي هذا، فاستهما، فخرج سهم سعد، فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، فقتله عمرو بن عبد ودٍّ ... الحديث [رواه الحاكم] .
    3- عمير بن أبي وقاص رضي الله عنه :
    - عن سعد رضي الله عنه قال : رأيت أخي عمير بن أبي وقاص قبل أن يعرضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يتوارى، فقلت : ما لك يا أخي ؟ قال : إني أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستصغرني فيردني، وأنا أحبُّ الخروج لعلَّ الله أن يرزقني الشهادة، قال : فعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فردَّه، فبكى فأجازه، فكان سعد رضي الله عنه يقول : فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره، فقتل وهو ابن ست عشرة سنة [رواه ابن سعد فى الطبقات الكبرى] .
    نماذج للسلف في علو الهمة :
    علو الهمة في طلب العلم :
    القاضي شريك بن عبد الله النخعي :
    - عن يزيد بن يحيى قال : (مرَّ شريك القاضي بالمستنير بن عمرو النخعي، فجلس إليه فقال : يا أبا عبد الله، من أدَّبك ؟ قال : أدَّبتني نفسي والله، ولدت ببخارى من أرض خراسان، فحملني ابن عمٍّ لنا حتى طرحني عند بني عم لي بنهر صرصر، فكنت أجلس إِلى معلم لهم تعلَّق بقلبي يعلِّم القرآن؛ فجئت إِلى شيخهم فقلت : يا عماه، الذي كنت تجري عليَّ ها هنا أجره علي بالكوفة أعرف بها السنة والجماعة وقومي، ففعل؛ قال : فكنت بالكوفة أضرب اللبن وأبيعه؛ فأشتري دفاتر وطروسًا، فأكتب فيها العلم والحديث، ثم طلب الفقه فقلت: ما نرى ؟ فقال المستنير بن عمرو لولده : قد سمعتم قول ابن عمكم وقد أكثرت عليكم، فلا أراكم تفلحون فيه، فليؤدِّب كلُّ رجل نفسه، ثم من أحسن فلها، ومن أساء فعليها) [أخبار القضاة ،لوكيع] .
    - وعن عمر بن الهياج بن سعيد : قال : (كنت من صحابة شريك، فأتيته يومًا وهو في منزله باكرًا، فخرج إلي في فرو ليس تحته قميص، عليه كساء. فقلت له : قد أضحت عن مجلس الحكم، فقال : غسلت ثيابي أمس فلم تجف، فأنا أنتظر جفوفها، اجلس. فجلست فجعلنا نتذاكر باب العبد يتزوج بغير إذن مواليه، فقال : ما عندك فيه ؟ ما تقول فيه ؟...) [تاريخ بغداد، للخطيب البغدادى] .
    نماذج للعلماء المتقدمين في علو الهمة :يحيى بن شرف النووي :
    كان النووي عالي الهمة في طلب العلم منذ صغره، فقد ذكر ابن داود العطار عن ياسين بن يوسف المراكشي قال :(رأيت الشيخ محيي الدين، وهو ابن عشر سنين بنوى، والصبيان يُكرهونه على اللعب معهم، وهو يهرب منهم، ويبكي، لإكراههم، ويقرأ القرآن في هذه الحالة، فوقع في قلبي محبته، وجعله أبوه في دكان، فجعل لا يشتغل بالبيع والشراء عن القرآن، قال : فأتيت الذي يقرئه القرآن، فوصيته به، وقلت له : هذا الصبي يُرجى أن يكون أعلم أهل زمانه وأزهدهم، وينتفع الناس به، فقال لي : أمنجم أنت ؟ فقلت : لا، وإنما أنطقني الله بذلك، فذكر ذلك لوالده، فحرص عليه، إلى أن ختم القرآن وقد ناهز الاحتلام) [طبقات الشافعية الكبرى،للسبكى] .
    نماذج للعلماء المعاصرين في علو الهمة :

    محمد ناصر الدين الألباني :
    كان الألباني همته عالية، وشغفه بالعلم ليس له حدود في عصر وصف بــ(عصر الفتن والغوايا وخساسة الهمم، عصر الزهد في العلم، والقصور في طلبه) فقيض الله لهذه الأمة عالما (بكَّر في طلبه للعلم ودوَّنه، وصبر على تلقيه صبرًا طويلًا، وحرَّض شباب الأمة على طلبه، ودلَّهم على مصادره ومظانه) فاهتم بعلم الحديث وأصبح شغله الشاغل(حتى كان يغلق محله ويذهب إلى المكتبة الظاهرية، ويبقى فيها اثنتي عشرة ساعة، لا يفتر عن المطالعة والتعليق والتحقيق، إلا أثناء فترات الصلاة، وكان يتناول طعامه البسيط في المكتبة في كثير من الأحيان فيها... ولهذا قدرته إدارة المكتبة، فخصصت له غرفة خاصة به؛ ليقوم فيها مع بعض أمهات المصادر بأبحاثه العلمية المفيدة، فكان يدخل قبل الموظفين صباحًا، وفي بعض الأحيان كان من عادة الموظفين الانصراف إلى بيوتهم ظهرًا ثم لا يعودون؛ ولكن الشيخ يبقى في المكتبة ما شاء الله له البقاء فربما يصلي العشاء ثم ينصرف، وإنَّ كلَّ من رآه في المكتبة يعرف مدى اجتهاده وحرصه على الاستفادة من وقته... وكان يجيب عن بعض الأسئلة التي توجه إليه، وهو ينظر في الكتاب، دون أن يرفع بصره إلى محدثه، بأوجز عبارة تؤدي إلى الغرض...) [حياة الألبانى وآثاره وثناء العلماء عليه، لمحمد الشيبانى] .
    (ويقول محمد بن إبراهيم الشيباني : الشيخ لم تسنح له الفرصة ليكتب قصة حياته بنفسه؛ لانشغاله بطلب العلم والتنقل في فنونه، وإلا لأصبحت قصته مؤثرة حزينة مبكية، وقد قال لي يومًا : لو كان عندي فسحة من الوقت، لكتبت ما لم تسمع به من القصص .
    ومن شدة العنت والفقر الذي عاشه الشيخ، أنه كان لا يملك قيمة ورقة يشتريها ليسودها بما مَنَّ الله تعالى عليه من علم فيها، فكان يطوف في الشوارع والأزقة يبحث عن الأوراق الساقطة فيها من هنا وهناك؛ ليكتب على ظهرها)
    [صلاح الأمة فى علو الهمة، لسيد العفانى] .
    من علامات عالي الهمة :

    1- الزهد في الدنيا .
    2- المسارعة في الخيرات والتنافس في الصالحات .
    3- التطلع إلى الكمال والترفع عن النقص .
    4- الترفع عن محقرات الأمور وصغائرها ونشدان معالي الأمور وكمالاتها .
    5- الأخذ بالعزائم .
    6- الاستدراك على ما فات [الأخلاق الإسلامية،لعبد الرحمن الميدانى] .
    يا عالي الهمة، انتبه !! [الهمة طريق إلى القمة، لمحمد حسن الشريف]

    1- صاحب الهمّة تحلِّق به همته دائمًا، فتأمره بإنجاز كثير من الأعمال المتداخلة في وقت واحد، فليطعها بقدر، ولا يستبعد ما تأمره به، وفي الوقت نفسه لا يقوم به كلَّه، بل يأخذ منه بقدر ما يعرف من إسعاف همته له بالقيام به.
    2- صاحب الهمَّة العالية معرض لنصائح تُثْنيه عن همته، وتحاول أن تذكره دائمًا بأنه " مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ " [الأحزاب: 4] وأن صاحب الصنعتين كاذب والثالثة سارق، وهكذا، فالحصيف لا يلتفت لهذه النصائح إلا بقدر محدود .
    3- صاحب الهمَّة معرض لسهام العين والحسد، فعليه بالأذكار المأثورة؛ ليدرأ عن نفسه ما قد يصيبه من سهام القدر على يد الحساد .
    54- أهل الهمَّة العالية قد يكونون مفرِّطين في بعض الأمور التي قد لا يرون فيها تعلقًا مباشرًا بموضوع هممهم، وذلك مثل بعض حقوق الأهل والأقارب، فينبغي على من وقع في هذا المحذور أن يلتفت إلى إصلاحه، ولو بالقدر الذي يُبعد عنه سهام اللائمين .
    5- قد تؤدي الهمَّة العالية بصاحبها إلى أن يتحمَّس تحمسًا اندفاعيًّا، فيستعجل ويرتكب من الأخطاء ما كان يمكن تلافيه بقليل من التعقل، وحساب العواقب، وعلى من وقع في مثل هذا أن يعرف السنن الكونية، وأنَّ الأمر لا يحسم بين عشية وضحاها .
يعمل...
X