إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تبصرة العباد بحقيقة الصلاح والفساد

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [بيان] تبصرة العباد بحقيقة الصلاح والفساد

    تبصرة العباد بحقيقة الصلاح والفساد :

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله.
    :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
    :﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
    :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]
    ؛ أما بعد:

    فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار:
    ثم أما بعد :
    يقول الإمام ابن القيم-رحمه الله- : فإذا عُرف أن كل حركة أصلها الحب والإرادة، فلا بد من محبوب مراد لنفسه، لا يُطلب ويُحَبُّ لغيره، إذ لو كان كل محبوب يُحَبُّ لغيره لزم الدور أو التسلسل في العلل والغايات، وهو باطل باتفاق العقلاء.والشيء قد يُحَبُّ من وجه دون وجه، وليس شيءٌ يُحَبُّ لذاته من كل وجه إلا الله عز وجل وحده، الذي لا تصلح الألوهية إلّا له، فلو كان في السماوات والأرض آلهة إلا الله فسدتا.والإلهية التي دعت الرسلُ أُمَمَهم إلى توحيد الرَّبِّ بها: هي العبادة والتألُّه.ومن لوازمها: توحيد الربوبية الذي أقَرّ به المشركون، فاحتجَّ الله عليهم به، فإنه يلزم من الإقرار به الإقرارُ بتوحيد الإلهية.

    وكل حيٍّ فله إرادة وعمل بحسبه، وكل متحرك فله غاية يتحرك إليها، ولا صلاح له إلا أن تكون غاية حركته ونهاية مطلبه هو الله وحده، كما لا وجود له إلا أن يكون الله وحده هو ربَّه وخالقه، فوجوده بالله وحده، وكماله أن يكون لله وحده، فما لا يكون به لا يكون، وما لا يكون له لا ينفع ولا يدوم، ولهذا قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22]، ولم يقل: لعُدمتا، إذ هو سبحانه قادر على أن يبقيهما على وجه الفساد، لكن لا يمكن أن تكونا صالحتين ، إلا بأن يكون فاطرُهما وخالقُهما هو المعبودَ وحده لا شريك له، فإن صلاح الأعمال والحركات بصلاح نيَّاتها ومقاصدها، فكلُّ عمل فهو تابع لنيَّة عامله وقصده وإرادته.

    وتقسيم الأعمال إلى صالح وفاسد: هو باعتبارها في ذواتها تارة، وباعتبار مقاصدها ونياتها تارة.
    وأما تقسيم المحبة والإرادة إلى نافعة وضارة، فهو باعتبار متعلَّقها ومحبوبها ومرادها، فإن كان المحبوب المراد هو الذي لا ينبغي أن يُحَبَّ لذاته ويراد لذاته إلا هو -وهو المحبوب الأعلى، الذي لا صلاح للعبد ولا فلاح ولا نعيم ولا سرور إلا بأن يكون هو وحده محبوبه ومراده وغاية مطلوبه- كانت محبته نافعة له، وإن كان محبوبه ومراده ونهاية مطلوبه غيره كانت محبته ضارَّة له وعذابًا وشقاءً.فالمحبة النافعة: هي التي تجلب لصاحبها ما ينفعه من السعادة والنعيم.والمحبة الضارّة: هي التي تجلب لصاحبها ما يضرُّه من الشقاء والألم والعناء.

    إذا تبيّن هذا، فالحي العالِمُ الناصح لنفسه لا يُؤْثِرُ محبة ما يضرّه، ويشقى به، ويتألم به، ولا يقع في ذلك إلا من فساد تصوُّره ومعرفته، أو من فساد قصده وإرادته، فالأول جهل، والثاني ظلم. والإنسان خلق في الأصل ظلومًا جهولًا، ولا ينفكّ عن الجهل والظلم إلا بأن يعلِّمه الله ما ينفعه، ويُلْهمه رُشْده. فمتى أراد به الخير علَّمه ما ينفعه، فخرج به من الجهل، ونفعه بما علَّمه، فخرج من الظلم. ومتى لم يُرِدْ به خيرًا(بمقتضى عدله وعلمه المطلق السابق لخلقه فيما يقع من أعمالهم - أبقاه على أصل الخلقة، كما في "المسند" (1) من حديث عبد الله بن عمرو، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: "إن الله خلق خَلْقه في ظلمةٍ، ثم ألقى عليهم من نوره، فمن أصابه ذلك النور اهتدَى، ومن أخطأه ضَلّ".فالنفس تهوَى ما يضرُّها ولا ينفعها، لجهلها بمضرَّته لها تارة، ولفساد قصدها تارة، ولمجموعهما تارة، وقد ذَمّ الله تعالى في كتابه مَنْ أجاب داعيَ الجهل والظلم، فقال: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: 50]، وقال: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم: 23].فأصلُ كل خير هو العلمُ والعدلُ، وأصلُ كل شرٍّ هو الجهلُ والظلم.

    وقد جعل الله سبحانه للعدْلِ المأمور به حَدًّا، فمن تجاوزه كان ظالمًا معتديًا، وله من الذمّ والعقوبة بحسب ظلمه وعدوانه الذي خرج به عن العدل، ولهذا قال سبحانه وتعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]، وقال فيمن ابتغى سوى زوجته أو ملك يمينه: {فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7]، وقال: {وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190].

    والمقصود أن محبة الظلم والعدوان سببها فسادُ العلم، أو فساد القصد، أو فسادهما جميعًا.وقد قيل: إن فساد القَصْدِ من فساد العلم، وإلا فلو عَلِمَ ما في الضارّ من المضرّة ولوازمها حقيقةَ العلم لما آثره، ولهذا مَن علم مِنْ طعامِ شَهِيٍّ لذيذ أنه مسموم فإنه لا يُقْدِمُ عليه، فضعْفُ علمه بما في الضارِّ من وجوه المضرة، وضعفُ عَزمه على اجتنابه يوقعه في ارتكابه، ولهذا كان الإيمان الحقيقي هو الذي يحمل صاحبه على فعل ما ينفعه، وترك ما يَضُرُّهُ، فإذا لم يفعل هذا ولم يترك هذا، لم يكن إيمانه على الحقيقة، وإنما معه من الإيمان بحسب ذلك.

    فإن المؤمن بالنار حقيقةَ الإيمان حتى كأنه يراها، لا يسلك طريقها الموصلة إليها، فضلًا عن أن يسعى فيها بجهده.والمؤمن بالجنة حقيقةَ الإيمان لا تطاوعه نفسُه أن يقعدَ عن طلبها، وهذا أمر يجدُه الإنسانُ في نفسه فيما يسعى فيه في الدنيا من المنافع، أو التخلُّص منه من المضارّ.
    إذا تبيَّن هذا، فالعبدُ أحوجُ شيء إلى معرفة ما يَضُرّه ليجتنبه، وما يَنفَعُه ليحرصَ عليه ويفعله، فيُحبّ النافع، ، ويُبْغضَ الضارّ، فتكون محبته وكراهته موافقتين لمحبة الله تعالى وكراهته، وهذا من لوازم العبودية والمحبة، ومتى خرجَ عن ذلك أحبّ ما يُسْخِطُ ربَّه، وكره ما يحبه، فنقصَتْ عبوديته بحسب ذلك.وهاهنا طريقان: العقلُ والشرع.أما العقلُ: فقد وضع الله سبحانه في العقول والفِطَر استحسان الصدق، والعدل، والإحسان، والبر، والعفّة، والشجاعة، ومكارم الأخلاق، وأداء الأمانات، وصلة الأرحام، ونصيحة الخَلْق، والوفاء بالعهد، وحِفْظ الجوار، ونَصر المظلوم، والإعانة على نوائب الحقّ، وقِرَى الضيف، وحمل الكَلّ، ونحو ذلك.ووَضَع في العقول والفِطَر استقباح أضدادِ ذلك، ونسبةُ هذا الاستحسان والاستقباح إلى العقول والفِطَر كنسبة استحسان شربِ الماء البارد عند الظَّمَأ، وأكل الطعام اللذيذ النافع عند الجوع، ولُبْس ما يُدْفِئُه عند البَرْد، فكما لا يمكنه أن يَدْفع عن نفسه وطبعه استحسان ذلك ونفعه، فكذلك لا يَدْفَعُ عن نفسه وفِطرته استحسانَ صفاتِ الكمال ونفعها واستقباح أضدادها.

    ومن قال: إن ذلك لا يُعْلَم بالعقل ولا بالفطرَة، وإنما عُرفَ بمجرَّد السمع، فقولُه باطل، وقد بيّنّا بطلانه في كتاب "المفتاح" (2) من ستين وجهًا، وبَيّنا هناك دلالةَ القرآن والسنة والعقول والفِطَرِ على فساد هذا القول.والطريق الثاني لمعرفة الضار والنافع من الأعمال السمعُ، وهو أوْسَعُ وأبينُ وأصدق من الطريق الأول، لخفاء صفات الأفعال وأحوالها ونتائجها، وأن العالمَ بذلك على التفصيل ليس هو إلا الرسول صلوات الله وسلامه عليه.
    فأعلم الناس وأصَحّهم عقلًا ورأيًا واستحسانًا: مَنْ كان عقله ورأيه واستحسانه وقياسه موافقًا للسنة.كما قال مجاهد (3): أفضل العبادة الرأيُ الحَسَن، وهو اتباع السنة.قال تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} [سبأ: 6].وكان السلف يُسَمُّون أهل الآراء المخالفة للسنة وما جاء به الرسولُ في مسائل العلم الخَبَرِيَّة، ومسائل الأحكام العمَلية، يسمونهم أهل الشبهات والأهواء، لأن الرأي المخالف للسنة جهلٌ لا علم، وهَوًى لا دينٌ، فصاحبه ممن اتَّبعَ هواه بغير هُدًى من الله، واتَّبع هواه بغير علم، وغايتُه الضلالُ في الدنيا والشقاء في الآخرة.

    وإنما ينتفي الضلالُ والشقاء عمَّن اتّبع هُدَى الله الذي أرْسل به رُسله، وأنزلَ به كتبه، كما قال تعالى: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124، 123].واتّباع الهوى يكون في الحب والبغض، كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْتُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 135]، وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8].والهوى المنهيُّ عن اتباعه كما يكون هو هَوى الشخص في نفسه، فقد يكون أيضًا هوَى غيره، فهو منهيّ عن اتباع هذا وهذا، لمضادّة كلٍّ منهما لهُدَى الله الذي أرْسلَ به رسله، وأنزل به كُتبه.(4)

    تم بحمد الله وتوفيقه
    أخيكم في الله /صلاح قمصان
    -الباحث في القرآن والسنة -

    ــــــــــــــ
    (*)ما بين القوسين من تعليقي .
    (1)صحيح : رواه أحمد في " المسند"(6644)، والترمذي(2642)،والحاكم في " المستدرك"(83) وصححه أحمد شاكر والألباني .
    (2) مفتاح دار السعادة (2/ 2 - 118).
    (3) رواه ابن أبي شيبة (6/ 168) وابن قتيبة في مختلف الحديث (ص 57) وأبو نعيم في الحلية (3/ 293) من طريق الأعمش عن مجاهد.
    (4)" إغاثة اللهفان"للإمام ابن القيم-رحمه الله-(ص421-424)ط.العلمية للنشر والتوزيع-بنها -مصر-1421هجرية .



    التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 31-08-2020, 05:50 PM. سبب آخر: التنسيق

  • #2
    جزاكم الله خيرًا وتقبل منكم
    وينقل لقسم العقيدة فهو الأنسب له

    "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
    وتولني فيمن توليت"

    "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

    تعليق

    يعمل...
    X