http://www.youtube.com/watch?v=D8c39AnL1Po
بسم الله الرحمن الرحيم
عن رافع بن عبد الله قال : قال لي هاشم بن يحيى الكناني : لأحدثنك حديثاً رأيته بعيني وشهدته بنفسي ونفعني الله عز وجل به فعسى الله أن ينفعك به كما نفعني ،
قلت : حدثني يا أبا الوليد ،، قال : غزونا أرض الروم في سنة ثماني وثلاثين وعلينا مسلمة بن عبد الملك عبدالله بن الوليد بن عبد الملك وهي الغزوة التي فتح الله عز وجل فيها الطوانة ، وكنا رفقة من أهل البصرة و أهل الجزيرة في موضع واحد ،، وكنا نتناوب الخدمة والحراسة وطلب الزاد والعلوفات ،، وكان معنا رجل يقال له سعيد بن الحارث ذو حظ وعبادة يصوم النهار ويقوم الليل ، وكنا نحرص أن نخفف عنه من نوبته ونتولى ذلك فيأبى إلا أن يكون في جميع الأمور بحيث لا يخلي شيئاً من عبادته ، وما رأيته في ليل ولا نهار إلى وفي حال اجتهاد ،فإن لم يكن وقت الصلاة أو كنا نسير لم يفتر عن ذكر الله تعالى و دراسة القرآن ،،قال هشام : فأدركني وإياه النوبة ذات ليلة في الحراسة ،، و نحن محاصرون حصناً من حصون الروم قد استصعب علينا أمره فرأيت من سعيد في تلك الليلة في شدة الصبر على العبادة ما احتقرت معه نفسي و عجبت من قوة جسمه على ذلك ، و عملت أن الله تعالى يؤتي الفضل من يشاء ،، وأصبح كلاًّ من التعب
فقلت له : يرحمك الله إن لنفسك عليك حقاً ،، ولعينك عليك حقاً ، ولقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اكلفوا من العمل ما تطيقون " وذكرت له شبه هذا من الأحاديث
فقال لي : يا أخي إنما هي أنفاس تعدّ ،، وعمر يفنى ،، ,أيام تنقضي ،، وأنا رجل أرتقب الموت ،، وأبادر خروج نفسي ،،
يقول هشام : فأبكاني جوابه ،، ودعوت الله عز وجل له بالعون والتثبيت ،، ثم قلت له : نم قليلاُ تستريح فإنك لا تدري ما يحدث من أمر العدو ، فإن حدث شيء كنت نشيطاً ..،، فنام إلى جانب الخباء ،، وتفرق أصحابنا فمنهم من نهو في القتال ،، ومنهم من هو في غير ذلك ،، وأقمت في موضعي أحرس رحالهم ،، وأصلح لهم طعامهم ،، وأنا كذلك إذا سمعت كلاماً في الخباء ،، وعجبت مع أنه ليس فيه غير سعيد نائماً ،، وظننت أن أحداً دخله ولم أره ،، فدخلت فلم أجد أحداً غيره ،، وهو نائم بحاله،، إلا أنه يتكلم وهو يضحك في نومه ،، فأصغيت إليه وحفظت من كلامة ما أحب أن أرجع ،، ثم مدّ يده اليمنى كأنه يأخذ شيئاَ ،، ثم ردّها بلطف وهو يضحك ،، ثم قال : فالليلة .. ثم وثب من نومه وثبة استيقظ لها وهو يرتعد ،،، فاحتضنته إلى صدري مده ،، وهو يلتفت يميناً وشمالاً حتى سكن وعاد له فهمه ،، وجعل يهلل ويكبر ،، ويحمد الله تعالى ،، فقلت له : يا أخي .. ما شأنك ..؟؟ فقال : خير يا أبا الوليد .. ،، قلت : إني قد رأيت منك شيئاً وسمعت منك كلاماً في نومك فحدِّثني بما رأيت ..
فقال : أوتعفيني من ذلك.. ،، فذكرته حق الصحبة ،، قلت : حدِّثني يرحمك الله فعسى الله أن يجعل لي في ذلك عظة وخيراً ،،
فحدَّثني .. عما رأى في منامه من قول رجلين له لم ير قط مثل صورتهما كمالاً وحسناً : يا أبا سعيد أبشر فقد غفر ذنبك وشكر سعيك ، وقبل عملك ،،واستجيب دعاؤك ،، وعجلت لك البشرى في حياتك فانطلق معنا حتى نريك ما أعد الله لك من النعيم .. وظل سعيد يسرد ما رأى من القصور والحور وترحيبهن به ،، والجواري ،، حتى انتهى إلى سرير عليه واحدة من الحور العين كأنها اللؤلؤ المكنون فقالت له : قد طال إنتظارنا إياك ،،
فقلت لها : أين أنا ؟ قالت : في جنة المأوى ،،
قلت لها : ومن أنت ؟؟ قالت : أنا زوجتك الخالدة ،،
قال: فمددت يدي إليها ،، فردتها بلطف ،، وقالت : أما اليوم فلا .. إنك راجع إلى الدنيا ،
فقلت : ما أحب أن أرجع ،،
فقالت : لا بد من ذلك ، وستقيم ثلاثاً ،، ثم تفطر عندنا في الليلة الثالثة ،، إن شاء الله تعالى ،، فقلت : فالليلة الليلة ، قالت : إنه كان أمراً مقضياً ،، ثم نهضت عن مجلسها .. ووثبتُ لقياهما فإذا أنا قد استيقظت ،
قال هاشم : فقلت : يا أخي أحدث لله شكراً فقد كشف لك عن ثواب عملك ،،
فقال لي : هل رأى أحد غيرك مثل ما رأيت منى ،، فقلت : لا ؟؟ فقال : أسألك بالله عز وجل إلا سترت عليّ ما دمت حياً .. فقلت : نعم ..،، فقال : ما فعل أصحابنا ،،
فقلت : بعضهم في القتال ،،وبعضهم في الحوائج .. فقام وتطهر ،، واغتسل ومس طيباً ،، وأخذ سلاحه وسار إلى موضع القاتل وهو صائم ،، فلم يزل يقاتل حتى الليل ،، وانصرف أصحابه وهو فيهم ،، فقالوا لي : يا أبو الوليد لقد صنع هذا الرجل شيئاً ،، ما رأيناه صنع مثله قط ، ولقد حرص على الشهادة،، وطرح نفسه تحت سهام العدو ،، وحجارتهم وكل ذلك ينبو عنه ،،
فقلت في نفسي : لو تعلمون شأنه لتنافستم في مثل صنيعه ،، قال : وأفطر على شيء من الطعام وبات ليلته قائماً و أصبح صائماً فصنع كصنيعه بالأمس ،، وانصرف من آخر النهار فذكر عنه أصحابه مثل ما ذكروه بالأمس ،،حتى إذا كان اليوم الثالث وقد مضت ليلتان ، انطلقتُ معه وقلت : لا بد أن أشهد أمره وما يكون منه ،، فلم يزل يلقي نفسه تحت مكايد العدو نهاره كله ولا يصل إليه شيء ،، وهو يؤثر فيهم الآثار ،، وأنا أرعاه من بعيد لا أستطيع الدنو منه ،، حتى إذا نزلت الشمس للغروب … وهو أنشط ما كان ،، فإذا برجل من فوق حائط الحصن قد تعمده بسهم .. فوقع في نحره .. فخر صريعاً ،، وأنا أنظر إليه ،، فصحت بالناس فابتدروه واجتذبوه وبه رمق ،، وجاءوا به يحملونه فلما رأيته قلت له : هنيئاً لك بما تفطر عليه الليلة ،، ياليتني كنت معك … فعضّ شفته السفلى ،، وأومأ إليّ ببصره وهو يضحك يعني أكتم أمري حتى أموت ،،
ثم قال : الحمد لله الذي صدقنا وعده ،، فوالله ما تكلم بشيء غيرها ،، ثم قضى رحمة الله تعالى عليه ،، قال هشام ،، فقلت بأعلى صوتي : يا عباد الله لمثل هذا فليعمل العاملون ،، أسمعوا ما أخبركم به عن أخيكم هذا ،، فاجتمع الناس إليّ فحدَّثتهم بالحديث على وجهه ،، فما رأيت قط أكثر من تلك الساعة باكياً ،، ثم كبروا تكبيرة أضطرب لها العسكر ،، وأقبلوا للصلاة عليه ،، وبلغ ذلك مسلمة بن عبد الملك فقال: يصلى صاحبه الذي عرف من أمره ما عرف .. قال هشام : فصليت عليه ودفناه في موضعه ،، وبات الناس يذكرون حديثه وحرض بعضهم بعضاً ،، ثم أصبحوا فنهضوا إلى الحصن بنيات مجددة ،، وقلوب مشتاقة إلى لقاء الله عز وجل ،، فما أضحى النهار حتى فتح الله الحصن ببركته رحمه الله تعالى ،،
رهبان الليل ج1/ سيد بن حسين العفاني
وكذلك ذكرها في كتابه تعطير الأنفاس من حديث الإخلاص
بسم الله الرحمن الرحيم
عن رافع بن عبد الله قال : قال لي هاشم بن يحيى الكناني : لأحدثنك حديثاً رأيته بعيني وشهدته بنفسي ونفعني الله عز وجل به فعسى الله أن ينفعك به كما نفعني ،
قلت : حدثني يا أبا الوليد ،، قال : غزونا أرض الروم في سنة ثماني وثلاثين وعلينا مسلمة بن عبد الملك عبدالله بن الوليد بن عبد الملك وهي الغزوة التي فتح الله عز وجل فيها الطوانة ، وكنا رفقة من أهل البصرة و أهل الجزيرة في موضع واحد ،، وكنا نتناوب الخدمة والحراسة وطلب الزاد والعلوفات ،، وكان معنا رجل يقال له سعيد بن الحارث ذو حظ وعبادة يصوم النهار ويقوم الليل ، وكنا نحرص أن نخفف عنه من نوبته ونتولى ذلك فيأبى إلا أن يكون في جميع الأمور بحيث لا يخلي شيئاً من عبادته ، وما رأيته في ليل ولا نهار إلى وفي حال اجتهاد ،فإن لم يكن وقت الصلاة أو كنا نسير لم يفتر عن ذكر الله تعالى و دراسة القرآن ،،قال هشام : فأدركني وإياه النوبة ذات ليلة في الحراسة ،، و نحن محاصرون حصناً من حصون الروم قد استصعب علينا أمره فرأيت من سعيد في تلك الليلة في شدة الصبر على العبادة ما احتقرت معه نفسي و عجبت من قوة جسمه على ذلك ، و عملت أن الله تعالى يؤتي الفضل من يشاء ،، وأصبح كلاًّ من التعب
فقلت له : يرحمك الله إن لنفسك عليك حقاً ،، ولعينك عليك حقاً ، ولقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اكلفوا من العمل ما تطيقون " وذكرت له شبه هذا من الأحاديث
فقال لي : يا أخي إنما هي أنفاس تعدّ ،، وعمر يفنى ،، ,أيام تنقضي ،، وأنا رجل أرتقب الموت ،، وأبادر خروج نفسي ،،
يقول هشام : فأبكاني جوابه ،، ودعوت الله عز وجل له بالعون والتثبيت ،، ثم قلت له : نم قليلاُ تستريح فإنك لا تدري ما يحدث من أمر العدو ، فإن حدث شيء كنت نشيطاً ..،، فنام إلى جانب الخباء ،، وتفرق أصحابنا فمنهم من نهو في القتال ،، ومنهم من هو في غير ذلك ،، وأقمت في موضعي أحرس رحالهم ،، وأصلح لهم طعامهم ،، وأنا كذلك إذا سمعت كلاماً في الخباء ،، وعجبت مع أنه ليس فيه غير سعيد نائماً ،، وظننت أن أحداً دخله ولم أره ،، فدخلت فلم أجد أحداً غيره ،، وهو نائم بحاله،، إلا أنه يتكلم وهو يضحك في نومه ،، فأصغيت إليه وحفظت من كلامة ما أحب أن أرجع ،، ثم مدّ يده اليمنى كأنه يأخذ شيئاَ ،، ثم ردّها بلطف وهو يضحك ،، ثم قال : فالليلة .. ثم وثب من نومه وثبة استيقظ لها وهو يرتعد ،،، فاحتضنته إلى صدري مده ،، وهو يلتفت يميناً وشمالاً حتى سكن وعاد له فهمه ،، وجعل يهلل ويكبر ،، ويحمد الله تعالى ،، فقلت له : يا أخي .. ما شأنك ..؟؟ فقال : خير يا أبا الوليد .. ،، قلت : إني قد رأيت منك شيئاً وسمعت منك كلاماً في نومك فحدِّثني بما رأيت ..
فقال : أوتعفيني من ذلك.. ،، فذكرته حق الصحبة ،، قلت : حدِّثني يرحمك الله فعسى الله أن يجعل لي في ذلك عظة وخيراً ،،
فحدَّثني .. عما رأى في منامه من قول رجلين له لم ير قط مثل صورتهما كمالاً وحسناً : يا أبا سعيد أبشر فقد غفر ذنبك وشكر سعيك ، وقبل عملك ،،واستجيب دعاؤك ،، وعجلت لك البشرى في حياتك فانطلق معنا حتى نريك ما أعد الله لك من النعيم .. وظل سعيد يسرد ما رأى من القصور والحور وترحيبهن به ،، والجواري ،، حتى انتهى إلى سرير عليه واحدة من الحور العين كأنها اللؤلؤ المكنون فقالت له : قد طال إنتظارنا إياك ،،
فقلت لها : أين أنا ؟ قالت : في جنة المأوى ،،
قلت لها : ومن أنت ؟؟ قالت : أنا زوجتك الخالدة ،،
قال: فمددت يدي إليها ،، فردتها بلطف ،، وقالت : أما اليوم فلا .. إنك راجع إلى الدنيا ،
فقلت : ما أحب أن أرجع ،،
فقالت : لا بد من ذلك ، وستقيم ثلاثاً ،، ثم تفطر عندنا في الليلة الثالثة ،، إن شاء الله تعالى ،، فقلت : فالليلة الليلة ، قالت : إنه كان أمراً مقضياً ،، ثم نهضت عن مجلسها .. ووثبتُ لقياهما فإذا أنا قد استيقظت ،
قال هاشم : فقلت : يا أخي أحدث لله شكراً فقد كشف لك عن ثواب عملك ،،
فقال لي : هل رأى أحد غيرك مثل ما رأيت منى ،، فقلت : لا ؟؟ فقال : أسألك بالله عز وجل إلا سترت عليّ ما دمت حياً .. فقلت : نعم ..،، فقال : ما فعل أصحابنا ،،
فقلت : بعضهم في القتال ،،وبعضهم في الحوائج .. فقام وتطهر ،، واغتسل ومس طيباً ،، وأخذ سلاحه وسار إلى موضع القاتل وهو صائم ،، فلم يزل يقاتل حتى الليل ،، وانصرف أصحابه وهو فيهم ،، فقالوا لي : يا أبو الوليد لقد صنع هذا الرجل شيئاً ،، ما رأيناه صنع مثله قط ، ولقد حرص على الشهادة،، وطرح نفسه تحت سهام العدو ،، وحجارتهم وكل ذلك ينبو عنه ،،
فقلت في نفسي : لو تعلمون شأنه لتنافستم في مثل صنيعه ،، قال : وأفطر على شيء من الطعام وبات ليلته قائماً و أصبح صائماً فصنع كصنيعه بالأمس ،، وانصرف من آخر النهار فذكر عنه أصحابه مثل ما ذكروه بالأمس ،،حتى إذا كان اليوم الثالث وقد مضت ليلتان ، انطلقتُ معه وقلت : لا بد أن أشهد أمره وما يكون منه ،، فلم يزل يلقي نفسه تحت مكايد العدو نهاره كله ولا يصل إليه شيء ،، وهو يؤثر فيهم الآثار ،، وأنا أرعاه من بعيد لا أستطيع الدنو منه ،، حتى إذا نزلت الشمس للغروب … وهو أنشط ما كان ،، فإذا برجل من فوق حائط الحصن قد تعمده بسهم .. فوقع في نحره .. فخر صريعاً ،، وأنا أنظر إليه ،، فصحت بالناس فابتدروه واجتذبوه وبه رمق ،، وجاءوا به يحملونه فلما رأيته قلت له : هنيئاً لك بما تفطر عليه الليلة ،، ياليتني كنت معك … فعضّ شفته السفلى ،، وأومأ إليّ ببصره وهو يضحك يعني أكتم أمري حتى أموت ،،
ثم قال : الحمد لله الذي صدقنا وعده ،، فوالله ما تكلم بشيء غيرها ،، ثم قضى رحمة الله تعالى عليه ،، قال هشام ،، فقلت بأعلى صوتي : يا عباد الله لمثل هذا فليعمل العاملون ،، أسمعوا ما أخبركم به عن أخيكم هذا ،، فاجتمع الناس إليّ فحدَّثتهم بالحديث على وجهه ،، فما رأيت قط أكثر من تلك الساعة باكياً ،، ثم كبروا تكبيرة أضطرب لها العسكر ،، وأقبلوا للصلاة عليه ،، وبلغ ذلك مسلمة بن عبد الملك فقال: يصلى صاحبه الذي عرف من أمره ما عرف .. قال هشام : فصليت عليه ودفناه في موضعه ،، وبات الناس يذكرون حديثه وحرض بعضهم بعضاً ،، ثم أصبحوا فنهضوا إلى الحصن بنيات مجددة ،، وقلوب مشتاقة إلى لقاء الله عز وجل ،، فما أضحى النهار حتى فتح الله الحصن ببركته رحمه الله تعالى ،،
رهبان الليل ج1/ سيد بن حسين العفاني
وكذلك ذكرها في كتابه تعطير الأنفاس من حديث الإخلاص