إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سلسلة " من أسباب استجابة الدعاء " (1-3)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سلسلة " من أسباب استجابة الدعاء " (1-3)

    كتاب" من أسباب استجابة الدعاء "
    إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،
    من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه ؛ وعلى آله ؛ وصحبه وسلم .
    :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " {آل عمران : 102}
    :"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " {النساء :1}
    :"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا" { الأحزاب : 70 -71}
    أما بعد :
    فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
    لما كان في دعاء العبد المسلم لربه كل خير في الدنيا والآخرة كما بينا في – الفصل السابق –(1) كان صلى الله عليه وسلم يحرص كل الحرص على أن يسأل ربه استجابة دعاؤه، ويستعيذ به سبحانه وتعالى أن لا يستجيب له ،وهو المستجاب الدعاء قطعًا ويقينًا ،وإنما بيان ذلك من لزوم العبوديه لله ، وتبليغ رسالته ، وتعليم أمته ، لقوله صلى الله عليه وسلم في دعاءه لربه : " رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي، وَأَجِبْ دَعْوَتِي، . . ." الحديث (2)
    ولقوله صلى الله عليه وسلم: " اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ ، وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ ، وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجابُ لَهَا ".(3)
    ونذكر من أسباب استجابة الدعاء ما يلي :
    (1) الإخلاص لله تعالى :
    قال تعالى : " فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14)"{ غافر : 14}
    قال الإمام بن كثير- رحمه الله-: " فأخلصوا لله وحده العبادة والدعاء ، وخالفوا المشركين في مسلكهم ومذهبهم " (4)
    وقال تعالى مُخبرًا عن محنة نبيه سيدنا يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز:" وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) "{ يوسف : 24}
    وكذلك أيضًا نجا الله أصحاب الغار بأنهم توسلوا إلى الله تعالى بأعمال صالحة عملوها خالصة لوجه الله -تعالى – وسيأتي معنا الحديث بتمامه .
    ولقد نجا الله المشركين حين أخلصوا له الدعاء ، لقوله تعالى : " فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) "{العنكبوت : 65}.
    وًعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا غَزَا يَلْتَمِسُ الْأَجْرَ وَالذِّكْرَ، مَالَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :" لَا شَيْءَ لَهُ" فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :" لَا شَيْءَ لَهُ " ثُمَّ قَالَ:"إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا ، وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ".(5)
    ويثاب العبد المسلم عن نيته الخالصة لوجه الله –تعالى – ولو حال القدر دون أن يقع هذا العمل ، فعَنْ أَبِي كَبْشَةَ الأنْمَارَيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ : سَمِعَ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ،يَقُولُ وفيه:" وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثاً فَاحْفَظُوهُ، قَالَ :" إِنَّمَا الدُّنْيَا لأرْبَعَةِ نَفَرٍ ، عَبْدٌ رَزَقَهُ اللهُ مَالاً وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ ، وَيَعْلَمُ للهِ فِيهِ حَقًّا ، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ ، وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقهُ مَالاً فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ ، يَقُولُ : لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِّيَتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ ، . . ."الحديث (6)
    وعن عبد الرحمن بن يزيد قال : كان الربيع يأتي عَلقَمة يَوم الجمعة فإِذا لَم أَكن ثَمة أرسلوا إليَّ . فَجاءَ مرةً ولَستُ ثَمة فَلقِيني عَلقمةُ وقَال لِي : أَلم تَر مَا جاء بِه الربيع ؟ قال : ألم تَر أَكثر مَا يدعو الناس ، وما أَقل إِجابَتهُم ، وذَلِك أن الله عز وجل لا يَقبَل إلا النَّاخِلةَ مِن الدعاء . قُلتُ : أَو لََيس قَال ذَلك عبد الله ؟ قال : وما قال ؟ قال : قال عبد الله رضي الله عنه: لا يَسمعُ الله مِن مُسمِّع ، ولا مِن مُراءٍ ، ولا لاعِبٍ ، إلا داعٍ دعَا يَثبُتُ مِن قَلبه . قال : فذكرَ عَلقمَة ؟ قال : نعم .(7)
    قال الإمام الشوكاني – رحمه الله - : أقول هذا الأدب هو أعظم الآداب في إجابة الدعاء ،لأن الإخلاص هو الذي تدور عليه دوائر الإجابة . وقد قال الله تعالى : " فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ " ، فمن دعا غير مخلص فهو حقيق بأن لا يُجاب ، إلا أن يتفضل الله عليه ، والله ذو الفضل العظيم . اه (8)
    (2) الصدق مع الله :
    قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) "{التوبة : 119}.
    وعَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه رضي الله عنه : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ :" مَنْ سَأَلَ اللهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ ، بَلَّغَهُ اللهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ".(9)
    صدق الغلام في قصة " أصحاب الأخدود " في إرادة الوصول إلى الحق والتضحية في سبيله واستجابة الله له :
    عن صهيب رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : " كَانَ مَلِكٌ فيمَنْ كَانَ قَبلَكمْ وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ فَلَمَّا كَبِرَ قَالَ للمَلِكِ : إنِّي قَدْ كَبِرْتُ فَابْعَثْ إلَيَّ غُلامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ ؛ فَبَعثَ إِلَيْهِ غُلامًا يُعَلِّمُهُ ، وَكانَ في طرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ ، فَقَعدَ إِلَيْه وسَمِعَ كَلامَهُ فَأعْجَبَهُ ، وَكانَ إِذَا أتَى السَّاحِرَ ، مَرَّ بالرَّاهبِ وَقَعَدَ إِلَيْه ، فَإذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ ، فَشَكَا ذلِكَ إِلَى الرَّاهِب ، فَقَالَ : إِذَا خَشيتَ السَّاحِرَ ، فَقُلْ : حَبَسَنِي أَهْلِي ، وَإذَا خَشِيتَ أهلَكَ ، فَقُلْ : حَبَسَنِي السَّاحِرُ . فَبَيْنَما هُوَ عَلَى ذلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ فَقَالَ : اليَوْمَ أعْلَمُ السَّاحرُ أفْضَلُ أم الرَّاهبُ أفْضَلُ ؟ فَأخَذَ حَجَرًا، فَقَالَ : اللَّهُمَّ إنْ كَانَ أمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هذِهِ الدّابَّةَ حَتَّى يَمضِي النَّاسُ ، فَرَمَاهَا فَقَتَلَها ومَضَى النَّاسُ ، فَأتَى الرَّاهبَ فَأَخبَرَهُ . فَقَالَ لَهُ الرَّاهبُ : أَيْ بُنَيَّ أَنْتَ اليَومَ أفْضَل منِّي قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى ، وَإنَّكَ سَتُبْتَلَى ، فَإن ابْتُلِيتَ فَلا تَدُلَّ عَلَيَّ ؛ وَكانَ الغُلامُ يُبْرئُ الأكْمَهَ وَالأَبْرصَ ، ويداوي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الأَدْوَاء . فَسَمِعَ جَليسٌ لِلملِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ ، فأتاه بَهَدَايا كَثيرَةٍ ، فَقَالَ : مَا ها هُنَا لَكَ أَجْمعُ إنْ أنتَ شَفَيتَنِي ، فَقَالَ : إنّي لا أشْفِي أحَدًا إِنَّمَا يَشفِي اللهُ تَعَالَى ، فَإنْ آمَنْتَ بالله تَعَالَى دَعَوتُ اللهَ فَشفَاكَ ، فَآمَنَ بالله تَعَالَى فَشفَاهُ اللهُ تَعَالَى ،فَجَلسَ إِلَيْهِ كَما كَانَ يَجلِسُ ، فَقَالَ لَهُ المَلِكُ : مَنْ رَدّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ ؟ قَالَ : رَبِّي ، قَالَ : وَلَكَ رَبٌّ غَيري ؟ قَالَ : رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ ، فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الغُلامِ ، فَجيء بالغُلاَمِ ، فَقَالَ لَهُ المَلِكُ : أيْ بُنَيَّ ، قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرئ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وتَفْعَلُ وتَفْعَلُ ! فَقَالَ : إنِّي لا أَشْفي أحَدًا ، إِنَّمَا يَشفِي الله تَعَالَى . فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهبِ ؛ فَجِيء بالرَّاهبِ فَقيلَ لَهُ : ارجِعْ عَنْ دِينكَ ، فَأَبَى ، فَدَعَا بِالمِنْشَارِ فَوُضِعَ المِنْشَارُ في مَفْرق رَأسِهِ ، فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ، ثُمَّ جِيءَ بِجَليسِ المَلِكِ فقيل لَهُ : ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ ، فَأَبَى ، فَوضِعَ المِنْشَارُ في مَفْرِق رَأسِهِ ، فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ، ثُمَّ جِيءَ بالغُلاَمِ فقيلَ لَهُ : ارْجِعْ عَنْ دِينكَ ، فَأَبَى ، فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أصْحَابهِ ، فَقَالَ : اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا فَاصْعَدُوا بِهِ الجَبَل ، فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذِرْوَتَهُ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإلا فَاطْرَحُوهُ . فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الجَبَلَ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ أكْفنيهمْ بِمَا شِئْتَ ، فَرَجَفَ بهِمُ الجَبلُ فَسَقَطُوا ، وَجاءَ يَمشي إِلَى المَلِكِ ، فَقَالَ لَهُ المَلِكُ : مَا فَعَلَ أصْحَابُكَ ؟ فَقَالَ : كَفَانِيهمُ الله تَعَالَى ، فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ : اذْهَبُوا بِهِ فاحْمِلُوهُ في قُرْقُورٍ وتَوَسَّطُوا بِهِ البَحْرَ ، فَإنْ رَجعَ عَنْ دِينِهِ وإِلا فَاقْذِفُوهُ . فَذَهَبُوا بِهِ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ أكْفِنيهمْ بمَا شِئْتَ ، فانْكَفَأَتْ بِهمُ السَّفينةُ فَغَرِقُوا ، وَجَاء يَمْشي إِلَى المَلِكِ . فَقَالَ لَهُ المَلِكُ : مَا فعلَ أصْحَابُكَ ؟ فَقَالَ : كَفَانيهمُ الله تَعَالَى . فَقَالَ لِلمَلِكِ : إنَّكَ لَسْتَ بقَاتلي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ . قَالَ : مَا هُوَ ؟ قَالَ : تَجْمَعُ النَّاسَ في صَعيدٍ وَاحدٍ وتَصْلُبُني عَلَى جِذْعٍ ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتي ، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ في كَبدِ القَوْسِ ثُمَّ قُلْ : بسْم الله ربِّ الغُلاَمِ ، ثُمَّ ارْمِني، فَإنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذلِكَ قَتَلتَني، فَجَمَعَ النَّاسَ في صَعيد واحدٍ ، وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ في كَبِدِ القَوْسِ ، ثُمَّ قَالَ : بِسمِ اللهِ ربِّ الغُلامِ ، ثُمَّ رَمَاهُ فَوقَعَ في صُدْغِهِ ، فَوَضَعَ يَدَهُ في صُدْغِهِ فَمَاتَ ، فَقَالَ النَّاسُ : آمَنَّا بِرَبِّ الغُلامِ ، فَأُتِيَ المَلِكُ فقيلَ لَهُ : أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ قَدْ والله نَزَلَ بكَ حَذَرُكَ . قَدْ آمَنَ النَّاسُ . فَأَمَرَ بِالأُخْدُودِ بأفْواهِ السِّكَكِ فَخُدَّتْ وأُضْرِمَ فيهَا النِّيرانُ وَقَالَ : مَنْ لَمْ يَرْجعْ عَنْ دِينهِ فَأقْحموهُ فيهَا ، أَوْ قيلَ لَهُ: اقتَحِمْ فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءت امْرَأةٌ وَمَعَهَا صَبيٌّ لَهَا ، فَتَقَاعَسَتْ أنْ تَقَعَ فيهَا، فَقَالَ لَهَا الغُلامُ : يَا أُمهْ! اصْبِري فَإِنَّكِ عَلَى الحَقِّ ". (10)
    (3) حُسـنْ الظنِ بالله:
    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى:" أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي،..."(11)
    وعَنْه رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي". (12)
    وعَنْه رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ ".(13)
    وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ رضي الله عنه ، قَالَ: ضَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَزْوَاجِهِ يَبْتَغِي عِنْدَهُنَّ طَعَامًا، فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، فَقَالَ:"اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ، فَإِنَّهُ لا يَمْلِكُهَا إِلا أَنْتَ " فَأُهْدِيَتْ إِلَيْهِ شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ، فَقَالَ:"هَذِهِ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ، وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ الرَّحْمَةَ". (14)
    وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه قَالَ : قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي الْغَارِ : لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا ، فَقَالَ : " مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا ".(15)
    وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه ، إِلى أَبِي فِي مَنْزِلِهِ فَاشْتَرَى مِنْهُ رَحْلاً ، فَقَالَ لِعَازِبٍ: ابْعَثِ ابْنَكَ يَحْمِلُهُ مَعِي قَالَ: فَحَمَلْتُهُ مَعَهُ وَخَرَجَ أَبِي يَنْتَقِدُ ثَمَنَهُ ،فَقَالَ لَهُ أَبِي: يَا أَبَا بَكْرٍ حَدِّثْنِي كَيْفَ صَنَعْتُمَا حِينَ سَرَيْتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: نَعَمْ أَسْرَيْنَا لَيْلَتَنَا، وَمِنَ الْغَدِ، حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ وَخَلاَ الطَّريقُ، لاَ يَمُرُّ فِيهِ أَحَدٌ فَرُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ طَوِيلَةٌ، لَهَا ظِلٌّ، لَمْ تَاتِ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فَنَزَلْنَا عِنْدَهُ، وَسَوَّيْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَانًا بِيَدِي يَنَامُ عَلَيْهِ وَبَسَطْتُ فِيهِ فَرْوَةً وَقُلْتُ: نَمْ يَا رَسُولَ اللهِ ، وَأَنَا أَنْفُضُ لَكَ مَا حَوْلَكَ، فَنَامَ وَخَرَجْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلَهُ، فَإِذَا أَنَا بِرَاعٍ مُقْبِلٍ بَغَنَمِهِ إِلَى الصَّخْرَةِ، يُرِيدُ مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي أَرَدْنَا فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلاَمُ فَقَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ "أَوْ مَكَّةَ" قُلْتُ: أَفِي غَنَمِكَ لَبَنٌ قَالَ: نَعَمْ قلْتُ: أَفَتَحْلُبُ قَالَ: نَعَمْ فَأَخَذَ شَاةً فَقُلْتُ: انْفُضِ الضَّرْعَ مِنَ التُّرَابِ وَالشَّعَرِ وَالْقَذَى. "قَالَ الرَّاوِي: فَرَأَيْتُ الْبَرَاءَ يَضْرِبُ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأُخْرَى يَنْفُضُ ، فَحَلَبَ فِي قَعْبٍ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، وَمَعِي إِدَاوَةٌ حَمَلْتُهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَرْتَوِي مِنْهَا، يَشْرَبُ وَيَتَوَضَّأُ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُ فَوَافَقْتُهُ حِينَ اسْتَيْقَظَ فَصَبَبْتُ مِنَ الْمَاءِ عَلَى اللَّبَنِ، حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ ثُمَّ قَالَ: أَلَمْ يَأْنِ لِلرَّحِيلِ قُلْتُ: بَلَى قَالَ: فَارْتَحَلْنَا بَعْدَ مَا مَالَتِ الشَّمْسُ وَاتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ فَقُلْتُ: أُتِينَا يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ: لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَدَعَا عَلَيْهِ النَبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَارْتَطَمَتْ بِهِ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا، أُرَى فِي جَلَدٍ مِنَ الأَرْضِ فَقَالَ: إِنِّي أُرَاكُمَا قَدْ دَعَوْتُمَا عَلَيَّ فَادْعُوَا لِي فَاللهُ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ فَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَنَجَاف، َجَعَلَ لاَ يَلْقَى أَحَدًا إِلاَّ قَالَ: كَفَيْتُكُمْ مَا هُنَا. فَلاَ يَلْقَى أَحَدًا إِلاَّ رَدَّهُ. قَالَ: وَوَفى لَنَا. (16)
    (4) الاستجابة لأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وتحقيق الإيمان :
    لقوله تعالى : " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) " { البقرة : 186}
    قال الإمام القرطبي - رحمه الله – في " تفسيره لقوله تعالى: " فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي " قال أبو رجاء الخراساني: فليدعوا لي.
    وقال ابن عطية: المعنى فليطلبوا أن أجيبهم. وهذا هو باب استفعل أي طلب الشيء إلا ما شذ مثل استغنى اللّه. وقال مجاهد وغيره: المعنى فليجيبوا إليّ فيما دعوتهم إليه من الإيمان، أي الطاعة والعمل ويقال: أجاب واستجاب بمعنى، ومنه قول الشاعر: فلم يستجبه عند ذاك مجيب
    أي لم يجبه والسين زائدة واللام لام الأمر. وكذا في قوله : " وَلْيُؤْمِنُوا " ، وجزمت لام الأمر لأنها تجعل الفعل مستقبلًا لا غير فأشبهت إن التي للشرط. وقيل: لأنها لا تقع إلا على الفعل.
    قوله تعالى: " وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ "... الرشاد خلاف الغي. وقد رشد يرشد رشدًا. ورشد بالكسر يرشد رشدًا، لغة فيه. وأرشده اللّه. والمراشد: مقاصد الطرق. والطريق الأرشد: نحو الأقصد ...
    وقال الهروي: الرُّشد والرَّشد والرشاد: الهدى والاستقامة، ومنه قوله: "لعلهم يرشدون".(17)
    وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى صَحَابَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ جَثَوْا عَلَى الرُّكَبِ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، كُلِّفْنَا مِنَ الأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ ، الصَّلاَةَ ، وَالصِّيَامَ ، وَالجِهَادَ ، وَالصَّدَقَةَ ، وَقَدْ أُنْزِلَ عَلَيْكَ هَذِهِ الآيَةُ وَلاَ نُطِيقُهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ : سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ؟ بَلْ قُولُوا : "سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ" فَقَالُوا : "سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ" فَلَمَّا أَقَرَّ بِهَا الْقَوْمُ ، وَذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ ، أَنْزَلَ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، فِي إِثْرِهَا : "آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ" قَالَ عَفَّانُ : قَرَأَهَا سَلاَّمٌ أَبُو الْمُنْذِرِ : يُفَرِّقُ ، وَقَالُوا : "سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ" فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ : "لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ"
    فَصَارَ لَهُ مَا كَسَبَتْ مِنْ خَيْرٍ ، وَعَلَيْهِ مَا اكْتَسَبَتْ مِنْ شَرٍّ ، فَسَّرَ الْعَلاَءُ هَذَا ، " رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا" قَالَ : نَعَمْ. " رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا" قَالَ : نَعَمْ " رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ" قَالَ : نَعَمْ "وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلاَنَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ".
    وفي رواية عند مسلم والترمذي عن ابن عباس نحوه ، وفيه : " قَدْ فَعَلْتُ " بدلاً من:" نَعَمْ ". (18)
    (5) التقرب إلى الله- تعالى- بالنوافل بعد الفرائض :
    قال تعالى عن أنبياءه ورسله: " إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)"{الأنبياء:90}
    وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إِنَّ اللهَ قَالَ : مَنْ عَادَى لِي وَلِيَّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَربِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إَلِىَّ عَبْدِي بِشْيءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتهُ ، كُنْتُ سَمّعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا ، وَرِجْلهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَ بي لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدّدتُ فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسْاءَتَهُ".(19)
    وفي رواية عند البزار في "مسنده:"ولئن سألني لأعطينه ، ولئن دعاني لأجيبنه، ولئن استعاذني لأعيذنه".(20)
    (6) تحري الحلال في المطعم والمشرب والملبس :
    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا ، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ ، فَقَالَ : " يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ " وَقَالَ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ " ، ثُمَّ ذَكَرَ : الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ(21) أَغْبَرَ ، ثُمَّ يَمُدُّ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، يَا رَبِّ ، يَا رَبِّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ".(22)
    وذكر الإمام ابن رجب -رحمه الله تعالى - في معنى هذا الحديث: إن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان طيبًا طاهرًا من المفسدات كلها: كالرياء، والعجب، ولا من الأموال إلا ما كان طيبًا حلالاً، فإن الطيب تُوصف به الأعمال، والأقوال، والاعتقادات.
    والمراد بهذا أنَّ الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات التي هي الحلال ، وبالعمل الصالح ، فما دام الأكل حلالاً ، فالعملُ صالح مقبولٌ ، فإذا كان الأكلُ غير حلالٍ ، فكيف يكون العمل مقبولاً ؟ وما ذكره بعد ذَلِكَ من الدعاء ، وأنَّه كيف يتقبل مع الحرام ، فهوَ مثالٌ لاستبعاد قَبُولِ الأعمال مع التغذية بالحرام .(23)
    حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على تحرى الحلال :
    قال تعالى : " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21"{الأحزاب:21}
    وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه ، قَالَ : مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ قَالَ :" لَوْلَا لَ أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا ".(24)
    وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ:" إِنِّي لأَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِي فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةَ عَلَى فِرَاشِي فَأَرْفَعُهَا لآكُلَهَا، ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً فَأُلْقِيَهَا ".(25)
    وعَنْه رضي الله عنه ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ سَأَلَ عَنْهُ: أَهَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ ، فَإِنْ قِيلَ: صَدَقَةٌ، قَالَ لِأَصْحَابِهِ :" كُلُوا "، وَلَمْ يَأْكُلْ، وَإِنْ قِيلَ: هَدِيَّةٌ ، ضَرَبَ بِيَدِهِ صلى الله عليه وسلم فَأَكَلَ مَعَهُمْ ".(26)
    وعنه رضي الله عنه ، قَالَ : أخذ الحسن بن علي رضي الله عنهما تَمْرَةً مِنْ تَمْر الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا في فِيهِ ، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَخْ كَخْ ، إرْمِ بِهَا ، أمَا عَلِمْتَ أنَّا لا نَأكُلُ الصَّدَقَةَ !؟ " .(27)
    وفي رواية : "أنَّا لا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ " .
    وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ غُلَامٌ يُخْرِجُ لَهُ الْخَرَاجَ ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ: أَتَدْرِي مَا هَذَا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ :وَمَا هُوَ؟ قَالَ:كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لِإِنْسَانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ، إِلَّا أَنِّي خَدَعْتُهُ فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ ،فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ .فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ.(28)
    ورُوي في رواية لأبي نُعيم في الحلية وأحمد في "الزهد " فَقِيلَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ كُلُّ هَذَا مِنْ أَجْلِ هَذِهِ اللُّقْمَةِ , قَالَ: لَوْ لَمْ تَخْرُجْ إِلَّا مَعَ نَفْسِي لَأَخْرَجْتُهَا , سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "كُلُّ جَسَدٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ " , فَخَشِيتُ أَنْ يَنْبُتُ شَيْءٌ مِنْ جَسَدِي مِنْ هَذِهِ اللُّقْمَةِ ".(29)
    (7) كثرة الدعاء في الرخاء :
    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيْبَ اللهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكُرَبِ، فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَخَاءِ".(30)
    ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" تَعرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاء ، يَعْرِفْك في الشِّدَّةِ "(31)
    ويقول الإمام ابن رجب -رحمه الله - : قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تعرَّف إلى الله في الرَّخاء ، يعرفكَ في الشِّدَّةِ " يعني : أنَّ العبدَ إذا اتَّقى الله ، وحَفِظَ حدودَه ، وراعى حقوقه في حال رخائه ، فقد تعرَّف بذلك إلى الله ، وصار بينه وبينَ ربه معرفةٌ خاصة ، فعرفه ربَّه في الشدَّة ، وروعي له تَعَرُّفَهُ إليه في الرَّخاء ، فنجَّاه من الشدائد بهذه المعرفة، وهذه معرفة خاصة تقتضي قربَ العبدِ من ربِّه ، ومحبته له، وإجابته لدعائه . فمعرفة العبد لربه نوعان :أحدُهما : المعرفةُ العامة ، وهي معرفةُ الإقرار به ،والتَّصديق، والإيمان ، وهذه عامةٌ للمؤمنين .
    والثاني : معرفة خاصة تقتضي ميلَ القلب إلى الله بالكلية ، والانقطاع إليه ، والأُنس به ، والطمأنينة بذكره ، والحياء منه ، والهيبة له ، وهذه المعرفة الخاصة هي التي يدور حولها العارفون ، كما قال بعضهم : مساكينُ أهلُ الدُّنيا ، خرجوا منها وما ذاقوا أطيبَ ما فيها ، قيل له : وما هو ؟ قال : معرفةُ الله - عز وجل - .
    وقال أحمدُ بنُ عاصم الأنطاكيُّ : أحبُّ أنْ لا أموتَ حتّى أعرفَ مولاي ، وليس معرفتُه الإقرار به ، ولكن المعرفة التي إذا عرفته استحييت منه .
    ومعرفة الله أيضًا لعبده نوعان : معرفة عامة وهي علمه سبحانه بعباده ، واطِّلاعه على ما أسرُّوه وما أعلنوه ، كما قال :" وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ " {ق:16} ، وقال : " هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ " {النجم:32} .
    والثاني : معرفة خاصة : وهي تقتضي محبته لعبده وتقريبَه إليه ، وإجابةَ دعائه ، وإنجائه من الشدائد ، وهي المشار إليها بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يحكى عن ربِّه : " وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ " ، وفي رواية : " ولئن دعاني لأجيبنّه "ولما هرب الحسنُ من الحجاج دخلَ إلى بيت حبيب أبي محمد ، فقال له حبيب :يا أبا سعيد ، أليس بينك وبينَ ربِّك ما تدعوه به فيَستركَ مِنْ هؤلاء ؟ ادخل البيتَ ، فدخلَ ، ودخل الشُّرَطُ على أثره ، فلم يرَوْهُ ، فذُكِرَ ذلك للحجاج ، فقال : بل كان في البيت ، إلا أنَّ الله طَمَسَ أعينهم فلم يروه . واجتمع الفضيلُ بنُ عياض بشعوانة العابدة ، فسألها الدُّعاءَ ، فقالت : يا فضيلُ ، وما بينَك وبينَه ، ما إنْ دعوته أجابك ، فغُشِيَ على الفضيل . وقيل لمعروف : ما الذي هيَّجك إلى الانقطاع والعبادة - وذكر له الموت والبرزخ والجنَّة والنار - ؟ فقال معروف : إنَّ ملكًا هذا كله بيده إنْ كانت بينك وبينه معرفةٌ كفاك جميع هذا .
    وفي الجملة : فمن عامل الله بالتقوى والطاعة في حال رخائه ، عامله الله باللطف والإعانة في حال شدَّته .(32)
    وَعَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه ، كَانَ يَقُولُ:" جِدُّوا بِالدُّعَاءِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُكْثِرُ قَرْعَ الْبَابِ يُوشِكُ أَنْ يُفْتَحَ لَهُ".(33)
    وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه : إذا كان الرجلُ دَعَّاءً في السرَّاءِ ، فنزلت به ضرَّاءُ ، فدعا الله تعالى ، قالت الملائكة : صوتٌ معروف فشفعوا له ، وإذا كان ليس بدَعَّاءٍ في السَّرَّاء ، فنَزلت به ضرَّاءُ ، فدعا الله تعالى قالت الملائكة : صوتٌ ليس بمعروف ، فلا يشفعون له . (34)
    وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه: "ادْعُ اللَّهَ فِي يَوْمِ سَرَّائِكَ ، لَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ فِي يَوْمِ ضَرَّائِكَ".(35)
    (8) كثرة ذكــــــر الله :
    قال تعالى :" وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)"{الأحزاب : 35}
    وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ،عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ :" ثَلاثَةٌ لا يَردُّ اللهُ دُعَاءَهُمْ : الذَّاكر الله كَثِيرًا ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ ، وَالإِمَامُ الْمُقْسِط".(36)
    وقال الضحاك بن قيس : اذكروا الله في الرَّخاء ، يذكركُم في الشِّدَّة ، وإنَّ يونس - عليه السلام - كان يذكُرُ الله تعالى ، فلمَّا وقعَ في بطن الحوت ، قال الله - عز وجل - : " فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) {الصافات:143-144}" ، وإنَّ فرعون كان طاغيًا ناسيًا لذكر الله ، فلما أدركه الغرق ، قال : آمنت ، فقال الله تعالى : " آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ "{ يونس : 91} .
    وعن رَاشِد بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه ، فَقَالَ: أَوْصِنِي. فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: اذْكُرِ اللَّهَ فِي السَّرَّاءِ يَذْكُرُكِ فِي الضَّرَّاءِ، ...".(37)
    وأعظمُ الشدائد التي تنْزل بالعبد في الدنيا الموتُ ، وما بَعده أشدُّ منه إنْ لم يكن مصيرُ العبد إلى خيرٍ ، فالواجبُ على المؤمن الاستعدادُ للموت وما بعده في حال الصحة بالتقوى والأعمال الصالحة ، قال الله - عز وجل - : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)" {الحشر:18-19}" فمن ذكر الله في حال صحته ورخائه ، واستعدَّ حينئذٍ للقاء الله بالموت وما بعده ، ذكره الله عندَ هذه الشدائد ، فكان معه فيها ، ولَطَفَ به ، وأعانه ، وتولاَّه ، وثبته على التوحيد ، فلقيه وهو عنه راضٍ ، ومن نسيَ الله في حال صحته ورخائه ، ولم يستعدَّ حينئذٍ للقائه ، نسيه الله في هذه الشدائد ، بمعنى أنَّه أعرض عنه ، وأهمله ، فإذا نزل الموتُ بالمؤمنِ المستعدِّ له ، أحسن الظنَّ بربه ، وجاءته البُشرى مِنَ اللهِ ، فأحبَّ لقاءَ الله ، وأحبَّ الله لقاءه ، والفاجرُ بعكس ذلك ، وحينئذٍ يفرحُ المؤمنُ ، ويستبشر بما قدمه مما هو قادمٌ عليه ، ويَنْدَمُ المفرطُ ، ويقول : " يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ " .(38)
    وسيأتى معنا استجابة الله لدعاء المجتمعين في مجالس الذكر .
    (9) الدعاء باسم الله الأعظم وأسمائه الحسنى وصفاته العلى :
    قال تعالى : " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا "{الأعراف:180}
    ونبي الله موسى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو ربه فيقول : " فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) "
    {الأعراف: 155}
    ويعقوب عليه الصلاة السلام يقول لأبنائه : " قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ "{يوسف : 98} وسليمان عليه الصلاة السلام يقول :" قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) { ص : 35}
    وعيسى عليه السلام يدعو ربه : " اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114)"{ المائدة : 114}
    وَعَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه ،قَالَ : أَنَّ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "سَمِعَ رَجُلاً يدعو وهو يقول : اللَّهمَّ إِني أسألُكَ بأني أَشْهَدُ أنَّكَ أنْتَ اللهُ ، لا إلهَ إلا أنتَ، الأحَدُ الصَّمَدُ ، الذي لم يَلِدْ ولم يُولَدْ ، ولم يكن له كُفُوًا أحَدٌ ، فقال : فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ، الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى، وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ ". (39)
    وَعَنْ مِحْجَنِ بْنِ الْأَدْرَعِ الثقفي رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ قَضَى صَلَاتَهُ وَهُوَ يَتَشَهَّدُ وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ الْوَاحِدِ الْأَحَدِ الصَّمَدِ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ قَالَ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ r :"قَدْ غُفِرَ لَهُ ، قَدْ غُفِرَ لَهُ ، قَدْ غُفِرَ لَهُ" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.(40)
    وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه : أَنَّهُ كانَ مَعَ رَسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا ، ورجُلٌ يُصَلِّي ، ثُمَّ دَعَا الرَّجُلُ فقال : اللَّهمَّ إني أَسأَلُكَ بِأنَّ لَكَ الحمدَ ، لا إِلهَ إِلا أنْتَ ، المَنَّانُ ، بَديعُ السَّمَواتِ والأرضِ ، ذو الجَلالِ والإِكْرَامِ ، يا حَيُّ يا قَيُّومُ ، فقال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحَابِهِ :" أتَدرونَ بمَ دَعَا ؟ قالوا : اللهُ ورسولُهُ أعلم ، قال :"وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَقَدْ دَعا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ ، الذي إِذَا دُعِيَ به أَجَابَ، وإِذَا سُئِلَ بِهِ أعْطَى". (41)
    وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ- رضي الله عنها - : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ:" اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ :"وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ"{البقرة 163} وَفَاتِحَةِ آلِ عِمْرَانَ"الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ "{آل عمران: 1، 2}. (42)
    وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلاَ حَزَنٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِى كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلاَءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلاَّ أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا، قَالَ: فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ نَتَعَلَّمُ هؤلاء الكلمات؟ قَالَ: أَجْل يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَن".[1]وفي رواية : "وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا "(43)
    وَعَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ :" مَنْ قَالَ : بِاسْمِ اللهِ الَّذِي لاَ يَضُرُ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ ، فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم ثَلاَث مَرَّاتٍ ، لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلاَءٍ حِتَّى يُصْبِحَ ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلاَث مَرَّاتٍ ، لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلاَءٍ حَتَّى يُمْسِي".(44)
    قال الإمام القرطبي – رحمه الله -: قوله تعالى : "فَادْعُوهُ بِهَا "أي اطلبوا منه بأسمائه، فيطلب بكل اسم ما يليق به، تقول: يا رحيم ارحمني، يا حكيم احكم لي، يا رازق ارزقني، يا هادي اهدني، يا فتاح افتح لي، يا تَّواب تُب عليّ، وهكذا. فإن دعوت باسم عام قلت: يا مالك ارحمني، يا عزيز احكم لي، يا لطيف ارزقني. وإن دعوت بالأعّمَّ الأعظم فقلت: يا الله، فهو متضمنٌ لكل اسم.
    ولا تقول: يا رزاق اهدني، إلا أن تريد يا رزاق ارزقني الخير. قال ابن العربي: وهكذا رتب دعاءك تكن من المخلصين.(45)
    ويقول العلامة ابن عثيمين – رحمه الله – في شأن أسماء الله الحسني : وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء في الكتاب والسنة ، فلا يزاد فيه ولا ينقص ، لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء ، فوجب الوقوف في ذلك على النص لقوله تعالى : " وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) " {الإسراء : 36} وقوله تعالى : " قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)"{الأعراف : 33}
    ولأن تسميته تعالى بما لم يسم به نفسه أو إنكار ما سمى به نفسه ، جناية في حقه تعالى ، فوجب سلوك الأدب في ذلك ، والاقتصار على ما جاء به النص . (46)
    ومن أمثلة سؤال الله تعالى بصفاته العلى وأفعاله :
    دعاء الملائكة عليهم السلام لأهل الإيمان : " رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " { غافر : 7، 8)
    و عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما،قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ " قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ " قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَعُوذُ بِوَجْهِكَ " ، فَقَالَ " أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ " فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَعُوذُ بِوَجْهِكَ "، قَالَ " أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا " فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَذَا أَيْسَرُ".(47)
    وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ: " اللهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ".(48)
    وعَنْ عَلِىِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لاَ أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ ". (49)
    وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ".(50)
    وعَن ربيعَة بن عَامر رضي الله عنه :سَمِعت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،يَقُول :" أَلظُّوا بِيَاذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام " .(51)
    وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ ، وَهَازِمَ الأَحْزَابِ ، اهْزِمْهُمْ ،وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ".(52)
    وعن أنس رضي الله عنه، قال : كان النَّبيُ يُكثِرُ أنْ يَقول : " اللهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ".(53)
    سؤال الله تعالى بكلامه "القرآن " :
    عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه،أَنَّهُ مَرَّ عَلَى قَاصٍّ يَقْرَأُ ثُمَّ سَأَلَ،فَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَلْيَسْأَلْ اللَّهَ بِهِ، فَإِنَّهُ سَيَجِيءُ أَقْوَامٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، يَسْأَلُونَ بِهِ النَّاسَ ".(54)
    قال العلامة أبو العلا المباركفوري -رحمه الله – في شرح الحديث : قوله : " مر على قاص يقرأ " أي القرآن ، " ثم سأل " : أي طلب من الناس شيئاً من الرزق ، " فاسترجع " : أي قال عمران : إنا لله وإنا إليه راجعون ". لابتلاء القارىء بهذه المصيبة التي هي سؤال الناس بالقرآن ، أو لابتلاء عمران بمشاهدة هذه الحالة الشنيعة وهي مصيبة .
    " مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَلْيَسْأَلْ اللَّهَ بِهِ " : أي فليطلب من الله – تعالى – بالقرآن ما شاء الله من أمور الدنيا والآخرة ، أو المراد أنه إذا مر بآية رحمة فليسألها من الله –تعالى ، أو بآية عقوبة فليتعوذ إليه بها منها ، و أن يدعو الله عقب القراءة بالأدعية المأثورة ، وينبغي أن يكون الدعاء في أمر الآخرة وإصلاح المسلمين في معاشهم ومعادهم . (55)
    ومما جاء من فضل سؤال الله –تعالى - بالمعوذتين ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه ، قَالَ:كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ :" يَا عُقْبَةُ! قُلْ" ، فَقُلْتُ : مَاذَا أَقُولُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟! فَسَكَتَ عَنِّي ، ثُمَّ قَالَ :" يَا عُقْبَةُ! قُلْ" ، قُلْتُ : مَاذَا أَقُولُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ فَسَكَتَ عَنِّي ، فَقُلْتُ : اللَّهُمَّ ارْدُدْهُ عَلَيَّ ، فَقَالَ :" يَا عُقْبَةُ! قُلْ" ، قُلْتُ : مَاذَا أَقُولُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟! فَقَالَ : " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ " فَقَرَأْتُهَا حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى آخِرِهَا ، ثُمَّ قَالَ :" قُلْ" ،قُلْتُ : مَاذَا أَقُولُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ " فَقَرَأْتُهَا حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى آخِرِهَا ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، عِنْدَ ذَلِكَ : مَا سَأَلَ سَائِلٌ بِمِثْلِهِمَا ، وَلاَ اسْتَعَاذَ مُسْتَعِيذٌ بِمِثْلِهِمَا ".(56)
    هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سؤال الله تعالى بالقرآن :
    عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه ، قَالَ:صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ ، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ. فَقُلْتُ : يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِئَةِ ، ثُمَّ مَضَى. فَقُلْتُ : يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ ، فَمَضَى. فَقُلْتُ : يَرْكَعُ بِهَا ، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا ، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلاً ، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تعَوَّذَ ، ثُمَّ رَكَعَ ،. . ."الحديث (57)
    وعَنْ عَمْرِو بن قَيْسٍ الْكِنْدِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ عَاصِمَ بن حُمَيْدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَوْفَ بن مَالِكٍ tيَقُولُ: قُمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً فَبَدَأَ فَاسْتَاكَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى فَقُمْتُ مَعَهُ فَبَدَأَ، فَاسْتَفْتَحَ مِنَ الْبَقَرَةِ لا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلا وَقَفَ فَسَأَلَ، وَلا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إِلا وَقَفَ يَتَعَوُّذُ، ثُمَّ رَكَعَ فَمَكَثَ رَاكِعًا بِقَدْرِ قِيَامِهِ، يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ:"سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ", ثُمَّ قَرَأَ: آلَ عِمْرَانَ، ثُمَّ سُورَةً سُورَةً يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ .(58)
    قال الإمام النووي – رحمه الله - : فيه استحباب هذه الأمور لكل قارئ في الصلاة وغيرها ، ومذهبنا استحبابه للإمام والمأموم والمنفرد . اهـ .(59)
    وقال البهوتي : ولأنه دُعاء بخير ، فاسْتَوى فيه الفَرْض والنَّفْل . اهـ .(60)
    وعند أبي داود من طريق مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يُصَلِّي فَوْقَ بَيْتِهِ، وَكَانَ إِذَا قَرَأَ: " أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى" {القيامة: 40}، قَالَ: «سُبْحَانَكَ»، فَبَكَى، فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ أَحْمَدُ: يُعْجِبُنِي فِي الْفَرِيضَةِ أَنْ يَدْعُوَ بِمَا فِي الْقُرْآنِ ".(61)
    وما ثَبَت في الفّرض ثَبَت في النفل إلاّ ما دَلّ الدليل على التفريق بينهما .
    (10) التوسل إلى الله تعالى بأنواع التوسل المشروعة:
    والوسيلة لغة: القربة، والطاعة، وما يتوصل به إلى الشيء ويتقرب به إليه.
    يقال: وسَّل فلان إلى الله تعالى توسيلاً: عمل عملاً تقرب به إليه. ويقال: وسَلَ فلان إلى الله تعالى بالعمل يَسِلُ وَسْلاً وتوسُّلاً وتوسيلاً: رغب وتقرب إليه. أي: عمل عملاً تقرب به إليه.(62)
    قال الراغب الأصفهاني: الوسيلة: التوصل إلى الشيء برغبة، وهي أخص من الوصيلة لتضمُّنها معنى الرغبة، قال تعالى: "وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ"{ المائدة :35 }. وحقيقة الوسيلة إلى الله تعالى مراعاة سبيله بالعلم، والعبادة، وتحري مكارم الشريعة.وهي كالقربة، والواسِلُ: الراغب إلى الله تعالى.(63)
    ومعنى قوله تعالى: "وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ" أي تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه.(64)
    1- التوسل إلى الله- سبحانه وتعالى - بالإيمان به ، وبوحيه ، والإيمان برسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واتباعه :
    قال تعالى عن المؤمنين : " رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53)"{آل عمران :53}
    وأيضًا : " رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) " { آل عمران : 193}وقولهم كذلك : " رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ" { المؤمنون : 109}
    ومن أمثلة التوسل بالإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر :
    قوله تعالى عن الراسخون في العلم : " رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9){آل عمران:8-9}
    وعَنْ فَضَالَةَ بن عُبَيْدٍ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"اللَّهُمَّ مَنْ آمَنَ بِكَ وَشَهِدَ أَنِّي رَسُولُكَ، فَحَبِّبْ إِلَيْهِ لِقَاءَكَ، وَسَهِّلْ عَلَيْهِ قَضَاءَكَ، وَأَقْلِلْ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِكَ وَيَشْهَدْ أَنِّي رَسُولُكَ، فَلا تُحَبِّبْ إِلَيْهِ لِقَاءَكَ، وَلا تُسَهِّلْ عَلَيْهِ قَضَاءَكَ، وَأَكْثِرْ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا". (65)
    وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ ،وَبِكَ خَاصَمْتُ ،وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَأَخَّرْتُ ، وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ، أَنْتَ إِلَهِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ ". (66)
    2-التوسل بأسماء الله تعالى وصفاته :
    لقوله تعالى : " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا"{ الأعراف : 180}
    وقد سبق معنا في الفقرة السابقة من " أسباب إجابة الدعاء "
    وفيما يتعلق بالتوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته يقول ابن القيم – رحمه الله – عن فاتحة الكتاب : " ولما كان سؤال الهداية إلى الصراط المستقيم أجلُّ المطالب ، ونيله أشرف المواهب ، علَّم الله عباده كيفية سؤاله ، وأمرهم أن يقدموا بين يديه حمده ، والثناء عليه ، وتمجيده ، ثم ذكر عبوديتهم وتوحيدهم ، فهاتان وسيلتان إلى مطلوبهم : توسل إليه بأسمائه وصفاته ، وتوسل إليه بعبوديته ، وهاتان الوسيلتان لا يكاد يرد معهما دعاء .
    ويؤيد الوسيلتان المذكورتان في حديثي الاسم الأعظم ، اللذين رواهما ابن حبان في " صحيحه " والإمام أحمد والترمذي .
    أحدهما : حديث عبد الله بن بريدة رضي الله عنه ، عن أبيه رضي الله عنه ، قال : سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً يدعو ويقول : وساق الحديث كما تقدم معنا،ثم قال : " ففيه توسل إلى الله بتوحيده ، وشهادة الداعي به بالوحدانية ، وثبوت صفاته المدلول عليها باسم " الصَّمَدُ " ، وهو كما قال ابن عباس : العالم الذي كمل علمه ، القادر الذي كملت قدرته ، وفي رواية عنه : هو السيد الذي كمل سؤدده . وقال سعيد بن جبير : هو الكامل في جميع صفاته ، وأقواله ، وأفعاله . وبنفي التشبيه والتمثيل ، بقوله : " وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ "{الصمد:4} ، وهذه عقيدة أهل السنة ، والتوسل بالإيمان بذلك والشهادة به هو اسم الله الأعظم .
    الثاني : حديث أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمع رَجُلاً يدعو : وساق الحديث كما تقدم ، ثم قال : وفيه توسل بأسمائه وصفاته .
    وقد جمعت فاتحة الكتاب الوسيلتين ، وهما : التوسل بالحمد والثناء عليه وتمجيده ، والتوسل إليه بعبوديته وتوحيده ، ثم جاء سؤال أهم المطالب ، وأنجع الرغائب – وهو الهداية – بعد الوسيلتين . فالداعي به حقيق بالإجاية .
    ونظير هذا دعاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي كان يدعو به إذا قام يصلى من الليل ، عن ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَهَجَّدَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ،وَالسَّاعَةُ حَقٌّ؛ اللهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ إِلهِي لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ ".
    فذكر التوسل إليه ، بحمده ، والثناء عليه ، وبعبوديته له ، ثم سأله المغفرة .أه (67)
    4- التوسل بدعاء الرجل الصالح أو المرأة الصالحة " الحاضر الحي " :
    قال تعالى عن أبناء يعقوب عليه السلام لأبيهم بعد ما فعلوه بيوسف عليه السلام : " قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98) قال سوف استغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم ". { يوسف : 97-98}
    وعَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ رضي الله عنه ، قَالَ : كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ ، سَأَلَهُمْ : أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ ، فَقَالَ : أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : مِنْ مُرَادٍ ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ ، فَبَرَأْتَ مِنْهُ ، إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : لَكَ وَالِدَةٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ ، مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ ، مِنْ مُرَادٍ ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ ، فَبَرَأَ مِنْهُ ، إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ ، لَهُ وَالِدَةٌ ، هُوَ بِهَا بَرٌّ ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ ، فَاسْتَغْفِرْ لِي ، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قَالَ : الْكُوفَةَ ، قَالَ : أَلاَ أَكْتُبُ لَكَ إِلَى عَامِلِهَا ؟ قَالَ : أَكُونُ فِي غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ.
    قَالَ : فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ ، حَجَّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ ، فَوَافَقَ عُمَرَ ، فَسَأَلَهُ عَنْ أُوَيْسٍ ، قَالَ : تَرَكْتُهُ رَثَّ الْبَيْتِ ، قَلِيلَ الْمَتَاعِ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ ، مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ ، مِنْ مُرَادٍ ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ ، فَبَرَأَ مِنْهُ ، إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ لَهُ ، وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ ، فَأَتَى أُوَيْسًا ، فَقَالَ : اسْتَغْفِرْ لِي ، قَالَ : أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ ، فَاسْتَغْفِرْ لِي ، قَالَ : اسْتَغْفِرْ لِى ، قَالَ : أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ ، فَاسْتَغْفِرْ لِي ، قَالَ : لَقِيتَ عُمَرَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ ، فَفَطِنَ لَهُ النَّاسُ ، فَانْطَلَقَ عَلَى وَجْهِهِ. (69)
    وأيضًا طلب أم الدرداء من زوج ابنتها في حال سفره للحج بأن يدعو لها ولزوجها بخير ، ففي" صحيح مسلم " عَنْ صَفْوَانَ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَفْوَانَ، وَكَانَتْ تَحْتَهُ الدَّرْدَاءُ، قَالَ: قَدِمْتُ الشَّامَ، فَأَتَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فِي مَنْزِلِهِ، فَلَمْ أَجِدْهُ وَوَجَدْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ، فَقَالَتْ: أَتُرِيدُ الْحَجَّ الْعَامَ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَتْ: فَادْعُ اللهَ لَنَا بِخَيْرٍ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: " دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ : آمِينَ ، وَلَكَ بِمِثْلٍ ".(70)
    وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه ، قَالَ: قيلَ لَه إنَّ إخوانَك أَتوك مِن البَصرةِ - وهُو يَوْمَئِذٍ بِالزَّاوِيَةِ - لِتدعُو اللَّهَ لَهم قَالَ: اللهُمَّ اغفِر لَنا وارحمنَا وآتنَا فِي الدُنيا حَسنة وفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وقِنا عَذاب النَّار. فاستزادُوه فَقال مِثلها، فَقال: إِنْ أُوتِيتُم هَذا فَقد أُوتيتُم خَيرَ الدُنيا والآخِرة.(71)

    حكم التوسل بالأموات من الأنبياء عليهم السلام والصالحين وسؤال الله تعالى بجاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو القسم عليه بأحد مخلوقاته :
    سُئل فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- ما حكم التوسل بسيد الأنبياء وهل هناك أدلة على تحريمه ؟.
    فأجاب -رحمه الله- فقال :التوسل بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه تفصيل ، فإن كان ذلك باتباعه، ومحبته، وطاعة أوامره، وترك نواهيه،والإخلاص لله في العبادة ؛ فهذا هو الإسلام ،وهو دين الله الذي بعث به أنبياءه ، وهو الواجب على كل مكلف. . وهو الوسيلة للسعادة في الدنيا والآخرة ، أما التوسل بدعائه ، والاستغاثة به ، وطلبه النصر على الأعداء ،والشفاء للمرضى ، فهذا هو الشرك الأكبر ، وهو دين أبي جهل وأشباهه من عبدة الأوثان ، وهكذا فعل ذلك مع غيره من الأنبياء ،أو الأولياء، أو الجن، أو الملائكة، أو الأشجار، أو الأحجار، أو الأصنام .
    وهناك نوع ثالث يسمى التوسل وهو التوسل بجاهه أو بحقه أو بذاته مثل أن يقول الإنسان : " أسألك يا الله بنبيك ، أو جاه نبيك ، أو حق نبيك ، أو جاه الأنبياء ، أو حق الأنبياء، أو حق الأولياء ، أو جاه الأولياء والصالحين وأمثال ذلك، فهذا بدعة ومن وسائل الشرك ، ولا يجوز فعله ، ولا مع غيره ، لأن الله سبحانه وتعالى لم يشرع ذلك ، والعبادات توقيفية لا يجوز منها إلا ما دل عليه الشرع المطهر.
    وأما توسل الأعمى به في حياته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فهو توسل به ) ليدعو له ويشفع له إلى الله في إعادة بصره إليه ، وليس توسلاً بالذات، أو الجاه.
    والحق كما يُعلم ذلك من سياق الحديث(72)، وكما أوضح ذلك علماء السنة في شرح الحديث .
    وقد بسط الكلام في ذلك شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله في كتبه الكثيرة المفيدة ، ومنها كتابه المسمى " القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة"، وهو كتاب مفيد جدير بالإطلاع عليه والاستفادة منه .
    وهذا الحكم جائز مع غيره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الأحياء كأن تقول لأخيك أو أبيك أو من تظن فيه الخير : ادع الله لي أن يشفيني من مرضي، أو يرد عليَّ بصري ، أو يرزقني الذرية الصالحة أو نحو ذلك، بإجماع أهل العلم .والله ولي التوفيق.(73)
    وأقول : وهذا ما جاء عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا"، قَالَ: فَيُسْقَوْنَ.(74)

    5- التوسل إلى الله بحال الداعي :
    قال تعالى عن نبيه زكريا عليه السلام : " إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) {مريم3: 7}
    يقول الإمام السعدي – رحمه الله – في تفسيره : " قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي "
    أي : وهى وضعف ، وإذا ضعف العظم ، الذي هو عماد البدن، ضعف غيره، " وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا " لأن الشيب دليل الضعف والكبر، ورسول الموت ورائده، ونذيره، فتوسل إلى الله تعالى بضعفه وعجزه، وهذا من أحب الوسائل إلى الله، لأنه يدل على التبري من الحول والقوة، وتعلق القلب بحول الله وقوته. (75)
    وقال تعالى عن نبيه موسى عليه السلام : " رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (القصص:24)
    يقول الإمام السعدي – رحمه الله – في تفسيره : { فَقَالَ } في تلك الحالة، مسترزقًا ربه " رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ " أي: إني مفتقر للخير الذي تسوقه إليَّ وتيسره لي. وهذا سؤال منه بحاله، والسؤال بالحال أبلغ من السؤال بلسان المقال، فلم يزل في هذه الحالة داعيًا ربه متملقًا. (76)
    وتوسل نبي الله يوسف عله السلام بالافتقار إلى الله ليصرف عنه كيد امرأة العزيز : " قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " {يوسف : 34}.
    يقول الإمام السعدي – رحمه الله – في تفسيره : وهذا يدل على أن النسوة جعلن يشرن على يوسف في مطاوعة سيدته، وجعلن يكدنه في ذلك.فاستحب السجن والعذاب الدنيوي على لذة حاضرة توجب العذاب الشديد، " وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ " أي: أمل إليهن، فإني ضعيف عاجز، إن لم تدفع عني السوء. (77)
    وتوسل سيدنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ربه يوم بدر وغيره وسيأتي بيانه معنا .
    6- التوسل إلى الله تعالى بسابق إحسانه :
    قال تعالى عن نبيه زكريا عليه السلام : " كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) {مريم 1: 7}
    يقول الإمام السعدي – رحمه الله – في تفسيره :" وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا " أي: لم تكن
    يا رب تردني خائبًا ولا محرومًا من الإجابة، بل لم تزل بي حفيًا ولدعائي مجيبًا، ولم تزل ألطافك تتوالى عليَّ، وإحسانك واصلاً إليَّ، وهذا توسل إلى الله بإنعامه عليه، وإجابة دعواته السابقة، فسأل الذي أحسن سابقًا، أن يتمم إحسانه لاحقًا.(78)
    وقوله تعالى عن نبيه يوسف عليه السلام : " رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) " {يوسف :101}
    يقول الإمام السعدي – رحمه الله – في تفسيره : لما أتم الله ليوسف ما أتم من التمكين في الأرض والملك ، وأقر عينه بأبويه وإخوته، وبعد العلم العظيم الذي أعطاه الله إياه، قال مقرًا بنعمة الله شاكرًا لها ، داعيًا بالثبات على الإسلام: " رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ " وذلك أنه كان على خزائن الأرض وتدبيرها ووزيراً كبيراً للملك " وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ " أي: من تأويل أحاديث الكتب المنزلة وتأويل الرؤيا وغير ذلك من العلم " فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا " أي: أدم عليّ الإسلام وثبتني عليه حتى توفاني عليه، ولم يكن هذا دعاء باستعجال الموت، " وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ " من الأنبياء الأبرار والأصفياء الأخيار.(79)
    ومن هذا أيضًا قوله تعالى عن أولي الألباب الراسخون في العلم : " رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ "{ الأعراف :8}
    يقول الشيخ سيد قطب –رحمه الله – في " ظلال القرآن :" ومن ثم يتجه المؤمنون إلى ربهم بذلك الدعاء الخاشع :" رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا". . وينادون رحمة الله التي أدركتهم مرة بالهدى بعد الضلال ، ووهبتهم هذا العطاء الذي لا يعدله عطاء :" وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ " .
    وهم بوحي إيمانهم يعرفون أنهم لا يقدرون على شيء إلا بفضل الله ورحمته . . وأنهم لا يملكون قلوبهم فهي في يد الله . . فيتجهون إليه بالدعاء أن يمدهم بالعون والنجاة .
    ومن أراد المزيد من البيان في مسألة "التوسل " وبيان حالات التوسل المشروع وفق الكتاب والسنة كما بينا بحمد الله تعالى ، والتوسل البدعي والشركي – أعاذنا الله بفضله علينا منه – فليراجع هذه المسألة في كتاب" التوسل " للإمام العلامة الألباني ، والعلامة ابن عثيمين – رحمهما الله تعالى.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
    (1)وهو مقالة " أهمية الدعاء في الشدة والرخاء " وتم نشرها بالموقع .
    (2)-صحيح : رواه أحمد في " المسند"(1997) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح غير طليق بن قيس ، والبخاري في " الأدب المفرد"(665) ، وأبو داود (1510)، والترمذي (3551) ، وابن ماجة(3830)،وابن حبان في "صحيحه"( 947)عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وصححه الألباني.
    (3)- مسلم(2722)واللفظ له ، وأحمد في " مسنده " (19308)،والنسائي (5458) ، عن زيد بن أرقم.
    (4)-"تفسير ابن كثير "(4/112)
    (5)- حسن صحيح: رواه النسائي (3140) ، وانظر " الصحيحة " (52) ،و" أحكام الجنائز (63) للألباني وقال : حسن صحيح.
    (6) -أخرجه أحمد (18031) قال شعيب الأرنؤوط : حديث حسن ، والترمذي (2325) ،وصححه الألباني في "صحيح الجامع(3024)،و "صحيح الترغيب"(14)
    (7)- صحيح : رواه البخاري في " الأدب المفرد " (606)، وابن أبي شيبة في " مصنفه(29270)، والبيهقي في " شعب الإيمان"(1096-1097) ، وهناد في "الزهد " (2/442) ، وأبو نعيم في " الحلية " (2/118)، وصححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد " (474).
    (8)- "تحفة الذاكرين "للإمام الشوكاني (1/52 ) .
    (9)- مسلم(1909) ، وأبو داود (1520) ،والترمذي (1653)،وابن ماجة (2797)،وابن حبان في "صحيحه" (3192).
    10- مسلم (3005)، وأحمد في" المسند"(23931) ، وابن حبان (873).
    11-البخاري(7505)، ومسلم(2675)(2)،وأحمد في " المسند"(8178)،والترمذي(3603)
    12-مسلم (2675)(19)، وأحمد في"المسند"(9749) ، والترمذى(2388)،وابن حبان(812)عن أبي هريرة ، وأخرجه أحمد (13192) عن أنس ، تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم .
    13- حسن : أخرجه الترمذي(3479) ،والحاكم قي"المستدرك"(1817) ، وانظر " صحيح الجامع "(245) للألباني.
    14-صحيح :أخرجه الطبراني في " الكبير "انظر " صحيح الجامع " (1278) و" السلسلة الصحيحة (1543)عن أبو نعيم في "الحلية
    15- البخاري (3653)،ومسلم(2381)،والترمذي(3096).
    16-البخاري(3615)،ومسلم(2009)
    17- "الجامع لأحكام القرآن"(1/690-691)ط.دار الحديث -مصر.
    18- مسلم(125) ، وأحمد في "المسند" (9344) ، وابن حبان(139)،ومسلم(126) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t ،وأحمد في " المسند"(2070)،والترمذي(2992)عن أبن عباس رضي الله عنهما.
    19- البخاري (6502)،وابن حبان في " صحيحه"( 347) .
    20- رواه البزار في"مسنده"(8750).
    21- الأشعث: الملبد الشعر المغبر غير مدهون ولا مرجل.
    22- مسلم (1015) وأحمد في"المسند"(8347) ، والترمذي (2989) ، والدارمي (2757).
    23- "جامع العلوم والحكم "(1/99)ط.دار المنار "الأولى"وانظر" شروط الدعاء وموانع الإجابة "لفضيلة الشيخ سعيد بن علي القحطاني.
    24- البخاري ( 2431 ) واللفظ له ، ومسلم ( 1071 )،وأحمد في " المسند"( 12913).
    25- البخاري (2432) ، ومسلم (1070) وأحمد في" المسند" (8206).
    26- البخاري(2576) ، ومسلم(1077).
    27- البخاري(3072) ، ومسلم ( 1069)،وأحمد في " المسند"(9308).
    28- البخاري(3842)،والبيهقي في "شعب الإيمان"( 5386).
    الخراج: أي يأتيه بما يكسبه والخراج ما يقرره السيد على عبده من مال يحضره له من كسبه. الفتح( 7/154)
    29-البخاري(3842)،والبيهقي في "شعب الإيمان"( 5386).)
    30- صحيح: أخرجه الحسن بن سفيان،وأبو نعيم في " الحلية(1/31) ، والبيهقى فى شعب الإيمان (5375) ، والدينوري في "المجالسة،و"كنز العمال "(35695) ، وصححه الألباني في "صحيح الجامع "(4519) وأحمد(14481) عن جابر، تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده قوي على شرط مسلم رجاله ثقات غير ابن خثيم - وهو عبد الله بن عثمان - فصدوق لا بأس به ، والدارمي ، والحاكم
    31-حسن : أخرجه الترمذي(3382) ، و الحاكم في " المستدرك "( 1997) ، وانظر " صحيح الجامع " (6290).
    32- صحيح : انظر " رواه أحمد في " المسند"( 2803)،والطبراني في " المعجم الكبير"( 11560)،وأبو نعيم في " الحلية"(1/314) عن ابن عباس ،وانظر" صحيح الجامع " (2961).
    33- "جامع العلوم والحكم " لابن رجب الحنبلي – رحمه الله – ط0 دار المنار (ص 193-194).
    34- أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(29175)،والبيهقي في " شعب الإيمان"( 1103). [1] - أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"( 34664)، وابن أبي عاصم في " الزهد " (1/313)، والبيهقي في" شعب الإيمان"( 1100).
    35- أخرجه : معمر في " جامعه " ( 20267 ) ، وأحمد في " الزهد " ( 718 ) ، وابن أبي عاصم في " الزهد " 1/135 ،والبيهقي في " شعب الإيمان"( 1101) وأبو نعيم في " الحلية "( 1/225).
    36- حسن : أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (6973) ،وحسنه الألباني في "صحيح الجامع " (3064) و" السلسلة الصحيحة " (1211).
    37- أخرجه ابن الجوزي في " صفة الصفوة "( 1/278 )،وأبي داود في" الزهد"( 217)واللفظ له، وأبو نعيم في " الحلية "( 1/209).
    38- "جامع العلوم والحكم " لابن رجب الحنبلي – رحمه الله – ط. دار المنار (ص 194-195)بتصرف.
    39-صحيح: أخرجه أحمد (22952) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين ، وأبو داود (1493) ، والترمذي ( 3475) ، وابن ماجة (3857) ،وصححه الألباني.
    40- صحيح: أخرجه أحمد في"المسند"(18974)واللفظ له، تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح ، وأبو داود(985) ، والنسائي (1301) ، وصححه الألباني.
    41- صحيح : أخرجه أحمد (13570) تعليق شعيب الأرنؤوط : حديث صحيح ، وهذا إسناد قوي، والبخاري في الأدب المفرد (705) ، وأبو داود (1495) ، والترمذي (3544)،والنسائي (1300) وابن ماجة (3858) ،وابن حبان في " صحيحه"( 893)وصححه الألباني في " صحيح أبي داود (1342) .
    42- حسن أخرجه أحمد(27611) وضعفه شعيب الأرنؤوط ، وأبو داود (1496) ، والترمذي(3478) ، وابن ماجة(3855) وحسنه الألباني في" صحيح الجامع " (980) ، و" مشكاة المصابيح " (2291)، والدارمي(3432)
    43- صحيح : أخرجه أحمد(3712) ، والحاكم في " المستدرك"(1877) ، والطبراني في " الكبير (10352)وابن حبان (972)وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح ، رجاله رجال الصحيح ، وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (198،199).
    قال العلامة ابن عثيمين – رحمه الله - : أسماء الله غير محصورة بعدد معين لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور :" أسألك بكل اسم هو لك ، سميت به نفسك أو علمته أحدًا من خلقك ،أو أنزلته في كتابك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك" وما استأثر به الله في علم الغيب عنده لا يمكن حصره ولا الإحاطة به .
    والجمع بين هذا وبين قوله في الحديث الصحيح : " إن لله تسعة وتسعون اسمًا من أحصاها دخل الجنة " .
    إن معنى هذا الحديث : إن من أسماء الله تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة وليس المراد حصر أسمائه بهذا العدد .ونظير هذا أن تقول : عندي مائة درهم أعددتها للصدقة فلا ينافي أن يكون عندك دراهم أخرى أعددتها لغير الصدقة .
    وقد نقل الإمام النووي – رحمه الله – اتفاق العلماء على هذا ، فقال : واتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى ، فليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين ، وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة ، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء " اه ( شرح النووي لصحيح مسلم 17/5 دار الفكر )، وقال الإمام ابن تيمية – رحمه الله - : " إن هذا هو الذي عليه جمهور العلماء " اه " درء تعارض العقل والنقل" (3/332-333)، وخالف في القول بعدم الحصر " ابن حزم " حيث يرى أنها تسعة وتسعون فقط ، لظاهرالحديث 0 انظر: المحلى (1/36) / وانظر الرد عليه في " مجموع فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية (22/482- 486) ،وفتح الباري ( 11/ 224) ط. دار الريان " شرح لمعة الاعتقاد " للعلامة ابن عثيمين – رحمه الله – ط. دار البصيرة. (ص11 ).
    44- صحيح : أخرجه أحمد في "المسند"( 528) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن ،وأبو داود (5088 ) ، وابن ماجة(3869)،والترمذي(3388) ،وابن حبان(852) قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح ، والحاكم في " المستدرك "(1895) ،وانظر " صحيح الجامع " (6426)
    45- "تفسير القرطبي" (7/327).
    46- " القواعد المثلى " للعلامة ابن عثمين (ص 18).
    47- البخاري (7406)،وأحمد في " المسند"( 14316) والترمذي(3065)،وابن حبان في " صحيحه"( 7220).
    48-مسلم(486)،وأحمد في " المسند"( 25655)،وابن ماجة(3841)،وابن حبان في " صحيحه" (1932).
    49- صحيح : رواه أحمد في " المسند"( 751)، وأبو داود(1427)،والترمذي(3566)،وابن ماجة(1179)،والنسائي(1747)وصححه الألباني.
    50- مسلم (2708).
    51- صحيح : أخرجه أحمد(17596) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح ، والنسائي في " الكبرى"( 7669) ، والحاكم في " المستدرك"( 1836) والبخاري في " التاريخ الكبير ، وابن منده ، عن ريبعة بن عامر ، والترمذي(3524،3525) ، عن أنس رضي الله عنه ، انظر" صحيح الجامع " (1250 ) و"السلسلة الصحيحة " (1536)رواه ابن أبي شيبة عن أنس ، ، والحاكم في " مسنده "( 1837) عن أبي هريرة .
    52- البخاري(3024)،ومسلم(1742) ،وأحمد في " المسند"( 19107)،وأبو داود(2631)
    ،والترمذي(1678) عن عبد الله بن أوفي.
    53- صحيح : أخرجه أحمد(12107) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده قوي على شرط مسلم ،والبخاري في " الأدب المفرد"( 683)، والترمذي(2140) ، والحاكم في " المستدرك"( 1927) وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (7987).
    54- حسن : أخرجه الترمذي(2917) ، والبيهقي في " شعب الإيمان"( 2387)، وانظر " صحيح الجامع " (6467) ، و" السلسلة الصحيحة "(257).
    55- "تحفة الأحوذي" (8/189).
    56- حسن صحيح : أخرجه أبو داود(1463) ، والنسائي (5438)واللفظ له ، وصححه الألباني.
    57- مسلم (772)،وأحمد في " المسند"( 23367)،وأبو داود (871) ، والترمذي (262) و (263) والنسائي(1664).
    58- صحيح : أخرجه أحمد في " مسنده "( 23980)، أبو داود (873)، والنسائي(1132)، وصححه الألباني.
    59- " النووي شرح مسلم "(3/123)
    60- "منتهى الإرادات " منصور بن يونس البهوتي الحنبلي (1/212).
    61- صحيح : رواه أبو داود (884) وصححه الألباني
    62- انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (5/185)، والقاموس المحيط (ص:1379)، والمصباح المنير (ص: 660).
    63-"مفردات غريب ألفاظ القرآن" (ص871).
    64- "تفسير ابن كثير "(2/53)، وانظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لشيخ الإسلام ابن تيمية، والتوسل أنواعه وأحكامه للشيخ الألباني.
    65- صحيح : أخرجه ابن حبان في " صحيحه "(208) قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح ، والطبراني في " الكبير" (808) ، وانظر " صحيح الجامع " (1311)،و" الصحيحة"(1338).
    66- البخاري(1120) ،و مسلم (2717)واللفظ له ،وأحمد في " المسند"( 2812)عن ابن عباس رضي الله عنهما.
    67- "مدارج السالكين"للإمام ابن القيم –رحمه الله-(1/20-21)ط.دار التقوى-مصر
    68- البخاري (2215) ، ومسلم (2743)،وابن حبان في " صحيحه"( 897).
    69- مسلم ( 2542 ).
    70- مسلم ( 2733).
    71- صحيح. الإسناد: رواه ابن أبي شيبة(6/77)، والبخاري في الأدب المفرد (633 )، وقال الألباني: صحيح الإسناد.
    72- الحديث هو : عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ ، أَنَّ رَجُلًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِي . قَالَ :" إِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ لَكَ ، وَإِنْ شِئْتَ أَخَّرْتُ ذَاكَ فَهُوَ خَيْرٌ" فَقَالَ: ادْعُهُ ،فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيُحْسِنَ وُضُوءَهُ فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ ، وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ فَتَقْضِي لِي ، اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ "
    73- "فتاوى علماء البلد الحرام " إعداد د. خالد بن عبد الرحمن الجريسي .الطبعة الأولى(ص: 29-30) .
    74- البخاري(1010).
    75- "تفسير الكريم المنان " للإمام السعدي (1/489) ط .أولي النهى " الأولى.
    76-"تفسير الكريم الرحمان " للإمام السعدي (1/614).
    77-"تفسير الكريم الرحمان " للإمام السعدي (1/397).
    78- "تفسير الكريم الرحمان " للإمام السعدي (1/489).
    79-"تفسير الكريم الرحمان " للإمام السعدي (1/406).
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ



يعمل...
X