بسم الله الرحمن الرحيم
إلى شباب الثورة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فعبر حوالي عشر سنوات ونحن معشر الدعاة يُحال بيننا وبين الالتحام بالشباب في المدارس والجامعات، بل أكاد أجزم أن الـ 88 مقعد التي حصل عليها الإخوان في انتخابات 2005 كانت لكي ينشغلوا -رغم أنفهم- عن الالتحام بالشباب.
لقد أراد مَن خطط لذلك أن يكون "الفيس بوك" هو الرابطة التي يلتقي عندها الشباب، و"الفيس بوك" كما الإنترنت كما الفضائيات؛ اخترعها الغرب ووظفها لخدمة أهدافه ونظام حياته الذي يسمح بدرجة كبيرة مِن إطلاق عنان الشهوات، ولكنها بلا شك غير قاصرة على هذه الجوانب عندنا.
ولسبب أو لآخر عندما قدَّم الغرب لنا كل هذه الوسائل قدَّمها على أنها وسيلة للفساد ليس إلا، أو كانت بالفعل كذلك حتى انتبه مَن انتبه إلى أنها وسيلة لتبادل المعرفة أو التواصل الاجتماعي، ولا يُشترط أن تكون وسيلة للفساد.
ولكن بينما يقف معظم المراقبين مِن "الفيس بوك" موقف المرتاب؛ إذ بشباب يتواصلون وفي رؤوسهم همّ أمتهم، وفي صدورهم جذوة إيمان لم يطفئها طغيان "الفيديو كليب"، ولم تسكتها أكاذيب أعداء الإسلام.
وشاء الله.. لقد تحرك هؤلاء بعيدًا عن الرصد الذي يرصد "دبة النملة" عند القوى التقليدية على الساحة! تحركوا.. وليس ورائهم كيان يخافون أن يُهدم كما تخشى الدعوات أن ترجع عشر سنوات للوراء في كل "ضربة أمنية إجهاضية".
وتحركوا بتلقائية وعفوية.. وهذا هو سر جمال هذه الحركة، وهذا هو مصدر قوتها.
شاركهم البعض على استحياء، ثم ما زالت مساحة المشاركين تزداد يومًا بعد يوم حتى كان المشهد الختامي رائعًا جميلاً مبهجًا، ولكن لا يمكن إغفال وجود بعض المخالفات التي لا نريد أن تكون هي محور أول حديث بيننا وبين شباب التغيير.
ولكن النقطة الأهم هي: غياب الأيدولوجية، لقد فرح الشباب بأنهم غير مُسيَّسين لشعورهم أن هذا يوفر لهم قدرًا كبيرًا مِن التعاطف الدولي، ولكنهم الآن وقد اتجهوا إلى العمل العام البناء لا أقول لهم: "لابد وأن تسيسوا"، ولا أقول: "لابد وأن تنضموا إلينا"، ولكن أقول: "لابد مِن عقيدة تنطلقون منها، وهدف تسعون إليه، ومنهج يحكم تصوراتكم".
ونحن في هذا السياق لا نريد أن نفرض عليكم رأيًا لنا، بل ولا رأيًا لفلاسفة ولا مفكرين.. فقط نريد أن نعرف هويتنا وهوية أمتنا؛ وهي: "الهوية الإسلامية".
أنتم شباب ملَّ أن يُقال له: "أنتم ما زلتم صغارًا.. ".
وتاريخنا الإسلامي يقول: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلَّد أسامة بن زيد -رضي الله عنه- إمارة جيش وهو دونكم في السن، بينما كان في الجيش أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما-، واللذين آلت إليهما قيادة الأمة ككل بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يكن جيش أسامة قد تحرك، واختير أبو بكر -رضي الله عنه- خليفة ليأتي القائدَ أسامة ويستأذنه أن يترك له عمر نائبًا ومستشارًا، فيأذن.
ثم على ماذا ائتمَن الشيخان أبا بكر وعمر شابًا هو زيد بن ثابت -رضي الله عنه-؟! ائتمناه على أمانة جمع القرآن، ويا لها مِن أمانة.
عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أدخله عمر في مجلس الشورى مع حداثة سنه، ومع امتعاض كبار السن؛ تقديرًا لعلمه وفهمه.
الشافعي عده المسلمون إمامًا في الفقه، وهو في مثل سنكم!
أنتم شباب لا تريدون أن تُفرض عليكم تصورات غيركم..
وأنا أقول لكم: "نحن نعلي مرجعية الشريعة فوق الجميع؛ بحيث يبقى الحاكم والمحكوم، والرجل والمرأة، والصغير والكبير، كلهم تحت لوائها سواء، لا يحكم فيك ولا يأمرك وينهاك إلا ربك".
أنتم شباب آلامه فقدان الأمل في الدنيا.. ثقوا أنتم بالإسلام تملكون آمالاً في الآخرة تُنسِي ما يضيع مِن آمال الدنيا، ولا تعرقل الحصول على الممكن منها.
أنتم شباب.. يريد مصر قوية.. ومصر لن تكون قوية إلا بالله.
أنتم شباب.. تريدون مصر عزيزة، ومصر لن تكون عزيزة إلا بالإسلام.
وأذكركم بقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضى الله عنه-: "إنا كنا أذل قوم، فأعزنا الله بهذا الدين، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله".
في النهاية: المشروع الوحيد الذي يضمن أمة واحدة قوية منظمة موحدة الهدف، وهي في ذات الوقت تجمع بين عز الدنيا ونعيم الآخرة، هو: "المشروع الإسلامي".
أعرف.. ستعترضون: إن مِن بينكم أقباطًا!
أقول لكم: إن أقباط الداخل إذا ابتعدوا عن أقباط المهجر، ومَن ركب موجتهم مِن القيادات الدينية فسوف ينعمون بعودة المسلمين إلى الإسلام؛ لأنهم حينئذ سوف يحفظون عهدهم معهم ديانة، لا سياسة إستراتجية ولا تكتيكًا.
ستعترضون: ولكننا لنا وسائل لهونا التي يحرمها الإسلام؟!
أقول: وهذه لا تليق بمن قدَّم نفسه فداء وطنه أن تكون تلك موانعه، ولا يليق بكم وأنتم الشباب الذي إذا قال فعل، فيمكنكم أن ترتبوا صور لهو مباح يناسِب سن الشباب.. شباب خمسة وعشرين يناير.
تأخرنا عنكم؛ لأننا مُنعنا مِن أن نصل لكم في مدارسكم وجامعاتكم؛ ولأننا رغم التواجد المعقول لإخواننا على "الفيس بوك" لم نكن نتصور أن وراء "الفيس بوك" كل هذه الطاقات.
أخيرًا: أود أن ألفت نظركم إلى أن معظم المتطوعين، بل الكتَّاب في موقعي: "صوت السلف" و"أنا السلفي" الذين أخاطبكم مِن خلالهما ليسوا إلا شبابًا في مثل عمركم.
فهل نأمل في تواصل بنَّاء..؟
كتبه : فضيلة الشيخ / عبد المنعم الشحات
من شيوخ الدعوة السلفية
فى الأسكندرية