بسم الله الرّحمن الرّحيم
ردّ على مقال في التمييز بين جريمتي الاغتصاب و الزنا لعبد السّلام الككلى:.
لم أقل البتّة انّ شرط إثبات الاغتصاب أربعة شهود, ما ينبغي لي و لا أستطيع , هذا قول زور بلا شهود إلاّ شاهد العنعنة ( و الكلام على الكلام صعب) و التأتاة و الإضمار و سابق الترصّد و شيء من تهافت علمانيّ فقد توازنه , في صدر أصحابه كبر ما هم ببالغيه..تهافت لم يعد له من المواضيع إلاّ فتات قضايا و مرصاد لكلّ نفس إسلامي ضديدهم المنهجي الذي استوت خطوطه إلاّ قليلا.. و آن أوانه و هذا الزّمن هو زمانه..تهافت علمانيّ أكبر من تهافت قابيل يبحث كيف يكون دفن أخيه , يعرّف نفسه بالمخالفة و المغايرة لا تعريفا عينيّا صريحا مباشرا مؤصّلا, و هذا الأمر مفهوم لأنّ العلماني صار خجولا بعلمانيّة أهلكت الحرث و النسل و الذّرات و الجينات و اتخذت الاهها هواها و بشّرت و حلّقت مع "سوبرمان" خيالا علميّا و سياسيّا..و لأنّ العلمانيّ الآخر في اليسار صار مستنكفا من ماركسيّة أعظم ما فيها أنّها وهم منظّم غاض في التّاريخ فلم تبق منه إلاّ شهوة دافقة و حقد دفين مدسوس ضدّ الإسلام و المسلمين و لأنّ هذا الفكر المتوتر مهزوز لا يقدر على مواجهة الإسلام عقائديّا و لا حضاريّا فانّه تمترس وراء عناوين اتّخذها سي عبد السّلام ترسانة معركته و هي عناوين ابتلاها الزّمن فنصل لونها و تبخّرت مضامينها. من تلك العناوين " التقدّميّة" و "الحداثة" و "العقلانيّة" ذات الرّجع و الصدع ..عناوين تجمّل بها سي عبد السّلام ليراه القارئ حيّا نابضا معاصرا بالألوان الطبيعيّة يبشّر و يؤنس و يراني القارئ بالأبيض و الأسود في العالم القديم السّحيق المنتهي الصلاحيّة ميّتا أو كالميّت..صورتان هما أرقى ما أنتج علماني البلاد العربيّة ( الصّاعد إلى الهاوية..) صورتان يتسكّع بهما العلماني المكتئب متسوّلا شبيه برهان و دليل ليسكّن حيرته و وجعه من أجداد قروسطيّين متخلّفين.. يحدّثك عن الصورة القديمة هازئا متظاهرا بالغثيان و يحدّثك عن صورته الجديدة فرحا مسرورا مبتهجا منتفخا و لا سيما إذا قرأ البارحة كتابا أعجميّا أو مترجما فيه خريطة طريق الخلاص..يتّبع دليلها خطوة خطوة باحثا عن باريس فيجد القيروان..و يبحث عن كوت لازور فيجد جبل الشعانبي فيلعن كما لعن بروقيبة التّاريخ و الجغرافيا حين قال "تمنيّت أن تكون تونس من البلاد الاسكندينافية"... على كلّ يحتفظ بالخريطة في انتظار أن تتغيّر جغرافيا تونس.. و تتبدّل معها المساجد إلى كنائس فيسهل كما سهل في أوروبا فصل الدّين عن الحياة..فالدّين في بلاد الإسلام "المتخلّفة" مقاوم عنيد و طاقة انبثاق, لا يدجّن و لا يروّض و لا يطوّع..يغطّي جميع شؤون الحياة بالتفصيل .. و سي عبد السّلام حمّال قوانين وضعيّة لم يجد لها في بلاد المتخلّفين مستقرّا و لا مستودعا إلاّ مستوطنات مغتصبة من وجدان النّاس : أمرا واقعا لا أمرا واجبا على أرضيّة صلدة..لا تنبت و لا تزهر و لا تثمر.. قوانين مذمومة مدحورة بلا جذر عقائدي و لا حافز حادّ " فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجا ممّا قضيت و يسلّموا تسليما".. و يبقى العلمانيّ حمّالا لقوانين حطب مشّاء إلى غرب و تغريب..
ارتدّت المصطلحات العلمانيّة اليساريّة الى أضدادها.. هذا أمر مرئيّ لكلّ ذي عينين و من له مسكة من عقل " من كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد". و رغم ذلك الجماعة ما زالوا أدعياء يمشون الخيلاء يتعالون على عقيدة و حضارة و دين هو الحقّ المبين و يدّعون في الفلسفة علما و يحرمون أبناءهم توبة و طلبتهم صحوا ووعيا و استنارة تجعل الرّوح في الأشياء أنّها مخلوقة لخالق و الرّوح في الأفعال أنّ عليها أمر ربّ العالمين أي التقيّد الطوعي بالحكم الشرعيّ...
و هاكم مشاهد انهدام هذه المصطلحات و انعدامها:
فالتقدّميّة التي تقتضي حتما أن تكون الشيوعيّة فيما يشبه العصف و النّسف بعد الرأسماليّة فقدت صوابها فإذا بالاشتراكيّات و الشيوعيّات تتهاوى في بضع شهور و تقدّم برهانا إضافيا لعدّوها و شاهدا تاريخيّا للرأسماليّة لتكون عالميّة عولميّة تباهي بأنّها نهاية التّاريخ..فمن القديم و من الجديد يا أستاذي؟؟
هذه مقارنة بين منهجين بشريين فما بالك لو قارنّا كليهما بالمنهج الإسلاميّ الربّاني..ماذا تقول حتميّة الحقّ لا حتميّة التّاريخ؟
" و لو اتبع الحقّ أهواءهم لفسدت السماوات و الأرض و من فيهنّ"
"إن يتّبعون إلاّ الظنّ و ما تهوى الأنفس و لقد جاءهم من ربّهم الهدى"
"إن يتّبعون إلاّ الظنّ و إنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئا"
التّاريخ جرّهم إلى الوراء خائبين مذمومين مدحورين "فما بال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا".. أعظم ما في التّاريخ أنّ له ربّا أي تسكنه سنن الحيّ القيّوم..فعن أيّ قديم تتحدّث و عن أيّ جديد؟
انّه الإسلام يا عافاك الله...الشرعة و المنهاج "و من لم يجعل الله له نورا فما له من نور" فاخلع نعليك انّك إزاء موج من فوقه موج من نور على نور...
سقطت فكرة الحتميّة التاريخيّة فعوّضها الطاغية ستالين بالجبريّة التّاريخيّة باغتصاب حياة الملايين و أعراضهم و مجرّد التفكير في التفكير..
و يعوّض هذه الحتميّة مشرّدو التّاريخ الحتمي في البلاد العربيّة بفصل الدين عن الحياة بل بإقصاء الدّين عن الحياة غصبا و تجفيفا للمنابع و تجريفا بل إبادة للمسلمين الثّائرين بالمدفعيّة و الطيران الحربيّ و القنابل الانشطاريّة و قريبا بالكمياوي ضدّ أهلنا في سوريّة و باغتصاب حرائر الشام الاغتصاب اليوميّ..فالشعب رجعيّ و البعث يقودهم إلى التقدّميّة بالسلاسل مكرهين..حداثة تضمحلّ تضمحلّ حتّى لا تكاد تبين إلاّ شبيحة في الأزقّة و على السّطوح بين الحين و الحين..
من خلالك سي عبد السّلام أقول لهذا الاحتلال و الاستيطان العلمانيّ( أي الاغتصاب الحقيقيّ و المعنويّ) الذّي نبذ دين الأمة و لم يشبع جوعا و لو بلقمة و لو يقدر على ردم حفرة في طريق.. و لم ينتج ذاتيّا و لو فكرة واحدة أقول سنسمّيكم بأسمائكم و لن نرضى بالتمترس و الكنية و التمويه و الأقنعة و بانتحال الصّفة فلم يبق من وقت نضيّعه و لا فرص نهدرها " لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرّتين" و سنفرضكم أمام هذا الإسلام العملاق تلاميذ يكفيكم أستاذا: الفذّة الذكيّة التقيّة الخنساء و لمن يحبّ الفرنسيّة نتكرّم عليكم بالجريء العملاق الفلسفي روجي غارودي فلا استخفاف و لا استضعاف بعد اليوم فكلّ الممرّات صراع فكريّ..
انّه العجب العجاب أن يتكلّم يساريّ عن الإسلام القديم مكرّرا ما قاله الكفّار في القرآن عن الوحي الحكيم" إن هذا إلاّ أساطير الأوّلين"..مفارقة عجيبة و لا سيما أنّ اليسار اليوم يتجمّل بكلّ أدوات الليبراليّة ليحظى بالقبول..مفارقة حلّها كثير من المعرفة و قليل من الخجل و تواضع فطري.
بقيت تقدّميّة يزعمها الليبراليون..خلطوا عمدا بين المدنيّة و الحضارة ليكون كلّ تقدّم علمي أو تكنولوجي مبرّرا و اقتضاء لأخذ فكر المستكبرين مصّاصي الدّماء آكلي حقوق العباد في شكل أنظمة حكم و اقتصاد و اجتماع على وجه الضرورة ما يجعل بيتنا عنكبوتا و بيتهم برج رفاه كالخلود و ما يجعل بئرنا معطّلة و قصرهم بجانبه مشيد..
إزالة هذا اللّبس و الدّمج بين الحضارة و المدنيّة ضرورة لتحرير الإنسان من جحيم دنيويّ رأسماليّ ليبراليّ:
المدنيّة هي الأشكال الماديّة نتاج العلم و هي إنسانيّة و عالميّة لا صبغة عقائديّة و لا أيديولوجيّة لها مهما كان الصّانع و مهما كان المستعمل و أخذها و تداول الانتفاع بها مكسب بشري و مقياسها في النّاس أفقيّ أي فيها القديم الذّي تخلّف و منها الجديد المتقدّم ("درّاجة هوائيّة فناريّة فسيّارة فطائرة فمركبة ضوئيّة")..و نفاذ من أقطار السّماوات و الأرض..
أمّا الحضارة بما هي مجموع المفاهيم عن الحياة و هي محلّ النّزاع بين حقّ و باطل و صالح و فاسد و نافع و ضارّ فهي لا تنتج في المخابر بل على ضوء وجهة نظر في الحياة و أهمّ مراكز الحضارة أربع: الأساس و المعتقد و ثانيا مقياس الأعمال و ثالثا سلّم القيم و رابعا مفهوم السّعادة و دلالته.. و هذه المفاهيم لا تقاس بقديم و حديث أي لا تقاس على سلّم أفقي بل تقاس بالرفعة و الانحطاط.. فأوروبا حين تبنت الديمقراطيّة الإغريقيّة القديمة لم تأخذها باعتبار القدم و الجدّة و إنّما بزعم أنّها رقيّ فكريّ و مثال ذلك تحريم الزواج بالعمّة و الخالة و البنت و الأخت و الأم جاء منذ 15 قرنا في الإسلام العظيم.. و هو رقيّ و رفعة أما إباحة ذلك و اعتباره حريّة شخصيّة في القرن الواحد و العشرين زائد حريّة اختيار القرين ذكرا أو أنثى ( المثليّة) فهو غاية الانحطاط و قس على ذلك ..و لنا في هذا الصّدد تفصيل و مزيد بيان إلى أن نصل بك إلى وصيّة النبيّ صلّ الله عليه و سلّم "تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبدا : كتاب الله و سنّتي" فهل بعد هذا متّسع لخرف أيديولوجي أصابه إعصار و فقدان للمناعة.
لا يجوز احتقارآداء أجدادنا بل هو منظور ضمن ملابسة الزّمان و المكان و الإمكان و بهذا الاعتبار النسبيّ غنم أجدادنا رغم عسر الزّمان و المكان و الإمكان ما يجعلنا مقارنة بهم فضيحة تاريخيّة و حضاريّة فقديمهم نسبيّا أرقى و جديدنا و حدييثنا أحطّ بكثير فبم تفاخر سيّدي العزيز..
مع تذكيرك حتّى لا تتعثّر منهجيّا أنّ القرون الوسطى التي ذكرت هي تأريخ و اصطلاح غربيّ ..قرونهم هم سيّدي.. و القياس الشمولي يرتكبه التلاميذ في الأولى ابتدائيّ..
أسلافنا لم يعرفوا وسائل اتّصال و لا مواصلات إلاّ فرس و ناقة و شبيه ذلك حتّى أنّ خبر النّصر في الحرب لا يصل من أرض المعركة إلى العاصمة إلاّ و قد انقلبت المعركة من النّقيض إلى النّقيض و قس على ذلك .. ورغم ذلك أقام المسلمون وحدة كيان يشهد التّاريخ أنّه جمع و منع الأمّة من اندثار و اليوم العالم قرية كما يقال بحكم تكنولوجيا الاتصال و المسافة بين أقصى العالم و أدناه ثوان و مع ذلك نجد دولنا " أشباه الدول" شرذمة و شتاتا مغلّقة عليها الأبواب بدعوى السيادة و الكرامة و المهابة و مقاومة الاستعمار..و صفّ في انتظار تأشيرة بين جار و جار...
بمقياس القديم و الحديث لا نفهم كيف أنّ المسلمين الذين لم يعرفوا الطّباعة و تقنياتها ألّفوا ملايين الكتب و نفعوا أنفسهم و البشريّة و نحن في زمن الثورة العلميّة و الرقميّة لم ننتج إلاّ مواطنا يطالع ما معدّله 6 ثوان في السنة مستبدلا الحداثة بالحديث..
في القديم و باعتراف الأعداء قبل الأصدقاء نشر المسلمون نور الإسلام فاعتنقته أمم بأكملها و جرى منها مجرى الدّم في العروق و عرفت انقلابا شموليّا و درست اللّغة العربيّة بل سبقت إليها و تفنّنت فيها..
و في الحديث الحديث و باعترافنا الذّاتي أصبحنا رجعا و صدى للغرب أتباعا أذّلاء تخاض معارك أعدائنا في عواصمنا بل في بيوتنا..صرنا مستوطنات فكريّة و تشريعيّة و عسكريّة للعدو أقصى مكاسبنا أن نخفّف علينا أضرار اغتصاب الأرض و العرض ثمارا و ثروة و عفّة و شرفا.. نحلّل و نناقش أيّها أهون غوانتنامو أم سجن أبو غريب؟
و الاغتصاب موضوع المقال عندي و عندك شنيع قديما و حديثا و ليس جزء من بنية فوقيّة تتغيّر مع التّاريخ أو بحكم التطوّر المدني و أنت سيّد العارفين أنّ التقدميّة التي تفتخر بها تعتبر الأخلاق نسبيّة تاريخيّة تتبدّل بمقدار الآلة و الصّناعة و علاقة العامل بربّ العمل...
و عليه قد يكون اغتصاب بلد أو عرض عملا تقدّميّا مشجّعا على "التناقضات محرّكة التّاريخ"..
إنّ العالم اليوم يعيش مفارقة بين تقدّم مدني و انحطاط حضاريّ و لانّ ديننا آيات بيّنات و طاقة نور أي وحي ( و هنا موطن الخلاف مع محدّثي) فانّه لا يقاس بالقدم و الجدّة فالإيمان تصديق جازم مطابق للواقع عن دليل وهو القادر الوحيد على إحداث التّناسب و الانسجام بين مدنيّة تملّكك الوسيلة حقيقة و لا تكون لها عبدا منبهرا غبيّا و بين الحضارة التي تعطيك الإشارة و الدلالة و المضمون و المعنى فلا تعبث و لا يعبث بك و لا تقول " نموت و نحي و ما يهلكنا إلاّ الدّهر" و لا من الذّين " يتمتّعون و يأكلون كما تأكل الأنعام" و لا نكون " كالكلب إن تحمل عليه يلهث و أو تتركه يلهث"..
نعم سيّدي : العلمانيّة بما هي حياة بلا حيّ قيّوم و بما هي تشريع بشريّ أناني يوكل النّاس إلى الهوى و الهوى أهواء فهي ظلاميّة دامسة..
نور العلم يكاد ينطق بالإيمان آيات مسموعات منظورات ملموسات و هم في ظلمات النّفس لا يكاد الواحد يجرؤ على مخالفة درس فلسفة تعلّمه عام 70 أو تعقيب أيّ تعقيب.. مدنيّة تقدّمت إلى حدّ تكنولوجيا النّانو و هم كلّما ركبوا سيّارة تفاخروا علينا و قارنوها بالجمل في فجاج الصّحراء و هم معتدون بالجديد مقابل القديم.. سرور و بهجة و فرح كفرح الأطفال بلباس جديد يوم العيد..
أقصى درجات مدنيّتهم و أعني العلمانيين المستعربين " اطفىء الضّوء و الزم فراشك اقتصادا للطاقة"..
" و من لم يجعل الله له نورا فماله من نور"
"ذهب الله بنورهم و تركهم في ظلمات لا يبصرون"
" وتراهم ينظرون إليك و هم لا يبصرون"
أنا أؤكدّ للمرّة الألف أنّ مشكلتنا مع هؤلاء ليست فكريّة لأنّ رميم الفكر الذي يتبنّون هو عهن منفوش نسفه مسار التّاريخ و مداره نسفا فهو خبال منهجيّ و عبث تشريعيّ به انهار أدعياء الحداثة و لم نجد لهم عزما..
إنما المشكلة عند هؤلاء نفسيّة بالأساس : هي تبعيّة المغلوب للغالب شبرا شبرا و ذراعا بذراع حتّى لو دخل من غلبهم جحر ضبّ لاتّبعوه..تفكير في حدود التبرير و عدم قدرة على مراجعة أفكار فرعيّة أو جزئيّة فما بالك بالمنهج فما بالك بالتوبة..أمر مقيت مقيت ضلّل جيلا كاملا ظهر على وجوه أصحابه بعد هذه السّنين آثار حزن كظيم..
مقت عانيناه مع أستاذ فلسفة قال لنا منذ الحصّة الأولى "الإيمان خرافة سأعلّمكم التفكير" و حين بدأنا نفكّر جهّلنا هازئا و كفّرنا كفرا وضعيّا و قال لنا ما قدّمته لكم من تفسير للتّاريخ هو تفسير علميّ و مراحله حتميّة..و الفكر لا يكون إلاّ انعكاسا عن المّادة.. انتكسنا و قلنا له إذن هات الدّروس نحفظها لنكون عقلانيّين علميّين علمانيّين طائعين..بعدها قال صاحبي : هذا تفسير علميّ؟ إذن لو ناقشته فكأنّي أحاول أن آتي بالشمس من المغرب؟ و قال آخر: و المسار حتميّ إذن إذا خالفته خرجت من التّاريخ و لم أكن و العياذ بالله تقدّمي؟
و قال ثالث: فكري كما قال أستاذي انعكاس للمادّة؟ إذن سقط الحاجز بين الأشياء و الأحياء؟
ختاما أستاذي العزيز بالله عليك: أنا جزء من ثقافة قديمة و أنت مسار من ثقافة جديدة؟ هكذا تقول؟ ثمّ توضّح قائلا ثقافة رضا بالحاج قديمة يريد استجلابها إلى تونس و أنت ثقافتك جديدة منبثقة عفوا منعكسة من تونس الأصالة و العراقة؟ أيّنا الأصيل و أيّنا الدّخيل؟ ألم يقل النبيّ صلّ الله عليه و سلّم إنّها السنوات الخدّاعات..
ياللمفارقة العجيبة..
و أكثر من ذلك و أشدّ تجرّأت و نبّهت القارئ إلى خطورة إرجاعنا إلى النّصوص الدينيّة و تعني الإسلام طبعا..نعم بيني و بينك, نعم بين عموم المسلمين و أمثالك العقيدة الإسلامية و ما ينبثق عنها من مفهوم الطّاعة لله و رسوله ثمرة الإيمان.. مفاهيم أصرّ عليها و سائر المسلمين أعزّاء كي لا نكون حين نموت مجرّد ركام لحم و عظام و حفرة و نهاية بلا معنى و إنسان بلا قصّة ووصيّة لأبنائنا أن لا يصلّوا علينا...بيننا و بينكم تناقض في النظرة للكون و الإنسان و الحياة و ما قبلها و ما بعدها : معنى الخلق ,معنى الوحي, معنى الغيب, معنى المسؤوليّة, معنى الصّبر, معنى المصير و معنى قوله تعالى يوم القيامة:" قفوهم إنّهم مسؤولون, مالكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون"..
بيننا و بينكم استنارة تربط الذرّة بما حولها و ما يتعلّق بها وصولا إلى ربّها مقابل ظلاميّة حالكة كالحة بعقدة كبرى في النّفس و ورطة عظمى في الفكر.. بيننا و بينكم وحي تكبّرتم عليه فلم تقرؤوه فضلا عن أن تفهموه فضلا عن اقتناعكم و إيمانكم به , تكبّر جعلكم تحت خطّ الفكر لأنّ أوّل الفكر "اقرأ باسم ربّك الذّي خلق"...
"فأيّ الفريقين أحقّ بالأمن ان كنتم تعلمون" الجواب: "الذين آمنوا و لم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن و هم مهتدون"..."فاجمعوا كيّدكم ثمّ ائتوا صفّا" هاهنا النّور.."سنريهم آياتنا في الآفاق و في أنفسهم حتّى يتبيّن لهم أنّه الحقّ".."أو من كان ميتا فأحييناه و جعلنا له نورا يمشي به في النّاس كمن مثله في الظّلمات ليس بخارج منها؟"
ما كان بودّي أن أخاصمك هذه الخصومة و لكنّه المنهج أخي إذا تخلّق صار والدا و ما ولد..
أمّا الطّول فمردّه أساتذة حين درّسوني غلّقوا أبواب القسم و استعلوا علينا بأحواز كفر و أحيانا بصريحه مع ابتسامة استعلاء ماكرة كانت تغيظنا و تنغرز في نفوسنا و نحن صغار فلا نقدر على الردّ و نشعر بالقهر و الغدر..
مع اعتذاري و دعائي لك بالماء و الهواء و النّور
"ادفع بالتّي هي أحسن فإذا الذّي بينك و بينه عداوة كأنّه وليّ حميم".
ردّ على مقال في التمييز بين جريمتي الاغتصاب و الزنا لعبد السّلام الككلى:.
لم أقل البتّة انّ شرط إثبات الاغتصاب أربعة شهود, ما ينبغي لي و لا أستطيع , هذا قول زور بلا شهود إلاّ شاهد العنعنة ( و الكلام على الكلام صعب) و التأتاة و الإضمار و سابق الترصّد و شيء من تهافت علمانيّ فقد توازنه , في صدر أصحابه كبر ما هم ببالغيه..تهافت لم يعد له من المواضيع إلاّ فتات قضايا و مرصاد لكلّ نفس إسلامي ضديدهم المنهجي الذي استوت خطوطه إلاّ قليلا.. و آن أوانه و هذا الزّمن هو زمانه..تهافت علمانيّ أكبر من تهافت قابيل يبحث كيف يكون دفن أخيه , يعرّف نفسه بالمخالفة و المغايرة لا تعريفا عينيّا صريحا مباشرا مؤصّلا, و هذا الأمر مفهوم لأنّ العلماني صار خجولا بعلمانيّة أهلكت الحرث و النسل و الذّرات و الجينات و اتخذت الاهها هواها و بشّرت و حلّقت مع "سوبرمان" خيالا علميّا و سياسيّا..و لأنّ العلمانيّ الآخر في اليسار صار مستنكفا من ماركسيّة أعظم ما فيها أنّها وهم منظّم غاض في التّاريخ فلم تبق منه إلاّ شهوة دافقة و حقد دفين مدسوس ضدّ الإسلام و المسلمين و لأنّ هذا الفكر المتوتر مهزوز لا يقدر على مواجهة الإسلام عقائديّا و لا حضاريّا فانّه تمترس وراء عناوين اتّخذها سي عبد السّلام ترسانة معركته و هي عناوين ابتلاها الزّمن فنصل لونها و تبخّرت مضامينها. من تلك العناوين " التقدّميّة" و "الحداثة" و "العقلانيّة" ذات الرّجع و الصدع ..عناوين تجمّل بها سي عبد السّلام ليراه القارئ حيّا نابضا معاصرا بالألوان الطبيعيّة يبشّر و يؤنس و يراني القارئ بالأبيض و الأسود في العالم القديم السّحيق المنتهي الصلاحيّة ميّتا أو كالميّت..صورتان هما أرقى ما أنتج علماني البلاد العربيّة ( الصّاعد إلى الهاوية..) صورتان يتسكّع بهما العلماني المكتئب متسوّلا شبيه برهان و دليل ليسكّن حيرته و وجعه من أجداد قروسطيّين متخلّفين.. يحدّثك عن الصورة القديمة هازئا متظاهرا بالغثيان و يحدّثك عن صورته الجديدة فرحا مسرورا مبتهجا منتفخا و لا سيما إذا قرأ البارحة كتابا أعجميّا أو مترجما فيه خريطة طريق الخلاص..يتّبع دليلها خطوة خطوة باحثا عن باريس فيجد القيروان..و يبحث عن كوت لازور فيجد جبل الشعانبي فيلعن كما لعن بروقيبة التّاريخ و الجغرافيا حين قال "تمنيّت أن تكون تونس من البلاد الاسكندينافية"... على كلّ يحتفظ بالخريطة في انتظار أن تتغيّر جغرافيا تونس.. و تتبدّل معها المساجد إلى كنائس فيسهل كما سهل في أوروبا فصل الدّين عن الحياة..فالدّين في بلاد الإسلام "المتخلّفة" مقاوم عنيد و طاقة انبثاق, لا يدجّن و لا يروّض و لا يطوّع..يغطّي جميع شؤون الحياة بالتفصيل .. و سي عبد السّلام حمّال قوانين وضعيّة لم يجد لها في بلاد المتخلّفين مستقرّا و لا مستودعا إلاّ مستوطنات مغتصبة من وجدان النّاس : أمرا واقعا لا أمرا واجبا على أرضيّة صلدة..لا تنبت و لا تزهر و لا تثمر.. قوانين مذمومة مدحورة بلا جذر عقائدي و لا حافز حادّ " فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجا ممّا قضيت و يسلّموا تسليما".. و يبقى العلمانيّ حمّالا لقوانين حطب مشّاء إلى غرب و تغريب..
ارتدّت المصطلحات العلمانيّة اليساريّة الى أضدادها.. هذا أمر مرئيّ لكلّ ذي عينين و من له مسكة من عقل " من كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد". و رغم ذلك الجماعة ما زالوا أدعياء يمشون الخيلاء يتعالون على عقيدة و حضارة و دين هو الحقّ المبين و يدّعون في الفلسفة علما و يحرمون أبناءهم توبة و طلبتهم صحوا ووعيا و استنارة تجعل الرّوح في الأشياء أنّها مخلوقة لخالق و الرّوح في الأفعال أنّ عليها أمر ربّ العالمين أي التقيّد الطوعي بالحكم الشرعيّ...
و هاكم مشاهد انهدام هذه المصطلحات و انعدامها:
فالتقدّميّة التي تقتضي حتما أن تكون الشيوعيّة فيما يشبه العصف و النّسف بعد الرأسماليّة فقدت صوابها فإذا بالاشتراكيّات و الشيوعيّات تتهاوى في بضع شهور و تقدّم برهانا إضافيا لعدّوها و شاهدا تاريخيّا للرأسماليّة لتكون عالميّة عولميّة تباهي بأنّها نهاية التّاريخ..فمن القديم و من الجديد يا أستاذي؟؟
هذه مقارنة بين منهجين بشريين فما بالك لو قارنّا كليهما بالمنهج الإسلاميّ الربّاني..ماذا تقول حتميّة الحقّ لا حتميّة التّاريخ؟
" و لو اتبع الحقّ أهواءهم لفسدت السماوات و الأرض و من فيهنّ"
"إن يتّبعون إلاّ الظنّ و ما تهوى الأنفس و لقد جاءهم من ربّهم الهدى"
"إن يتّبعون إلاّ الظنّ و إنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئا"
التّاريخ جرّهم إلى الوراء خائبين مذمومين مدحورين "فما بال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا".. أعظم ما في التّاريخ أنّ له ربّا أي تسكنه سنن الحيّ القيّوم..فعن أيّ قديم تتحدّث و عن أيّ جديد؟
انّه الإسلام يا عافاك الله...الشرعة و المنهاج "و من لم يجعل الله له نورا فما له من نور" فاخلع نعليك انّك إزاء موج من فوقه موج من نور على نور...
سقطت فكرة الحتميّة التاريخيّة فعوّضها الطاغية ستالين بالجبريّة التّاريخيّة باغتصاب حياة الملايين و أعراضهم و مجرّد التفكير في التفكير..
و يعوّض هذه الحتميّة مشرّدو التّاريخ الحتمي في البلاد العربيّة بفصل الدين عن الحياة بل بإقصاء الدّين عن الحياة غصبا و تجفيفا للمنابع و تجريفا بل إبادة للمسلمين الثّائرين بالمدفعيّة و الطيران الحربيّ و القنابل الانشطاريّة و قريبا بالكمياوي ضدّ أهلنا في سوريّة و باغتصاب حرائر الشام الاغتصاب اليوميّ..فالشعب رجعيّ و البعث يقودهم إلى التقدّميّة بالسلاسل مكرهين..حداثة تضمحلّ تضمحلّ حتّى لا تكاد تبين إلاّ شبيحة في الأزقّة و على السّطوح بين الحين و الحين..
من خلالك سي عبد السّلام أقول لهذا الاحتلال و الاستيطان العلمانيّ( أي الاغتصاب الحقيقيّ و المعنويّ) الذّي نبذ دين الأمة و لم يشبع جوعا و لو بلقمة و لو يقدر على ردم حفرة في طريق.. و لم ينتج ذاتيّا و لو فكرة واحدة أقول سنسمّيكم بأسمائكم و لن نرضى بالتمترس و الكنية و التمويه و الأقنعة و بانتحال الصّفة فلم يبق من وقت نضيّعه و لا فرص نهدرها " لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرّتين" و سنفرضكم أمام هذا الإسلام العملاق تلاميذ يكفيكم أستاذا: الفذّة الذكيّة التقيّة الخنساء و لمن يحبّ الفرنسيّة نتكرّم عليكم بالجريء العملاق الفلسفي روجي غارودي فلا استخفاف و لا استضعاف بعد اليوم فكلّ الممرّات صراع فكريّ..
انّه العجب العجاب أن يتكلّم يساريّ عن الإسلام القديم مكرّرا ما قاله الكفّار في القرآن عن الوحي الحكيم" إن هذا إلاّ أساطير الأوّلين"..مفارقة عجيبة و لا سيما أنّ اليسار اليوم يتجمّل بكلّ أدوات الليبراليّة ليحظى بالقبول..مفارقة حلّها كثير من المعرفة و قليل من الخجل و تواضع فطري.
بقيت تقدّميّة يزعمها الليبراليون..خلطوا عمدا بين المدنيّة و الحضارة ليكون كلّ تقدّم علمي أو تكنولوجي مبرّرا و اقتضاء لأخذ فكر المستكبرين مصّاصي الدّماء آكلي حقوق العباد في شكل أنظمة حكم و اقتصاد و اجتماع على وجه الضرورة ما يجعل بيتنا عنكبوتا و بيتهم برج رفاه كالخلود و ما يجعل بئرنا معطّلة و قصرهم بجانبه مشيد..
إزالة هذا اللّبس و الدّمج بين الحضارة و المدنيّة ضرورة لتحرير الإنسان من جحيم دنيويّ رأسماليّ ليبراليّ:
المدنيّة هي الأشكال الماديّة نتاج العلم و هي إنسانيّة و عالميّة لا صبغة عقائديّة و لا أيديولوجيّة لها مهما كان الصّانع و مهما كان المستعمل و أخذها و تداول الانتفاع بها مكسب بشري و مقياسها في النّاس أفقيّ أي فيها القديم الذّي تخلّف و منها الجديد المتقدّم ("درّاجة هوائيّة فناريّة فسيّارة فطائرة فمركبة ضوئيّة")..و نفاذ من أقطار السّماوات و الأرض..
أمّا الحضارة بما هي مجموع المفاهيم عن الحياة و هي محلّ النّزاع بين حقّ و باطل و صالح و فاسد و نافع و ضارّ فهي لا تنتج في المخابر بل على ضوء وجهة نظر في الحياة و أهمّ مراكز الحضارة أربع: الأساس و المعتقد و ثانيا مقياس الأعمال و ثالثا سلّم القيم و رابعا مفهوم السّعادة و دلالته.. و هذه المفاهيم لا تقاس بقديم و حديث أي لا تقاس على سلّم أفقي بل تقاس بالرفعة و الانحطاط.. فأوروبا حين تبنت الديمقراطيّة الإغريقيّة القديمة لم تأخذها باعتبار القدم و الجدّة و إنّما بزعم أنّها رقيّ فكريّ و مثال ذلك تحريم الزواج بالعمّة و الخالة و البنت و الأخت و الأم جاء منذ 15 قرنا في الإسلام العظيم.. و هو رقيّ و رفعة أما إباحة ذلك و اعتباره حريّة شخصيّة في القرن الواحد و العشرين زائد حريّة اختيار القرين ذكرا أو أنثى ( المثليّة) فهو غاية الانحطاط و قس على ذلك ..و لنا في هذا الصّدد تفصيل و مزيد بيان إلى أن نصل بك إلى وصيّة النبيّ صلّ الله عليه و سلّم "تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبدا : كتاب الله و سنّتي" فهل بعد هذا متّسع لخرف أيديولوجي أصابه إعصار و فقدان للمناعة.
لا يجوز احتقارآداء أجدادنا بل هو منظور ضمن ملابسة الزّمان و المكان و الإمكان و بهذا الاعتبار النسبيّ غنم أجدادنا رغم عسر الزّمان و المكان و الإمكان ما يجعلنا مقارنة بهم فضيحة تاريخيّة و حضاريّة فقديمهم نسبيّا أرقى و جديدنا و حدييثنا أحطّ بكثير فبم تفاخر سيّدي العزيز..
مع تذكيرك حتّى لا تتعثّر منهجيّا أنّ القرون الوسطى التي ذكرت هي تأريخ و اصطلاح غربيّ ..قرونهم هم سيّدي.. و القياس الشمولي يرتكبه التلاميذ في الأولى ابتدائيّ..
أسلافنا لم يعرفوا وسائل اتّصال و لا مواصلات إلاّ فرس و ناقة و شبيه ذلك حتّى أنّ خبر النّصر في الحرب لا يصل من أرض المعركة إلى العاصمة إلاّ و قد انقلبت المعركة من النّقيض إلى النّقيض و قس على ذلك .. ورغم ذلك أقام المسلمون وحدة كيان يشهد التّاريخ أنّه جمع و منع الأمّة من اندثار و اليوم العالم قرية كما يقال بحكم تكنولوجيا الاتصال و المسافة بين أقصى العالم و أدناه ثوان و مع ذلك نجد دولنا " أشباه الدول" شرذمة و شتاتا مغلّقة عليها الأبواب بدعوى السيادة و الكرامة و المهابة و مقاومة الاستعمار..و صفّ في انتظار تأشيرة بين جار و جار...
بمقياس القديم و الحديث لا نفهم كيف أنّ المسلمين الذين لم يعرفوا الطّباعة و تقنياتها ألّفوا ملايين الكتب و نفعوا أنفسهم و البشريّة و نحن في زمن الثورة العلميّة و الرقميّة لم ننتج إلاّ مواطنا يطالع ما معدّله 6 ثوان في السنة مستبدلا الحداثة بالحديث..
في القديم و باعتراف الأعداء قبل الأصدقاء نشر المسلمون نور الإسلام فاعتنقته أمم بأكملها و جرى منها مجرى الدّم في العروق و عرفت انقلابا شموليّا و درست اللّغة العربيّة بل سبقت إليها و تفنّنت فيها..
و في الحديث الحديث و باعترافنا الذّاتي أصبحنا رجعا و صدى للغرب أتباعا أذّلاء تخاض معارك أعدائنا في عواصمنا بل في بيوتنا..صرنا مستوطنات فكريّة و تشريعيّة و عسكريّة للعدو أقصى مكاسبنا أن نخفّف علينا أضرار اغتصاب الأرض و العرض ثمارا و ثروة و عفّة و شرفا.. نحلّل و نناقش أيّها أهون غوانتنامو أم سجن أبو غريب؟
و الاغتصاب موضوع المقال عندي و عندك شنيع قديما و حديثا و ليس جزء من بنية فوقيّة تتغيّر مع التّاريخ أو بحكم التطوّر المدني و أنت سيّد العارفين أنّ التقدميّة التي تفتخر بها تعتبر الأخلاق نسبيّة تاريخيّة تتبدّل بمقدار الآلة و الصّناعة و علاقة العامل بربّ العمل...
و عليه قد يكون اغتصاب بلد أو عرض عملا تقدّميّا مشجّعا على "التناقضات محرّكة التّاريخ"..
إنّ العالم اليوم يعيش مفارقة بين تقدّم مدني و انحطاط حضاريّ و لانّ ديننا آيات بيّنات و طاقة نور أي وحي ( و هنا موطن الخلاف مع محدّثي) فانّه لا يقاس بالقدم و الجدّة فالإيمان تصديق جازم مطابق للواقع عن دليل وهو القادر الوحيد على إحداث التّناسب و الانسجام بين مدنيّة تملّكك الوسيلة حقيقة و لا تكون لها عبدا منبهرا غبيّا و بين الحضارة التي تعطيك الإشارة و الدلالة و المضمون و المعنى فلا تعبث و لا يعبث بك و لا تقول " نموت و نحي و ما يهلكنا إلاّ الدّهر" و لا من الذّين " يتمتّعون و يأكلون كما تأكل الأنعام" و لا نكون " كالكلب إن تحمل عليه يلهث و أو تتركه يلهث"..
نعم سيّدي : العلمانيّة بما هي حياة بلا حيّ قيّوم و بما هي تشريع بشريّ أناني يوكل النّاس إلى الهوى و الهوى أهواء فهي ظلاميّة دامسة..
نور العلم يكاد ينطق بالإيمان آيات مسموعات منظورات ملموسات و هم في ظلمات النّفس لا يكاد الواحد يجرؤ على مخالفة درس فلسفة تعلّمه عام 70 أو تعقيب أيّ تعقيب.. مدنيّة تقدّمت إلى حدّ تكنولوجيا النّانو و هم كلّما ركبوا سيّارة تفاخروا علينا و قارنوها بالجمل في فجاج الصّحراء و هم معتدون بالجديد مقابل القديم.. سرور و بهجة و فرح كفرح الأطفال بلباس جديد يوم العيد..
أقصى درجات مدنيّتهم و أعني العلمانيين المستعربين " اطفىء الضّوء و الزم فراشك اقتصادا للطاقة"..
" و من لم يجعل الله له نورا فماله من نور"
"ذهب الله بنورهم و تركهم في ظلمات لا يبصرون"
" وتراهم ينظرون إليك و هم لا يبصرون"
أنا أؤكدّ للمرّة الألف أنّ مشكلتنا مع هؤلاء ليست فكريّة لأنّ رميم الفكر الذي يتبنّون هو عهن منفوش نسفه مسار التّاريخ و مداره نسفا فهو خبال منهجيّ و عبث تشريعيّ به انهار أدعياء الحداثة و لم نجد لهم عزما..
إنما المشكلة عند هؤلاء نفسيّة بالأساس : هي تبعيّة المغلوب للغالب شبرا شبرا و ذراعا بذراع حتّى لو دخل من غلبهم جحر ضبّ لاتّبعوه..تفكير في حدود التبرير و عدم قدرة على مراجعة أفكار فرعيّة أو جزئيّة فما بالك بالمنهج فما بالك بالتوبة..أمر مقيت مقيت ضلّل جيلا كاملا ظهر على وجوه أصحابه بعد هذه السّنين آثار حزن كظيم..
مقت عانيناه مع أستاذ فلسفة قال لنا منذ الحصّة الأولى "الإيمان خرافة سأعلّمكم التفكير" و حين بدأنا نفكّر جهّلنا هازئا و كفّرنا كفرا وضعيّا و قال لنا ما قدّمته لكم من تفسير للتّاريخ هو تفسير علميّ و مراحله حتميّة..و الفكر لا يكون إلاّ انعكاسا عن المّادة.. انتكسنا و قلنا له إذن هات الدّروس نحفظها لنكون عقلانيّين علميّين علمانيّين طائعين..بعدها قال صاحبي : هذا تفسير علميّ؟ إذن لو ناقشته فكأنّي أحاول أن آتي بالشمس من المغرب؟ و قال آخر: و المسار حتميّ إذن إذا خالفته خرجت من التّاريخ و لم أكن و العياذ بالله تقدّمي؟
و قال ثالث: فكري كما قال أستاذي انعكاس للمادّة؟ إذن سقط الحاجز بين الأشياء و الأحياء؟
ختاما أستاذي العزيز بالله عليك: أنا جزء من ثقافة قديمة و أنت مسار من ثقافة جديدة؟ هكذا تقول؟ ثمّ توضّح قائلا ثقافة رضا بالحاج قديمة يريد استجلابها إلى تونس و أنت ثقافتك جديدة منبثقة عفوا منعكسة من تونس الأصالة و العراقة؟ أيّنا الأصيل و أيّنا الدّخيل؟ ألم يقل النبيّ صلّ الله عليه و سلّم إنّها السنوات الخدّاعات..
ياللمفارقة العجيبة..
و أكثر من ذلك و أشدّ تجرّأت و نبّهت القارئ إلى خطورة إرجاعنا إلى النّصوص الدينيّة و تعني الإسلام طبعا..نعم بيني و بينك, نعم بين عموم المسلمين و أمثالك العقيدة الإسلامية و ما ينبثق عنها من مفهوم الطّاعة لله و رسوله ثمرة الإيمان.. مفاهيم أصرّ عليها و سائر المسلمين أعزّاء كي لا نكون حين نموت مجرّد ركام لحم و عظام و حفرة و نهاية بلا معنى و إنسان بلا قصّة ووصيّة لأبنائنا أن لا يصلّوا علينا...بيننا و بينكم تناقض في النظرة للكون و الإنسان و الحياة و ما قبلها و ما بعدها : معنى الخلق ,معنى الوحي, معنى الغيب, معنى المسؤوليّة, معنى الصّبر, معنى المصير و معنى قوله تعالى يوم القيامة:" قفوهم إنّهم مسؤولون, مالكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون"..
بيننا و بينكم استنارة تربط الذرّة بما حولها و ما يتعلّق بها وصولا إلى ربّها مقابل ظلاميّة حالكة كالحة بعقدة كبرى في النّفس و ورطة عظمى في الفكر.. بيننا و بينكم وحي تكبّرتم عليه فلم تقرؤوه فضلا عن أن تفهموه فضلا عن اقتناعكم و إيمانكم به , تكبّر جعلكم تحت خطّ الفكر لأنّ أوّل الفكر "اقرأ باسم ربّك الذّي خلق"...
"فأيّ الفريقين أحقّ بالأمن ان كنتم تعلمون" الجواب: "الذين آمنوا و لم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن و هم مهتدون"..."فاجمعوا كيّدكم ثمّ ائتوا صفّا" هاهنا النّور.."سنريهم آياتنا في الآفاق و في أنفسهم حتّى يتبيّن لهم أنّه الحقّ".."أو من كان ميتا فأحييناه و جعلنا له نورا يمشي به في النّاس كمن مثله في الظّلمات ليس بخارج منها؟"
ما كان بودّي أن أخاصمك هذه الخصومة و لكنّه المنهج أخي إذا تخلّق صار والدا و ما ولد..
أمّا الطّول فمردّه أساتذة حين درّسوني غلّقوا أبواب القسم و استعلوا علينا بأحواز كفر و أحيانا بصريحه مع ابتسامة استعلاء ماكرة كانت تغيظنا و تنغرز في نفوسنا و نحن صغار فلا نقدر على الردّ و نشعر بالقهر و الغدر..
مع اعتذاري و دعائي لك بالماء و الهواء و النّور
"ادفع بالتّي هي أحسن فإذا الذّي بينك و بينه عداوة كأنّه وليّ حميم".