إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

[الحبيب وساعات الرحيل]

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [الحبيب وساعات الرحيل]

    إن أعظم مصيبة أصيبت بها الأمة الإسلامية هي موت الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.


    انقطع بموته وحي السماء، وغاب عن أهل الأرض إنسهم وجنهم خير الخلق وأرأفهم وأرحمهم.


    وإن لنا في سيرة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم أعظم العبر، ولنا في الإرهاصات التي مرت قبل رحيله من الدنيا أعظم العظات، فحري بكل عاقل أن يتأملها ويستضيء بنورها؛ حتى تكون له دليلاً إلى الخير وحادياً إلى الفلاح في الدنيا والآخرة.


    الصديق رضي الله تعالى عنه أميراً على الحج في ذلك العام، وفي آخر العام التاسع بدأ صلى الله عليه وسلم يشعر بدنو أجله، ويشعر بقرب رحيله وفراقه لمن حوله من الناس، وكان أول إرهاصات هذا الأمر العظيم أنه عليه الصلاة والسلام ودع معاذاً لما بعثه إلى اليمن، ومعاذ على راحلته، وهو عليه الصلاة والسلام يمشي إلى جانب ناقة معاذ وبعد أن أوصاه بما يفعل في أمر الدعوة قال: (يا معاذ! لعلك لا تلقاني بعد عامي هذا، يا معاذ! لعلك أن تمر على قبري ومسجدي)، ثم ودعه صلوات الله وسلامه عليه فذهب معاذ إلى اليمن.



    3







    [مواقف ذات عبر من حجة الوداع]


    ثم إنه صلى الله عليه وسلم عزم على الحج، فأخذ معه ألوفاً عظيمة من الصحابة، وتوجهوا أجمعون إلى بيت الله الحرام، فأحرم صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة قائلاً: (لبيك اللهم لبيك)، يكبر على كل شرف من الأرض حتى وصل مكة، فبدأ بالبيت وطاف حوله، ثم أتم ما يتعلق بالطواف، ثم أتى المسعى، فرقى الصفا وقال: (أبدأ بما بدأ الله به: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:١٥٨]).


    ثم إنه صلى الله عليه وسلم أخذ يتم مناسك الحج شيئاً فشيئاً، حتى كان اليوم التاسع وهو يوم عرفة وكان يوم جمعة فصلى صلى الله عليه وسلم بالناس الظهر والعصر جمع تقديم، ثم خطب صلى الله عليه وسلم في الناس وهو راكب على راحلته القصواء خطبة عظيمة بين لهم فيها معالم الدين، وأومأ إلى قرب رحيله ودنو أجله، فكان صلى الله عليه وسلم يقول بعد كل مقطع من خطبته: (ألا هل بلغت)، فيقول الصحابة: نعم، فيقول صلوات الله وسلامه عليه: (اللهم فاشهد)، حتى كان واضحاً معهم، رغم أنه صلوات الله وسلامه عليه إمام المخلصين.


    قال عليه الصلاة والسلام لهم: (أيها الناس! إنكم ستسألون عني فماذا أنتم قائلون؟ فقالوا رضي الله عنهم وأرضاهم: نشهد أنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ووفيت، وأديت الذي عليك كله، فرفع صلى الله علية وسلم سبابته إلى السماء ثم نكتها إلى الأرض ثم قال: اللهم فاشهد).


    وكان كما قال جابر يودع الناس شاعراً بدنو أجله، وقرب رحيله حتى أتم صلى الله عليه وسلم المناسك فقال في اليوم الثاني عشر: (إنا نازلون غداً في خيف بني كنانة، فلما كان اليوم الثالث عشر رمى صلى الله عليه وسلم الجمرات الثلاث، ثم خرج من منى قبل أن يصلي الظهر، ونزل في خيف بني كنانة، وهو ما يسمى اليوم في مكة بالأبطح، فصلى بها الظهر والعصر، ثم صلى بها المغرب والعشاء، ثم اضطجع صلوات الله وسلامه عليه، ثم لما كان قبل الفجر أتى المسجد الحرام فطاف طواف الوداع، ثم صلى بالناس صلاة الصبح، ثم قفل راجعاً إلى المدينة، ترفعه النجاد، وتضعه الوهاد، وهي تتشرف بوطأة قدميه عليها، وهو عليه الصلاة والسلام يكبر على كل شرف من الأرض حتى دخلها) أي: دخل المدينة صلوات الله وسلامه عليه.


    هذه أيها المؤمنون! على وجه الإجمال الأحداث العامة في حياته صلى الله عليه وسلم، والتي سبقت دنو أجله وقرب رحيله.






    [مرض النبي صلى الله عليه وسلم]


    ثم أعقب حجة النبي صلى الله عليه وسلم أحداث متتابعة بدءاً من مرضه صلوات الله وسلامه عليه، وانتهاء بدفنه، وهي على وجه التفصيل: أنه صلى الله عليه وسلم بعد حجة الوداع أرسل إلى غلام له مولى له يقال له: أبو مويهبة فذهب هو وأبو مويهبة إلى البقيع، فأتى أهل البقيع واستغفر لهم ودعا لهم -صلوات الله وسلامه عليه- ثم قال: (يا أبا مويهبة! إن الله خيرني بين أن أعطى مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، فقاطعة أبو مويهبة قال: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي خذ مفاتيح خزائن الدنيا، والخلد فيها ثم الجنة، فقال صلى الله علية وسلم: لا والله يا أبا مويهبة! ولكنني اخترت لقاء ربي ثم الجنة).


    ثم رجع صلوات الله وسلامه عليه وقد شعر بصداع في رأسه، فاستقبلته زوجته عائشة وكانت رضي الله تعالى عنها قد أصابها صداع قبله، فلما دخل عليها قالت: يا رسول الله! وارأساه! تشتكي رأسها، فقال عليه الصلاة والسلام: (بل أنا وارأساه)، أخبر عن مرضه، وعن الصداع الذي يصيبه.


    ثم ما زال الصداع يتعاقب عليه ويشتد مع حمى شديدة كانت تنوبه صلوات الله وسلامه عليه، وأخذ المرض يثقل عليه شيئاً فشيئاً، فلما أثقل عليه عرف أنه لا يستطيع أن يأتي على بيوت نسائه كلها، فلما كان في بيت ميمونة بنت الحارث اشتد عليه وجعه فأستأذن أزواجه رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن أن يكون في بيت عائشة، فأذن له صلوات الله وسلامه عليه، فخرج من بيت ميمونة إلى بيت عائشة تختط قدماه في الأرض متكئاً على رجلين: هما الفضل بن عباس وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم أجمعين، حتى أتى بيت عائشة رضي الله تعالى عنها فمكث في بيتها يشتد عليه الوجع شيئاً فشيئاً، فلما ثقل عليه المرض، وشعر صلى الله عليه وسلم بدنو أجله أخذ يصنع أشياء يودع بها الناس، وتبرأ بها الذمة.


    ولما كثر عليه المرض واشتد عليه الوجع طلب أن يهرق عليه سبع قرب من الماء لم تحل أوكيتهن، فأهرقوا عليه سبع قرب صلوات الله وسلامه عليه، ثم خرج إلى الناس عاصباً رأسه فدخل المسجد وبدأ بالمنبر، وأول ما بدأ به خطبته أن صلى على شهداء أحد واستغفر لهم؛ وفاء منه صلى الله عليه وسلم لأصحابه.


    ثم بعد ذالك أخذ يوصي الناس بالأنصار وفاء منه صلى الله عليه وسلم للأنصار فقال: (إنهم كرشي وعيبتي، وإنهم أدوا الذي عليهم وبقي الذي لهم)، وأوصى الناس من بعدهم أن يقبلوا من محسنهم وأن يتجاوزوا عن مسيئهم.


    ثم إنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن عبداً خيره الله بين الدنيا وزهرتها ثم الجنة، وبين لقاء ربه فأختار ما عند الله، فبكى أبو بكر رضي الله تعالى عنه وفهم المراد، وقال من أقصى المسجد: بل نفديك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله! فقال صلى الله علية وسلم: على رسلك يا أبا بكر! ثم التفت إلى الناس يبين لهم مقام أبي بكر في الأمة فقال: إن من أمن الناس علي في ماله وصحبته أبا بكر، ولو كنت متخذ خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ثم قال: لا يبقى في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر).


    فلما انتهى من ذلك صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر، ثم رجع صلوات الله وسلامه عليه إلى بيته يزداد عليه المرض شيئاً فشيئاً.


    ثم دخلت عليه ابنته فاطمة فسارها بشيء في أذنها فبكت، ثم سارها كرة أخرى فابتسمت، ثم سئلت عن ذلك بعد فذكرت أنه أخبرها في الأولى بقرب أجله وأنه سيموت في مرضه هذا فبكت، ثم أخبرها بأنها أول أهله لحوقاً به، وأنها سيدة نساء أهل الجنة، فابتسمت رضي الله تعالى وأرضاها.


    ثم إنه عليه الصلاة والسلام قبل أربعة أيام من وفاته أعتق غلمانه، وتصدق بسبعة أو تسعة دنانير كانت عنده صلوات الله وسلامه عليه.


    ثم مكث المرض يشتد عليه فكان يغمى عليه أحياناً ويفيق أحياناً من شدة الحمى التي كانت تصيبه صلوات الله وسلامه عليه، فلما عرف أنه لا يقدر أن يصلي بالناس أرسل إلى أبي بكر أن يصلي، فخافت عائشة أن يتشاءم الناس بأبيها في أن يقف في مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! إن أبا بكر رجل أسيف لا يملك دمعته، فأوصت من يدعو عمر أن يصلي فصلى بهم عمر، فلما سمع صلى الله عليه وسلم صوت عمر قال: (يأبى الله ذلك والمؤمنون، لا يصلين بالناس إلا أبو بكر) كالإشارة إلى استخلافه من بعده رضي الله تعالى عنه وأرضاه.


    وبقي أبو بكر يصلي بالناس حتى خرج إليهم صلى الله عليه وسلم ذات يوم فوجدهم يصلون وأبو بكر يتقدمهم، فأشار إلى أبي بكر أن ابق مكانك فلم يقبل، فرجع أبو بكر وصلى صلى الله عليه وسلم إماماً بهم، والناس يصلون بصلاة أبي بكر، فلما فرغ من الصلاة قال لـ أبي بكر: (ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟ فقال رضي الله تعالى عنه وأرضاه: ما كان لـ أبي بكر أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم)





    [وفاته صلى الله عليه وسلم]

    ثم عاد صلى الله عليه وسلم إلى بيته يشتد عليه الوجع، ويرى من الكرب ما الله به عليم، حتى كان يوم الإثنين الثاني من شهر ربيع الأول على الصحيح -والثاني عشر من شهر ربيع الأول على قول الجمهور- وكان الناس في صلاة الفجر، وأبو بكر يصلي بهم، وإذا به صلى الله عليه وسلم يكشف الستار الذي بينه وبين المسجد فرآهم يصلون خلف أبي بكر فتهلل وجهه كأنه ورقة مصحف، وكادوا يفتنون عن صلاتهم فرحاً وظناً منهم أنه برأ، فهم أبو بكر أن يرجع فأشار إليهم أن على مكانكم، ونظر إليهم نظرة مودع.

    ثم رجع صلى الله عليه وسلم إلى حجرته يشتد عليه المرض، وبين يديه ركوة فيها ماء، فكان يضع يديه في الركوة ويمسح بها وجهه الطاهر ويقول: (لا إله إلا الله إن للموت سكرات، اللهم أعني على سكرات الموت)، ثم إنها دخلت عليه فاطمة وهو على هذا الحال، ودخل عليه أسامة، فقالت فاطمة: (واكرب أبتاه! فقال صلى الله عليه وسلم: ليس على أبيك كرب بعد اليوم).فدخل عليه أسامة وأشار إليه أن ادع لي! فلم يستطع صلى الله عليه وسلم من شدة المرض أن يدعو له بلسانه، ولكنه رفع يديه يدعو لـ أسامة في سره.ثم ثقل عليه المرض فدخل عليه عبد الرحمن بن أبي بكر وفي يده سواك يستاك به، فأمعن صلى الله عليه وسلم وحد النظر في عبد الرحمن ففهمت عائشة أنه يريد المسواك، فأشارت إليه فأومأ برأسه أن نعم، ولم يستطع أن يقولها بلسانه، فأخذت المسواك من أخيها وقضمته، ثم طيبته وألانته، ثم أعطته رسول الله فاستاك به صلى الله عليه وسلم، كآخر عمل يصنعه في الدنيا، ثم أرجأه،

    ثم سمعته عائشة وقد أسندته إلى صدرها وهو يقول: (مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، اللهم اغفر لي وارحمني، اللهم اغفر لي وارحمني، بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى)، كررها ثلاثاً، رافعاً أصبعه السبابة حتى كان آخر ما قاله من الدنيا: (بل الرفيق الأعلى).ثم مالت يده صلوات الله وسلامه عليه، فوضعته عائشة على الأرض، وكان سنها يوم ذاك ثمانية عشر عاماً، ثم خرجت تلطم خدها مع من يلطمن من النساء، فشاع خبر وفاته فأصبح الناس فيه بين مفتون ساكت، وغير مصدق، قد أذهلهم الخبر، وداهمتهم الفجيعة، وحق لهم ذلك والله! وكان أبو بكر رضي الله تعالى عنه في السنح -أي: في الحرة الشرقية- فأتاه رجل فأخبره الخبر، فعاد رضي الله عنه وأرضاه إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل على رسول الله وهو مسجى في بيته، فكشف عن وجهه، وأتاه من قبل رأسه، ثم حدر فاه إلى جبهته وقال: واصفياه! ثم قبله أخرى وقال: وانبياه! ثم قبله أخرى وقال: واخليلاه! ثم قبله وقال: طبت حياً وميتاً يا رسول الله! أما الموتة التي كتبها الله عليك فقد ذقتها، وأما غير ذلك فلن يكتبه الله عليك أبداً.ثم غطاه رضي الله تعالى عنه وأرضاه وسجاه، ثم خرج إلى الناس يقتحم الصفوف وعمر واقف، فقال: اجلس يا عمر! فلم يجلس، قال: اجلس يا عمر! فلم يجلس، فحمد الله وأثنى عليه، فترك الناس عمر وأقبلوا على أبي بكر فقال رضي الله تعالى عنه وأرضاه: أيها الناس! من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ثم تلا: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:١٤٤]، فكأن الناس لم يعلموا هذه الآية إلا يوم تلاها أبو بكر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وما كان أحد من الخلق إلا وأخذ يرددها.ثم إنهم رضي الله عنهم وأرضاهم انشغلوا بأمر الخلافة، فلما فرغوا من بيعة أبي بكر رضي الله تعالى عنه وأرضاه تفرغوا لرسولهم صلى الله عليه وسلم، فتولى غسله عليه الصلاة والسلام أهل بيته: العباس وولداه الفضل وقثم، وأسامة بن زيد وصالح مولاه وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم.ولم ير منه صلى الله عليه وسلم ما يرى من الميت؛ لأنهم عندما أرادوا أن يغسلوه احتاروا هل يجردونه صلى الله عليه وسلم أم لا، فألقى الله عليهم النوم فأصابتهم سنة فسمعوا منادياً يناديهم: أن اغسلوا رسول الله وهو في قميصه، فغسلوه صلوات الله وسلامه عليه وهو في قميصه يقلبه العباس وولداه، ويصب الماء أسامة وصالح، ويغسله بيده علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.وبينما هم يغسلونه استأذن أوس بن خوري بدري من الخزرج نادى على علي من وراء البيت: يا علي! أنشدك الله وحظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أدخلتني، فأذن له علي رضي الله عنه، فدخل أوس فأخذ ينظر دون أن يشاركهم في الغسل، فلما فرغوا من غسله كفنوه صلوات الله وسلامه عليه، وهو سيد ولد آدم، وخير خلق الله، أقسم له ربه بأنه ما ودعه وما قلاه، ومع ذلك يكفن كما كفن الموتى في ثلاثة أثواب.ثم وضعوه صلى الله عليه وسلم على سرير، ثم حفروا له لما أخبرهم أبو بكر بقوله صلى الله عليه وسلم: (إنه ما من نبي يقبض إلا ويدفن حيث قبض)، فحفروا له بعد أن بعثوا إلى رجلين: أبي عبيدة وكان يحفر القبر شقاً، وأبي طلحة من الأنصار كان يلحد لحداً.فالذي ذهب إلى أبي طلحة وجده فعاد معه فحفروا له صلى الله عليه وسلم.ثم إنهم قبل أن يدفنوه وضعوا سريره على حافة القبر، ثم استعظموا أن يصلي أحد بهم إماماً على رسول الله صلى الله علي وسلم، فصلى عليه العباس وهو أسن بني هاشم أول الناس، ثم صلى عليه عصبته وقرابته من بني هاشم، ثم صلى عليه المهاجرون، ثم صلى عليه الأنصار، ثم صلى عليه النساء، ثم صلى عليه الصبيان،

    ثم صلى عليه العبيد صلوات الله وسلامه عليه.صلوا عليه أرسالاً كل منهم يصلي لوحده، فلما فرغوا من الصلاة عليه نزل في قبره قثم والفضل وعلي بن أبي طالب ومولاه شقران رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين، فنزلوا في قبره الطاهر الشريف، فوضعوا جسده في اللحد، ثم بنوا عليه تسع لبنات، ثم حثوا التراب على ذلك القبر الطاهر الشريف حتى أتموا دفنه صلوات الله وسلامه عليه.يا خير من دفنت في القاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الطهر والكرم أيها المؤمنون! هذا على وجه الإجمال موت رسولكم صلى الله عليه وسلم.لا ريب أن الإنسان يعلم أن حديثاً كهذا لا يحتاج إلى بليغ تهتز له المنابر، ولا إلى خطيب تحمل صدى قوله المنائر، إنه حديث عن وفاة حبيبنا الذي لم تكتحل أعيننا بعد برؤيته، حديث عن رحيل حبيبنا الذي نسأل الله أن يرزقنا جواره في جنته، حديث عن حبيبنا الذي بلغ دين الله، وأرشد إليه، وناجى ربه، ودعا إليه، وكان أرحم الخلق بالخلق، وهو القائل صلوات الله وسلامه عليه لما زار بقيع الغرقد: (وددت لو أني رأيت إخواني فقالوا: يا رسول الله! ألسنا إخوانك؟ قال: بل أنتم أصحابي، ولكن إخواني لم يأتوا بعد، قالوا: يا رسول الله! وكيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟ قال: إنهم يأتون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض)، أي: سابقهم إليه، فصلوات الله وسلامه عليه.
    المكتبة الشاملة
    كتاب دروس للشيخ صالح المغامسي






يعمل...
X