من للإسلام في زمن الغربـة
رمى أعداء الله هذا الدين الحنيف عن قوس واحدة، وكان في طليعتهم المرتدون من بني جلدتنا، فأثخنوا في الأمة، واضرموا نار الفتنة، ونفثوا السموم، فمنهم من أعلن عداءه للدين، ومنهم من أيد بصمته عن الباطل ودعمه لمتبنيه، فلا مخرج من هذا الاستضعاف إلا بالعودة إلى كتاب الله، والالتزام بنهج النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم..
تطبيق حد الردة في زماننا
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد.. فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد. روى الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من بدل دينه فاقتلوه)، وهذا هو حكم المرتد، من رضي بالكفر بعد الإيمان حكمه القتل سواءً كان رجلاً أو امرأة؛ كما قال علماء العربية والأصول أن: (مَن) و(مَا) والأسماء الموصولة كلها من صيغ العموم.. والألف واللام التي تفيد الاستغراق من صيغ العموم أيضاً، ولفظة: (كل) و(جميع) أيضاً من صيغ العموم، فحيثما وجدت كلمة من هذه الكلمات في أي سياق فاعلم أن السياق يستغرق أفراد الجنس. فقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من بدل دينه فاقتلوه)، هذا يفيد العموم سواء كان رجلاً أو امرأة؛ وإنما دعاني إلى هذا القول أنه ورد حديث في بعض الكتب أنكره علماء الحديث، وبكل أسف تبناه بعض الفقهاء في كتبهم وقالوا بمقتضاه، وخصصوا به هذا العموم، وهو الحديث المنكر الباطل بإجماع علماء الحديث وهو: (إذا ارتدت المرأة لا تقتل)، وهذا خصوص أو تخصيص، وسلطوا هذا الحديث على الحديث العام: (من بدل دينه فاقتلوه)، فكانت النتيجة أن المرأة إذا ارتدت لا تقتل، وأن الرجل إذا ارتد يقتل، ولكن الراجح أن هذا العموم قد سلم من التخصيص، ولا معارض له، وهو يشمل الرجال والنساء معاً. ......
كيفية الخروج من مرحلة الاستضعاف
خروجنا من هذا المأزق بإعادة النظر في التعليم الشرعي، تقدم لي مشكلات وبكل أسف من طلبة في المعاهد الأزهرية نجحوا بتقدير عال (90%) و (93%) و (87%)، والطالب منهم يريد أن يدخل كلية الشريعة؛ لأنه مؤمن برسالة معينة، ويريد أنه يصل إلى درجة أستاذ في كلية الشريعة، يريد أن ينصر الله ورسوله، فيعترض عليه أهله، ويقولون له: تطلع في الآخر (فقي)؟!! أربيناك من أجل أن تكون في الأخير (فقي)؟! ومعنى كلمة (فقي) أي: فقيه، فكيف كانت هذه هي النظرة للفقه والفقهاء؟ كانت بسبب الإعلام الرسمي الذي حط من منزلة الفقهاء. فيأتي لك بفلم، وولد خطب بنتاً من أهلها باسم الحب، ويريد أن يتزوجها باسم الحب، فيذهبون إلى مأذون يلبس العمامة والكاكولا، فيقول لهم: خلصونا بقا!! وهل هي في اللغة العربية لفظ (بقا)؟! فما المقصود من هذه العملية؟ المقصود منها تحقير هذه اللغة التي نزل بها القرآن الكريم، ولا زالوا يحطون من قيمة أساتذة العربية، من أيام دانلوك الذي وضع نظام التعليم القذر في بلادنا ونحن زرعناه في البلاد العربية، بينما مدرس الإنجليزي طيلة عمره محترم، وحصة الإنجليزي والفرنساوي والفيزياء والكيمياء تكون الحصص الأولى، وحصص اللغة العربية تكون الحصص الثالثة والرابعة، أما حصة الدراسات الإسلامية فلا تكون إلا في السادسة، عندما يكاد الطالب أن يقفز من فوق السور، ووصل إلى درجة من الإعياء أنه لم يعد قادراً على استيعاب أي شيء. وفي نفس الوقت رفعوا درجات اللغة الإنجليزية، ورفعوا مرتب أستاذ اللغة الإنجليزية، فإذا كان مدرس اللغة العربية يأخذ أربعة جنيهات فإن مدرس الإنجليزي يأخذ اثني عشر جنيهاً، وهذا فيه تحقير، إذاً: من سيدخل قسم اللغة العربية إذا كان سيأخذ أربعة جنيهات؟! لذا فالأب يقول لابنه: ادخل يا بني قسم اللغة الإنجليزية حتى تحصل على إثني عشر جنيهاً، ومضافاً إلى ذلك الدروس الخصوصية، ولأنك ستكون ترجماناً، والترجمة الفورية مطلوبة في كل مكان. ثم أعطوا مادة الإسلامية لمدرس اللغة العربية؛ لأن مدرس اللغة العربية مستواه الاجتماعي منخفض، فعندما يعطونه حصة الدين يكون الدين كذلك، ويأتون بمدرس اللغة العربية وهو يلبس (البنطال أبو الحمالات) وكل دقيقة يشد ويمط في (حمالات البنطال والحمالات تلسع) ويجعلون منه أضحوكة، ما المقصود من هذا الكلام؟ المقصود تحقير اللغة العظيمة التي نزل بها القرآن، وهذا مخطط قديم ورهيب، وأنا ألح عليكم أن تقرءوا رسالة: (في الطريق إلى ثقافتنا)، لأستاذنا الجليل الشيخ محمود شاكر حفظه الله، وهذه الرسالة فيها تاريخ تغريب التعليم من أيام محمد علي الذي يطلق عليه باعث النهضة الحديثة إلى الآن، رسالة يشيب شعرك وأنت تقرؤها، والشيخ محمود شاكر كانت له مساجلات عظيمة على صفحات مجلة الرسالة يوم أن كان لها قيمة، ثم نشر هذا التراث على شكل كتاب باسم أباطيل وأثمار، اقرءوا هذا الكتاب، فهو دفاع عن العربية وذود عن حياضها، ضد لويس عوض ، وعبد العزيز فهمي الذي كرموه بأن عملوا اسمه على مترو مصر الجديدة. إذا ذهبت لتركب من مصر الجديدة ترى على المترو اسم عبد العزيز فهمي ، والذي كان يطالب بأن تحل اللغة العامية محل اللغة العربية، والشيخ أحمد شاكر رحمه الله الأخ الأكبر للشيخ محمود شاكر له رسالة عظيمة في الرد على عبد العزيز فهمي، معارك على كل الجبهات، أين رجالنا على كل الجبهات؟ هل عندنا كوادر يقاتلون هؤلاء؟ لا. ليس عندنا كوادر، إنما عندنا أشباه فقط، ومن أعظم أبواب الخلل اشتباه العالم بشبيه العالم؛ لأن الجاهل يأتي فيتزيا بزي العالم، فيظنه الناس عالماً، ولكنه في الحقيقة ليس كذلك، ويذكرني هذا بأبيات لـتأبط شراً ، وهو شاعر جاهلي اسمه ثابت بن جابر ، ولقبوه في كتب الأدب بـتأبط شراً ، فيحكي أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني أن رجلاً ثقفياً أحمق قابل ثابت بن جابر ، وكان تأبط شراً رجلاً ضعيف البنية، فقال: بِمَ تغلب الرجال يا ثابت وأنت دميم وضئيل؟ قال له: باسمي! ساعة أن ألقى الرجل فأقول له: أنا تأبط شراً ينخلع قلبه!! فآخذ منه ما أريد، فقال له: بهذا فقط؟ قال: فقط. ففكر الثقفي قليلاً وكان يكنى بـأبي وهب ، فقال له: هل تبيع لي اسمك؟ يعني طالما أنك تخوف الناس باسمك فلماذا لا تبيعه لي؟ فقال له تأبط شراً : بكم تشتريه؟ قال له: بهذه الحلة الجيدة وبكنيتي، فقال له تأبط شراً : وافقت، فخلع الرجل حلته، وقال له: هذه الحلة وأنت أبو وهب ، فقال له: هنيئاً لك، وأنت تأبط شراً ، واتفقوا على ذلك، وهذا لا شك أنه حمق عظيم، وقام تأبط شراً بكتابة أبيات وأرسلها إلى امرأة الثقفي يقول فيها: ألا هل أتى الحسناء أن حليلها تأبط شراً واكتنيت أبا وهب فهبه اكتنى بي وسمـاني اسمه فأين له صبري على معظم الخطب وأين له بأسٌ كبأسي وسَوْرَتي وأين له في كل فادحةٍِ قلبي أي: هو أخذ اسمي، لكن هل أخذ قوة قلبي، وأخذ جرأة جناني وجلدي على الأحداث؟! ما أخذ ذلك، فتزيا أبو وهب بزي القوي، وتصور نفسه أنه تأبط شراً وذهب إلى ذي بأس ماذا سيقول له: أنا تأبط شراً (بصوت شاحب منخفض)؟!!! مع أن الرجل ليس له قلب شجاع أصلاً. مثلما حصل في حرب الخليج، إذ صرح الرئيس الأمريكي وقال: نحن نناشد الرئيس العراقي صدام حسين ألا يريق الدماء! ونحن نعلم أن جيشه رابع جيش في العالم، وأن لديه خبرة في الحرب الميدانية؛ فهو يحارب منذ ثماني سنين، ونحن قد جهزنا ثمانية عشر ألف كفن، فيقول صدام حسين : حقاً أمريكا تخاف مني!! فماذا عملوا به؟ لعبوا به وأدخلوه الحرب، مثل الأحمق الثقفي ، ليس له قلب ولا ساعد وظن نفسه تأبط شراً، وذكرني بالمثل الخرافي الذي كان يحكى لنا من زمان وهو: كل شخص يقتل يحل محله عفريت، فيحكون مرة أن هناك رجلاً عجوزاً قُتل، فعفريته ضروري أن يكون على عكاز، المهم أن العفريت عندما طلع بعدما قتل الرجل كان ماسكاً للعكاز ولا يستطيع أن يقوم من مكانه، فكان هناك رجل يمشي هكذا، فقال له العفريت: يا بنيّ! خذ بيدي حتى أقوم لأخيفك؟ فاليوم عندما يلبس رجل العمامة وكاكولا ويجلس على كرسي، أو يقولون له: أنت مدير الأوقاف، أو أنت مقيم شعائر، أو أنك في لجنة الفتوى، هو ليس بعالم وليس عنده مؤهلات العلماء، لكن الحكاية طلعت في دماغه وكبرت، وهذا من أعظم أبواب الخلل. لذلك نحن نضع دائماً صورة العالم الرباني الذي يرجع إليه؛ حتى لا يلتبس عليكم، فالناس الذين يذهبون إلى مقيمي الشعائر ليحصلوا منه على فتاوى في الطلاق هذه جناية على الفروج؛ لأنهم جهلة لا يعرفون حدود الطلاق ولا الرجعة. إذاً: معرفة العالم مسألة ضرورية في مرحلة الاستضعاف، حتى تعلم من العالم الذي إذا ناداك قلت له: لبيك، ومن شبيه العالم الذي إذا ناداك أخرسته، وعرفت أنه لا يتبع، إذاً: مرحلة الاستضعاف مرحلة خطيرة جداً، ونحن في مفترق الطرق. هذه مقدمةٌ ضرورية في كلامنا على الاستضعاف، فنحن سوف نرسم البيت المسلم الذي ينتج لنا ديناً يستحق التمكين، إذا أردت أن يمكن لولدك فماذا تفعل؟ افعل كذا وكذا.. وكله من القرآن والسنة كما هو دأب علمائنا، إذ في القرآن والسنة كفايةٌ لمن اعتبر وادكر، والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كفريات نصر أبو زيد
نصر أبو زيد أستاذ اللغة العربية والدراسات الإسلامية في كلية دار العلوم اعتمد في الحكم بردته على ما قررته محكمة النقض وبما أنهم رجال قانون فإنهم يتعاملون مع النصوص، فلما قرءوا كلام الرجل -وهم أناس يتعاملون مع النص- خرجوا بالنتائج الآتية من كلام الرجل، وهذا تقرير محكمة النقض خرج في أربعة وثلاثين صفحة وقد قرأته، وسأقرأ عليكم منه من ص (20) إلى ص (24)، والتي فيها مجمل ما ذكر الرجل في كتبه، وكان من المفروض أن يكتب هذا التقرير في كل الصحف الرسمية؛ نصراً لله ورسوله ولدينه وإعزازاً للمؤمنين، بدلاً من مجلة السيارات التي تنشر في أخبار اليوم، والإعلانات التي تأخذ نحو عشر صفحات، هذا أولى أن ينشر على الناس ذراً للرماد في عيون المارقين، وهناك مجلة كاملة لنشر الفاحشة اسمها (مجلة الحوادث)، تنشر الشر بالتفصيل الممل المقيت، والشباب في هذه الأيام عاطلون، يريد أن يضيع وقته، فيقرأ هذه المجلة، ويخطر على باله أن ينفذ بعض هذه التفصيلات التي يقرؤها. ألا تتعجبون من الجرائم التي تقع في المجتمع ليل نهار! هذه بضاعتكم ردت إليكم، كان من الأولى أن ينشر هذا التقرير إعزازاً للمؤمنين ونصراً لدين الله عز وجل، لكن نحن بهذا الصوت الضعيف لعل الله عز وجل أن ينقله، ويتخلل إلى أفئدتكم فتعملون بما أمركم الله عز وجل به. فاسمعوا هذا الذي ذكرته محكمة النقض التي لم تسلم من الإهانة والتجريح، واتهموهم بأنهم دخلوا مع الإرهابيين في صف واحد، وبعدما كنا نحارب الإرهابيين فيا فرحة الإرهابيين بهذا التقرير، يقولون: ويكفي عند جمهور الفقهاء ومنهم الحنفية لاعتبار الشخص مرتداً أن يتعمد إتيان الفعل أو القول الكفري ما دام قد صدر عنه بقصد الاستخفاف أو التحقير أو العناد أو الاستهزاء، ولا يندفع حكم الردة إذا تحقق ما تقدم، وإن ادعى المرتد أنه مسلم؛ لأنه اتخذ موقفاً يتنافى مع الإسلام؛ لأن الزنديق يموه بكفره، ويروج عقيدته الفاسدة، ويبطن الكفر ويدعي الإسلام. وبعد هذه المقدمة، قالوا: وكان الثابت مما أبداه الطاعن الأول -الذي هو نصر أبو زيد - في مصنفاته المبينة بالأوراق -أنها تضمنت وفقاً لطريق دلالتها وما لا احتمال معه لأي تأويل جحداً لآيات القرآن الكريم القاطعة بأن القرآن كلام الله، يقول: إن هذا من صنع البشر، إذ وصفه بأنه منتج ثقافي، يعني: مثل أي سلعة، وأن الإيمان بوجود قيزيقى يناقض الحقيقة، ويعكر الفهم العلمي للنصوص، هذا كلام المرتد، وينكر سابقة وجود القرآن في اللوح المحفوظ: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:77-79]، ينكر أنه في كتاب مكنون، وينكر سابقة وجوده في اللوح المحفوظ، ويعتبره مجرد نصٌ لغوي!! ويصفه بأنه ينتمي إلى ثقافة البشر، وأنه تحول إلى نصٍ إنساني متأنث، منحياً عنه صفة القدسية استهزاءً بقيمته، وينكر أن الله تعالى هو الذي سمى القرآن بهذا الاسم، جاحداً للآيات القرآنية التي صرحت بذلك مع كثرتها، وذكر في أبحاثه: أن الإسلام ليس له مفهوم موضوعي محدد منذُ عهد النبوة إلى يومنا هذا، وهو قولٌ هدف منه إلى تجريد الإسلام من أي قيمة أو معنى، ووصفه بأنه دينٌ عربي لينفي عنه عالميته وأنه للناس كافة، ووصف علوم القرآن بأنها تراث رجعي، وهاجم تطبيق الشريعة، ونعت ذلك بالتخلف والرجعية، زاعماً أن الشريعة هي السبب في تخلف المسلمين وانحطاطهم، ويصف العقل الذي يؤمن بالغيب بأنه عقلٌ غارقٌ في الخرافة، وصرح بأن الوقوف عند النصوص الشرعية يتنافى مع الحضارة والتقدم، ويعطل مسيرة الحياة، ويتهم النهج الإلهي بتصادمه مع العقل بقوله: (معركةٌ تقودها قوى الخرافة والأسطورة باسم الدين والمعاني الحرفية للنصوص الدينية، وتحاول قوى التقدم العقلانية أن تنازل الخرافة أحياناً على أرضها) انتهى كلام المرتد. قالت المحكمة: وهذا من الكفر الصريح، وكشف الله عز وجل عنه بقوله: وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ [الأنعام:25]، والأساطير هي الأباطيل أو الأحاديث التي لا نظام لها، ومفردها (أسطورة) وهو ما نعت به الطاعن، الدين والنصوص الدينية؛ زاعماً أنهما ينطويان على خرافة، ويقول: إن تثبيت القرآن في قراءة قريش كان لتحقيق السيادة القرشية التي سعى الإسلام لتحقيقها، وكأن القرآن لم ينزل إلا لتحقيق سيادة قريش، ويهزأ برسول الله صلى الله عليه وسلم ويلمزه بقوله: (موقف العصبية القرشية التي كانت حريصةً على نزع صفات البشرية عن محمد وإلباسه قدسيةً إلهيةً تجعل منه مشرعاً). وينكر حجية السنة النبوية، وأن الإسلام دين الوسطية، ويدعو إلى المروق من النصوص الشرعية بقوله: (لقد آن أوان المراجعة والانتقال إلى مرحلة التحرر -لا من سلطة النصوص وحدها- قبل أن يجرفنا الطوفان). وأبحاثه فيها اتهامٌ للقرآن والسنة والصحابة والأئمة، ومنهم الشافعي وأبو حنيفة بالعصبية الجاهلية، فحارب الإسلام في نصوصه ومبادئه ورموزه، واعترض على نصيب البنات في الميراث؛ راداً بذلك على ما ورد في القرآن الكريم بنصوص قطعية محكمة في هذا الصدد، وتمادى في غلوه بالدعوى إلى التحرر من النصوص الشرعية، يزعم أنه ليس فيها عناصر جوهرية ثابتة، وأنها لا تعبر إلا عن مرحلة تاريخية قد ولّت، وهذا ظنٌ بشرع الله تعالى أنه غير صالحٍ لكل الأزمنة، ويصف اتباع النصوص الشرعية بالعبودية، وينكر أن السنة وحيٌ من عند الله عز وجل، ويدعي أنها ليست مصدراً للتشريع، متحدياً بذلك الآيات القرآنية العديدة التي وردت في هذا الشأن على خلاف إجماع الأمة، وسخر من أحكام الجزية وملك اليمين، مصوراً الإسلام بالتسلط برغم تسامحه وحظه على عتق الرقاب، وأنكر أن الله ذو العرش العظيم، وأنه تعالى وسع كرسيه السماوات والأرض، وأن من خلقه الجنة والنار والملائكة والجان، رغم ورود آيات القرآن الكريم قاطعة الدلالة في ذلك، متجاهلاً هذا. وسخر من نصوص الكتاب العزيز، مستخفاً به بقوله بما معناه: إن النص القرآني حول الشياطين إلى قوة معوقة، وجعل السحر أحد أدواتها، بما معناه: أن القرآن حوى كثيراً من الأباطيل، وسار على هذا النهج المضاد للإسلام في مقاصده وعقائده وأصوله بجرأة وغلوٍ وتجريح، نافياً عن مصادره الرئيسة ما لها من قداسة، ولم يتورع في سبيل ذلك أن يخالف الحقائق الثابتة حتى التاريخية منها، وكان هذا هو منهجه، وهو مدرك لحقيقته وفحواه في ميزان الشريعة، إذ أنه نشأ مسلماً في مجتمع إسلامي، ويعمل أستاذاً للغة العربية والدراسات الإسلامية بكلية الآداب بجامعة القاهرة، ويقوم بتدريس علوم القرآن، ومثله لا تخفى عليه أحكام الإسلام وأركانه وأصوله وعقائده، بل إنه يدعي الفقه والعلم وذلك حجةٌ عليه، وإذ هو أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة بالنسبة لأي مسلمٍ لم ينل حظاً من التعليم أو الثقافة الدينية؛ فإنه يعد مرتداً عن دين الإسلام؛ لإظهاره الكفر بعد الإيمان، وما تذرع به من أن ما صدر عنه من قبيل التأويل فهو مردود، إلى آخر الكلام والحيثيات التي نشروها في محكمة النقض. هذا الكفر كله أخرج من عدة كتب، ولو وزع كفره على أمةٍ من المؤمنين لدخلوا النار جميعاً، فماذا بقي إذا كان يحتوي على الأباطيل والخرافة تسيطر عليه؟ وماذا بقي لنا من بيان الرسول عليه الصلاة والسلام؟
وجود الردة في هذا العصر
هذا الرجل على ملته خلقٌ كثير؛ لكنه تجرأ ونطق، وهم جبنوا وخرسوا فلم ينطقوا، كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى: في كل نفس داعية الألوهية، فكل شخص على استعداد أن يكون إلهاً، وتجد الرجل المتواضع الذي كان معك في الحارة وتربى معك تدرج حتى وصل إلى قمة الهرم في رئاسة الناس، وإذا به يقول: لا يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعباد، هو قال هكذا، لم يقل: للعبيد؛ حتى لا يقبض عليه أحد، فإذا قلت له: أنت تتخذ ألفاظ الألوهية التي قالها المولى جل وعلا في القرآن، يقول مجيباً عليك: لا. القرآن قال: (للعبيد)، وأنا قلت: للعباد، فإذا أصابه مغص يجأر ويعظ الأرض. فكل نفس فيها داعية الألوهية، كما حدث لفرعون، قال ابن القيم رحمه الله: لكن فرعون تجرأ فأظهر، وغيره جبن فأضمر، فهؤلاء الجبناء الذين يدافعون عنه على صفحات الصحف والمجلات هم على نفس عقيدته، لكنه هو الذي عبر.
غياب العدالة والحدود في بلاد الإسلام
حكم الله عز وجل في هذا المرتد أن يحضروه، ولو أرادوه لأتوا به، فحكم الله عز وجل أن يقتل هذا المرتد، لكن بكل أسف ليس عندنا جهةٌ تنفيذية، والآن محكمة النقض أتعبت نفسها في القراءة ثم خرج التقرير في (34) صفحة، وشغلوا الناس وأملئوا الصحف، ثم بعد كل هذا: هل هناك جهة تنفيذية لتطبيق الحكم على المرتد؟ لا. كل هذا مجرد حبر على ورق. وما حدث للمستشار غراب ليس عنكم ببعيد، الرجل أراد في آخر حياته أن يحكم بالشرع، فقال: لا يأتيني رجلٌ زنى وقد أحصن إلا حكمت عليه بالرجم، والقصة الآتية حدثت في محكمة أسيوط: فالرجل كلما أتى إليه برجل زان محصن، والمحصن هو المتزوج إذا زنى، فكان المحامون كلما أتت قضية زان محصن يحاولون تأخير القضية حتى تقع في دائرة غراب ، لماذا؟ لأن غراباً قال: لا أحكم إلا بشرع الله، وشرع الله هو الرجم، وهذا حكم الله في القرآن والسنة، وصحيحٌ أنه لم يأت في القرآن إلا الجلد، لكن الرجم كان ثابتاً بآية من آيات القرآن ثم نسخت ورفعت كلها بإجماع العلماء، وثبت هذا الرفع في كتاب الحدود من صحيح البخاري رحمه الله في باب رجم الحبلى من الزنا، وفيه قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لقد كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله: لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم، وإنه كان مما نقرأ من كتاب الله آية الرجم)، هذا كلام عمر رضي الله عنه في صحيح البخاري، وهذه الآية نُسخت تلاوة ورفعت، ونص الآية كما ورد في مستدرك الحاكم: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله عزيزٌ حكيم). وعمر بن الخطاب رضي الله عنه أورد آيةً أخرى رفعت من القرآن في هذا الكلام، فقال: وإنه كان مما نقرأ في كتاب الله عز وجل الآية الآتية: (لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم) فهذه كانت آيات ورفعت بإجماع العلماء، لأن النسخ على نوعين: 1- ما نسخ حكمه وبقي لفظه، مثل:{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا }[البقرة:219]. 2- وما نسخ لفظه وبقي حكمه، مثل آية الرجم، فـعمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (إنه كان مما نقرأ آية الرجم، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجم أبو بكر ورجمتُ، وأخشى أن يطول بالناس زمان، فيقول قائلٌ: ما نجد الرجم في كتاب الله؛ فيذلوا بترك فريضة أنزلها الله)، فالرجل أراد أن ينفذ حكم الله، فكلما أتى له زانٍ محصن يقول: حكمت المحكمة برجم الزاني، وهنا نتساءل: هل هناك جهة تنفيذية تنفذ الرجم، لا. ليس هناك جهة لتنفيذ الرجم، فمعنى هذا الحكم أن الرجل أخذ براءة، رفعت قضية إلى محكمة أسيوط في رجل زانٍ محصن، وكانت القضية في الليل للمستشار غراب ، ثم انتظروا حتى الصباح، ثم صدر الحكم: حكمت المحكمة حضورياً برجم الزاني فلان الفلاني، وإذا بالقاعة تضج بالتصفيق: يحيا العدل!! يحيا العدل!! وما معنى (يحيا العدل) والرجل حكم عليه بالرجم؟! يعني الإعدام، إزهاق الروح، والسبب في قولهم: (يحيا العدل) أنه أخذ براءة؛ لأنها لا توجد جهة تنفيذية تقوم بتطبيق الحكم. وهذا أمر لا يجوز!! قد يقول شخص: بما أن الحكم بالرجم حبر على ورق فهل من الممكن أن نبدل هذا الحكم بالسجن مثلاً؟! وهل يعني هذا أن غراباً غلطان مثلاً؛ لأنه لم يحكم عليه بالسجن، كأقل رادع من العقوبة؟! هل يسعه ذلك؟! الجواب: لا يجوز لأحدٍ أن يبدل حكم الله بدعوى أنه لا يوجد من ينفذه، ليس هذا من سلطة القاضي، فالقاضي يحكم، والحاكم هو المسئول عن التنفيذ، لكن ليس من سلطة القاضي طالما لا توجد جهةٌ تنفيذية أن يقول: لابد أن أعمل أية عقوبة عليه حتى لا يخرج براءة، سيقول شخص: ما دليلك على ذلك؟ أقول: حديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني في صحيح البخاري أيضاً، ورواه البخاري في كتاب الحدود في باب الاعتراف بالزنا: (أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أحدهما: يا رسول الله! اقض بيننا بكتاب الله، فقال الآخر وكان أفقه الرجلين: نعم، يا رسول الله! اقض بيننا بكتاب الله -وانتبه لهذه المقولة: بماذا قالا؟ بكتاب الله، لكن ما هو الموضوع؟- فقال الرجل الثاني: إن ابني هذا كان عسيفاً عند هذا وإنه زنى بامرأته -والعسيف هو الأجير، وسمي عسيفاً؛ لأنه يعسف ويتعسف معه- وإني ذهبت إلى جماعةٍ فقضوا أن على ابني الرجم؛ فافتديت ابني بمائة شاة وخادم، فقال عليه الصلاة والسلام:( والله لأقضين بينكم بكتاب الله، أما الغنم والخادم فردٌ عليك))، وانتبه هنا للكلام، هو بدل حكم الله بفدية، قالوا له: ابنك عليه الرجم، فقال: لا. وأدفع مائة من الغنم وخادماً، فقال له: لا. أما غنمك وخادمك فردٌ عليك، ونحن نسوق هذا الكلام أيضاً إلى الجماعة الذين أحلوا الفروج الحرام من مقيمي الشعائر الجهلة بأحكام الطلاق، كم أحلوا من فرجٍ محرم، يفتون في الطلاق، يا أيها الناس! لا يجوز لكم أن تستفتوا هؤلاء. يوم أمس الأول كنت أصلي الفجر في الريف، فوجدت رجلاً وامرأته أمام المسجد، وقالا لي: نحن نبحث عنك؟ فقلت: ما بكما؟! فاتضح أن الرجل طلق امرأته، ادعى أنه كان سكران، والمرأة تقول: لا، وادعت أنه لا يضبط الكلام، وأنه قال لها أول مرة: أنتِ طالق بالثلاث، ثم ذهبا لفلان فرد أن هذا يمين! وهل هذا يمين؟! فجاء في المرة الثانية وقال لها: أنت طالق بالثلاث، فرد مرة أخرى أنه مجرد يمين، وكل مرة يأخذ عشرين جنيه ويرد بأنه ليس بطلاق وإنما يمين، وثالث مرة قال لها: أنت طالق بالثلاث، ورابع مرة البارحة قال لها: أنت طالق بالثلاث، وهذا كلام صريح مثل الشمس، فقالت المرأة عندما قال لها في الرابعة أنت طالق بالثلاث: أنا لا أريد هذه المرة الذهاب للمفتي السابق!! فقلت لهما: المرأة من الطلقة الثالثة زانية وأنت زانٍ، إن لفظة: (أنت طالق) لفظ صريح في إيقاع الطلاق. وليس عند العلماء جميعاً أي إشكال في وقوع الطلاق بهذا اللفظ الصريح، بل إن الأئمة الأربعة وجماهير أصحاب الأئمة الأربعة على أن امرأة هذا الرجل طالق من المرة الأولى طلاقاً بائناً، ويقول الأئمة الأربعة: من قال لامرأته: أنت طالقٌ ثلاثاً، فهي طالقٌ البتة لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، وخالف في هذا شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه المحقق ابن القيم رحمهما الله، وقالا: لا. مفهوم العدد لا يكون إلا إذا تكرر، فلو سمع رجلٌ قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال مائة مرة: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، غفرت له ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر)، فجاء رجلٌ فقال: (سبحان الله وبحمده مائة مرة) فهل قالها مائة مرة أو مرة واحدة؟ قالها مائة مرة، كذلك الرجل إذا قال لامرأته: أنت طالقٌ ألف مرة.. فإنه لا يفهم من العدد إلا مرةً واحدة، إلا إذا كرر هذا العدد في مجالس منفصلة.. فقال لامرأته: أنت طالق! فخرج ثم دخل، فقال لها: أنت طالق! فخرج ثم دخل، فقال لها: أنت طالق! وهكذا.. فمع كل طلقة بمجلسٍ جديد، فتكون قد كررت العدد مرةً ومرة ومرة، قال الفقهاء: فلو قال لامرأته: أنت طالق، طالق، طالق، طالق، طالق، فكل طلقةٌ تقع بمفردها، لماذا؟ لأن العدد مفهومه التكرير، وقد كرر، إنما الإشكال أن يجمل العدد في لفظٍ واحد فيقول: أنت طالق مائة مرة، وقعت مرة واحدة؛ لكن لو ظل يقول: أنت طالق، طالق، طالق، طالق، على طول هكذا فإن الطلاق يقع. وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله رفضا أيضاً هذه المسألة، والمهم أن المسألة فيها بحث طويل، والمحاكم الآن في مصر والشام على فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. فعلى فتوى العلماء السابقين تكون امرأة هذا الرجل طالق منذ زمن الطلقة الأولى، وعلى فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله امرأته طالق من الطلقة الثالثة، ومع ذلك كنت أصلي في المسجد فوجدت الرجل وامرأته واقفين يبيعون العنب، ما الذي حصل؟ قالا: إنما ذهبا إلى مدير الأوقاف وأرجعها له، فهنا لا يكون إلا واحد من اثنين: إما أن يكون مدير الأوقاف لا يفقه شيئاً، وإما أن يكونا دلسا عليه، ونقلا له كلاماً غير الذي قالاه لي لما وجدا الحكم صريحاً. وأنا أقول هذا الكلام لأن هناك أناساً يقولون: ادفع عشرين جنيه وأرجع امرأتك، فنقول له: لا. أما العشرون فردٌ على صاحبها وقد وقع الطلاق، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، (أما الغنم فهي ردٌ عليك والجارية ردٌ عليك) -أي الخادم كما ورد في بعض الروايات- ثم قال: (فأما ابنك فعليه جلد مائة وتغريب عام، وأما امرأة هذا فعليها الرجم). وتأمل ما ورد في الحديث: (قالوا: اقض بيننا بكتاب الله، فقال: والله! لأقضين بينكم بكتاب الله) فهل تجدون الرجم في كتاب الله؟! وهل الجلد في كتاب الله؟ نعم. لكن هل التغريب في كتاب الله؟ ليس في كتاب الله. إذاً: قوله: (والله! لأقضين بينكم بكتاب الله) يدل على أن السنة من الوحي، وهي داخلةٌ دخولاً لازماً في قول الله عز وجل: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }[الحجر:9]، إذاً: الذكر عند جميع علماء المسلمين قرآن وسنة. ومما يدل على ذلك هذا الحديث المتقدم الذي رواهُ الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما، قال: (والله! لأقضين بينكم بكتاب الله)، فقضى بما ليس في كتاب الله نصاً وقد ثبت في السنة، فدل على أن السنة هي من كتاب الله عز وجل، لقول الله تبارك وتعالى: { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ }[النحل:44].