إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الله سبحانه وتعالى كما عرفنا بنفسه

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الله سبحانه وتعالى كما عرفنا بنفسه

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الله سبحانه وتعالى كما عرفنا بنفسه

    بقلم الشيخ / عبدالرحمن بن عبدالخالق
    الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، ورسولاً إلى الناس أجمعين سيد الأولين والآخرين محمد بن عبدالله ورسوله الأمين.
    وبعد،،
    فإن البشر لا يستطيعون بأنفسهم معرفة خالقهم ورازقهم، وإلههم الذي لا إله إلا هو سبحانه وذلك لاحتجابه عنهم بعظمته وكبريائه وعلوه على خلقه، لا تدركه أبصارهم، ولا تسمعه آذانهم إلا لمن شاء الله منهم وهم أفراد قليلون من رسله وأنبيائه.
    ولما كانت حاجة البشر إلى معرفة خالقهم ورازقهم وإلههم وربهم الذي لا إله إلا هو، ولا رب لهم سواه أعظم من حاجتهم إلى الهواء الذي يتنفسونه، والماء الذي يشربونه، والطعام الذي يأكلونه فإن معرفة الرب والإيمان به، وطاعته هي غاية وجودهم، وسبب إنشائهم وخلقهم، وعليها يتوقف سعادتهم وشقاوتهم، فمن آمن فقد فاز ونجا، ومن كفر فقد خسر وهلك.
    و لما كان سبب ضلال البشر ناشئاً عن الجهل بالله أو العناد والمكابرة بعد العلم به.
    ولما كان الجاهلون بالله إما جاهلون لا يعلمون، وإما جاهلون ويظنون أنهم يعلمون وإما جاهلون قد نسبوا لله صفات ليست من صفاته وتخيلوا ربهم وإلههم على غير ما هو عليه، وقالوا على الله بلا علم، ونسبوا له الولد وهم يظنون أنهم ينزهونه، وشتموه وهم يظنون أنهم يسبحونه.
    ولما كان من أصناف الجهل بالله العلم بجانب من صفاته والجهل بجانب آخر مما ينتج عنه اختلال في الفهم والعلم وانجراف في العمل والسلوك..
    من أجل هذا كله -ولحكم أخرى- أحببت أن أجمع هذا المختصر الوافي إن شاء الله في بيان صفة الرب كما عرفنا هو بنفسه سبحانه عن طريق وحيه إلى رسله غير متقول على الله -بحول الله وقوته-، ولا مسند قولاً إلا إلى كتابه وسنة رسوله الثابتة الصحيحة عنه، وأرجو أن يجمع هذا المختصر الوافي المعاني الإجمالية لصفات الله سبحانه وتعالى، ليعرف المؤمن ربه على الحقيقة، ويتخذ السبيل إليه : {ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين}.
    1- الله خالق كل شيء:
    أول ما يجب على العباد معرفته أن الله سبحانه وتعالى هو خالق كل شيء فكل ما يرونه ولا يرونه من المخلوقات هي من خلق إله واحد لا إله إلا هو، لم يشاركه أحد في خلق ذرة منها، ولم يساعده أحد في إبداع هذا الخلق وإظهاره {قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وما لهم فيها من شرك، وما له منهم من ظهير} أي أنه سبحانه ليس له معين من خلقه أعانه في خلق ذرة في السموات والأرض. قال تعالى: {الله خالق كل شيء وهو السميع العليم}..
    وسواء كان هذا الخلق من الذي يراه العباد على هيئته ولا دخل لهم في وجوده كالأرض التي يعيشون عليها، والشمس والقمر والنجوم والكون الفسيح الذي يعيشون فيه، والذي لا تشكل الأرض وما عليها منه إلا كمثقال حبة رمل واحدة وأقل من ذلك في صحراء مترامية الأطراف، أو كان هذا الخلق مما يصنعه البشر بأيديهم كمساكنهم وآلاتهم وأدواتهم ومركباتهم فإنها من خلق الله أيضاً، مادتها، وصانعها، وفكرتها. قال تعالى: {والله خلقكم وما تعلمون}. فالله سبحانه وتعالى هو خالق الصانع وصنعته، فهو الذي خلق عقله وسمعه وبصره ويده ورجله، وهو الذي ألهمه العلم بما يصنع، وعلمه ما يعمل وهو الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.
    فأفعال المخلوقات وإن نسبت إليهم لأنهم هم فاعلوها فإنها من خلق الله إيجاداً وتقديراً وإلهاماً وتيسيراً، وإقداراً وتعليماً.
    2. الله مالك كل شيء:
    وكما أن الله سبحانه وتعالى هو خالق كل شيء فهو مالك كل شيء، فالملك كله عاليه وسافله مشارقه ومغاربه كله ملك لله {تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير}.
    وقال تعالى: {له مقاليد السموات والأرض} والمقاليد هي المفاتيح، فهو مالك خزائن السموات والأرض وما فيها.
    والله سبحانه وتعالى يملك ما في السموات والأرض ذاتاً لأنه هو خالقها ومنشئها، ومخرجها من العدم ومبدعها، ويملك ما في السموات والأرض تصريفاً فما من حركة أو سكون في المخلوقات إلا وهي بمشيئته وأمره، ولا تملك ذرة واحدة في الكون لنفسها نفعاً ولا ضراً ولا مساراً ولا سكوناً.. بل الله مالك ذلك كله.
    وكل مخلوق جعل الله له مشيئة وإرادة واختياراً فإنما مشيئته وإرادته، واختياره وفق اختيار الله ومشيئته، فلا يشاء أحد لنفسه أو لغيره شيئاً إلا إذا شاء الله، ولا ينال أحد لنفسه أو غيره خيراً إلا بإذنه، ولا يدفع عن نفسه أو غيره ضراً إلا بإذنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن..
    قال تعالى: {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير، تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل، وترزق من تشاء بغير حساب}.
    فالله سبحانه وتعالى هو المالك والملك على الحقيقة يملك خلقه ذاتاً وتصريفاً ولا يملك مخلوق لنفسه ولا لغيره نفعاً أو ضراً، حركة أو سكوناً، إلا بإذنه ومشيئته.
    3- الله سبحانه وتعالى قد أحاط بكل شيء علماً:
    وكل شيء خلقه الله سبحانه وتعالى فقد خلقه بعلمه، ولا يعزب عنه من خلقه سبحانه صغير ولا كبير في كل لحظة وآن، فمخلوقات الله سبحانه وتعالى جميعها بدءاً من الذرة الصغيرة وما دونها، ونهاية بالمجرة الكبيرة وما فوقها، من السموات والعرش والكرسي، وما شاء الله أن يكون كل هذه المخلوقات مخلوقة موجودة بعلم الله، ولا يخرج صغير ولا كبير منها عن علمه في أية لحظة من لحظات وجوده، ولا يقع تصريف وعمل أو تغيير وتبديل في المخلوق إلا بعلم الله سبحانه وتعالى فلا تسقط قطرة ماء من السماء إلا بعلمه، ولا تسقط ورقة من شجرة إلا بعلمه، ولا ينتقل كائن من حال إلى حال أثناء تطوره نطفة فعلقة فمضغة إلا بعلمه {وما من دابة في الأرض إلا على الله ورقها ويعلم مستقرها ومستودعها} أين تضع بيضها وأين تخفي صغارها، وأين تخزن قوتها. كل غله وحشرة فما فوقها، الله سبحانه وتعالى عالم كل لحظة بما هي عليه، وما تصنعه، وقد أحاط علمه بجميع مخلوقاته فلا يعزب عنه سبحانه وتعالى صغير أو كبير منه.
    قال تعالى: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، ويعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين* وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضي أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعلمون}..

    الله سبحانه وتعالى مقدر مقادير خلقه:
    ما من شيء خلقه الله سبحانه وتعالى إلا وقد علمه قبل أن يخلقه، وقدر عمله ومساره، ومآله وكتب كل ذلك. قال تعالى: {إنا كل شيء خلقناه بقدر}، وقال تعالى: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون} والكتاب هنا هو كتاب الأعمال.
    وقال تعالى: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين}.
    والكتاب هنا هو كتاب المقادير وهو اللوح المحفوظ.
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [أول ما خلق الله القلم فقال له أكتب. قال: ما أكتب. قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة].
    وقال صلى الله عليه وسلم: [يا غلام احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده أمامك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، جفت الأقلام وطويت الصحف] ومعنى جفت الأقلام وطويت الصحف أي انتهى الرب سبحانه وتعالى من كتابة مقادير خلقه، وذلك قبل أن يخلقهم سبحانه وتعالى بخمسمائة عام.
    لا يستطيع مخلوق أن يعلم سعة علم الله:
    علم الله سبحانه وتعالى قد وسع المخلوقات كلها، ما وجد منها وما لم يوجد، ووسع علمه سبحانه ما لم يمكن وجوده، ولو وجد كيف يكون وجوده. قال تعالى فيما لم يقدر وجوده، لو وجد كيف يكون. قال تعالى: {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً} وقال تعالى في أهل النار لو خرجوا منها وردوا مرة ثانية إلى الدنيا كيف سيكون حالهم: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون}.
    والرب سبحانه وتعالى الذي علم خلقه كله قبل أن يوجدهم، وعلم ما يصدر من كل ذرة من مخلوقاته، وكيف يكون مصيرها ومآلها، وعلم ما لا يكون من مخلوقاته، ولو كان كيف يكون.
    هذا الرب سبحانه وتعالى لا يستطيع أحد أن يقدر علمه، وقد ضرب لنا سبحانه وتعالى مثلاً لسعة علمه، فقال سبحانه: {ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام، والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفذت كلمات الله إن الله عزيز حكيم}.
    أي لو تحولت جميع أشجار الأرض فصنع خشبها كله أقلاماً وتحولت البحار كلها المحيطة بها مداداً، وجلس كاتبون يكتبون علم الله بهذه الأقلام، وبهذا المداد لنفذ المداد كله، ولم تنفذ كلمات الله سبحانه وتعالى.
    وجميع ما علمته الملائكة والجن والإنس من علم الله لا يقع إلا كما تقع القطرة من المحيط. قال تعالى: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} وقال: {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء}، وقال الخضر لموسى عليهما السلام: [يا موسى ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من البحر].
    وإن من خلق الله سبحانه وتعالى ما لا تسعه عقولنا، ولا تستطيع الإحاطة به على النحو الذي هو عليه، فسعة الكون لا تسعه عقولنا، والعرش لا يقدر قدره إلا الله، وهو مخلوق وملك واحد من ملائكة الله تخفق الطير خمسمائة عام ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه، فكيف بالملك نفسه!!
    ورأى نبينا صلى الله عليه وسلم جبريل وقد سد الأفق وله ستمائة جناح!! ورأى النبي صلى الله عليه وسلم شجرة المنتهى يغشاها ما يغشاها من أنوار. قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: [لا أدري ما هي]!!
    ومع تقدم علومنا الدنيوية فلم نكتشف حقيقة الذرة بعد، ولا ماهية الضوء، ولا الأسرار الكامنة في تركيب جسم الإنسان بل الإنسان ما زال عند أهل العلم به من الأطباء والحكماء!! "الكائن المجهول"..
    فالأسرار التي لا تعلم من خلقه وتركيبه ونفسه أكثر كثيراً من الأمور المعلومة منه، والأسئلة التي لا جواب عليها حول خلق الإنسان نفسه أكثر كثيراً من الأسئلة التي وجدنا لها الجواب!! ومن الأسئلة التي لا جواب عليها: لماذا يحتفظ جسم الإنسان بهذه الدرجة الموحدة من الحرارة، ولماذا كان في هذه الدرجة ولم يكن أعلى منها أو أقل منها وما الذي يحفظ هذا التوازن الحراري فيه، ولما يسارع الجسم البشري يدرء خطر المرض عنه، وما الذي ينظم جميع أجهزة درء الخطر، فيأمر بارتفاع الحرارة، وتوجيه الجنود المدافعة للجراثيم الغازية، وما الذي ينظم عملية الدفاع والهجوم، وسحب الاحتياطي، وتقديمه إلى أماكن الخطر، وإزالة الجرحى، وتنظيف موقع المعركة، وما الذي يجعل جميع أجهزة الجسم تقوم بوظائفها التي تقوم بها وهي وظائف معقدة جداً من البناء والهدم والتغذية، والتخلص من الفضلات، وتنظيم أخلاط الجسم هذا، وفي جسم الإنسان نحو ستة مليارات من هذه الخلايا وهي جميعها تتجدد على مدى ستة أشهر تجدداً كاملاً.
    من الذي يدير هذه العملية الكبرى المعقدة التي تحتاج إلى كل كمبيوترات الأرض لتنظيمها في جسم بشري واحد!!
    سبحان من جلت قدرته عن الوصف، ومن أحاط علماً بكل شيء، ومن لا يسع العباد علماً به ولا بمخلوقاته. قال جل وعلا: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علماً}.
    الله رب العالمين:
    الله سبحانه وتعالى هو رب العالمين، عالم الملائكة، وعالم الإنس وعالم الجن، والطير والوحش، والسموات والأرض فكل ما سوى الله من الموجودات من عوالم فالله ربها جميعها إذ هو سبحانه وتعالى موجودها من العدم، ومبدعها على غير مثال سابق {بديع السموات والأرض} وهو المالك لكل ما في السموات والأرض، والمتصرف في كل ما في السموات والأرض والسيد لكل ما في السموات والأرض، وكل هذا من معاني ربوبيته سبحانه وتعالى، فالرب هو السيد والمالك والمربي ،وكل هذه الصفات هي من صفات الله سبحانه وتعالى.. فليس لكل العالمين مالك يملكهم إلا هو الذي خلقهم وذرأهم وبرأهم، وليس للعالمين من سيد يطيعون أمره طوعاً وكرهاً إلا هو سبحانه وتعالى فجميع خلقه مسلمون له طوعاً أو كرهاً، ولا خروج لأحد منهم عن إرادته ومشيئته وأمره الذي أمضاه فيهم وقدره لهم، فالله هو رب جبريل وإسرافيل وميكائيل، ورب محمد ورب إبراهيم، ورب جميع الرسل والأنبياء، وهو رب الملائكة جميعاً، ورب الإنس والجن جميعاً، ومن جحد ربوبية الله من الخلق، فهو جاحد كاذب لا يضر إلا نفسه، ولا يخرج بجحده هذا عن ربوبيته لله سبحانه وتعالى لأن الله هو الذي أوجده وهو الذي يقيمه ويحييه ويميته ويمرضه، ويشفيه إن شاء، ويعاقبه إذا أراد، ويرحمه إذا شاء، فالأمر كله له، والتصرف في الخلق كله له، وليس لأحد معه شركة في هذه الربوبية.
    الله سبحانه وتعالى إله العالمين:
    لما كان سبحانه وتعالى هو رب العالمين، وخالق الخلق أجمعين والمتصرف في الخلائق كلها، والعوالم جميعها، ولا ينازعه في هذا الأمر غيره، فليست له صاحبة ولا ولد وليس له ند، ولا شبيه، ولا نظير، ولا كفء، بل جميع خلقه تحت قهره وأمره، ورهن تصرفه وحكمه، لا يملك أحد منهم لنفسه نفعاً ولا ضراً إلا بإذنه، لما كان ذلك كان الله هو إله العالمين الذي لا إله لهم غيره، فهو الرب الذي تألهه كل مخلوقاته من هداهم إلى نوره وأعلمهم طريق عبادته، فهؤلاء يقدسون الله ويعبدونه ويعظمونه، ويألهونه، ويحبونه، ويخافونه، ويخشونه، يرجون رحمته، ويخافون عذابه، فالملائكة كلهم أجمعون على هذه الحال من مخافته، وخشيته، ومحبته، وطاعته، وعبادته، وتسبيحه وتقديسه: {يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون}، {يسبحون الليل والنهار لا يفترون} {والذين عند ربك لا يستكبرون عبادته وله يسجدون}.
    والرسل والأنبياء والمؤمنون من الإنس والجن يخافون ربهم ويحبونه ويعبدونه، ويتقون عذابه، ويسارعون في الخيرات ويدعونه رغباً ورهباً، ويجاهدون في سبيله، ويخلصون دينهم له، ويقدسون ربهم، ويسبحونه، ويوقنون أنهم هو سبحانه وتعالى إلههم وربهم ليس لهم إله دونه ولا رب لهم سواه، ولا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء لهم. وقد أثنى الله عليهم فقال: {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم* ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلاً هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين* وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين* وإسماعيل واليسع ويونس ولوطاً وكلاً فضلنا على العالمين* ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم* ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون}.
    وقال تعالى: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون* كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله* وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير* لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت* ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا* ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا* ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به* واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين}.
    وقال تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة أجراً عظيماً}.
    وقال تعالى: {وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين}.
    وقال تعالى: {قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين وأمرت لأن أكون من المسلمين* قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم* قل الله أعبد مخلصاً له ديني}.
    وقال تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين}.
    وقال تعالى: {قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن اتبع إلا ما يوحى إلي قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون}.
    وقال تعالى: {قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون}.
    فالرسل جميعاً عابدون له خائفون منه مسبحون بحمده راجون رحمته، خائفون من عذابه، قد جعلوا حياتهم كلها له، وأسلموا له في الصغير والكبير، وكذلك سائر أهل الإيمان من الإنس والجن، هذا دينهم وعملهم ومنهجهم، لا إله لهم يعبدونه إلا الله، الذي أوقفوا حياتهم كلها له {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين}.
    وأما من أنكر هذه الألوهية من كفار الإنس والجن فإنما جحدها جحداً، وعمى عنها عماية، وكفر بها كفراً، ولا يضر بهذا الجحود والكفر والعمي إلا نفسه، وسواء اتخذ له إلها من دون الله يعطيه ما يعطي الإله من الحب والطاعة والخوف والخشية والإنابة والعبادة، أو لم يعرف له إلهاً ولا رباً ولا خالقاً فعبد هواه وشهوته، وعاش في هذه الدنيا يأكل ويتمتع كما تأكل الأنعام ثم تكون النار مثوى له، فهو كالأنعام بل أحط قدراً. قال تعالى: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون}.
    وقال تعالى: {والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم}.

    **********

    رحمك الله أبي الحبيب, لا تنسوه من الدعاء , الله المستعان
يعمل...
X