الحمد لله الذي خلق من كل شيء زوجين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة إلى الثقلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين
أرجوك يا زوجي ... لا تحبني
وأرجوك يا زوجي.. لا تحبني أكثر من أختك، فهي رحمك التي وصى الله بها ووعد أن يصل من يصلها، وقد تطلقني بكلمة وتزول العلاقة التي تربطني بك، ولكن هي لا تستطيع أن تفعل هذا معها، فعلاقتك بها أزلية أبدية لا تنفصم بكلمة، وهي التي إن كانت اكبر منك ساعدت في تربيتك مع أمك فلها عليك بعض حق الأم، والتي إن كانت أصغر منك فلها عندك حق التربية وأنت لها مثل الأب. وإن وصلتني وقطعتها قطعك الله ولم ينفعني حبك لي أكثر من أختك في شيء.
وأرجوك يا زوجي لا تحبني أكثر من ابنتك، فهي عرضك والمسئول عنها يوم القيامة فإن رأيتني أتهاون معها أو أدللها أو أتركها بدون أن أعرفها دينها وجب عليك أن تنهاني عن ذلك وتوقفني عند حد الله فيها، فكم من زوج لأجل ألا يغضب زوجته تركها تتمادى في تدليل بنتهما حتى صارت بعيدة عن دين الله القويم وأخرج للمجتمع شابة منحلة فاسدة ومفسدة، وإن فعلت هذا جعلت بيتنا بيتا يخلو من الشرط الأساسي الذي بني عليه وهو إقامة أسرة مسلمة تخرج للمجتمع ثمارا صالحة ومفيدة وبهذا لا ينفعني حبك لي أكثر من ابنتك في شيء.
وأرجوك يا زوجي لا تحبني لأني من أنظف لك البيت وأطهو لك الطعام وأغسل لك الملابس وأسهر على خدمتك وخدمة أولادك، لأن هذا الحب نفعي وقد يزول بزوال النفع لأي سبب.
وأرجوك يا زوجي لا تحبني لأي من صفاتي الشكلية لأن هذه الصفات قد تزول بمرض أو بكبر في السن وعندها قد يسقط هذا الحب مع مرور الزمن وأصبح عندك كقطعة الأثاث القديمة التي ينبغي التخلص منها.
بل أرجوك وأرجوك أن تحبني في الله ولله وبقدر جهادي واجتهادي في القرب من الله فهذا هو الحب الذي يبقى وهذا هو الحب الذي ينفع وهذا هو الحب الذي يجعلنا نستظل بظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله.
ــــــــــــــــــــــــــ
حين نتجول في أُسر السلف الصالح تتلألأ هذه النماذج:
يقول القاسم بن راشد الشيباني: ( كان رفعة بن صالح نازلاً عندنا، وكان له أهل وبنات، وكان يقوم فيصلي ليلاً طويلاً، فإن كان السحر نادى بأعلى صوته.. قال فيتواثبون: من هنا باك، ومن هاهنا داع، ومن هاهنا قارىء، ومن هاهنا متوضيء، فإذا طلع الفجر نادى بأعلى صوته: عند الصباح يحمد القوم السرى ).
وانتبهت امرأة حبيب العجمي بن محمد ليلة وهو نائم، فنبهته في السحر وقالت له: ( قم يا رجل، فقد ذهب الليل وجاء النهار، وبين يديك طريق بعيد وزاد قليل، وقوافل الصالحين قد سارت ونحن قد بقينا ).
وكان للحسن بن صالح جارية فباعها من قوم، فلما كان جوف الليل قامت الجارية فقالت: يا أهل الدار الصلاة )، فقالوا: أصبحنا؟ أطلع الفجر؟ فقالت: وما تصلون إلا المكتوبة؟ قالوا: نعم، فرجعت إلى الحسن فقالت: يا مولاي، بعتني من قوم لا يصلون إلا المكتوبة، ردني، فردها.
وعن إبراهيم بن وكيع قال: كان أبي يصلي فلا يبقى في دارنا أحد يصلي إلا صلى، حتى جارية لنا سوداء.
وعن ابن عثمان النهدي قال: كان أبو هريرة وامرأته وخادمه يتعقبون الليل أثلاثاً، يُصلي هذا، ثم يُوقظ هذا، ويصلي هذا، ثم يُوقظ هذا.
هذه الأُسر بمنهجها هذا، تمثل قلعة من قلاع الدين، إنها أُسر مؤمنة في سيرتها، متماسكة من داخلها، حصينة في ذاتها، مثلها الأعلى أُسوةً وقُدوةً رسول الله ، أُسر قائمة على الاستمساك بشرع الله المطهر، الصدق والاخلاص، والحب والتعاون، والاستقامة والتسامح، والخلق الزكي , فاللهم ظلل على بيوت الموحدين الأمن، والإيمان، والمحبة، والإخلاص.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تعليق