وفي الخـاتمـة؛
نصيحـةٌ بهـا تَتِـمّ، فَائِـدةٌ شَـامِلَـةُ وأَعَـمّ

فأحذر نفسي أولا، وأنصحكم يا أهل الخيرات كلها،
الحذر كل الحذر من حمد الله وشكره ظاهرا فقط وفي باطننا شك أو ريبة أو شكوى دفينة -عياذا بالله-،
بل يجب علينا التسليم التام المطلق لرب العالمين والرضا بما قسم لنا، باطنا وظاهرا،
فكما ذكرت لكم أمثلة طيبة ممن عاصرتهم، فهناك أيضا آخرون كثيرون على النقيض منهم -عافانا الله وإياكم أن نكون مثلهم-،
أري وجوههم دائما مُقَطَّبَة عَابِسَة،رفضوا القليل ورضوا بالكثير!!
{ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } البقرة: 156
حيث قال الإمام السعدي رحمه الله:
[ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ، أي: مملوكون لله, مدبرون تحت أمره وتصريفه, فليس لنا من أنفسنا وأموالنا شيء،
فإذا ابتلانا بشيء منها, فقد تصرف أرحم الراحمين, بمماليكه وأموالهم, فلا اعتراض عليه،
بل من كمال عبودية العبد, علمه, بأن وقوع البلية من المالك الحكيم, الذي أرحم بعبده من نفسه، فيوجب له ذلك,
الرضا عن الله, والشكر له على تدبيره, لما هو خير لعبده.]
وهؤلاء تعلقوا بالدنيا وزينتها أملا في نعيم زائف زائل، فلم يكتسبوا سوى فوات الأجر،
كما قال الإمام السعدي مكملاً:
[ فالصابرين, هم الذين فازوا بالبشارة العظيمة, والمنحة الجسيمة،
فإن صبرنا واحتسبنا وجدنا أجرنا موفورا عنده، وإن جزعنا وسخطنا, لم يكن حظنا إلا السخط وفوات الأجر،
فكون العبد لله, وراجع إليه, من أقوى أسباب الصبر .]
وتلك هي الفائدة العامة الكبرى التي ذكرها شيخنا المُنَجِّد -حفظه الله وبارك في عمره- في محاضراته السابقة، بقوله:
أمَّـــا الـشُـــكْـــــــرُ
فَإِنَّهُ نِصْـــــفُ الْإِيـِمَــان، وَنِصْـفَـــــهُ الثَّـانِـــي هُــوَ الصَّـبْـــر.....

وبتوفيق الله سبحانه وتعالى للعبد في تحقيق تمام الْإِيـِمَــان؛
بالشُكْـــرِ والصَّـبْـــر
مـعــــــــاً
تتحقق الفائدة الكبرى بأن يَحيَىَ العبد دنياه كحياة أهل الجنة في أقوالهم
فحمد الله تعالى وشكره وتسبيحه وتنزيهه وجمال الصبر؛
هو حال عباد الله الذين اختصهم بالفوز والفلاح بأعمالهم الصالحة توفيقا منه سبحانه وفضلا -جعلنا الله وإياكم منهم-،
ففي الدنيا يتزودون للآخرة، وفي الآخرة بإذن الله يدخلون الجنة،
وحديثهم فيها كما قال ربنا تبارك وتعالى:
{دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۚ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} يونس: 10
دعاؤهم في الجنة التسبيح (سبحانك اللهم)،
وتحية الله وملائكته لهم، وتحية بعضهم بعضًا في الجنة (سلام)،
وآخر دعائهم قولهم: "الحمد لله رب العالمين"
أي: الشكر والثناء لله خالق المخلوقات ومُرَبِّيهَا بِنِعَمِهِ.
وقد قيل أن أهل الجنة ـ إذا احتاجوا إلى الطعام والشراب ونحوهما ـ قالوا سبحانك اللهم، فأُحْضِرَ لهم في الحال.
فإذا فرغوا قالوا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}

إنها حقا لفائدة عظيمة
هِيَ فَائِدَةٌ كُبْرَىَ وَمَغْنَمٌ أَعَمٌّ، يَنَالُهَا الْعَبْدُ وَيُحَقِّقُ مُبْتَغَاهُ
إِذَا هَـدَاهُ اللهُ لِلرِضَا وَأَتَمَّ، دَوَامَ نِعْمَةَ الْحَمْدِ فِي دُنْيَاهُ
هي فائدة كلها بشرى واستبشارا لعباد الله الشاكرين على كل أحوالهم في الدنيا التي هى دار العمل للآخرة،
فيرزقهم الله نعيما في الدنيا ونعيما في الآخرة بفضله وبرحمته سبحانه
يُـدَاوِمُـونَ سُـؤْلَ رَبِّهِــمْ ودُعَـائِــهِ تَـوْفِيقَـاً لِعِبَـادَتِـة تَقْـدِيِسَـاً وَتَنْزِيِهَـاً لِذَاتِـهِ العَلِيَّـةِ
وَيَحْمَـدُونَهُ سُبْحَـانَــهُ عَلَىَ نِعَمِهِ الْجَزِيِلَـةِ الْبَاطِنَـةِ الْخَفِيَّـةِ والظَّـاهِـرَةِ الْجَلِيَّـةِ
يَحْيَـوْنَ بِالتَّوْفِيقِ وَالْهِـدَايَةِ مِنْ رَبِّهِــم لِلْعَمَـلِ الصِّـالِـحِ فِي دُنْيَـا فَـانِيَـةٍ دَنِيَّـةٍ
يَرْجُـونَ رَحْمَـةَ رَبِّهِــم وَيَسْعَـوْنَ بِالْقُـرُبَـاتِ رِضَـاً وَشُكْـرَاً إلَى جَنَّـاتٍ أَبَدِيَّـةٍ
وَحَالُهُـمُ بِالْأَقْـوَالِ تَسْبِيحَاً وَتَسْلِيمَاً وَحَمْــدَاً لِلَّــهِ دَائِمَاً بِقُلُوبِهُمُ الزَّكِيَّةِ
كَحَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؛ كَلَامُهُمُ تَسْبِيحَاً وَحَمْدَاً مُسْتَدَامَاً لِــرَبِّ الْبَرِيَّةِ

------------------------------------------------------------------نصيحـةٌ بهـا تَتِـمّ، فَائِـدةٌ شَـامِلَـةُ وأَعَـمّ

فأحذر نفسي أولا، وأنصحكم يا أهل الخيرات كلها،
الحذر كل الحذر من حمد الله وشكره ظاهرا فقط وفي باطننا شك أو ريبة أو شكوى دفينة -عياذا بالله-،
بل يجب علينا التسليم التام المطلق لرب العالمين والرضا بما قسم لنا، باطنا وظاهرا،
فكما ذكرت لكم أمثلة طيبة ممن عاصرتهم، فهناك أيضا آخرون كثيرون على النقيض منهم -عافانا الله وإياكم أن نكون مثلهم-،
أري وجوههم دائما مُقَطَّبَة عَابِسَة،رفضوا القليل ورضوا بالكثير!!
ولَا يَنْبُعُ مِثْلَ هَذَا الرَّفْضُ إِلَّا مِنْ نَفْسٍ غَيْرَ رَاضِيَةٍ بِمَا قَسَمَ اللهُ وقَدَّرَهُ لَهَا،
دَرَّبهَا صَاحِبُهَا عَلَى إِنْكِارِ نِعْمِ اللهِ، وتَرَكَهَا لِهَوَاهَا، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ خَائِبَةً خَاسِرَةً، ولَمْ يُدْرِك أَنَّ التَأْصِيلَ فِي تَزْكِيَةِ النَّفْسِ لِإِدْرَاكِ الْفَوْزِ؛
هُوَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى:
{ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } الشمس: 7-10
وقول رسول اللّهِ صلى الله عليه وسلم:
" قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافاً، وَقَنَّعَهُ اللّهُ بِمَا آتَاهُ " رواه الإمام مسلم
ومعنى أفلح: أي من الفلاح : وهو البقاء والفوز والظفر
والْفَلَاحُ هُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِحُصَولِ كُلِّّ مَطْلُوبٍ ومَحْبُوبٍ، والسَّلَامَةِ مِنْ كُلِّ مَخُوُفٍ مَكْرُوُهٍ

فلن يأتي الفلاح والفوز لعبد إلا بتزكية نفسه؛ يقنع بما آتاه الله، ويتزود من الخير والطاعات، ويحرص على تطهير نفسه بالقرب والرضا
فمَا لِعَبْدٍ أَنْ تَطْهُرَ نَفْسَهُ إِلَّا بأَنْ يَرْضَىَ بِقَضَاءِ اللهِ، ويُسِلِّمُ أَمْرَهُ كُلَّهُ للهِ، ويَسْعَى لِلْعَمَلِ عَلَى رِضَاه..
سُبْحَانَهُ مَالِك الْمُلْكِ.. مُقَلِّب الْقُلُوُبِ.. جَلَّ فِي عُلَاه
قال أحد الشعراء:
فَفِي قَمْعِ أَهْوَاءَ النُّفُوسِ اعْتِزَازِهَا * * * وفِي نَيْلِهَا مَا تَشْتَهِي ذُلُّ سَرْمَدِ
فَلَا تَشْتَغِلْ إِلَّا بِمَا يُكْسِبُ الْعُلَا * * * ولَا تَرْضَ لِلنَّفْسِ النِّفِيسَةِ بِالرَّدِي
وقال أحد السلف:
والنَّفْسُ كَالطِّفِلِ إِنْ تُهمِلهُ شَبَّ عَلَى * * * حُبِّ الرَضَاعِ وإن تَفْطِمْهُ يَنْفَطِمِ
فَجَاهِدِ النَّفَسَ والشَّيْطَانَ واعْصِهِمَا * * * وَإِنْ هُمَا مَحَضَاكَ النُّصْحَ فَاتَّهِمِ

رزقنا الله وإياكم تمام حمده وشكره باطنا وظاهرا، ووقانا وإياكم شر لحظة شكوى عابرة بنفوسنا
ورزقنا وإياكم تمام نعمة الحمد وكمال الرضا بعد القضا
فَأَهْلُ الشَّكْوَىَ نَالُوا الشَّقَا بِعَدَمِ الرِّضَا عَنِ الله، هُمْ فِي سَخَطٍ مِنْ رَبِّهِمْ بِتَرْكِ الرِّضَا عَمَّا قَضّاه

وهذه نصيحة غالية وحكمة بالغة للقاضي شُرَيْح -رحمه الله-،
قال رجلٌّ: اشتكيت إلى صديق لي بعض ما غمَّني، فسمعني شريح القاضي، فأخذ بيدي، وقال:
يا ابنُ أخي، إيَّاك والشَّكوى إلى غير الله، فإنه لا يخلو من تشكو إليه أن يكون صديقًا أو عدُوًّا،
فأمَّا الصديق فتُحزنه ولا يَنفعك، وأمَّا العدو فيشمت بك،
انظر إلى عيني هذه، وأشار إلى إحدى عينيه، فوالله ما أبصرت بها شخصًا ولا طريقًا، منذ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وما أخبرت بها أحدًا إلى هذه الغاية،
أمَا سمعت قول يعقوب عليه السلام:
{ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّـهِ } يوسف: 86
فاجعله مَشْكَاك ومَفْزَعك عند كل نائبة تَنُوبك، فإنه أكرم مسؤول، وأقرب مدعو إليك...[1]

قَالَ ابْنُ عَوْنٍ :
[ ارْضَ بِقَضَاءِ اللَّهِ عَلَى مَا كَانَ مِنْ عُسْرٍ وَيُسْرٍ ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ لِهَمِّكَ ، وَأَبْلَغُ فِيمَا تَطْلُبُ مِنْ آخِرَتِكَ ،
وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَبْدَ لَنْ يُصِيبَ حَقِيقَةَ الرِّضَا حَتَّى يَكُونَ رِضَاهُ عِنْدَ الْفَقْرِ وَالْبلاء كَرِضَاهُ عِنْدَ الْغِنَى وَالرَّخَاءِ ،
كَيْفَ تَسْتَقْضِي اللَّهَ فِي أَمْرِكَ ثُمَّ تَسْخَطُ إِنْ رَأَيْتَ قَضَاءَهُ مُخَالِفًا لِهَوَاكَ !
وَلَعَلَّ مَا هَوَيْتَ مِنْ ذَلِكَ لَوْ وُفِّقَ لَكَ لَكَانَ فِيهِ هَلَكَتُكَ ، وَتَرْضَى قَضَاءَهُ إِذَا وَافَقَ هَوَاكَ ، وَذَلِكَ لِقِلَّةِ عِلْمِكَ بِالْغَيْبِ ،
وَكَيْفَ تَسْتَقْضِيهِ إِنْ كُنْتَ كَذَلِكَ ، مَا أَنْصَفْتَ مِنْ نَفْسِكِ ، وَلا أَصَبْتَ بَابَ الرِّضَا ]..... [2]

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله:
الرِّضَا يُثْمِرُ الشُّكْرَ، الَّذِي هُوَ مِنْ أَعْلَى مَقَامَاتِ الْإِيمَانِ، بَلْ هُوَ حَقِيقَةُ الْإِيمَانِ.
وَالسُّخْطُ يُثْمِرُ ضِدَّهُ. وَهُوَ كُفْرُ النِّعَمِ. وَرُبَّمَا أَثْمَرَ لَهُ كُفْرَ الْمُنْعِمِ.
فَإِذَا رَضِيَ الْعَبْدُ عَنْ رَبِّهِ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ: أَوْجَبَ لَهُ ذَلِكَ شُكْرَهُ. فَيَكُونُ مِنَ الرَّاضِينَ الشَّاكِرِينَ.
وَإِذَا فَاتَهُ الرِّضَا: كَانَ مِنَ السَّاخِطِينَ. وَسَلَكَ سَبِيلَ الْكَافِرِينَ
فَإِنَّ الرِّضَا بَابُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ، وَمُسْتَرَاحُ الْعَارِفِينَ، وَجَنَّةُ الدُّنْيَا.
فَجَدِيرٌ بِمَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ أَنْ تَشْتَدَّ رَغْبَتُهُ فِيهِ. وَأَنْ لَا يَسْتَبْدِلَ بِغَيْرِهِ مِنْهُ......... [3]

حَـــقَّـــاً ويَـقـِيـِنـَـــاً .. كَفَىَ بِاللهِ وَكِيــــلَا
وحقـــاً حقـــاً ،
بأنَّ الرضــا باب الله الأعظم والمستراح والجنة في الدنيا
لَــــكـِــــــــــنّ؛
أَهْلَ الشَّكْوَىَ نَالُوا الشَّقَا بِعَدَمِ الرِّضَا عَنِ الله، هُمْ فِي سَخَطٍ مِنْ رَبِّهِمْ بِتَرْكِ الرِّضَا عَمَّا قَضّاه
لأنهم رفضوا القليل ورضوا بالكثير،
رفضوا حرمانهم من قليل النعم التي ظنوا بجهلهم أنهم حرموا منها ويريدون المزيد،
فأخرجوا حقيقة ما في نفوسهم، وأَبَوْا إلا التلفظ بشكواهم وسخطهم، وعدم الرضا بما قسم الله لهم، فرضوا وارتضوا لأنفسهم بالكثير من الشكوى،
نسوا ماآتاهم الله من نعم جزيلة وآلاء عظيمة، بل نسوا أو تناسوا أيضا قوله تبارك وتعالى:
{ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ }
فتحقق فيهم قوله تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ} غافر: 61
وهذا حال كثير من الناس -إلا ما رحم ربي- رضوا بأن يحيوا بشكواهم على ما رأوه حرمانا،
قد يحمدون الله بعد شكواهم لفظا فقط -والله أعلم بالسرائر-، لكن لسان حالهم يقول عكس ذلك،
ويزداد بهم شدة السخط عياذا بالله إذا أصابتهم مصيبة أو بلاء، وكأنهم لم يسمعوا قوله تعالى:
دَرَّبهَا صَاحِبُهَا عَلَى إِنْكِارِ نِعْمِ اللهِ، وتَرَكَهَا لِهَوَاهَا، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ خَائِبَةً خَاسِرَةً، ولَمْ يُدْرِك أَنَّ التَأْصِيلَ فِي تَزْكِيَةِ النَّفْسِ لِإِدْرَاكِ الْفَوْزِ؛
هُوَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى:
{ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } الشمس: 7-10
وقول رسول اللّهِ صلى الله عليه وسلم:
" قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافاً، وَقَنَّعَهُ اللّهُ بِمَا آتَاهُ " رواه الإمام مسلم
ومعنى أفلح: أي من الفلاح : وهو البقاء والفوز والظفر
والْفَلَاحُ هُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِحُصَولِ كُلِّّ مَطْلُوبٍ ومَحْبُوبٍ، والسَّلَامَةِ مِنْ كُلِّ مَخُوُفٍ مَكْرُوُهٍ

فلن يأتي الفلاح والفوز لعبد إلا بتزكية نفسه؛ يقنع بما آتاه الله، ويتزود من الخير والطاعات، ويحرص على تطهير نفسه بالقرب والرضا
فمَا لِعَبْدٍ أَنْ تَطْهُرَ نَفْسَهُ إِلَّا بأَنْ يَرْضَىَ بِقَضَاءِ اللهِ، ويُسِلِّمُ أَمْرَهُ كُلَّهُ للهِ، ويَسْعَى لِلْعَمَلِ عَلَى رِضَاه..
سُبْحَانَهُ مَالِك الْمُلْكِ.. مُقَلِّب الْقُلُوُبِ.. جَلَّ فِي عُلَاه
قال أحد الشعراء:
فَفِي قَمْعِ أَهْوَاءَ النُّفُوسِ اعْتِزَازِهَا * * * وفِي نَيْلِهَا مَا تَشْتَهِي ذُلُّ سَرْمَدِ
فَلَا تَشْتَغِلْ إِلَّا بِمَا يُكْسِبُ الْعُلَا * * * ولَا تَرْضَ لِلنَّفْسِ النِّفِيسَةِ بِالرَّدِي
وقال أحد السلف:
والنَّفْسُ كَالطِّفِلِ إِنْ تُهمِلهُ شَبَّ عَلَى * * * حُبِّ الرَضَاعِ وإن تَفْطِمْهُ يَنْفَطِمِ
فَجَاهِدِ النَّفَسَ والشَّيْطَانَ واعْصِهِمَا * * * وَإِنْ هُمَا مَحَضَاكَ النُّصْحَ فَاتَّهِمِ

رزقنا الله وإياكم تمام حمده وشكره باطنا وظاهرا، ووقانا وإياكم شر لحظة شكوى عابرة بنفوسنا
ورزقنا وإياكم تمام نعمة الحمد وكمال الرضا بعد القضا
فَأَهْلُ الشَّكْوَىَ نَالُوا الشَّقَا بِعَدَمِ الرِّضَا عَنِ الله، هُمْ فِي سَخَطٍ مِنْ رَبِّهِمْ بِتَرْكِ الرِّضَا عَمَّا قَضّاه

وهذه نصيحة غالية وحكمة بالغة للقاضي شُرَيْح -رحمه الله-،
قال رجلٌّ: اشتكيت إلى صديق لي بعض ما غمَّني، فسمعني شريح القاضي، فأخذ بيدي، وقال:
يا ابنُ أخي، إيَّاك والشَّكوى إلى غير الله، فإنه لا يخلو من تشكو إليه أن يكون صديقًا أو عدُوًّا،
فأمَّا الصديق فتُحزنه ولا يَنفعك، وأمَّا العدو فيشمت بك،
انظر إلى عيني هذه، وأشار إلى إحدى عينيه، فوالله ما أبصرت بها شخصًا ولا طريقًا، منذ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وما أخبرت بها أحدًا إلى هذه الغاية،
أمَا سمعت قول يعقوب عليه السلام:
{ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّـهِ } يوسف: 86
فاجعله مَشْكَاك ومَفْزَعك عند كل نائبة تَنُوبك، فإنه أكرم مسؤول، وأقرب مدعو إليك...[1]

قَالَ ابْنُ عَوْنٍ :
[ ارْضَ بِقَضَاءِ اللَّهِ عَلَى مَا كَانَ مِنْ عُسْرٍ وَيُسْرٍ ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ لِهَمِّكَ ، وَأَبْلَغُ فِيمَا تَطْلُبُ مِنْ آخِرَتِكَ ،
وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَبْدَ لَنْ يُصِيبَ حَقِيقَةَ الرِّضَا حَتَّى يَكُونَ رِضَاهُ عِنْدَ الْفَقْرِ وَالْبلاء كَرِضَاهُ عِنْدَ الْغِنَى وَالرَّخَاءِ ،
كَيْفَ تَسْتَقْضِي اللَّهَ فِي أَمْرِكَ ثُمَّ تَسْخَطُ إِنْ رَأَيْتَ قَضَاءَهُ مُخَالِفًا لِهَوَاكَ !
وَلَعَلَّ مَا هَوَيْتَ مِنْ ذَلِكَ لَوْ وُفِّقَ لَكَ لَكَانَ فِيهِ هَلَكَتُكَ ، وَتَرْضَى قَضَاءَهُ إِذَا وَافَقَ هَوَاكَ ، وَذَلِكَ لِقِلَّةِ عِلْمِكَ بِالْغَيْبِ ،
وَكَيْفَ تَسْتَقْضِيهِ إِنْ كُنْتَ كَذَلِكَ ، مَا أَنْصَفْتَ مِنْ نَفْسِكِ ، وَلا أَصَبْتَ بَابَ الرِّضَا ]..... [2]

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله:
الرِّضَا يُثْمِرُ الشُّكْرَ، الَّذِي هُوَ مِنْ أَعْلَى مَقَامَاتِ الْإِيمَانِ، بَلْ هُوَ حَقِيقَةُ الْإِيمَانِ.
وَالسُّخْطُ يُثْمِرُ ضِدَّهُ. وَهُوَ كُفْرُ النِّعَمِ. وَرُبَّمَا أَثْمَرَ لَهُ كُفْرَ الْمُنْعِمِ.
فَإِذَا رَضِيَ الْعَبْدُ عَنْ رَبِّهِ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ: أَوْجَبَ لَهُ ذَلِكَ شُكْرَهُ. فَيَكُونُ مِنَ الرَّاضِينَ الشَّاكِرِينَ.
وَإِذَا فَاتَهُ الرِّضَا: كَانَ مِنَ السَّاخِطِينَ. وَسَلَكَ سَبِيلَ الْكَافِرِينَ
فَإِنَّ الرِّضَا بَابُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ، وَمُسْتَرَاحُ الْعَارِفِينَ، وَجَنَّةُ الدُّنْيَا.
فَجَدِيرٌ بِمَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ أَنْ تَشْتَدَّ رَغْبَتُهُ فِيهِ. وَأَنْ لَا يَسْتَبْدِلَ بِغَيْرِهِ مِنْهُ......... [3]

حَـــقَّـــاً ويَـقـِيـِنـَـــاً .. كَفَىَ بِاللهِ وَكِيــــلَا
وحقـــاً حقـــاً ،
بأنَّ الرضــا باب الله الأعظم والمستراح والجنة في الدنيا
لَــــكـِــــــــــنّ؛
أَهْلَ الشَّكْوَىَ نَالُوا الشَّقَا بِعَدَمِ الرِّضَا عَنِ الله، هُمْ فِي سَخَطٍ مِنْ رَبِّهِمْ بِتَرْكِ الرِّضَا عَمَّا قَضّاه
لأنهم رفضوا القليل ورضوا بالكثير،
رفضوا حرمانهم من قليل النعم التي ظنوا بجهلهم أنهم حرموا منها ويريدون المزيد،
فأخرجوا حقيقة ما في نفوسهم، وأَبَوْا إلا التلفظ بشكواهم وسخطهم، وعدم الرضا بما قسم الله لهم، فرضوا وارتضوا لأنفسهم بالكثير من الشكوى،
نسوا ماآتاهم الله من نعم جزيلة وآلاء عظيمة، بل نسوا أو تناسوا أيضا قوله تبارك وتعالى:
{ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ }
فتحقق فيهم قوله تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ} غافر: 61
وهذا حال كثير من الناس -إلا ما رحم ربي- رضوا بأن يحيوا بشكواهم على ما رأوه حرمانا،
قد يحمدون الله بعد شكواهم لفظا فقط -والله أعلم بالسرائر-، لكن لسان حالهم يقول عكس ذلك،
ويزداد بهم شدة السخط عياذا بالله إذا أصابتهم مصيبة أو بلاء، وكأنهم لم يسمعوا قوله تعالى:
{ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } البقرة: 156
حيث قال الإمام السعدي رحمه الله:
[ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ، أي: مملوكون لله, مدبرون تحت أمره وتصريفه, فليس لنا من أنفسنا وأموالنا شيء،
فإذا ابتلانا بشيء منها, فقد تصرف أرحم الراحمين, بمماليكه وأموالهم, فلا اعتراض عليه،
بل من كمال عبودية العبد, علمه, بأن وقوع البلية من المالك الحكيم, الذي أرحم بعبده من نفسه، فيوجب له ذلك,
الرضا عن الله, والشكر له على تدبيره, لما هو خير لعبده.]
وهؤلاء تعلقوا بالدنيا وزينتها أملا في نعيم زائف زائل، فلم يكتسبوا سوى فوات الأجر،
كما قال الإمام السعدي مكملاً:
[ فالصابرين, هم الذين فازوا بالبشارة العظيمة, والمنحة الجسيمة،
فإن صبرنا واحتسبنا وجدنا أجرنا موفورا عنده، وإن جزعنا وسخطنا, لم يكن حظنا إلا السخط وفوات الأجر،
فكون العبد لله, وراجع إليه, من أقوى أسباب الصبر .]
وتلك هي الفائدة العامة الكبرى التي ذكرها شيخنا المُنَجِّد -حفظه الله وبارك في عمره- في محاضراته السابقة، بقوله:
أمَّـــا الـشُـــكْـــــــرُ
فَإِنَّهُ نِصْـــــفُ الْإِيـِمَــان، وَنِصْـفَـــــهُ الثَّـانِـــي هُــوَ الصَّـبْـــر.....

وبتوفيق الله سبحانه وتعالى للعبد في تحقيق تمام الْإِيـِمَــان؛
بالشُكْـــرِ والصَّـبْـــر
مـعــــــــاً
تتحقق الفائدة الكبرى بأن يَحيَىَ العبد دنياه كحياة أهل الجنة في أقوالهم
فحمد الله تعالى وشكره وتسبيحه وتنزيهه وجمال الصبر؛
هو حال عباد الله الذين اختصهم بالفوز والفلاح بأعمالهم الصالحة توفيقا منه سبحانه وفضلا -جعلنا الله وإياكم منهم-،
ففي الدنيا يتزودون للآخرة، وفي الآخرة بإذن الله يدخلون الجنة،
وحديثهم فيها كما قال ربنا تبارك وتعالى:
{دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۚ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} يونس: 10
دعاؤهم في الجنة التسبيح (سبحانك اللهم)،
وتحية الله وملائكته لهم، وتحية بعضهم بعضًا في الجنة (سلام)،
وآخر دعائهم قولهم: "الحمد لله رب العالمين"
أي: الشكر والثناء لله خالق المخلوقات ومُرَبِّيهَا بِنِعَمِهِ.
وقد قيل أن أهل الجنة ـ إذا احتاجوا إلى الطعام والشراب ونحوهما ـ قالوا سبحانك اللهم، فأُحْضِرَ لهم في الحال.
فإذا فرغوا قالوا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}

إنها حقا لفائدة عظيمة
هِيَ فَائِدَةٌ كُبْرَىَ وَمَغْنَمٌ أَعَمٌّ، يَنَالُهَا الْعَبْدُ وَيُحَقِّقُ مُبْتَغَاهُ
إِذَا هَـدَاهُ اللهُ لِلرِضَا وَأَتَمَّ، دَوَامَ نِعْمَةَ الْحَمْدِ فِي دُنْيَاهُ
هي فائدة كلها بشرى واستبشارا لعباد الله الشاكرين على كل أحوالهم في الدنيا التي هى دار العمل للآخرة،
فيرزقهم الله نعيما في الدنيا ونعيما في الآخرة بفضله وبرحمته سبحانه
يُـدَاوِمُـونَ سُـؤْلَ رَبِّهِــمْ ودُعَـائِــهِ تَـوْفِيقَـاً لِعِبَـادَتِـة تَقْـدِيِسَـاً وَتَنْزِيِهَـاً لِذَاتِـهِ العَلِيَّـةِ
وَيَحْمَـدُونَهُ سُبْحَـانَــهُ عَلَىَ نِعَمِهِ الْجَزِيِلَـةِ الْبَاطِنَـةِ الْخَفِيَّـةِ والظَّـاهِـرَةِ الْجَلِيَّـةِ
يَحْيَـوْنَ بِالتَّوْفِيقِ وَالْهِـدَايَةِ مِنْ رَبِّهِــم لِلْعَمَـلِ الصِّـالِـحِ فِي دُنْيَـا فَـانِيَـةٍ دَنِيَّـةٍ
يَرْجُـونَ رَحْمَـةَ رَبِّهِــم وَيَسْعَـوْنَ بِالْقُـرُبَـاتِ رِضَـاً وَشُكْـرَاً إلَى جَنَّـاتٍ أَبَدِيَّـةٍ
وَحَالُهُـمُ بِالْأَقْـوَالِ تَسْبِيحَاً وَتَسْلِيمَاً وَحَمْــدَاً لِلَّــهِ دَائِمَاً بِقُلُوبِهُمُ الزَّكِيَّةِ
كَحَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؛ كَلَامُهُمُ تَسْبِيحَاً وَحَمْدَاً مُسْتَدَامَاً لِــرَبِّ الْبَرِيَّةِ

جعلنا الله وإياكم من عباده الشاكرين الشكَّارين، وأتم علينا نعمة الإيمان وكتبنا من الصابرين
ورزقنا وإياكم دوام حسن طاعته وعبادته، والرضـا بما قسمه لنا سبحانه لنكون من الفائزين
لك الحمد يا ربنا على نعمة الإسلام والإيمان، فاجعلنا من عبادك الصادقين المخلصين الأوابين
ولك الحمد يا ربنا على نعمة الحمد، وكفى بها نعمة، فنسألك أن تجعلنا من عبادك الحامدين
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

أحتاج إلى دعائكم، فأسألكم ألا تنسوني من صالح دعائكم، بارك الله فيكم جميعا

ورزقنا وإياكم دوام حسن طاعته وعبادته، والرضـا بما قسمه لنا سبحانه لنكون من الفائزين
لك الحمد يا ربنا على نعمة الإسلام والإيمان، فاجعلنا من عبادك الصادقين المخلصين الأوابين
ولك الحمد يا ربنا على نعمة الحمد، وكفى بها نعمة، فنسألك أن تجعلنا من عبادك الحامدين
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

أحتاج إلى دعائكم، فأسألكم ألا تنسوني من صالح دعائكم، بارك الله فيكم جميعا

[1]العقد الفريد 3/201
[2] من كتاب: الرضا عن الله بقضائه - (مِنْ وَصَايَا الرَّاضِينَ) لابن أبي الدنيا
[3] من كتاب: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين
............لابن القيم ، فصل: [الدَّلِيلُ عَلَى فَضْلِ الرِّضَا عَنِ اللَّهِ]
اترك تعليق: