جوائز المصارف الإسلامية والتقليدية
- تأصيل شرعي –
د. باسم عامر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد،،،
فقد حَذَتْ المصارفُ والبنوك حَذْوَ التجار وأصحاب المحلات التجارية وغيرها في طرح الجوائز لاستقطاب الزبائن إليها، فبادرتْ بتقديم الجوائز لعملائها والمتعاملين معها.
وفي هذا البحث نبين حكم تلك الجوائز من خلال ما يلي:
أولاً: جوائز المصارف الإسلامية.
ثانياً: جوائز البنوك التقليدية (الربوية).
أولاً: جوائز المصارف الإسلامية
جاءت المصارف الإسلامية لتكون البديل الشرعي للبنوك الربوية، واتخذت قولَه تعالى: وَأَحَلَّ اللهُ البَيعَ وَحرَّمَ الرِّبَا ( ) شعاراً لمعاملاتها المصرفية، فامتنعت عن التعامل بالربا أخذاً وإعطاءً، وفتحت الأبواب للمعاملات المالية المنضبطة بقواعد الشريعة الإسلامية، مما يلوح في الأفق مستقبلٌ مبشرٌ بالخير بإذن الله تعالى.
لذلك يجب على المسلم أن لا يتعامل مع البنوك الربوية في حال وجود البديل الإسلامي، بل ينبغي تشجيع المصارف الإسلامية ومساندتها وإن وُجِدتْ فيها الأخطاء والهفوات( )، وبالتالي يمكن تقوية شوكة المصارف الإسلامية ومن ثَمَّ قيام أسس النظام الاقتصادي الإسلامي، وأيضاً تفويت الفرصة على أعداء الدين وتكذيب دعواهم من أنه لا اقتصاد بلا بنوك، ولا بنوك بلا فوائد.
وتزامن مع تنامي هذه المصارف وتناميها اللجوء إلى طرح الجوائز كونها وسيلة فعّالة للترويج وجلب الزبائن.
والجوائز التي تقدِّمها المصارف الإسلامية قد تكون عبارة عن تحمل نفقات حج أو عمرة، أو أحياناً جوائز نقدية أو عينية أو غيرها.
والفقهاء المعاصرون وخاصة أعضاء هيئات الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية لم يتفقوا على مشروعية فكرة هذه الجوائز ابتداءً، واختلفوا على رأيين:
الأول: يرى أنه لا مانع من تقديم الجوائز لعملاء البنك، وأنَّ ذلك يُعَدُّ تشجيعاً من البنك لاستقطاب أكبر عدد ممكن من العملاء بطريقة لا تفضي إلى محظور شرعي( ).
الثاني: أنَّ تقديم الجوائز والترويج لها من قِبَلِ المصرف الإسلامي يُعَدُّ تقليداً للغرب وللبنوك الربوية، ويؤدي إلى التكاسل عن العمل على أمل الحصول على كسب دون جهد، وهذا مخالف لروح الإسلام الذي يحثُ على الإقبال على العمل والكسب من عمل اليد( ).
ومن خلال القولين أجد أنَّ الرأي الأول القائل بعدم الممانعة من تقديم تلك الجوائز هو الأقرب والأرجح، لعدم وجود ما يمنع من ذلك شرعاً.
ويمكن الردُّ على المانعين أنه ليس كلُّ تقليد للغرب ممنوعاً في الشرع، بل إنَّ الاستفادة مما توصلوا إليه في سائر المجالات جائز من حيث الأصل، ما لم يتعارض ذلك بدليل شرعي، ولا يخفى أنَّ القاعدة الفقهية تنصُّ على أنَّ الأصل في المعاملات الإباحة( ).
ولا بد للمصارف أن تبتكر مثل هذه الأمور لكي يتزايد إقبال الناس عليها.
كيفية تقديم الجوائز في المصارف الإسلامية:
الجوائز التي تُطرح من قِبَل المصارف الإسلامية -على رأي المجوِّزين- إما أن تكـون على الحسابات أو على استخدام الصراف الآلي، ولكلٍ حكمها فيما يلي:
أولاً: الجوائز على الحسابات:
الحسابات إمَّا أن تكون جارية أو استثمارية، ولمعرفة حكم الجوائز على هذه الحسابات لا بد من معرفة حقيقةِ كلٍ منها.
أ- الحسابات الجارية:
التكييف الشرعي والقانوني للحسابات الجارية أنها قروض مضمونة يحق للمصرف التصرف فيها، ويقوم بردها عند الطلب ولو لم ينص على ذلك( ).
إذاً فالحساب الجاري يُعَدُّ قرضاً حسناً من غير فائدة مقدَّمٌ من المودِع (العميل) إلى المصرِف.
وعلى ضوء هذا التكييف فإنَّ الجوائز على هذه الحسابات محرَّمة شرعاً، لأنها زيادة على مبلغ القرض إذا كانت مشروطةً في طلب فتح الحساب، أو أعلنها البنك في أثناء وجود الحساب، أو جرتْ عادة البنك بمنح هذه الجوائز( ).
وهذا الحكم مبني على القاعدة المجمع عليها أنَّ كل قرض جر نفعاً فهو ربا، وقد جاءت بعض الأحاديث صريحة بهذه العبارة، ولكنها لا تثبت من ناحية السند وفيها مقال عند المحدثين( )، ولكن جاءت روايات صحيحة عن الصحابة -رضي الله عنهم- تثبت هذه القاعدة، منها ما رواه البخاري عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه قال: (أتيت المدينةَ فلقيتُ عبدَ الله بنَ سَلام-رضي الله عنه- فقال: ألا تجيءُ فأطعمك سويقاً وتمراً وتدخل في بيت؟ ثم قال: إنك في أرض الربا بها فاش، إذا كان لك على رجل حقٌ فأهدى إليك حملَ تبن أو حملَ شعير أو حملَ قتٍ فإنه ربا) ( ).
وروى عبدُ الرزاق في مصنَّفه عن ابن عباس-رضي الله عنه-أنه قال: (إذا أسلفت رجلاً سلفاً فلا تقبل منه هدية كُراع، ولا رعاية ركوب دابة) ( ).
وقد أجمع الفقهاءُ على هذه القاعدة، قال ابنُ قدامة: "كل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرامٌ بغير خلاف"( ).
وقال ابنُ المنذر: "أجمعوا على أن المُسلف إذا شَرَط على المستسلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك، أنَّ أخذ الزيادة على ذلك ربا"( ).
وقد يقول قائل إنَّ إعطاء الجوائز على هذه الحسابات من قبيل باب حُسن القضاء في القرض، فإنه يجوز للمستقرض أن يُرجع القرض للمقرِض وأن يزيده على مبلغ القرض من غير شرط، ولكن هذا بعيد، لأنَّ البنوك تُعلِن مسبقاً عن هذه الجوائز أو في أثناء وجود الحساب، مما يشجع المودِعين على إبقاء حساباتهم من أجل هذه الجوائز، وهذا هو عين الربا.
ب- الحسابات الاستثمارية:
المراد من الحسابات الاستثمارية هي الودائع التي يقبلها المصرف الإسلامي من المودِعين على أساس أنها مضاربة تخضع للربح والخسارة( ).
فالمصرف ههنا يعتبر مضارباً، والمودِع يعتبر رب المال؛ وتوزَّع الأرباح حسب الاتفاق بينهما.
وهذه الحسابات إما أن تكون على صورة حساب توفير بحيث يمكن للمودِع أن يسحب من حسابه ما يشاء في أي وقت شاء، أو على صورة وديعة إلى أجل بحيث لا يمكن للمودِع أن يسحب شيئاً حتى انتهاء الأجل المتفق عليه، وفي كلا الحالين فإنَّ المصرف يستثمر هذه الأموال بما يراه في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية.
يتضح مما سبق أنه لو أعطى المصرف الجوائز للمودِعين، فكأنما أعطى المضاربُ الجائزةَ لرب المال، وهذه الصورة لا حرج فيها، لعدم وجود ما يمنع من ذلك شرعاً.
ولكن لا يجوز إخراج تلك الجوائز من الأرباح العامة للمصرف، لأنَّ للمودِعين والمستثمرين الحقَّ في هذه الأموال، إنما تكون من أموال المساهمين في رأس مال المصرف.
وقد أصدرت ندوة البركة قراراً بهذا الشأن، جاء فيه: "يجوز تقديم البنك جوائز إلى أصحاب حسابات الاستثمار، لأنَّ أرصدة هذه الحسابات مملوكة لأصحابها، والبنك مضارب لهم فيها بحصته من الربح، على ألا يؤدي منح هذه الجوائز إلى ضمان رأسمال المضاربة أو أي جزء منها كما في حالة حدوث خسارة، وذلك لأنَّ ضمان المضارب لرأسمال المضاربة لا يجوز شرعاً، على أن يكون دفع هذه الجوائز من أموال البنك لا من أرباح حسابات الاستثمار، لأنَّ المضارب ليس له التبرع من أموال المضاربة"( ).
ثانياً: الجوائز على استخدام الصراف الآلي:
تقوم بعض المصارف الإسلامية بتقديم الجوائز للمتعاملين معها من خلال استخدام الصراف الآلي التابع لها، وذلك إما عن طريق إجراء قرعة أو طريقة أخرى لتحديد الفائز.
وحكم هذه الجوائز الإباحة، لأنها تعتبر من باب الترويج والتسويق لهذا المصرف، ولا يوجد ما يمنع منها شرعاً، إلا إذا اشترط المصرف مبلغاً لقاء الحصول على هذه الجوائز، فحينئذٍ تصبح محرَّمة لأنَّ ذلك يدخل في باب القمار.
وقد ورد حكم الجوائز على استخدام الصراف الآلي ضمن قرارات ندوة البركة الثالثة والعشرين أيضاً، حيث توصلوا إلى أنه:" لا مانع شرعاً من تقديم جوائز عن طريق السحب العشوائي "القرعة" لبعض المتعاملين مع البنك الذين يسحبون مبالغ محدَّدة من الصراف الآلي خلال مدة معينة وذلك بشرطين:
أولهما: ألا يدفع الداخلون في السحب أو يحسم من حساباتهم أي مبالغ مقابل الاشتراك في السحب، لأنَّ ذلك يعد قماراً.
ثانيهما: ألا تزيد عمـولة السحب خلال المدة التي يتم السحب خلالها عن العمـولة العادية "( ).
ومما يُلحق بالجوائز المقدَّمة على استخدام الصراف الآلي الجوائز على بطاقات الائتمان( )، فقد بدأت المصارف الإسلامية بتقديم الجوائز على هذه البطاقات تشجيعاً للناس في اقتنائها، وذلك بإجراء القرعة على أرقام البطاقات الائتمانية المسلَّمة إلى العملاء، ومن ثمَّ اختيار عدد محدد منهم وتقديم الجوائز لهم( ).
والحكم الشرعي في تقديم هذه الجوائز مرتبط بالعلاقة بين المصرف وحامل البطاقة الائتمانية.
وقد تضمنت قرارات ندوة البركة -أيضاً- الحكم على هذه الجوائز، فقد جاء فيها فيما يتعلق بالجوائز على بطاقات الائتمان ما يلي:
قد تمنح هذه الجوائز لكل من يستخدم البطاقات الصادرة للمتعاملين مع المؤسسات، وقد تمنح حامل البطاقة جوائز بمقدار مجموع النقاط التي يحصل عليها خلال مدة معينة، وقد تمنح الجوائز بطريقة القرعة بين الذين استخدموا البطاقة في المشتريات بمبلغ معين، وقد تكون الجوائز نقدية أو عينية أو اشتراكات مجانية في بعض الخدمات.
حكم هذه الجوائز يرتبط بالصفة الشرعية للعلاقة بين مصدر البطاقة، فعلى القول بأنها حوالة فإن مصدر البطاقة هو الدائن لحاملها، فتكون الجائزة من المقرِض إلى المقترض، وهذه جائزة، لأنَّ الممنوع هو العكس، وعلى القول بأنها كفالة، فمصدر البطاقة هو الكفيل فتكون الجائزة على هذه الصفة من الكفيل للمكفول ولا حرج في ذلك شرعاً، إذ الممنوع هو العكس( ).
ثانياً: جوائز البنوك التقليدية (الربوية)
سبق الحديث أنَّ على المسلم أن لا يتعامل مع البنوك التقليدية في حال وجود المصارف الإسلامية، لأنَّ البنوك التقليدية إنما تعتمد اعتماداً كلياً على الربا، والربا من أكبر المحاذير الشرعية في التعاملات المالية.
وطبيعة عمل البنوك التقليدية أنها تقوم بالاقتراض من المودِعين والإقراض للمقترضين، ويدفعون للمودِعين ثمناً محدداً هو الفائدة على الودائع، ويتقاضون من المقترضين ثمناً أعلى هو فائدة الإقراض، والفرق بين الفائدتين أو الثمنين هو المصدر الأساسي للإيرادات والأرباح( ).
بهذا يتبين أنَّ أساس عمليات البنوك التقليدية قائم على الربا الذي حرَّمه الله تعالى في قوله: وأَحَلَّ اللهُ البيعَ وَحرَّمَ الرِّبَا ( )، وقد أجمع العلماء في كل العصور على حرمته( ).
وقد أفتت معظم المجامع الفقهية وهيئات الإفتاء في العالم الإسلامي أنه يحرم التعامل مع البنوك الربوية، وأن فوائدها هي عين الربا وإن اختلفت الأسماء( ).
ولكن قد يضطر المسلم للتعامل مع هذه البنوك في حال عدم وجود البديل الإسلامي، وخاصة المسلمون المغتربون في الدول غير المسلمة.
فما حكم الجوائز بالنسبة لهؤلاء في حال الحصول عليها؟
قبل بيان الحكم لا بد من المرور سريعاً على معاملات هذه البنوك والتي تقدِّم من خلالها تلك الجوائز.
فغالب الجوائز المقدَّمة إما أن تكون على الحسابات أو على شهادات الاستثمار بأنواعها الثلاثة.
أما الحسابات فهي نوعان: حساب التوفير والحساب الجاري، وكلاهما يُطلق عليهما ودائع البنوك، والتكييف القانوني والشرعي لهذه الودائع كما هو في معظم تشريعات الدول العربية أنها تعتبر قرضاً ( ).
فبالتالي يمكن القول بأنَّ ودائع البنوك سُميت بغير حقيقتها، فهي ليست وديعة، لأنَّ الوديعة هي أمانة تحفظ عند المستودع وليس له الانتفاع بها، وهذا بخلاف ما يحصل في البنك، لأنَّ البنك يستثمر الحسابات لصالحه ( ).
فالخلاصة أنَّ هذه الحسابات تُعَدُّ قروضاً، وأنَّ الجوائز التي تُقدَّمُ على هذه الحسابات إنما هي من الربا، لأنَّ كل قرض جَرَّ نفعاً فهو ربا، إذاً فلا يجوز أخذ الجوائز المقدَّمة على الحسابات البنكية.
وأما ما يتعلق بشهادات الاستثمار، فلبيان حكم الجوائز عليها لا بد من معرفة حقيقتها، لأنَّ الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره.
شهادات الاستثمار تنقسم إلى ثلاث فئات:
1- شهادات استثمار ذات طبيعة متزايدة فئة (أ):
وهي الشهادة التي يبقى المال لدى البنك لفترة طويلة قد تمتد إلى عشر سنوات، وتكون له زيادة تصاعدية على المال والفائدة، وفي نهاية المدة يأخذ صاحب الشهادة ما دفعه والزيادة.
2- شهادات استثمار ذات العائد الجاري أي بفائدة سنوية فئة (ب):
وهي الشهادة التي تستحق عائداً جارياً، وهي ذات الفوائد السنوية المحددة، بحيث تصرف الفائدة كل ستة أشهر.
3- شهادات الاستثمار ذات الجوائز فئة (ج)
وهي الشهادة التي تستحق فائدة متزايدة، ويجري عليها السحب بإعطاء جوائز للشهادات الفائزة( ).
يتضح من خلال ما سبق أنَّ هذه الشهادات ما هي إلا طريقة مبتكرة للقروض، فصورتها أنَّ صاحب المال يشتري من البنك إحدى هذه الشهادات على أن يحدِّد له البنك
ربحاً محدَّداً حسب الشهادة التي أرادها، ومن ثمَّ يسترجع صاحبُ المال مالَه الذي دفعه بالإضافة إلى الربح المحدَّد له، وهذا هو عين الربا ولكن بصورة مختلفة.
يقول السنهوري: "قد يتخذ القرض صوراً مختلفة أخرى غير الصورة المألوفة، من ذلك أن تصدر شركة أو شخص معنوي عام سندات، فهذه السندات قروض تعقدها الشركة أو الشخص المعنوي مع المقرِضين، ومن اكتتب في هذه السندات فهو مقرض للشركة أو الشخص المعنوي بقيمة ما اكتتب به"( ).
والذي يعنينا في هذا البحث من هذه الشهادات الثلاث هو النوع الثالث ذات الجوائز، والمشهور باسم شهادات الاستثمار فئة (ج).
فهذا النوع وإن لم يكن فيه فائدة محدَّدة تُعطى كل فترة، إلا إنهم يوزعون الفوائد بطريقة أخرى، وهي إجراء القرعة بين المشتركين في هذا النوع، ومن ثم تقديم الجوائز إلى من يفوز منهم، وقيمة هذه الجوائز تكون من الفوائد المستحقة من جملة أموال المشتركين.
فهذه الجوائز في الحقيقة لا تختلف عن الفوائد الربوية إلا في طريقة التوزيع ( ).
لذلك فإنَّ معظم العلماء والباحثين تنبهوا لهذه الحيلة، وحرَّموا الجوائز المترتبة على هذه الشهادات، كونها لا تخرج عن حكم القروض التي تجر نفعاً ( ).
وقد توصل مجمعُ الفقه الإسلامي في دورته السادسة إلى حكم التحريم بعدما قُدِّمت الأبحاث المختصة لمعرفة حقيقة هذه الشهادات، حيث جاء ضمن القرار أنه: "تحرم السندات ذات الجوائز باعتبارها قروضاً اشترط فيها نفع أو زيادة بالنسبة لمجموع المقرضين أو لبعضهم لا على التعيين، فضلاً عن شبهة القمار" ( ).
وفي ظن الباحث أنَّ قرارات المجامع الفقهيَّة في عصرنا من الأهمية بمكان؛ بحيث لا ينبغي مخالفتها إلا بدليل قويٍّ صحيح صريح؛ وباجتهادٍ ممن شُهد له بالعلم والورع؛ وخاصة فيما يتعلق بالمسائل المستجدة؛ وعليه فلا يجوز للمسلم أن يأخذ بالأقوال الشَّاذة التي لا تستند إلى نصٍّ منقول أو فهم معقول( )-والله أعلم-.
هذه أبرز المسائل المتعلقة بموضوع الجوائز المقدَّمة في المصارف الإسلامية والبنوك التقليدية، وقد تأخذ صوراً أخرى مع مرور الزمن وظهور المستجدات، فيمكن حينئذٍ استنباط الأحكام الشرعية المتعلقة بها من خلال التأمل في القواعد المذكورة في ثنايا هذا البحث.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
د. باسم عامر
عضو هيئة تدريس بجامعة البحرين
- تأصيل شرعي –
د. باسم عامر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد،،،
فقد حَذَتْ المصارفُ والبنوك حَذْوَ التجار وأصحاب المحلات التجارية وغيرها في طرح الجوائز لاستقطاب الزبائن إليها، فبادرتْ بتقديم الجوائز لعملائها والمتعاملين معها.
وفي هذا البحث نبين حكم تلك الجوائز من خلال ما يلي:
أولاً: جوائز المصارف الإسلامية.
ثانياً: جوائز البنوك التقليدية (الربوية).
أولاً: جوائز المصارف الإسلامية
جاءت المصارف الإسلامية لتكون البديل الشرعي للبنوك الربوية، واتخذت قولَه تعالى: وَأَحَلَّ اللهُ البَيعَ وَحرَّمَ الرِّبَا ( ) شعاراً لمعاملاتها المصرفية، فامتنعت عن التعامل بالربا أخذاً وإعطاءً، وفتحت الأبواب للمعاملات المالية المنضبطة بقواعد الشريعة الإسلامية، مما يلوح في الأفق مستقبلٌ مبشرٌ بالخير بإذن الله تعالى.
لذلك يجب على المسلم أن لا يتعامل مع البنوك الربوية في حال وجود البديل الإسلامي، بل ينبغي تشجيع المصارف الإسلامية ومساندتها وإن وُجِدتْ فيها الأخطاء والهفوات( )، وبالتالي يمكن تقوية شوكة المصارف الإسلامية ومن ثَمَّ قيام أسس النظام الاقتصادي الإسلامي، وأيضاً تفويت الفرصة على أعداء الدين وتكذيب دعواهم من أنه لا اقتصاد بلا بنوك، ولا بنوك بلا فوائد.
وتزامن مع تنامي هذه المصارف وتناميها اللجوء إلى طرح الجوائز كونها وسيلة فعّالة للترويج وجلب الزبائن.
والجوائز التي تقدِّمها المصارف الإسلامية قد تكون عبارة عن تحمل نفقات حج أو عمرة، أو أحياناً جوائز نقدية أو عينية أو غيرها.
والفقهاء المعاصرون وخاصة أعضاء هيئات الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية لم يتفقوا على مشروعية فكرة هذه الجوائز ابتداءً، واختلفوا على رأيين:
الأول: يرى أنه لا مانع من تقديم الجوائز لعملاء البنك، وأنَّ ذلك يُعَدُّ تشجيعاً من البنك لاستقطاب أكبر عدد ممكن من العملاء بطريقة لا تفضي إلى محظور شرعي( ).
الثاني: أنَّ تقديم الجوائز والترويج لها من قِبَلِ المصرف الإسلامي يُعَدُّ تقليداً للغرب وللبنوك الربوية، ويؤدي إلى التكاسل عن العمل على أمل الحصول على كسب دون جهد، وهذا مخالف لروح الإسلام الذي يحثُ على الإقبال على العمل والكسب من عمل اليد( ).
ومن خلال القولين أجد أنَّ الرأي الأول القائل بعدم الممانعة من تقديم تلك الجوائز هو الأقرب والأرجح، لعدم وجود ما يمنع من ذلك شرعاً.
ويمكن الردُّ على المانعين أنه ليس كلُّ تقليد للغرب ممنوعاً في الشرع، بل إنَّ الاستفادة مما توصلوا إليه في سائر المجالات جائز من حيث الأصل، ما لم يتعارض ذلك بدليل شرعي، ولا يخفى أنَّ القاعدة الفقهية تنصُّ على أنَّ الأصل في المعاملات الإباحة( ).
ولا بد للمصارف أن تبتكر مثل هذه الأمور لكي يتزايد إقبال الناس عليها.
كيفية تقديم الجوائز في المصارف الإسلامية:
الجوائز التي تُطرح من قِبَل المصارف الإسلامية -على رأي المجوِّزين- إما أن تكـون على الحسابات أو على استخدام الصراف الآلي، ولكلٍ حكمها فيما يلي:
أولاً: الجوائز على الحسابات:
الحسابات إمَّا أن تكون جارية أو استثمارية، ولمعرفة حكم الجوائز على هذه الحسابات لا بد من معرفة حقيقةِ كلٍ منها.
أ- الحسابات الجارية:
التكييف الشرعي والقانوني للحسابات الجارية أنها قروض مضمونة يحق للمصرف التصرف فيها، ويقوم بردها عند الطلب ولو لم ينص على ذلك( ).
إذاً فالحساب الجاري يُعَدُّ قرضاً حسناً من غير فائدة مقدَّمٌ من المودِع (العميل) إلى المصرِف.
وعلى ضوء هذا التكييف فإنَّ الجوائز على هذه الحسابات محرَّمة شرعاً، لأنها زيادة على مبلغ القرض إذا كانت مشروطةً في طلب فتح الحساب، أو أعلنها البنك في أثناء وجود الحساب، أو جرتْ عادة البنك بمنح هذه الجوائز( ).
وهذا الحكم مبني على القاعدة المجمع عليها أنَّ كل قرض جر نفعاً فهو ربا، وقد جاءت بعض الأحاديث صريحة بهذه العبارة، ولكنها لا تثبت من ناحية السند وفيها مقال عند المحدثين( )، ولكن جاءت روايات صحيحة عن الصحابة -رضي الله عنهم- تثبت هذه القاعدة، منها ما رواه البخاري عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه قال: (أتيت المدينةَ فلقيتُ عبدَ الله بنَ سَلام-رضي الله عنه- فقال: ألا تجيءُ فأطعمك سويقاً وتمراً وتدخل في بيت؟ ثم قال: إنك في أرض الربا بها فاش، إذا كان لك على رجل حقٌ فأهدى إليك حملَ تبن أو حملَ شعير أو حملَ قتٍ فإنه ربا) ( ).
وروى عبدُ الرزاق في مصنَّفه عن ابن عباس-رضي الله عنه-أنه قال: (إذا أسلفت رجلاً سلفاً فلا تقبل منه هدية كُراع، ولا رعاية ركوب دابة) ( ).
وقد أجمع الفقهاءُ على هذه القاعدة، قال ابنُ قدامة: "كل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرامٌ بغير خلاف"( ).
وقال ابنُ المنذر: "أجمعوا على أن المُسلف إذا شَرَط على المستسلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك، أنَّ أخذ الزيادة على ذلك ربا"( ).
وقد يقول قائل إنَّ إعطاء الجوائز على هذه الحسابات من قبيل باب حُسن القضاء في القرض، فإنه يجوز للمستقرض أن يُرجع القرض للمقرِض وأن يزيده على مبلغ القرض من غير شرط، ولكن هذا بعيد، لأنَّ البنوك تُعلِن مسبقاً عن هذه الجوائز أو في أثناء وجود الحساب، مما يشجع المودِعين على إبقاء حساباتهم من أجل هذه الجوائز، وهذا هو عين الربا.
ب- الحسابات الاستثمارية:
المراد من الحسابات الاستثمارية هي الودائع التي يقبلها المصرف الإسلامي من المودِعين على أساس أنها مضاربة تخضع للربح والخسارة( ).
فالمصرف ههنا يعتبر مضارباً، والمودِع يعتبر رب المال؛ وتوزَّع الأرباح حسب الاتفاق بينهما.
وهذه الحسابات إما أن تكون على صورة حساب توفير بحيث يمكن للمودِع أن يسحب من حسابه ما يشاء في أي وقت شاء، أو على صورة وديعة إلى أجل بحيث لا يمكن للمودِع أن يسحب شيئاً حتى انتهاء الأجل المتفق عليه، وفي كلا الحالين فإنَّ المصرف يستثمر هذه الأموال بما يراه في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية.
يتضح مما سبق أنه لو أعطى المصرف الجوائز للمودِعين، فكأنما أعطى المضاربُ الجائزةَ لرب المال، وهذه الصورة لا حرج فيها، لعدم وجود ما يمنع من ذلك شرعاً.
ولكن لا يجوز إخراج تلك الجوائز من الأرباح العامة للمصرف، لأنَّ للمودِعين والمستثمرين الحقَّ في هذه الأموال، إنما تكون من أموال المساهمين في رأس مال المصرف.
وقد أصدرت ندوة البركة قراراً بهذا الشأن، جاء فيه: "يجوز تقديم البنك جوائز إلى أصحاب حسابات الاستثمار، لأنَّ أرصدة هذه الحسابات مملوكة لأصحابها، والبنك مضارب لهم فيها بحصته من الربح، على ألا يؤدي منح هذه الجوائز إلى ضمان رأسمال المضاربة أو أي جزء منها كما في حالة حدوث خسارة، وذلك لأنَّ ضمان المضارب لرأسمال المضاربة لا يجوز شرعاً، على أن يكون دفع هذه الجوائز من أموال البنك لا من أرباح حسابات الاستثمار، لأنَّ المضارب ليس له التبرع من أموال المضاربة"( ).
ثانياً: الجوائز على استخدام الصراف الآلي:
تقوم بعض المصارف الإسلامية بتقديم الجوائز للمتعاملين معها من خلال استخدام الصراف الآلي التابع لها، وذلك إما عن طريق إجراء قرعة أو طريقة أخرى لتحديد الفائز.
وحكم هذه الجوائز الإباحة، لأنها تعتبر من باب الترويج والتسويق لهذا المصرف، ولا يوجد ما يمنع منها شرعاً، إلا إذا اشترط المصرف مبلغاً لقاء الحصول على هذه الجوائز، فحينئذٍ تصبح محرَّمة لأنَّ ذلك يدخل في باب القمار.
وقد ورد حكم الجوائز على استخدام الصراف الآلي ضمن قرارات ندوة البركة الثالثة والعشرين أيضاً، حيث توصلوا إلى أنه:" لا مانع شرعاً من تقديم جوائز عن طريق السحب العشوائي "القرعة" لبعض المتعاملين مع البنك الذين يسحبون مبالغ محدَّدة من الصراف الآلي خلال مدة معينة وذلك بشرطين:
أولهما: ألا يدفع الداخلون في السحب أو يحسم من حساباتهم أي مبالغ مقابل الاشتراك في السحب، لأنَّ ذلك يعد قماراً.
ثانيهما: ألا تزيد عمـولة السحب خلال المدة التي يتم السحب خلالها عن العمـولة العادية "( ).
ومما يُلحق بالجوائز المقدَّمة على استخدام الصراف الآلي الجوائز على بطاقات الائتمان( )، فقد بدأت المصارف الإسلامية بتقديم الجوائز على هذه البطاقات تشجيعاً للناس في اقتنائها، وذلك بإجراء القرعة على أرقام البطاقات الائتمانية المسلَّمة إلى العملاء، ومن ثمَّ اختيار عدد محدد منهم وتقديم الجوائز لهم( ).
والحكم الشرعي في تقديم هذه الجوائز مرتبط بالعلاقة بين المصرف وحامل البطاقة الائتمانية.
وقد تضمنت قرارات ندوة البركة -أيضاً- الحكم على هذه الجوائز، فقد جاء فيها فيما يتعلق بالجوائز على بطاقات الائتمان ما يلي:
قد تمنح هذه الجوائز لكل من يستخدم البطاقات الصادرة للمتعاملين مع المؤسسات، وقد تمنح حامل البطاقة جوائز بمقدار مجموع النقاط التي يحصل عليها خلال مدة معينة، وقد تمنح الجوائز بطريقة القرعة بين الذين استخدموا البطاقة في المشتريات بمبلغ معين، وقد تكون الجوائز نقدية أو عينية أو اشتراكات مجانية في بعض الخدمات.
حكم هذه الجوائز يرتبط بالصفة الشرعية للعلاقة بين مصدر البطاقة، فعلى القول بأنها حوالة فإن مصدر البطاقة هو الدائن لحاملها، فتكون الجائزة من المقرِض إلى المقترض، وهذه جائزة، لأنَّ الممنوع هو العكس، وعلى القول بأنها كفالة، فمصدر البطاقة هو الكفيل فتكون الجائزة على هذه الصفة من الكفيل للمكفول ولا حرج في ذلك شرعاً، إذ الممنوع هو العكس( ).
ثانياً: جوائز البنوك التقليدية (الربوية)
سبق الحديث أنَّ على المسلم أن لا يتعامل مع البنوك التقليدية في حال وجود المصارف الإسلامية، لأنَّ البنوك التقليدية إنما تعتمد اعتماداً كلياً على الربا، والربا من أكبر المحاذير الشرعية في التعاملات المالية.
وطبيعة عمل البنوك التقليدية أنها تقوم بالاقتراض من المودِعين والإقراض للمقترضين، ويدفعون للمودِعين ثمناً محدداً هو الفائدة على الودائع، ويتقاضون من المقترضين ثمناً أعلى هو فائدة الإقراض، والفرق بين الفائدتين أو الثمنين هو المصدر الأساسي للإيرادات والأرباح( ).
بهذا يتبين أنَّ أساس عمليات البنوك التقليدية قائم على الربا الذي حرَّمه الله تعالى في قوله: وأَحَلَّ اللهُ البيعَ وَحرَّمَ الرِّبَا ( )، وقد أجمع العلماء في كل العصور على حرمته( ).
وقد أفتت معظم المجامع الفقهية وهيئات الإفتاء في العالم الإسلامي أنه يحرم التعامل مع البنوك الربوية، وأن فوائدها هي عين الربا وإن اختلفت الأسماء( ).
ولكن قد يضطر المسلم للتعامل مع هذه البنوك في حال عدم وجود البديل الإسلامي، وخاصة المسلمون المغتربون في الدول غير المسلمة.
فما حكم الجوائز بالنسبة لهؤلاء في حال الحصول عليها؟
قبل بيان الحكم لا بد من المرور سريعاً على معاملات هذه البنوك والتي تقدِّم من خلالها تلك الجوائز.
فغالب الجوائز المقدَّمة إما أن تكون على الحسابات أو على شهادات الاستثمار بأنواعها الثلاثة.
أما الحسابات فهي نوعان: حساب التوفير والحساب الجاري، وكلاهما يُطلق عليهما ودائع البنوك، والتكييف القانوني والشرعي لهذه الودائع كما هو في معظم تشريعات الدول العربية أنها تعتبر قرضاً ( ).
فبالتالي يمكن القول بأنَّ ودائع البنوك سُميت بغير حقيقتها، فهي ليست وديعة، لأنَّ الوديعة هي أمانة تحفظ عند المستودع وليس له الانتفاع بها، وهذا بخلاف ما يحصل في البنك، لأنَّ البنك يستثمر الحسابات لصالحه ( ).
فالخلاصة أنَّ هذه الحسابات تُعَدُّ قروضاً، وأنَّ الجوائز التي تُقدَّمُ على هذه الحسابات إنما هي من الربا، لأنَّ كل قرض جَرَّ نفعاً فهو ربا، إذاً فلا يجوز أخذ الجوائز المقدَّمة على الحسابات البنكية.
وأما ما يتعلق بشهادات الاستثمار، فلبيان حكم الجوائز عليها لا بد من معرفة حقيقتها، لأنَّ الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره.
شهادات الاستثمار تنقسم إلى ثلاث فئات:
1- شهادات استثمار ذات طبيعة متزايدة فئة (أ):
وهي الشهادة التي يبقى المال لدى البنك لفترة طويلة قد تمتد إلى عشر سنوات، وتكون له زيادة تصاعدية على المال والفائدة، وفي نهاية المدة يأخذ صاحب الشهادة ما دفعه والزيادة.
2- شهادات استثمار ذات العائد الجاري أي بفائدة سنوية فئة (ب):
وهي الشهادة التي تستحق عائداً جارياً، وهي ذات الفوائد السنوية المحددة، بحيث تصرف الفائدة كل ستة أشهر.
3- شهادات الاستثمار ذات الجوائز فئة (ج)
وهي الشهادة التي تستحق فائدة متزايدة، ويجري عليها السحب بإعطاء جوائز للشهادات الفائزة( ).
يتضح من خلال ما سبق أنَّ هذه الشهادات ما هي إلا طريقة مبتكرة للقروض، فصورتها أنَّ صاحب المال يشتري من البنك إحدى هذه الشهادات على أن يحدِّد له البنك
ربحاً محدَّداً حسب الشهادة التي أرادها، ومن ثمَّ يسترجع صاحبُ المال مالَه الذي دفعه بالإضافة إلى الربح المحدَّد له، وهذا هو عين الربا ولكن بصورة مختلفة.
يقول السنهوري: "قد يتخذ القرض صوراً مختلفة أخرى غير الصورة المألوفة، من ذلك أن تصدر شركة أو شخص معنوي عام سندات، فهذه السندات قروض تعقدها الشركة أو الشخص المعنوي مع المقرِضين، ومن اكتتب في هذه السندات فهو مقرض للشركة أو الشخص المعنوي بقيمة ما اكتتب به"( ).
والذي يعنينا في هذا البحث من هذه الشهادات الثلاث هو النوع الثالث ذات الجوائز، والمشهور باسم شهادات الاستثمار فئة (ج).
فهذا النوع وإن لم يكن فيه فائدة محدَّدة تُعطى كل فترة، إلا إنهم يوزعون الفوائد بطريقة أخرى، وهي إجراء القرعة بين المشتركين في هذا النوع، ومن ثم تقديم الجوائز إلى من يفوز منهم، وقيمة هذه الجوائز تكون من الفوائد المستحقة من جملة أموال المشتركين.
فهذه الجوائز في الحقيقة لا تختلف عن الفوائد الربوية إلا في طريقة التوزيع ( ).
لذلك فإنَّ معظم العلماء والباحثين تنبهوا لهذه الحيلة، وحرَّموا الجوائز المترتبة على هذه الشهادات، كونها لا تخرج عن حكم القروض التي تجر نفعاً ( ).
وقد توصل مجمعُ الفقه الإسلامي في دورته السادسة إلى حكم التحريم بعدما قُدِّمت الأبحاث المختصة لمعرفة حقيقة هذه الشهادات، حيث جاء ضمن القرار أنه: "تحرم السندات ذات الجوائز باعتبارها قروضاً اشترط فيها نفع أو زيادة بالنسبة لمجموع المقرضين أو لبعضهم لا على التعيين، فضلاً عن شبهة القمار" ( ).
وفي ظن الباحث أنَّ قرارات المجامع الفقهيَّة في عصرنا من الأهمية بمكان؛ بحيث لا ينبغي مخالفتها إلا بدليل قويٍّ صحيح صريح؛ وباجتهادٍ ممن شُهد له بالعلم والورع؛ وخاصة فيما يتعلق بالمسائل المستجدة؛ وعليه فلا يجوز للمسلم أن يأخذ بالأقوال الشَّاذة التي لا تستند إلى نصٍّ منقول أو فهم معقول( )-والله أعلم-.
هذه أبرز المسائل المتعلقة بموضوع الجوائز المقدَّمة في المصارف الإسلامية والبنوك التقليدية، وقد تأخذ صوراً أخرى مع مرور الزمن وظهور المستجدات، فيمكن حينئذٍ استنباط الأحكام الشرعية المتعلقة بها من خلال التأمل في القواعد المذكورة في ثنايا هذا البحث.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
د. باسم عامر
عضو هيئة تدريس بجامعة البحرين