الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالأستاذ "فهمي هويدي" أحد الكُتـَّاب الذين يَحملون على عاتقهم الدعوة إلى "قبول الآخر" أيًا كان هذا الآخر؛ سواء أكان هذا الآخر صاحب دين آخر لا سيما النصارى، أم صاحب "بدعة كلية" لا سيما الشيعة، أو صاحب أيديولوجيا مناقضة للإسلام درى صاحبها أو لم يدرِ: كالعالمانية!
والسلفيون على خلاف ما يظن الأستاذ "هويدي" يقبلون الآخر، ولكن وفق الميزان الشرعي لا وفق الرؤية الشخصية التي يراها الشخص أو فصيل، ثم يخلع عليها وصف العقلانية، رغم أنه عند التأمل سوف نجد أن: "العقل السليم يقر ما دلت عليه النصوص الصحيحة"، فمثلاً يُعمل السلفيون قوله -تعالى-: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (البقرة:256)، كاملاً غير منقوص مِن وجوب بيان الرشد (الإسلام) مِن الغي (كل ما عداه)، ثم عدم إكراه أحد على اعتناق الإسلام، بل التعايش السلمي معه دون المساس باعتقاد المسلم: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) (آل عمران:19).
هذا التعايش الذي بيَّنه قوله -تعالى-: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8).
وأما الشيعة: فدائمًا ما تعامل أهل السنة معهم بروح الأم التي تلملم أبناءها الخارجين عليها، وفيهم وفي أمثالهم قال إمام من أئمة الدعوة السلفية المباركة شيخ الإسلام "ابن تيمية" -رحمه الله-: "لو أني قلت مقالتكم لكفرت، ولكنكم عندي جهال". فعذرهم بجهلهم.
وشيخ الإسلام هو الذي عندما أعطاه ملك التتار أسارى المسلمين أبى إلا أن يضم إليهم أسارى أهل الذمة!
وأما العالمانيون: فعلى الرغم من أننا لم نلتمس لهم الحيل فنجعل منهم: معتدلاً، ومتطرفًا. أو نقسم عالمانيتهم إلى: جزئية، وأخرى شاملة، وإنما طالبناهم بالشريعة الشاملة التي دل عليها قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) (البقرة:208)، ومع هذا فناظرناهم بالحكمة والموعظة الحسنة -"حتى اتهم كاتب هذه السطور باللين مع العالمانيين، لا سيما في مناظرة الدكتور عمرو حمزاوي، والدكتور عمار علي حسن!"-.
عمومًا.. المقصود هنا ليس بيان الاختلاف بين الأستاذ "هويدي" وبين السلفيين في قضية التعامل مع الآخر، ولكن المقام مقام العجب من أن سعة صدر الأستاذ "هويدي" لكل آخر تضيق عندما يكون الآخر سلفيًا! بل عندما يكون مظلومًا، بل ربما زاد هو المظلوم ظلمًا!
ومِن ذلك: أنه أبدى ارتياحه لعدم توفيقي في الانتخابات رغم أنه اعترف أن الإعلام استدرجني -على حد تقديره- للسؤال عن الخمر، والمايوه، وخلافه.. إلا أنه عاد واتهمني أنني أبيت إلا أن أحصر نفسي في دائرة المحرمات، وأنني أمثـِّل التطرف والتشدد منذ كنتُ طالبًا في الهندسة ناسبًا ذلك إلى أحد زملاء دراستي. ولا أدري: هل شاهد الأستاذ البرامج التي انتقدني بسببها أم لا؟! لأنني ألححت على السائلين أن يسألوني عن الإصلاح السياسي أو الاقتصادي أو عن مشكلات الشباب والبطالة؛ فأبوا إلا أن يسألوني عن هذه المحرمات القطعية التي لا أظن أن الأستاذ يملك أن يجيب عنها بغير ما أجبت أنا!
طبعًا بعض الإسلاميين انتبهوا أنني لم أحرِّم إلا ما حرَّم الله؛ ففروا من اتهامي بالتشدد إلى اتهامي "بالطيبة"! وأنني تعاملت مع الإعلاميين كما أتعامل مع أي سائل في المسجد دون أن أدرك نواياهم غير البريئة، كما دأب الصديق العزيز "جمال سلطان" على تقديم هذا التحليل "الذي لا يخلو من الطيبة"!
ولكن الواقع أنني أدرك ذلك أكثر من أي أحد آخر؛ بحكم كوني داخل الأستوديو؛ حيث تطبخ المؤامرات أمامي، ولكن الحلول التي يقدمها الآخرون وينتج عنها مع كثرة المنابر العالمانية، وتكرار مواقف الانسحاب مِن أمامهم، أو التهرب من الإجابة عن أسئلتهم أن في إسلامنا ما يُستحي من ذكره، وما يعجز أنصار الشريعة عن الدفاع عنه؛ مما يتولد عنه هزيمة نفسية، فمداهنة، فتراجع.
ومِن ثَمَّ: "فقد آليت على نفسي منذ برزت للإعلام ألا أتهرب من أي سؤال وألا أزخرف أية إجابة"؛ اللهم إلا من إزالة لبس أو توضيح غامض، أو احتراز لا بد منه؛ حتى وإن انتهت المعركة بما وصفه الأستاذ "جمال" بقوله: "أفحمناهم وفازوا هم بالكراسي"!
فإفحام خصوم الشريعة وإظهار الاعتزاز بها، والدفاع عن أصولها وفروعها، ومبادئها وأحكامها هي رسالتنا، التي كان ينبغي على الأستاذ "هويدي" ومَن وافقه مِن الدعاة الكرام أن يتقبلوا أصحابها؛ ولو باعتبارهم "آخر" يجب تقبله.
والحمد لله أن الخصوم لم يستطيعوا إزاحتي إلا ببتر التوضيحات التي أشرت إليها، وقاموا بنشر مقاطع إنترنت مبتورة مدتها أقل من دقيقة، ثم أضافوا إليها مئات الكذبات، ثم جيَّشوا كل "العالمانيين"، و"اليساريين"، و"الفلول"، و"أم الخلول"؛ ليكوِّنوا نواة تسند المنافس المدعوم أصلاً من فصيل إسلامي كبير -وهم الإخوان المسلمين-، ومع هذا احتاجوا إلى نواة أخرى -"أنزه إخواني في الإخوان أن يكُونوا هم من وقف وراءها، وأترك القضاء ليكشف عنها قريبًا -إن شاء الله"-؛ لأفقد أنا عشرين ألف صوت معظمها من جراء التراخي نتيجة أن الإعادة "إسلامية - إسلامية"، ويكسب المنافس خمسين ألف صوت إضافية جاءت من النواتين اللتين أشرت إليهما سابقًا؛ لينقلب الفارق والذي كان خمسين ألف صوت لصالحي في الجولة الأولى إلى ثلاثين ألف صوت للمنافس في جولة الإعادة، ومع هذا خرجت الأفراح والليالي الملاح ممن كان دوره في هذه النتيجة كدور النواة التي تسند الزير؛ ليس إلا!
وعلى قدر ما سرني فرح خصوم الشريعة بإسقاطي -حتى ولو كان لصالح مرشح آخر مدعوم من تيار إسلامي- بقدر ما آلمني أن يكتب كاتب إسلامي مبديًا الارتياح لعدم دخولي البرلمان -وهو في هذا الموطن وصف مخفف من الشماتة-!
ولكني سأحاول أن أقلب الأمرين فرحًا فأُسر بشماتة خصوم الشريعة مِن باب: "إذا فرح خصوم الشريعة بخسارتي فاعلم أنني من أنصارها".
ولن أتعامل مع شماتة الأستاذ "هويدي" بمنطق:
وظـلـم ذوي القـربى أشـد مـضـاضة على المرء من وقع الحسام المهند
ولكن سأتعامل معه بالمَثل البلدي القائل: "ضرب الحبيب مثل أكل الزبيب"!
جمعنا الله وإياه وسائر القـُرَّاء تحت لواء الشريعة يوم يبعثون.