تفسير الشيخ الشعراوي سورة الاسراء
٩٠__٩٣
(وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً )٩٠-الإسراء
(لَنْ) تفيد تأبيد نَفْي الفعل في المستقبل، تقول: أنا لم أصنع هذا، ولن أصنعه. أي: في المستقبل.
ومعلوم أن الإنسان ابن أغيار، لا يحكمه حال واحد بل هو مُتقلِّب بين أحوال شتى طوال حياته، والله تعالى وحده هو الذي لا يتغيّر، وما دام الإنسان ابنَ أغيار ويطرأ عليه حال بعد حال، فليس له أنْ يحكمَ على شيء حُكْماً قاطعاً في مستقبل هو لا يملكه، فالذي يملك الحكم القاطع هو الحق سبحانه الذي لا تتناوله الأغيار.
لذلك فالإنسان مثلاً إذا صعد حتى القمة نخاف عليه الهبوط؛ لأنه من أهل الأغيار، ولا يدوم له حال، إذن: فماذا بعد القمة؟
وقد عَبَّر الشاعر عن هذا المعنى بقوله:
إذَا تَمَّ شَيءٌ بَدَا نَقْصُهُتَرقَّبْ زَوَالاً إذَا قِيل تَمّ
والعجيب أن الناس يتطلعون في نعمة الله إلى التمام، فيقول أحدهم: يا حبَّذا، لو حدث كذا لَتَمتْ هذه النعمة، وهم لا يدرون أن هذا النقص في النعمة سبب بقائها، فلو تَمَّتْ لك النعمة وأنت من أهل الأغيار، فماذا تنتظر إلا زوالها؟
فَلْيَرْضَ كلُّ صاحب نعمة بما فيها من نقص، فلعل هذا النقص يردُّ عنه عَيْن حاسد، أو حقد حاقد.
فبعض الناس يرزقه الله بالأولاد ويُعينه على تربيتهم، ولحكمة يفشل أحدهم فيحزن لذلك ويألم أشد الألم، ويقول: لو أن هذا الولد .. وهو لا يدرك حكمة الله من وراء هذا النقص، وأنه حارسٌ للنعمة في الآخرين، وأنه التميمة التي تحميه وتردُّ عنه ما يكره.
لذلك لما أراد المتنبي أن يمدح سيف الدولة قال له:
شَخِصَ الأَنامُ إلى كَمَالِكَ فَاسْتَعِذْمِنْ شَرِّ أَعْيُنِهِمْ بعَيْبٍ وَاحِد
أي: نظروا إليك معجبين بما فيك من كمال، فاعمل عملاً سيئاً واحداً يصد عنك شرَّ أعينهم.
إذن: (لن) تفيد تأبيد النفي في المستقبل، وهذا أمر لا يملكه إلا مالك الأحداث سبحانه وتعالى، أمّا صاحب الأغيار فليس له ذلك، والذين آمنوا فيما بعد برسول الله ممَّنْ قالوا هذه المقولة: { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً } [الإسراء: 90].
نستطيع أن نقول لهم: لقد أوقعتْكم (لن) في الكذب؛ لأنكم أبَّدتُم نَفْي الإيمان، وها أنتم مؤمنون، ولم يُفجِّر لكم النبي ينبوعاً من الأرض.
وعند فتح مكة وقف عكرمة بن أبي جهل وقال في الخَنْدَمَة ما قال، ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً معتذراً وخرج محارباً مع خالد بن الوليد في اليرموك، وحين طُعِن الطعنة المميتة، وحمله خالد، فإذا به يقول له: أهذه ميتة تُرضِي عني رسول الله؟
إذن: مَنْ يقول كلمة عليه أن يكون قادراً على تنفيذها، مالكاً لزمامها، ضامناً لنفسه أَلاَّ يتغير، وأَلاَّ تتناوله الأغيار، ولا يملك ذلك إلا الله سبحانه وتعالى.
والمتدبّر لأسلوب القرآن في سورة (الكافرون) يجد هذه المسألة واضحة، حيث يقول تعالى: { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } [الكافرون: 1-4].
هكذا نفتْ الآية عبادة كل منهما لإله الآخر في الزمن الحاضر، ثم يقول تعالى: { وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } [الكافرون: 4-5] لينفي أيضاً احتمال العبادة في المستقبل، إذن: فليس في الآية تكرار، كما يرى بعض قِصَار النظر.
ولك الآن أنْ تسألَ: كيف نفى القرآن الحدث في المستقبل؟ نقول: لأن المتكلّم هنا هو الحق سبحانه وتعالى الذي يملك الأحداث ولا تُغيِّره الأغيار، ولا تتسلط عليه، فحكم على المستقبل هذا الحكم القاطع وأبَّد النَّفي فيه.
ثم يقول تعالى: { حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً } [الإسراء: 90].
وفي آية أخرى قال: { وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً .. } [القمر: 12].
فالتفجير: أن تعمل في الأرض عملية تُخرِج المستتر في باطنها على ظهرها، وعين الماء تُخرِج لك الماء من الأرض، وتأخذ منه حاجتك فلا ينقص؛ لأنها تعوض ما أُخِذ منها بقانون الاستطراق، وقد يحدث أن يغيض الماء فيها قليلاً.
أما الينبوع فتراه يفيض باستمرار دون أن ينقص فيه منسوب الماء، كما في زمزم مثلاً، ولا شكَّ أن هذا المطلب منهم جاء نتيجة حرمانهم من الماء، وحاجتهم الشديدة إليه.
ويذكر الحق سبحانه أنهم واصلوا حديثهم للرسول صلى الله عليه وسلم، فقالوا:
(أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً )٩١
سبق أن طلبوا الماء لأنفسهم، وهنا يطلبون للرسول { جَنَّةٌ } أي: بستان أو حديقة من النخيل والعنب؛ لأنهما الصِّنْفان المشهوران عند العرب { فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً } [الإسراء: 91] أي: خلال هذه الحديقة حتى تستمر ولا تذبل.
ويواصلون تحديهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولون:
(أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً )٩٢-الإسراء
الزَّعْم: هو القبول المخالف للواقع، ويقولون: الزعم مطّية الكذب، قال تعالى: { زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَن لَّن يُبْعَثُواْ .. } [التغابن: 7].
وإنْ كانوا اتهموا رسول الله بالزعم، فما هو إلا مُبلِّغ عن الله، وناقل إليهم منهج ربه، فإنْ أرادوا أنْ يتَّهموا فليتهموا الحق سبحانه وتعالى؛ لأن رسوله لا ذنبَ له، وقد جاءوا بمسألة إسقاط السماء عليهم؛ لأن الحق سبحانه سبق أنْ قال عنهم: { أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ .. } [سبأ: 9].
لذلك طلبوا من رسول الله أنْ يُوقِع بهم هذا التهديد.
و { كِسَفاً .. } [الإسراء: 92] أي: قِطَعاً، ومفردها كسفة كقطعة.
ويقول تعالى: { أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً } [الإسراء: 92] أي: نراهم أمامنا هكذا مُقابلةً عياناً، وقد جاء هذا المعنى أيضاً في قوله تعالى: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا .. } [الفرقان: 21].
والمتأمل فيما طلبه الكفار من رسول الله صلى الله عليه وسلم يجده تعجيزاً بعيداً كُلَّ البعد عن الواقع، مما يدلنا على أنهم ما أرادوا الإيمان والهداية، بل قصدوا الجدل والعناد؛ لذلك يقول الحق سبحانه رَدّاً على لَجَج هؤلاء وتعنُّتهم: { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ .. } [الأنعام: 111].
ثم يقول تعالى عنهم أنهم قالوا:
(أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً )٩٣
البيت: هو المكان المعدّ للبيتوتة، والزخرف: أي المزيِّن، وكان الذهب وما يزال أجمل أنواع الزينة؛ لأن كل زُخْرف من زخارف الزينة يطرأ عليه ما يُغيِّره فيبهت لونه، وينطفئ بريقه، وتضيع ملامحه إلا الذهب، ونقصد هنا الذهب الخالص غير المخلوط بمعدن آخر، فالذهب الخالص هو الذي لا يتأكسد ولا يتفاعل مع غيره؛ لذلك يظل على بريقه ورَوْنقه، فإنْ كان البيت نفسه من زخرف، فماذا سيكون شكله؟
ونرى الذين يُحبُّون أن ينافقوا نفاقَ الحضارات، ويتبارَوْنَ في زخرفة الصناعات يُلصِقون على المصنوعات الخشبية مثلاً طبقة أو قشرة من الذهب؛ لتظلَّ محتفظة بجمالها، كما في الأطقم الفرنساوي أو الإنجليزي مثلاً.
ثم يقول تعالى: { أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ .. } [الإسراء: 93].
أي: يكون لك سُلَّم تصعد به في السماء، ويظهر أنهم تسرعوا في هذا القول، ورَأَوْا إمكانية ذلك، فسارعوا إلى إعلان ما تنطوي عليه نفوسهم من عناد: { وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ .. } [الإسراء: 93].
وكأنهم يُبيِّتون العناد لرسول الله، فهم كاذبون في الأولى، وكاذبون في الثانية، ولو نزَّل الله عليهم الكتاب الذي أرادوا ما آمنوا، وقد رَدَّ عليهم الحق سبحانه بقوله: { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } [الأنعام: 7].
وانظر إلى رَدِّ القرآن على كل هذا التعنت السابق: { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي .. } [الإسراء: 93] وكلمة { سُبْحَانَ } كلمة التنزيه العُلْيا للحق سبحانه وتعالى، وقد تحدَّى بها الكون كله؛ لأنها كلمة لا تُقَال إلا لله تعالى، ولم يحدث أبداً بين الناس أنْ قالها أحد لأحد، مع ما في الكون من جبابرة وعُتَاة، يحرص الناس على منافقتهم وتملُّقهم، وهذه كلمة اختيارية يمكن أن يقولها كل إنسان، لكن لم يجرؤ أحد على قَوْلها لأحد.
والحق سبحانه وتعالى يتحدَّى الكون كله بأمور اختيارية يقدرون عليها، وتحدى المختار في المثل معناها أنه سبحانه عالم بأن قدرته لن تستطيع أن تفعل ذلك، ومثال ذلك قول الحق تبارك وتعالى: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } [المسد: 1-3].
نزلت هذه الآيات في أبي لهب، وهو كافر، ويحتمل منه الإيمان كما آمن غيره من الكفرة، فقد آمن عمر والعباس وغيرهم، فما كان يُدرِي رسول الله أن أبا لهب لن يؤمن، لكنه يُبلِّغ قول ربه قرآناً يُتلَى ويُحفظ ويُسجَّل، وفيه تقرير وشهادة بأن أبا لهب سيموت كافراً، وأن مصيره النار.
وهنا نقول: أَمَا كان في إمكان أبي لهب أنْ يُكذّب هذا القول، فيقوم في قومه مُنادياً بلا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله - ولو نِفَاقاً - وله بعد ذلك أن يتهم محمداً وقرآن محمد بالكذب؟
لكن هذا لم يحدث؛ لأن المتكلم هو الله ربُّ العالمين.
ومن هذا التحدي أن الحق سبحانه له صفات وله أسماء، الأسماء مأخوذة من الصفات، إلا اسم واحد مأخوذ للذات، هو لفظ الجلالة (الله)، فهو عَلَم على الذات الإلهية لم يُؤخَذ من صفة من صفاته تعالى، فالقادر والغفور والحيّ القيوم وغيرها من الأسماء مأخوذة من صفات، إنما (الله) عَلَم على الذات الجامعة لكُلِّ هذه الصفات.
لذلك تحدَّى الخالق سبحانه جميع الخَلْق، وقد أعطاهم الحرية في اختيار الأسماء أنْ يُسمُّوا أنفسهم أو أبناءهم بهذا الاسم (الله)، ويعلن هذا التحدي في كتابه الكريم وعلى رؤوس الأشهاد يقول: { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } [مريم: 65]؟
ومع ذلك لم يجرؤ كافر واحد على أنْ يُسمِّيَ هذا الاسم ليظلَّ هذا التحدي قائماً إلى قيام الساعة؛ لأن الله تعالى حق، والإيمان به وبوجوده تعالى متغلغل حتى في نفوس الكفار، فلو كانوا يعلمون أن هذه الكلمة كذب، أو لا وجودَ لها لأقدموا على التسمية بها دون أن يُبالُوا شيئاً، أَمَا وهم يعلمون أن الله حق فلن يجرؤ أحد، ويُجرِّب هذه التسمية في نفسه؛ لأنه يخشى عاقبة وخيمة لا يدري ما هي.
لذلك رَدَّ الحق سبحانه على تعنُّت الكفار فيما طلبوه من رسوله صلى الله عليه وسلم قائلاً: { سُبْحَانَ رَبِّي .. } [الإسراء: 93] لأن الأمور التي طلبوها أمور بلغتْ من العجب حَدَّاً، ولا يمكن أن يُتعجب منها إلا بسبحان الله؛ لأنها كلمة التعجُّب الوحيدة والتي لا تُطلَق لغير الله، وكأنه أرجع الأمور كلها لله، ولقد كان لهم غِنىً عن ذلك في كتاب الله الذي نزل إليهم: { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [العنكبوت: 51].
والهمزة هنا للاستفهام المراد به التعجُّب أيضاً: أيطلبون هذه الآيات، ولم يكْفِهم أنَّا أنزلنا عليك الكتاب، وقد كان فيه غناءٌ لهم.
ثم يقول تعالى: { هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً } [الإسراء: 93].
هل ادعيْتُ لكم أَنِّي إله؟! ما أنا إلا بشر أبلغكم رسالة ربي، وأفعل ما يأمرني به، كما في قوله تعالى: { قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَيَّ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [يونس: 15].
التفاسير العظيمة
٩٠__٩٣
(وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً )٩٠-الإسراء
(لَنْ) تفيد تأبيد نَفْي الفعل في المستقبل، تقول: أنا لم أصنع هذا، ولن أصنعه. أي: في المستقبل.
ومعلوم أن الإنسان ابن أغيار، لا يحكمه حال واحد بل هو مُتقلِّب بين أحوال شتى طوال حياته، والله تعالى وحده هو الذي لا يتغيّر، وما دام الإنسان ابنَ أغيار ويطرأ عليه حال بعد حال، فليس له أنْ يحكمَ على شيء حُكْماً قاطعاً في مستقبل هو لا يملكه، فالذي يملك الحكم القاطع هو الحق سبحانه الذي لا تتناوله الأغيار.
لذلك فالإنسان مثلاً إذا صعد حتى القمة نخاف عليه الهبوط؛ لأنه من أهل الأغيار، ولا يدوم له حال، إذن: فماذا بعد القمة؟
وقد عَبَّر الشاعر عن هذا المعنى بقوله:
إذَا تَمَّ شَيءٌ بَدَا نَقْصُهُتَرقَّبْ زَوَالاً إذَا قِيل تَمّ
والعجيب أن الناس يتطلعون في نعمة الله إلى التمام، فيقول أحدهم: يا حبَّذا، لو حدث كذا لَتَمتْ هذه النعمة، وهم لا يدرون أن هذا النقص في النعمة سبب بقائها، فلو تَمَّتْ لك النعمة وأنت من أهل الأغيار، فماذا تنتظر إلا زوالها؟
فَلْيَرْضَ كلُّ صاحب نعمة بما فيها من نقص، فلعل هذا النقص يردُّ عنه عَيْن حاسد، أو حقد حاقد.
فبعض الناس يرزقه الله بالأولاد ويُعينه على تربيتهم، ولحكمة يفشل أحدهم فيحزن لذلك ويألم أشد الألم، ويقول: لو أن هذا الولد .. وهو لا يدرك حكمة الله من وراء هذا النقص، وأنه حارسٌ للنعمة في الآخرين، وأنه التميمة التي تحميه وتردُّ عنه ما يكره.
لذلك لما أراد المتنبي أن يمدح سيف الدولة قال له:
شَخِصَ الأَنامُ إلى كَمَالِكَ فَاسْتَعِذْمِنْ شَرِّ أَعْيُنِهِمْ بعَيْبٍ وَاحِد
أي: نظروا إليك معجبين بما فيك من كمال، فاعمل عملاً سيئاً واحداً يصد عنك شرَّ أعينهم.
إذن: (لن) تفيد تأبيد النفي في المستقبل، وهذا أمر لا يملكه إلا مالك الأحداث سبحانه وتعالى، أمّا صاحب الأغيار فليس له ذلك، والذين آمنوا فيما بعد برسول الله ممَّنْ قالوا هذه المقولة: { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً } [الإسراء: 90].
نستطيع أن نقول لهم: لقد أوقعتْكم (لن) في الكذب؛ لأنكم أبَّدتُم نَفْي الإيمان، وها أنتم مؤمنون، ولم يُفجِّر لكم النبي ينبوعاً من الأرض.
وعند فتح مكة وقف عكرمة بن أبي جهل وقال في الخَنْدَمَة ما قال، ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً معتذراً وخرج محارباً مع خالد بن الوليد في اليرموك، وحين طُعِن الطعنة المميتة، وحمله خالد، فإذا به يقول له: أهذه ميتة تُرضِي عني رسول الله؟
إذن: مَنْ يقول كلمة عليه أن يكون قادراً على تنفيذها، مالكاً لزمامها، ضامناً لنفسه أَلاَّ يتغير، وأَلاَّ تتناوله الأغيار، ولا يملك ذلك إلا الله سبحانه وتعالى.
والمتدبّر لأسلوب القرآن في سورة (الكافرون) يجد هذه المسألة واضحة، حيث يقول تعالى: { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } [الكافرون: 1-4].
هكذا نفتْ الآية عبادة كل منهما لإله الآخر في الزمن الحاضر، ثم يقول تعالى: { وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } [الكافرون: 4-5] لينفي أيضاً احتمال العبادة في المستقبل، إذن: فليس في الآية تكرار، كما يرى بعض قِصَار النظر.
ولك الآن أنْ تسألَ: كيف نفى القرآن الحدث في المستقبل؟ نقول: لأن المتكلّم هنا هو الحق سبحانه وتعالى الذي يملك الأحداث ولا تُغيِّره الأغيار، ولا تتسلط عليه، فحكم على المستقبل هذا الحكم القاطع وأبَّد النَّفي فيه.
ثم يقول تعالى: { حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً } [الإسراء: 90].
وفي آية أخرى قال: { وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً .. } [القمر: 12].
فالتفجير: أن تعمل في الأرض عملية تُخرِج المستتر في باطنها على ظهرها، وعين الماء تُخرِج لك الماء من الأرض، وتأخذ منه حاجتك فلا ينقص؛ لأنها تعوض ما أُخِذ منها بقانون الاستطراق، وقد يحدث أن يغيض الماء فيها قليلاً.
أما الينبوع فتراه يفيض باستمرار دون أن ينقص فيه منسوب الماء، كما في زمزم مثلاً، ولا شكَّ أن هذا المطلب منهم جاء نتيجة حرمانهم من الماء، وحاجتهم الشديدة إليه.
ويذكر الحق سبحانه أنهم واصلوا حديثهم للرسول صلى الله عليه وسلم، فقالوا:
(أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً )٩١
سبق أن طلبوا الماء لأنفسهم، وهنا يطلبون للرسول { جَنَّةٌ } أي: بستان أو حديقة من النخيل والعنب؛ لأنهما الصِّنْفان المشهوران عند العرب { فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً } [الإسراء: 91] أي: خلال هذه الحديقة حتى تستمر ولا تذبل.
ويواصلون تحديهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولون:
(أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً )٩٢-الإسراء
الزَّعْم: هو القبول المخالف للواقع، ويقولون: الزعم مطّية الكذب، قال تعالى: { زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَن لَّن يُبْعَثُواْ .. } [التغابن: 7].
وإنْ كانوا اتهموا رسول الله بالزعم، فما هو إلا مُبلِّغ عن الله، وناقل إليهم منهج ربه، فإنْ أرادوا أنْ يتَّهموا فليتهموا الحق سبحانه وتعالى؛ لأن رسوله لا ذنبَ له، وقد جاءوا بمسألة إسقاط السماء عليهم؛ لأن الحق سبحانه سبق أنْ قال عنهم: { أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ .. } [سبأ: 9].
لذلك طلبوا من رسول الله أنْ يُوقِع بهم هذا التهديد.
و { كِسَفاً .. } [الإسراء: 92] أي: قِطَعاً، ومفردها كسفة كقطعة.
ويقول تعالى: { أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً } [الإسراء: 92] أي: نراهم أمامنا هكذا مُقابلةً عياناً، وقد جاء هذا المعنى أيضاً في قوله تعالى: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا .. } [الفرقان: 21].
والمتأمل فيما طلبه الكفار من رسول الله صلى الله عليه وسلم يجده تعجيزاً بعيداً كُلَّ البعد عن الواقع، مما يدلنا على أنهم ما أرادوا الإيمان والهداية، بل قصدوا الجدل والعناد؛ لذلك يقول الحق سبحانه رَدّاً على لَجَج هؤلاء وتعنُّتهم: { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ .. } [الأنعام: 111].
ثم يقول تعالى عنهم أنهم قالوا:
(أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً )٩٣
البيت: هو المكان المعدّ للبيتوتة، والزخرف: أي المزيِّن، وكان الذهب وما يزال أجمل أنواع الزينة؛ لأن كل زُخْرف من زخارف الزينة يطرأ عليه ما يُغيِّره فيبهت لونه، وينطفئ بريقه، وتضيع ملامحه إلا الذهب، ونقصد هنا الذهب الخالص غير المخلوط بمعدن آخر، فالذهب الخالص هو الذي لا يتأكسد ولا يتفاعل مع غيره؛ لذلك يظل على بريقه ورَوْنقه، فإنْ كان البيت نفسه من زخرف، فماذا سيكون شكله؟
ونرى الذين يُحبُّون أن ينافقوا نفاقَ الحضارات، ويتبارَوْنَ في زخرفة الصناعات يُلصِقون على المصنوعات الخشبية مثلاً طبقة أو قشرة من الذهب؛ لتظلَّ محتفظة بجمالها، كما في الأطقم الفرنساوي أو الإنجليزي مثلاً.
ثم يقول تعالى: { أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ .. } [الإسراء: 93].
أي: يكون لك سُلَّم تصعد به في السماء، ويظهر أنهم تسرعوا في هذا القول، ورَأَوْا إمكانية ذلك، فسارعوا إلى إعلان ما تنطوي عليه نفوسهم من عناد: { وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ .. } [الإسراء: 93].
وكأنهم يُبيِّتون العناد لرسول الله، فهم كاذبون في الأولى، وكاذبون في الثانية، ولو نزَّل الله عليهم الكتاب الذي أرادوا ما آمنوا، وقد رَدَّ عليهم الحق سبحانه بقوله: { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } [الأنعام: 7].
وانظر إلى رَدِّ القرآن على كل هذا التعنت السابق: { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي .. } [الإسراء: 93] وكلمة { سُبْحَانَ } كلمة التنزيه العُلْيا للحق سبحانه وتعالى، وقد تحدَّى بها الكون كله؛ لأنها كلمة لا تُقَال إلا لله تعالى، ولم يحدث أبداً بين الناس أنْ قالها أحد لأحد، مع ما في الكون من جبابرة وعُتَاة، يحرص الناس على منافقتهم وتملُّقهم، وهذه كلمة اختيارية يمكن أن يقولها كل إنسان، لكن لم يجرؤ أحد على قَوْلها لأحد.
والحق سبحانه وتعالى يتحدَّى الكون كله بأمور اختيارية يقدرون عليها، وتحدى المختار في المثل معناها أنه سبحانه عالم بأن قدرته لن تستطيع أن تفعل ذلك، ومثال ذلك قول الحق تبارك وتعالى: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } [المسد: 1-3].
نزلت هذه الآيات في أبي لهب، وهو كافر، ويحتمل منه الإيمان كما آمن غيره من الكفرة، فقد آمن عمر والعباس وغيرهم، فما كان يُدرِي رسول الله أن أبا لهب لن يؤمن، لكنه يُبلِّغ قول ربه قرآناً يُتلَى ويُحفظ ويُسجَّل، وفيه تقرير وشهادة بأن أبا لهب سيموت كافراً، وأن مصيره النار.
وهنا نقول: أَمَا كان في إمكان أبي لهب أنْ يُكذّب هذا القول، فيقوم في قومه مُنادياً بلا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله - ولو نِفَاقاً - وله بعد ذلك أن يتهم محمداً وقرآن محمد بالكذب؟
لكن هذا لم يحدث؛ لأن المتكلم هو الله ربُّ العالمين.
ومن هذا التحدي أن الحق سبحانه له صفات وله أسماء، الأسماء مأخوذة من الصفات، إلا اسم واحد مأخوذ للذات، هو لفظ الجلالة (الله)، فهو عَلَم على الذات الإلهية لم يُؤخَذ من صفة من صفاته تعالى، فالقادر والغفور والحيّ القيوم وغيرها من الأسماء مأخوذة من صفات، إنما (الله) عَلَم على الذات الجامعة لكُلِّ هذه الصفات.
لذلك تحدَّى الخالق سبحانه جميع الخَلْق، وقد أعطاهم الحرية في اختيار الأسماء أنْ يُسمُّوا أنفسهم أو أبناءهم بهذا الاسم (الله)، ويعلن هذا التحدي في كتابه الكريم وعلى رؤوس الأشهاد يقول: { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } [مريم: 65]؟
ومع ذلك لم يجرؤ كافر واحد على أنْ يُسمِّيَ هذا الاسم ليظلَّ هذا التحدي قائماً إلى قيام الساعة؛ لأن الله تعالى حق، والإيمان به وبوجوده تعالى متغلغل حتى في نفوس الكفار، فلو كانوا يعلمون أن هذه الكلمة كذب، أو لا وجودَ لها لأقدموا على التسمية بها دون أن يُبالُوا شيئاً، أَمَا وهم يعلمون أن الله حق فلن يجرؤ أحد، ويُجرِّب هذه التسمية في نفسه؛ لأنه يخشى عاقبة وخيمة لا يدري ما هي.
لذلك رَدَّ الحق سبحانه على تعنُّت الكفار فيما طلبوه من رسوله صلى الله عليه وسلم قائلاً: { سُبْحَانَ رَبِّي .. } [الإسراء: 93] لأن الأمور التي طلبوها أمور بلغتْ من العجب حَدَّاً، ولا يمكن أن يُتعجب منها إلا بسبحان الله؛ لأنها كلمة التعجُّب الوحيدة والتي لا تُطلَق لغير الله، وكأنه أرجع الأمور كلها لله، ولقد كان لهم غِنىً عن ذلك في كتاب الله الذي نزل إليهم: { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [العنكبوت: 51].
والهمزة هنا للاستفهام المراد به التعجُّب أيضاً: أيطلبون هذه الآيات، ولم يكْفِهم أنَّا أنزلنا عليك الكتاب، وقد كان فيه غناءٌ لهم.
ثم يقول تعالى: { هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً } [الإسراء: 93].
هل ادعيْتُ لكم أَنِّي إله؟! ما أنا إلا بشر أبلغكم رسالة ربي، وأفعل ما يأمرني به، كما في قوله تعالى: { قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَيَّ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [يونس: 15].
التفاسير العظيمة