من روائع قصص الصدق
- قال أبو عبد الله الرملي : رأيت منصورًا الدَّيْنَوَرِيَّ في المنام
فقلت له : ما فعل الله بك ؟
قال : غفر لي ورحمني وأعطاني ما لم أُؤَمِّل [1] .
فقلتُ له : أحسن ما تَوَجَّه العبد به إلى الله ماذا ؟
قال : الصدق ، و أقبحُ ما توجَّه به الكذب [2] .
- قال الشيخ عبد القادر الجيلاني - رحمه الله - : بَنَيْتُ أمري على الصدق ، وذلك أني خرجت من مكة إلى بغداد أطلب العلم ، فأعطتني أُمِّي أربعين دينارًا ، وعاهدتني على الصدق ، ولمَّا وصلنا أرض (هَمْدَان) خرج علينا عرب ، فأخذوا القافلة ، فمرَّ واحد منهم ،
وقال : ما معك ؟
قلت : أربعون دينارًا . فظنَّ أني أهزأ به ، فتركني ، فرآني رجل آخر،
فقال ما معك ؟ فأخبرته ، فأخذني إلى أميرهم ،
فسألني : فأخبرته ،
فقال : ما حملك على الصدق ؟
قلت : عاهدَتْني أُمِّي على الصدق ، فأخاف أن أخون عهدها.
فصاح باكيًا ، و قال : أنت تخاف أن تخون عهد أُمِّك ، وأنا لا أخاف أن أخون عهد الله !! ثم أمر بردِّ ما أخذوه من القافلة ، وقال : أنا تائب لله على يديك.
فقال مَنْ معه : أنت كبيرنا في قطع الطريق ، وأنت اليوم كبيرنا في التوبة ، فتابوا جميعًا ببركة الصدق وسببه [3] .
- عن أنس بن مالك قال : عمِّي أنس بن النضر - سُمِّيت به - لم يشهد بدرًا مع رسول الله فكبُر عليه ،
فقال: أول مشهد قد شهده رسول الله غبتُ عنه !! أما والله لئن أراني الله مشهدًا مع رسول الله ليَرَيَنَّ اللهُ ما أصنع .
قال : فهاب أن يقول غيرها ، فشهد مع رسول الله يوم أُحُد من العام المقبل، فاستقبله سعد بن معاذ،
فقال له أنس : يا أبا عمرو ، إلى أين ؟
قال[4] : واهًا لريح الجنة !! أجدها دون أُحُد . فقاتل حتى قُتل ، فوُجِدَ في جسده بضعٌ وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية ،
قالت عمَّتِي الرُّبَيِّعُ بنت النضر: فما عَرَفت أخي إلاَّ ببنانه .
و نزلت هذه الآية : {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [سورة الأحزاب: 23] [5] .
- عن الحافظ أحمد بن عبد الله العجلي ، قال : رِبْعِيُّ بن حِرَاشٍ ، تابعي ثقة ، لم يكذب قط، كان له ابنان عاصيان زمن الحجاج ،
فقيل للحجاج : إنَّ أباهما لم يكذب قط، لو أرسلت إليه فسألتَه عنهما .
فأرسل إليه فقال : أين ابناك ؟
فقال : هما في البيت .
فقال : قد عفونا عنهما بصدقك [6] .
- عن شداد بن الهاد : أن رجلاً من الأعراب جاء إلى النبي فآمن به واتبعه ،
ثم قال : أُهَاجِرُ معك.
فأوصى به النبي بعضَ أصحابه، فلمَّا كانت غزوةٌ غَنِمَ النبي سَبْيًا فَقَسَمَ ، وقَسَمَ له ، فأعطى أصحابه ما قَسَمَ له ، وكان يرعى ظهرهم، فلمَّا جاء دفعوه إليه ، فقال : ما هذا ؟
قالوا : قَسَمٌ قسمه لك النبي . فأخذه ، فجاء به إلى النبي ، فقال : ما هذا ؟
قال : " قَسَمْتُهُ لَكَ " .
قال : ما على هذا اتَّبَعْتُك ، ولكني اتبعتك على أن أرمى إلى ها هنا - وأشار إلى حلقه بسهم - فأموت فأدخل الجنة .
فقال : " إِنْ تَصْدُقِ اللهَ يَصْدُقْكَ " .
فلبثوا قليلاً ثم نهضوا في قتال العدو ، فأُتِيَ به النبيّ ُيُحْمَلُ قد أصابه سهم حيث أشار،
فقال النبي : " أَهُوَ هُوَ" .
قالوا : نعم .
قال : " صَدَقَ اللهَ فَصَدَقَهُ ". ثم كفَّنه النبي في جُبَّة النبي ، ثم قدَّمه فصلَّى عليه ، فكان فيما ظهر من صلاته : " اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ فَقُتِلَ شَهِيدًا ، أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ " [7] .
المصادر :
[1] أؤمل: أرجو ، راجع باب اللام فصل الهمزة في القاموس المحيط ، والمقصود أن الله تعالى عفا عنه وأعطاه فوق ما كان يرجوه !!
[2] الغزالي : إحياء علوم الدين ، باب الصدق 14/2726.
[3] الصفوري : نزهة المجالس و منتخب النفائس 1/131،
و انظر سيد حسين العفاني : صلاح الأمة في علو الهمة 5/45.
[4] القائل هنا أنس بن النضر، ابتدأ في كلامه ولم ينتظر جوابه ؛ لغلبته اشتياقه إلى إيفاء ميثاقه وعهده بربه بقوله : ليرين الله ما أصنع ، المباركفوري : تحفة الأحوذي 9/ 44.
[5] مسلم : كتاب الإمارة ، باب ثبوت الجنة للشهيد (1903) ،
البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة أحد (3822) بألفاظ أخرى .
[6] الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 8/433،
ابن شرف النووي : بستان العارفين ص14.
[7] رواه النسائي : كتاب الجنائز ، باب الصلاة على الشهداء (1953) ،
و البيهقي : (2080) ، (6608) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3756) ، وانظر ابن القيم : زاد المعاد 3/324 .
تعليق