فصل الخطاب في بيان عقيدة الشيخ محمد بن عبدالوهاب كما وردت في كتبه و رسائله و فتاواه |
الدكتور أحمد بن عبدالكريم نجيب |
تـوطئـة الحمد الله القائل (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)، والصلاة والسلام على المبعوث بالحجج الناصعة والآيات البينات. فمن باب قوله تعالى: ( وإذا قلتم فاعدلوا) أكتب هذه الرسالة… وتذكيراً بقوله عزّ شأنه: ( ولا يجرمنكم شنآنُ قوم على أن لاتعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) أسطرُ هذه الكلمات نصحاً، وبياناً، وتوجيهاً … وخاصة لما رأيت كثرة من يتجنى على الشيخ محمد بن عبدالوهاب وعقيدته، ومنهجه.. ثم إني، تساءلتُ: أما آن لهذا المصلح أن ينصف؟! ومن آخر هذا التجني، أن وقفتُ أخيراً على كتابات تقطر سماً في دعوة الشيخ، فتعده مشبوهاً ومتستراً وعميلاً للاستعمار و..!! ويزعمون أن دعوة الشيخ وعقيدته، قائمة على أساس تكفير المذاهب والفرق الإسلامية، وزرع التفرقة بين المسلمين، وتشويه سمعة الإسلام وتعاليمه السمحة، وسحق آثارا لوحي والرسالة!! فهل دارت هذه الأسس في خلد الشيخ لحظة؟ أم أنها من نسج الخيال وصنائع الأفاكين؟ وهل كان الشيخ يأمر كل من ينخدع بدعوته - كما زعموا - أن يتقدم إليه بالبيعة ويوجب قتل من رفض البيعة ؟ أكان الشيخ يبيح دماء وأموال من يرفض دعوته ؟! زعموا أيضاً أنه يدعو إلى توحيد خاطئ من صنع نفسه! لا التوحيد الذين نادى به القرآن الكريم، فمن خضع له ولتوحيده، سلمت نفسه وأمواله، ومن أبى فهو كافر حربي، ودمه وماله هدر!! إلى غير ذلك مما يقوله الحاقدون على الشيخ ودعوته. وهذا كله عين الكذب، ومحض الافتراء، وكتاباته كلها، ومؤلفاته جميعها تشهد بأن هذا الشيخ - رحمه الله - إمام من أئمة الدعوة إلى الكتاب والسنة؛ وأنه كان يدعو إلى الإسلام ولا شيء سوى الإسلام، ويشحذ همم تلاميذه لطلب العلم الصحيح، فيقول: " إن أشكل عليك شيء، فسفرك إلى المغرب في طلبه غير كثير" ، ثم يواسي تلاميذه بما ينقله عن الفضيل بن عياض رحمه الله، حيث يقول: "لاتستوحش من الحق لقلة السالكين، ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين" . والشيخ رحمه الله يقول: "عقيدتي وديني الذي أدين الله به، مذهب أهل السنة والجماعة، الذي عليه أئمة المسلمين" . فأي الفريقين أسلم، وأي السبيلين أحكم؟!. لقد واجه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، حملة شعواء كهذه من قبل، ولكنه بين عقيدته في رسائل إلى أهل الآفاق تميط اللثام، وترفع اللبس والإشكال… فكتب "الحموية" لأهل حماة، و "التدمرية" لأهل تدمر، و "الواسطية" لأهل واسط، ورسائل أخر… وقد نحا شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله المنحى ذاته في كشف اللبس وإزالة الغموض عن عقيدته، فكتب رسائل وألقى خطباً، وبثّ فتاوى تناقلها أهل الحق حتى عمت الآفاق، ولما كان الوقوف على أقواله وآرائه العقدية أمراً ذا بال عند كل طالب علم مخلص، ليدرأ بها الشبه، ويميز الحق من الباطل، وينفي الزغل عن عقيدة (مصلح مظلوم ومفترى عليه) فقد عقدتُ العزم على استخلاص الزبد، وجمع مسائل العقيدة في سفر مفرد، فطفقت أجمع تصانيف الشيخ ومؤلفاته، حتى طالت يدي اثني عشر مجلداً ضخماً جمع فيها أهل العلم النقاد الأفذاذ مؤلفات الشيخ كاملة ، فغصت في أعماقها، والتقطتُ من جواهرها ولآلئها ماقرت به عيناي، وسكنت له نفسي … ثم جمعتها في هذا السفر على الإيجاز، ولم أورد شيئاً من أدلتها خوف الإطالة والتشعب، وعزوتها إلى مظانها في مؤلفات الشيخ المطبوعة، وصدرتها بعناوين فرعية تدنيها من النوال، واقتصرت على كلام الشيخ دون زيادة أو نقصان إلا فيما مست إليه الحاجة كاستعمال أدوات الربط بين الفقرات، وربما قدمتُ وأخرتُ أو رتبتُ وآلفتُ بينها. وإني إذ أدفع به إلى المكتبة الإسلامية لأرجو أن يجد فيه طالب العلم ضالته، فيذكرني والشيخ بدعوة صالحة بظهر الغيب. هذا، وقد سميته "فصل الخطاب في بيان عقيدة الشيخ محمد بن عبدالوهاب" آملاً أن يكون قطرة في بحر العلم الزاخر، وومضة ضياء تزيد الحق وضوحاً وجلاء، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان، وأستغفر الله من ذلك.وكتـب أحمد بن عبدالكريم نجيب حلب الشهباء في 23 رمضان 1414هـ 5 آذار 1994 م مقتطفات من سيرة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله ولد الشيخ محمد بن عبدالوهاب بن سليمان التميمي، في بلدة العيينَة عام (1115هـ)، في بيت علم وتقى، وتعلم القرآن وحفظه قبل البلوغ، وكان حاد الفهم، وقَّاد الذهن، ذكي القلب، وسريع الحفظ. وكان والده آنذاك، قاضي العيينة، فقرأ الشيخ على أبيه الفقه، وكان كثير المطالعة في كتب التفسير والحديث، وكلام العلماء في أصل الإسلام. لقد زوجه والده بعد البلوغ مباشرة، ثم طلب من أبيه الحج إلى بيت الله الحرام، فأذن له فحج، وقصد المدينة وأقام فيها شهرين، ثم رجع بعد ذلك إلى أبيه في العُيينة، وأخذ يدرس الفقه على مذهب الإمام أحمد، على والده. وكانت نجد - والشيخ في مقتبل عمره - تغص بالمنكرات، وكان الشرك آنذاك قد فشا فيها، وكثر الاعتقاد في الأشجار والأحجار والقبور، وغير ذلك من الشرك الأكبر والأصغر. وعزم الشيخ على مقاومة هذه المظاهر الجاهلية، من شرك وخرافة وبدع، وأخذ يعمل على نشر الكتاب والسنة، وسيرة السلف الصالحين، ولذلك قرر أن يرتحل من بلدة العيينة، يطلب العلم والنصرة، وإعداد العدة من النور والحكمة، ولعله يجد من يساعده على ماعرف من دين الإسلام. وخلاصة ماذكره المؤرخون، وأهل التحقيق، أن الشيخ رحل إلى خارج وطنه، لطلب العلم، ثم إلى الحجاز، ثم إلى البصرة، وإلى الأحساء، ثم البصرة أيضاً، والزبير، ثم إلى الحجاز، ولم يتمكن من الرحلة إلى الشام، وعاد إلى نجد يدعوهم إلى التوحيد. وكانت عودته من المدينة إلى حريملاء، حيث كان والده قد انتقل إليها من العيينة، وتولى والده القضاء في حريملاء، وأقام الشيخ محمد بعد عودته من رحلته العلمية يدعو إلى التوحيد، ويبين بطلان دعاء غير الله، وما يترتب على غير ذلك من فساد في العقيدة، وخلل في الدين. ولما توفي والده عام (1153هـ)، أعلن الشيخ الدعوة إلى تصحيح العقائد السائدة بعقيدة السلف الصالح. ولم تكن حريملاء صالحة لأن تكون منطلقاً لدعوته، فانتقل منها عام (1155هـ) - تقريباً - إلى العيينة، فأظهر الله عقيدة السلف الصالح، وتولى الشيخ لنشرها، وتدريس العلوم النافعة، وتأليف الكتب الماتعة في أصول الإسلام وفروعه. كانت وفاة هذا العالم الفقيه المجدد محمد بن عبدالوهاب، عام (1206هـ)، ولم يخلف ديناراً ولا درهماً، ولم يوزع بين ورثته مالاً ولم يقسم، لكنه خلف لنا - رحمه الله -ثروة عظيمة من التراث العلمي، والمؤلفات النافعة، من ذلك: 1- كتاب التوحيد فيما يجب من حق الله على العبيد. 2- كتاب كشف الشبهات. 3- كتاب أصول الإيمان. 4- كتاب فضائل الإسلام. 5- كتاب فضائل القرآن. 6- كتاب السيرة المختصرة. 7- كتاب السيرة المطولة. 8- كتاب الرد على الرافضة. وغير ذلك مما هو موجود ضمن"مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب"في اثني عشر مجلداً.. رحم الله الشيخ وأجزل له المثوبة على تجديده لهذا الدين وتحرير المسلمين من ربقة الشرك وذل الإعراض عن رب العالمين آمين . الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، فصل وبين وقرر صراطاً مستقيماً ومنهجاً، ونصب ووضح من براهين معرفته وتوحيده سلطاناً مبيناً وحججاً، أحمده سبحانه حمد عبد جعل له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا. وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له، شهادة ترفع الصادقين إلى منازل المقربين درجا، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي وضع الله برسالته عن المكلفين آصاراً وأغلالاً وحرجاً . 1- بيان مجمل عقيدته رحمه الله أشهد الله ومن حضرني من الملائكة، وأشهدكم أني أعتقد ما اعتقدته الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة، وما عليه أئمة المسلمين من الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره وأنا والحمد لله متبع ولست بمبتدع . 2- قوله رحمه الله في الإيمان بالله وأعتقد أن الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان واعتقاد بالجنان ومحله بإجماع السلف القلب والجوارح جميعاً كما ذكر الله تعالى في سورة الأنفال وغيرها . والإيمان الذي في القلب والذي في الجوارح يزيد وينقص يزيد بالأعمال الصالحة وينقص بضدها، وهو بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لاإله إلا الله وأدناه إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان، وأركانه ستة: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره . والإيمان بالله هو أن تعتقد أن الله هو الإله المعبود (بحق) وحده دون من سواه، وتخلص جميع أنواع العبادة كلها لله، وتنفيها عن كل معبود سواه، وتحب أهل الإخلاص وتواليهم، وتبغض أهل الشرك وتعاديهم. ولا يحصل الإيمان لأحد حتى يكون هواه تبعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وللإيمان حلاوة قد يجدها الإنسان وقد لايجدها، وهو يتجزأ، ولا يلزم إذا ذهب بعضه أن يذهب كله، ونفيه لايدل على الخروج من الإسلام. 3- قوله رحمه الله في كلمة التوحيد وحق الله على العبيد إنها - أي كلمة التوحيد - العروة الوثقى، وكلمة التقوى، لايقبل الله من أحد عملاً إلا بها، لاصلاة، ولا صوماً، ولا حجاً، ولا صدقة، ولا من جميع الأعمال الصالحة، إلا بمعرفتها والعمل بها فحقيقة لاإله غلا الله هي إفراده بجميع العبادات وتخصيصه بالقصد والإرادات، ونفيها عما سواه من جميع المعبودات، التي نفتها لاإله إلا الله، وذلك هو الكفر بالطاغوت والإيمان بالله الذي لايبقي في القلب شيئاً لغير الله، ولله إرادة لما حرم الله، ولا كراهة لما به أمر الله. فالمراد من هذه الكلمة هو إفراد الله بالتعلق والكفر بما يعبد من دونه والبراءة منه، والمراد منها معناها لامجرد لفظها. ومعناها نفي وإثبات، إثبات، إثبات الألوهية كلها لله وحده، ونفيها عن الأنبياء والصالحين وغيرهم. و (لا) هذه النافية للجنس تنفي جميع الآلهة، و (إلا) حرف استثناء يفيد حصر جميع العبادة على الله عز وجل، و (الإله) اسم صفة لكل معبود بحق أو باطل ثم غلب على المعبود بحق وهو الله تعالى، وهو الذي يخلق ويزرق ويدبر الأمور، و (التأله) التعبد، فمن أخلص العبادات لله ولم يشرك فيها غيره فهو الذي شهد أن لاإله إلا الله ومن جعل فيها مع الله غيره فهو المشرك الجاحد لقول لاإله إلا الله. وليس التلفظ بها عاصماً للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لايدعو إلا الله وحده لاشريك له، بل لايحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله، فإن شك أو توقف لم يحرم ماله ودمه. وإن قالها (أي لاإله إلا الله) وفي قلبه من الإيمان مثقال ذرة فإنه يخرج من النار. 4- قوله رحمه الله في العلاقة بين الإيمان والإسلام إذا ذكر الإسلام وحده دخل فيه الإيمان، وكذلك الإيمان إذا أفراد فيدخل فيه الإسلام. وإذا ذكرا معاً، فالإسلام الأعمال الظاهرة والإيمان الأعمال الباطنة. والإيمان أعلى من الإسلام، فيخرج الإنسان من الإيمان إلى الإسلام، ولا يخرجه من الإسلام إلا الكفر. وحقيقة الأمر أن الإيمان يستلزم الإنسان قطعاً، وأما الإسلام فقد يستلزمه وقد لايستلزمه. 5- قوله رحمه الله في الإسلام الإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله. وأصله وقاعدته أمران. الأول: الأمر بعبادة الله وحده لاشريك له، والتحريض على ذلك والموالاة فيه، وتكفير من تركه. والثاني: الإنذار عن الشرك في عبادة الله، والتغليظ في ذلك، والمعاداة فيه وتكفير من فعله. وهو مبني على خمسة أركان. تضمن كل ركن علماً وعملاً فرضاً على كل ذكروأنثى فأهمها وأولاها الشهادتان، وما تضمنتا من النفي والإثبات من حق الله على عبيده ومن حق الرسالة على الأمة ثم الأركان الأربعة إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام. ونواقص الإسلام عشرة: الأول: الشرك في عبادة الله وحده لاشريك له، ومنه الذبح لغير الله كمن يذبح للجن أو القبر أو القباب. الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائل يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم كفر إجماعاً. الثالث: من لم يكفر المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم كفر (إجماعاً). الرابع: من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه. أو أن حكم غيره أحسن من حكمه كالذي يفضل حكم الطاغوت على حكمه فهو كافر. الخامس: من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به كفرإجماعاً. السادس: من استهزأ بشيء (من دين الرسول صلى الله عليه وسلم (أو ثواب الله) ، أو عقابه كفر. السابع: السحر ومنه الصرف والعطف، فمن فعله أو رضي به كفر. الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين. التاسع: من اعتقد أن بعض الناس [ لايجب عليه اتباعه صلى الله عليه وسلم ] . وأنه يسعه الخروج من شريعته كما وسع الخضر الخروج من شريعة موسى عليه السلام فهو كافر. العاشر: الإعراض عن دين الله لايتعلمه ولا يعمل به. ولا فرق في جميع هذه النواقص بين الهازل والجاد والخائف إلا المكره، وكلها من أعظم مايكون خطراً، ومن أكثر مايكون وقوعاً، فينبغي للمسلم أن يحذرها ويخاف منها على نفسه. 6- قوله رحمه الله في التوحيد التوحيد هو إفراد الله سبحانه بالعبادة، وهو دين الرسل الذين أرسلهم الله إلى عباده، وهو أول واجب على كل ذكر وأنثى، وهو أعظم ماأمر الله به، ولا خلاف أن التوحيد لابد أن يكون بالقلب واللسان والعمل، فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلماً، فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند كفرعون وإبليس وأمثالهما، وإن عمل بالتوحيد ظاهراً، وهو لايفهمه أو لايعتقده بقلبه فهو منافق، وهو شرمن الكافر الخالص. والبحث عن مسائل التوحيد وتعلمها فرض لازم على العالم والجاهل والمحرم والمحل والذكر والأنثى. [ وهو ثلاثة أنواع: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات] . 7-قوله رحمه الله في توحيد الربوبية توحيد الربوبية هو أن الله سبحانه متفرد بالخلق والتدبير عن الملائكة والأنبياء وغيرهم، فلا يخلق ولا يرزق ولا يحيى ولا يميت ولا يدبر الأمور إلا الله وحده. وهو: فعل الرب، مثل الخلق والرزق والإحياء والإماتة وإنزال المطر وإنبات النبات وتدبير الأمور. وهذا - أي الإقرار بالربوبية - حق لابد منه، لكن لايدخل الرجل في الإسلام [ و ] أكثر الناس مقرون به، وأعظم الكفار كفراً الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهدون به ولم يدخلهم في الإسلام قال تعالى: (قل من يرزقكم من السماء والأرض أمَّن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون). سورة يونس: 31. أما الصبر والرضاء والتسليم والتوكل والإنابة والتفويض والمحبة والخوف والرجاء فمن نتائج توحيد الربوبية، وقد تصدر الإنابة والتوكل من عابد الوثن بسبب معرفته الربوبية. 8- قوله رحمه الله في توحيد الألوهية الذي يدخل الرجل في الإسلام هو توحيد الألوهية، وهو معك أيها العبد مثل الدعاء والخوف والرجاء والتوكل والإنابة والرغبة والرهبة والنذر والاستغاثة وغير ذلك من أنواع العبادة، فلا يدعى ولا يرجى إلا الله وحده لاشريك له ولا يستغاث بغيره ولا يذبح لغيره ولا ينذر لغيره لالملك مقرب ولا لنبي مرسل، ومن أشرك مخلوقاً فيها - أي في العبادة - من ملك مقرب أو نبي مرسل، أو ولي، أو صحابي وغيره، أو صاحب قبر، أو جني أو غيره، أو استغاث به، أو استعان به فيما لايطلب إلا من الله، أو نذر له أو ذبح له، أو توكل عليه أو رجاه أو دعاه دعاء استغاثة أو استعانة، أو جعله واسطة بينه وبين الله لقضاء حاجته أو لجلب نفع، أو كشف ضرب، فقد كفر كفر عباد الأصنام، وهم مخلدون في النار، وإن صاموا وصلوا وعملوا بطاعة الله الليل والنهار، وكذلك من ترشح بشيء من ذلك أو أحب من ترشح له، أو ذب عنه، أو جادل عنه، فقد أشرك شركاً لايغفر، ولا يقبل ولا تصح معه الأعمال الصالحة، ومن فعل ذلك في نبي من الأنبياء أو ولي من الأولياء فقد أشرك بالله، وذلك النبي أو الرجل الصالح بريء ممن أشرك به كتبرء عيسى من النصارى وموسى من اليهود. أما الاستغاثة بالمخلوق أي الحي فيما يقدر عليه فلا ننكرها، فمن أخلص العبادات لله ولم يشرك فيها غيره فهو الذي شهد أن لاإله إلا الله ومن جعل فيها مع الله غيره فهو المشرك الجاحد لقول لاإله إلا الله . ومن صرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله تعالى فقد اتخذه رباً وإلهاً وأشرك مع الله غيره. وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله كصرف جميعها لأنه سبحانه أغنى الشركاء عن الشرك ولا يقبل من العمل إلا ماكان خالصاً. و (الإله) في كلام العرب هو الذي يقصد للعبادة، وكانوا يقولون: إن الله سبحانه هو إله الآلهة، لكن يجعلون معه آلهة أخرى، مثل: الصالحين والملائكة وغيرهم، يقولون: إن الله يرضى هذا ويشفعون لنا عنده. وأما عبادته سبحانه بالإخلاص دائماً في الشدة والرخاء فهي نتيجة توحيد الألوهية، وكذلك الإيمان بالله واليوم الآخر، والإيمان بالكتب والرسل، وغير ذلك. 9- قوله رحمه الله في توحيد الله بأسمائه وصفاته لايستقيم توحيد الربوبية، ولا توحيد الألوهية إلا بالإقرار بالصفات، لكن الكفار أعقل ممن أنكر الصفات، وقد قرأت في كتب أهل العلم من السلف وأتباعهم من الخلف الإجماع على وجوب الإيمان بصفات الله تعالى، وتلقيها بالقبول، وأن من جحد شيئاً منها أو تأول شيئاً من النصوص قد افترى على الله وخالف إجماع أهل العلم. ومذهب أهل السلف أنهم لايتكلمون في هذا النوع إلا بما يتكلم الله به ورسوله، فما أثبته الله لنفسه أو أثبته رسوله أثبتوه مثل: الفوقية والاستواء والكلام والمجيء وغير ذلك. وما نفاه الله عن نفسه ونفاه عنه رسوله نفوه مثل المثل والند والسمي وغير ذلك، وأما مالا يوجد عن الله ورسوله إثباته ولا نفيه مثل الجوهر والجسم والعرض والجهة وغير ذلك فلا يثبتونه ولا ينفونه، فمن نفاه فهو عند أحمد والسلف مبتدع، ومن أثبته فهو عندهم مبتدع، والواجب عندهم السكوت عن هذا النوع اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وأعتقد بما وصف الله به نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، بل أعتقد أن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، وهو الله العلي العظيم القادر، الأول والآخر والباطن والظاهر، عالم الغيب والشهادة المطلع على السرائر والضمائر، خلق فقدر، ودبر فيسر، فكل عبد إلى ماقدر عليه وقضاه صائر، أحاط بكل شيء علماً وهو على كل شيء شهيد، فلا أنفي عنه ماوصف به نفسه، ولا أحرف الكلم عن مواضعه، ولا ألحد في أسمائه وآياته، ولا أكيف، ولا أمثل صفاته تعالى بصفات خلقه لأنه تعالى لاسميّ له، ولا كفؤ له، ولا ند له، ولا يقاس بخلقه، فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلاً وأحسن حديثاً، فنزه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل: وعما نفاه عنه النافون من أهل التحريف والتعطيل فقال: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون. وسلام على المرسلين. والحمد لله رب العالمين) ، الصافات: 180- 182 فنقول بإثبات الصفات خلافاً للمعطلة والأشعرية. ومعلوم أن التعطيل ضد التجسيم، وأهل هذا أعداء لأهل هذا والحق وسط بينهما. وقد جاء القرآن الكريم: بإثبات صفة الوجه وبالتصريح بذكر اليدين، وأن السماوات في اليد اليمنى والأرضين في الأخرى: وتسميتها الشمال وبإثبات صفة المكر لله، وهو أنه إذا عصاه أو أغضبه أنعم عليه بأشياء يظن بأنها من رضاه عليه، وبالتصريح بأن الله فوق العرش وبغيرها من الصفات. ومن جحد شيئاً من الأسماء والصفات فقد عدم الإيمان، وأما معنى قول السلف "أمروها كما جاءت": أي لاتتعرضوا لها بتفسير لاعلم لكم به. 10- قوله رحمه الله في وجوب إخلاص الدين لله راس الأمر عندنا وأساسه إخلاص الدين لله، نقول: مايدعى إلا الله ولا ينذر إلا لله، ولا يذبح القربان إلا لله، ولا يخاف خوف الله إلا من الله فمن جعل من ذلك شيئاً لغير الله، فنقول: هذا الشرك بالله. وإن الله سبحانه بعث محمداً صلى الله عليه وسلم لإخلاص الدين لله، وألا يجعل معه أحدٌ في العبادة والتاله، لاملك، ولا نبي، ولا قبر، ولا حجر، ولا شجر، ولا غير ذلك، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإخلاص وأخبر انه دين الله الذي أرسل به جميع الرسل، وأنه لايقبل من الأعمال إلا الخالص. 11- قوله رحمه الله في الإحسان الإحسان ركن واحد، وهو أن تعبدا، كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. 12- قوله رحمه الله في القرآن الكريم وأعتقد أن القرآن كلام الله، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وأنه تكلم به حقيقة، وأنزله على عبده ورسوله وأمينه على وحيه، وسفيره بينه وبين عباده محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو كتابه الذي جعله تبياناً لكل شيء وهدى وبشرى للمسلمين، فلا يأتي صاحب باطل بحجة إلاو في القرآن ماينقضها ويبين بطلانها، وهو الهدى، فمن زعم أن القرآن لايقدر على الهدى منه إلا من بلغ رتبة الاجتهاد فقد كذب الله بخبره أنه هدى. وكلام الله وكلام رسوله، كله حق يصدق بعضه بعضاً والواجب على المؤمن أن يحسن الظن بكلام الله وكلام رسوله، ويقول كما أمر الله [ كل من عند ربنا ]، آل عمران : 7 فإذا تبين له الحق فليقل به وليعمل به، وإلا فليمسك وليقل: الله ورسوله أعلم(*)، فإن الله تعالى ابتلى الناس بالمتشابه كما ابتلاهم بالمحكم، ليعلم من يقف حيث وقفه الله، ومن يقول على الله بلا علم. والذي يسوغ لمثلنا هو طلبُ علم ماأنزله الله على رسوله، ورد ماتنازع فيه المسلمون إليه، فإن علمه الله شيئاً فليقل به وإلا فليمسك، ويقول: الله أعلم، ويجعله من العلم الذي لايعرفه. ومن اعتقد عدم صحة حفظ القرآن الكريم من الإسقاط واعتقد ماليس منه أنه منه فقد كفره. ومكذب القرآن كافر ليس له إلا السيف وضرب العنق، ومن هزل بشيء فيه ذكرا لله أو القرآن أو الرسول فهو كافر، واعتقاد مايخالف كتاب الله كفر، فمن اعتقد مايخالف كتاب الله فقد كفر. 13- قوله رحمه الله في الإرادة والمشيئة وأؤمن بأن الله فعال لما يريد، ولا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته، وليس شيء في العالم يخرج عن تقديره، ولا يصدر إلا عن تدبيره . 14- قوله رحمه الله في المحبة إن الله منعم، والمنعم يحب على قدر إنعامه، والمحبة تنقسم إلى أربعة أنواع: محبة شركية وهم الذين قال الله فيهم: ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله) البقرة: 165. والمحبة الثانية: حب الباطل وأهله وبغض الحق وأهله، وهذه صفة المنافقين. والمحبة الثالثة: طبيعية وهي محبة المال والولد، إذا لم تشغل عن طاعة الله، ولم تعن على محارم الله فهي مباحة. والمحبة الرابعة: حب أهل التوحيد، وبغض أهل الشرك، وهي أوثق عرى الإيمان وأعظم مايعبد به العبد ربه. 15- قوله رحمه الله في العبادة ووجوب صرفها لله إن الحنيفية ملة إبراهيم:أن تعبد الله وحده مخلصاً له الدين، وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لها. فمن أنواع العبادة التي لاتصلح إلا لله تعالى الدعاء والاستعانة والاستغاثة وذبح القربان والنذر والخوف والرجاء والتوكل والإنابة والمحبة والخشية والرغبة والرهبة والتأله والرجوع والسجود والخشوع والتذلل والتعظيم الذي و من خصائص الإلهية فمن صرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله تعالى فقد اتخذه رباً وإلها، وهو مشرك كافر، والعبادة لاتسمى عبادة إلا مع التوحيد فإذا دخل الشرك في العبادة فسدت. 16- قوله رحمه الله في القضاء والقدر وأعتقد فرض الإيمان بالقدر، وإحباط عمل من لم يؤمن به، وبراءته صلى الله عليه وسلم ممن لم يؤمن به، وأن لامحيد لأحد عن القدر المقدور، ولايتجاوز ماخط له في اللوح المسطور. وأن الله تعالى قد علم الأشياء قبل وجودها إجمالاً وتفصيلاً كلية وجزئية، وعلم مايتعلق بها، وقدر في الأزل لكل شيء قدراً ، فلا يزيد ولا ينقص، ولا يتقدم ولا يتأخر، وأنه لايوجد شيء إلا بإرادة الله ومشيئته والله بكل شيء عليم، وما قدر الله يكون وما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وثبت ذلك ببداهة العقل وتواتر النقل، وعلم يقيناً، فمن أنكر هذا البدهي والمتواتر فإن لم يصر كافراً ، فلا أقل من أن يصير فاسقاً . 17- قوله رحمه الله في القبور وأحكامها وأعتقد الإيمان بكل ماأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت، فأؤمن بفتنة القبر، ونعيمه، وسؤال الملكين، الذي علمناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهما يسألان عن ثلاث: عن التوحيد، وعن الدين، وعن محمد صلى الله عليه وسلم . ونحن نعلم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لأمته أن يدعو أحداً من الأموات، لا الأنبياء ولا الصالحين، ولا غيرهم، بل نهى عن هذه الأمور كلها وذلك من الشرك الأكبر الذي حرمه الله ورسوله. أما بناء القباب على القبر فيجب هدمها، ولا علمت أنه يصل إلى الشرك الأكبر، وكذلك الصلاة عنده، وقصده لأجل الدعاء فكذلك لاأعلمه يصل إلى ذلك، ولكن هذه الأمور من أسباب حدوث الشرك، فيشتد نكير العلماء لذلك. وأما النذر له -أي للميت أو القبر- ودعاؤه والخضوع له فهو من الشرك الأكبر. 18- قوله رحمه الله في البعث والنشور وأؤمن بإعادة الأرواح إلى الأجساد، فيقوم الناس لرب العالمين حفاة عراة غرلا فالناس إذا ماتوا يبعثون، ومن كذب بالبعث كفر . 19- قوله رحمه الله في نصب الموازين وتطاير الكتب والناس بعد الموت محاسبون، ومجزيون بأعمالهم فتنصب الموازين، وتوزن بها أعمال العباد فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون، وتنشر الدواوين فآخذٌ كتابه بيمينه، وآخذٌ كتابه بشماله فالميزان يطير بالحبة فلا يحيد، والكتاب يطير فيصير قلادة في الجيد . 20- قوله رحمه الله في الحوض والصراط وأؤمن بحوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعرصة القيامة، ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً . وأؤمن بأن الصراط منصوب على شفير جهنم يمر به الناس على قدر أعمالهم، وهو أحدُّ من الحديد . 21- قوله رحمه الله في الإيمان بالملائكة المكرمين من سادات الملائكة جبريل عليه السلام، وهو شديد القوى، وذو مرة (أي خلق حسن وبهاء وسناء)، وله قوة وبأس شديد، وله مكانة ومنزلة عالية رفيعة عند ذي العرش المجيد، وهو مطاع في الملأ الأعلى، ذو أمانة عظيمة، ولهذا كان السفير بين الله وبين رسله وقد كان يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفات متعددة، وقد رآه على صفته التي خلقه الله عليها مرتين، وله ستمائة جناح، وهو الذي ينتهي بالوحي إلى حيث أمره الله . ومن ساداتهم ميكائيل عليه السلام، وهو موكل بالقطر والنبات، ومن ساداتهم إسرافيل، وهو أحد حملة العرش، وهو الذي ينفخ في الصور. ومن ساداتهم ملك الموت، ولم يجئ مصرحاً بإسمه في القرآن ولا في الأحاديث الصحيحة، وقد جاء في بعض الآثار تسميته بعزرائيل والله أعلم. ومنهم حملة العرش، ومنهم الكروبيون الذين هم حول العرش، وهم مع حملة العرش أشرف الملائكة وهم المقربون. ومنهم سكان السماوات السبع يعمرونها عبادة دائمة ليلاً ونهاراً، والظاهر أنهم الذين يتعاقبون إلى البيت المعمور. ومنهم موكلون بالجنان مراقبون بيان عداد الكرامات لأهلها وتهيئة الضيافة لساكنيها من ملابس ومآكل ومشارب ومصاغ ومساكن وغير ذلك مما لاعين رأيت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. ومنهم الموكلون بالنار (أعاذنا الله منها) وهم الزبانية، ومقدموهم تسعة عشر وخازنها مالك، وهو مقدم على الخزنة. ومنهم الموكلون بحفظ بني آدم. ومنهم الموكلون بحفظ أعمال العباد. 22- قوله رحمه الله في الجنة والنار وأؤمن بأن الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما اليوم موجودتان، وأنهما لايفنيان، ففي الجنة لأهلها من الكرامات والملابس والمآكل والمشارب والمصاغ والمسكن وغير ذلك مما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وأما النار فدار معدوم رجاؤها، محتوم بلاؤها، موحشة مسالكها، مظلمة مهالكها، مخلد أسيرها، مؤبد سعيرها، عال زفيرها، طعام أهلها الزقوم، وشرابهم الحميم، وعذابهم أبداً فيها مقيم، الزبانية تقمعهم، والهاوية تجمعهم، لهم فيها بالويل ضجيج، وللهبها أجيج، أمانيهم فيها الهلاك، وما لهم من أسرها فكاك، إلا من قال لاإله إلا الله وفي قلبه من الإيمان مثقال ذرة، فإنه يخرج منها. 23- قوله رحمه الله في رؤية المؤمنين ربهم وأؤمن أن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة، كما يرون القمر ليلة البدر، لايضامون في رؤيته فمن قال: لايرى في الآخرة فهو جمي ضال، ومن قال: يُرى في الدنيا بالفؤاد لغيره صلى الله عليه وسلم فهو مبتدع ضال، أما رؤيته صلى الله عليه وسلم بعيني رأسه - في الدنيا - فلم يثبت عنه ولا عن أحد من الصحابة، ولا الأئمة المشهورين، فمن قال: إنه صلى الله عليه وسلم رآه بعينه فهو غالط. 24- قوله رحمه الله في أنبياء الله ورسله أرسل الله جميع الرسل مبشرين ومنذرين، فاولهم نوح عليه السلام، وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم ، وكل أمة بعث الله إليها رسولاً من نوح إلى محمد يأمرهم بعبادة الله وحده وينهاهم عن عبادة الطاغوت. ونقص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كفر. فمن اعتقد في غيرهم كونه أفضل منهم أو مساوياً لهم فقد كفر . 25- قوله رحمه الله في خاتم رسل الله وأؤمن بأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين، بعثه الله إلى الناس كافة، وافترض طاعته على جميع الثقلين الجن والإنس، وأكمل به الدين، فلا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذَّرها منه، فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار، ولا يحصل الإيمان لأحد حتى يكون هواه تبعاً لما جاء به صلى الله عليه وسلم . وكل ماقاله الرسول صلى الله عليه وسلم حق يجب الإتيان به ولو لم يعرف الإنسان معناه، بل يجب على أمته متابعته في الاعتقادات والأقوال والأفعال. ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته، ومعنى شهادة أن محمداً رسول الله طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ماعنه نهى وزجر وأن لايعبد الله إلا بما شرع. ومن استحل الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد كفر، ومن كذب عليه ولم يستحل ذلك فقد تفسق، ومن كذبه فيما ثبت عنه قطعاً فقد كفر، بلا شك، والجهل في مثل ذلك ليس بعذر، والله أعلم. 26- قوله رحمه الله في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأذكر محاسنهم، وأترضى عنهم وأستغفر لهم، وأكف عن مساويهم، واسكت عما شجر بينهم، وأعتقد فضلهم. وقد جاءت الآيات والأحاديث الناصة على أفضلية الصحابة واستقامتهم على الدين. وقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم مايدل على كمال الصحابة رضي الله عنهم، خصوصاً الخلفاء الراشدين، فإن ماذكر في مدح كل واحد مشهور بل متواتر لأن نقلة ذلك أقوام يستحيل تواطؤهم على الكذب، ويفيد مجموع أخبارهم العلم اليقيني بكمال الصحابة وفضل الخلفاء. ومن اعتقد فيهم - أي الصحابة - مايوجب إهانتهم فقد كذّب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به من وجوب إكرامهم وتعظيمهم، ومن كذبه فيما ثبت عنه قطعاً فقد كفر. ومن سبهم فقد خالف ماأمر الله به من إكرامهم، ومن اعتقد السوء فيهم كلهم أو جمهورهم فقد كذب الله تعالى فيما أخبر من كمالهم وفضائلهم، ومكذبه كافر. ومن سب من رضي الله عنه فقد حارب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فإن اعتقد أحقية سبه أو إباحته فقد كفر لتكذيبه ماثبت قطعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن سبه من غير اعتقاد حقية سبه أو إباحته فقد تفسق لأن سباب المسلم فسوق، وإن كان ممن لم يتواتر النقل في فضله وكماله فالظاهر أن سبابه فاسق إلا أن يسبه من حيث صحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن ذلك كفر، ومن اعتقد فسقهم أو فسق مجموعهم وارتداد معظمهم عن الدين فقد كذب الله تعالى ورسوله فيما أخبرا به من فضائلهم وكمالاتهم المستلزمة لبراءتهم مما يوجبا لفسق والارتداد، ومن كذبهما فيما ثبت قطعاً صدوره عنهما فقد كفر، فإذا فرض ارتداد من أخذ من النبي صلى الله عليه وسلم إلا النفر الذين لايبلغ خبرهم التواتر وقع الشك في القرآن والأحاديث، نعوذ بالله من اعتقاد يوجب هدم الدين، ومعتقدوا هذا أشد ضرراً على الدين من اليهود والنصارى. 27- قوله رحمه الله في التفضيل بين الصحابة وأعتقد أن أفضل أمته صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين، ثم علي المرتضى، ثم بقية العشرة، ثم أهل بدر، ثم أهل الشجرة أهل بيعة الرضوان، ثم سائر الصحابة رضي الله عنهم. 28- قوله رحمه الله في أهل بيت النبوة وقد أوجب الله لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس حقوقاً فلا يجوز لمسلم أن يسقط حقهم ويظن أنه من التوحيد، بل هو من الغلو، ونحن ماأنكرنا إلا إكرامهم لأجل إدعاء الألوهية فيهم، أو إكرام المدعي لذلك. 29- قوله رحمه الله في فضل الصديق وخلافته الأحاديث الواردة في صحة خلافة الصديق وبإجماع الصحابة وجمهور الأمة على الحق أكثر من أن تُحصر، وقد بايعه الصحابة رضي الله عنهم حتى أهل البيت كعلي رضي الله عنه، وقد اعتقدها حقاً جمهور الأمة، ومن نسب جمهور الصحابة صلى الله عليه وسلم إلى الفسق والظلم وجعل اجتماعهم على الباطل فقد ازدرى بالنبي صلى الله عليه وسلم وازدراؤهم كفر. وقد حكم بعض - أي من اهل العلم - فيمن سب الشيخين بالكفر مطلقاً. والله أعلم. 30-قوله رحمه الله في أمهات المؤمنين الطاهرات وذبه عن عرض الصديقة بنت الصديق وأترضى عن أمهات المؤمنين المطهرات من كل سوء. ومن قذف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالفاحشة مع اعتقاد أنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنها بقيت في عصمته بعد هذه الفاحشة فقد جاء بكذب ظاهر واكتسب الإثم واستحق العذاب، وظن بالمؤمنين سوءاً وهو كاذب، وأتى بأمر ظنه هيناً وهو عند الله عظيم، واتهم أهل بيت النبوة بالسوء، ومن هذا الاتهام يلزم نقص النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن نقصه فكأنما نقص الله، ومن نقص الله ورسوله فقد كفر وهو بفعله هذا خارج عن أهل الإيمان، ومتبع لخطوات الشيطان، وملعون في الدنيا والآخرة، ومكذب الله في قوله تعالى (الطيبات للطيبين) الآية، ومن كذب الله ففد كفر. ومن قذفها مع زعمه أنها لم تكن زوجته، أو لم تبق في عصمته بعد هذه الفاحشة، فإن قلنا: إنه ثبت قطعاً أنها هي المرادة بهذه الآيات وهو الظاهر يلزم من قذفها ماتقدم من القبائح. والحاصل أن قذفها كيفما كان يوجب تكذيب الله تعالى في إخباره عن تبرئتها عما يقول القاذف فيها، ومن يقذف الطاهرة الطيبة أم المؤمنين زوجة رسول رب العالمين في الدنيا والآخرة كما صح عنه فهو من ضرب عبدالله بن أبي بن سلول رأس المنافقين. 31- قوله رحمه الله في أولياء الله وكراماتهم وأقر بكرامات الأولياء، وما لهم من المكاشفات، إلا أنهم لايستحقون من حق الله تعالى شيئاً ولا يطلب منهم مالا يقدر عليه إلا الله ولا يجحد كرامات الأولياء إلا أهل البدع والضلال. 32- قوله رحمه الله في الشفاعة وأؤمن بشفاعة النبي، وأنه أول شافع وأول مشفع، ولا ينكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أهل البدع والضلال، وله الشفاعة الكبرى وهي المقام المحمود، والشفاعة كلها لله، والشافع مكرم بالشفاعة، والمشفوع له من رضي قوله وعمله بعد الإذن. والشفاعة شفاعتان: شفاعة منفية وشفاعة مثبتة، فالشفاعة المنفية ماكانت تطلب من غير الله فيما لايقدر عليه إلا الله، والشفاعة المثبتة هي التي تطلب من الله، وتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله، فلا تكون إلا من بعد إذنه، ولا يشفع في أحد إلا من بعد أن يأذن الله فيه، وهو لايرضى إلا التوحيد، وأما المشركون فليس لهم من الشفاعة نصيب كما قال تعالى: ( فما تنفعهم شفاعة الشافعين) [ النجم: 26 ]. وقد صح أن الملائكة يشفعون، والأولياء يشفعون، والأفراط يشفعون، ومن جعل بينه وبين الله وسائط يسألهم الشفاعة فقد عبدهم وأشرك بهم. 33- نفيه رحمه الله شبهة التكفير بالعموم وأما القول: إنا نكفر بالعموم فذلك من بهتان الأعداء، الذي يصدون به عن هذا الدين ونقول: سبحانك هذا بهتان عظيم. على أن الذي نعتقد، وندين الله به، ونرجو أن يثبتنا عليه في مسألة المسلم إذا أشرك بالله بعد بلوغ الحجة، أو المسلم الذي يفضل هذا على الموحدين، أو يزعم أنه على حق أو غير ذلك من الكفر الصريح الظاهر الذي بينه الله ورسوله وبينه علماء الأمة أنا نؤمن بما جاءنا عن الله وعن رسوله من تكفيره ولو غلط فيه من غلط . إننا نكفر من أشرك بالله في إلهيته بعدما نبين له الحجة على بطلان الشرك، وكذلك نكفر من حسنه للناس، أو أقام الشبه الباطلة على إباحته، وكذلك من قام بسيفه دون هذه المشاهد التي يشرك بالله عندها، وقاتل من أنكرها وسعى في إزالتها والله المستعان. ولا تظنوا أن الاعتقاد في الصالحين مثل الزنا والسرقة، بل هو عبادة للأصنام من فعله كفر وتبرأ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم . ياعباد الله تفكروا وتذكروا، ونكفر من بان له أن التوحيد هو دين الله ورسوله ثم أبغضه، ونفر الناس عنه وجاهد من صدق الرسول فيه، ومن عرف الشرك، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بإنكاره ثم مدحه وحسنه للناس وزعم أن أهله لايخطئون لأنهم السواد الأعظم والداعي لغير الله لاتقبل منه الجزية كما تقبل من اليهود، ولا تنكح نساؤهم كما تنكح نساء اليهود لأنه أغلظ كفراً. ونكفر من أقر بدين الله ورسوله ثم عاداه وصد الناس عنه، وكذلك من عبد الأوثان، بعد ماعرف أنها دين للمشركين وزينه للناس، فهذا الذي نكفره. ونكفر من عرف دين الرسول ثم بعدما عرفه سبه ونهى الناس عنه، وعادى من فعله. وكذا الذي يتكلم بالكفر أو يعمل به خوفاً من نقص مال أو جاه أو مداراة لأحد فهذا أعظم ممن يتكلم بكلمة يمزح بها، ولم يعذر الله من هؤلاء إلا من أكره مع كون قلبه مطمئناً بالإيمان، وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه، سواء فعله على خوف أو مداراة، أو مشحة بوطنه، أو أهله، أو عشيرته، أو ماله، أو فعله على وجه المزح أو لغير ذلك من الأغراض إلا المكره، ومعلوم أن الإنسان لايكره إلا على الكلام والفعل وأما عقيدة القلب فلا يكره عليها أحد.34- قوله رحمه الله في الحكم على المعين وإني لا أعتقد كفر من كان عند الله مسلماً، ولا إسلام من كان عنده كافراًن بل أعتقد أن من كان عنده كافراً كافر. ولا أشهد لأحد من المسلمين بجنة ولا نار إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكنني أرجو للمسلم وأخاف على المسيء. 35- قوله رحمه الله في العذر بالجهل حتى تقوم الحجة ولا نكفر من عبد الصنم الذي على قبر عبدالقادر، والصنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما، لأجل جهلهم وعدم من ينبههم ونكفره بعد التعريف إذا عرف وأنكر، والذي يدعي الإسلام وهو يفعل من الشرك الأمور العظام، فإذا عليت عليه آيات الله استكبر عنها فليس هذا بالمسلم، وأما الإنسان الذي يفعلها بجهالة، ولم يتيسر له من ينصحه، ولم يطلب العلم الذي أنزله الله على رسوله، بل أخلد إلى الأرض واتبع هواه فلا أدري ماحاله . علماً أن من لم تقم عليه الحجة هو حديث العهد بالإسلام، والذي نشأ ببادية، أو يكون ذلك في مسألة خفية، مثل الصرف والعطف فلا يكفر حتى يعرف. وأما أصول الدين التي أوضحها الله في كتابه فإن حجة الله هي القرآن فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة . وأكثر الكفار والمنافقين لم يفهموا حجة الله مع قيامهم عليهم.. وقيام الحجة وبلوغها نوع، وفهمهم إياها نوع آخر، وكفرهم ببلوغها إياهم، وإن لم يفهموها نوع آخر. 36- ذكره رحمه الله طائفة من الأعمال المكفرة من صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في كل شيء، وجحد وجوب الصلاة فإنه كافر خلال الدم والمال بالإجماع، وكذلك إذا أقر بكل شيء إلا البعث، وكذلك لو جحد وجوب صوم رمضان وصدق بذلك كله، لاتختلف المذاهب فيه، وقد نطق به القرآن. والذي ينكر البعث كافر، والساحر يكفر ويقتل ولا يستتاب، والذبح للجن ردة تخرج - أي من الإسلام - ، ومن استغاث بغير الله فقد كفر، ومن ذبح لغيره فقد كفر، ومن نذر لغيره فقد كفر، ومن دعا نبياً أو ملكاً أو ندبه أو استغاث به فقد خرج من الإسلام. 37- قوله رحمه الله في كفر دون كفر وما أطلق الشارع كفره بالذنوب فقول الجمهور: أنه لايخرج من الملة وقال الإمام أحمد: أمروها كما جاءت يعني لايقال يخرج ولا لايخرج، وما سوى هذين القولين غير صحيح، ومعنى (كفر دون كفر) أنه ليس يخرج من الملة مع كبره. 38- قوله رحمه الله في عدم التكفير بالذنب أركان الإسلام الخمسة أولها الشهادتان ثم الأركان الأربعة، فالأربعة إذا أقر بها وتركها تهاوناً فنحن وإن قاتلناه على فعلها - فلا تكفره بتركها، ولا أكفر أحداً بذنب ولا أخرجه من دائرة الإسلام. 39- قوله رحمه الله في الحكم بالظاهر دون السرائر لو عرف منه النفاق فما أظهر - أي من أعمال أهل الإيمان - يحمي دمه، وماله والرجل إذا أظهر الإسلام وجب الكف عنه حتى يتبين منه مايخالف ذلك، وأهل البدع أحكم عليهم بالظاهر وأكل سرائرهم إلى الله . 40- قوله رحمه الله في الردة عن الإسلام المرتد هو المسلم الذي يكفر بعد إسلامه، ولا يقتل إلا بعد الاستتابة. 41- قوله رحمه الله في التحذير من الشرك أعظم نهي نهى الله عنه الشرك بالله وهو أن يدعو مع الله غيره، أو يقصده بغير ذلك من أنواع العبادة، فمن صرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله تعالى فقد اتخذه رباً وإلهاً، وأشرك مع الله غيره. ومن لقي الله لايشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار، ولو كان أعبد الناس. وأول من أدخل الشرك في هذه الأمة هم الرافضة الملعونة الذين يدعون علياً وغيره، ويطلبون منهم قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، أما أول شرك حدث في الأرض فكان بشبهة محبة الصالحين، وأعلم أن شرك الأولين أخف من شرك أهل زماننا بأمرين: أحدهما: أن الأولين لايشركون ولا يدعون الملائكة والأولياء والأوثان مع الله إلا في الرخاء وأما في الشدة فيخلصون لله العبادة، ومشركوا زماننا شركهم دائم في الرخاء والشدة. الأمر الثاني: أن الأولين يدعون مع الله أناساً مقربين عند الله، إما أنبياء وإما أولياء وإما ملائكة أو يدعون أشجاراً وأحجاراً مطيعة لله ليست عاصية، وأهل زماننا يدعون مع الله أناساً من أفسق النسا، والذين يدعونهم هم الذين يحكون عنهم الفجور من الزنا والسرقة وترك الصلاة وغير ذلك. والذي يعتقد في الصالح أو الذي لايعصي مثل الخشب والحجر أهون ممن يعتقد فيمن يشاهد فسقه وفساده ويشهد به. 43- تحذيره رحمه الله من عظائم هي من الشرك من اتخذ نداً تساوي محبته محبة الله فهو الشرك الأكبر، ومن الشرك الاستعاذة بغير الله، ومن الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره، وهذا هو الشرك الأكبر، والنذر لكونه عبادة فصرفه إلى غير الله شرك، والحلف بغير الله شرك، والطيَرَة شرك، ومن الشرك قول ماشاء الله وشئت ولكنه ليس من الشرك الأكبر، والرياء من الشرك الأصغر. ولا يجتمع في تصديق الكاهن مع الإيمان بالقرآن، بل هو كفر. ومن تعلق شيئاً وُكل إليه، ومن تعلق تميمة فقد أشرك، - شركاً أصغر - وتعليق الخيط من الحمى، والودع عن العين من ذلك. والرقى والتمائم والتولة، هذه الثلاث كلها من الشرك إلا الرقية بالكلام الحق من العين والحمة فليس من ذلك، والتميمة إذا كانت من القرآن فقد اختلف العلماء هل هي من ذلك أو لا . أما الشرك الذي يصدر من المؤمن وهو لايدري، مع كونه مجتهداً في اتباع أمر الله ورسوله، فأرجوا أن لايخرجه هذا من الوعد، وقد صدر من الصحابة أشياء من هذا الباب: كحلفهم بآبائهم، وحلفهم بالكعبة، وقولهم: ماشاء الله وما شاء محمدن وقولهم: اجعل لنا ذات أنواط، ولكن إذا بان لهم الحق اتبعوه، ولم يجادلوا حمية الجاهلية لمذهب الآباء والعادات. 43- قوله رحمه الله في الجبت والطاغوت أول مافرض الله على ابن آدم الكفر بالطاغوت والإيمان بالله ، فالإنسان لايصير مؤمناً بالله إلا بالكفر بالطاغوت. والطاغوت عام فكل ماعبد من دون الله، ورضي العبادة، من معبود أو متبوع أو مطاع في غير طاعة الله ورسوله فهو طاغوت، وهو - بحسب تعريف ابن القيم - كل ماتجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما لايعلمون أنه طاعة الله، وقد يكون الطاغوت من الجن وقد يكون من الإنس، وصفة الكفر به هي أن تعتقد بطلان عبادة غير الله وتتركها وتبغضها وتكفر أهلها وتعاديهم. والطواغيت كثيرة رؤوسهم خمسة: الأول: الشيطان الداعي إلى عبادة غير الله. والثاني: الحاكم الجائر المغير لأحكام الله . والثالث: الذي يحكم بغير ماأنزل الله. والرابع الذي يدعي علم الغيب من دون الله. والخامس: الذي يعبد من دون الله وهو راض بالعبادة . وجميع الطواغيت الذين يعتقد الناس فيهم - كما لو كانوا يندبونهم وينذرون لهم ويتوكلون عليهم، يريدون منهم أن يقربوهم إلى الله - وهم مشهورون عند الخاص والعام بذلك، وأنهم يترشحون له ويأمرون به الناس كلهم كفار مرتدون عن الإسلام ومن زعم أن فعلهم هذا لو كان باطلاً فلا يخرجهم إلى الكفر، فأقل أحوال هذا المجادل أنه فاسق لايقبل خطه ولا شهادته ولا يصلى خلفه، بل لايصح دين الإسلام إلا بالبراءة من هؤلاء وتكفيرهم. أما الجبت فهو السحر، ومنه - أي من الجبت - العيافة والطرقُ والطيرة . 44- قوله رحمه الله في لزوم الجماعة ونبذ الفرقة والشقاق نعتقد أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم المتبعين لسنته لاتجتمع على ضلالة، وقد أمر الله بالاجتماع في الدين، ونهى عن التفرقة فيه، ونهانا أن نكون كالذين تفرقوا واختلفوا قبلنا فهلكوا، فالرحمة في الجماعة، والفرقة عذاب، ومن تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمر علينا، ولو كان عبداً حبشياً . 45- قوله رحمه الله في الفرقة الناجية والطائفة المنصورة أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أمته ستفترق على أكثر من سبعين فرقة، أخبر أنهم كلهم في النار إلا واحدة، ثم وصف تلك الواحدة أنها التي على ماكان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فلينظر إلى الفرق ومعتقداتهم وأعمالهم، فما وافقت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهي الفرقة الناجية. وأهل السنة هم المتبعون لآثاره صلى الله عليه وسلم ، وآثار أصحابه كما لايخفى، فهم أحق أن يكونوا الفرقة الناجية، وآثار النجاة ظاهرة فيهم لاستقامتهم على الدين من غير تحريف، وظهور مذهبهم وشوكتهم في غالب البلاد، ووجود العلماء المحققين والمحدثين والأولياء والصالحين فيهم. والفرقة الناجية وسط في باب أفعاله تعالى بين القدرية والجبرية (*) وهم في باب وعيد الله وسط بين المرجئة والوعيدية (**). وهم وسط في باب الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة، وبين المرجئية والجهمية (***). وهم وسط في باب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الروافض والخوارج (*)، وهم الذين سبقت لهم من الله الحسنى، وهم كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود ونعتقد بأن الحق لايزول بالكلية كما زال فيما مضى، وأنه لاتزال طائفة من أمته صلى الله عليه وسلم على الحق منصورة لايضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم حتى يأمر أمر الله وهم على ذلك. 46- قوله رحمه الله في الإمامة العظمى والسمع والطاعة وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين، برهم وفاجرهم مالم يأمروا بمعصية الله، فمن تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمر علينا، ولو كان عبداً حبشياً، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبر على جور الولاة، وأمر بالسمع والطاعة لهم والنصيحة، وغلظ في ذك، وأبدى فيه وأعاد. ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به، وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته، وحرم الخروج عليه والأئمة مجمعون من كل مذهب، على أن من تغلب على بلد أو بلدان، له حكم الإمام في جميع الأشياء، ولولا هذا، مااستقامت الدنيا، لأن الناس من زمن طويل إلى يومنا هذا مااجتمعوا على إمام واحد، ولا يعرف أن أحداً من العلماء ذكر أن شيئاً من الأحكام لايصح إلا بالإمام الأعظم. 47- قوله رحمه الله في الهجرة والهجرة فريضة على هذه الأمة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، وهي باقية إلى قيام الساعة. 48- قوله رحمه الله في الولاء والبراء من أطاع الرسول وود الله لايجوز له موالاة من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم. فالإنسان لايستقيم له إسلام ولو وحد الله وترك الشرك إلا بعداوة المشركين، والتصريح لهم بالعداوة والبغضاء. والمراد من قول " لاإله إلا الله" مع معرفتها بالقلب محبتها ومحبة أهلها وبغض من خالفها ومعاداته. فأحبوها وأحبوا أهلها واجعلوهم إخوانكم، ولو كانوا بعيدين، واكفروا بالطواغيت وعادوهم وأبغضوهم وأبغضوا من أحبهم أو جادل عنهم، أو لم يكفرهم. 49- قوله رحمه الله في الجهاد والصلاة مع أئمة الجور وأرى الجهاد ماضياً مع كل إمام براً كان أو فاجراً، وصلاة الجماعة خلفهم جائزة، والجهاد ماض منذ بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال، لايبطله جور جائر، ولا عدل عادل. 50 - قوله رحمه الله من البدع والحوادث وأرى هجر أهل البدع، ومباينتهم حتى يتوبوا، وأحكم عليهم بالظاهر، وأكل سرائرهم إلى الله، وأعتقد أن كل محدثة بدعة، وأوجب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك البدع وإن اشتهرت بين أكثر العوام. ومتابعة الرسول في العبادة تخلع جميع البدع إلا بدعة لها أصل في الشرع كجمع المصحف في كتاب واحد، وجمع عمر رضي الله الله عنه الصحابة على التراويح جماعة، وجمع ابن مسعود أصحابه على القصص كل خميس، ونحو ذلك فهذا حسن والله أعلم. أما ماصح عن العلماء من أنهم لايكفرون أهل القبلة فمحمول على من لم تكن بدعته مكفرة، لأن كلمتهم اتفقت على تكفير من كانت بدعته مكفرة . 51- قوله رحمه الله في بيان مذهبه نحن مقدلون الكتاب والسنة وصالح سلف الأمة، وما عليه الاعتماد من أقوال الأئمة الأربعة أبي حنيفة النعمان بن ثابت، ومالك بن أنس، ومحمد بن إدريس، وأحمد بن حنبل رحمهم الله. أما مذهبنا فمذهب الإمام أحمد إمام أهل السنة ولا ننكر على أهل المذاهب الأربعة إذا لم يخالف نص الكتاب والسنة، وإجماع الأمة وقول جمهورها، وأما المتأخرون رحمهم الله فكتبهم عندنا نعمل بما وافق النص منها، وما لم يوافق النص لانعمل به . 52- قوله رحمه الله في القتال بعد إقامة الحجة نقاتل عبَّاد الأوثان كما قاتلهم صلى الله عليه وسلم ، وقد قاتلهم ليكون الدين كله لله والذبح كله لله والنذر كله لله والاستغاثة كلها لله وجميع أنواع العبادة كلها لله . وإلى اليوم لم نقاتل أحداً إلا دون النفس والحرمة، وهم الذين أتونا في ديارنا ولا أبقوا ممكنا، ولكن قد نقاتلهم على سبيل المقابلة ( وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلها) وكذلك من جهر بسب دين الرسول بعدما عرفه ، ومن لم يجب الدعوة بالحجة والبيان قاتلناه بالسيف والسنان ونقاتلهم على ترك الصلاة ومنع الزكاة كما قاتل مانعها صديق هذه الأمة أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وإنما نقتلهم بعدما نُقم عليهم الحجة من كتاب الله وسنة رسوله وإجماع السلف الصالح من الأمة . 53- قوله رحمه الله في حجية المتواتر الجهل بالمتواتر القاطع - بعذر - أو تأويله وصرفه من غير دليل معتبر غير مفيد، كمن أنكر فرضية الصلوات الخمس جهلاً لفرضيتها، فإنه بهذا الجهل يصير كافراً، وكذا لو أولها على غير المعنى الذي نعرفه فقد كفر.54 - قوله رحمه الله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأرى وجوب الأمر والنهي عن المنكر على ماتوجبه الشريعة المحمدية الطاهرة. 55- قوله رحمه الله في المسح على الخفين صح عن النبي صلى الله عليه وسلم برواية نحو خمسين من الصحابة أو ثمانين أو أزيد المسح على الخفين، فمنكره مبتدع . 56- قوله رحمه الله في نكاح المتعة إن المتعة كانت حلالاً ثم نسخت وحرِّمت تحريماً مؤبداً فمن فعلها فقد فتح على نفسه باب الزنا. 57- قوله رحمه الله في النياحة وأما النياحة فمن أعظم منكرات الجاهلية . 58- ختام قوله رحمه الله فهذه عقيدة وجيزة حررتها، والله على مانقول وكيل أ هـ.* * *تم بفضل الله وعظيم منته تحرير هذا البحث اليسير المسمى ( فصل الخطاب في بيان عقيدة "الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب ) في حلب الشهباء من الديار الشامية لثلاث وعشرين ليلة من شهر رمضان المبارك عام أربعة عشر وأربعمئة وألف للهجرة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام. صيد الفوائد |
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
فصل الخطاب في بيان عقيدة الشيخ محمد بن عبدالوهاب
تقليص
X
-
فصل الخطاب في بيان عقيدة الشيخ محمد بن عبدالوهاب
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد