فوائد وأحكام من قوله تعالى:
﴿ الم * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ... ﴾
قوله تعالى: ﴿ الم * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾.
1- إثبات إعجاز القرآن الكريم، وتحدي العرب بذلك، وهم أرباب الفصاحة والبلاغة والبيان؛ لقوله تعالى: ﴿ الم ﴾ [آل عمران: 1].
2- إثبات ألوهية الله - عز وجل - وأنه وحده المنفرد بالألوهية، فلا معبود بحقٍ سواه؛ لقوله تعالى: ﴿ اللَّه لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ [آل عمران: 2].
3- إثبات اسم الله - عز وجل - «الحي» وصفة الحياة التامة له، وأنه الكامل الحياة من جميع الوجوه، لا يتطرق لحياته نقص، ولم يسبقها عدم، ولا يلحقها زوال أو فناء.
4- إثبات اسم الله - عز وجل - «القيوم» وصفة القيومية الكاملة له سبحانه وتعالى، وأنه - عز وجل - القائم بنفسه، الغني عما سواه، وكل شيء محتاج ومفتقر إليه؛ لقوله تعالى: ﴿ الْقَيُّومُ ﴾ [آل عمران: 2].
5- في وصفه - عز وجل - بـ «الحي، والقيوم» كمال ذاته وصفاته وأفعاله، ففي «الحي» كمال صفاته، وفي «القيوم» كمال أفعاله، وفي اقترانهما واجتماعهما كمال ذاته.
6- إثبات علو الله - عز وجل - لقوله تعالى: ﴿ نَزَّلَ ﴾ و﴿ وأنزل ﴾، والتنزيل والإنزال يكون من أعلى إلى أسفل، فهو - عز وجل - عالٍ على خلقه، بائن منهم، له العلو المطلق عليهم: علو الذات، وعلو الصفات، وعلو القدر، وعلو القهر.
7- إثبات أن القرآن الكريم منزل من عند الله وكلامه وصفة من صفاته؛ لقوله تعالى: ﴿ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾, والرد على المعتزلة القائلين بخلق القرآن.
8- الامتنان على الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته بتنزيل القرآن عليه منجمًا مفرقًا؛ لقوله تعالى: ﴿ نَزَّلَ ﴾ رحمة بهذه الأمة.
9- تشريف الرسول صلى الله عليه وسلم وتكريمه بإنزال القرآن عليه، وخطابه - عز وجل - له؛ لقوله تعالى: ﴿ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾، وفي هذا تضعيف لقول من قال: إن القرآن نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا، ثم نزل مفرقًا بعد ذلك وأن للقرآن تَنَزُّلَيْن. والصحيح أن جبريل عليه السلام ينزل به من عند الله - عز وجل - إلى النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، ونزوله مرة واحدة.
10- تعظيم القرآن الكريم، وأنه أفضل كتب الله على الإطلاق، فإذا أطلق الكتاب فالمراد به القرآن الكريم؛ لقوله تعالى: ﴿ الْكِتَابَ ﴾.
11- أن القرآن الكريم نزله الله تعالى بالحق، فهو حق وصدق، وطريق وصوله حق، أوحاه الله - عز وجل - إلى جبريل عليه السلام، وأوحاه جبريل إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو مشتمل على الحق فيما جاء به ودعا إليه؛ لقوله تعالى: ﴿ بِالْحَقِّ ﴾.
12- تصديق القرآن الكريم للكتب السابقة، فهو مخبر بصدقها وأنها حق، وهو مصداق ما أخبرت به من بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته، ومصدق لها باشتماله على ما دعت إليه من أصول الشرائع ومحاسن الأخلاق والآداب، والحاكم بصدق ذلك كله وصحته؛ لقوله تعالى: ﴿ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾.
13- أن التوراة والإنجيل منزلة من عند الله - عز وجل - جملةً واحدة، نزلت التوراة، ثم الإنجيل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ ﴾.
14- أن المقصود من إنزال الكتب والنبوات هداية الناس ودلالتهم إلى طريق الحق، رحمةً من الله - عز وجل - بالعباد وعنايةً بهم؛ لقوله تعالى: ﴿ هُدًى لِلنَّاسِ ﴾.
15- إثبات الحكمة لله تعالى في أفعاله وأحكامه الكونية والشرعية؛ لقوله تعالى: ﴿ هُدًى لِلنَّاسِ ﴾.
16- امتنان الله على العباد بإنزال الكتب السماوية التي تشتمل على الفرقان، وبيان الحق من الباطل، والهدى من الضلال، والإيمان من الكفر؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ ﴾، وفي هذا أيضًا تعظيم لكتبه عز وجل وبخاصة القرآن الكريم أفضل كتب الله عز وجل.
17- أن «الفرقان» من أسماء القرآن الكريم وهذا على القول بأن المراد بقوله تعالى: ﴿ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ ﴾ [آل عمران:٤] القرآن خاصة؛ كما قال تعالى: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 1].
وفي هذا التخصيص للقرآن تعظيم له، وتأكيد على فضله على سائر كتب الله - عز وجل - وتفريقه بين الحق والباطل.
18- الوعيد الأكيد للذين كفروا بآيات الله بعد بيانها بإنزال الكتب التي فيها الفرقان بين الهدى والضلال، والإيمان والكفر بالعذاب الشديد؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾، ويفهم من هذا أن الذين آمنوا بآيات الله لهم الثواب العظيم.
19- إثبات صفة العزة لله - عز وجل - عزة الامتناع، وعزة القهر والغلبة، وعزة القوة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ﴾.
20- التحذير من انتقام الله - عز وجل - ممن عصاه وخالف أمره؛ لقوله تعالى: ﴿ ذُو انْتِقَامٍ ﴾؛ أي: صاحب انتقام ممن عصاه، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ﴾ [السجدة: 22].
<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
تفسير قوله تعالى: ﴿ الم * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ.... ﴾
قوله تعالى: ﴿ الم * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾[آل عمران: 1 - 4].
تقدم الكلام على البسملة في أول هذا التفسير، وتقدم الكلام على الحروف المقطعة في مطلع سورة البقرة وناسب - والله أعلم - افتتاحها بهذه الحروف أن آيات عِدة منها نزلت في قضية مجادلة نصارى نجران حين قدموا إلى المدينة، وبيان فضل الإسلام على النصرانية، وإظهار عظمة القرآن والتحدي به.
قوله تعالى: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾: ﴿ الله ﴾ مبتدأ، وخبره جملة: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾، و﴿ لَا﴾: نافية للجنس، و﴿ إِلَهَ ﴾: اسمها، وخبرها محذوف تقديره: «حق»، أي: لا إله حق إلا هو.
و﴿ الله ﴾: علم على الرب تبارك وتعالى خاص به، وهو أصل الأعلام، وأعرف المعارف، وأصل أسماء الله - عز وجل - وتأتي أسماء الله كلها تابعة له، ومعناه: المألوه المعبود بحق محبة وتعظيمًا، أي: لا إله حق إلا هو.
﴿ الْحَيُّ ﴾: خبر ثانٍ لقوله: ﴿ الله ﴾، أي: الكامل الحياة من جميع الوجوه، فلا ينال حياته نقص، ولم يسبقها عدم، ولا يلحقها زوال أو فناء، كما قال تعالى: ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الحديد: 3].
﴿ الْقَيُّومُ ﴾: خبر ثالث، أي: الكامل القيومية، القائم بنفسه، الغني عما سواه، القائم على غيره المقيم له: خلقًا وملكًا وتدبيرًا وحفظًا، وغير ذلك، فكل شيء محتاج ومفتقر إليه، كما قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ ﴾ [الروم: 25]، وقال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ﴾ [الرعد: 33].
وفي الحي كمال الصفات، وفي القيوم كمال الأفعال، وفيهما جميعًا كمال الذات.
قوله تعالى: ﴿ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيل ﴾ [آل عمران: 3].
قوله: ﴿ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ﴾: الجملة في محل رفع خبر رابع للمبتدأ: (الله)، و«التنزيل» و«الإنزال» يكون من أعلى إلى أسفل، والتنزيل قد يدل على التدرج، أي: نزل عليك الكتاب مفرقًا منجمًا في ثلاث وعشرين سنة؛ تعظيمًا لهذا الكتاب، ورحمةً بهذه الأمة، وتيسيرًا عليها، وتثبيتًا لقلب النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ﴾ [الفرقان: 32]، وهذا مما خص الله - عز وجل - به هذا الكتاب العظيم عند أكثر أهل العلم.
والخطاب في قوله: ﴿ عَلَيْكَ﴾ للنبي صلى الله عليه وسلم، وفيه تشريف وتعظيم له صلى الله عليه وسلم، وفي التعبير بـ(على) دون (إلى) في قوله: ﴿ عَلَيْكَ ﴾: زيادة في تشريفه صلى الله عليه وسلم ورفع شأنه، وإعلاء مقامه.
و﴿ ﭝ ﴾: القرآن، و«أل» فيه للعهد، أي: الكتاب المعهود المعلوم المعروف، والذي هو أعظم الكتب، وأفضل كتب الله على الإطلاق، وإذا أطلق الكتاب فالمراد به القرآن الكريم.
و﴿ الْكِتَابَ ﴾: «فِعال» بمعنى مفعول أي: مكتوب؛ لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ﴾ [الواقعة: 77، 78]؛ أي: في اللوح المحفوظ على الصحيح من أقوال أهل العلم.
وهو مكتوب في الصحف التي بأيدي الملائكة؛ كما قال تعالى: ﴿ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَة ﴾ [عبس: 13 - 16].
وهو مكتوب بأيدي المؤمنين في المصاحف.
﴿ بالحقِّ ﴾: الباء للملابسة؛ أي: متلبسًا بالحق، و«الحق»: الأمر الثابت، فالقرآن حق وصدق في نفسه؛ كما قال تعالى: ﴿ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [الأنعام: 66]، وقال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الرعد: 19].
وطريق وصوله وإسناده حق وصدق محفوظ عن التبديل والتغيير؛ كما قال تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾ [الشعراء: 192 - 194].
وقال تعالى: ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 42]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ﴾ [الأنعام: 34]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].
وهو مشتمل على الحق، فأخباره صدق، وأحكامه عدل؛ كما قال تعالى: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الأنعام: 115]، وقال تعالى: ﴿ وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾ [الإسراء: 105].
﴿ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾: ﴿ مُصَدِّقًا﴾: حال من الكتاب؛ أي: حال كونه مصدقًا، ﴿ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾؛أي: لما سبقه من كتب الله - عز وجل - وجعل السابق ﴿ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾؛ لأنه يجيء قبله، فكأنه يمشي أمامه.
ومعنى كونه مصدقًا لما سبقه من كتب الله تعالى، أي: مخبرًا بصدقها، وأنها حق من عند الله تعالى، وأيضًا: مصدقًا لها بكونه مصداق ما أخبرت به وبشرت به، فمجيئه تصديق لها، كما قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 146]، وقال عيسى عليه السلام: ﴿ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾ [الصف: 6].
وأيضًا: مصدقًا لها لاشتماله على ما دعت إليه من أصول الشرائع ومحاسن الأخلاق والآداب، والحاكم بصدق ذلك كله وصحته، كما قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ﴾ [المائدة: 48].
﴿ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ﴾: أي وأنزل عز وجل التوراة على نبيه موسى بن عمران عليه السلام، وهي المذكورة - والله أعلم - بصحف موسى في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ﴾ [الأعلى: 18، 19].
وهي أعظم كتب الله تعالى وأفضلها بعد القرآن الكريم، وأشملها وأعمها وأهداها، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [القصص: 49].
كتبها الله تعالى بيده؛ كما قال تعالى: ﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [الأعراف: 145].
وفي الحديث في حجاج آدم وموسى: «وكتب لك التوراة بيده»[1].
أنزلها الله تعالى جملةً واحدة بألواح، قال تعالى: ﴿ وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ﴾ [الأعراف: 154]، وقال تعالى: ﴿ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 150].
وقد حصل فيها تحريف وكتمان لكثيرٍ منها، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ﴾ [الأنعام: 91].
﴿ وَالْإِنْجِيل ﴾: أي وأنزل عز وجل الإنجيل على نبيه عيسى ابن مريم عليه السلام.
وهو متمم لشريعة موسى عليه السلام وللتوراة.
قوله تعالى: ﴿ مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ [آل عمران: 4].
قوله ﴿ مِنْ قَبْلُ﴾: أي من قبل وقت تنزيل هذا القرآن، والتصريح بهذا للمبالغة في البيان، وإشارة إلى أن إنزالهما متضمن الإرهاص لبعثته صلى الله عليه وسلم، ونزول القرآن الكريم، وأنهما لمقدمات لذلك، وقدَّم ﴿ مِنْ قَبْلُ﴾ على ﴿ هُدًى لِلنَّاسِ ﴾؛ لئلا يتوهم أن هدى التوراة والإنجيل مستمر بعد نزول القرآن.
﴿ هُدًى لِلنَّاسِ ﴾: مفعول لأجله، والعامل فيه «أنزل»، أو حال من التوراة والإنجيل؛ أي: وأنزل التوراة والإنجيل من قبل؛ لأجل هداية الناس، أو حال كونهما هدى للناس.
ويجوز أن يكون العامل فيه «نزَّل» و«أنزل» أي: نزلعليك الكتاب.. وأنزل التوراة والإنجيل من قبل كل ذلك من أجل هداية الناس، وأن يكون حالًا من الكتب الثلاثة، أي: حال كون الكتاب والتوراة والإنجيل هدىً للناس.
والمراد بالهداية هنا: هداية الدلالة والبيان والعلم، أي: لأجل دلالة الناس، وبيان طريق الحق لهم من طريق الباطل، وتعليمهم ما ينفعهم، وتحذيرهم مما يضرهم، و«الناس» هم بنو آدم.
﴿ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ ﴾: «الفرقان» ما يفرق به بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والإيمان والكفر، والخير والشر.
والتفريق بين خير الخيرين وشر الشرين، وبين أهل كل منهما، وغير ذلك.
قال تعالى: ﴿ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأنفال: 41].
وهو ما أنزله الله تعالى من الوحي الذي فيه بيان الحق من الباطل في القرآن والتوراة والإنجيل وغيرها من كتبه - عز وجل - وفي هذا تعظيم لما جاء في هذه الكتب.
ويُحتمل أن المراد بـ ﴿ الْفُرْقَانِ ﴾ القرآن الكريم خاصةً؛ لأن «الفرقان» من أسماء القرآن، وفي هذا تعظيم للقرآن الكريم، وأنه أفضل كتب الله - عز وجل - وأعظمها هداية وتفريقًا بين الحق والباطل.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ﴾: بعدما امتن - عز وجل - على الناس بتنزيل القرآن وإنزال التوراة والإنجيل، وما في هذه الكتب العظيمة من الهداية، وبيان الفرق بين الحق والباطل، مما لا يبقى معه عذر أو حجة لأحد، أتبع ذلك بالوعيد للذين كفروا بآيات الله، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ﴾.
(الكفر) في اللغة: الستر والتغطية.
ومعنى ﴿ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّه ﴾: أي جحدوها وأنكروها وكذبوا بها من المشركين واليهود والنصارى وغيرهم.
و«آيات»: جمع آية، وهي في اللغة: (العلامة)؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [البقرة: 248]؛ أي: علامة ملكه، وقال تعالى: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [فصلت: 53]؛ أي: العلامات والدلائل على أنه الحق. وآيات الله - عز وجل - قسمان:
آيات كونية، منها: الليل والنهار والشمس والقمر، كما قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [فصلت: 37]، وكل ما في الكون من المخلوقات هو من آيات الله تعالى الكونية، كما قال الشاعر:
فو اعجبًا كيف يُعصى الإل ه أم كيف يجحده الجاحدُ وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحدُ[2] |
وسميت المخلوقات آيات لدلالتها على وجود الخالق وعظمته وكمال ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته واستحقاقه العبادة دون سواه؛ لأن الخلق كلهم لو اجتمعوا لا يستطيعون إيجاد شيء من هذه المخلوقات، كما قال تعالى مخاطبًا المشركين: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ﴾ [الحج: 73].
والقسم الثاني من آيات الله: آياته الشرعية، وهو الوحي الذي أنزله على رسله في الكتب السماوية، وبخاصة آيات القرآن الكريم.
وسمى ما أوحاه الله - عز وجل - إلى رسله آيات لما فيه من الدلالة على صدقهم، ولما فيه من هداية الناس وإصلاحهم، وصلاح أمور دينهم ودنياهم وأخراهم، مما يدل على أنه من عند الله تعالى العظيم المستحق للعبادة وحده دون سواه، العالِم بالخلق وما يصلحهم مما لا يستطيع الخلق كلهم لو اجتمعوا الإتيان عليه، كما قال تعالى: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14]، وقال تعالى عن القرآن الكريم: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82]، وقال تعالى عنه: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء: 88].
والفرق بين القسمين:
أن الآيات الكونية محسوسة مشاهدة؛ ولهذا عامة الناس يؤمنون بها ويقرون بتوحيد الربوبية حتى المشركون؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [العنكبوت: 61]، وقال تعالى: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [العنكبوت: 63].
وهذا حال كثير من الناس أرباب حس ومشاهدة كالأنعام بل هم أضل، لا يؤمنون إلا بالمحسوس.
وما ضل مَن ضل من الخلق وكفر أو ابتدع في الدين إلا بسبب تحكيم الحس دون الشرع والعقل.
وأما الآيات الشرعية فهي معقولة لا يدركها إلا أصحاب العقول السليمة والنظرة المستقيمة، وكثير من الخلق لا يدركونها.
﴿ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾: قدم الخبر ﴿ لَهُمْ ﴾لتخصيصهم بذلك وتأكيده، ونُكِّر ﴿ عَذَابٌ ﴾للتفخيم، و«العذاب»: العقاب أو العقوبة، و«الشديد»: القوي، أي: ولهم عقاب قوي، فيه أنواع الشدة والقوة من حيث نوعه وكيفه وكمه، عذاب حسي للأبدان، ومعنوي للقلوب، لا يقل عن العذاب الحسي بل هو أشد منه- من التقريع والتوبيخ والتبكيت والتيئيس من الخروج من النار، وتحطيم المعنويات.
كما في قوله تعالى: ﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ ﴾ [الأنعام: 130]، وقال تعالى: ﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [الزمر: 71]، وقال تعالى: ﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ﴾ [الزخرف: 77، 78]، وقال تعالى: ﴿ كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ﴾ [الهمزة: 4 - 7]؛ أي: لَيُنبذن في النار التي تحطم كل شيء فيها، وتشرف على القلوب فتحطم المعنويات.
﴿ وَاللَّهُ عَزِيزٌ﴾ أي: ذو العزة التامة بأنواعها الثلاثة: عزة الامتناع، فيمتنع أن يناله سوء أو نقص أو مكروه، وعزة القهر والغلبة، كما قال تعالى: ﴿ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [الزمر: 4]، وقال تعالى: ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ﴾ [الأنعام: 61]، ومن هذا قوله تعالى: ﴿ وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ﴾ [ص: 23]؛ أي: غلبني، وعزة القوة؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 58]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحج: 40] [3].
﴿ ذُو انْتِقَامٍ ﴾؛ أي: صاحب انتقام ممن كذب بآياته وعصاه وخالف رسله، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ﴾ [السجدة: 22]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ [المائدة: 95]، وقال تعالى: ﴿ فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الزخرف: 55]، وقال تعالى: ﴿ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ﴾ [الروم: 47].
والانتقام من الصفات الفعلية الاختيارية، وليس من صفات الله المطلقة، وليس من أسمائه - عز وجل - «المنتقم»، وإنما يوصف سبحانه به مقيدًا، فيُقال: المنتقم من المجرمين، ومن الظالمين، ومن الكافرين، ونحو ذلك.
[1] أخرجه البخاري في تفسير سورة (طه) (4736)، ومسلم في القدر (2652)، والترمذي في القدر (2135)، وابن ماجه في «المقدمة» *، وأحمد (2/ 268، 392)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[2] البيتان لأبي العتاهية. انظر: «ديوانه» (ص104).
[3] راجع ما سبق في الكلام على قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 129].
شبكة الالوكة