حديثنا في هذا اليوم الطيب الميمون المبارك عن المسؤولية إمام رب البرية في ذلك اليوم العصيب الرهيب الذي صوره الله تعالى بقوله{ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ محْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً } [آل عمران:30] { يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ } [الفرقان:25] { يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ } [الفرقان:27] { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ } [الحج:2] يوم الحاقة، يوم الطامة، يوم القارعة، يوم الصَّاخة { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ *وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهُ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ منْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } [عبس:24-37] .
ذكر اليوم الآخر يطهر القلوب من الحسد والفرقة والاختلاف.
ذكره يهدد الظَلَمَة ليرعووا، ويعزي المظلومين ليسكنوا؛ فكل سيأخذ حقه لا محالة، حتى يقاد للشاةِ الجلحاء من الشاة القرناء، فلا ظلم ولا هضم:
والوزن بالقسط فلا ظلم ولا يؤخذ عبد بسوى ما عملا
ذكر اليوم الآخر يمسح على قلوب المستضعفين والمضطهدين والمظلومين مسحة يقين تسكن معه قلوبهم، ثم تثبت شماء وهي تتطلع لما أعده الله للصابرين من نعيم يُنسى معه كل ضرٍّ وبلاء وسوء وعناء، وتتطلع لما أعده الله للظالمين من بؤسٍ يُنسى معه كل هناء
يوم القيامة لو علمت بهوله لفررت من أهل ومن أوطانِ
يوم عبوس قمطرير أمره فيه تشيب مفارق الولدانِ
ويقول الآخر:
مَثّل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمورُ
إذ كورت شمس النهار وأدنيت حتى على رأس العباد تسيرُ
وإذا الجبال تقلعت بأصولها ورأيتها مثل السحاب تسير
وإذا البحار تأججت نيرانها ورأيتها مثل الحميم تفورُ
وإذا الوحوش لدى القيامة أحضرت فتقول للأملاك أين نسيرُ؟
فيقال سيروا تشهدون فضائحاً وعجائباً قد أحضرت وأمورُ
وإذا الجنين بأمه متعلق خوف الحساب وقلبه مذعورُ
هذا بلا ذنب يخاف لهوله كيف المقيم على الذنوب دهورُ
عن أي شيء يسألك الله وهل أنت عبد الله كنت على قدر المسؤولية أم أنك خنتها و ضيعتها
الجواب أيها الأحباب:
أن اللـه عز وجل يسأل العبد بعد الصلاة عن أربع:
عن عمره فيما أفناه؟! وعن علمه ماذا عمل فيه؟! وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟! وعن جسمه فيما أبلاه؟! هذه الأربع هي موضوع لقائنا مع حضراتكم في هذا اليوم الكريم المبارك.
أحبتي الكرام: أعيروني القلوب والأسماع فإن الموضوع من الأهمية بمكان واللـه أسأل أن يسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض.
ولا شك أن اللـه عز وجل سيسأل العبد في ساحة الحساب عن كل ما قدم في هذه الحياة.
قال اللـه سبحانه:{ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } [الزلزلة:7-8].
وقال جل وعلا: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الحجر:92-93].
فكم من معصية قد كنت نسيتها ذكرك اللـه إياها، وكم من مصيبة قد كنت أخفيتها أظهرها الله لك وأبداها.
ولكن النبي قد ذكر أن اللـه سبحانه سيسأل العبد عن أربع ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَزُولُ قَدْمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ: عَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أُنْفَقَهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ "([1])
أولاً: السؤال عن العمر
العمر ما العمر أيها الإباء العمر هو راس مالك و هو رصيدك في هذه الحياة و لكن الناس يختلفون في الاتجار بهذا المال فمنهم من رصد عمره للشهوات و تتبع الفضائيات و العكوف على المحرمات فهذا كان عمره وبال عليه خسر وخاب و اهلك نفسه فخسر الدنيا و الاخرة قال الله تعالى حاكيا عن هؤلاء قال اللـه تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ }[المؤمنون:115-116].
وقال سبحانه: {أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ والأنْثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى } [القيامة:36-40].
العمـــر ينقـــص والذنـــوب تزيــد وتقـــال عـــثرات الفتـــى فيعـــود
هــل يســتطيع جحــود ذنـب واحـد رجــــل جوارحـــه عليـــه شـــهود
والمــرء يســأل عــن سـنيه فيشـتهي تقليلهــــا وعـــن الممـــات يحـــيد
العمر يولي ستسأل عن كل ساعة، عن كل يوم، عن كل أسبوع، عن كل سنة، عن عمرك كله فيما أفنيته.
قال الحسن البصري رحمه اللـه تعالى: " يا ابن آدم إنما أنت أيام مجموعة فإن مضى يوم مضى بعضك وإن مضى بعضك مضى كلك".
ولذا كان الحسن رحمه اللـه يقول: " ما من يوم تطلع فيه الشمس إلا وينادي بلسان الحال ويقول يا ابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فاغتنمني فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
وكان عبد اللـه بن مسعود رضي اللـه عنه يقول: " واللـه ما ندمت على شئ كندمي على يوم طلعت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي".
العمر هو البضاعة الحقيقة، وواللـه ما منحنا هذه البضاعة الكريمة للهو واللعب والملذات والشهوات، واللـه ما للهو خلقنا بل خلقنا لغاية كريمة ولغاية عظيمة.
قال جل وعلا: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات:56].
هذه هي الغاية التي خلق اللـه لها الخلق، واللـه ما خلقنا اللـه لنضيع الأعمار أمام المسلسلات، وأمام المباريات، وأمام الأفلام، وأمام هذا العبث واللـهو الذى تحول فى حياة هذه الأمة المسكينة إلى جد.
ومن أجمل ما قيل في قول اللـه تعالى فى حق نبي اللـه يحيى { وَأتينَاهُ الحكْمَ صَبِياً }[مريم:12]، قال جمهور المفسرين: أي آتاه اللـه الحكمة وهو طفل صغير فذهب إليه يوماً بعض أترابه من زملائه قبل أن يوحي اللـه إليه بالنبوة فقالوا: يا يحيى هيا بنا لنلعب! فقال يحيى: واللـه ما للعب خلقنا واللـه ما للهو والعبث خلقنا.
واللـه ما خلقنا لنضيع الأعمار، فإن جُلَّ الأمة الآن يقضي جُلَّ الليل أمام التلفاز ولا حول ولا قوة إلا باللـه العلي العظيم.
يا من يمضي عمرك وأنت لا تدري.. اعلم بأنك ستسأل عن هذه الساعات.. ستسأل عن هذا العمر..
وتذكر يا من يمضي عمرك وأنت في غفلة أن الدنيا مهما طالت فهي قصيرة، ومهما عظمت فهي حقيرة وأن الليل مهما طال لابد من طلوع الفجر، وأن العمر مهما طال لابد من دخول القبر، تذكر وصية الحبيب لعبد اللـه بن عمر كما في صحيح البخاري أنه أخذ بمنكبي عبد اللـه بن عمر وقال يا عبد اللـه:((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل))
وكان ابن عمر يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء".
ولقي الفضيل بن عياض رجلاً فقال الفضيل: كم عمرك؟! قال الرجل: ستون سنة، قال الفضيل: إذاً أنت منذ ستين سنة تسير إلى اللـه توشك أن تصل. فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون. قال الفضيل: هل عرفت معناها، قال: نعم عرفت أني لله عبد وأني إلى اللـه راجع.
قال الفضيل: يا أخي من عرف أنه لله عبد وأنه إليه راجع، عرف أنه موقوف بين يديه ومن عرف أنه موقوف عرف أنه مسئول، ومن عرف أنه مسئول فليعد للسؤال جواباً. فبكى الرجل وقال: يا فضيل وما الحيلة؟! قال الفضيل: يسيرة، قال: ما هي يرحمك اللـه؟، قال: أن تتقي اللـه فيما بقي من عمرك يغفر اللـه لك ما قد مضى، وما قد بقي من عمرك.
المفضّل بن يونس رأى محمد بن النضر حزيناً كئيباً.
فقال له: ما شأنك؟
قال: مضت الليلة من عمري، ولم أكتسب شيئاً، فإنا لله وإنا إليه راجعون!
كان الخليل بن احمد يقول:(أثقلُ الساعاتِ علي ساعةٌ آكل فيها!)
فالله أكبر ماأشد الفَنَاءَ في العلم عنده؟! وما أوقد الغيرة على الوقت لديه!
وقال الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: إن الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل فيهما.
ثانياً: عن علمه ماذا عمل به؟!
السؤال الثاني وهو ما أنت بصدده الأن أخي المستمع الكريم أنت الأن تتحمل رسالة العلم و العمل فاعلم يقينا أنك ستسأل عن كل كلمة استمعت إليها في خطبة جمعة، أو محاضرة أو قرأتها فى كتاب، ستسأل عن علمك الذى تعلمت، ماذا عملت به؟؟ تُرى منذ متى ونحن نسمع عن اللـه؟! تُرى منذ متى ونحن نسمع عن رسول اللـه ؟! ومع ذلك سترى البون شاسعاً بين القول والعمل، سترى فجوة خطيرة بين القول، والعمل، وهذه الفجوة سبب من أسباب النفاق، قال تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2-3].وقال جل وعلا: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44].
فكل آية وكل حديث سمعته الأن ولم تعمل به فان الله تعالى سيسألك لماذا لم تعمل بها؟
فقاطع الرحم يسمع حرمة قطيع الأرحام
وآكل الربا يسمع حرمة الربا
وقاتل النفس يسمع حرمة قتل النفس التي حرام الله إلا بالحق
والظالم يسمع الآيات والأحاديث التي تحرم و تجرم الظلم
ومن يؤذي جيرانه يسمع ويعلم حرمة أذية الجيران
فاذا وقف هؤلاء بين يدي رب الأرض و السماء فانه سيسألهم ماذا علموا فيما علموا ؟
عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " القرآن حجة لك , أو عليك)(أخرجه مسلم)
يقول الإمام الشاطبي في كتابه القيم "الموافقات": " إن كل علم لا يفيد عملا ليس في الشرع ما يدل على استحسانه".
قال تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [البقرة:44].
وفي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد أن النبي قال: ((يؤتى بالرجل فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه (أي أمعاءه)، فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان مالك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول: بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه)
لذا كان الحبيب المصطفى يستعيذ من علم لا ينفع كما في صحيح مسلم وسنن الترمذي من حديث زيد بن الأرقم أن النبي كان يقول في دعاءه ((...اللـهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها))
وقال أبو الدرداء رضي اللـه عنه: " إنني أخاف أن يقال لي يوم القيامة أعلمت أم جهلت؟ فأقول: علمت فلا تبقى آية آمرة أو زاجرة إلا جاءتني تسألني فريضتها فتقول الآمرة: هل ائتمرت؟ وتقول الزاجرة: هل ازدجرت؟"
إن هذه الفجوة تبذر بذور النفاق في القلوب كما قال علام الغيوب: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2-3].
لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن علمه ماذا عمل به؟!
ثالثاً: عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟!
السؤال الثالث عن تلك القضية والغاية التي هي سبب الشحناء والبغضاء ولا أكون مبالغا اذا قلت أن اصل كل شر و بلاء في العالم هو المال
فمن أجل المال يهجر الأب ابنه ويقطع الولد أباه
من أجل المال يخاصم الجار جاره
من أجل المال تسفك الدماء وتهتك الأعراض
من أجل المال الثروات تقام الحروب المدمرة فتهلك الحرث والنسل
لماذا كل هذا؟
لأننا لم نعي ولم نوقن أن الله تعالى سيسال عن المال مرتين من أين اكتسبته؟ وفيما أنفقته؟
أيها الأحباب إن المال ظل زائل وعارية مسترجعة.
المال نعمة من اللـه مَنَّ بها عليك، وزينة زَيَّنَكَ اللـه بها.
فيامن تتعامل بالربا ماذا قائل أنت لربك يوم القيامة؟
يا أكلا للمواريث ماذا أنت قائل لربك يوم القيامة
يا من تتعامل بالرشوة والمحسوبية ماذا أنت قائل لربك يوم القيامة؟
أيها الموظف الذي ضيع وظيفته وخان أمانته ماذا أنت قائل لربك يوم القيامة؟
يا من تنفق مالك في المسكرات والمخدرات ماذا أنت قائل لربك يوم القيامة؟
أيها الأحبة الكرام : الدنيا كلها إلى زوال والعمر كله إلى فناء ، ويوم أن نام السلطان الفاتح محمد بن ملك شاه على فراش الموت ، وكان من السلاطين الأثرياء الأغنياء قال : اعرضوا عَلَىَّ كل ما أملك من الجوارى والغلمان ، والنساء ، والأموال ، والجواهر بل ، وليخرج الجند جميعاً ، فخرج الجيش عن بَكْرَة أبيه ، فنظر السلطان إلى هذا الملك العظيم وبكى وقال : واللـه لو قَبِلَ منى ملك الموت كل هذا لافتديت به !!
ثم نظر إلى جنوده وقال : أما هؤلاء واللـه لا يستطيعوا أن يزيدوا فى عمرى ساعة ثم أجهش بالبكاء وقال : { مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ(28)هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ } [ الحاقة : 28 - 29 ].
و هو من هو الفاتح العظيم الذي حقق نبوءة رسول الله –صلى الله عليه و سلم- و فتح القسطنطينية
وإنما هو مال ورثتنا كما في صحيح البخاري من حديث ابن مسعود رضي اللـه عنه قال: قال : ((أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله))؟ قالوا: يا رسول اللـه ما منا أحد إلا وماله أحب إليه من ماله وارثه، قال: ((فإن ماله ما قدم ومال ورثته ما أخر))
لذا يقول المصطفى كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي اللـه عنه: ((يقول العبد: مالي مالي، وإنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فأقنى، وما سوى ذلك، فهو ذاهب وتاركه للناس))
ولذا ورد فى سنن الترمذي أن عائشة رضي اللـه عنها ذبحت شاة وتصدقت بها كلها إلا الذراع فقال النبي : ((ما بقى من الشاة يا عائشة))؟ قالت: ما بقي منها شيء إلا الذراع، فقال المصطفى : ((بقي كلها إلا الذراع))
إن الذي تصدقت به هو الذي سيبقى لك في ميزان أعمالك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى اللـه بقلب سليم.
واسمع لحبيبك المصطفى وهو يقول كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال: ((أيها الناس إن اللـه طيب لا يقبل إلا طيباً وإن اللـه أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين قال تعالى:{ يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ )) [المؤمنون:51].
وقال تعالى للمؤمنين: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172]، وقال: يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا } [المؤمنون:51]، وقال: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [ البقرة: 172 ]، ثم ذكر ((الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يَمُدُّ يديه إلى السماء يقول: يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام - وفى رواية ((وملبسه حرام )) - وغُذِي بالحرام فَأَنَّى يُستَجَاب لذلك) م
عن الجنيد قال: كان الحارث ـ بن أسد ـ كثير الضر، فاجتاز بي يوماً وأنا جالس على بابنا، فرأيت في وجهه زيادة الضر من الجوع، فقلت له: يا عم، لو دخلت إلينا، نلت من شيء عندنا؛ فقال: أو تفعل؟ قلت: نعم، وتسرني بذلك، وتبرني؛ فدخلت بين يديه، ودخل معي، وعمدت إلى بيت عمي، وكان أوسع من بيتنا، لا يخلو من أطعمة فاخرة، لا يكون مثلها في بيتنا سريعاً؛ فجئت بأنواع كثيرة من الطعام، فوضعته بين يديه، فمد يده، وأخذ لقمة، فرفعها إلى فيه، فرأيته يلوكها ولا يزدرها، فخرج وما كلمني؛ فلما كان الغد، لقيته، فقلت: يا عم سررتني ثم نغصت علي، فقال: يا بني، أما الفاقة فكانت شديدة، وقد اجتهدت أن أنال من الطعام الذي قدمته إلي، ولكن بيني وبين الله علامة، إذا لم يكن الطعام عند الله مرضياً ارتفع إلى أنفى زمنه فورة، فلم تقبله نفسي، فقد رميت بتلك اللقمة في دهليزكم، وخرجت.
أيا من عاش في الدنيا طويلاً ** وأفنى العمر في قيلٍ وقالِ
واتعب نفسه فيما سيفنى *** وجمَّعَ من حرامٍ أو حلالِ
هب الدنيا تقادُ إليك عفواً *** أليس مصير ذلك للزوالِ؟!
والمال الحرام يحبط أجور المزكين، بل سيكون عليهم وبالاً ونكالاً يوم القيامة، قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: [إذا أدَّيْتَ زكاةَ مالِك فقد قضَيْتَ ما عليك فيه ومَن جمَع مالًا حرامًا ثمَّ تصدَّق به لم يكُنْ له فيه أجرٌ وكان إِصْرُه عليه] (صحيح ابن حبان 3216 عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه).
توهم نفسك لو وقفت أنت و أبو بكر الصديق أمام الله تعالى يوم القيامة و سأل الله تعالى أبا بكر –رضي الله عنه – عن ماله من أين اكتسبه و فيما أنفقه؟
سيجد أبو بكر الصديق للسؤال جوابا صوابا اكتسبه من الحلال و انفقه في طاعة الكبير المتعال
فاذا سألك الله تعالى ذلك السؤال ماذا أنت قائل و مجيب ؟!!!
أبو ذر رضي الله عنه-
دخل رجل على أبي ذر رضي الله عنه فجعل يقلب بصره في بيته فقال: [يا أبا ذر ! أين متاعكم؟ لا أرى أثاثاً في البيت ولا متاعاً! أين متاعكم؟ قال: إن لنا بيتاً نوجه إليه صالح متاعنا وليس هذا. قال: لا بد لك من متاع ما دمت هاهنا. قال أبو ذر : إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه، لا بد أن يأخذه منا ويأخذنا منه يوماً من الأيام].وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: [إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل]
رابعاً: عن جسمه فيما أبلاه
أحباب رسول الله – صلى الله عليه و سلم-السؤال الرابع سؤال عن جسدك الذي هو أمانة لديك في أي شيء أبليته هل سخرته في الشهوات و الملذات و شرب المحرمات
هل أبليت هذا الجسد في الصد عن سبيل الله والصد عن سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم-
أم أنك حافظت على الأمانة وعلمت أن الله ما منحك هذا الجسد إلا ليكون مطية للروح إلى الله تعالى وإلى طاعته ورضاه
اسمع إلى قول الله تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً [الإسراء:36].
سيسأل الفؤاد والقلب عما وعاه من اعتقاد، هل امتلأ القلب بحب اللـه وبحب رسول اللـه والمؤمنين وامتلأ في الوقت ذاته ببغض الشرك والمشركين والباطل والمبطلين؟! سيسأل السمع عن كل ما سمع سيسأل البصر عن كل ما رأى، فهل يا ترى لا يسأل العبد بين يدى الرب سبحانه إلا عن هذه الجوارح فحسب...؟ كلا بل سيسأل الإنسان عن جسمه كله.
سيشهد هذا الجسم كله بما قدم وبما صنع وبما فعل سيشهد السمع والبصر والفؤاء ستشهد الرجل واليد والجوارح عامة قال تعالى: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يس:65].
وقال اللـه جل وعلا {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [فصلت:19-21].
سيشهد عليك بدنك كله وسوف تسأل عن هذا البدن وعن هذا الجسم فيما أبليته، هل أبليت جسمك فى عمل الدنيا والآخرة أم في عمل الدنيا فحسب؟
فلا حرج أن يبلي الإنسان جسمه في عمل الدنيا وفي عمل الآخرة, والخطأ والحرج أن يفنى وأن يبلي جسمه كله وحياته كلها في عمل الدنيا ليضيع بذلك حق اللـه وعمل الآخرة، ياأخي في اللـه تاجر وعَمِّر وابنِ واجمع المال من الحلال لكن لا تنسى حق الكبير المتعال لا تنسى الآخرة. اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً، فلا حرج أن تجمع بين الأمرين.
كيف ابلى الصالحون أجسادهم في طاعة الله
النبي – صلى الله عليه وسلم-
عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت له: لمَ تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: ((أفلا أحب أن أكون عبداً شكورا)، متفق عليه.
السلف الصالح
كان أحد الصالحين يصلي حتى تتورم قدماه فيضربها ويقول يا أمّارة بالسوء ما خلقتِ إلا للعبادة .
دخلت إحدى النساء على زوجة الإمام الأوزاعي رحمه الله فرأت تلك المرأه بللاً في موضع سجود الأوزاعي ، فقالت لزوجة الأوزاعي : ثكلتك أمك !! أراك غفلت عن بعض الصبيان حتى بال في مسجد الشيخ ( أي مكان صلاته بالليل ) فقالت لها زوجة الأوزاعي : ويحك هذا يُصبح كل ليلة !! من أثر دموع الشيخ في سجوده .
كان أبو مسلم الخولاني رحمه الله يصلي من الليل فإذا أصابه فتور أو كسل قال لنفسه : أيظن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يسبقونا عليه ، والله لأزاحمنهم عليه ، حتى يعلموا أنهم خلفوا بعدهم رجالا !! ثم يصلي إلى الفجر .
خالد بن الوليد رضي الله عنه-
تأملوا كيف ابلى جسده في الله خالد بن الوليد -رضي الله عنه- على فراشه وقال: "لقد شهدتُ مائة زحف أو زُهاءَها، وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربةٌ أو طعنة أو رَمْية، ثم هأنذا أموت على فراشي كما يموت العَيْر، فلا نامت أعين الجبناء"!!
خطبة للشيخ السيد مراد سلامة
ملتقى الخطباء