ملخص شروط صحة الصلاة من تمام المنة
من المختصر البسيط لكتاب تمام المنة
في فقه الكتاب وصحيح السنة
لفضيلة الشيخ عادل العزازي أثابه الله(1)
معنى الشَّرْط:
اعلم - رَحِمَكَ الله - أنّه إذا لم يتحقَّقِ الشرط، فإنَّ العمل لا يَقعُ صحيحًا، فإذا قُلْنا مَثَلاً:(إنَّ الطهارةَ شرْطٌ لصِحَّة الصلاة)، فإنَّه يَجب وجودُ هذا الشرط مِن بدءِ الصلاة إلى انتهائِها، فإذا انتُقِضَتْ الطهارةَ بَطُلََتْ صلاته وعليه الإعادة.
أما عن شروط صِحَّة الصلاة فهي:
أولاً: العِلم بدخُول وقتِ الصلاة:
فلا تصِحُّ صلاتُه إلا إذا تيقَّن أو غَلََبَ على ظنِّه دخولُ الوقت، سواء كان ذلك باجتهادِه، أو أخبَرَهُ شخصٌ ثِقة (يعني مَشهُود له بالخِبرة والعَدَالة)، أو نحو ذلك[2].
ثانيًا: الطهارة مِن الحَدَث الأصغر والأكبر:
وقد أجْمَعَ العلماء على أنَّ الطهارة مِن الحَدَث الأصغر والأكبر شَرْطٌ لصِحَّة الصلاةِ[3].
ثالثًا: طهارة الثوْب والبَدَن والمكان مِن النجاسة:
وقد اختلف العلماء في حُكْم هذه الطهارة، فقد ذهَب الأكثرون إلى أنَّها شرْط لصِحَّة الصلاةِ، وهو مذهبُ الشافعية والحنابلة والحنفيَّة، وعن مالكٍ قولان: أحدهما: إزالة النجاسة سُنَّة وليستْ بفرض، وثانيهما: أنَّها فرْض مع الذِّكْر، ساقطة مع النِّسيان، وقديم قوْلَي الشافعي: أنَّ إزالة النجاسةِ غيرُ شرْط[4].
وذهب الشَوْكانِي إلى أنَّ إزالة النجاسة (واجبة)، وليستْ (شَرْطًا)، والفرْق بينهما: أنَّها لو كانت واجبة، ثم صَلّى وعليه نجاسةٌ كان تاركًا لواجبٍ، ولا تبطُل صلاتُه، بخلاف ما لو كانتْ شرْطًا، فإنَّه يجب عليه الإعادة، وممَّا استدلَّ به الشَوْكانِي أنَّ النبي - صَلّى الله عليه وسلَّم - حينما خلع نَعليْهِ أثناء الصلاة - بعد أن أخبره جبريل عليه السلام أنَّ بهما نجاسة - لم يُعِدِ الصلاة، بل أتَمَّها، ولو كانت شرطًا لأعادَ الصلاة.
ملاحظات:
(1) إذا صَلّى في الثوْب المتنجِّس - (أي: الثوْب الذي عليه نجاسة) - عالمًا بوجودِ هذه النجاسة عليه، أعادَ الصلاة على قولِ الأكثرين (الذين يقولون بأنَّ إزالة النجاسة شرط)، وأمَّا إنْ كان جاهلاً بها أو ناسيًا، صحَّتْ صلاتُه، ويلحق بذلك مَن كان لا يجد إلا هذا الثوْب المتنجِّس، فإنَّه يُصلِّي به ولا إعادةَ عليه[5]، فإنْ عَلِمَ بالنجاسة أثناءَ الصلاة، وأمكَنَهُ إزالتُها أزالَها، وإنْ لم يمكنه إزالتُها بطلَتْ صلاتُه على رأيِ مَن يقول بالشرطية، وصحَّتْ صلاتُه على رأي مَن يقول بالوجوب.
(2) إذا لم يتمكَّن مِن الصلاةِ إلا في مكانٍ نجس - كمَن حُبِس فيه مثلاً- صَلّى ولا إعادةَ عليه، وطريقة صلاتِه في المكان النجِس: أنَّ النجاسة لو كانتْ يابسةً صَلّى كالعادة، وإنْ كانت رطبةً صَلّى قاعدًا على قدميه حتى لا يتلوَّث بالنجاسة[6]، والأصلُ في ذلك قولُه تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن: 16]، فعليه أنْ يتجنَّبَ النجاسةَ على قدْر ما يستطيع، ويُومِئ عندَ السجود (يعني ينحنِي بدون أنْ تمس جبهته الأرض)؛ حتى لا يُباشِر النجاسة.
(3) لو جَهِلَ مَوضِع النجاسة مِنَ الثوب تحرَّى مَوضِعَهَا، فإنْ لم يَغلُبْ على ظنِّه وَجَبَ عليه غسْلُ الثوب كلِّه.
(4) مَن اشتبهَ عليه الثوبُ الطاهِر بالثوْبِ النَّجِس (كأنْ يكونُ عندَه ثوبان يشبه أحدُهُما الآخر، وقد تبوَّّّلَ طِفلُهُ على أحَدِهِما، فاختلطَ عليه الأمر: هل الطفل تبوَّّّلَ على هذا أم ذاك؟)فإنه يتحرَّى على حسبِ استطاعته، ثم يصَلّى في الطاهِر على الأغلبِ عندَه، فإنْ تغيَّر اجتهاده في صلاةٍ أخرى، صلاَّها على حسبِ اجتهاده الآخَر، ولا يَلزَمُهُ إعادة الأولى.
(5) لو حَمَل طِفلاً صغيرًا وهو في الصلاة صَحَّتْ صلاتُه، والراجح أنَّ مَلابسَهُم محمولةٌ على الطهارة ما لم نتيقَّن بوجود نجاسة؛ لأنَّ النبي - صَلّى الله عليه وسلَّم - صَلّى وهو يحمِل أُمَامَةَ بنت أبي العاص.
(6) إذا حَمَلَ عيِّنات [مِن بَوْلٍ وغائِط] أثناء الصلاة، (كَمَنْ أدرَكَتْهُ الصلاة وهو في طريقه إلى المَعمَل لتسليم هذه العينات فدَخَلَ المسجد وصَلّى بها) فهل تَصِحُّ صلاتُهُ؟ فيها قوْلان، والأَوْلى تجنُّب ذلك عندَ الصلاة.
(7) إذا صَلّى على حَصِير أو بسَاط عليه نَجاسةٌ، لكنَّه صَلّى على مَوضِع طاهِر منه صَحَّت صلاته، وكذلك لو صَلّى على سَرير قوائمُه على مكانٍ نجس.
(8) لو فَرَشَ على النجاسة شيئًا وصَلّى عليه صحَّت صلاتُه؛ لأنَّه غيرُ مباشِرٍ للنَّجاسة ولا حامِل لها.
(9) إذا أصابَ ثَوبَه أو بَدَنَهُ نجاسةٌ يابسة فنفضَها، ولم يبقَ شيءٌ منها وصَلّى، صحَّت صلاتُه بالإجماع.
(10) يَجُوز للمرأة أن تصلي في الثيابِ التي كانت تلبسها أثناء فترة حَيْضِها بلا كراهةٍ إذا لم يتحقَّقْ فيها نجاسَة، قالوا: "وتجوز في ثِيابِ الصِبيان والكفَّار والقصَّابين - (وهم الجزارين) - ومُدمِنِي الخمر وغيرهم، إذا لم يَتحقَّق نجاسَتها، لكن غيرها أوْلى"[7].
• • •
رابعًا: سَتر العَوْرَة: ويتعلَّق بها مسائل:
(أ) ما معنى العَوْرَة؟
قال أهلُ اللُّغة: سُمِّيت العَوْرَة - (بذلك الاسم) - لِقُبْح ظهورها، ولغضِّ الأبصار عنها، مأخوذةٌ مِن العَوَر، وهو النقصُ والعيب والقُبح، ومنه عَوَر العين، والكَلِمة العَوْرَاء معناها: القبيحة.
واعلم أنَّ العَوْرَة قِسمان: (عَوْرَة النظر) التي يَحرُمُ إبداؤها أمامَ الناس، و(عَوْرَة الصلاة)، والأفضل أنْ تُسمَّى (زينة الصلاة)، وسوف نبيِّن ذلك إنْ شاء اللهُ تعالى.
(ب) ما حُكْم سَتْر العَوْرَة؟
سَتْرُ العَوْرَة واجبٌ بالإجماع، والرَّاجِح وجوبُ سَتْرِها أيضًا في الخُلوَة، وقدْ ذمَّ الله المشركين؛ لأنَّهم كانوا يطوفون بالبيت وَهُم عُراةً، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُون ﴾ [الأعراف: 28]، قال ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - في تفسير هذه الآية: (كانوا يطوفون بالبيت عُراةً)، وعن بَهْزِ بن حَكيم عن أبيه عن جَدِّه قال: قلتُ: يا رسولَ الله، عَوراتنا ما نأتِي منها وما نَذَر؟ قال: ((احفظْ عورتَك إلا مِن زوجِك أو ما مَلَكَتْ يَمينُك))، قال: قلتُ: يا رسولَ الله، إذا كان القومُ بعضُهم في بعض؟ قال: ((إنِ استطعتَ ألاّ يَرَيَنَّها أحدٌ فلا يَرَيَنَّها))، قلتُ: يا رسولَ الله، إذا كان أحدُنا خاليًا؟ قال: ((اللهُ أحقُّ أنْ يَسْتحِي منه الناس))[8].
واعلم أنه يَجُوز كَشْف العَوْرَة للحاجةِ والضرورة، كحالةِ الاغتسال في الخُلوَة، ووقتَ قضاء الحاجَة، وإفضاء الرَجُل إلى أهله، وللطبيب والشاهِد والحاكِم، لكن يُراعى للمرأة كشفُها أمامَ الطبيب إذا لم تَجِدْ طبيبةً امرأة، واضطرتْ للطبيب الرَجُل، مع أمْن الخلوة (يعني لابد أنْ يكونَ معها أحد محارمِها البالغين)، وأنْ يكون التكشُّفُ على قدْرِ الضرورة.
(جـ) ما هي حُدود العَوْرَة؟
أولاً: عَوْرَة الرَجُل: اختلَف العلماءُ في عَوْرَة الرَجُل، وذلك بعدَ اتِّفاقهم على أنَّ السَوْءَتَيْن (القُبُل والدُّبُر) عَوْرَة، ولكنَّهم
اختلفوا:
هل الفَخِذان عَوْرَة أم لا؟
فذَهَب فريقٌ من العلماء إلى أنَّهما ليسَا بعَوْرَة، وذهَب فريقٌ آخَرُ مِن العلماء إلى أنَّ الفخِذيْن عَوْرَة، وهو الأرجَح؛ وهذا مذهب الأئمَّة الأربعة، وأمَّا السُرَّة والرُكبة، فليستَا من العَوْرَة.
ثانيًا: عَوْرَة المَرأة: ثبَت في الحديث: ((المَرأة عَوْرَة، فإذا خرجَتِ استشرفَها الشيطان))[9]، وقد اختلف العلماءُ في عَوْرَة المَرأة أمامَ الأجانب - (يعني أمامَ أيّ أحد غير مَحارمِهَا والنِّساء) - على قوْلَيْن، فمِنهم مَن يرى أنَّ جميعَ بَدَن المَرأة عَوْرَة، إلا الوَجْه والكفَّيْن، ومنهم مَن يرى أنَّ جميع بَدَن المَرأة عَوْرَة، ويجب عليها تغطيةُ الوَجْه والكفَّيْن أيضاً، وهذا هو الراجح مِن حيث الأدلَّة.
وأمَّا أمامَ مَحارمِهَا وأمام النِّساء مثلِها، فلها أنْ تكشِفَ عن مَوَاضِعِ الزينة الظاهرة كالعُنُق والسَاعدَيْن والقدمَيْن وشعر رأسها، ولا يَجُوز لها أنْ تكشِف عن صَدرِها وظهرِها وفخذِها، ونحو ذلك أمامَهم.
(د) زينة الرَجُل والمَرأة في الصلاة:
تَكلَّمنا عن عَوْرَة الرَجُل والمَرأة مِن حيث النظر، وأمَّا حُكْم العَوْرَة في الصلاة: فقدْ ذَهَب جمهورُ العلماء إلى أنَّ "سَتْر العَوْرَة شرْطٌ في صِحَّة الصلاة"، وقال بعضُ أصحابِ مالك: "سَتْر العَوْرَة واجبٌ وليس بشَرْط"، وهذا ما رَجَّحه الشَوْكانِي في "نَيْل الأوطار"، وقال أكثرُ المالكية: السُّترة - (يعني سَتْر العَوْرَة) - شرْطٌ مع الذِكْرِ والقُدرة عليها، فإنْ عجَز عن سَترها أو نَسِيَ الستر صَحََّتْ صلاته.
• واعلم أنَّ العلماء أطْلقوا على هذا الباب: (سَتر العَوْرَة)، ولكن الأَوْلى أنْ يُقال: (لباس الصلاة، أو زينة الصلاة)؛ لِقوْلِهِ تعالى: ﴿ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ [الأعراف: 31]، ولأنَّ السِّترَ المأمورَ به في الصلاة يختلف عن عَوْرَة النظر.
وقد تَقدَّم الكلامُ عن حدود عَوْرَة النَّظَر، وأما زِينة الصلاة، فهي على النحو الآتي:
أولاً: بالنسبة لزِينة الرَجُل في الصلاة:
يَجُوز للرجل أنْ يُصلِّي في ثوبٍ واحد (كأنْ يكون رجلاً فقيراً لا يمتلك إلا إزاراً فقط، مثل الذي يغطي به الرجال النصف الأسفل مِن جسدهم عند الإحرام بحَجٍ أوعُمرَة)، وهذا الثوبُ (يعني الإزار) إنْ كان واسعًا جعَل طرَفيْهِ على عاتِقيْه (يعني على كتفيْه) مُلتَحِفًا به، وإنْ كان ضيقًا جَعَلَهُ إزارًا فقط؛ أي: شَدَّهُ على وَسَطِه (مِن سُرَّتِهِ إلى ساقِه أو إلى كعبه)(وهذا في حالة الضرورة والفقر الشديد)، ولكنّ الأفضل للرَّجُل أنْ يُصلِّي في ثوبَيْن أحدُهُمَا يُغطِّي عَوْرَته، والثاني يكون على أعَالِيه(مثل الإزار والرداء الذيْن يُلبَسَان في الإحرام، وأيضاً مثل القميص والسروال).
ثانيًا: بالنسبة لزِينة المَرأة في الصلاة:
فقد قال رسولُ الله - صَلّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يَقْبَلُ اللهُ صلاةَ حائِضٍ إلا بخِمار))[10]، والمقصود بالحائِض: التي بلَغَتِ المَحِيض، فيُشترَط لها أنْ تَستُرَ بَدَنِها في الصلاة عدَا الوَجْه والكفِّيْن على رأيِ جمهور العلماء، ويَكفيها في ذلك الدِِرْع (وهو الجلباب) والخمار.ورَجَّح شيخُ الإسلام ابن تيمية أيضًا جوازَ كشْف القدمين، واعلم أن الأفضل للمرأةِ أن تُصلِّي في "خمار" (يَستر رأسها)، و"جلباب" (يستُر بَدَنَها)، ثم "مِلحَفة" (وهو ما يُعرَف بالإسدال) مِن رأسها فوقَ الخمار والجلباب، لأنّ ذلك أكمَل لها في الستر، وإن لم تستطع ذلك (كأنْ يكون الجو حاراً أو غير ذلك فيكفيها أنْ تلبس الخِمار والجلباب، وكذلك يَجُوز لها أنْ تلبس الإسدال فقط فوق ملابس البيت دون أن تلبس الخِمار والجلباب).
ملاحظات:
(1) مِن شروطِ سَتر العَوْرَة أنْ يَحُولَ الستر بين الناظر ولَونِ البَشَرة، فلا يَكفِي ثوبٌ رقيقٌ يُرى مِنْ ورائه سَوَادُ البشرة أو بياضُها.
(2) صلاة الرَجُل في البِِنطال (البنطلون) فيها كَرَاهةٌ إذا كانَ البِنطال ضَيِّقًا يَصِفُ البشَرة (يعني يُجَسِّد أعضاء المُصلي)، وإذا كانَ البِنطال شفافا (يعني يُرَى مِن ورائه سَوَادُ البشرة أو بياضُها) فهذا يَحرُمُ أنْ يصلَّي به، أما إذا كان البنطال واسعاً فهذا تجُوز الصلاة به، ولكن الأوْلَى والأكمَل في الزينة أنْ يَلبَس القميص (المعروف بالجلباب).
• وأمَّا عن صلاةِ المَرأة في البِنطال ففِيهِ سُوءُ أدَبٍ مع الله؛ لأنَّها مُتشبِّهة بالرِّجال، وقد عَلِمَتْ أنَّ رسولَ اللهِ صَلّى الله عليه وسلَّم لَعَنَ المُتشبهاتِ مِن النساء بالرِّجال،
وكيف لا تَنهاها صلاتُها عن الفحشاء والمُنكَر بهذا التبرَُّج الذي ابتُلِيَتْ به بلادُ الإسلام؟
فينبغي للمُصَلِّي أنْ يتخلَّق بالأخلاقِ والآداب التي تكون أدْعَى لقَبول العمل؛ إذ إنَّ هناك فرْقًا بين صِحَّة العمل مِن الناحية الفقهيَّة، وبينَ قَبُولِهِ عندَ الله، فرُبَّ عَمَل يَقع صحيحًا، لكنَّه غيرُ مقبول؛ لعدمِ مراعاة تقوَى الله عزَّ وجلَّ، هذا، وقدْ ذَهَبَ كثيرٌ من أهل العِلم إلى أنَّ الثِّياب إذا كانت مُحَرَّمة (كأنْ يُصلي الرَجُل بثياب مصنوعة من حَرير أو أنْ يُصلي في ثياب مَسرُوقة أو غير ذلك)، فإنَّ الصلاة تكونُ باطِلة، وهو رأي الظاهرية والحنابلة، والله أعلم.
(3) قال صاحب كتاب"المُهَذّب": "والمُستحَبُّ - للمَرأة - أنْ تُكثِّف جلبابَها؛ حتى لا يَصِف أعضاءَها - (يعني حتى لا يُجَسَِّد أعضاءَها) -، وتُجافِي المِلحَفةَ - (يعني تُبعِد الإسدال) - عنها في الرُّكوع والسجود؛ حتى لا تصِف ثِيابَها"[11]، والمقصود أنْ يكون ثوبُها كثيفًا لا يُجَسِّد أعضاءَها.
(4) تَصِحُّ الصلاةُ مِن الرَجُل وهو حَاسِرُ الرأس (يعني عاري الرأس، لا يَلْبَس العمامة أو القُلُنْسُوَة (وهي المعروفة بـ الطاقِيَّة) أو غير ذلك)، ولكن الأفضل أنْ يَلْبَس العِمامة لِكَمَالِ الزِّينة.
(5) يَجُوز للرَجُل أنْ يُصلِي في بيته بالثوب المعروف بـ (الفانِلَّة الحَمَّالاَت) ولكنْ مع الكَرَاهة، فأمَّا مِن حَيْثُ الجَوَاز فلِقوْل النبي - صَلّى الله عليه وسلَّم -: (لا يُصلِّينَّ أحدُكُم في الثوبِ الواحِد ليس على عاتِقيْه منه شيءٌ)[12]، و(الحَمَّالَة) تعتبرُ (شيئاً) على العاتِق، وأمَّا مِن حيث الكَرَاهة فلأنه لا يَرضَى أنْ يَسير في الطريق بهذا الثوب، ولا أنْ يستقبل ضيفه به، فكيف يَرضَى بأنْ يقف به أمام اللهِ تبارك وتعالى.
خامسًا: استقبال القِبْلَة:
والمقصود بالقِبْلَة: الكعْبة، ومعنى استقبال القِبْلَة: أنَّ مَنْ كانَ قريبًا من الكعبة فإنه يَجب عليه أن يتَّجِه إلى عَيْنِ الكعبة، بحيث يكونُ مستقبلاً عَيْن الكعبة بجميعِ بَدَنِه، وأمَّا مَنْ كانَ بعيدًا عن الكعبةِ، فيَكفِيه في ذلك استقبالُ جِهة الكعبة، فمَنْ كانَ في جِهة الشمال تكون قِبلتُه جِهة الجنوب؛ أي: ما بين المَشرِق والمغرِب.
ملاحظات:
(1) يُستدَلُّ على القِبْلَة إمَّا بالمشاهدة، أو بخَبَر شخص ثِقة (عن يقين، أو اجتهادٍ منه)، وسواء كانَ رَجُلاً، أو امرأة، والمقصودُ بقولنا: ((عن يقين))؛ أي: بمشاهَدة الكعبة، كأنْ يكونَ مِن أهل مكة، والمقصود بقولنا: ((أو اجتهاد))؛ أي: كأنْ يكونُ له معرفة بتحديد الاتِّجاه بالأمَارات والأدِلَّة.
ويُستدَلُّ على القِبْلَة أيضًا بالدلائلِ التي تَعارَفَ عليها الناسُ كبِناء المحاريبِ التي قد بُنِيَتْ في المساجِد[13]، أو بالنجوم لمَن له خِبْرة بذلك، أو بالشمس والقمر ومنازلهما لمَن له خِبْرة بذلك، وممَّا يُستدلُّ به الآن (البُوصلة).
(2) إذا اجتهَدَ اثنانِ مُجتهدانِ، فاختلفَا في جِهةِ القِبْلَة، لم يتبعْ كلٌّ منهما الآخَر، بل يُصلِّي كلٌّ منهما حيثُ أدَّاهُ اجتهاده، واختلف العلماءُ: هل يَجُوز لهما أنْ يُصلِّيَا جماعةً مع اختلاف كلٍّ منهما في اتِّجاه قِبلته؟ هناك قوَْلاَن (قوْلٌ يقولُ بجَوَاز ذلك وقوْلٌ يقولُ بعدم جَوَازه)، ورَجَّحَ الشيخ ابن عُثَيْمِين جَوَازَه[14]، ويُلاحَظ أنه إذا كانَ مع المجتهدِين رَجُلٌ مُقلِِّد فعليهِ أنْ يتَّبع الأوْثقَ عندَه.
(3) إذا صَلّى بغيرِ اجتهاد أو بغير أنْ يُقلِّد مَنْ يَثِقُ به، ثم أخطأ (أي عَلِمَ بعد ذلك أنه قد صَلّى في غيرِ اتجاه القِبْلَة) فإنه يُعِيد الصلاة، أمّا إنْ أصابَ (أي عَلِمَ بعد ذلك أنه قد صَلّى في نفس اتجاه القِبْلَة) فإنه لا يُعِيد الصلاة.
ومِثالُ ذلك: (رَجُلٌ سَكَنَ في مَسكَن جديد، وقد فاتَتْهُ صلاة الظهر مع الجماعة، وكانَ لا يَعلم اتجاه القِبْلَة في هذا المَسكَن الجديد، ولا يَعلمُ أيضاً كيف يجتهد ليعرف اتجاه القِبْلَة، فصََلّى الظهر منفرداً بغير اجتهاد، ثم عندما نزل ليصلي العصر في المسجد مع الجماعة تبينَ له أنه قد صَلّى الظهر في غيرِ اتجاه القِبْلَة، ففي هذه الحالة لابد أنْ يُعِيد الظهر، لأنه كانَ مِن الممكن أنْ يَنزل مِن مَسكَنه ليسأل أحد المسلمين في هذه المنطقة عن اتجاه القِبْلَة).
(4) إذا صَلّى باجتهادٍ فأخْبَرَهُ شخصٌ ثِقةٌ عن يَقِين أنَّه مُخطئ، استدارَ وأتمَّ صلاته (يعني لا يُعِيدُها مِن أولها بل يُكمل صلاته من حيثُ استدار)، وأمَّا إنْ أخْبَرَه هذا الشخص الثقة عن اجتهادٍ منه وليس عن يقين، فإنه لا يَلزَمُهُ متابعتُه لأنه قد اجتهدَ مثله [15].
وكذلك إذا تبيَّنَ له أثناءَ الصلاة أنه قد أخطأ، استدارَ إلى الجِهة التي رأى أنَّها هي الصحيحة، وأتَمَّ صلاتَه.
(5) إذا اجتهد في بعضِ الصلوات وصَلّى على اجتهادِه، ثم شكَّ في اجتهادِه، فعليه الاجتهاد مرَّةً أخرى، ولا يَلْزمه إعادةُ الصلوات الماضية، حتى لو ثبَت أنَّ اجتهادَه الثاني يُخالِف الأوَّل.
(6) هناك حالاتٌ يَجُوز فيها عدمُ استقبال القِبْلَة:
منها العاجز: كمريضٍ لا يَستطيع الحرَكة، وليس عندَه مَن يُوَجْهه إلى القِبْلَة؛ لقوله تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: 16].
ومنها: عندَ اشتدادِ الخوف؛ لقوله تعالى: ( فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا ) [البقرة: 239]، قال ابنُ عمر - رضي الله عنهما -: "فإنْ كانَ خوفٌ أشدّ مِن ذلك صلَّوْا قِيامًا على أقدامِهم أو رُكبانًا، مستقبلِي القِبْلَة أو غيرَ مستقبليها))، قال نافِع (راوي الحديث) "ولا أرى ابنَ عمر ذكَر ذلك إلا عن رسولِ الله - صَلّى الله عليه وسلَّم -" (16)
قال الشيخُ ابنُ عُثَيْمِين - رحمه الله -: "لو هرَبَ الإنسانُ مِن عدوٍّ، أو مِن سَيْل، أو مِن حريق، أو مِن زلازل، وما أشْبَه ذلك، فإنَّه قد سقَطَ عنه استقبالُ القِبْلَة" (17)
وفي كلِّ ما سَبَق إنْ أمكْنَه استقبالُها استقبلََهَا.
وكذلك المُتَنَفّل (الذي يُصَلّي النافلة على الراحلة (سيارة أو غير ذلك) يَجُوز له عدمُ استقبال القِبْلَة، لكنَّه يَستقبل القِبْلَة عند تكبيرةِ الإحرام إنِ استطاع، فإذا لم يَتمكَّن مِن تكبيرةِ الإحرام تُجاهَ القِبْلَة فإنه يُكَبَّر حيثما تيَسَّرَ له، ويُومِئ في السجودِ والركوع (يعني ينحني عند الركوع والسجود، بحيث يكون انحنائه عند السجود أكثر قليلاً من انحنائه عند الركوع).
"التلخيص على مسؤولية الكاتب"
[1] مُختَصَرَة من كتاب (تمام المِنّة في فِقه الكتاب وصحيح السُنّة) لفضيلة الشيخ عادل العزّازي أثابه الله لمن أراد الرجوع للأدلة والترجيح، وأما الكلام الذي تحته خط أثناء الشرح من توضيحٍ أو تعليقٍ أو إضافةٍ أوغير ذلك فهو من كلامي (أبو أحمد المصري)، وقد تمَّ مراجعة المُلَخَّص من أحد تلاميذ الشيخ عادل.
[2] وقد تقدَّم بيان مواقيت الصلاة.
[3] راجع ملخص أحكام الغسل والوضوء.
[4] انظر: "نيل الأوطار" (2 /119)، ونقل النووي عنه - أي: عن الشافعي - قولاً ثالثًا وهو: لا تصحُّ صلاتُه، سواء علِم أو جهِل أو نَسِي.
[5] ومِن العلماء مَن يرى الصلاة بها مع الإعادة، ومنهم مَن يرى أن يُصلِّي عريانًا، ولكن الأرجحُ ما ذكرتُه؛ لأنَّه لا يُؤمَر بصلاة مرَّتين، ولأنَّ صلاته عريانًا أقبحُ مِن صلاته وعليه نجاسة، وقد علمتَ اختلافَ العلماء في حُكْم إزالتها، وقد ذهب بعضُ العلماء إلى أنها ليستْ بشرط، بخلافِ ستْر العَوْرَة فهي شَرْطٌ إجماعًا.
[6] من كتاب "الشرح الممتع" (2 /179).
[7] المجموع (3 /164).
[8] صحيح: أبو داود (4017)، والترمذي (2769)، وحسَّنه، وابن ماجه (1920)، وأحمد (5 /3-4)، والحاكم (4 /179)، وصحَّحه ووافَقه الذهبي.
[9] صحيح: رواه الترمذي (1173)، وابن خزيمة (1685)، وابن حبَّانَ (5598)، وانظر: "صحيح الجامع" (6690).
[10] حسن: رواه أبو داود (641)، والترمذي (377)، وابن ماجه (655).
[11] انظر "المجموع" (3 /172).
[12] البخاري (359)، ومسلم (516)، وأبو داود (626)، والنسائي (1 /125).
[13] ولا يَعْني هذا صحَّة بِناء هذه التجاويف التي يُقال عنها محاريب، بل بناؤها مِنَ البدع.
[14] "الشرح الممتع" (2 /277).
[15] انظر المغني (1 /448-449).
[16] البخاري (4535).
[17] "الشرح الممتع" (2 /258).
رامى حنفى محمود
شبكة الالوكة
من المختصر البسيط لكتاب تمام المنة
في فقه الكتاب وصحيح السنة
لفضيلة الشيخ عادل العزازي أثابه الله(1)
معنى الشَّرْط:
اعلم - رَحِمَكَ الله - أنّه إذا لم يتحقَّقِ الشرط، فإنَّ العمل لا يَقعُ صحيحًا، فإذا قُلْنا مَثَلاً:(إنَّ الطهارةَ شرْطٌ لصِحَّة الصلاة)، فإنَّه يَجب وجودُ هذا الشرط مِن بدءِ الصلاة إلى انتهائِها، فإذا انتُقِضَتْ الطهارةَ بَطُلََتْ صلاته وعليه الإعادة.
أما عن شروط صِحَّة الصلاة فهي:
أولاً: العِلم بدخُول وقتِ الصلاة:
فلا تصِحُّ صلاتُه إلا إذا تيقَّن أو غَلََبَ على ظنِّه دخولُ الوقت، سواء كان ذلك باجتهادِه، أو أخبَرَهُ شخصٌ ثِقة (يعني مَشهُود له بالخِبرة والعَدَالة)، أو نحو ذلك[2].
ثانيًا: الطهارة مِن الحَدَث الأصغر والأكبر:
وقد أجْمَعَ العلماء على أنَّ الطهارة مِن الحَدَث الأصغر والأكبر شَرْطٌ لصِحَّة الصلاةِ[3].
ثالثًا: طهارة الثوْب والبَدَن والمكان مِن النجاسة:
وقد اختلف العلماء في حُكْم هذه الطهارة، فقد ذهَب الأكثرون إلى أنَّها شرْط لصِحَّة الصلاةِ، وهو مذهبُ الشافعية والحنابلة والحنفيَّة، وعن مالكٍ قولان: أحدهما: إزالة النجاسة سُنَّة وليستْ بفرض، وثانيهما: أنَّها فرْض مع الذِّكْر، ساقطة مع النِّسيان، وقديم قوْلَي الشافعي: أنَّ إزالة النجاسةِ غيرُ شرْط[4].
وذهب الشَوْكانِي إلى أنَّ إزالة النجاسة (واجبة)، وليستْ (شَرْطًا)، والفرْق بينهما: أنَّها لو كانت واجبة، ثم صَلّى وعليه نجاسةٌ كان تاركًا لواجبٍ، ولا تبطُل صلاتُه، بخلاف ما لو كانتْ شرْطًا، فإنَّه يجب عليه الإعادة، وممَّا استدلَّ به الشَوْكانِي أنَّ النبي - صَلّى الله عليه وسلَّم - حينما خلع نَعليْهِ أثناء الصلاة - بعد أن أخبره جبريل عليه السلام أنَّ بهما نجاسة - لم يُعِدِ الصلاة، بل أتَمَّها، ولو كانت شرطًا لأعادَ الصلاة.
ملاحظات:
(1) إذا صَلّى في الثوْب المتنجِّس - (أي: الثوْب الذي عليه نجاسة) - عالمًا بوجودِ هذه النجاسة عليه، أعادَ الصلاة على قولِ الأكثرين (الذين يقولون بأنَّ إزالة النجاسة شرط)، وأمَّا إنْ كان جاهلاً بها أو ناسيًا، صحَّتْ صلاتُه، ويلحق بذلك مَن كان لا يجد إلا هذا الثوْب المتنجِّس، فإنَّه يُصلِّي به ولا إعادةَ عليه[5]، فإنْ عَلِمَ بالنجاسة أثناءَ الصلاة، وأمكَنَهُ إزالتُها أزالَها، وإنْ لم يمكنه إزالتُها بطلَتْ صلاتُه على رأيِ مَن يقول بالشرطية، وصحَّتْ صلاتُه على رأي مَن يقول بالوجوب.
(2) إذا لم يتمكَّن مِن الصلاةِ إلا في مكانٍ نجس - كمَن حُبِس فيه مثلاً- صَلّى ولا إعادةَ عليه، وطريقة صلاتِه في المكان النجِس: أنَّ النجاسة لو كانتْ يابسةً صَلّى كالعادة، وإنْ كانت رطبةً صَلّى قاعدًا على قدميه حتى لا يتلوَّث بالنجاسة[6]، والأصلُ في ذلك قولُه تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن: 16]، فعليه أنْ يتجنَّبَ النجاسةَ على قدْر ما يستطيع، ويُومِئ عندَ السجود (يعني ينحنِي بدون أنْ تمس جبهته الأرض)؛ حتى لا يُباشِر النجاسة.
(3) لو جَهِلَ مَوضِع النجاسة مِنَ الثوب تحرَّى مَوضِعَهَا، فإنْ لم يَغلُبْ على ظنِّه وَجَبَ عليه غسْلُ الثوب كلِّه.
(4) مَن اشتبهَ عليه الثوبُ الطاهِر بالثوْبِ النَّجِس (كأنْ يكونُ عندَه ثوبان يشبه أحدُهُما الآخر، وقد تبوَّّّلَ طِفلُهُ على أحَدِهِما، فاختلطَ عليه الأمر: هل الطفل تبوَّّّلَ على هذا أم ذاك؟)فإنه يتحرَّى على حسبِ استطاعته، ثم يصَلّى في الطاهِر على الأغلبِ عندَه، فإنْ تغيَّر اجتهاده في صلاةٍ أخرى، صلاَّها على حسبِ اجتهاده الآخَر، ولا يَلزَمُهُ إعادة الأولى.
(5) لو حَمَل طِفلاً صغيرًا وهو في الصلاة صَحَّتْ صلاتُه، والراجح أنَّ مَلابسَهُم محمولةٌ على الطهارة ما لم نتيقَّن بوجود نجاسة؛ لأنَّ النبي - صَلّى الله عليه وسلَّم - صَلّى وهو يحمِل أُمَامَةَ بنت أبي العاص.
(6) إذا حَمَلَ عيِّنات [مِن بَوْلٍ وغائِط] أثناء الصلاة، (كَمَنْ أدرَكَتْهُ الصلاة وهو في طريقه إلى المَعمَل لتسليم هذه العينات فدَخَلَ المسجد وصَلّى بها) فهل تَصِحُّ صلاتُهُ؟ فيها قوْلان، والأَوْلى تجنُّب ذلك عندَ الصلاة.
(7) إذا صَلّى على حَصِير أو بسَاط عليه نَجاسةٌ، لكنَّه صَلّى على مَوضِع طاهِر منه صَحَّت صلاته، وكذلك لو صَلّى على سَرير قوائمُه على مكانٍ نجس.
(8) لو فَرَشَ على النجاسة شيئًا وصَلّى عليه صحَّت صلاتُه؛ لأنَّه غيرُ مباشِرٍ للنَّجاسة ولا حامِل لها.
(9) إذا أصابَ ثَوبَه أو بَدَنَهُ نجاسةٌ يابسة فنفضَها، ولم يبقَ شيءٌ منها وصَلّى، صحَّت صلاتُه بالإجماع.
(10) يَجُوز للمرأة أن تصلي في الثيابِ التي كانت تلبسها أثناء فترة حَيْضِها بلا كراهةٍ إذا لم يتحقَّقْ فيها نجاسَة، قالوا: "وتجوز في ثِيابِ الصِبيان والكفَّار والقصَّابين - (وهم الجزارين) - ومُدمِنِي الخمر وغيرهم، إذا لم يَتحقَّق نجاسَتها، لكن غيرها أوْلى"[7].
• • •
رابعًا: سَتر العَوْرَة: ويتعلَّق بها مسائل:
(أ) ما معنى العَوْرَة؟
قال أهلُ اللُّغة: سُمِّيت العَوْرَة - (بذلك الاسم) - لِقُبْح ظهورها، ولغضِّ الأبصار عنها، مأخوذةٌ مِن العَوَر، وهو النقصُ والعيب والقُبح، ومنه عَوَر العين، والكَلِمة العَوْرَاء معناها: القبيحة.
واعلم أنَّ العَوْرَة قِسمان: (عَوْرَة النظر) التي يَحرُمُ إبداؤها أمامَ الناس، و(عَوْرَة الصلاة)، والأفضل أنْ تُسمَّى (زينة الصلاة)، وسوف نبيِّن ذلك إنْ شاء اللهُ تعالى.
(ب) ما حُكْم سَتْر العَوْرَة؟
سَتْرُ العَوْرَة واجبٌ بالإجماع، والرَّاجِح وجوبُ سَتْرِها أيضًا في الخُلوَة، وقدْ ذمَّ الله المشركين؛ لأنَّهم كانوا يطوفون بالبيت وَهُم عُراةً، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُون ﴾ [الأعراف: 28]، قال ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - في تفسير هذه الآية: (كانوا يطوفون بالبيت عُراةً)، وعن بَهْزِ بن حَكيم عن أبيه عن جَدِّه قال: قلتُ: يا رسولَ الله، عَوراتنا ما نأتِي منها وما نَذَر؟ قال: ((احفظْ عورتَك إلا مِن زوجِك أو ما مَلَكَتْ يَمينُك))، قال: قلتُ: يا رسولَ الله، إذا كان القومُ بعضُهم في بعض؟ قال: ((إنِ استطعتَ ألاّ يَرَيَنَّها أحدٌ فلا يَرَيَنَّها))، قلتُ: يا رسولَ الله، إذا كان أحدُنا خاليًا؟ قال: ((اللهُ أحقُّ أنْ يَسْتحِي منه الناس))[8].
واعلم أنه يَجُوز كَشْف العَوْرَة للحاجةِ والضرورة، كحالةِ الاغتسال في الخُلوَة، ووقتَ قضاء الحاجَة، وإفضاء الرَجُل إلى أهله، وللطبيب والشاهِد والحاكِم، لكن يُراعى للمرأة كشفُها أمامَ الطبيب إذا لم تَجِدْ طبيبةً امرأة، واضطرتْ للطبيب الرَجُل، مع أمْن الخلوة (يعني لابد أنْ يكونَ معها أحد محارمِها البالغين)، وأنْ يكون التكشُّفُ على قدْرِ الضرورة.
(جـ) ما هي حُدود العَوْرَة؟
أولاً: عَوْرَة الرَجُل: اختلَف العلماءُ في عَوْرَة الرَجُل، وذلك بعدَ اتِّفاقهم على أنَّ السَوْءَتَيْن (القُبُل والدُّبُر) عَوْرَة، ولكنَّهم
اختلفوا:
هل الفَخِذان عَوْرَة أم لا؟
فذَهَب فريقٌ من العلماء إلى أنَّهما ليسَا بعَوْرَة، وذهَب فريقٌ آخَرُ مِن العلماء إلى أنَّ الفخِذيْن عَوْرَة، وهو الأرجَح؛ وهذا مذهب الأئمَّة الأربعة، وأمَّا السُرَّة والرُكبة، فليستَا من العَوْرَة.
ثانيًا: عَوْرَة المَرأة: ثبَت في الحديث: ((المَرأة عَوْرَة، فإذا خرجَتِ استشرفَها الشيطان))[9]، وقد اختلف العلماءُ في عَوْرَة المَرأة أمامَ الأجانب - (يعني أمامَ أيّ أحد غير مَحارمِهَا والنِّساء) - على قوْلَيْن، فمِنهم مَن يرى أنَّ جميعَ بَدَن المَرأة عَوْرَة، إلا الوَجْه والكفَّيْن، ومنهم مَن يرى أنَّ جميع بَدَن المَرأة عَوْرَة، ويجب عليها تغطيةُ الوَجْه والكفَّيْن أيضاً، وهذا هو الراجح مِن حيث الأدلَّة.
وأمَّا أمامَ مَحارمِهَا وأمام النِّساء مثلِها، فلها أنْ تكشِفَ عن مَوَاضِعِ الزينة الظاهرة كالعُنُق والسَاعدَيْن والقدمَيْن وشعر رأسها، ولا يَجُوز لها أنْ تكشِف عن صَدرِها وظهرِها وفخذِها، ونحو ذلك أمامَهم.
(د) زينة الرَجُل والمَرأة في الصلاة:
تَكلَّمنا عن عَوْرَة الرَجُل والمَرأة مِن حيث النظر، وأمَّا حُكْم العَوْرَة في الصلاة: فقدْ ذَهَب جمهورُ العلماء إلى أنَّ "سَتْر العَوْرَة شرْطٌ في صِحَّة الصلاة"، وقال بعضُ أصحابِ مالك: "سَتْر العَوْرَة واجبٌ وليس بشَرْط"، وهذا ما رَجَّحه الشَوْكانِي في "نَيْل الأوطار"، وقال أكثرُ المالكية: السُّترة - (يعني سَتْر العَوْرَة) - شرْطٌ مع الذِكْرِ والقُدرة عليها، فإنْ عجَز عن سَترها أو نَسِيَ الستر صَحََّتْ صلاته.
• واعلم أنَّ العلماء أطْلقوا على هذا الباب: (سَتر العَوْرَة)، ولكن الأَوْلى أنْ يُقال: (لباس الصلاة، أو زينة الصلاة)؛ لِقوْلِهِ تعالى: ﴿ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ [الأعراف: 31]، ولأنَّ السِّترَ المأمورَ به في الصلاة يختلف عن عَوْرَة النظر.
وقد تَقدَّم الكلامُ عن حدود عَوْرَة النَّظَر، وأما زِينة الصلاة، فهي على النحو الآتي:
أولاً: بالنسبة لزِينة الرَجُل في الصلاة:
يَجُوز للرجل أنْ يُصلِّي في ثوبٍ واحد (كأنْ يكون رجلاً فقيراً لا يمتلك إلا إزاراً فقط، مثل الذي يغطي به الرجال النصف الأسفل مِن جسدهم عند الإحرام بحَجٍ أوعُمرَة)، وهذا الثوبُ (يعني الإزار) إنْ كان واسعًا جعَل طرَفيْهِ على عاتِقيْه (يعني على كتفيْه) مُلتَحِفًا به، وإنْ كان ضيقًا جَعَلَهُ إزارًا فقط؛ أي: شَدَّهُ على وَسَطِه (مِن سُرَّتِهِ إلى ساقِه أو إلى كعبه)(وهذا في حالة الضرورة والفقر الشديد)، ولكنّ الأفضل للرَّجُل أنْ يُصلِّي في ثوبَيْن أحدُهُمَا يُغطِّي عَوْرَته، والثاني يكون على أعَالِيه(مثل الإزار والرداء الذيْن يُلبَسَان في الإحرام، وأيضاً مثل القميص والسروال).
ثانيًا: بالنسبة لزِينة المَرأة في الصلاة:
فقد قال رسولُ الله - صَلّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يَقْبَلُ اللهُ صلاةَ حائِضٍ إلا بخِمار))[10]، والمقصود بالحائِض: التي بلَغَتِ المَحِيض، فيُشترَط لها أنْ تَستُرَ بَدَنِها في الصلاة عدَا الوَجْه والكفِّيْن على رأيِ جمهور العلماء، ويَكفيها في ذلك الدِِرْع (وهو الجلباب) والخمار.ورَجَّح شيخُ الإسلام ابن تيمية أيضًا جوازَ كشْف القدمين، واعلم أن الأفضل للمرأةِ أن تُصلِّي في "خمار" (يَستر رأسها)، و"جلباب" (يستُر بَدَنَها)، ثم "مِلحَفة" (وهو ما يُعرَف بالإسدال) مِن رأسها فوقَ الخمار والجلباب، لأنّ ذلك أكمَل لها في الستر، وإن لم تستطع ذلك (كأنْ يكون الجو حاراً أو غير ذلك فيكفيها أنْ تلبس الخِمار والجلباب، وكذلك يَجُوز لها أنْ تلبس الإسدال فقط فوق ملابس البيت دون أن تلبس الخِمار والجلباب).
ملاحظات:
(1) مِن شروطِ سَتر العَوْرَة أنْ يَحُولَ الستر بين الناظر ولَونِ البَشَرة، فلا يَكفِي ثوبٌ رقيقٌ يُرى مِنْ ورائه سَوَادُ البشرة أو بياضُها.
(2) صلاة الرَجُل في البِِنطال (البنطلون) فيها كَرَاهةٌ إذا كانَ البِنطال ضَيِّقًا يَصِفُ البشَرة (يعني يُجَسِّد أعضاء المُصلي)، وإذا كانَ البِنطال شفافا (يعني يُرَى مِن ورائه سَوَادُ البشرة أو بياضُها) فهذا يَحرُمُ أنْ يصلَّي به، أما إذا كان البنطال واسعاً فهذا تجُوز الصلاة به، ولكن الأوْلَى والأكمَل في الزينة أنْ يَلبَس القميص (المعروف بالجلباب).
• وأمَّا عن صلاةِ المَرأة في البِنطال ففِيهِ سُوءُ أدَبٍ مع الله؛ لأنَّها مُتشبِّهة بالرِّجال، وقد عَلِمَتْ أنَّ رسولَ اللهِ صَلّى الله عليه وسلَّم لَعَنَ المُتشبهاتِ مِن النساء بالرِّجال،
وكيف لا تَنهاها صلاتُها عن الفحشاء والمُنكَر بهذا التبرَُّج الذي ابتُلِيَتْ به بلادُ الإسلام؟
فينبغي للمُصَلِّي أنْ يتخلَّق بالأخلاقِ والآداب التي تكون أدْعَى لقَبول العمل؛ إذ إنَّ هناك فرْقًا بين صِحَّة العمل مِن الناحية الفقهيَّة، وبينَ قَبُولِهِ عندَ الله، فرُبَّ عَمَل يَقع صحيحًا، لكنَّه غيرُ مقبول؛ لعدمِ مراعاة تقوَى الله عزَّ وجلَّ، هذا، وقدْ ذَهَبَ كثيرٌ من أهل العِلم إلى أنَّ الثِّياب إذا كانت مُحَرَّمة (كأنْ يُصلي الرَجُل بثياب مصنوعة من حَرير أو أنْ يُصلي في ثياب مَسرُوقة أو غير ذلك)، فإنَّ الصلاة تكونُ باطِلة، وهو رأي الظاهرية والحنابلة، والله أعلم.
(3) قال صاحب كتاب"المُهَذّب": "والمُستحَبُّ - للمَرأة - أنْ تُكثِّف جلبابَها؛ حتى لا يَصِف أعضاءَها - (يعني حتى لا يُجَسَِّد أعضاءَها) -، وتُجافِي المِلحَفةَ - (يعني تُبعِد الإسدال) - عنها في الرُّكوع والسجود؛ حتى لا تصِف ثِيابَها"[11]، والمقصود أنْ يكون ثوبُها كثيفًا لا يُجَسِّد أعضاءَها.
(4) تَصِحُّ الصلاةُ مِن الرَجُل وهو حَاسِرُ الرأس (يعني عاري الرأس، لا يَلْبَس العمامة أو القُلُنْسُوَة (وهي المعروفة بـ الطاقِيَّة) أو غير ذلك)، ولكن الأفضل أنْ يَلْبَس العِمامة لِكَمَالِ الزِّينة.
(5) يَجُوز للرَجُل أنْ يُصلِي في بيته بالثوب المعروف بـ (الفانِلَّة الحَمَّالاَت) ولكنْ مع الكَرَاهة، فأمَّا مِن حَيْثُ الجَوَاز فلِقوْل النبي - صَلّى الله عليه وسلَّم -: (لا يُصلِّينَّ أحدُكُم في الثوبِ الواحِد ليس على عاتِقيْه منه شيءٌ)[12]، و(الحَمَّالَة) تعتبرُ (شيئاً) على العاتِق، وأمَّا مِن حيث الكَرَاهة فلأنه لا يَرضَى أنْ يَسير في الطريق بهذا الثوب، ولا أنْ يستقبل ضيفه به، فكيف يَرضَى بأنْ يقف به أمام اللهِ تبارك وتعالى.
خامسًا: استقبال القِبْلَة:
والمقصود بالقِبْلَة: الكعْبة، ومعنى استقبال القِبْلَة: أنَّ مَنْ كانَ قريبًا من الكعبة فإنه يَجب عليه أن يتَّجِه إلى عَيْنِ الكعبة، بحيث يكونُ مستقبلاً عَيْن الكعبة بجميعِ بَدَنِه، وأمَّا مَنْ كانَ بعيدًا عن الكعبةِ، فيَكفِيه في ذلك استقبالُ جِهة الكعبة، فمَنْ كانَ في جِهة الشمال تكون قِبلتُه جِهة الجنوب؛ أي: ما بين المَشرِق والمغرِب.
ملاحظات:
(1) يُستدَلُّ على القِبْلَة إمَّا بالمشاهدة، أو بخَبَر شخص ثِقة (عن يقين، أو اجتهادٍ منه)، وسواء كانَ رَجُلاً، أو امرأة، والمقصودُ بقولنا: ((عن يقين))؛ أي: بمشاهَدة الكعبة، كأنْ يكونَ مِن أهل مكة، والمقصود بقولنا: ((أو اجتهاد))؛ أي: كأنْ يكونُ له معرفة بتحديد الاتِّجاه بالأمَارات والأدِلَّة.
ويُستدَلُّ على القِبْلَة أيضًا بالدلائلِ التي تَعارَفَ عليها الناسُ كبِناء المحاريبِ التي قد بُنِيَتْ في المساجِد[13]، أو بالنجوم لمَن له خِبْرة بذلك، أو بالشمس والقمر ومنازلهما لمَن له خِبْرة بذلك، وممَّا يُستدلُّ به الآن (البُوصلة).
(2) إذا اجتهَدَ اثنانِ مُجتهدانِ، فاختلفَا في جِهةِ القِبْلَة، لم يتبعْ كلٌّ منهما الآخَر، بل يُصلِّي كلٌّ منهما حيثُ أدَّاهُ اجتهاده، واختلف العلماءُ: هل يَجُوز لهما أنْ يُصلِّيَا جماعةً مع اختلاف كلٍّ منهما في اتِّجاه قِبلته؟ هناك قوَْلاَن (قوْلٌ يقولُ بجَوَاز ذلك وقوْلٌ يقولُ بعدم جَوَازه)، ورَجَّحَ الشيخ ابن عُثَيْمِين جَوَازَه[14]، ويُلاحَظ أنه إذا كانَ مع المجتهدِين رَجُلٌ مُقلِِّد فعليهِ أنْ يتَّبع الأوْثقَ عندَه.
(3) إذا صَلّى بغيرِ اجتهاد أو بغير أنْ يُقلِّد مَنْ يَثِقُ به، ثم أخطأ (أي عَلِمَ بعد ذلك أنه قد صَلّى في غيرِ اتجاه القِبْلَة) فإنه يُعِيد الصلاة، أمّا إنْ أصابَ (أي عَلِمَ بعد ذلك أنه قد صَلّى في نفس اتجاه القِبْلَة) فإنه لا يُعِيد الصلاة.
ومِثالُ ذلك: (رَجُلٌ سَكَنَ في مَسكَن جديد، وقد فاتَتْهُ صلاة الظهر مع الجماعة، وكانَ لا يَعلم اتجاه القِبْلَة في هذا المَسكَن الجديد، ولا يَعلمُ أيضاً كيف يجتهد ليعرف اتجاه القِبْلَة، فصََلّى الظهر منفرداً بغير اجتهاد، ثم عندما نزل ليصلي العصر في المسجد مع الجماعة تبينَ له أنه قد صَلّى الظهر في غيرِ اتجاه القِبْلَة، ففي هذه الحالة لابد أنْ يُعِيد الظهر، لأنه كانَ مِن الممكن أنْ يَنزل مِن مَسكَنه ليسأل أحد المسلمين في هذه المنطقة عن اتجاه القِبْلَة).
(4) إذا صَلّى باجتهادٍ فأخْبَرَهُ شخصٌ ثِقةٌ عن يَقِين أنَّه مُخطئ، استدارَ وأتمَّ صلاته (يعني لا يُعِيدُها مِن أولها بل يُكمل صلاته من حيثُ استدار)، وأمَّا إنْ أخْبَرَه هذا الشخص الثقة عن اجتهادٍ منه وليس عن يقين، فإنه لا يَلزَمُهُ متابعتُه لأنه قد اجتهدَ مثله [15].
وكذلك إذا تبيَّنَ له أثناءَ الصلاة أنه قد أخطأ، استدارَ إلى الجِهة التي رأى أنَّها هي الصحيحة، وأتَمَّ صلاتَه.
(5) إذا اجتهد في بعضِ الصلوات وصَلّى على اجتهادِه، ثم شكَّ في اجتهادِه، فعليه الاجتهاد مرَّةً أخرى، ولا يَلْزمه إعادةُ الصلوات الماضية، حتى لو ثبَت أنَّ اجتهادَه الثاني يُخالِف الأوَّل.
(6) هناك حالاتٌ يَجُوز فيها عدمُ استقبال القِبْلَة:
منها العاجز: كمريضٍ لا يَستطيع الحرَكة، وليس عندَه مَن يُوَجْهه إلى القِبْلَة؛ لقوله تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: 16].
ومنها: عندَ اشتدادِ الخوف؛ لقوله تعالى: ( فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا ) [البقرة: 239]، قال ابنُ عمر - رضي الله عنهما -: "فإنْ كانَ خوفٌ أشدّ مِن ذلك صلَّوْا قِيامًا على أقدامِهم أو رُكبانًا، مستقبلِي القِبْلَة أو غيرَ مستقبليها))، قال نافِع (راوي الحديث) "ولا أرى ابنَ عمر ذكَر ذلك إلا عن رسولِ الله - صَلّى الله عليه وسلَّم -" (16)
قال الشيخُ ابنُ عُثَيْمِين - رحمه الله -: "لو هرَبَ الإنسانُ مِن عدوٍّ، أو مِن سَيْل، أو مِن حريق، أو مِن زلازل، وما أشْبَه ذلك، فإنَّه قد سقَطَ عنه استقبالُ القِبْلَة" (17)
وفي كلِّ ما سَبَق إنْ أمكْنَه استقبالُها استقبلََهَا.
وكذلك المُتَنَفّل (الذي يُصَلّي النافلة على الراحلة (سيارة أو غير ذلك) يَجُوز له عدمُ استقبال القِبْلَة، لكنَّه يَستقبل القِبْلَة عند تكبيرةِ الإحرام إنِ استطاع، فإذا لم يَتمكَّن مِن تكبيرةِ الإحرام تُجاهَ القِبْلَة فإنه يُكَبَّر حيثما تيَسَّرَ له، ويُومِئ في السجودِ والركوع (يعني ينحني عند الركوع والسجود، بحيث يكون انحنائه عند السجود أكثر قليلاً من انحنائه عند الركوع).
"التلخيص على مسؤولية الكاتب"
[1] مُختَصَرَة من كتاب (تمام المِنّة في فِقه الكتاب وصحيح السُنّة) لفضيلة الشيخ عادل العزّازي أثابه الله لمن أراد الرجوع للأدلة والترجيح، وأما الكلام الذي تحته خط أثناء الشرح من توضيحٍ أو تعليقٍ أو إضافةٍ أوغير ذلك فهو من كلامي (أبو أحمد المصري)، وقد تمَّ مراجعة المُلَخَّص من أحد تلاميذ الشيخ عادل.
[2] وقد تقدَّم بيان مواقيت الصلاة.
[3] راجع ملخص أحكام الغسل والوضوء.
[4] انظر: "نيل الأوطار" (2 /119)، ونقل النووي عنه - أي: عن الشافعي - قولاً ثالثًا وهو: لا تصحُّ صلاتُه، سواء علِم أو جهِل أو نَسِي.
[5] ومِن العلماء مَن يرى الصلاة بها مع الإعادة، ومنهم مَن يرى أن يُصلِّي عريانًا، ولكن الأرجحُ ما ذكرتُه؛ لأنَّه لا يُؤمَر بصلاة مرَّتين، ولأنَّ صلاته عريانًا أقبحُ مِن صلاته وعليه نجاسة، وقد علمتَ اختلافَ العلماء في حُكْم إزالتها، وقد ذهب بعضُ العلماء إلى أنها ليستْ بشرط، بخلافِ ستْر العَوْرَة فهي شَرْطٌ إجماعًا.
[6] من كتاب "الشرح الممتع" (2 /179).
[7] المجموع (3 /164).
[8] صحيح: أبو داود (4017)، والترمذي (2769)، وحسَّنه، وابن ماجه (1920)، وأحمد (5 /3-4)، والحاكم (4 /179)، وصحَّحه ووافَقه الذهبي.
[9] صحيح: رواه الترمذي (1173)، وابن خزيمة (1685)، وابن حبَّانَ (5598)، وانظر: "صحيح الجامع" (6690).
[10] حسن: رواه أبو داود (641)، والترمذي (377)، وابن ماجه (655).
[11] انظر "المجموع" (3 /172).
[12] البخاري (359)، ومسلم (516)، وأبو داود (626)، والنسائي (1 /125).
[13] ولا يَعْني هذا صحَّة بِناء هذه التجاويف التي يُقال عنها محاريب، بل بناؤها مِنَ البدع.
[14] "الشرح الممتع" (2 /277).
[15] انظر المغني (1 /448-449).
[16] البخاري (4535).
[17] "الشرح الممتع" (2 /258).
رامى حنفى محمود
شبكة الالوكة