" سيد الإستغفار أن يقول العبد : اللهم أنت ربى لا إله إلا أنت خلقتنى وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علىّ وأبوء بذنبى فاغفر لى فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت "
رواه أحمد من حديث بريدة
كلنا بنقرأ الحديث ده فى أذكار الصباح والمساء كما علمنا النبى صلى الله عليه وسلم فى رواية شداد بن أوس فى صحيح البخارى
وأجر قائله فى الصباح أن إذا مات قبل أن يمسى دخل الجنة
وإذا مات قائله فى المساء قبل أن يصبح دخل الجنة
وده إن دل على شئ فيدل على عظمة هذا الدعــاء والمعانى الجليلة التى يحملها
لأن الحديث ده هو المفتاح لكل من يطلب الثبات على الطاعة
ويشكو من التفلت والفتور
لا تستغرب وتعالى نسمع الإمــام ابن القيــم وهو بيتكلم عن هذا الحديث :
" فجمع فى قوله صلى الله عليه وسلم : " أبـــــوء لـك بنـعـمـتك علىّ وأبـــــوء بذنبـــى "
1- مشاهدة المنة ( النعمة )
2- ومطالعة عيب النفس والعمل ( الذنوب )
فمشاهدة المنة توجب له المحبة والحمد والشكر لولى النعم والإحسان
ومطالعة عيب النفس والعمل توجب له الذل والإنكسار والإفتقار والتوبة فى كل وقت وأن لا يرى نفسه إلا مفلسا "
يقصد ايه ؟!
يقصد إنك لما تشوف نعم ربنا سبحانه وتعالى وعليك التى لا تحصى ولا تعد
سمعك وبصرك وقلبك وجلدك ودمك ولحمك وعظمك وعصبك وكل خلية من خلايا جسمك فيها نعم لا تحصى
ومن أجمل ما قيل فى ذلك :
" إن لله عليك فى كل شعرة نعمتان ألان أصلها وطمس طرفها "
فأصل الشعرة جوه الجلد جلد جنبه غده دهنية ترطب الجلد وكمان طرفها مطموس مش زى سن الإبرة
فالله جل جلاله صورك فى أحسن صورة وسخر الكون كله لخدمتك مأكل ومشرب وملبس ومركب و ........ إلخ
ولم يطلب منك إلا الطاعة مش أجر على هذه النعم لا بل لأنك عبده وملكه وهو ربك وسيدك ومالكك
طاعتك أصلا مش هتفيده سبحانه وتعالى فى حاجة ولا معصيتك هتضره جل جلاله
ووعدك لو أطعته ( بتوفيقه برده )
لو تصدقت من المال الذى أنعم عليك به لو صليت وصمت بالقوة التى أعطاها لك لو حفظت شهوتك اللى من بيها عليك ولم تصرفها فيما يغضبه
وعدك بجنة عرضها السماوات والأرض
يهبك ثم يجازيك على ما وهبك
لما تحس بنعمه تحبـــه " مشاهدة المنة "
كــل ده فى مقابل ذنوبك وكلنا مذنبون مقصرون وتقصيرك فى شكر النعم يخليك تحس بالذل والإنكسار والفقر له سبحانه وإنك محتاج له ومتقدرش تستغنى عنه تحس إنك " مفلــــس " تشعر إنك " ولا حاجة "
حتى عملك مش على قدك لما تبص له فى وتبص لمقام الملك جل جلاله تتكسف من تقصيرك
فتوب وتستغفر وتستحى منه سبحانه وتعالى وهو ده " مطالعة عيب النفس والعمل "
ابن القيــم بيعتبر الباب ده ( باب الإفلاس والإفتقار إلى الله تعالى ) هو أقرب باب يوصلك لربنا سبحانه وتعالى تعالوا نكمل :
" وأقرب باب يدخل منه العبد على الله تعالى هو الإفلاس
فلا يرى لنفسه حالا ولا مقاما ولا سببا يتعلق به ولا وسيلة منه يمن بها
ليدخل على الله تعالى من باب الإفتقار الصِرْف والإفلاس المَحْض
ودخول من قد كسر الفقر والمسكنة قلبه حتى وصلت تلك الكسرة إلى سويدائه فانصدع وشملته الكسرة من كل جهاته وشهد ضرورته إلى ربه عزوجل وكمال فاقته وفقره إليه وأن فى كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقة تامة وضرورة كاملة إلى ربه تبارك وتعالى وأنه إن تخلى عنه طرفة عين هلك وخسر خسارة لا تجبر إلا أن يعود الله تعالى ويتدارك برحمته ولا طريق إلى الله تعالى أقرب من العبودية ولا حجاب أغلظ من الهوى "
فلما تعيش المعانى العالية دى وتحس إنك فعلا لا تساوى عند الله تعالى شئ ( بمقارنة نعمه بعملك مهما بلغ عملك ) لما تحس إنك
مُـفْـلِــــس
فقــــير
محتـــاج
منكســــر
فتيقن إنك كده هتوصل لربنا سبحانه وتعالى من أقصر طريق
لإن المعانى لما تبقى فى قلبك , والشيطان أو نفسك أو هواك وقعوك غدرا فى معصية من المعاصى أو ذنب من الذنوب هتقوم علطول وتقول له بكل ذل :
يارب سامحنى
يارب غصب عنى
تب على ّ يارب
مش هتتكرر تانى
والله تبت ومش هارجع للذنب ده تانى
اللهم لا براءة لى من ذنبى فأعتذر
ولا قوة لى فانتصر
ولكنى مذنب مستغفر
اللهم لا عذر لى وإنما هو محض ( خالص ) حقك ومحض جنايتى فإن عفوت وإلا فالحق لك
إنه ما كان منى ما كان عن استهانة بحقك ولا جهلا به ولا انكارا لإطلاعك ولا استخفافا بوعيدك وإنما كان من غلبة الهوى وضعف القوة عن مقاومة مرض الشهوة وطمعا فى مغفرتك وإتكالا على عفوك وحسن ظن بك ورجاءا لكرمك وطمعا فى حسن حلمك ورحمتك وغرنى بك الغرور والنفس الأمرة بالسوء وسترك المرخى على وأعاننى جهلى
ولا سبيل إلى الإعتصام إلا بك ولا معونة على طاعتك إلا بتوفيقك
يارب مالي غير بابك ملجأ ً.... فأقبل ذَنُوبًا قد أتاكم راجيا
أنا عائــد لله أرجو رحمة ً.... ما خِبتُ إن كان الرحيمُ رَجائيا
كم دمعة تنهال فى جُنح الدُجى .... مولاي عُدت فتُب علىَّ إلهيا
يا سيدي رفقاً بنفس ٍأسرفت .... ظُلماً وجهلاً ليس ثَمَّ تعاليا
أمَّلْتُ فى كرم الكريم وغرّنى .... حِلم الحليم وسِتره إذ أُرْخِيا
ونسيت جبروت العزيز وزادنى ... أملى الطويل فكان حالي حاليا
فركبت أمواج الهوى تباً لها ... من شهوةٍ تسطو علىَّ لضعفيا
يارب إن ترددْ فتلك جنايتى .... والحقُ حَقك والعَفُوُ ثَنَائيا
فلتعفُ عني خالقي ومُصوري ... مولاي فارحم عَبْرَتِى وسُهَادِيا
قولها زى ما تقولها لكن لازم تقولها
لازم تقوم علطول وإياك أن تنتظر فى وحل الهوى
قال الله تعالى : " إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون "
ثم يختم ابن القيم رحمه الله كلامه بملخص الحكاية فيقول :
" والعبودية مدارها على قاعدتين هما أصلها :
1- حب كامل
2- وذل تام
ومنشأ هذين الأصلين عن ذينك الأصلين المتقدمين وهما :
1- مشاهدة المنةالتى تورث المحبة
2- ومطالعة عيب النفس والعمل التى تورث الذل التام
وإذا كان العبد قد بنى سلوكه إلى الله تعالى على هذين الأصلين لم يظفر به عدوه إلا على حين غرة وغيلة وما أسرع ما ينعشه الله عزوجل ويجبره ويتداركه برحمته "