إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

وسائل تطهير القلوب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • وسائل تطهير القلوب

    الحمدلله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم... وبعد:

    فإن من يتأمل علاقات كثيرٍ من المسلمين اليوم مع بعضهم البعض يرى فجوةً كبيرةً بينهم في علاقاتهم، فقد طغت الشحناء وغلب التهاجر، وزادت البغضاء حتى وصل الأمر إلى الأرحام والأقارب والجيران، ولو فتشنا في أسباب هذا الخلاف وذاك التهاجر وجدناه لا يعدو أن يكون سبباً تافهاً أو أمراً ليس ذا قيمة، فهذا يهجر أخاه لأنه لم يدعوه لوليمة، وثانٍ لأنه لا يرد على اتصالاته، وثالث لأنه قام بنهر أحد أبنائه!!!

    فتنشب الخلافات وتزداد هوتها ويُعرضْ كل واحدٍ عن أخيه، وما علم هؤلاء أن هذا هو مطمع الشيطان وغاية ما يتمناه ولا عجب فهو الذي أقسم بعزة الله أن يغوي بني آدم وأن يزين لهم الباطل وهو الذي ما فتئ يحرش بين المؤمنين ويوغر صدور المسلمين، قال الله تعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً} [سورة الإسراء: 53]، ولو تفحصنا كثيراً في سوء العلاقة بين المسلمين فيما بينهم لوجدناها لا تخرج عن جهلٍ وبعد عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم.

    مطهرات القلوب:

    - الكلمة الطيبة:

    فيا الله كم أثرت في قلوب المتخاصمين، كلمة طيبة فقلبت الكدر صفواً، والحقد محبة، والعداوة رحمة، ولا عجب فصاحب الكلمة الطيبة ممتثل لأمر الله تعالى القائل {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً} [سورة البقرة: 83].

    - أداء حق المسلم على أخيه:

    فهذه الحقوق لها أثرٍ عظيم في نفوس المؤمنين ومن ذلك: إفشاء السلام، وإفشاؤه بمعنى إظهاره والإكثار منه ونشره وعدم تخصيصه بالمعرفة فهو من الأسباب الجالبة للمحبة، قال صلى الله عليه وسلم: «أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؛ أفشوا السلام بينكم» [رواه مسلم]، وقال ابن عمر: "إني لأخرج وما لي حاجةٌ إلا أن أسلم على الناس ويسلموا علي"؛ فالسلام أثره عظيم وبه تُستمال قلوب المتخاصمين، فلو أُديت هذه الحقوق لما وجدنا حجم هذه الخلافات والخصومات التي نراها اليوم.

    - الهدية:

    قال صلى الله عليه وسلم: «تهادوا تحابوا» [حسنه الألباني]، وقال صلى الله عليه وسلم: «لو أهدي إلي كُراع أو ذراع لقبلت» [رواه البخاري]، مما يدل على حرصه على الإهداء ولو كان في الشيء القليل في أعين الناس، وللهدية مفعول عظيم في إزالة كدر القلوب وتنافرها.

    - البشاشة والطلاقة والابتسامة:

    فكم من إنسان وقعت محبته في قلبك من غير سابق معرفة سوى أنه كثير البشاشة منطلق الأسارير؛ قال جرير رضي الله عنه: "ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ابتسم في وجهي".

    - اجتناب سوء الظن:

    قال الله تعالى في اجتناب سوء الظن الذي سماه الله إثماً {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ} [سورة الحجرات: 12]، ولم يقل سبحانه اجتنبوا قليلاً من الظن؛ وذلك لأن الأكثر والأغلب هو سوء الظن، وهو مما أفسد علاقات المسلمين مع بعضهم وعكَّر صفو وُدهم وأورثهم العداوة والبغضاء، وكم من قولٍ أو فعلٍ تعجل صاحبهُ بالحكم به على أخيه فأبغض أخاه وعاداه، ثم ندم بعد ذلك كونه كان مجرد ظن لم يغن عنه من الحق شيئاً ثم بعد ذلك تَعَسْرَ أن يرجع الود كما كان.

    - التمايز بالأطباع:

    تذكر أن الله خلق الخلق فمايز بين أطباعهم وغاير بين عقولهم وفرق بين تصرفاتهم؛ فهم ليسوا سواسية في الطباع والأخلاق والتصرفات، فإذا علم الإنسان ذلك عامل كل واحدٍ بحسبه، وهذه تحتاج إلى قوةُ فقه ورجاحةُ عقل يصاحبها صبرٌ مقترنٌ برفقٍ ولين.

    - التجاوز عن العثرات وإقالتها:

    وهو من أعظم ما يطهر القلوب وينقيها، وفي عجز المدين عن السداد أُمِر الدائن بالصبر عليه وهذا تجاوز وإقالة، قال الله تعالى: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة: 280]، وقد قصَّ النبي صلى الله عليه وسلم علينا خبر رجل من أغنياء بني إسرائيل كان يبعث عماله فيقول من وجدتموه مُعْسراً فتجاوزوا عنه عَلّ الله أن يتجاوز علينا، فتجاوز الله عنه نظير تجاوزه عن الخلق، وليعلم كل واحد أنه سبحانه هو الكريم وهو الجواد ولا يوازي عطاء الخلق كلهم جزءٌ يسير من عطائه، قال الله تعالى في الحديث القدسي: «يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر» [رواه مسلم].

    - تذكر العيوب:

    تذكر الإنسان عيوب نفسه، فهذا أدعى أن يشتغل بها وأن يُعد العدة للوقوف بين يدي الجبار جل جلاله فيسأله عما قدمت يداه وأسلفت رجلاه وعمل بسمعه وجوارحه وعيناه، فمن العيب أن يشتغل الإنسان بعيب غيره وهو منغمس فيما هو أقبح، قال ابن حبان: "من عاب الناس وترك عيوب نفسه عمى قلبه وتعب بدنه وغفل عن عيب نفسه؛ فإن أعجز الناس من عاب الناس بما هو فيه".

    - محبة الخير للمسلمين:

    فهذا دليل على سلامة الصدر والبعد عن الحسد والغل والحقد، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» [رواه البخاري]، وقال ابن عباس رضي الله عنه: "إني لأسمع بالغيث أصاب بلداً من بلاد المسلمين فأفرح لذلك، ووالله ليس لي فيها شاة ولا شجر".

    - احذر النمامين والمغتابين:

    عدم السماح لأحد ليفسد ما بينك وبين أخيك من النمامين والمغتابين؛ فكم أفسد هؤلاء المفسدون من علاقة بين المسلم وأخيه سيما إذا وجد أُذناً صاغية.

    قال الغزالي: "كل من حُمِلت إليه نميمة وقيل له فلان يقول فيك كذا وكذا، فعلى من نقل إليه الكلام ستة أمور:

    1 - ألا يصدقه لأن النمام فاسق.

    2 - أن ينهاه عن ذلك ويقبح له فعله.

    3 - أن يبغضه في الله تعالى لأن الله يبغض من هذا حاله.

    4 - ألا يظن بأخيه الغائب ظن السوء.

    5 - ألا يحمله ما حكى له على التجسس.

    6 - ألا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه فلا يحكي بنميمته فيقول فلان قال كذا.

    ونزيد عليه أن يدعو لمن تُكلم فيه بظهر الغيب فهذه صفة الخلص من عباد الله، جيء لبعض السلف فقيل له: "فلان يقول عنك كذا"، قال: "لأغيظن من أمره"، قالوا: "ومن أمره؟"، قال: "الشيطان"، ثم رفع يديه يدعو الله تعالى.

    - الدين النصيحة:

    أهمية النصح لإخوانك؛ فالنصيحة شأنها عظيم في تقويم الأخطاء وبيان الحق وكان من عظم شأنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبايع أصحابه عليها، قال جرير بن عبدالله: «بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم» [رواه البخاري ومسلم].

    والنصيحة لها آداب في الناصح وآداب في المنصوح فمن آدابها : عدم النصح في الملأ، واستخدام الرفق في الألفاظ، والتقدم بمقدمة تدل على حسن نية في الناصح، وتحديد الزمان المناسب، وعلى المنصوح قبول النصح وعدم التكبر على ذلك، ولا يجوز افتراض سوء النية في الناصح بأنه يريد التفاخر والاستعلاء عليَّ ونحوها مما يوحي إليك الشيطان.

    - خير الخطاءين التوابون:

    إقالة العثرات والتجاوز عن الأخطاء واستشعار أن كل بني آدم خطاء ، وخير الخطاءين التوابون، قال تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّـهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ} [سورة النحل: 61]، وبين سبحانه أن الإنسان ضعيف وعجول ونّْسَاء وخطاء، فكل هذه أوصاف تدل على وجوب أن يتعامل الإنسان مع من اتصف بهذه الأوصاف بموقف الإقالة والمسامحة والتجاوز، سيما إذا أذنب أو عصى أو قصر، فهذا النبي صلى الله عليه وسلم لما جُلِدَ بين يديه رجلاً شرب الخمر قال بعض الصحابة: أخزاه الله ما أكثر ما يؤتى به، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم» [رواه البخاري]، وقال عن ذلك المجلود بشرب الخمر: «لا تلعنوه؛ فوالله ما علمت أنه يحب الله ورسوله» [رواه البخاري].

    - التثبت من نقل الأخبار:

    وجوب التثبت مما تسمعه من خبر عن إخوانك، فكم بنى المرء موقفاً جراء سماعه من طرفٍ واحد دون أن يسمع من الآخر، وهذا من الظلم أن يحكم المرء على إخوانه دون التثبت منهم؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [سورة الحجرات: 6].

    - عدم الاستهزاء والسخرية بالمؤمنين:

    فإن مثل هذا التصرف يدل على قلةِ عقل وضعف إيمان، ثم إن هذا من أعظم ما يجعل القلوب تحمل على بعضها البعض، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [سورة الحجرات: 11]، ثم إن هذا من علامة الكبر، ناهيك إذا كان المستهزئ به يعيب في خَلقْه، وما علم هذا الجاهل أن الاستهزاء يعود على من خَلقَه، ثم إن المقياس عند الله إنما هو بالنفوس؛ قال الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [سورة الحجرات: 13]، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» [رواه مسلم]، ويدخل في هذا : السخرية بإمكانياته وقدراته وشهاداته ومستواه التعليمي، أو الاستهزاء والسخرية بجنسيته أو بموطنه، أو إطلاق النكت السخيفة والطرف المزعجة، أو بغيرها من صور الاستهزاء.

    - الشفاعة الحسنة:

    فهي سبب عظيم من أسباب المودة والمحبة بين الشافع والمشفوع فيه، قال تعالى: {وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا} [سورة النساء: 85]، وهذا مقيد بأن تكون شفاعة في أمر مباح، أما إذا كانت في محرم كأخذ حق للغير أو التعدي على حقوق الآخرين فهذه شفاعة محرمة بدليل قوله تعالى: {وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا} [سورة النساء: 85]، ومما يدل على فضل الشفاعة قوله صلى الله عليه وسلم: «اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ما شاء» [رواه البخاري].

    - الإيثار وتقديم الإخوان على النفوس في حظوظ النفس:

    وهذا يدل على قوة اليقين وتوكيد المحبة في قلوب المحبين، ثم إن الإيثار من أعظم ما يطرد الشح والبخل في قلب العبد، قال صلى الله عليه وسلم مادحاً الأشعريين كما في الصحيحين: «إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قلَّ طعامُ عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوبٍ واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناءٍ واحد بالسوية، فهم مني، وأنا منهم».

    - الاستشارة والاستئناس برأي الإخوان:

    فكم من إنسان لما وفق لمستشار مؤتمن سُدِد أمره وهدي لخير ما يصبو إليه ويتمناه، ثم إن هذا مما يحبب القلوب إلى بعضها ويهديها رشدها، قال تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [سورة آل عمران: 159]، قال الحسن والضحاك: "ما أمر الله تعالى نبيه بالمشاورة لحاجة منه إلى رأيهم، وإنما أراد أن يعلمهم ما في المشاورة من الفضل ولتقتدي به أمته من بعده".

    وعدم المشاورة تدل على إعجاب المرء برأيه؛ قال أحدهم: "من أعجب برأيه لم يشاور ، ومن استبد برأيه كان من الصواب بعيداً"، وعلى المستشار أن يكون مخلصاً في مشورته وأن ينزل أخاه كما لو كان هو المستشير فإنه كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» [رواه البخاري].

    - عدم افشاء الأسرار:

    عدم إفشاء السر الذي استؤمنت على المحافظة عليه؛ لأن هذا مما يعكر صفو العلاقات بين الإخوان، قال الراغب: "إذاعة السر من قلة الصبر وضيق الصدر ولا يوصف به إلا ضعف الرجال والصبيان والنساء"، وقال الحسن: "إن من الخيانة أن تحدث بسر أخيك".

    تأخر أنس رضي الله عنه في حاجة الرسول صلى الله عليه وسلم قد بعثه بها فلما رجع إلى أمه قالت: "أي بني أين كنت؟"، قال: "في حاجة لرسول الله"، فقالت: "وما هي؟"، فقال: "إنها سر"، قالت: "لا تحدث بسر رسول الله أحداً"، قال أنس لابنه ثابت: "يا ثابت لو كنت حدثت أحداً لحدثتك يا ثابت"؛ فتأملوا كيف حفظ سر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمه ثم عن ابنه وهذا يدل على شدة المحافظة على السر وإبقائه متستراً زمناً طويلاً.

    - لا تهجر أخاك المسلم:

    تذكر عاقبة التهاجر والقطيعة بين المسلمين، وقد وردت في تحريم الهجر نصوص عظيمة تدل على خطر التهاجر، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث» [رواه البخاري]. وقال صلى الله عليه وسلم: «من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه» [صححه الألباني].

    نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفق جميع المسلمين لما يحب ويرضى، وأن يجعل في قلوبهم المحبة والمودة، وأن ينزع منها الغل والحسد، إنه سميع مجيب، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    سياتى يوما لن اكون بينكم بل اكون فى التراب بالله عليكم لاتنسوا العبد الفقير من الدعاء
يعمل...
X