عن أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب، سِبْطِ[1] رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته[2]رضي الله عنهما قال: حفِظتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دَعْ ما يَرِيبُك إلى ما لا يَرِيبُك))[3].
عباد الله: هذا الحديث له أهمية عظيمة؛ لأنه من جوامع كَلِمِهِ صلى الله عليه وسلم، ومعدود من أصول الإسلام، وقاعدة من قواعد الدين والشريعة، وقد سبق معنا معناه في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الحلال بيِّنٌ، وإن الحرام بيِّنٌ، وبينهما أمور مُشتبهات لا يعلَمُهُنَّ كثير من الناس، فمن اتَّقى الشُّبهات استبرأ لدينه، وعِرْضِهِ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام))[4] ، فهما معًا أصلٌ في الأخذ باليقين وترك المشتبهات، وأصل في الوَرَعِ والبعد عن الشكوك.
فما هي الفوائد التي نستفيدها من هذا الحديث؟
نستفيد من الحديث لواقعنا ما يأتي:
1- البعد عن الشُّبُهات؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((دَعْ ما يَرِيبُك إلى ما لا يريبك))؛ أي: ابتعد عن الأمور المشكوك فيها، وخُذْ بالأمور المتيقَّن منها، وبهذا نحفظ أنفسنا من الوقوع في الحرام، ونحفظ عِرْضَنا من ألسنة الناس، وتحصُل طمأنينة للقلب، ونتخلَّق بخُلُقِ الوَرَعِ.
والوَرَعُ هو الكفُّ عن الشُّبهات وما يؤدي إلى الحرام، وقال بعض أهل العلم: "الورع ترك ما لا بأسَ به مخافةَ ما به بأس، أو هو ترك المباح خشيةَ الوقوع في الممنوع"؛ مثل: ترك التعامل مع شخص أمواله مختلطة دخل فيها الحلال والحرام، فإن السلامة في ترك التعامل معه، أو أطعمة مشكوك في احتوائها على بعض المحرَّمات؛ كالكحول أو لحم الخنزير، فالسلامة في ترك تناولها، دَعْ ما يريبك إلى ما لا يريبك، وقِسْ على هذا أمورًا كثيرةً.
2- أمثلة من ورع السلف الصالح وتركهم للشُّبهات: سلف هذه الأمة الصالح كانوا يتميزون بخلق الورع، وأذكر لكم بعض النماذج؛ علَّنا نقتفي أثرهم ونتشبه بهم.
• من ورع النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إني لأنقلب إلى أهلي، فأجد التمرة ساقطةً على فراشي، فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقةً، فألقيها))[5] ، فيه دليل على تحريم الصدقة على النبي عليه السلام مطلقًا، سواء كانت فرضًا أو تطوعًا؛ لعموم اللفظ؛ قال المهلب: "إنما تركها صلى الله عليه وسلم تورُّعًا وليس بواجب؛ لأن الأصل أن كل شيء في بيت الإنسان على الإباحة"[6].
• من ورع الصحابة رضوان الله عليهم؛ عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان لأبي بكر غلام يُخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجِهِ، فجاء يومًا بشيء فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهَّنتُ لإنسان في الجاهلية، وما أُحسِن الكَهانة، إلا أني خدعته، فلقِيَني فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلت منه، فأدخل أبو بكر يده، فقاء كل شيء في بطنه"[7].
• ومن الورع في قصص الصالحين؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اشترى رجلٌ من رجلٍ عقارًا له، فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرَّةً فيها ذهب، فقال له الذي اشترى العقار: خُذ ذهبك مني، إنما اشتريتُ منك الأرض، ولم أبْتَعْ منك الذهب، وقال الذي له الأرض: إنما بِعْتُك الأرض وما فيها، فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ قال أحدهما: لي غلام، وقال الآخر: لي جارية، قال: أنكحوا الغلامَ الجاريةَ وأنفقوا على أنفسهما منه وتصدقا))[8] ، فليسأل كل واحد منا نفسه لو وجد في شيء اشتراه ذهبًا أو نقودًا، كيف سيتصرف؟
3- مدار الفتوى فيما لا دليل عليه على القلب؛ في هذا الحديث إشارة إلى أن الإنسان فيما لم يدل عليه الدليل يرجع في ذلك إلى نفسه ويستفتيها، أو إذا استوت الأمور وكانت حينئذٍ من المتشابهات، فإن الإنسان يرجع في ذلك إلى ما يجده في نفسه؛ فقد يعطيك المفتي - مثلًا - رخصةً في معاملة ربوية بناءً على الضرورة التي بيَّنتَها له، ولكن في قرارة نفسك أنك لست من أهل الضرورة، فلا تعمل بهذه الفتوى، واعمل بما أفتاك قلبك؛ لأن قلب المؤمن ينظر بنور الله إذا كان قويَّ الإيمان؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوابصةَ: ((جئت تسأل عن البِرِّ والإثم؟ قال: قلت: نعم، قال: فجمع أصابعه فضرب بها صدره، وقال: استفْتِ نفسك، استفْتِ قلبك يا وابصة - ثلاثًا - البِرُّ ما اطمأنَّت إليه النفس، واطمأنَّ إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس، وتردَّد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفْتَوك))[9] ، أما في حالة معرفة الدليل، أو في إمكان الحصول عليه، فلا بد من الوقوف على الدليل.
فاللهم أرِنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرِنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، آمين.
(تتمة الدعاء).
عباد الله: هذا الحديث له أهمية عظيمة؛ لأنه من جوامع كَلِمِهِ صلى الله عليه وسلم، ومعدود من أصول الإسلام، وقاعدة من قواعد الدين والشريعة، وقد سبق معنا معناه في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الحلال بيِّنٌ، وإن الحرام بيِّنٌ، وبينهما أمور مُشتبهات لا يعلَمُهُنَّ كثير من الناس، فمن اتَّقى الشُّبهات استبرأ لدينه، وعِرْضِهِ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام))[4] ، فهما معًا أصلٌ في الأخذ باليقين وترك المشتبهات، وأصل في الوَرَعِ والبعد عن الشكوك.
فما هي الفوائد التي نستفيدها من هذا الحديث؟
نستفيد من الحديث لواقعنا ما يأتي:
1- البعد عن الشُّبُهات؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((دَعْ ما يَرِيبُك إلى ما لا يريبك))؛ أي: ابتعد عن الأمور المشكوك فيها، وخُذْ بالأمور المتيقَّن منها، وبهذا نحفظ أنفسنا من الوقوع في الحرام، ونحفظ عِرْضَنا من ألسنة الناس، وتحصُل طمأنينة للقلب، ونتخلَّق بخُلُقِ الوَرَعِ.
والوَرَعُ هو الكفُّ عن الشُّبهات وما يؤدي إلى الحرام، وقال بعض أهل العلم: "الورع ترك ما لا بأسَ به مخافةَ ما به بأس، أو هو ترك المباح خشيةَ الوقوع في الممنوع"؛ مثل: ترك التعامل مع شخص أمواله مختلطة دخل فيها الحلال والحرام، فإن السلامة في ترك التعامل معه، أو أطعمة مشكوك في احتوائها على بعض المحرَّمات؛ كالكحول أو لحم الخنزير، فالسلامة في ترك تناولها، دَعْ ما يريبك إلى ما لا يريبك، وقِسْ على هذا أمورًا كثيرةً.
2- أمثلة من ورع السلف الصالح وتركهم للشُّبهات: سلف هذه الأمة الصالح كانوا يتميزون بخلق الورع، وأذكر لكم بعض النماذج؛ علَّنا نقتفي أثرهم ونتشبه بهم.
• من ورع النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إني لأنقلب إلى أهلي، فأجد التمرة ساقطةً على فراشي، فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقةً، فألقيها))[5] ، فيه دليل على تحريم الصدقة على النبي عليه السلام مطلقًا، سواء كانت فرضًا أو تطوعًا؛ لعموم اللفظ؛ قال المهلب: "إنما تركها صلى الله عليه وسلم تورُّعًا وليس بواجب؛ لأن الأصل أن كل شيء في بيت الإنسان على الإباحة"[6].
• من ورع الصحابة رضوان الله عليهم؛ عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان لأبي بكر غلام يُخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجِهِ، فجاء يومًا بشيء فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهَّنتُ لإنسان في الجاهلية، وما أُحسِن الكَهانة، إلا أني خدعته، فلقِيَني فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلت منه، فأدخل أبو بكر يده، فقاء كل شيء في بطنه"[7].
• ومن الورع في قصص الصالحين؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اشترى رجلٌ من رجلٍ عقارًا له، فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرَّةً فيها ذهب، فقال له الذي اشترى العقار: خُذ ذهبك مني، إنما اشتريتُ منك الأرض، ولم أبْتَعْ منك الذهب، وقال الذي له الأرض: إنما بِعْتُك الأرض وما فيها، فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ قال أحدهما: لي غلام، وقال الآخر: لي جارية، قال: أنكحوا الغلامَ الجاريةَ وأنفقوا على أنفسهما منه وتصدقا))[8] ، فليسأل كل واحد منا نفسه لو وجد في شيء اشتراه ذهبًا أو نقودًا، كيف سيتصرف؟
3- مدار الفتوى فيما لا دليل عليه على القلب؛ في هذا الحديث إشارة إلى أن الإنسان فيما لم يدل عليه الدليل يرجع في ذلك إلى نفسه ويستفتيها، أو إذا استوت الأمور وكانت حينئذٍ من المتشابهات، فإن الإنسان يرجع في ذلك إلى ما يجده في نفسه؛ فقد يعطيك المفتي - مثلًا - رخصةً في معاملة ربوية بناءً على الضرورة التي بيَّنتَها له، ولكن في قرارة نفسك أنك لست من أهل الضرورة، فلا تعمل بهذه الفتوى، واعمل بما أفتاك قلبك؛ لأن قلب المؤمن ينظر بنور الله إذا كان قويَّ الإيمان؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوابصةَ: ((جئت تسأل عن البِرِّ والإثم؟ قال: قلت: نعم، قال: فجمع أصابعه فضرب بها صدره، وقال: استفْتِ نفسك، استفْتِ قلبك يا وابصة - ثلاثًا - البِرُّ ما اطمأنَّت إليه النفس، واطمأنَّ إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس، وتردَّد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفْتَوك))[9] ، أما في حالة معرفة الدليل، أو في إمكان الحصول عليه، فلا بد من الوقوف على الدليل.
فاللهم أرِنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرِنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، آمين.
(تتمة الدعاء).
[1] أي: ابن بنته فاطمة رضي الله عنها.
[2] وذلك لسرور النبي صلى الله عليه وسلم به وإقباله عليه.
[3] رواه الترمذي، رقم: 2518، وقال: حديث صحيح، والنسائي، رقم: 5201.
[4] رواه مسلم، رقم: 1718.
[5] رواه البخاري، رقم: 2432.
[6] فتح الباري شرح صحيح البخاري: 4/294.
[7] رواه البخاري، رقم: 3842.
[8] رواه البخاري، رقم: 3472.
[9] رواه الدارمي، رقم: 2575، وصححه الألباني في تحقيق صفة الفتوى والمفتي والمستفتي، ص: 55.
عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
سلسلة شرح الأربعين النووية
شبكة الالوكة
[2] وذلك لسرور النبي صلى الله عليه وسلم به وإقباله عليه.
[3] رواه الترمذي، رقم: 2518، وقال: حديث صحيح، والنسائي، رقم: 5201.
[4] رواه مسلم، رقم: 1718.
[5] رواه البخاري، رقم: 2432.
[6] فتح الباري شرح صحيح البخاري: 4/294.
[7] رواه البخاري، رقم: 3842.
[8] رواه البخاري، رقم: 3472.
[9] رواه الدارمي، رقم: 2575، وصححه الألباني في تحقيق صفة الفتوى والمفتي والمستفتي، ص: 55.
عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
سلسلة شرح الأربعين النووية
شبكة الالوكة