إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

صناعة الذات.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صناعة الذات.

    بسم الله الرحمن الرحيم



    هل تمر بك أوقات تشعر فيها باليأس؟ حتى تعتقد أن قولهم: لا يأس مع الحياة إنما يريدون به : إنما اليأس مع الحياة؛ لأن الميت يتخلص من اليأس وأما من يطول به العمر فإن اليأس يسري إليه وهذا لا يحدث مع الأموات!
    من أهم أسباب صناعة الذات: وجود الدوافع التي تصيّر الإنسان شيئا آخر، كما أن الجوع يدفعك للأكل حتى تصبح سمينا لا تدخل مع أبواب الناس، والغضب يدفعك للقتل ويصيرك مجرما، والجهل يدفعك للعلم ويصيرك عالما، ووجود الجهلة يدفعك للدعوة ويصيرك داعية، ووجود الكفرة والزنادقة يدفعك للجهاد ويصيرك مجاهدا.
    والدوافع تتنوع وتختلف فليست النفوس على طراز واحد ولكنها أشكال، وكل دافع يؤثر فيما ناسبه من أشكال النفوس، والأمر بعد هذا وقبله توفيق الله للإنسان، فالسعيد من وفقه الله.


    لا أظن أحدا لم يمر عليه في مرحلة طفولته السؤال الأزلي: ماذا تريد أن تكون في المستقبل!
    تتنوع الإجابات بين أن تكون (طبيبا) أو (طيارا) أو حتى (شرطي حرامي)، ثم يكبر هذا السؤال وتصبح الإجابات أكثر بعدا وعمقا –في الغالب- مع تفتح الإنسان على الدنيا، ويتكرر السؤال بشكل آخر : ما هي أمنيتك؟
    أحيانا يقول بعضهم تهربا من الإجابة: أريد أن أدخل الجنة! فيرد عليه بتلك الإجابة الجاهزة: هذا أمر مفروغ منه وإنما نقصد ما كان في الدنيا!
    فلسفة الحياة من أصعب ما يكون، ومن لم يحدد هذه الإجابة ستجده إما أن ينتقل بين الأديان والمذاهب والمناهج، وإما أن يرحمه ربه فيعود إلى أمنية عجائز قومه، وهذا خير عظيم.

    فلسفة عجائز المسلمين
    واللاتي شرقت بهن الحياة وغربت، وقد يكون ماضيها في مراهقتها ممتلئ بالعبث والمجون كما هو الحال الغالب على الشباب، ولكنها إذا رأت نهايات الحياة ففي غالب أحوالهن تكون أمانيهن ذكر الله وأن تقضي بقية حياتها مستغفرة حامدة شاكرة راضية بما قدر الله، راجية رحمة الله خائفة من عقابه، ويقل عندهن استخدام الدين لأجل أغراض الدنيا، ويكفيك عقيدة التوحيد في قلوبهن فلقد تعلمت في حياتها أن ركاب الإنسان أين توجهت فلا شيء مثل توجهها إلى الله.
    وغالب المسلمين ممن ارتفعوا عن دركات الفسوق فهم إما من أهل الصلاح أو دونهم بقليل: على هذه الفلسفة، وهي خير عظيم ولا شك مقارنة بمن يشرق ويغرب ضالا عن الهدى وطريق الخير حتى إذا أمضى زهرة شبابه ضالا بين المناهج والمذاهب عاد إلى هذه الفلسفة –لو عاد- ، ولو لزمها من أول عمره لكان خيرا له.

    فلسفة علماء المسلمين
    ولا نقصد بذلك أنها خاصة بهم ولكنها هي الغالبة عليهم، ويسلكها من وفقه الله وسدده من عامة المسلمين.
    وتتلخص في أن تسلك في حياتك ما يرفع درجتك في الجنة، وطريق ذلك بأن تعرف خير الخيرين وشر الشرين وألا تنشغل بالمفضول مع القدرة على الفاضل، وفي هذا المسلك أمور وضوابط لا تظهر وتستبين إلا لمن حاول سلوك هذا المسلك وما أكثر المنقطعين فيه، وذلك أن حظوظ النفس وشهواتها وزخارف الدنيا تتخاطف النفس فيسلك مسلكا يظنه خير الأمرين لديه وإنما هو حظ نفسه وشهوتها والعياذ بالله، فالانتقال صعب على النفس، لأنها ألوفة لا تحب مفارقة ما ألفته، وهذا المسلك هو بضد ذلك، فمتى رأى خيرا مما هو فيه انتقل منه، ومتى رأى شرا هو أقل من الشر الذي فيه وكلاهما لازم: انتقل إلى الشر الذي أقل منه.
    وهذا باب عظيم من أبواب مجاهدة النفس.
    وهو على خلاف فلسفة العجائز والتي هي لزوم طريقة واحدة ولا تعبأ بغيرها ولو كانت خيرا منها ، وهي –في الغالب- لا تبحث عن الخير بل تفعل ما هو سهل التناول قريب المأخذ، لأنها تريد أن تشغل نفسها بأي شيء فيه شيء من الخير.

    وهذه الإشارة المختصرة كافية للبيب إن شاء الله.

    والمقصود أن بعض البطالين، يقرر لنفسه بابا من أبواب خدمة الدين كالجهاد مثلا، فإذا أغلق في وجهه الباب بقي عاطلا من كل خير، أو أن يكون مجاهدا ويضع لنفسه هدفا كإقامة دولة الإسلام في منطقته التي يجاهد فيها فإذا تعذر هذا الأمر رجع خاليا عن أمانيه وأهدافه متخليا عنها، ويعود –بعد أن كان رقما يبني لأمة الإسلام- صفرا سالبا يهدم أضعاف ما بناه بقوله أو بفعله.

    ولو علم هذا، وقرر في نفسه أن هدفه الذي وضعه ليس هو كل الدنيا وليس هو المجال الوحيد لعمل الآخرة، لرسم لنفسه مسارا آخر وسار فيه، لأن الغاية هي رفعة درجتك في الجنة، لا أن تشارك في رسم العالم السياسي أو تساهم في البناء الإقتصادي أو تضع بصمة في المجال العلمي، فكثير من أعلام المرتدين عن الدين أو عن المنهج الحق هم من المغرورين، الذين رأوا تحطم وانسداد حلمهم أو هدفهم وجعلوا الحياة كلها متمحورة حوله، فإذا وجد أن الحلم قد تبدد انتكس وضل أو انحرف وزل.

    والمسلم العاقل لا يمنعه عدم قدرته على المشاركة في صنع التاريخ –كما يقال- من أن يلتفت إلى خاصة نفسه ويجعل محور حياته عليها، فإذا لم يستطع الدعوة مثلا، انشغل بكليته ببر والديه وصلة أرحامه، مع أن خياره الأول لا يمنعه من هذا لكنه سيشغله حتما، فإذا أغلقت السبل، لم يكن الأثر المتعدي للدعوة الذي يطلبه مانعا له وإن كان فاضلا عما هو دونه ولو كان ذلك بتنظيف طرقات الناس وإماطة الأذى عن طريقهم.
    وهكذا فطرق الخير كثيرة، وكثير من الناس محروم عنها بخداعه لنفسه أو بخداع الشيطان له بتطلعه لما هو أفضل الخير، فإن لم يستطع إليه سبيلا ترك كل سبل الخير، وبقي كعجائز المسلمين إن لم يكن دونهم بكثير.
يعمل...
X