ثانيا : حكم الوقف على ( مثلا ما)
من قوله تعالى:إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا البقرة26
التوجيه النحوي:
توجيه الوقف على ما يكون بالنظر إلى إعراب ( بعوضة) بالنصب.
وفيها أقوال: أن تكون (بعوضة) [1] :
1. صفة لـ «ما»
2. بدلا من «مثلًا»، أو عطف بيان منه.
3. مفعولا لـ «يضرب».
4. مفعولا ثانيًا لـ «يضرب».
5. منصوبة على إسقاط «بين»
6. منصوبة بفعل محذوف، أعنى بعوضة.
مناقشة التوجيهات:
الأول: يضرب مثلًا شيئاً من الأشياءِ، بعوضة فما فوقها.
الثاني: يضرب مثلا بعوضة.
الثالث: يمثل مثلا، كما يقال: إِنَّ مَعْنَى ضَرَبْتُ لَهُ مَثَلًا، مَثَّلْتُ لَهُ مَثَلا[2]، وتكون «مثلًا» حال تقدمت عليها.
الرابع: تكون ما نكرة موصوفة في تقدير شيء. ويضرب بمعنى يجعل: أي: يجعل مثلا شيئا من الأشياء [3]
الخامس: ويُعْزى هذا للكسائي والفراء وغيرِهم من الكوفيين، أي: أي : ما بين بعوضة، وتكون َفيه الْفَاءُ بِمَعْنَى إِلَى، أَيْ إِلَى مَا فَوْقَهَا، وأنكر أبو العباس وابن أبي الربيع هذا الوجه[4]
السادس: أي: أعني بعوضة.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق: والذي يترجح أن ما صلة مخصصة كما تقول جئتك في أمر ما فتفيد النكرة تخصيصا وتقريبا، وبعوضة على هذا مفعول ثان[5]
قال أبو حيان (745هـهـ) « وَالْأَصَحُّ أَنَّ ضَرَبَ لَا يَكُونُ مِنْ بَابِ ظَنَّ وَأَخَوَاتِهَا، فَيَتَعَدَّى إِلَى اثْنَيْنِ، وَبُطْلَانُ هَذَا الْمَذْهَبِ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ النَّحْوِ . [6]
قال ابن كثير (ت:774هـ) : « فقوله: (مثلاً ما بعوضة) الصحيح فيه أن بعوضة بدل من (ما) أو وصف لـ (ما). 24 /6
وتوجيه ( يضرب ) لها توجيهان أن تتعدي:
الأول: أن تتعدى لمفعول واحد على معنى: يُبَيِّنُ، أو يَذْكُرُ، أو يَضَعُ كقوله: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّة
الثاني: أن تتعدى لمفعولين: على معنى يجعل أو يصيركقوله: ضَرَبْتُ الطِّينَ لَبِنًا.
قال السمين الحلبي (756 هـ: « والصوابُ من ذلك كلّهِ أن يكونَ «ضَرَبَ» متعدياً لواحدٍ بمعنى بَيَّن، و «مثَلاً» مفعولٌ به، بدليلِ قولِه: ضُرِبَ مَثَلٌ [الحج: 73] ، و «ما» صفةٌ للنكرة، و «بعوضةً» بدلٌ لا عطفُ بيان، لأن عطفَ البَيان ممنوعٌ عند جمهور البصريين في النكراتِ».[7]
أقوال علماء الوقف:
الأول : كاف، وهو قول الأشموني[8]
الثاني: حسن، وهو قول أحمد بن جعفر الدينوري، وأحمد بن محمد النحاس. [9]
الثالث: جائز ، وهو قول الأنصاري [10]
الرابع: لا وقف، وهو قول الداني[11].
مناقشة الاختيارات:
يمكن أن نقسم الاختيارات السابقة إلى من جوز ومن منع،على التفصيل التالي:
من اختار الوقف الكافي. نظر إلى التقدير الأخير، على تقدير أعنى بعوضة.
ومن اختار الوقف الحسن الذي هو في مرتبة الكافي، فيكون على نفس التقدير السابق|.
وضعفه الداني قال: وليس كما قالوا لأن ((ما)) زائدة مؤكدة، فلا يبتدأ بها، ولأن ((بعوضة)) بدل من قوله: ((مثلاً)) فلا يقطع منه [12].
وضعفه الأنصاري، قال: وليس بحسن فمثلا مفعول يضرب وما صفة لمثلا زادت النكرة شياعا وبعوضة بدل من ما »[13].
وقال أبو جعفر النحاس: ، والقطع على ما : لعمري حسن ، كما قال : لشيء ما يود ما يود ، ولكن الائتناف بما بعدها قبيح لأنه منصوب مردود على ما قبله أو بمعنى ما بين بعوضة » [14]
ومن اختار عدم الوقف: نظر إلى التعلق اللفظي لـ ( بعوضة) بما قبلها، وهذا يظهر في الأوجه الإعرابية الخمسة الأولى فكلها ترتبط بما قبلها من جهة الإعراب فلا يفصل بين الصفة والموصوف والبدل والمبدل منه ، والفعل ، ومفعوله، ولا بين الجار المسقط ومعموله
ترجيح الاقوال:
بعد استعراض الأقوال يظهر أن الأولى والأحسن هو عدم الوقف لما يلي :
1. أن التوجيهات الخمسة الأولى في الإعراب كلها تحتاج إلى ما سبق، لشدة تعلق ما بعدها بما قبلها، فلا يفصل بنها وبين ما قبلها.
2. ترجيح السمين الحلبي لوجه الإعراب وهو أن تكون «ما» صفةٌ للنكرة، و «بعوضةً» بدلٌ» وعليه فلا يفصل بينها وبين ما قبلها لأنه لا يفصل بين البدل والمبدل منه[15]
3. جوز الأشموني الوقف على ( مثلا ما) والابتداء بـ (بعوضة)، على تقدير: أعني بعوضة، ولم يصرح بهذا التوجيه أكثر علماء الوقف كابن الأنباري والنحاس، والداني، والسجاوندي، والأنصاري، ما يظهر ذلك أن ذلك الوجه مرجوحا.
4. قال الأخفش : إن شئت وقفت مثلا ما بعوضة ، وقال أبو حاتم : فما فوقها ، قال أبو جعفر النحاس: وهذا أصح الأقوال ))[16]
5. أكثر المصاحف الممختارة لم ترمز لعلامة وقف على ( مثلا ما) مما يؤيد ترجيح ارتباط العلاقة اللفظية.
[1] انظر الأوجه في البحر المحيط: 1/ 197-199، و تفسير ابن عطية: 110، المنار بتخليص المرشد: 14
[2] تفسير القرطبي: 1/243
[3] تفسير القرطبي: 1/243
[4] تفسير ابن عطية: 110، وتفسير الكتاب العزيز وإعرابه للإشبيلي: 347
[5] تفسير ابن عطية: 110
[6] البحر المحيط: 1/ 197
[7] الدر المصون: 1/ 223- 226
[8] المنار بتخليص المرشد: 14
[9] القطع والإتناف: 47
[10] المنار بتخليص المرشد: 14
[11] المكتفى: 20
[12] المكتفى: 20
[13] المنار بتخليص المرشد: 14
[14] القطع والإتناف: 47
[15] الدر المصون: 1/ 223- 226
[16] القطع والإتناف: 47
البحث من كتاب مسك الختام في معرفة الوقف والابتداء لـ جمال القرش
من قوله تعالى:إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا البقرة26
التوجيه النحوي:
توجيه الوقف على ما يكون بالنظر إلى إعراب ( بعوضة) بالنصب.
وفيها أقوال: أن تكون (بعوضة) [1] :
1. صفة لـ «ما»
2. بدلا من «مثلًا»، أو عطف بيان منه.
3. مفعولا لـ «يضرب».
4. مفعولا ثانيًا لـ «يضرب».
5. منصوبة على إسقاط «بين»
6. منصوبة بفعل محذوف، أعنى بعوضة.
مناقشة التوجيهات:
الأول: يضرب مثلًا شيئاً من الأشياءِ، بعوضة فما فوقها.
الثاني: يضرب مثلا بعوضة.
الثالث: يمثل مثلا، كما يقال: إِنَّ مَعْنَى ضَرَبْتُ لَهُ مَثَلًا، مَثَّلْتُ لَهُ مَثَلا[2]، وتكون «مثلًا» حال تقدمت عليها.
الرابع: تكون ما نكرة موصوفة في تقدير شيء. ويضرب بمعنى يجعل: أي: يجعل مثلا شيئا من الأشياء [3]
الخامس: ويُعْزى هذا للكسائي والفراء وغيرِهم من الكوفيين، أي: أي : ما بين بعوضة، وتكون َفيه الْفَاءُ بِمَعْنَى إِلَى، أَيْ إِلَى مَا فَوْقَهَا، وأنكر أبو العباس وابن أبي الربيع هذا الوجه[4]
السادس: أي: أعني بعوضة.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق: والذي يترجح أن ما صلة مخصصة كما تقول جئتك في أمر ما فتفيد النكرة تخصيصا وتقريبا، وبعوضة على هذا مفعول ثان[5]
قال أبو حيان (745هـهـ) « وَالْأَصَحُّ أَنَّ ضَرَبَ لَا يَكُونُ مِنْ بَابِ ظَنَّ وَأَخَوَاتِهَا، فَيَتَعَدَّى إِلَى اثْنَيْنِ، وَبُطْلَانُ هَذَا الْمَذْهَبِ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ النَّحْوِ . [6]
قال ابن كثير (ت:774هـ) : « فقوله: (مثلاً ما بعوضة) الصحيح فيه أن بعوضة بدل من (ما) أو وصف لـ (ما). 24 /6
وتوجيه ( يضرب ) لها توجيهان أن تتعدي:
الأول: أن تتعدى لمفعول واحد على معنى: يُبَيِّنُ، أو يَذْكُرُ، أو يَضَعُ كقوله: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّة
الثاني: أن تتعدى لمفعولين: على معنى يجعل أو يصيركقوله: ضَرَبْتُ الطِّينَ لَبِنًا.
قال السمين الحلبي (756 هـ: « والصوابُ من ذلك كلّهِ أن يكونَ «ضَرَبَ» متعدياً لواحدٍ بمعنى بَيَّن، و «مثَلاً» مفعولٌ به، بدليلِ قولِه: ضُرِبَ مَثَلٌ [الحج: 73] ، و «ما» صفةٌ للنكرة، و «بعوضةً» بدلٌ لا عطفُ بيان، لأن عطفَ البَيان ممنوعٌ عند جمهور البصريين في النكراتِ».[7]
أقوال علماء الوقف:
الأول : كاف، وهو قول الأشموني[8]
الثاني: حسن، وهو قول أحمد بن جعفر الدينوري، وأحمد بن محمد النحاس. [9]
الثالث: جائز ، وهو قول الأنصاري [10]
الرابع: لا وقف، وهو قول الداني[11].
مناقشة الاختيارات:
يمكن أن نقسم الاختيارات السابقة إلى من جوز ومن منع،على التفصيل التالي:
من اختار الوقف الكافي. نظر إلى التقدير الأخير، على تقدير أعنى بعوضة.
ومن اختار الوقف الحسن الذي هو في مرتبة الكافي، فيكون على نفس التقدير السابق|.
وضعفه الداني قال: وليس كما قالوا لأن ((ما)) زائدة مؤكدة، فلا يبتدأ بها، ولأن ((بعوضة)) بدل من قوله: ((مثلاً)) فلا يقطع منه [12].
وضعفه الأنصاري، قال: وليس بحسن فمثلا مفعول يضرب وما صفة لمثلا زادت النكرة شياعا وبعوضة بدل من ما »[13].
وقال أبو جعفر النحاس: ، والقطع على ما : لعمري حسن ، كما قال : لشيء ما يود ما يود ، ولكن الائتناف بما بعدها قبيح لأنه منصوب مردود على ما قبله أو بمعنى ما بين بعوضة » [14]
ومن اختار عدم الوقف: نظر إلى التعلق اللفظي لـ ( بعوضة) بما قبلها، وهذا يظهر في الأوجه الإعرابية الخمسة الأولى فكلها ترتبط بما قبلها من جهة الإعراب فلا يفصل بين الصفة والموصوف والبدل والمبدل منه ، والفعل ، ومفعوله، ولا بين الجار المسقط ومعموله
ترجيح الاقوال:
بعد استعراض الأقوال يظهر أن الأولى والأحسن هو عدم الوقف لما يلي :
1. أن التوجيهات الخمسة الأولى في الإعراب كلها تحتاج إلى ما سبق، لشدة تعلق ما بعدها بما قبلها، فلا يفصل بنها وبين ما قبلها.
2. ترجيح السمين الحلبي لوجه الإعراب وهو أن تكون «ما» صفةٌ للنكرة، و «بعوضةً» بدلٌ» وعليه فلا يفصل بينها وبين ما قبلها لأنه لا يفصل بين البدل والمبدل منه[15]
3. جوز الأشموني الوقف على ( مثلا ما) والابتداء بـ (بعوضة)، على تقدير: أعني بعوضة، ولم يصرح بهذا التوجيه أكثر علماء الوقف كابن الأنباري والنحاس، والداني، والسجاوندي، والأنصاري، ما يظهر ذلك أن ذلك الوجه مرجوحا.
4. قال الأخفش : إن شئت وقفت مثلا ما بعوضة ، وقال أبو حاتم : فما فوقها ، قال أبو جعفر النحاس: وهذا أصح الأقوال ))[16]
5. أكثر المصاحف الممختارة لم ترمز لعلامة وقف على ( مثلا ما) مما يؤيد ترجيح ارتباط العلاقة اللفظية.
[1] انظر الأوجه في البحر المحيط: 1/ 197-199، و تفسير ابن عطية: 110، المنار بتخليص المرشد: 14
[2] تفسير القرطبي: 1/243
[3] تفسير القرطبي: 1/243
[4] تفسير ابن عطية: 110، وتفسير الكتاب العزيز وإعرابه للإشبيلي: 347
[5] تفسير ابن عطية: 110
[6] البحر المحيط: 1/ 197
[7] الدر المصون: 1/ 223- 226
[8] المنار بتخليص المرشد: 14
[9] القطع والإتناف: 47
[10] المنار بتخليص المرشد: 14
[11] المكتفى: 20
[12] المكتفى: 20
[13] المنار بتخليص المرشد: 14
[14] القطع والإتناف: 47
[15] الدر المصون: 1/ 223- 226
[16] القطع والإتناف: 47
البحث من كتاب مسك الختام في معرفة الوقف والابتداء لـ جمال القرش