ذا هو اختصار بتصرُّف يسير لكتاب "فلسطين لن تضيع.. كيف؟" والكتاب هو عبارة عن محاضرة حُوِّلت إلى كتاب؛ لأهميتها وأهمية الموضوع الذي تعرضت له، والكتاب يقع في 47 صفحة.
كان المؤرخون قديمًا عندما يتحدثون عن الأندلس بعد سقوطها يقولون "أعادها الله للمسلمين"، مثلما يتحدث مؤرخ فيقول "فتح طارق بن زياد رحمه الله بلاد الأندلس - أعادها الله للمسلمين - في سنة 92 من الهجرة"؛ ذلك لأنها كانت دائمًا في الذاكرة، أما مع تقادم العهد فقد اختفت الكلمة - كلمة أعادها الله للمسلمين- اختفت من أفواه المؤرخين.
إذا تقادم العهد على الاحتلال فسيصبح هذا أمرًا واقعًا، المسلمون منذ ثلاثين سنة مثلًا كانوا لا يعترفون بالكيان الصهيوني مطلقًا، بل كانوا يصفون اليهود بأنهم مجموعة من اللصوص سَطَوا على أرضٍ ليست أرضهم فنهبوها واستوطنوها، ثم مرت الأيام وقَبِل الرافضون القدماء من العرب بوجود إسرائيل على مساحة 78% من الأرض المحتلة، وهي كل أرض فلسطين خلا الضفة الغربية وغزة، ثم سيقبلون بعد ذلك بأن تحتل إسرائيل مساحة 60% من الضفة الغربية وغزة، بالإضافة إلى الـ78% الأصلية، وذلك على هيئة مستوطنات يهودية داخل الضفة الغربية وغزة،
ثم ستأتي مرحلة جديدة لا محالة يسعى فيها اليهود لإنهاء الوجود الفلسطيني بالكلية، وساعتها قد يصرخ المسلمون يومًا أو يومين أو سنة أو سنتين أو قرنًا أو قرنين، ويتقادم العهد، وتصبح فلسطين إسرائيل!
قضية فلسطين قضيةٌ من أخطر قضايا أمة الإسلام، بل لعلها الأخطر على الإطلاق، قضية فلسطين هي قضية أمةٍ تُذبَح، وشعبٍ يُباد، وأرضٍ تُغتصَب، وحُرُماتٍ تُنتهَك، وكرامةٍ تُهان، ودينٍ يضيع.
أنا -أيها المسلمون- أخاطب عموم المسلمين الذين ليس في أيديهم قرار تسيير الجيوش، ولا قطع العلاقات، ولا غلق السفارات، ولا وقف التطبيع، ولا محاكمة شارون، ولا وحدة قادة المسلمين، يقول الله عز وجل: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]، نحاول أن نضعَ أيدينا على هذا الوسع.
أنا أريد منك ستة أدوار، ستة واجبات، إذا فعلتها على الوجه الأكمل كنت ممن أدَّى حقَّ فلسطين، وكنت مساهمًا في تحريرها، وكنت مستنفذًا لوسعك وطاقتك.
تحريك القضية: لا يجب أن تموت قضية فلسطين أبدًا أو تنسى، تحدَّث عن فلسطين، ثم فَكِّر أن تُوسِّع دوائر التحريك: مقال في جريدة أو خطاب إلى بريد إحدى الصحف، مقال في مجلة حائط في مدرسة أو جامعة، كلمة بسيطة سريعة في مسجد أو في فصل أو في مدرج، دقيقتين أو ثلاثة، خبر عن عملية استشهادية أو سؤال الدعاء لأهل فلسطين، خطبة جمعة -لو تستطيع- أو تنصح الخطيب بذلك، ابعث رسائل على الإنترنت لكل مَن تعرف مِن الأفراد والهيئات في كل بِقاع العالم، ابعث للمسلمين ولغير المسلمين، اشرح القضية، وضِّح فضائح اليهود، اعمل رأي عام عالميًّا مضادًّا للإعلام اليهودي، تحرَّك، ليس هناك وقت.
(ولكن) لا بد أن يكون التحريك بالمفاهيم الصحيحة، تحريك القضية بمفاهيم خاطئة قد يضر بها ويُعطِّل سيرها، بل ويُعجِّل بموتها، لا بد من تفريغ الوقت لفهم القضية فهمًا صحيحًا وتفهيمها لغيرنا، أعداء الإسلام يدبرون مؤامرات لا حصر لها لهدم الإسلام وإبادة أهله، لا يهدأون ولا يكلُّون، وعلى قدر هذا النشاط من أعدائنا يجب أن تكون حركتنا أو يزيد، مؤامرات سياسية عن طريق المفاوضات والسفارات والهيئات والأحلاف، مؤامرات عسكرية عن طريق الجيوش والصواريخ والطائرات والبوارج، مؤامرات اقتصادية عن طريق الحصار والقيود الاقتصادية والديون والعولمة، مؤامرات تفريقية للتفريق بين الشعوب الإسلامية وبين أفراد الشعب الواحد بل وبين أفراد الأسرة الواحدة، مؤامرات أخلاقية عن طريق إفساد أخلاق المسلمين بالإعلام والدش والإنترنت والتليفزيون والصحف الصفراء والبيضاء، لكن أشد هذه المؤامرة خطورة هي المؤامرة الفكرية، المؤامرة الفكرية التي تقلب الحق باطلًا والباطل حقًّا.
إحياء الأمل: الواجب الثاني هو قتل الانهزامية وعلاج الإحباط الذي دخل في نفوس المسلمين، أو قل رفع الروح المعنوية وبثَّ الأمل في القيام من جديد، لماذا أُحبط المسلمون؟! أمورٌ كثيرة تفاعلت فأورثت هذا الإحباط في نفوس المسلمين، الواقع الذي عاشه المسلمون من هزائم كثيرة وانتصاراتٍ قليلة في خلال القرن العشرين، الواقع الذي نعيشه من مذابح بشعة، الواقع الذي نعيشه من ظلم وفسادٍ وإباحية وانهيار للاقتصاد واختلاسٍ بالمليارات وديون متراكمة وإفلاسات مشهرة وفرقة وتناحُر وتشاحُن وبغضاء، هذا الواقع المُر بالإضافة إلى تزوير التاريخ حتى خرج إلينا مسخًا مشوهًا يستحي منه الكثير ويتناساه الأكثر، بالإضافة إلى تزوير الواقع وتشويه صورة الإسلام -وإلحاق كل الجرائم بالمتمسكين بدينهم- ونفي كل مظهر من مظاهر الحضارة والرقي عنهم. هذا كله بالإضافة إلى تعظيم الغرب وتفخيمه، تفاعلت هذه الأمور وغيرُها حتى رسخَّت الإحباط في نفوس الكثيرين من أمة الإسلام إلى هؤلاء الذين أحبطوا ويأسوا، وإلى أولئك الذين يريدون أن يبثوا الأمل في قلوب القانطين أُوجِّه هذه الكلمات.
الجهاد بالمال: ما أحوجَ أهلِ فلسطين للمال في هذه الأوقات! حصار اقتصادي رهيب، طرد من الأعمال، إغلاق للمعابر، تجريف للأراضي، هدم للديار، نقص في الغذاء والدواء والكساء والسلاح، استشهاد للشباب، وعائلات لا حصر لها تفقد عائلها. إن كنت تريد جهادًا في سبيل الله وقد حيل بينك وبينه، فأثبت صدقك لله بجهاد المال، مَن جهَّز غازيًا فقد غزا، حفِّز الآخرين على الجهاد بالمال، ربي أولادك على الإنفاق وإن كان قليلًا، اشرح لهم بأسلوب مبسط أحوال أطفالِ فلسطين، واعلم يا أخي أن الله عز وجل قسَّم الأعمال بين عباده وكان نصيبُك النصيب الأيسر، عليهم في فلسطين أن يدفعوا أرواحهم، وعليك أنت -في بيتك الآمن- أن تدفع مالك، فارض بما قسم الله لك من العمل، يرفع عنك من البلاء ما لا تُطيق.
المقاطعة: وأقصد به المقاطعة لكل ما هو يهودي أو أمريكي أو إنجليزي أو لكل من يساعد اليهود، سواء كان دولة أو شركة، وهو واجب هامٌّ هامٌّ هامٌّ ومؤثر إلى أبعد درجات التأثير وله من الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والتربوية ما لا يمكن حصره في هذه المساحة الضيقة.
الدعاء: الدعاء لأهل فلسطين بالثبات والنصر، والدعاء على اليهود وأعوانهم بالهلكة والاستئصال، والدعاء - يا إخواني - من أقوى أسلحة المؤمنين في حربهم مع الكافرين، الدعاء ليس شيئًا سلبيًّا. كثيرٌ من الناس يعتقدون أن الدعاء أمرٌ مقابلٌ للأخذ بالأسباب. الدعاء ليس أمرًا جانبيًّا في قضية فلسطين، ليس أمرًا اختياريًّا إن شئنا فعلناه، وإن شئنا تركناه، أبدًا، الدعاء ركن أساس من أركان النصر، وسببٌ أكيد من أسباب التمكين، رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترك الدعاء أبدًا، وما يأس منه قَطُّ، مهما تأخرت الإجابة، ومهما طال الطريق، ومهما عظم الخطب، وكان أشدَّ ما يكون دعاءً ورجاءً وخشوعًا وابتهالًا عند مواقف الضيق والشدة، يفزع إلى ربه، ويطلب عونَه، ويرجو مددَه وتأييدَه، في بَدْر، وفي أُحُد، وفي الأحزاب، وفي كل أيامه صلى الله عليه وسلم.
أخي الحبيب، إن أردت أن تساعد المحصورين والمجاهدين والجوعى والجرحى فاستيقظ الليلة، الليلة قبل الفجر بساعة أو بنصف ساعة وادْعُ الله لهم أن يُوحِّد صفَّهم، ويسددَ رميتَهم، ويقوي شوكتَهم، ويثبت أقدامَهم، ويُعلي راياتِهم، وينصرهم على أعدائهم، ويُمكنَ لهم في أرضهم، ويزلزل الأرض من تحت أقدام أعدائهم.
إصلاح النفس والمجتمع: لا بد أن نسأل أنفسنا لماذا هذا التدهور لهذه الأمة الإسلامية التي تعودت أن تسود؟
لا بد أن الأمة قد وقعت في خطأ فادحٍ مهَّد الطريق لهذا الوضع، فأُمَّةُ الإسلام لا تهزم بقوة الكافرين ولكن تهزم بضعفها، يلخص هذا الموقف حديثُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يوشك الأممُ أن تَدَاعى عليكم كما تداعى الأكلة على قصعتها)) (أي يدعو بعضُها البعض ليأكلوا من أمة المسلمين) قال قائل: ومن قلةٍ نحن يومئذ؟ قال: ((بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهْن))، قالوا: وما الوهْن يا رسول الله، قال: ((حب الدنيا وكراهية الموت)).
نعم يا أخواني، يطول الفراق أحيانًا بيننا وبين ربنا، وهو سبحانه لا تضره معصية ولا تنفعُه طاعة، نحن الذين نخسر ونحن الذين نفوز، القضية يا أخوة ليست قضية فلسطين فقط، القضية قضيةُ الأمة بأسرها، إن الله لا يُغيِّر ما بقوم حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم، قاعدة لا تتبدَّل ولا تتغيَّر، والله والله والله، لن يتغيَّر حالُنا من ذِلةٍ إلى عزة، ومن ضعف إلى قوة، ومن هوان إلى تمكين، إلا إذا اصطلحنا مع ربنا، وطبَّقنا شرعه، وأخرجنا الدنيا من قلوبنا، وتُبْنا من ذنوبنا، وعظمت الجنةُ في عقولنا.
لا تنظر إلى فلسطين على أنها عبء على كاهلك، وهمٌّ في قلبك، أبدًا، انظر إليها على أنها "اختبار"، فلسطين اختبار من الله عز وجل لعباده المؤمنين، وكل يوم وكل ساعة وكل ثانية تمُرُّ عليك هي جزء مُرٌّ من الامتحان، احذر أن ينتهي عمرك ولم تكمل الإجابة؛ لأن الموتى لا يعودون إلى يوم القيامة، لا تنشغل بمن باعوا وخانوا وبدلوا وغيروا ﴿ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ [المائدة: 105]، واعلم أن كل نفس بما كسبت رهينة.
سالم محمد أحمد
شبكة الالوكة