بين بشرية و إنسانية
د. عمر عبد الكافي
خلق الله الإنسان ضعيفاً و أساس هذا الضعف إنما يكمن في التناقض بين النفس البشرية و النفس الإنسانية ، و قد يتعجب القارىء و يسأل: و هل هناك فرق بين نفس بشرية و نفس إنسانية ؟ بل سيسأل أو يتساءل هل هناك أصلاً نفس بشرية و أخرى إنسانية ؟
إن النفس البشرية هي المكون الأول للطبيعة الإنسانية و لا تصح هذه النفس إلا إذا أكل صاحبها الحلال و لم يتعد بالظلم على الغير و الله عز و جل عندما خاطب آمراً و ناهياً خاطب النفس الإنسانية المتمثلة فى الإنسان الذى ارتقى بسلوكه و خلقه إلى الآفاق السامية لم يقل رب العباد يا أيها البشر بل قال: يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ﴿٦﴾ الانفطار.
هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ ﴿١٣٨﴾ آل عمران ، مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ۚ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ شَهِيدًا ﴿٧٩﴾ النساء ،
حيث وردت كلمة الإنسان فى القرآن 65 مرة فى 65 موضعاً.
أما هؤلاء من الجاحدين و المنكرين إنما نظروا إلى أصحاب الرسالات نظرة بشرية لا إنسانية فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ ﴿٤٧﴾ المؤمنون ، و قال إبليس: قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ﴿٣٣﴾ الحجر ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ ﴿٢٧﴾ لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ ﴿٢٨﴾ لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ ﴿٢٩﴾ المدثر.
أما علاماتها:
فالميل للطغيان و كفر الحقيقة و البخل و البطر و العجلة و الضعف و الهلع و الجدل و كلها صفات مقيتة مبغوضة لا يحبها أحد .
الميل للطغيان :
أما الميل للطغيان يأتي من شعور خلق المتكبر أنه قد استغني بماله أو جاهه أو علمه أو مكانته الاجتماعية فيستشعر تميزه عن الخلق ، و لكنه ينسي أن الله خلق الناس سواسية حتى لا يفتخر أحد علي أحد و لا يطغي أحد علي أحد فهلاّ يستشعر الإنسان هذه المعاني حتى لا يكون هذا المرض النفسي ألا و هو الطغيان مستشرياً في قلب هذا الإنسان و أفعاله .
كفران الحقيقة :
أما كفران الحقيقة و إنكارها فهذا مرض قتّال و داء فتاك إن أحاط بالإنسان فسوف يهلكه لأن عدم شكر النعم وعدم الإقتناع بالحقائق يجعل الإنسان متمرداً على خالقه و العياذ بالله و لك أن تتخيل أن إنساناً ما متمرد على خالقه فكيف تكون معاملته مع خلق الله و عباده .
البخل :
لكنّ ثالثة الأثافي هي كارثة البخل و هذا الخلق المدمِّر لا يجعل صاحبه شحيح العطاء للمال فقط بل يصير شحيحاً بعواطفه فيخاف أن يبتسم في وجه من حوله حتى لا يتجرأ أحدهم إن كان ولداً أو زوجة فيطلب منه مالاً أو عطاءً وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿٩﴾ الحشر.
العجلة :
أما العجلة في الأمور فلا تستحب إلا في مواطن محددة ، في تزويج البكر و سداد الدين و الاستغفار من الذنب و أداء الصلاة في وقتها و دفن الميت و بعد ذلك فالعجلة غير مستحبة بداية من اتخاذ القرارات المتعجلة التي تضر بالفرد و المجتمع إلى العجلة في قيادة السيارات علي الطريق العام و تعريض النفس و الغير إلي حوادث لا يحمد عقباها .
إن الإنسان الذى يتريث في صغير الأمر و كبيره انسان يملك أمره و له بصيرة و روية فَيَسعَد و يُسعِدُ من حوله .
الهلع :
لكن الهلع يزداد عند البشر كلما قلت أو ضعفت صلتهم بالله لأن صاحب اليقين لا يقول (يا ربِّ عندى هم كبير و لكن يقول يا هم عندي ربُُّ كبير) لأننا رأينا أحد منابع اليقين البشري و هو الكليم عليه السلام لمّا قال له قومه فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴿٦١﴾ قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴿٦٢﴾ الشعراء.
و أريد أن أهمس في أذن هذا الذى يهلع لأقل الأحداث و أبسطها هل غيّر لك هلعك ما أنت فيه ؟! ، هل عندما استولي عليك الهلع نجحت فيما تريد أم زاد توترك و صرت إنسان مهتز اليقين كأنك اقتلعت جذور الثبات من أرض الصبر الذي يجب أن يكون مكانه قلبك المؤمن ؟!!
كل هذه الصفات المذمومة من طغيان و بخل و بطر و عجلة و هلع إذا اتصف بها إنسان صارت نفسه بشرية فليراجع كل واحد منا نفسه متى يريد أن يرقى نفسه إلى لوامة أو مطمئنة لتصير نفساً إنسانية تتطلع لذرى المعالي لنحقق خلافة أبينا آدم في هذه الأرض .
أما النفس الإنسانية التى نريد أن نتصف بها جميعاً تجدها و تجد صفاتها فيما زكاها رب العباد فى مفتتح سورة ( المؤمنون )
بأن الله زكى قلوب أصحاب هذه النفوس فقال قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴿١﴾ المؤمنون
و زكى عبادتهم فقال الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴿٢﴾ المؤمنون
و زكى ألسنتهم فقال وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴿٣﴾ المؤمنون
و زكى أموالهم فقال وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ﴿٤﴾ المؤمنون
و زكى خلقهم فقال وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴿٥﴾ المؤمنون
و زكى أماناتهم فقال وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴿٨﴾ المؤمنون
و زكى طاعتهم فقال وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴿٩﴾ المؤمنون
و زكى درجاتهم فقال أُولَـٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ﴿١٠﴾ المؤمنون
فاعرض نفسك على هذه الصفات فإن رأيت أنك تتصف بها فلله الحمد و المنة أن نفسك نفس إنسانية أما إن كانت الأخرى فاجتهد أن تزكيها .
نشر بمجلة الشرطة 999 ( أبوظبي )