إن الله إذا أحبَّ عبدًا أحبَّه أهلُ السماء والأرض، ووفَّقه الله للخير، اللهم إنا نسألك حبَّك وحبَّ مَن يُحِبُّك، وحبَّ كلِّ عمل يُقرِّبنا إلى حبِّك.
ثبت في القرآن الكريم أنه سبحانه وتعالى لا يحب الكافرين، والظالمين، والمعتدين، والمفسدين، والمستكبرين، والخائنين، والمسرفين، والفرحين، وأنه لا يحب من كان مختالًا فخورًا، ولا خوانًا أثيمًا، وورد في الأحاديث بعضًا ممن يكرههم الله:
((إن الله يُبغِضُ الفاحش المتفحِّش))؛ [رواه أحمد، وابن حبان، وصححه الألباني].
وفي الحديث: ((إن الله يُبغض كلَّ جَعْظَرِيٍّ جوَّاظٍ صخَّاب في الأسواق، جيفةٍ بالليل حمار بالنهار، عالم بالدنيا جاهل بالآخرة))؛ [رواه ابن حبان في صحيحه، والبيهقي في السنن الكبرى].
نسأل الله أن يوفِّقنا لِما يُحب ويرضى، ويصرف عنا كل صفة وخُلُقٍ لا يحبه عز وجل، ويرزقنا محبته.
قال حسان في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم:
فمِنَ الذين لا يُحبهم الله كما ورد في القرآن:
1- الكافرون:
ورد ذكرهم مرتين في القرآن الكريم:
سورة آل عمران: ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 32].
سورة الروم: ﴿ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ [الروم: 45].
الكفر: هو ما يضاد الإيمان من الأقوال، والأفعال، والاعتقادات.
يقول ابن حزم رحمه الله في تعريف الكفر: "وهو في الدين صفةُ مَن جَحَدَ شيئًا مما افترض الله تعالى الإيمان به، بعد قيام الحُجَّة عليه، ببلوغ الحق إليه بقلبه دون لسانه، أو بلسانه دون قلبه، أو بهما معًا، أو عمِل عملًا جاء النص بأنه مُخرج له بذلك عن اسم الإيمان.
والكفر أنواع:
1- كفر التكذيب: وهو اعتقاد كذب الرسل، والإخبار عن الحق بخلاف الواقع، أو ادعاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بخلاف الحق، وكذلك من ادَّعى أن الله تعالى حرَّم شيئًا أو أحلَّه، مع علمه بأن ذلك خلاف أمر الله ونهيه.
2- كفر إباء واستكبار مع التصديق: وذلك بأن يُقِرُّ أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم حقٌّ من ربه، لكنه يرفض اتباعه؛ أَشَرًا وبَطَرًا واحتقارًا للحق وأهله، أو مثل كفر إبليس؛ فإنه لم يجحد أمر الله، ولم يُنكِره، ولكن قابله بالإباء والاستكبار.
3- كفر الشك أو الظن: بألَّا يجزم بصدق النبي ولا كذبه، بل يشك في أمره، ويتردد في اتباعه؛ إذ المطلوب هو اليقين بأن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من ربِّه حقٌّ لا مِريةَ فيه، فمن تردد في اتباعه لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، أو جوَّز أن يكون الحق خلافه، فقد كَفَرَ كُفْرَ شكٍّ وظنٍّ.
4- كفر الإعراض: بأن يُعرِض بسمعه وقلبه عن الرسول صلى الله عليه وسلم، لا يُصدِّقه، ولا يُكذِّبه، ولا يُواليه، ولا يُعاديه، ولا يُصغي إليه ألبتة، ويترك الحق لا يتعلمه ولا يعمل به، ويهرُب من الأماكن التي يُذكر فيها الحق؛ فهو كافر كُفْرَ إعراضٍ.
5- كفر النفاق: وهو إظهار الإسلام والخير، وإبطان الكفر والشر؛ أي: إظهار متابعة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مع رفضه وجحده بالقلب، فهو مُظهِرٌ للإيمان به، مُبطِنٌ للكفر، والمنافق يخالف قولُه فعلَه، وسرُّه علانيتَه.
2- الظالمون:
ورد ذكرهم في القرآن الكريم ثلاث مرات:
سورة آل عمران: ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران: 57].
سورة آل عمران: ﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران: 140].
سورة الشورى: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [الشورى: 40].
الظلم وَضْعُ الشيء في غير موضعه، ومجاوزة الحق، والتعدي على الآخرين في أموالهم أو أعراضهم.
والظلم ينقسم إلى عدة أقسام:
1- ظلم العبد فيما يتعلق بجانب الله؛ وهو الشرك، وهذا أعظمها؛ قال تعالى على لسان لقمان لابنه: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13].
2- ظلم العبد لنفسه: وذلك بترك الواجبات، والانغماس في الشهوات والمعاصي؛ كبيرها، وصغيرها.
3- ظلم الإنسان لغيره من عباد الله، ومخلوقاته؛ قال الذهبي: "الظلم يكون بأكل أموال الناس، وأخذها ظلمًا، وظلم الناس بالضرب، والشتم، والتعدي، والاستطالة على الضعفاء".
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الظلم ثلاثة: فظلمٌ لا يغفره الله، وظلم يغفره، وظلم لا يتركه؛ فأما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك؛ قال الله: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]، وأما الظلم الذي يغفره، فظلم العباد أنفسهم، فيما بينهم وبين ربهم، وأما الظلم الذي لا يتركه الله، فظلم العباد بعضهم بعضًا، حتى يدبر لبعضهم من بعض))؛ [حسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة"].
قال الشاعر:
وقال أحد البرامكة عندما سُجن: لعلها دعوة مظلوم، كنا عنها غافلين؛ فدعوة المظلوم مستجابة، وتُفتح لها أبواب السماء.
3- المعتدون:
ورد ذكرهم في القرآن الكريم ثلاث مرات:
سورة البقرة: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 190].
سورة المائدة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [المائدة: 87].
سورة الأعراف: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [الأعراف: 55].
الاعتداء: تجاوز الحدِّ في كل شيء.
ومن الاعتداء إلحاق الضرر بالآخرين من غير وجه حقٍّ، أو تجاوز الحدِّ المقرَّر في أخذ الحق، ومنه: أن يُحرِّم المرء على نفسه شيئًا أحلَّه الله جل جلاله له.
قال السعدي: ﴿ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [الأعراف: 55]؛ أي: المتجاوزين للحد في كل الأمور، ومن الاعتداء: كون العبد يسأل الله مسائلَ لا تصلح له، أو يتنطَّع في السؤال، أو يبالغ في رفع صوته بالدعاء، فكل هذا داخل في الاعتداء المنهيِّ عنه.
لكن هذا لا يعني أنه إذا اعتُدِيَ عليك أن تبقى مكتوف اليدين، هذا يتناقض مع كرامة المؤمن، يتناقض مع عزة المؤمن؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾ [الشورى: 39]، البغي: العدوان، من غلب على ظنه أن العفوَ يصلح الآخر، فَلْيَعْفُ وأجره على الله.
4- المفسدون:
ورد ذكرهم مرتين في القرآن الكريم:
سورة المائدة: ﴿ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [المائدة: 64].
سورة القصص: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77].
الفساد هو: العدول عن الاستقامة إلى ضدها؛ وهو: الصلاح.
والإفساد: فِعْلُ ما به الفساد؛ أي: جعل الأشياء فاسدة خارجة عما ينبغي أن تكون عليه، وعن كونها منتفعًا بها، وفي الحقيقة هو: إخراج الشيء عن حالة محمودة لا لغرض صحيح.
وأعظم الفساد الشرك بالله؛ فإن الشرك بالله أعظم الذنوب وأكبرها، ثم يلي الشرك بالله قتلُ النفس بغير حق، ثم السِّحر، ويشمل الشرور والمعاصي وما يتعلق بحقوق العباد؛ كالقتل، والتخريب، والسرقة، وأكل حقوق اليتامى وأموالهم، وهكذا كل كبائر الذنوب وأبوابها هي من الفساد في الأرض، وقد نُهينا عن الفساد في الأرض بجميع أشكاله وصوره، وأُمِرْنا بعمارة الأرض ومنها الأوطان؛ فنعمة الوطن نعمة عظيمة؛ حيث يقول الرسول عن وطنه: ((والله إنكِ لأحب البلاد إلى قلبي، ولولا أن أهلكِ أخرجوني منكِ ما خرجتُ)).
يا رب، قد ظهر الفساد فنجِّنا، يا رب قلَّت حيلتي فتولَّنا، يا رب قد عجز الطبيب فداوِنا، ارفع مقتك وغضبك عنا، ولا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا.
5- المختال الفخور:
ورد ذكره ثلاث مرات في القرآن الكريم:
سورة النساء: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ﴾ [النساء: 36].
سورة لقمان: ﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [لقمان: 18].
سورة الحديد: ﴿ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [الحديد: 23].
هو المتكبر الْمُعْجَبُ بنفسه، الذي يختال ويزهو في المشي، ويفتخر بالحسب والنسب والمال، وينظر إلى الناس بعين الاحتقار، وهو الذي يدَّعي لنفسه ما ليس عنده؛ ليفتخر على غيره.
قال ابن عثيمين رحمه الله: "هو المختال المتكبر في هيئته، والفخور المتكبر في أقواله".
6- الخائنون:
ورد ذكرهم ثلاث مرات في القرآن الكريم:
سورة الأنفال: ﴿ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ﴾ [الأنفال: 58].
خوان كفور: سورة الحج: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ﴾ [الحج: 38].
خوان أثيم: سورة النساء: ﴿ وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ﴾ [النساء: 107].
هم الغادرون في عهودهم، الناقضون للعهد والميثاق، والخيانة من سمات النفاق؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((آية المنافق ثلاثٌ: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)).
والخيانة أنواع كما ذكرها العلماء؛ فمنها:
1- خيانة العقيدة: وهو أن يأتي بناقض من نواقضها، كأن يستحلَّ ما حرم الله.
2- خيانة الأهل: من هذا الباب ما يفعله بعض المسلمين من إدخال بعض المفسدات التي تضر أهله، وتُفسد عليهم دينهم، وهذا من الخيانة للأمانة التي اؤتمن عليها.
3- خيانة المسلمين: بأخذ أموالهم، أو انتهاك أعراضهم، أو أخذ حقوقهم.
قال الإمام الذهبي رحمه الله: "والخيانة قبيحة في كل شيء، وبعضها شرٌّ من بعض، وليس من خانك في فلس كمن خانك في أهلك ومالك، وارتكب العظائم".
خوَّان كفور: خوان في أمانة الله، كفور لنعمته؛ قال ابن عباس: "خانوا الله فجعلوا معه شريكًا وكفروا نِعَمَه".
خوَّان أثيم: قال الشوكاني: "والخوَّان كثير الخيانة، والأثيم كثير الإثم"، وقال الصابوني: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ﴾ [النساء: 107]؛ "أي: لا يحب من كان مفرطًا في الخيانة، منهمكًا في المعاصي والآثام".
7- المسرفون:
ورد ذكرهم مرتين في القرآن الكريم:
سورة الأنعام: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأنعام: 141].
وسورة الأعراف: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31].
الإسراف هو: مجاوزة الحدِّ في كل ما يفعله الإنسان؛ ولذلك يُقال: أسرف على نفسه بالمعاصي، وإن كان الإسراف في الإنفاق أشهرَ.
والإسراف قد يكون بفعل المعاصي، وقد يكون بفعل الشرك، وقد يكون زيادةً في فِعْل مباح أو مطلوب، وقد يكون نقصًا في فعل مطلوب، فكل ذلك تجاوزٌ لِما شرعه الله لعباده، ورضِيَه لهم.
والإسراف في المأكل والمشرب والملبس، ونحن نرى حال إخواننا في كل مكان.
8- المستكبرون:
ورد ذكرهم مرة واحدة في القرآن الكريم:
سورة النحل: ﴿ لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ﴾ [النحل: 23].
الاستكبار: الامتناع عن قبول الحق معاندةً وتكبرًا، والاستكبار أن يرى الفرد نفسه كبيرًا، ويظهر التكبر ولم يكن كذلك حقيقة.
وقيل: الكبر هو: "استعظام الإنسان نفسه، واستحسان ما فيه من الفضائل، والاستهانة بالناس، واستصغارهم، والترفع على من يجب التواضع له".
والكبر بَطَرُ الحق وغَمْطُ الناس.
ينقسم الكبر إلى ثلاثة أقسام بعضها أشد من بعض، وقد ذكر هذه الأقسام ابن حجر الهيتمي فقال: الكبر:
• إما على الله تعالى: وهو أفحش أنواع الكبر؛ كتكبُّر فرعون ونمرود؛ حيث استنكفا أن يكونا عبدَين له تعالى، وادَّعيا الربوبية؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]؛ أي: صاغرين.
فمن تكبَّر على الله وَضَعَه.
• وإما على رسوله: بأن يمتنع من الانقياد له تكبرًا، وجهلًا وعنادًا، كما حكى الله ذلك عن كفار مكة، وغيرهم من الأمم.
• وإما على العباد: بأن يستعظم نفسه، ويحتقر غيره، ويزدريه، فيأبى الانقياد له، أو يترفَّع عليه، ويأنف من مساواته، وهذا، وإن كان دون الأوَّلَين، إلا أنه عظيم إثمُه أيضًا؛ لأن الكبرياء والعظمة إنما يَلِيقان بالملك القادر القوي المتين، دون العبد العاجز الضعيف، فتكبُّره فيه منازعة لله في صفة لا تليق إلا بجلاله؛ ((يُحشَر المتكبرون على هيئة الذَّرِّ...)).
9- الفَرِحُون:
ورد ذكرهم مرة واحدة في القرآن الكريم:
في سورة القصص: ﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾ [القصص: 76].
هناك الفرح المشروع والفرح الممنوع ما يصاحبه كِبْرٌ وبَطَرٌ وتعالٍ على الناس؛ قال الشيخ ابن باز في تفسير هذه الآية: هذه الآية في قصة قارون؛ ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾ [القصص: 76]، والمراد بذلك: الفرح الذي يصحبه الكِبر والبغي على الناس، والعدوان والبَطَر، هذا المنهيُّ عنه، فرح البطر والكبر، أما الفرح بنصر الله وبرحمته، ونِعَمِه وإحسانه، فهذا مشروع؛ كما قال الله عز وجل: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58]، فالمؤمن يفرح أن الله هداه إلى الإسلام، وأن الله أعانه على صلاة الجماعة، وأن الله أعانه على برِّ والديه وصلة أرحامه، وأعانه على فعل الخير؛ هذا مشروع، ينبغي له أن يفرح بذلك، ويُسَرُّ بذلك، بل يجب عليه أن يفرح بذلك ويغتبط بهذا، ويحمَد الله على ذلك، أما الفرح المذموم، فهو الفرح الذي يصحبه الكبر، والتعاظم، والبطر، واحتقار الناس، هذا هو المذموم.
10- لا يحب الله الجهر بالسوء:
قال تعالى: ﴿ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ﴾ [النساء: 148]، هناك توجيه للنبي مذهل، أحد الصحابة سبَّ أبا جهل،، ومع ذلك حينما سبَّه أحد الصحابة، قال: ((يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنًا مهاجرًا، فلا تسبُّوا أباه، فإنَّ سبَّ الميت يؤذي الحيَّ ولا يبلغ الميت))؛ [أخرجه الحاكم عن عبدالله بن الزبير]، ما هذا الأدب؟ نهى عن سب أبي جهل إكرامًا لعكرمة، عوِّد نفسك ألَّا تجهر بالسوء.
د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الالوكة
ثبت في القرآن الكريم أنه سبحانه وتعالى لا يحب الكافرين، والظالمين، والمعتدين، والمفسدين، والمستكبرين، والخائنين، والمسرفين، والفرحين، وأنه لا يحب من كان مختالًا فخورًا، ولا خوانًا أثيمًا، وورد في الأحاديث بعضًا ممن يكرههم الله:
((إن الله يُبغِضُ الفاحش المتفحِّش))؛ [رواه أحمد، وابن حبان، وصححه الألباني].
وفي الحديث: ((إن الله يُبغض كلَّ جَعْظَرِيٍّ جوَّاظٍ صخَّاب في الأسواق، جيفةٍ بالليل حمار بالنهار، عالم بالدنيا جاهل بالآخرة))؛ [رواه ابن حبان في صحيحه، والبيهقي في السنن الكبرى].
نسأل الله أن يوفِّقنا لِما يُحب ويرضى، ويصرف عنا كل صفة وخُلُقٍ لا يحبه عز وجل، ويرزقنا محبته.
قال حسان في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم:
وأحسن منك لم تَرَ قطُّ عيني وأجمل منك لم تلدِ النساءُ خُلِقت مبرَّأً من كل عيبٍ كأنك قد خُلقتَ كما تشاءُ |
فمِنَ الذين لا يُحبهم الله كما ورد في القرآن:
1- الكافرون:
ورد ذكرهم مرتين في القرآن الكريم:
سورة آل عمران: ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 32].
سورة الروم: ﴿ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ [الروم: 45].
الكفر: هو ما يضاد الإيمان من الأقوال، والأفعال، والاعتقادات.
يقول ابن حزم رحمه الله في تعريف الكفر: "وهو في الدين صفةُ مَن جَحَدَ شيئًا مما افترض الله تعالى الإيمان به، بعد قيام الحُجَّة عليه، ببلوغ الحق إليه بقلبه دون لسانه، أو بلسانه دون قلبه، أو بهما معًا، أو عمِل عملًا جاء النص بأنه مُخرج له بذلك عن اسم الإيمان.
والكفر أنواع:
1- كفر التكذيب: وهو اعتقاد كذب الرسل، والإخبار عن الحق بخلاف الواقع، أو ادعاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بخلاف الحق، وكذلك من ادَّعى أن الله تعالى حرَّم شيئًا أو أحلَّه، مع علمه بأن ذلك خلاف أمر الله ونهيه.
2- كفر إباء واستكبار مع التصديق: وذلك بأن يُقِرُّ أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم حقٌّ من ربه، لكنه يرفض اتباعه؛ أَشَرًا وبَطَرًا واحتقارًا للحق وأهله، أو مثل كفر إبليس؛ فإنه لم يجحد أمر الله، ولم يُنكِره، ولكن قابله بالإباء والاستكبار.
3- كفر الشك أو الظن: بألَّا يجزم بصدق النبي ولا كذبه، بل يشك في أمره، ويتردد في اتباعه؛ إذ المطلوب هو اليقين بأن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من ربِّه حقٌّ لا مِريةَ فيه، فمن تردد في اتباعه لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، أو جوَّز أن يكون الحق خلافه، فقد كَفَرَ كُفْرَ شكٍّ وظنٍّ.
4- كفر الإعراض: بأن يُعرِض بسمعه وقلبه عن الرسول صلى الله عليه وسلم، لا يُصدِّقه، ولا يُكذِّبه، ولا يُواليه، ولا يُعاديه، ولا يُصغي إليه ألبتة، ويترك الحق لا يتعلمه ولا يعمل به، ويهرُب من الأماكن التي يُذكر فيها الحق؛ فهو كافر كُفْرَ إعراضٍ.
5- كفر النفاق: وهو إظهار الإسلام والخير، وإبطان الكفر والشر؛ أي: إظهار متابعة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مع رفضه وجحده بالقلب، فهو مُظهِرٌ للإيمان به، مُبطِنٌ للكفر، والمنافق يخالف قولُه فعلَه، وسرُّه علانيتَه.
2- الظالمون:
ورد ذكرهم في القرآن الكريم ثلاث مرات:
سورة آل عمران: ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران: 57].
سورة آل عمران: ﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران: 140].
سورة الشورى: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [الشورى: 40].
الظلم وَضْعُ الشيء في غير موضعه، ومجاوزة الحق، والتعدي على الآخرين في أموالهم أو أعراضهم.
والظلم ينقسم إلى عدة أقسام:
1- ظلم العبد فيما يتعلق بجانب الله؛ وهو الشرك، وهذا أعظمها؛ قال تعالى على لسان لقمان لابنه: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13].
2- ظلم العبد لنفسه: وذلك بترك الواجبات، والانغماس في الشهوات والمعاصي؛ كبيرها، وصغيرها.
3- ظلم الإنسان لغيره من عباد الله، ومخلوقاته؛ قال الذهبي: "الظلم يكون بأكل أموال الناس، وأخذها ظلمًا، وظلم الناس بالضرب، والشتم، والتعدي، والاستطالة على الضعفاء".
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الظلم ثلاثة: فظلمٌ لا يغفره الله، وظلم يغفره، وظلم لا يتركه؛ فأما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك؛ قال الله: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]، وأما الظلم الذي يغفره، فظلم العباد أنفسهم، فيما بينهم وبين ربهم، وأما الظلم الذي لا يتركه الله، فظلم العباد بعضهم بعضًا، حتى يدبر لبعضهم من بعض))؛ [حسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة"].
قال الشاعر:
لا تظلِمَنَّ إذا ما كنت مقتدرًا فالظلم ترجع عُقباه إلى الندمِ تنام عيناك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعينُ الله لم تَنَمِ |
وقال أحد البرامكة عندما سُجن: لعلها دعوة مظلوم، كنا عنها غافلين؛ فدعوة المظلوم مستجابة، وتُفتح لها أبواب السماء.
3- المعتدون:
ورد ذكرهم في القرآن الكريم ثلاث مرات:
سورة البقرة: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 190].
سورة المائدة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [المائدة: 87].
سورة الأعراف: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [الأعراف: 55].
الاعتداء: تجاوز الحدِّ في كل شيء.
ومن الاعتداء إلحاق الضرر بالآخرين من غير وجه حقٍّ، أو تجاوز الحدِّ المقرَّر في أخذ الحق، ومنه: أن يُحرِّم المرء على نفسه شيئًا أحلَّه الله جل جلاله له.
قال السعدي: ﴿ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [الأعراف: 55]؛ أي: المتجاوزين للحد في كل الأمور، ومن الاعتداء: كون العبد يسأل الله مسائلَ لا تصلح له، أو يتنطَّع في السؤال، أو يبالغ في رفع صوته بالدعاء، فكل هذا داخل في الاعتداء المنهيِّ عنه.
لكن هذا لا يعني أنه إذا اعتُدِيَ عليك أن تبقى مكتوف اليدين، هذا يتناقض مع كرامة المؤمن، يتناقض مع عزة المؤمن؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾ [الشورى: 39]، البغي: العدوان، من غلب على ظنه أن العفوَ يصلح الآخر، فَلْيَعْفُ وأجره على الله.
4- المفسدون:
ورد ذكرهم مرتين في القرآن الكريم:
سورة المائدة: ﴿ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [المائدة: 64].
سورة القصص: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77].
الفساد هو: العدول عن الاستقامة إلى ضدها؛ وهو: الصلاح.
والإفساد: فِعْلُ ما به الفساد؛ أي: جعل الأشياء فاسدة خارجة عما ينبغي أن تكون عليه، وعن كونها منتفعًا بها، وفي الحقيقة هو: إخراج الشيء عن حالة محمودة لا لغرض صحيح.
وأعظم الفساد الشرك بالله؛ فإن الشرك بالله أعظم الذنوب وأكبرها، ثم يلي الشرك بالله قتلُ النفس بغير حق، ثم السِّحر، ويشمل الشرور والمعاصي وما يتعلق بحقوق العباد؛ كالقتل، والتخريب، والسرقة، وأكل حقوق اليتامى وأموالهم، وهكذا كل كبائر الذنوب وأبوابها هي من الفساد في الأرض، وقد نُهينا عن الفساد في الأرض بجميع أشكاله وصوره، وأُمِرْنا بعمارة الأرض ومنها الأوطان؛ فنعمة الوطن نعمة عظيمة؛ حيث يقول الرسول عن وطنه: ((والله إنكِ لأحب البلاد إلى قلبي، ولولا أن أهلكِ أخرجوني منكِ ما خرجتُ)).
يا رب، قد ظهر الفساد فنجِّنا، يا رب قلَّت حيلتي فتولَّنا، يا رب قد عجز الطبيب فداوِنا، ارفع مقتك وغضبك عنا، ولا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا.
5- المختال الفخور:
ورد ذكره ثلاث مرات في القرآن الكريم:
سورة النساء: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ﴾ [النساء: 36].
سورة لقمان: ﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [لقمان: 18].
سورة الحديد: ﴿ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [الحديد: 23].
هو المتكبر الْمُعْجَبُ بنفسه، الذي يختال ويزهو في المشي، ويفتخر بالحسب والنسب والمال، وينظر إلى الناس بعين الاحتقار، وهو الذي يدَّعي لنفسه ما ليس عنده؛ ليفتخر على غيره.
قال ابن عثيمين رحمه الله: "هو المختال المتكبر في هيئته، والفخور المتكبر في أقواله".
6- الخائنون:
ورد ذكرهم ثلاث مرات في القرآن الكريم:
سورة الأنفال: ﴿ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ﴾ [الأنفال: 58].
خوان كفور: سورة الحج: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ﴾ [الحج: 38].
خوان أثيم: سورة النساء: ﴿ وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ﴾ [النساء: 107].
هم الغادرون في عهودهم، الناقضون للعهد والميثاق، والخيانة من سمات النفاق؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((آية المنافق ثلاثٌ: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)).
والخيانة أنواع كما ذكرها العلماء؛ فمنها:
1- خيانة العقيدة: وهو أن يأتي بناقض من نواقضها، كأن يستحلَّ ما حرم الله.
2- خيانة الأهل: من هذا الباب ما يفعله بعض المسلمين من إدخال بعض المفسدات التي تضر أهله، وتُفسد عليهم دينهم، وهذا من الخيانة للأمانة التي اؤتمن عليها.
3- خيانة المسلمين: بأخذ أموالهم، أو انتهاك أعراضهم، أو أخذ حقوقهم.
قال الإمام الذهبي رحمه الله: "والخيانة قبيحة في كل شيء، وبعضها شرٌّ من بعض، وليس من خانك في فلس كمن خانك في أهلك ومالك، وارتكب العظائم".
خوَّان كفور: خوان في أمانة الله، كفور لنعمته؛ قال ابن عباس: "خانوا الله فجعلوا معه شريكًا وكفروا نِعَمَه".
خوَّان أثيم: قال الشوكاني: "والخوَّان كثير الخيانة، والأثيم كثير الإثم"، وقال الصابوني: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ﴾ [النساء: 107]؛ "أي: لا يحب من كان مفرطًا في الخيانة، منهمكًا في المعاصي والآثام".
7- المسرفون:
ورد ذكرهم مرتين في القرآن الكريم:
سورة الأنعام: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأنعام: 141].
وسورة الأعراف: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31].
الإسراف هو: مجاوزة الحدِّ في كل ما يفعله الإنسان؛ ولذلك يُقال: أسرف على نفسه بالمعاصي، وإن كان الإسراف في الإنفاق أشهرَ.
والإسراف قد يكون بفعل المعاصي، وقد يكون بفعل الشرك، وقد يكون زيادةً في فِعْل مباح أو مطلوب، وقد يكون نقصًا في فعل مطلوب، فكل ذلك تجاوزٌ لِما شرعه الله لعباده، ورضِيَه لهم.
والإسراف في المأكل والمشرب والملبس، ونحن نرى حال إخواننا في كل مكان.
8- المستكبرون:
ورد ذكرهم مرة واحدة في القرآن الكريم:
سورة النحل: ﴿ لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ﴾ [النحل: 23].
الاستكبار: الامتناع عن قبول الحق معاندةً وتكبرًا، والاستكبار أن يرى الفرد نفسه كبيرًا، ويظهر التكبر ولم يكن كذلك حقيقة.
وقيل: الكبر هو: "استعظام الإنسان نفسه، واستحسان ما فيه من الفضائل، والاستهانة بالناس، واستصغارهم، والترفع على من يجب التواضع له".
والكبر بَطَرُ الحق وغَمْطُ الناس.
ينقسم الكبر إلى ثلاثة أقسام بعضها أشد من بعض، وقد ذكر هذه الأقسام ابن حجر الهيتمي فقال: الكبر:
• إما على الله تعالى: وهو أفحش أنواع الكبر؛ كتكبُّر فرعون ونمرود؛ حيث استنكفا أن يكونا عبدَين له تعالى، وادَّعيا الربوبية؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]؛ أي: صاغرين.
فمن تكبَّر على الله وَضَعَه.
• وإما على رسوله: بأن يمتنع من الانقياد له تكبرًا، وجهلًا وعنادًا، كما حكى الله ذلك عن كفار مكة، وغيرهم من الأمم.
• وإما على العباد: بأن يستعظم نفسه، ويحتقر غيره، ويزدريه، فيأبى الانقياد له، أو يترفَّع عليه، ويأنف من مساواته، وهذا، وإن كان دون الأوَّلَين، إلا أنه عظيم إثمُه أيضًا؛ لأن الكبرياء والعظمة إنما يَلِيقان بالملك القادر القوي المتين، دون العبد العاجز الضعيف، فتكبُّره فيه منازعة لله في صفة لا تليق إلا بجلاله؛ ((يُحشَر المتكبرون على هيئة الذَّرِّ...)).
9- الفَرِحُون:
ورد ذكرهم مرة واحدة في القرآن الكريم:
في سورة القصص: ﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾ [القصص: 76].
هناك الفرح المشروع والفرح الممنوع ما يصاحبه كِبْرٌ وبَطَرٌ وتعالٍ على الناس؛ قال الشيخ ابن باز في تفسير هذه الآية: هذه الآية في قصة قارون؛ ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾ [القصص: 76]، والمراد بذلك: الفرح الذي يصحبه الكِبر والبغي على الناس، والعدوان والبَطَر، هذا المنهيُّ عنه، فرح البطر والكبر، أما الفرح بنصر الله وبرحمته، ونِعَمِه وإحسانه، فهذا مشروع؛ كما قال الله عز وجل: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58]، فالمؤمن يفرح أن الله هداه إلى الإسلام، وأن الله أعانه على صلاة الجماعة، وأن الله أعانه على برِّ والديه وصلة أرحامه، وأعانه على فعل الخير؛ هذا مشروع، ينبغي له أن يفرح بذلك، ويُسَرُّ بذلك، بل يجب عليه أن يفرح بذلك ويغتبط بهذا، ويحمَد الله على ذلك، أما الفرح المذموم، فهو الفرح الذي يصحبه الكبر، والتعاظم، والبطر، واحتقار الناس، هذا هو المذموم.
10- لا يحب الله الجهر بالسوء:
قال تعالى: ﴿ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ﴾ [النساء: 148]، هناك توجيه للنبي مذهل، أحد الصحابة سبَّ أبا جهل،، ومع ذلك حينما سبَّه أحد الصحابة، قال: ((يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنًا مهاجرًا، فلا تسبُّوا أباه، فإنَّ سبَّ الميت يؤذي الحيَّ ولا يبلغ الميت))؛ [أخرجه الحاكم عن عبدالله بن الزبير]، ما هذا الأدب؟ نهى عن سب أبي جهل إكرامًا لعكرمة، عوِّد نفسك ألَّا تجهر بالسوء.
د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الالوكة