إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

جعلناه نورًا...خالد أبوشادي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #31
    قال الأصمعي: كنتُ أقرأ: ﴿والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله غفور رحيم﴾، وبجانبي أعرابي،فقال كلام من هذا؟ قلت: كلام الله، قال: ليس هذا كلام الله، فانتبهت فقرأت: ﴿إن الله عزيز حكيم﴾ [المائدة: 38] فقال: أصبت .. هذا كلام الله، فقلت: أتقرأ القرآن؟ قال: لا. قلت: من أين علمت؟
    قال: يا هذا .. عزَّ فحكم فقطع، ولو غفر ورحم لما قطع.

    . ﴿والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما﴾:
    أكل الحرام نقص في كل شيء، في الإيمان وفي الأبدان.

    . يقول صاحب الظلال:
    «والرَّدع عن ارتكاب الجريمة رحمة بمن تحدِّثه نفسه بها، لأنه يكفه عنها، ورحمة بالجماعة كلها لأنه يوفر لها الطمأنينة، ولن يدَّعي أحد أنه أرحم بالناس من خالق الناس، إلا وفي قلبه عمى، وفي روحه انطماس!».

    . ﴿فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ، فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ﴾:
    الظلم عمل إيجابي شرير مفسد، ولا يكفي أن يكف الظالم عن ظلمه ويقعد عنه، بل لا بد أن يعوِّضه بعمل إيجابي صالح، يصلح به ما أفسده.

    . آية ينتفض لها القلب خوفا:
    ﴿أولئك الذين لم يُرِدْ الله أن يُطهِّر قلوبهم﴾،
    فالمدار في صلاحك أو فسادك بحسب قلبك، فراقب هذا القلب باستمرار.

    . ما الحكمة في إرادة الله فتنة بعض خلقه؟
    هم بدأوا! زاغوا فأزاغهم: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾، وابتعدوا فأبعدهم، وانحرفوا فعاقبهم على انحرافهم (ولا يظلم ربك أحدا).





    ﴿ سمّاعون للكذب﴾ ؛
    ذم الله سماع الكذب، فما بالك بمن يردِّده وينشره؟!

    ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾:
    قال الحسن: تلك الحكام تسمع كذبه وتأكل رشوة.

    . ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾:
    قال أبو حنيفة: إذا ارتشى الحاكم انعزل في الوقت وإن لم يُعزَل.

    . (ومن لم يحكم بماأنزل الله فأولئك هم الكافرون):
    قال ابن عباس: من جحد ما أنزل الله فقد كفر، ومن أقرَّ به ولم يحكم فهو ظالم فاسق.

    . بعض الطاعات لا يُوَفَّق لها العبد بسبب ذنب سابق، فلا تظن أن شؤم الذنب انتهى بانتهائه:
    (فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم).



    . (لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء) ( لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) ( أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله)،
    لكن الواقع شيء آخر ! أي غُربة يحياها المسلمون اليوم؟!




    . (ومن يتولهم منكم فإنه منهم):
    قال عبد الله بن عتبة: «ليتق أحدكم أن يكون يهوديا أو نصرانيا وهو لا يشعر».

    . ﴿فعسى الله أن يأتي بالفتح أو بأمر من عنده﴾:
    سيفتح الله باباً كنت تحسبهُ .. من شدة اليأس لم يُخلَق بمفتاح

    . سين: ما الذي يجمع بين (الفتح) و (أمر من عنده)؟!
    جيم: يجمعهما المفاجأة وعدم توقع الحدوث.

    . تسارع المنافقين لإرضاء أعداء الأمة داء قديم، ويتجدد عند كل أزمة
    (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة)

    ﴿يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه﴾:
    سنة الله في خلقه .. إذا انتكس مؤمن واحد أن يأتي الله بقوم بدلا منه!

    (يحبهم ويحبونه):
    قال أبو يزيد البسطامي: «ليس العجب من حبي لك وأنا عبد فقير؛ بل إنما العجب من حبك لي وأنت ملك قدير».

    ﴿وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ﴾:
    أوصى النبي ﷺ أبا ذر: «قل الحق وإن كان مُرَّا». قلت: زدني. قال: «لا تخف في الله لومة لائم» .

    إن كنت تخشى اللوام في ما تقول أو تكتب على صفحتك، فتذكر أن الله مدح أحبابه بقوله:
    ﴿وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ﴾.




    ﴿ مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه﴾:
    لا يمكن لعبد أحب الله أن يرتدَّ عن دينه، اغرسوا حب الله في قلوب من تحبون.

    ( (يحبهم) ويحبونه (أذلة) على المؤمنين...)
    من ذل ولان بين يدي إخوانه فاز بمحبة الله.



    ( يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه):
    قدَّم محبته لهم على محبتهم له؛ فلولا أنه أحبهم ما أحبوه، ولا وصلوا إلى طاعته ولا عرفوه.

    ﴿وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ﴾:
    الاستهزاء بالدين علامة قلة العقل، ولو حمل صاحبه أعلى الشهادات.

    (لولا ينهاهم (الربانيون) والأحبار عن قولهم الإثم (وأكلهم السحت)
    مقاومة الرشوة والفساد المالي من أهم مهام المصلحين في كل عصر.

    (لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ﴾
    قال الإمام القرطبي: ودلت الآية على أن تارك النهي عن المنكر كمرتكب المنكر، فالآية توبيخ للعلماء في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

    (بل يداه مبسوطتان):
    فكل من سأل الله ومد إليه يديه، لم يردَّهما (صفرا) خائبتين.

    ﴿بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء﴾
    أيها الصامتون .. ما أفدح خسارة هذا الصمت!






    ﴿كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله﴾
    اليهود دائما قادة إشعال الحروب والفتن بين الشعوب.

    (وحسبوا أﻻ تكون فتنة فعموا وصموا)
    إذا فتن (القلب) عمي (البصر)، وصُمَّتْ (اﻷُذُن)؛ فتخبَّطَت (الجوارح).

    (وحسبوا ألا تكون فتنة)
    الفتنة تصيب دائما من لم يحسِب حسابها، وأكثر من يظن أنه بعيد عن الفتنة هو أكثر الناس وقوعا فيها.

    دعا الله إلى التوبة من قال: إن الله هو المسيح ابن مريم، ومن قال: إن الله ثالث ثلاثة، ومن قال: يد الله مغلولة، فقال: (أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه).

    (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه):
    قال أهل العلم: وليس من شرط الناهي عن المنكر أن يكون سليما من المعاصي، بل ينهى العصاة بعضهم بعضا.

    المجتمع السلبي الذي يرى المنكر ولا ينكره هو مجتمع ملعون بنص القرآن!
    ﴿لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل...كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه﴾

    المصلِحون رحمة للأمة ووقاية لها من نزول لعنة الله، فالله حين (لعن) بني إسرائيل بيَّن السبب، فقال:
    (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون).

    ﴿ كانوا لا يتناهون عن مُنكر فعلوه ﴾
    من شأن المنكرات أن يبدأها واحد، ثم يتبنّاها قِلَّة، فإن لم يجدوا من يغيِّر عليهم تزايدوا، فانتشرت حتى تعُمَّ، وينسى الناس كونها من المنكرات، فلا يهتدون إلى الإقلاع والتوبة منها، فتصيبهم لعنة الله
    التعديل الأخير تم بواسطة امانى يسرى; الساعة 18-08-2018, 03:02 AM.

    تعليق


    • #32
      ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾[النساء :150]:
      من الكافرون حقا؟!
      قال ابن كثير:»والمقصود أن من كفر بنبي من الأنبياء فقد كفر بسائر الأنبياء، فإن الإيمان واجب بكل نبي بعثه الله إلى أهل الأرض، فمن ردَّ نبوته للحسد أو العصبية أو التشهي، تبين أن إيمانه بمن آمن به من الأنبياء ليس إيمانا شرعيا، إنما هو عن غرض وهوى وعصبية».

      ﴿ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾[النساء :150]:
      الجزاء من جنس العمل! كما استهانوا بمن كفروا بهم من الأنبياء،
      فقد سلط الله عليهم الذل الدنيوي الموصول بالذل الأخروي.

      ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ﴾[النساء :153]:
      قال قتادة: سألَت اليهود النبيَّ ﷺ أنْ يأتيهم بكتابٍ مِنْ عند الله خاصٍّ لليهود، يأمرهم فيه بالايمان بمحمد ﷺ،
      وزاد في رواية ابن جريج: «إلى فلان، وإلى فلانٍ أنك رسول الله».

      ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ﴾[النساء :153]:
      في هذه الآية تسلية للنبي ﷺ، ودلالة على جرأة اليهود وتعنتهم وعنادهم، وإظهار أن الرسل لا تجيب مقترحات أممهم في طلب المعجزات، بل تأتي معجزاتهم بإرادة الله تعالى عند تحدي الأنبياء، ولو أجاب الله المقترحين إلى ما اقترحوا من المعجزات، لجعل رسله بمنزلة المشعوذين. ذكره الطاهر بن عاشور




      ﴿وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾[النساء :154]:
      ميثاقا غليظا يناسب طبيعتهم الغليظة وقسوة قلوبهم وعموم غفلتهم وسهولة تسيبهم.

      . ﴿وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا﴾ [النساء :156]:
      كلمة واحدة اتهموا بها مريم أدت إلى كفرهم! احذر لسانك!

      . ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ﴾ [النساء :157]:
      اختلفوا في حقيقة قتله وصلبه، فقال بعض اليهود: قتلناه، وتردد آخرون فقالوا: إن كان المقتول عيسى فأين صاحبنا، وإنكان المقتول صاحبنا فأين عيسى؟! وقال آخرون: الوجه وجه عيسى والبدن بدن صاحبنا!

      . ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ﴾ [النساء :157]:
      واختلفوا في حقيقته، فمنهم من زعم أنه ابن الله، ومنهم من قال أن فيه عنصرا إلهيا وعنصرا إنسانيا، وأن الذي ولدته مريم هو العنصر الإنسانى، ثم أفاض عليه بعد ذلك العنصر الإلهي، ولذا انقسم النصارى إلى عدةطوائف.

      . ﴿وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا﴾ [النساء :157]:
      الحق المتيقن الذي يعتقده كل مسلم أن اليهود لم يقتلوا عيسى، فقد نجاه الله من مكرهم، ورفعه حيّا إلى السماء، وهو الآن حيٌّ فيها، وسينزل آخر الزمان عند قرب الساعة، ويقتل الدجال ويحكم بالشريعة المحمدية، ويتوفى بعدها ويُدفَن، فهو حيّ إلى الأبد، يعني إلى قرب قيام الساعة، ونزوله وموته من أمارات الساعة الكبرى.
      . قال الراغب: «سمي عيسى بالمسيح لأنه مسحت عنه القوة الذميمة، من الجهل والشره والحرص وسائر الأخلاق الذميمة، كما أن الدجال مسحت عنه القوة المحمودة من العلم والعقل والحلم والأخلاق الحميدة».

      ﴿لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾[النساء :162]:
      عن ابن عباس قال: «نزلت في عبد الله بن سلام وأسيد بن سعيةوثعلبة بن سعية وأسد بن عبيد، حين فارقوا يهود وشهدوا أن الذي جاء به رسول الله ﷺ حق من الله، وأنهم يجدونه مكتوبا عندهم».

      . ﴿لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾[النساء :162]:
      الرسوخ في العلم ليس بكثرة التأليف ولا بسرد الأقوال، بل بصلاح الأعمال وطهارة الأحوال.

      . ﴿لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ ﴾[النساء :162]:
      الوعد بالأجر العظيم للراسخين من أهل الكتاب، لأنهم آمنوا مرتين، برسولهم وبمحمد ﷺ، وفي الحديث الصحيح: «ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبي ﷺ، فآمن به واتبعه وصدقه، فله أجران، ...» . صحيح الجامع رقم: 3073

      ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾[النساء :163]:
      قال الجمل: «وإنما بدأ الله تعالى بذكر نوح عليه السلام؛ لأنه أول نبي بُعِثَ بشريعة، وأول نذير على الشرك. وكان أول من عُذِّبت أمته لردهم دعوته، وكان أطول الأنبياء عمرا».

      . ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾[النساء :165]:
      البشارة قبل النذارة، والترغيب قبل الترهيب، وكلاهما مطلوب.





      ﴿ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾[النساء :165]:قال القشيري: «أنّى يكون لمن له إلى الله حاجة على الله حجّة؟! ولكنَّ الله خاطبهم على حسب عقولهم».

      ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء :167]: الضلال أعم من الكفر، فكل كفر ضلال، وليس كل ضلال كفرا، والناس في الضلال نوعان: ضال غير مضل، وضال مضل، وهو أعظمها جرما وأكبرها عقابا، وهذا هو الضلال البعيد.

      . ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا﴾ [النساء :168]: قال القرطبي: «يعني اليهود، أي ظلموا محمدا بكتمان نعته، وأنفسهم إذ كفروا، والناس إذ كتموهم».

      ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ ﴾ [النساء :168]: نفيٌ عن الله أن يغفر لهم، وهو قمة التحذير من البقاء على الكفر والظلم، فإن هذا الحكم تعلق بوصف ولم يتعلق بشخص، فعليهم أن يقلعوا عن الكفر والظلم حتى لا يكونوا من الذين كفروا وظلموا.

      . ﴿إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [النساء :169]: والخلود هو المكث الطويل، وقوله ﴿أَبَداً﴾ لرفع احتمال أن يراد بالخلود المكث الطويل بل لإفادة العذاب الأبدي.




      . ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ﴾ [النساء :170]: هذه الآية تشير لعالمية الرسالة! لأن رسالته ﷺ عامة وتشمل الناس جميعا.

      لا ترفعوا عيسى عليه السلام فوق قدره، فتدَّعوا ألوهيته، ولا تغلوا حتى مع رسول الله ﷺ، ففي الحديث: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله». صحيح الجامع رقم: 7363

      . ﴿وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ ﴾ [النساء :171]: لا تنطقوا بهذه الكلمة، والتثليث شعار النصارى كما أن كلمة الشهادة شعار المسلمين، ومن عادات النصارى الإشارة إلى التثليث بالأصابع الثلاثة: الإبهام والخنصر والبنصر، فمقصود الآية النهي عن التثليث نطقا واعتقادا.

      


      . ﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ﴾ [النساء :172]: قال القشيري: «كيف يستنكف عن عبوديته وبالعبودية شرفه؟! وكيف يستكبر عن التذلّل وفى استكباره تلفه؟! ولهذا الشأن نطق المسيح أول ما نطق بقوله: ﴿إنى عَبْدُ الله﴾، وتجمُّل العبيد فى التذلل للسادة، هذا معلوم لا تدخله ريبة».

      . ﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ﴾ [النساء :172]: قال الطاهر بن عاشور: «واعلم أن تفضيل الأنبياء على الملائكة مطلقا هو قول جمهور أهل السنة، والمسألة اجتهادية، ولا طائل وراء الخوض فيها، وقد نهى النبي ﷺ عن الخوض في تفاضل الأنبياء، فما ظنك بالخوض في التفاضل بين الأنبياء وبين مخلوقات عالم آخر لا صلة لنا به؟!»

      . ﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ﴾ [النساء :172]: سبب نزولها: أن وفدا من نجران قالوا للنبي ﷺ: لم تعيب صاحبنا يا محمد؟ قال: «ومن صاحبكم؟ قالوا: عيسى، قال ﷺ: وأى شيء قلت؟ قالوا تقول: إنه عبد الله ورسوله. قال ﷺ: «إنه ليس بعار أن يكون عبدا لله».
      التعديل الأخير تم بواسطة امانى يسرى; الساعة 18-08-2018, 03:03 AM.

      تعليق


      • #33
        ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء :173]: معاملة الكريم لنا بالفضل لا بالعدل.

        ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾ [النساء :173]: قدَّم الله ثواب المؤمنين على عقاب المستنكفين؛ لأن العصاة إذا رأوا أولا ثواب المطيعين، ثم شاهدوا بعده عقاب أنفسهم، كان ذلك أعظم في حسرتهم وندامتهم.
        ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ﴾[النساء :174]:
        ما الاعتصام بالله؟! قال ابن القيم: «وأما الاعتصام به فهو التوكل عليه، والامتناع به، والاحتماء به، وسؤاله أن يحمي العبد ويمنعه، ويعصمه ويدفع عنه، فإن ثمرة الاعتصام به هو الدفع عن العبد، والله يدافع عن الذين آمنوا، فيدفع عن عبده المؤمن إذا اعتصم به كل سبب يفضي به إلى العطب، ويحميه منه، فيدفع عنه الشبهات والشهوات، وكيد عدوه الظاهر والباطن، وشر نفسه، ويدفع عنه موجب أسباب الشر بعد انعقادها، بحسب قوة الاعتصام به وتمكنه».

        ﴿ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج﴾[المائدة :6]: تعليلٌ لرخصة التيمم، وهي أصلٌ لقاعدة: (المشقة تجلب التيسير).





        ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ﴾[المائدة :5]: الإسلام دين الفطرة، فلم يُحرِّم الله إلا كل خبيث، وكل ما ينفع الناس أحلَّه الله.
        . ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾[المائدة :5]: من تيسير الله للمسلمين أن ذبائح اليهود والنصارى حلال لكم دون ذبائح الكفار، فإن ذبائحهم لا تحل للمسلمين.

        . ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾[المائدة :5]: قال بتحليل نكاح نساء أهل الكتاب من الصحابة جماعة، منهم عثمان، وطلحة، وابن عباس، وجابر، وحذيفة، فتزوج عثمان  نائلة بنت القراقصة الكلبية النصرانية، وأسلمت عنده، وتزوج حذيفة يهودية من أهل المدائن، ومن التابعين: سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، والحسن، ومجاهد، وطاووس، وعكرمة،

        . ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾[المائدة :5]: الزواج من نساء أهل الكتاب - وان كان جائزا - إلا أنه مكروه، خوفا من أن يميل إليها فتفتنه عن دينه، فإن كانت حربية فيرى بعض العلماء حرمة الزواج منها، فقد سئل ابن عباس عن ذلك فقال: لا تحل.

        ﴿ فاغسلوا وجوهكم إلى المرافق وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾[المائدة :6]: في الصحيح أن رسول الله ﷺ رأى قوما يتوضؤون وأعقابهم تلوح، فنادى بأعلى صوته «ويل للأعقاب من النار» مرتين.





        . ﴿ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج﴾[المائدة :6]: قال الإمام الرازي: «أصلٌ كبيرٌ في الشَّرع، وهو أنَّ الأصْلَ في المضارِّ ألَّا تكونَ مشروعة».
        . ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾[المائدة :9]: وعد الله لا يتخلف! قال الإمام الرازي: «وهذا يمتنع الخُلْف في وعده، لأن دخول الخُلْف إنما يكون إما للجهل حيث ينسى وعده، وإما للعجز حيث لا يقدر على الوفاء بوعده، وإما للبخل حيث يمنعه البخل عن الوفاء بالوعد، وإما للحاجة، فإذا كان الإله هو الذي يكون منزَّها عن كل هذه الوجوه، كان دخول الخلف في وعده محالا».

        ﴿إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسطُوا إِلَيْكُم أَيْدِيَهُمْ فَكف أَيدِيَهُم عَنْكُمْ﴾[المائدة :11]:كثيرٌ من النَّاس يظن أنَّ النِّعَم هي الإيجاد، وهذا قصورٌ في الفهم؛ فالنِّعمة: إما إيجاد خير معدوم، أو كفُّ شر موجود؛ والله يجب أن يُشْكَر على هذا وذاك.

        . ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾[المائدة :15]:المراد بالنور هنا: محمد ﷺ، فهو نور الأنوار كما قال الآلوسي.

        . ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾[المائدة :15]:سبل السلام هي طرق الحق، والظلمات والنور استعارة للضلال والهدى، والظلمات جمع، لأن سبل الكفر متشعِّبة، والنور مفرد؛ لأن طريق الحق واحد.

        . ﴿يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ [المائدة :21]: الأرض المقدسة هي بيت المقدس، وتقديسها: تطهيرها من كل خبث، لذا فواجبنا اليوم: تطهيرها من دنس اليهود.

        ﴿قَالُوا يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ﴾ [المائدة :22]: ست صفات لأصحاب العقلية السلبية: تضخيم حجم العدو، واختلاق الأعذار، وعدم تحمل المسؤولية، وإلقاؤها على الغير، وتبني الكلمات السلبية.

        ﴿قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة :23]: ست صفات لأصحاب العقلية الإيجابية: الصدع بآرائهم، وعدم الخوف إلا من الله، والمبادرة، وإحسان الظن بالله، والتوكل على الله، وتبني الكلمات الإيجابية.

        ﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ [المائدة :26]: المجاهرة بالذنب والاجتراء على المعصية تُعجِّل بالعقوبة.﴿فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾[المائدة:26]: لعل موسى شعر بالضيق من دعائه فقال لنفسه: لماذا لم أدعُ لهم بالهداية بدلا من الدعاء عليهم بالفراق؟، فقال الله له: ﴿فَلاَ تَأْسَ عَلَى القوم الفاسقين﴾.





        . ﴿مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ [المائدة:28]: القاتل لا يخاف الله، ولو خافه ما قتل.

        . قال أيوب السختياني: «إن أول من أخذ بهذه الآية من هذه الأمة: ﴿لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين﴾ لعثمان بن عفان » .

        . ﴿إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ [المائدة:28]: الخائف من الله لا يُقدِم على الذنوب، خاصة كبائر الذنوب.

        . ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ﴾ [المائدة:29]: كيف يبوء بإثمه وإثم غيره، والله تعالى قال: ﴿ولا تزر وازرة وزر أخرى﴾؟! والجواب: قال ابن عباس وابن مسعود: «معناه تحمل إثم قتلي، وإثمك الذي كان منك قبل قتلي».

        . ﴿فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ﴾[المائدة :31]: أليس الندم توبة، فَلِم لم يُقبَل منه؟ أجيب عن هذا: لم يكن ذلك ندم توبة، وقيل: إنما ندمه كان على فقده لا على قتله، وإن كان فلم يكن موفِّيا شروطه. قال ابن عباس: «ولو كانت ندامته على قتله لكانت الندامة توبة منه».. في الحديث الصحيح: «ما مِن نَفْس تُقتَل ظُلمًا إلَّا كان على ابن آدم الأوَّل كِفلٌ مِن دمها؛ ذلك لأنه أَوَّلُ مَن سَنَّ القتل«. صحيح الجامع رقم: 7387

        . ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [المائدة :33 ]: هذه آية حُكْم قطاع الطرق، فأخبر الله أن جزاءهم ونكالهم -عند إقامة الحد عليهم- أن يفعل بهم واحد من هذه العقوبات. اختلف المفسرون: هل الأمر هنا على التخيير، فيفعل الإمام أو نائبه ما يراه من العقوبات تجاه قاطع الطريق، أو أن عقوبتهم بحسب جرائمهم، فكل جريمة لها عقوبة بحسب شدتها.

        . ﴿يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [المائدة: 40]: لماذا قدَّم العذاب على المغفرة؟! لثلاثة أسباب.قال الآلوسي: «لأن التعذيب للمُصِرِّ على السرقة، والمغفرة للتائب منها، وقد قُدِّمَت السرقة في الآية أولا، ثم ذُكِرَت التوبة بعدها، فجاء هذا اللاحق على ترتيب السابق أو لأن المراد بالتعذيب القطع، وبالمغفرة التجاوز عن حق الله، والأول في الدنيا، والثاني في الآخرة، فجيء به على ترتيب الوجود ولأن المقام مقام الوعيد».





        . ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة :34 ]: إذا كانت التوبة قبل القدرة عليه، تمنع من إقامة الحد في الحرابة، فغيرها من الحدود -إذا تاب من فعلها، قبل القدرة عليه- من باب أَوْلى.

        . ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [المائدة: 40]: كأنه جواب لمن تساءل عن انقلاب حال السارق التائب من العقوبة إلى المغفرة، بأن الله هو المتصرف في السماوات والأرض وما فيهما، وهو العليم بمواضع العقاب ومواضع العفو.


        . ﴿وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾[المائدة :43]: تعجُّب من تحكيمهم لآراء البشر وتركهم ل
        حكم الله، وكم لهؤلاء ورثة بيننا!

        . ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾[المائدة :48]: هذه شهادة القرآن على أن التوراة والإنجيل والزبور كتب حق وصدق، لكن القرآن مهيمن عليها جميعا؛ لأنه الكتاب الذي لا يصير منسوخا أبدا، ولا يتطرق إليه تبديل ولا تحريف.

        ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ﴾ [المائدة :53]: يقول المؤمنون لبعضهم متعجِّبين من سلوك المنافقين، وموالاتهم لليهود الخائنين: أهؤلاء الذين أقسموا بالله أغلظ الأيمان إنهم منكم أيها المؤمنون؟! وكذِب المنافقين في أيمانهم سببه خوفهم من المؤمنين.





        ﴿أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ﴾ [المائدة :53]: أسهل شيء على المنافق أن يحلف كاذبا!

        . ﴿حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين﴾ [المائدة :53]: موالاة الكافرين معناه حبوط عملك الصالح، وذلك هو الخسران المبين.

        ﴿وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ﴾ [المائدة :54]: فيه تعريضٌ بالمنافقين؛ فإنَّهم كانوا إذا خرَجوا في جيش المسلمين خافوا أولياءَهم اليهود، فلا يكادون يعملون شيئًا يَلحَقُهم فيه لَوْمٌ من جهتهم. ذكره أبو السعود في تفسيره.

        . ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ ﴾ [المائدة :57]: دينكم أغلى ما تملكون، وهو رأس مالكم، فكيف التهاون مع من أهانه؟!

        ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ [المائدة :60]: الله يدافع عن عباده! هنا تعييرٌ من الله لليهود بمساوئ أسلافهم، والهدف منه: ردع اليهود عن التطاول على المسلمين، لأنهم قالوا للمسلمين: لا دين شر من دينكم، فنزلت هذه الآية.
        . فى التعبير عن عقوبة اليهود بلفظ ﴿مَثُوبَةً﴾ التي تُستَعمل للتعبير عن الجزاء الحسن، إشارة إلى أن هذه العقوبة جزاء حسن إذا ما قيست بما وراءها من ألوان العذاب الذي ينتظرهم في الآخرة.

        . جاءت عبارة ﴿بِشَرٍّ من ذلك﴾ هنا للتفضيل، لكن لا يعني هذا أن المؤمنين في «شر»، لكنها مجاراة لتفكير اليهود الفاسد وزعمهم الباطل، والكلام على سبيل المشاكلة.





        . ﴿وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ﴾ [المائدة :61]:
        قال الآلوسي: نزلت -كما قال قتادة والسدى- في ناس من اليهود كانوا يدخلون على رسول الله ﷺ، فيُظهِرون له الإيمان والرضا بما جاء به نفاقا.
        عبَّر عن دخولهم بقوله: ﴿وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ﴾، وعبَّر عن خروجهم بقوله: ﴿وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ﴾ بإضافة ضميرهم مع قد، للإشارة إلى أنهم عند خروجهم كانوا أشد كفرا، وأقسى قلوبا منهم عند دخولهم.

        . ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ﴾ [المائدة :61]: هذا الجدِّ والاجتهادِ في المكر بالمسلمين والكيد لهم يقابله عِلمُ الله المحيط بهم، ومن وراء علمه مجازاتهم ومعاقبتهم عليه.

        . ﴿وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ﴾ [المائدة :62]: الجمهور على أَنَّ السُّحْتَ هو الرِّشوة، فمن ارتشى اليوم فقد اكتسب خصلة من خصال اليهود.

        ﴿لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [المائدة :62]: عادة اليهود مستمرة! جمَع الله بين صيغة الماضي: ﴿كانُوا﴾، وصيغة المضارع: ﴿يَعْمَلُونَ﴾ للإشارة إلى أن هذا العمل القبيح كان منهم في الماضي، وأنهم مستمرون عليه في حاضرهم ومستقبلهم، بدون توبة أو ندم.





        . ﴿مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ﴾[المائدة :66]: ذكر ابن كثير أن الله جعل أعلى مقامات أهل الكتابِ الاقتصاد، وهو أوسطُ مَقاماتِ هذه الأمَّة، وفوق ذلك رتبةُ السَّابقين؛ كما في قوله: ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ ﴾[فاطر:32]؛ فدلَّ ذلك على فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم.

        . ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾[المائدة :67]: قال ابن عباس: «المعنى: بلِّغ جميع ما أُنزِل إليك من ربك، فإن كتمتَ شيئا منه فما بلَّغتَ رسالته»، وهذا توجيه للنبي ﷺ، وتأديبٌ لحملة العلم من أمته ألا يكتموا شيئا من أمر شريعته.

        . ﴿وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾[المائدة :67]: احذر! كتْم بعض الشريعةِ مثل كتم جميعِها.

        . ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾[المائدة :69]: من بلغته دعوة الإسلام من تلك الفرق لزمه الإيمان بها؛ لأنها نسخت ما قبلها، والرسول ﷺ قال: « والذي نفس محمد بيده لو كان موسى حياً لما وسعه إلا اتباعي».

        . ﴿لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ﴾[المائدة :70
        حال بني إسرائيل مع الرسل يدور بين أمرين: التكذيب أو القتل، ولفظ «كل» يدل على العموم، «وما» ظرفية تدل على الزمان، ففي كل أوقات إرسال الرسل كذَّبوا وقتلوا دون تفريق بين رسول ورسول، أو بين زمان وزمان.

        ﴿وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا﴾ [المائدة :71]: ظن بنو إسرائيل ألا يعاقبهم الله على نقض المواثيق وتكذيب المرسلين بعقوبات في الدنيا ولا في الآخرة، ومن أمِن العقاب أساء الأدب.

        . ﴿ فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم﴾ [المائدة :71]: لا تفقد الأمل في هداية أحد، فهؤلاء عميت أبصارهم عن رؤية الحق، وصُمَّت أذانهم عن سماع دعوة الحق، ومع ذلك تاب الله عليهم.

        . ﴿وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ﴾[المائدة :81]: الاستدلال بالمشاهَد على الخفي! لا أحدَ يعلم قدر الإيمان في القلب، لكن لإيمان آثار تدلُّ عليه، ومن آثاره: عدم تولِّي الكفَّار واتخاذهم أولياء.


        تعليق


        • #34
          نتيجة بحث الصور عن بسم الله الرحمن الرحيم

          الجزء السابع

          ( (تفيض) من الدمع مما (عرفوا) من الحق):
          بقدر ما تعرف من الحق، يلين قلبك ويفيض دمعك.


          . ﴿فأثابهم الله بما قالوا جنات﴾:
          رُبَّ كلام خرَج من قلب صادق، كان سببَ دخول صاحبه الجنة، ألا ما أغلى الكلام وأهمية اللسان!

          . خطورة الكلمة!
          ﴿فأَثابهم الله بما قالوا﴾ ﴿ ولُعِنُوا بما قالوا ﴾
          وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم.



          ﴿واحفظوا أيمانكم﴾:
          أمَرٌ من الله تعالى لعباده بأن يصونوا أنفسهم من الحنث في أيمانهم، أو الإكثار منها لغير ضرورة، فإن الإكثار من الحَلِف بغير ضرورة يؤدى إلى قلة الحياء من الله تعالى، كما أنَّ الحلِف الكاذب يؤدي إلى سخط الله سبحانه على الحالف وبغضه له.


          ﴿تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله﴾:
          الصلاة تنهى عن المنكر، ومن ضمن هذه المنكرات: الكذب.





          (إنما الخمر والميسر...فاجتنبوه):
          بكلمة واحدة (فاجتنبوه) أقلع الصحابة عن عادة تأصَّلَت في نفوسهم لعشرات السنين.


          ﴿إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء﴾:
          إيقاع العداوة بين المسلمين هدف شيطاني، فقد يئس أن يُعبَد في الأرض، لكن رضي بالتحريش بين المؤمنين.


          . (ليعلم الله من يخافه بالغيب):

          في عصر السماوات المفتوحة، لا تتعجَّب من سهولة الوصول للمعصية، فالمقاطع المحرمة بين يديك تصِل إليها بضغطة زر، والحكمة: (ليعلم الله من يخافه بالغيب).


          . (ولو أعجبك كثرة الخبيث):
          للخبيث كثرة وبهرج لا ينجو من (الإعجاب) به إلا الأقلون.


          (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم):
          عن أبي أمية الشعباني أنه قال: سألت عنها أبا ثعلبة الخشني، فقال لي: سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله ﷺ،فقال: «بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك، ودع العوام»



          . (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم):
          قال شيخ المفسرين أبو جعفر الطبري: عليكم أنفسكم فأصلحوها، واعملوا في خلاص من عقاب الله، وانظروا لها فيما يقرِّبها من ربها، فإنه"لا يضركم من ضَلّ"،يقول: لا يضركم من كفر وسلك غير سبيل الحق، إذا أنتم اهتديتم وآمنتم بربكم، وأطعتموه فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه، فحرمتم حرامه وحللتم حلاله.
          . قال الزمخشري:كان المؤمنون تذهب أنفسهم حسرة على أهل العتوّ والعناد من الكفرة، يتمنون دخولهم في الإسلام، فقيل لهم: ﴿عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ وما كُلِّفتم من إصلاحها والمشي بها في طرق الهدى، ﴿لا يَضُرُّكُمْ﴾ ضلال غيركم عن دينكم إذا كنتم مهتدين.





          . ﴿وارزقنا وأنت خير الرازقين﴾:
          سُئل أحد العُبَّاد : لِمَ وُصِف الله بخير الرازقين؟
          قال: لأنه إذا كفر أحد لا يقطع رزقه

          مما يعينك على الخشوع في الصلاة: ترديد الآية حتى لو بقيت تردد آية واحدة فقط في تلاوتك، ف
          إن النبي ﷺ قام ليلة بآية ﴿ إن تعذبهم فإنهم عبادك ﴾



          . ﴿هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم﴾:
          لن يصمد يوم القيامة إلا الصادقون.


          . {فأهلكناهم بِذُنُوبِهِمْ}:
          الخلاصة في كلمتين: الذنوب مَهلكة.


          {فأهلكناهم بِذُنُوبِهِمْ} {فكلا أَخذنَا بِذَنبِهِ } {فَأَخذهُم الله بِذُنُوبِهِمْ}:
          ليس في القرآن تكرار بل تذكير للأبرار وترديد للاعتبار.

          . العذاب ينزل بالأوزار، ويرتفع بالاستغفار ..
          قال الله تعالى: (فأهلكناهم بذنوبهم)


          ((كتب) على (نفسه) الرحمة):
          سبحان من ألزم نفسه بما فيه خير عباده، لطف ما بعده لطف.


          تعليق


          • #35
            رحمته بك سابقة على خلقه لك!
            قال رسول الله ﷺ: «كتب ربكم على نفسه بيده قبل أن يخلق الخلق: رحمتي سبقت غضبي».

            كان أبو العالية إذا دخل عليه أصحابه يرحب بهم ثم يقرأ:
            {وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة} [الأنعام: 54].

            ( قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُل لِّلَّـهِ):
            المالك الحقيقي يذكِّرك أن كل ما يديك ملك له، وهو معار لك فترة حياتك، ثم يسترده.

            ﴿كَتَبَ عَلى نَفسِهِ الرَّحمَةَ﴾:
            دعوة للمسرفين على أنفسهم، والغارقين في بحار اليأس، والظانين بالله ظن السوء.

            ‏﴿إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم﴾:
            قالها ﷺ لمن ساومه على دينه، فقلها اليوم إن واجهك نفس الموقف.

            ( إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ):
            عجبا أن يخاف من عاقبة الذنب نبي معصوم، ولا يخاف منه إنسان جهول ظلوم.




            "وإن يمسسك الله (بضر) فلا (كاشف) له إلا هو "
            أي ضر مهما كان صغيرا، في أجسادنا أو أرواحنا، في نفوسنا أو نفوس أحبابنا، لا يكشفه إلا الله.

            ﴿ وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو ﴾
            ومِن أعظم الضر: حجاب العبد عن رب العالمين، وهو أشد وأخزى من عذاب الجحيم.

            (وَإِنْ يَمْسسْكَ الله بضر فلا كاشف له إلا هو):
            اذا سكن قَلْبك الى الله لم تخف غَيره، ولم ترجُ سواه،فلتطمئن قلوب أولياء الله، ومن ضاقت بهم السبل من عباده الصالحين.
            قال ابن القيم: والتحقق بمعرفة هذا يوجب صحة الاضطرار وكمال الفقر والفاقة، ويحول بين العبد وبين رؤية أَعماله وأَحواله، فهو الذى يمس بالضر، وهو الذى يكشفه، فمسُّه بالضر ل
            حكمة، وكشفه الضر لرحمة.


            {وَإِن يمسسك الله بضر فَلَا كاشف لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يردك بِخَير فَلَا راد لفضله}:
            هذه الآية من أسباب رجوع العبد إلى ربه بِالْكُلِّيَّة.




            ﴿وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ﴾: قال محمد بن كعب القرظي:"لأنذركم به ومن بلغ"، قال: من بلغه القرآن، فكأنما رأى النبي صلى الله عليه وسلم. ثم قرأ:"ومن بلغ أئنكم لتشهدون"، وقال أيضا: من بلغه القرآن فكأنما كلمه الله عز وجل

            ﴿إنه لا يفلح الظالمون ) :
            سيبقى ظلم الظالمين سدا منيعا حائلا دون فلاحهم أو توفيقهم.

            (ثم نقول للذين أشركوا: مكانكم):
            احتجاز إلهي قسري: الزموا أماكنكم لا تبرحوها!
            حتى تعرفوا ما يُفعل بكم، ويقضي الله في أمركم.

            «فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ﴾: أي فرقنا بين العابدين والمعبودين، وهو من الزوال أي ذهاب الشيء واختفاؤه، وقال: «زيّلنا» ولم يقل: «فرَّقنا»؛ لأن التفريق معه بقية أمل فى الاجتماع، أما التزييل، فهو غروب إلى الأبد، وهوما يزيد من وحشة المشركين حين يقاسون العذاب وحدهم.

            (قالوا والله ربنا ماكنا مشركين):
            ويحكم .. اسكتوا!
            حتى بين يدي الله تحلفون كذبا!

            (انظر كيف كذبوا على أنفسهم؟)
            يبرر المرء معصيته ليتهرب من عواقبها، وذلك ليلتمس النجاة بأي صورة، ولو بالكذب على نفسه.

            أعظم عقوبة .. أن يحال بينك وبين فهم كلام الله
            ﴿ وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه ﴾

            آية قتلت علي بن الفضيل بن عياض، وسُمِّي بها ( قتيل القرآن ):
            ﴿ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ... الآية﴾

            ﴿ ولو ترىٰ إذ وقفوا على النار فقالوا ياليتنا نُردّ﴾:
            مجرد أول نظرة إلى النار جعلت صاحبها يتمنى الرجوع للدنيا لفعل الخير،
            فكيف يكون الحال بعد دخول النار ومقاساة العذاب؟!

            ﴿وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون﴾.
            ليكن حزنك على ما فات من آخرتك أضعاف حزنك على ما فات من دنياك، وإلا ما كنت عاقلا : ﴿أفلا تعقلون﴾.


            من لزم التقوى زهد في دنياه وهانت عليه مصائبه،
            لأن الله تعالى قال: {وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الأنعام: 32]





            (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ):
            تعزية من الله وتسلية لنبيه، فسِر في حياتك على هذا النهج الرباني مع كل مصاب.

            (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ):
            انظر شدة حرص ﷺ علىأن تستجيب له أمته، وهكذا قلب كلداعية، عليه أن يكون رؤوفا رحيما بأمته.

            {ولكن الظالمين بِآيَاتِ الله يَجْحَدُونَ}:
            الظلم نقل حق إلى غير مستحقه، وأبشع أنواع الظلم: الشرك؛
            لأنه نقل حق الذات الإلهية المستحق وحده للعبادة إلى غير مستحقها.

            إذا بلغ أعداء الحق درجة تكذيب أهله وإيذائهم، فهذه علامة قرب النصر بشرط أن يحققوا الصبر:
            (فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا).

            (إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ):
            المستجيب للحق حي ولو كان أصم وأبكم وأعمى، والمعاند ميت ولو كان تامَّ الحواس!




            ( إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)
            من فقد سماع القلب لأوامر ربه حُرِم التوفيق في سائر أمره، والمقصود به سماع الاعتبار.

            ﴿ولا طائرٍ يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم﴾؛
            كل الحيوانات تعرف الله وتحمده وتسبِّحه، ولكن لا تفقهون تسبيحهم.

            ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾:
            قال داودُ عليه السلام: سبحانَ مُستخرجِ الدعاء بالبَلاء، وسبحانَ مُستخرجِ الشكرِ بالرَّخاء.

            مَرَّ أبو جعفر محمدُ بنُ علي بمحمدِ بن المنكدر وهو مَغْمُومٌ، فسأل عن سبب غمه
            فقيل له: الديْنَ قَد فَدحَه، فقال أَبو جعفر: أفُتحَ له في الدعاء؟
            قيل: نعم. قال: لقد بورِك لعبد في حاجة أكثر منها من دعاء ربه، كائنة ما كانت.

            {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَاسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ}:
            قسوة القلب هي التي تكبل العبد عن بلوغ هذه المنزلة العظيمة: منزلة الضراعة والتمرغ في تراب العبودية.

            إذا حُرمت من التضرع لله فاعلم أن في قلبك قسوة، وعلاجها كثرة الذكر والاستغفار.
            قال الله :( فلولا إذجاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم﴾.

            إذا قسا قلب العبد بالذنوب حُرِم التضرع بين يدي علام الغيوب!
            ﴿ فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم ﴾

            (فلما نسوا ما ذُكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء﴾:
            فتح أبواب الدنيا على العبد قد يكون استدراجا ومقدمة عقوبة سماوية.

            تعليق


            • #36
              ﴿ فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء ﴾
              من أعظم الاستدراج أن يتابع عليك نعمه، وأنت مقيم على معاصيه!


              سنة الاستدراج!
              في الحديث:«إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما
              يحب، فإنما هو استدراج ثم تلا: (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب
              كل شيء، حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون)».


              . تمادي الظلم وطغيان الظالم مؤذن بقطع دابره واجتثاثه من جذوره:
              ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾



              . ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ﴾:
              قالابن الجوزي: «يعاقَب الإنسان بسلب معاني تلك الآلات، فيرى وكأنه ما رأى،
              ويسمع وكأنه ما سمع، والقلب ذاهل عما يتأذى به؛ ولا يتفكر في خسران آجلته،
              لا يعتبر برفيقه، ولا يتعظ بصديقه، ولا يتزود لطريقه، وهذه حالة أكثر
              الناس، فنعوذ بالله من سلب فوائد الآلات، فإنها أقبح الحالات».


              . تقوى القلب لابد أن يتبعها إصلاح العمل:
              ﴿فمن اتقى وأصلح﴾




              .
              ﴿وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أن يحشروا﴾:
              الإنذار هو الإعلام بمواضع الخوف، وإنما خصَّ الخائفين بالإنذار، لأن الإنذار للذين يخافون
              إنذارٌ نافع، خلافا لحال الذين ينكرون الحشر، والخوف علامة الإيمان، فخوف
              الحشر يقتضي الإيمان بوقوعه.



              . ‏﴿يدعون ربهم بالغداة والعشِيِّ﴾:
              تخصيص الغداة والعشى بالذكر ، إشعار بفضل العبادة في هذين الوقتين، لأنهما
              محل الغفلة والاشتغال بالأمور الدنيوية.

              قال أبو العالية: «سألت أصحاب محمد ﷺ عن قوله:
              ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾،
              فقالوا:
              كل من عصى الله فهو جاهل، ومن تاب قبل الموت فقد تاب من قريب».

              . كم في واقع الأمة اليوم من بشائر ، يراها المتشائمون خسائر، ومن أعظمها تمايز الصفوف وانكشاف الباطل:
              ﴿ولتستبين سبيل المجرمين﴾


              . ﴿وما تسقط من ورقة إلا يعلمها﴾:
              فكيف بدمعة مؤمن وزفرة مكروب ودعوة مظلوم؟!


              . ﴿وما تسقط من ورقة إلا يعلمها﴾:
              قال ابن عباس: ما من شجرة في بر ولا بحر إلا ملَك موكل بها يكتب ما يسقط منها!


              . ﴿إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾:
              سجَّل الله فيه كل أحداث الكون، فإذا جاءتْ الأحداث كانت مُوافِقة لما سجّله الله قبل آلاف السنين!


              . قال الله للمشركين: (قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب)،
              فعجبا لبعض المؤمنين كيف يتسرَّب اليأس إلى قلوبهم؟!




              من عقوبة الله للظالم أن يُسلط عليه ظالماً آخر، ويكفى الله المؤمنين شرورهما:
              (أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض)


              . (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرِض عنهم)
              قوة مناعة قلبك، لا تبرر لك الإقامة في بؤر الفساد أو الوباء.


              (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرِض عنهم): ا
              لإعراض سلاح من أسلحة المؤمنين، لأن الالتفات لهؤلاء ومناقشتهم يذكي نار جدالهم وحماستِهم.


              ﴿ وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره﴾:
              بهذا التوجيه الإلهي يتم وأد الباطل في مهده، ويسلم المجتمع من شرِّه.


              . ( وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ):
              الإبسال هو الإسلام إلى العذاب، أو السجن والارتهان، والمعنيان صحيحان.


              وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ }: نفسك الأمارة
              بالسوء قد تؤدي لحبسك غدا، وتُسلِمك إلى العذاب والهلاك بسوء كسبها.

              تعليق


              • #37

                ﴿ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لعِبا وَلَهْوا﴾:
                الأفكار المتعلقة بالشعائر الدينية وأمور العقيدة
                ليست مجالا للتسلية أو الفكاهة والسخرية..
                هذا خط أحمر!

                ﴿له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا!):
                الهالك هو من لم يكن له أصحاب يدعونه إلى الهدى، ويقولون له: ائتنا.

                . ( له (أصحاب) يدعونه إلى الهدى ائتنا ):
                من أعظم أسباب النجاة من الضلال والتمتع بالهداية وجود الأصحاب الصالحين.

                . {وَلَنْ ترضى عَنكَ اليهود وَلاَ النصارى حتى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}:
                لاحظ تكرار النفي، وذلك لأن رضا اليهود غير رضا النصارى.،
                فلو صادفت رضا اليهود فلن ترضى عنك النصارى، ولو صادفت رضا النصارى فلن ترضى عنك يهود.

                . هل جربت النظر إلى السماء في ظلمة الليل لتتفكر في ملكوت السموات والأرض؟
                إنك إن فعلت لزاد يقينك بربك:
                {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين}

                . ﴿لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين﴾:
                لا تظن هدايتك أو التزامك بتعاليم دينك قد حدث بفضل إمكاناتك وذكائك،
                لا يهدي إلى الله إلا الله.




                . (أتحاجوني في الله وقد هدان!):
                كيف أترك ما ثبت بالدليل القاطع الموجب للهداية، وألتفت إلى حجتكم الضعيفة، وكلماتكم الباطلة؟!
                ناقش عدوك بالمنطق!

                . تأملت فوجدت أن الحياة الآمنة لا توجد إلا مع انعدام الظلم
                (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم)،
                فكل الظالمين غير آمنين، وإن تترسوا بالحرس والعتاد.

                . (الذين آمَنُوا) ولم يَلبسِوا إيمانَهم بظُلمٍ أولئك (لهم الأمنُ):
                كلما زادَ إيمانُك زادَ أمَانُك.

                . الأمن منحة ربانية لا يستطيع بشر أن يوفِّرها لك:
                ﴿ الذين "آمنوا" ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك "لهم الأمن"﴾

                . كان زيد بن أسلم، يقول في هذه الآية:
                {نرفع درجات من نشاء} [الأنعام: 83]
                إنه: «العلم يرفع الله من يشاء به في الدنيا».

                . ﴿نرفع درجات من نشاء﴾:
                هي إجابة على سؤال: لماذا يرفع الله بعض الناس دون بعض؟
                فالله يعلم من يستحق، ومقدار استحقاقه، وذلك بحسب علمه و
                حكمته.
                . قال الشعبي: «العلمُ ثلاثةُ أَشبارٍ، فمن نال منهُ شبرًا شمخ بأنفه وظن أَنه نالهُ. ومن نال الشبرَ الثانيَ صغرت إليهِ نفسهُ وعلِمَ أَنه لم ينله، وأَما الشبر الثالثُ فهيهَات لا يناله أَحدٌ أبدا».




                . ﴿نرفع درجات من نشاء﴾:
                قال ابن تيمية: فرفع الدرجات والأقدار على قدر معاملة القلوب بالعلم والإيمان، فكم ممن يختم القرآن في اليوم مرة أو مرتين وآخر لا ينام الليل وآخر لا يفطر ، وغيرهم أقل عبادة منهم وأرفع قدرا في قلوب الأمة، وذلك لقوة وصفاء المعاملة وخلوصها من شهوات النفوس.

                . أثنى الله على ثمانية عشر نبيا في سياق واحد ،ثم ختم ثناءه عليهم بقوله:
                (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون!)
                الشرك ذنبٌ لا يُغفر، ولو كان من أشرف الخلق!

                . (فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين ):
                دعوة الله سائرة، والشرف لمن حملها، فإن تخلى عنها قوم أقام الله لها أقواما آخرين.

                . (أولئك الذين هدى اللهُ فبهداهم اقتده ):
                جاء الأمر باتباع الهدى لا المهتدين !
                فالفتنة لا تؤمن على حي، فاجعل دائما ولاءك للفكرة لا للأشخاص.

                . (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ):
                عن ابن عباس قال: قالت اليهود: والله ما أنزل الله من السماء كتابا، فنزل قوله تعالى:
                (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ...)

                . ( كتاب أنزلناه مبارك ) :
                تعلق بالقرآن تجد البركة.
                قال ابن تيمية: وندِمتُ على تضييع أكثر أوقاتي في غير معاني القرآن.

                تعليق


                • #38
                  ﴿وهذا كتابٌ أنزلناه مُبارك﴾:
                  البركة أن يعطي الشيء أكبر من حجمه المنظور، وبركة القرآن واضحة، فلو قسنا حجم القرآن بحجم الكتب الأخرى لوجدنا حجم القرآن أقل،ومع ذلك فيه من الخير والبركات والتشريعات والمعجزات والأسرار ما تضيق به مئات الكتب.

                  . ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾:
                  وحيدا طول إقامتك في قبرك، ثم في خمسين ألف سنة هي يوم حشرك، وليس معك حينها سوى عملك!

                  . {ولقد جِئْتُمونا فُرادَى كما خلَقْناكُم أوّلَ مَرّةٍ}:
                  قال الشيخ الطنطاوي عن سر شجاعته في قول الحق: «إني لأتصوّر الآن ملوك الأرض وقد خرجوا من قبورهم حُفاة عُراة منفردين فأتّعظ، فأقول من فوق هذا المنبر ما ينفعني في ذلك اليوم لا ما يُفيدني اليوم، ومن تصوّر هذا لم يعُد يبالي بأحد».

                  . ﴿فالق الإصباح﴾:
                  إن الذي يزيح ظلمة الليل كل يوم بانفلاق الصبح، قادر على تفريج كربك وتسريع فرجك وتيسير أمرك.




                  . ﴿والزيتون والرمان مشتبهاً وغير متشابه﴾
                  ما الفرق بين المشتبه والمتشابه؟
                  الاشتباه في الشكل، والتشابه في الطعم، فالشك

                  ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ [المائدة :82]:
                  هاتان الطائفتان هما أعظم الناس عداوة للإسلام والمسلمين، وأكثرهم سعيا في إيقاع الضرر بهم، وسبب ذلك شدة بغضهم للمسلمين، بغيا وحسدا وعنادا وكفرا. عداوة عبر كل العصور!
                  قال الآلوسي: «والظاهر أن المراد من اليهود العموم، أي من كان منهم بحضرة الرسول الله ﷺ من يهود المدينة وغيرهم».

                  . ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ﴾ [المائدة :82]:
                  ليس أهل الكتاب فريقا واحد، وليس أعداء المسلمين كذلك، بل هناك ألوان كثيرة في العداوة بين الأبيض والأسود.

                  . ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ﴾ [المائدة :82]:
                  الحديث هنا عن حالة خاصة. قال القرطبي: «وهذه الآية نزلت في النجاشي وأصحابه؛ لما قدم عليهم المسلمون في الهجرة الأولى خوفا من المشركين وفتنتهم».




                  . ﴿وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [المائدة :82]:
                  المتواضع أقرب إلى الحق من المستكبر.

                  . ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ﴾ [المائدة :82]: إنصاف القرآن!
                  قال الآلوسي: «وفي الآية دليل على أن صفات التواضع والإقبال على العلم والعمل والإعراض عن الشهوات محمودة أينما كانت».

                  . ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾[المائدة :86]
                  المصاحب للشيء هو الملازم له الذي لا ينفك عنه، وأصحاب الجحيم هم ملازموه الذين لن يفارقوه، ويستفاد من الآية: تخصيص دوام العذاب للكفار، وأن الخلود في النار لا يحصل للمؤمن الفاسق.

                  . ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾[المائدة :87]:
                  قال عكرمة: كان أناس من أصحاب النبي ﷺ هموا بالاختصاء، وترك اللحم والنساء، فنزلت هذه الآية.

                  . ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾[المائدة :87]:
                  قال ابن عرفة: «فيه دليل على أن التنعم بالحلال أفضل من التقشف»،
                  وفي الحديث الصحيح أن النبي ﷺ قال: «أما أنا فأقوم وأرقد، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني».





                  . ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾[المائدة :87]:
                  ورع كاذب!دُعِي الحسن إلى طعام ومعه فرقد السبخي، فجلسوا على مائدة فيها ألوان من الطعام كالدجاج والفالوذج، فاعتزل فرقد ناحية، فسأله الحسن: أصائم أنت؟!
                  قال: لا ولكني أكره ألوان هذا الطعام لأني لا أؤدي شكرها، فقال له: الحسن: أفتشرب الماء البارد؟
                  قال: نعم، قال: إن نعمة الله في الماء البارد أكثر من نعمته في الفالوذج.


                  ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا﴾[المائدة :92]:
                  لن يتوقف المؤمن عن الحذر إلا بالأمن التام بعد دخول الجنة.

                  . ﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾[المائدة :92]:
                  طاعة الرسول طاعة مستقلة، وقد فصَّل رسول الله ﷺ كثيرا مما جاء مجملا في القرآن، وكأن الله علم منذ الأزل أنه سيأتي من يدَّعي أنه لن يطيع إلا القرآن،
                  وفيهم قال رسول الله ﷺ: «يوشك أن يقعد الرجل متكئا على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله». صحيح الجامع رقم: 8186

                  . ﴿فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾[المائدة :92]:
                  إلى كل داعية: لا تذهب نفسك على من تدعو حسرات، إن عليك إلا البلاغ، وقد أعذر من أنذر.

                  ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾ [المائدة :95]:
                  لماذا حُرِّم هذا الصيد؟
                  لعل من أسبابه ما قاله المهايمي: «لأن قتله تجبُّر، والمحرم في غاية التذلُّل».






                  ﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾ [المائدة :95]:
                  لا يوصَف الله تعالى بالانتقام وصفا مطلقا، فلا يُسمَّى باسم (المنتقِم)، وقوله: ﴿ذُو انْتِقَامٍ﴾ لا يدلُّ على أنه وصفٌ مُطلَق لله؛ لأن الله قيَّدَ انتقامَه بالمجرمين، فقال: ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ [السجدة: 22[.

                  . ﴿قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾[المائدة :115]:
                  توعدهم الله بأليم العقاب بعد ما رأوا الآيات، ليعلم الجميع أنَّ إقامة الحجة على الخلق، تجعل خطر العذاب أقرب وأشد لمن أعرض.

                  . ﴿فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾[المائدة :115]:
                  عذاب النار يتفاوت، وليس درجة واحدة! فليس عذاب من طلب الآيات فرآها، كعذاب غيره.

                  . ﴿قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾[المائدة :116]:
                  أدب نبوي رفيع!
                  كانت مبادرة عيسى بتنزيه الله تعالى أهم عنده من تبرئته نفسه، وقدَّم حق الله على حق نفسه.

                  ﴿مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ﴾[المائدة :117]:
                  اختار لفظ ﴿أمرتني به﴾ على (قلت لي) مبالغة منه في التأدب في مخاطبة الرب سبحانه.

                  ﴿فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ﴾[المائدة :117]:
                  عيسى حي لم يمُت! والمراد بالتوفي في الآية: الرفع إلى السماء، من قوله: ﴿إني متوفيك ورافعك إلي﴾ [آل عمران: 55] .






                  ﴿ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾[الأنعام :1]:
                  وذلك يشمل الجانب الحسي والمعنوي، فالحسي كالليل والنهار والشمس والقمر، والمعنوي كظلمات الجهل والشك والشرك والمعصية والغفلة، ونور العلم والإيمان واليقين والطاعة.

                  ﴿ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾[الأنعام :1]:
                  لم قدَّم الظلمات على النور؟!
                  لفتة علمية: إشارة إلى أن الظلام وُجِد قبل النور، وهو ما أكَّده العلماء اليوم، ولأن الظلام في الكون أكبر بكثير من النور، حيث يحوي الكون أكثر من 96 % مادة مظلمة.

                  ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ﴾[الأنعام :2]:
                  رَدٌّ بأوضح دليل على صحة البعث بعد الموت، فبداية خلقكم كان من طين جامد لا حياة فيه، وأنتم بنفوسكم أعرف، والتعامي عن الدليل الأوضح أقبح.

                  ﴿ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ﴾[الأنعام :2]:
                  قدَّر الله لكل عبد من عباده أجلين: الأول: أجلا تنتهي عنده حياتهم بعد أن عاشوا زمنا معينا، والثاني: أجلا يمتد من وقت موتهم إلى يوم بعثهم من قبورهم لحسابهم.

                  ﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾[الأنعام :13]:
                  سبب نزولها: نزلت الآية لأن المشركين قالوا: علِمْنا أنه ما يحملك على ما تفعل إلا الحاجة، فنحن نجمع لك من أموالنا حتى تصير أغنانا، فنزلت هذه الآية.
                  ​​

                  التعديل الأخير تم بواسطة امانى يسرى; الساعة 26-08-2018, 02:46 AM.

                  تعليق


                  • #39
                    ﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾[الأنعام :13]:
                    المعنى: ما خلق، ومن خلق الخلق مَلَكهم، وكيف ينازعه أحد في ما خلق؟!
                    ولم خصَّ السَّاكِن بالذِّكر دون المتحرِّك؟!
                    والجواب:
                    - لأنَّ السَّاكنَ من المخلوقات أكثرُ عددًا من المتحرِّك، والسُّكونَ أكثرُ وجودًا من الحركة.
                    - أو لأنَّ كُلَّ مُتحرِّك يصيرُ إلى السُّكونِ، والعكس غير صحيح، فليس كلُّ ما سكن يتحرَّك.
                    - أو لأنَّ السُّكون هو الأصل، والحركة حادثةٌ عليه.

                    . ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا﴾[الأنعام :14]:
                    كيف تتخذ وليا يشكو إن مُنِع أكلة أو تأخرت عليه شربة أو حصرته بولة؟!

                    . ﴿ولو ترىٰ إذ وُقِفوا على النار﴾[الأنعام:27]:
                    الوقوف قريبا من فوهة البركان في الدنيا يخلع الأفئدة، فكيف بالوقوف على شفير النار؟!



                    . ﴿وَلوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾[الأنعام:28]:
                    علم الله أن نفوسهم خبيثة، فلو رأت الغيب، واطلعت على العذاب، ما أفادها ذلك في حصول الثواب أو المتاب.

                    . ﴿وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾[الأنعام:29]:
                    اليقين بالبعث من أسباب الصلاح! شتم رجلٌ عمر بن عبد العزيز، فقال له عمر: لولا يوم القيامة لأجبتك.

                    . ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ﴾[الأنعام:30]: الإيقاف للمساءلة!
                    شُبِّهت حالهم في الإحضار للحساب بعملية القبض على الجناة، للوقوف بين يدي ربهم.

                    . ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ﴾[الأنعام :31]:
                    الأوزار المعنوية في الدنيا ستتجسم على صورة كتل حسية في الآخرة، حتى تكون الفضيحة علنية؛
                    فمن سرق شاة أو بقرة سيُبعث يوم القيامة وهو يحملها على ظهره.

                    . ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ﴾[الأنعام :31]:
                    عذابهم نوعان:
                    معنوي بتحسرهم على ما فات، ومادي بتكبد مشقة حمل الأوزار الثقال.

                    . ﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ﴾[الأنعام :40]:
                    الفطرة تعرف ربها جيدا، فإذا غشيها ركام الشهوات والأهواء فترة، ثم نزلت بها شدة أو محنة، تساقط عنها كل هذا الركام، فرجعت إلى خالقها.



                    . ﴿بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ﴾[الأنعام :41]:
                    التقييد بالمشيئة لبيان أن إجابة دعائهم غير أكيدة، بل هي تابعة لمشيئة الله تعالى.

                    . ﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾[الأنعام :48]:
                    غاية ما يقدر عليه النبي أو الرسول هو الترغيب والترهيب، فلا سلطان لبشر –مهما علا- على القلوب.

                    . ﴿فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾[الأنعام :48]:
                    الإيمان طاقة إيجابية هائلة، تدفع صاحبها إلى الإصلاح لا مجرد الصلاح.

                    ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾[الأنعام :49]:
                    جعل الله العذاب ماسًّا، كأنه كائن حيٌّ يوقِع بهم ما يريد من آلام.

                    . ﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ ﴾[الأنعام :50]:
                    مع أني نبي، إلا إني لا أتخطى خطي أو أتجاوز حدّي، ولا أثبت لنفسي ما ليس لي، يقولها تواضعا مع أنه أعظم نبي، فكيف يتجاوز حدَّه من دونه من العباد؟! .
                    كانوا يطلبون من النبي ﷺ المعجزات القاهرة، فكان مقصود كلامه إظهار العجز، والاعتراف بالضعف، وأن ما طلبوه لا يمكن تحصيله إلا بأمر الله وإذنه.

                    . ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ﴾[الأنعام :50]:
                    من عمل بغير الوحي فهو كالأعمى، ومن عمل بمقتضى الوحي فهو البصير،
                    فهل أنت في فريق العمي أم المبصرين؟!


                    يتبع

                    تعليق


                    • #40

                      ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ﴾[الأنعام :54]:
                      قال مجاهد: «لا يعلم حلالا من حرام، ومن جهالته ركب الأمر، فكل من عمل خطيئة فهو بها جاهل».

                      . ﴿ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾[الأنعام :57]:
                      من الذي قضى؟!
                      الله هو الذي قضى، وبُنِي الفعل للمفعول لتهويل الأمر، ومراعاة حسن الأدب مع الله.

                      . ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ﴾[الأنعام :60]:
                      كل نومة بالليل هي تذكير إجباري بالموت، فكلٌّ منهما وفاة.


                      ﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ﴾[الأنعام :62]:
                      الموت باختصار: رحلة رجوع إلى الله.

                      ﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ﴾[الأنعام :62]:
                      المولى بمعنى المالك والسيد، وهو اسم مشترك يطلق على السيد والعبد، وهو هنا السيد.




                      ﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ﴾[الأنعام :62]:
                      الحقُّ لا يحكم إلا بالحق.

                      ﴿ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ﴾[الأنعام :62]:
                      مالكهم الحق هو الله، فلا يشوب ملكه شبهة ولا نزاع، فكل مُلك غير مُلك الله مُلْكٌ غير حقيقي.

                      ﴿وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ﴾[الأنعام :66]:
                      عجيب أن يؤمن الغريب ويكفر القريب، وقديما قال طرفة:وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ... على المرء من وقع الحسام المهند

                      ﴿لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾[الأنعام :67]:
                      والنبأ هو الخبر المهم، فلكل نبأ أخبر الله به وقتٌ، ومكانٌ يقع فيه من غير تخلف ولا تأخر، إشارة إلى أن جميع ما خوَّفهم وتوعَّدهم به في المستقبل واقع لا محالة.

                      ﴿وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾[الأنعام :72]:
                      إن لم تؤدِّ إقامة الصلاة إلى التقوى، فما هي بصلوات بل حركات.





                      ﴿وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ﴾[الأنعام :73]:
                      هذا اليوم هو يوم القيامة، وخصَّه بالذكر لأنه تنقطع فيه الأملاك، فلا يبقى ملك إلا ملك الله الواحد القهار

                      ﴿ قَوْلُهُ الْحَقُّ﴾[الأنعام :73]:
                      صيغة قصر للمبالغة، أي قوله هو الحق الكامل؛ لأن أقوال غيره -وإن كان فيها كثير من الحق- فهي معرضة للخطأ، وما كان فيها صوابا فهو من وحي الله أو من نعمته بالعقل والإصابة، فالفضل فيه راجع إلى الله.

                      ﴿ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ﴾[الأنعام :76]:
                      الأفول صفة نقص تنافي الألوهية، لأنه غياب وبعد عن الخلق، وشأن الإله أن يكون دائم المراقبة لعباده.

                      ﴿ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ﴾[الأنعام :76]:
                      تنزَّل لهم إبراهيم في المناظرة، وسلَّم لهم بمقدمات باطلة بناء على زعمهم الفاسد؛ ليتمكن من إفحامهم في النهاية، وهنا إبراز لصحة النظر العقلي والاستنتاج الذي استعمله معهم إبراهيم.

                      ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ﴾[الأنعام :84]:
                      الهداية درجات وليست درجة واحدة، وأعلاها التي تحصل للأنبياء، فسل الله من الهداية المقام الأعلى والدرجة الأسمى.

                      ​​

                      تعليق


                      • #41
                        ﴿أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ﴾ [الأنعام :93]:
                        قال ابن عباس: «ومن هذا النمط من أعرض عن الفقه والسنن وما كان عليه السلف من السنن، فيقول: وقع في خاطري كذا، أو أخبرني قلبي بكذا».


                        . ﴿وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ﴾ [الأنعام :93]:
                        هذه حال الكافر أو الظالم عند قبض روحه، واستدلوا بهذه الآية على أن لملك الموت أعوانا من الملائكة.


                        . ﴿أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ﴾ [الأنعام :93]:
                        قال الآلوسي: «وذهب بعضهم إلى أن هذا تمثيل لفعل الملائكة في قبض أرواح الظلمة، بفعل الغريم المُلِحِّ، يبسط يده إلى من عليه الحق، ويعنف عليه في المطالبة».


                        . ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ﴾ [الأنعام :93]:
                        هذه الآية أحد الآيات الدالَّة على عذاب القبر.





                        . ﴿جِئْتُمُونَا﴾[الأنعام :94]:
                        بصيغة الماضي وأُريد به المستقبل؛ لتحقُّق وقوعِه.


                        ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾[الأنعام :97]:
                        الحكمة الثلاثية لخلق النجوم كما جاء في القرآن: الاهتداء، وتزيين السماء، ورجم الشياطين.


                        ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾[الأنعام :98]:
                        الأخوة أنواع، فمنها الأخوة في الإنسانية، والأخوة في الوطن، والاخوة في الدين، ولكل منها حقوق.


                        ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ﴾[الأنعام :100]:
                        أطاعوا الجن في عبادة الأوثان، وهو ما ما قرَّرَه ابن كثير.


                        . ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾[الأنعام :102]:
                        تعرَّف إلى الخلق بآياته، ثم تعرَّف إليهم بصفاته، ثم كاشفهم بحقائق ذاته.





                        . ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ﴾[الأنعام :102]:
                        ذلكم: اسم إشارة للبعيد، إشارة إلى غاية البعد عن أن يُنسَب إلى الله صاحبة أو ولد.


                        . ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ﴾[الأنعام :103]:
                        هذا في الدنيا، لكن حدِّث نفسك باليوم الذي ترى فيه الله في الآخرة. قال الإمام ابن كثير: «تواترت الأخبار عن النبي ﷺ أن المؤمنين يرون الله في الدار الآخرة في العرصات وفي روضات الجنات».


                        . ﴿وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ﴾[الأنعام :103]:
                        لذا يجب أن تخافوا منه وتحذروه.


                        . ﴿قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا﴾[الأنعام :104]:
                        البصر الحقيقي بصر القلب!
                        البصائر جمع بصيرة، وهي للقلب بمنزلة البصر للعين، لكنها الأهم، فكم من أعمى البصر حاد البصيرة، وكم من مبصر لكن أعمى البصيرة.


                        . ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ َ﴾[الأنعام :106]:
                        ليس إعراضا عن دعوتهم، بل أعرِض عنهم بقلبك، ولا تستهلك مشاعرك في الحزن والحسرة عليهم، ولا تُبالِ بتكذيبهم واستهزائهم.



                        تعليق


                        • #42


                          الجزء الثامن


                          ﴿ مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾:
                          إيمانك كان بمشيئة الله وتوفيقه، فهل أدركت الآن قدر نعمة الله عليك؟!

                          . (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين):
                          هيهات أن تسلك طريق الأنبياء دون أن تقابل أعداءهم على قارعة الطريق!

                          . (زخرف القول غرورا)
                          إذا كثرت (زخارف) القول، فاعلم أنها تخفي وراءها عيوب فكرة باطلة.
                          قال ﷺ: «إنما أخاف على أمتي كل منافق {عليم اللسان}».

                          . شياطين اﻹنس أشد خطورة من شياطين الجن؛لذا قدم الله ذكرهم!!
                          (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين اﻹنس والجن).

                          . أطفئ لهيب الحزن والألم في قلبك، وتعرف على الحكمة الغائبة من الأحداث،
                          وذلك بتأملك في قول ربك:
                          (ولو شاء ربك ما فعلوه).




                          ﴿وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن ﴾
                          حتى الأنبياء كان لهم أعداء ، فكيف تستبعد وجودهم حولك!
                          كلّما كانت رتبة العبد أعلى، كانت البلايا أشد والعداوات أصعب، ولذا كان أشد الناس بلاء الأنبياء عليهم السلام.

                          . (وَلِتَصْغَىٰ) إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَة(وَلِيَرْضَوْه) (وَلِيَقْتَرِفُوا) مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ):
                          التدرج الشيطاني مخادع ورهيب.
                          فأول خطوة: الإصغاء..والثانية: الرضا..والثالثة: اقتراف الحرام.

                          . (وتمّت كلمة ربك صدقاً وعدلا):
                          كل ما في القرآن لا يزيد عن خبر أو أمر، فخبره صدق، وأمره عدل، بل لا أصدق من الأخبار التي أودعها الله في كتابه، ولا أعدل من أوامره ونواهيه.

                          . أتباع الشياطين أكثر من أتباع المرسلين، واقرأ إن شئت:
                          {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله }
                          فلا تغرنك الكثرة !!

                          . (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك):
                          الاغترار بالكثرة يؤدي إلى العقل الجمعي ويفسِّر سياسة القطيع، والتي تقودك لمواكبة من حولك ولو كانوا على خطأ.

                          . (وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها):
                          سين: لم اكتفى بذكر أكابر المجرمين؟!
                          جيم: لأن باقي المجرمين تبع لهم.




                          {وذروا ظاهر الإثم وباطنه} [الأنعام: 120]
                          باطن الإثم يشمل ما لا يعرفه الخلق من الحسد والحقد وسوء الظن بالناس وإضمار الشر لهم وغيرها من آثام القلوب.

                          . ﴿أومن كان ميتا (فأحييناه) وجعلنا له (نورا) يمشي به في الناس﴾:
                          القرآن حياة لقلبك ، ونور يُضيء ظلام دربك.

                          . ﴿وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها!﴾
                          في كل بلد مجرمون يُفسدون، فإن تركهم الناس ولم يأخذوا على أيديهم هلكوا معهم!

                          . (ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً)
                          ضيق صدرك لعله علامة ضلال عن طريق الحق، فتخلَّص من هذا الضيق بالرجوع إلى لحق.

                          . ﴿ يشرح صدره للإسلام ﴾
                          بقدر إيمانك وحسن إسلامك يكون انشراح صدرك.

                          (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون)
                          ينتقم الله من الظالمين بالظالمين، ثم ينتقم من الظالمين أجمعين، فكأن الظالم له رسالة، أن ينتقم من ظالم مثله، قبل أن يهلكا جميعا.

                          . سئل الأعمش عن قوله تعالى:
                          {وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون} [الأنعام: 129] ،
                          فقال: سمعتهم يقولون: «إذا فسد الناس أُمِّر عليهم شرارهم».


                          يتبع


                          تعليق


                          • #43
                            ﴿ ولكل درجات مما عملوا.. ﴾:
                            قدرك عند الله على قدر عملك.

                            . ﴿ وربك الغني ذو الرحمة ﴾
                            الغنى و الرحمة نادرا ما يجتمعان، ولا يجتمعان إلا في عظيم!
                            فسبحان ربي العظيم.

                            . ﴿ إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ﴾:
                            ترشدك إلى قصر الأمل، فكل آت قريب، ومن قصر أمله لابد أن يحسُن عمله.

                            . ﴿ إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ﴾:
                            لا أحد يقدر على أن يمنع تحقيق وعد الله أو وعيده، بل إن زوال السماوات ولأرض لأهون على الله من إخلاف وعد من وعوده.

                            . ﴿ومن الأنعام حمولة وفرشا﴾:
                            الحمولة هي ما حُمِل عليه من الإبل وغيرها، والفرش صغار الإبل التي لم تدرك أن يُحْمَل عليها.

                            . ﴿وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾:
                            قال الزهري: لا تنفقوا في معصية الله تعالى،
                            وقال مجاهد: لو كان أبو قبيس (جبل) ذهبا فأنفقه رجل في طاعة الله تعالى لم يكن مسرفا، ولو أنفق درهما في معصية الله تعالى كان مسرفا.

                            . ﴿وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾:
                            قيل لحاتم الطائي: لا خير في السرف، فأجابهم: بل لا سرف في الخير.



                            ﴿نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾: وقال في سورة الإسراء: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ﴾ أي لا تخافوا من فقركم بسبب أولادكم؛
                            ولهذا قال هناك: ﴿نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ﴾، فبدأ برزقهم للاهتمام بهم، وأما في هذه الآية فلما كان الفقر حاصلا قال: ﴿نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾؛ لأنه الأهم ها هنا.

                            . (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) :
                            ما بطن من الفواحش هو محبة القلب للذنب، لكن لا يقدر على فعله لعدم توفر الظروف أو لخشية افتضاحه بين الناس، ولو تخلص من هذا لوقع في الذنب.

                            . ﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ ﴾:
                            الاقتراب من الخطر بداية السقوط!

                            . ﴿ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن﴾:
                            ما أقبح أن تضاعف جراح اليتيم بأخذ ماله دون وجه حق.

                            . (وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون ﴾:
                            قال السعدي: فأكبر سبب لنيل رحمه الله اتباع هذا الكتاب علمًا وعملاً .

                            . ﴿لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾:
                            لماذا لا ينفع النفسَ إيمانها؟

                            قال السعدي: والحكمة في هذا ظاهرة، فإنه إنما كان الإيمان ينفع إذا كان إيمانا بالغيب، وكان اختيارا من العبد، فأما إذا وُجِدَت الآيات صار الأمر شهادة، ولم يبق للإيمان فائدة، لأنه يشبه الإيمان الضروري، كإيمان الغريق والحريق ونحوهما، ممن إذا رأى الموت، أقلع عما هو فيه.



                            ( قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ )
                            انتظار الفرج من أعظم العبادات ، فأحسن الظن برب الأرض والسماوات.

                            . اﻹسلام نظام شامل يشمل شؤون الحياة جميعا، ولا فصل فيه بين سياسة اﻷمة ودينها:
                            (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين)

                            . ﴿لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ﴾:
                            أي ليمتحنكم فيما أعطاكم من نعم، والنعم هي رصيدكم في سوق الحياة، والسوق مكان التجارة، فيربح فيه من ربح، ويخسر من خسر.

                            «إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ »
                            هو العقاب المعجّل على الذنب في الدنيا، قبل أن يرجع إلى الآخرة، فيلقى العقوبة الأشد.

                            . ( فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ):
                            لن تحمل رسالة تتحرج عن ذكر تفاصيلها أمام الغير.

                            . ( فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ):
                            لا يكنْ فيك ضيقُ صدرٍ من تبليغ القرآن مخافةَ أن يكذّبوك أو يؤذوك أو يستهزؤوا بك، فبلِّغ رسالة الله ولو ساءهم ذلك.

                            . ( فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ):

                            خطاب لرسول الله ﷺ يتضمن خطابا لأمته، فإياك أن تتحرج من آية في كتاب الله أن تبلغها لغيرك!

                            ( فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ) :
                            قال مجاهد وقتادة: الحرج هنا: الشك، لأن الشاك ضيق الصدر،
                            والمراد أمة النبي ﷺ، أي: لا يشك أحد منكم في آية من كتاب الله.

                            . (فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين)
                            سيقص الله علينا يوم القيامة ما كنا نعمل في الدنيا، وسنكتشف أنه سبحانه لم يكن غائباً عن شيء عملناه،
                            فواخجلتاه يومئذ أو وا فرحتاه!

                            . ﴿فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ﴾:
                            قال ابن كثير: فكان منهم من جاءه أمر الله وبأسه ونقمته ﴿بَيَاتًا﴾ أي: ليلا ﴿أَوْ هُمْ قَائِلُونَ﴾ من القيلولة، وهي: الاستراحة وسط النهار، وكلا الوقتين وقت غفلة ولهو.

                            . {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين}:
                            قال رسول الله ﷺ: «يُدعى نوح يوم القيامة فيُقال له: هل بلغت؟!
                            فيقول: نعم، فيدعى قومه فيقال: هل بلغكم؟
                            فيقولون: ما أتانا من نذير، وما أتانا من أحد،
                            قال: فيقال لنوح من يشهد لك فيقول: محمد وأمته».

                            . ﴿ونضع الموازين القسط ليوم القيامة﴾:
                            قال وهب بن منبِّه: إنما يوزن من الأعمال خواتيمها،
                            وإذ أراد الله بعبد خيراً ختم له بخير،وإذا أراد الله به شراً ختم له بشر عمله.




                            . ﴿ أنا خيرٌ منه﴾:
                            شعار إبليس الذي أهلكه، ويهلك كل يوم خلقا يسير على خطى إبليس.
                            . قال الأوزاعي رحمه الله لبقية بن الوليد: «وإذا سمعت أحدًا يقع في غيره؛ فاعلم أنه إنما يقول: أنا خير منه!».

                            . علامة الكبر!
                            قال أبو حازم: من رأى أنه خير من غيره فهو مستكبر؛ وذلك أن إبليس قال: ﴿ أنا خيرٌ منه﴾، فكان ذلك استكبارا.
                            . إنما أهلك إبليسَ العُجبُ بنفسه: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ}، وكملت فضائلُ آدمَ باعترافه بذنبه:{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا}

                            . ﴿ خلقتني من نار وخلقته من طين ﴾:

                            قال ابن سيرين: من قاس الدين برأيه قرنه الله مع إبليس!

                            ﴿قال فاهبِط منها فما يكون لكَ أن تتكّبر فيها فاخرُج إنك من (الصاغِرين)﴾: «قال الله تعالى: الكبرياء ردائي، فمن نازعني في ردائي قصمته». صحيح الجامع رقم: 4309

                            . دعا ابليس ربه:
                            ﴿ رب فأنظرني إلى يوم يبعثون ﴾ فاستجاب الله له: ﴿ قال فإنك من المنظرين ﴾..
                            أفلا يستجيب لك؟!


                            ​​​​​​​
                            . ﴿ولا "تقربا" هذه الشجرة فتكونا من الظالمين﴾
                            حرص ربنا على وقايتنا من الحرام، فأمرنا بعدم الاقتراب منه، كي لا تجذبنا دوامة الحرام عند الاقتراب منها.

                            . (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين):
                            ليس من القِسمة؛ بل من القَسَم أي حلف لهما الشيطان.

                            ﴿فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ﴾:
                            قال ابن عباس: غرهما باليمين، وكان آدم يظن أنه لا يحلف أحدٌ بالله كاذبا.

                            تعريف الخسارة في القرآن: هو عدم المغفرة:
                            ﴿ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين﴾

                            . قال ابن القيم: تالله ما نفعه [آدم] عِز (اسجدوا)، ولا شرف (وعلَّم آدم)، ولا فخر (ونفختُ فيه من روحي)، وإنما انتفع بِذُلِّ (ربنا ظلمنا أنفسنا).

                            . (وقاسَمَهُما إني لكما لمن الناصحين):
                            الكاذبُ كثير الحلِف دون أن يطلب منه أحد ذلك!

                            . ﴿ولباس التقوى ذلك خير﴾:
                            يقول ابن عباس : لباس التقوى هو العمل الصالح.

                            . ﴿ولباس التقوى ذلك خير﴾:
                            مهما ارتديت أجمل الثياب، ستظل التقوى أجمل ثوب، لأنها ما يحب الله أن يراه عليك.

                            تعليق


                            • #44
                              ﴿يابني آدم لا يفتنّنكم الشيطانُ كمَا أخرجَ أبويكم من الجنة﴾
                              تذكيرٌ بالثأر ممن كان سبب خروج أبيك من الجنة، وهذا كفيل بإذكاء نار العداوة بينك وبين إبليس،
                              فكيف تبيع جوهر العمر النفيس بعمل خسيس.

                              . ﴿ينزع عنهما لباسهما﴾
                              اللباس جولة رئيسية ومعركة محورية في صراع الشيطان مع الإنسان.

                              . ﴿إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم ﴾:
                              عدو يراك ولا تراه، فما أسهل أن يظفر بك!

                              . تبدأ المعصية صغيرة، ثم تكبر، ثم تصبح عادة، والسبب:
                              غياب نور الإنكار واعتياد رؤية الأوزار:
                              (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها).

                              . ﴿ﻓﺮﻳﻘﺎ ﻫﺪﻯ ﻭﻓﺮﻳﻘﺎ ﺣﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔ﴾
                              الهداية محض فضل من الله، وأما الضلالة فيجلبها العاصي على نفسه !



                              . ﴿ويحسبون أنهم مهتدون﴾:
                              لو علم الضال أنه ضال، لانفكت العقدة. أبشع ألوان الضلال من ظن صاحبها أنه على خير حال.

                              . ﴿فدلّاهما﴾:
                              أي أنزلهما من مرتبتهما العالية إلى مواقعة الخطيئة، والتدلية: السقوط من عل، فالطاعة علو، والعصيان هبوط.

                              . { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون }:
                              قال ﷺ: «إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب»
                              .
                              . ﴿ .....و(استكبروا عنها) لا تفتّح لهم أبواب السماء و(لا يدخلون الجنة) ...﴾
                              مادام في القلب كِـبْـر، فالطريق نحو الجنة مسدود !!

                              . ﴿كلما دخلت أمة لعنت أختها﴾:
                              ما أشد تخاصم أهل النار: كلّ يلقي باللوم على غيره وينسى نفسه!

                              . ﴿كلما دخلت أمة لعنت أختها﴾ :
                              تحية أهل النار اللعن!
                              والتعبير عن المستقبل بلفظ الماضي للتنبيه على تحقق وقوعه.

                              . ﴿حتى يلج الجمل في سم الخياط﴾:
                              المقصود بالجمل الحبل الغليظ لا الجمل المعروف



                              . (ونزعنا ما في صدورهم من غِل)
                              حين نطهر قلوبنا من الغل، نعيش في بقعة من الجنة، وحين نحمل الغل، فإنما نحمل في صدورنا النار.

                              . ﴿ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا﴾:
                              أي أخوة هذه التي لا تطهِّر القلوب من الغل والحسد؟!

                              . إذا لفحتك يوما نار الغرور، فاذكر دعاء أهل الجنة:
                              ﴿ الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا ﷲ ﴾

                              . ﴿وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾:
                              تطييب من الله لخواطر المؤمنين،
                              وإلا فإنهم إذا رأوا مقاعدهم في الجنات علموا أن أعمالهم المشوبة بالتقصير لا توجب لهم أبدا هذه الدرجات.

                              . ﴿ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾:
                              الميراث دليل على أن الجنة عطية من الله، ومحض فضل منه، لأن إيمان العبد وطاعته لا يوجب عقلا ولا عدلا إلا نجاته من العقاب المترتب على الكفران والعصيان، لكن لا يوجب جزاء ولا عطاء.
                              . الجنة ميراث يرثه أهل الجنة من قوم كانت قد أعِدَّت الجنة لهم، لكنهم لم يقدموا الثمن اللازم لشرائها، قال رسول الله ﷺ:«كل أهل النار يرى منزله من الجنة، فيقولون: لو هدانا الله، فتكون عليهم حسرة. وكل أهل الجنة يرى منزله من النار، فيقولون: لولا أن هدانا الله. فهذا شكرهم».

                              . قال ميمون بن مهران: إن الرجل يقرأ القرآن وهو يلعن نفسه. قيل له: وكيف يلعن نفسه؟ قال: يقول:
                              (ألا لعنة الله على الظالمين) وهو ظالم.

                              نادى رجل على سليمان بن عبد الملك وهو جالس على المنبر، فقال: يا سليمان .. اتق الله، واذكر يوم الأذان، فنزل سليمان عن المنبر مغضبا ودعا بالرجل، فقال: أنا سليمان .. فما يوم الأذان؟!
                              فقال الرجل: {فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين} [الأعراف: 44].
                              قال: وما مظلمتك؟
                              قال: وكيلك قد غلبني على أرضي قال: فأمر بالكتاب إلى وكيله أن أعطه أرضه، وأرضي مع أرضه!

                              . أمْر الله لعباده بالدعاء هو إعانة لأصحاب المحن، وعطاء لأصحاب الحوائج، وراحة لأصحاب الهموم، وأنس لأصحاب القرب من الله.
                              . علَّمنا الله آداب الدعاء حين قال:

                              «تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً» لندعوه بلسان الافتقار والانكسار والاضطرار، فتنهمر علينا عطاياه كالأمطار.
                              . من غاية إكرام الله لنا أن جعل الإمساك عن دعائه المؤدي إلى عطائه اعتداء منا!!
                              الاعتداء في الدعاء على وجوه:

                              منها علو الصوت فيه والصياح، أو الدعاء بمحال، أو بما ليس في الكتاب والسنة، فيتخير الداعي كلمات فيها سجع كثير، ويترك ما دعا به رسوله ﷺ.
                              . ﴿اد ْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾:
                              أفضل الدعاء أخفاه، لأنه دليل إخلاص العبد، ومن أسباب القبول.



                              . ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾:
                              قال ابن عطية: ولا تعصوا في الأرض، فيمسك الله المطر، ويهلك الحرث بمعاصيكم، وفي الحديث: «لم يمنع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ،ولولا البهائم لم يُمطَروا». صحيح الجامع رقم: 9335

                              . ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾:
                              قال أبو حيّان: هذا نهي عن إيقاع الفساد في الأرض، وإدخال ماهيته في الوجود بجميع أنواعه، من إفساد النفوس والأموال والأنساب والعقول والأديان.

                              . ﴿وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾:
                              اجعل خوف العقاب ورجاء الثواب جناحين يحملان طير قلبك إلى طريق الاستقامة، فإن انفراد أحدِ الجناحين يسقط بالطائر، ويُهلِك العبد.

                              . ﴿ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ﴾:
                              قال يحيى بن معاذ الرازي: «ليكن حظ المؤمن منك ثلاثة: إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه».

                              . ﴿إن رحمة الله قريب من المحسنين ﴾:
                              كلما ازداد الإحسان زاد قربك من الرحمن .

                              . ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾:
                              إذا زكا الأصل طاب الفرع، وإذا خبث لم يطب ما خرج منه، فالمظهر يدل على الجوهر، ومن صفا باطن قلبه زكا ظاهر فعله، ومن كان بالعكس، فحاله بالضد.

                              . (وأعلم من الله ما لا تعلمون):
                              قال قتادة: «إني أعلم من إحسان الله تعالى إلي ما يوجب حسن الظن به».
                              راجع ملفاتك القديمة في معاملاتك مع الله، وأنعِش روح الأمل.



                              . قال قوم هود له: ﴿ إنا لنراك في سفاهة ﴾
                              فأجابهم ﴿ ياقوم ليس بي سفاهة ﴾:
                              ما أرقى سلوك الأنبياء في مواجهة السفهاء.

                              . ﴿ ياقوم ليس بي سفاهة ﴾:
                              لما ولي عمر بن عبد العزيز خرج ليلة ومعه الحرس، فدخل المسجد فمرَّ في الظلمة برجل نائم فتعثر به، فرفع رأسه إليه، فقال الرجل: أمجنون؟ قال: لا، فهَمَّ به الحرس، فقال لهم عمر: مه! إنما سألني أمجنون أنت فقلت لا.

                              . ﴿إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان﴾:
                              كل قول في الدين لا يستند لدليل أو شاهد من الشرع، فمصيره التكذيب والنكران.

                              . ﴿ولكن لا تحبون الناصحين﴾:
                              من علامة الهلاك كراهية الناصح وحب المادح.

                              ﴿ولكن لا تحبون الناصحين﴾:
                              محبة الناصح هي علامة القلب الحي، وكلما توارت هذه المحبة عن القلب زادت قسوته واقترب موته.

                              . (و تبغونها عِوَجاً!):
                              كثيرون ممن حولنا يحبون انحرافنا عن صراط الله المستقيم، ويسعون في هذا سعيا حثيثا.

                              . ﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾:
                              توعدوا المؤمنين بشعيب بسوء العذاب، وبسبب هذا الوعيد خاف كثير من الناس من اتباع الحق، فوقع الصد عن سبيل الله.. سُنة جارية متكرِّرة في كل عصر

                              تعليق


                              • #45
                                ​​​​​​
                                ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾ [الأنعام :116]:
                                أهل الحق أقل عددا لكنهم أثقل وزنا، وأهل الباطل كثرة، لكن لا وزن لهم عند الله.. الأكثرية ليست دائما دليل الصوابية، والأقلية ليست دوما دليل الخطأ.
                                . احذر تأثير الكثرة والانجراف مع التيار، فقد أخبر الله في كتابه أن طاعة الأكثرية كفيلة بإضلال سيد الأنبياء (مع استحالة ذلك في حق النبي المعصوم)، فكيف بمن دونه من الضعفاء؟!

                                ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [الأنعام :117]:
                                مقصد الآية إظهار شدة اعتناء الله بالمهتدين، وإحاطة علمه بضلال الضالين.

                                . ﴿فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ﴾ [الأنعام :118]:
                                سبب نزولها:
                                نزلت الآية بسبب أناس أتوا النبي ﷺ فقالوا:
                                يا رسول الله .. إنا نأكل ما نقتل، ولا نأكل ما قتل الله؟
                                فنزلت: ﴿فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾..
                                قال عطاء: «في هذه الآية أمْرٌ بذكر اسم الله على الشراب والذَّبح وكل مطعوم».

                                . ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام :119]:
                                أشد ألوان الفساد أن تضل، ثم تُضِلَّ غيرك، والسبب: أنك بلا علم، وأقرب إلى شاطئ الجهل.. قال الإمام الرازي: «وقد دلَّت هذا الآية على أن القول في الدين بمجرد التقليد حرام، لأن القول بالتقليد قول بمحض الهوى والشهوة، والآية دلت على أن ذلك حرام».



                                . ﴿يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾[الأنعام :122]:
                                نفع المؤمن ليست مقتصرا على نفسه، ونوره وأثر بركته يفيض على غيره.

                                . «في الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾[الأنعام :122]:
                                أثر طول الضلال!
                                قال الرازي: «فإذا دام كون الكافر في ظُلُمات الجهل، والأخلاق الذَّميمة، صارت تلك الظُّلمات كالصِّفة الذاتية اللازمة له؛ يعسُر إزالتها عنه، نعوذ بالله من هذه الحالة».

                                . ﴿وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا﴾[الأنعام :126]:
                                هناك قولان:
                                الصراط المستقيم هو الإِسلام أو القرآن، فاثبت عليه، ولا يحرفك عنه شيطان، بأن تحرِّم ما أحل الله، أو أن تُحلَّ ما حرَّم الله.

                                ﴿لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾[الأنعام :127]:
                                أبشِر أخي المصاب!
                                دار السلام غدا تحوي كل ألوان السلامة، فلن يصيبك فيها حزن ولا هَمٌّ ولا غمٌّ ولا نصَب ولا أدنى أذى.

                                ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾:
                                قال الرازي: «يشعر بأن ذلك الأمر المدخر موصوف بالقرب من الله تعالى، وهذا القرب لا يكون بالمكان والجهة، فوجب كونه بالشرف والعلو والرتبة، وذلك يدل على أن ذلك الشيء بلغ في الكمال والرفعة إلى حيث لا يعرف كنهه إلا الله تعالى، ونظيره قوله تعالى:
                                ﴿فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين﴾ [السجدة: 17]».




                                ﴿لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ﴾[الأنعام :127]:
                                ثلاث تشريفات إلهية!
                                قال الرازي: «في هذه الآية تشريفات لمن عناهم الله بالآية:
                                النوع الأول: قوله: ﴿لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ﴾، وهذا يوجِبُ الحَصْرَ؛ فمعناه: لهم دار السَّلام لا لغيرهم.
                                النوع الثاني: قوله: ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾، وهذا يدلُّ على قُرْبِهم من الله تعالى.
                                النوع الثالث: قوله: ﴿وَهُوَ وَلِيُّهُمْ﴾، وهذا يدلُّ على قُرْب الله منهم».

                                . ﴿يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ ﴾[الأنعام :128]:
                                استكثرتم من إضلالكم للإنس، فأضللتم منهم خلقا كثيرا،
                                فاللهم لا تجعلنا من هذه الكثرة الضالة، واكتبنا من القلة المهتدية.

                                ﴿وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ﴾[
                                الأنعام :128]: استمتاع الجن بالإنس أنهم تلذذوا بطاعة الإنس لأوامرهم، وتلذذ الإنس بالجن أنهم قبلوا أمرهم بالمعصية، فآثروا الشهوات الحاضرة على اللذات الغائبة.

                                ﴿وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ [الأنعام: 130]:
                                الذي يغرُّ هو الشيء الذي يكون له قدر ومكانة، وهذه الدار لا قدر لها، لذا وصفها الله بأنها «دنيا»!!
                                فأعظم الغرور إيثار الحقير رغم وقوع التحذير، وهو من عمى البصيرة.

                                . ﴿ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ﴾[الأنعام :131]:
                                قال القشيري: «متى يصحُّ فى وصفه توهم الظلم والملك ملكه والخلق خلقه؟
                                ومتى يقبح منه تصرُّفٌ فى شخصٍ بما أراد، والعبد عبده وال
                                حكم حكمه؟».

                                ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: 153]:
                                «خطَّ رسول الله ﷺ خطاً بيده، ثم قالك سبيلُ الله مسقيما، ثم خط خطوطاً عن يمين ذلك الخط وعن شماله ثم قال: وهذِه السبُل ليس منها سبيل الا عليه شيطان يدعو اليه»
                                ثم قرأ: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾.

                                . ﴿ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: 154]: أزمتنا أزمة يقين!
                                لو أيقنوا بلقاء الله لاستعدوا له، وعملوا بالكتاب، فكان لهم هدى ورحمة.


                                . ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾[الأنعام: 160]:
                                العشر أقلُّ ما وعد الله به من الأضعاف، وقد جاء الوعد بسبعين، وسبعمائة، وبغير حساب،
                                ولذا قيل: المراد بذكر العشر بيان الكثرة لا الحصر.



                                . ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾[الأنعام: 160]:
                                قال المهايمي: «كمن أهدى إلى سلطان عنقود عنب، يعطيه بما يليق بسلطنته، لا قيمةَ العنقود».

                                . ﴿ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا ﴾[الأنعام: 160]:
                                وهذا من عظيم رحمة الله!
                                ولذا قيل: ويلٌ لمن غلبت آحاده عشراته!.
                                معاملة الله لنا بين الفضل والعدل!
                                فالثواب من باب الفضل، ولذا ينال العبد به أجورا مضاعفة إلى ما لا نهاية، وأما العقاب فمن باب العدل.

                                . ﴿ دِينًا قِيَمًا﴾[الأنعام: 161]:
                                قرأه نافع وابن كثير قيِّما، والقيِّم- بفتح القاف وتشديد الياء- وصف للمبالغة في القيام بالأمر، وهو مرادف القيوم، فالإسلام قيِّم بالأمة وحاجاتها، يقال: فلان قيِّم على كذا، بمعنى مدبر له ومصلح، ولا أصلح من الإسلام تنصلح به أحوال دنيانا وآخرتنا.

                                . ﴿لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾[الأنعام: 163]:
                                خذها رسالة!
                                كن أول المسارعين إلى تنفيذ أمر الله والامتثال له، فالكلُّ مأمورون بذلك، ونحن مأمورون -فوق ذلك- بأن نقتدي بالأنبياء والمرسلين.



                                ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا﴾[الأنعام: 164]:
                                ولم يقل: قل أغير الله أعبد ربا، فمجرد أن يتطلع إلى رب غير الله غير وارد، وهذا من الأساليب البلاغية الرائعة،
                                فإذا كان مجرد التفكير في إله غير الله أمر مرفوض، فكيف يُقبَل أن يُعبَد غير الله؟! .
                                قال ابن كثير: «أي: فلا أتوكل إلا عليه، ولا أنيب إلا إليه؛ لأنه رب كل شيء ومليكه، وله الخلق والأمر ، ففي هذه الآية الأمر بإخلاص العبادة والتوكل، كما تضمنت الآية التي قبلها إخلاص العبادة لله تعالى».

                                . ﴿وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ﴾ [الأعراف : 9]:
                                قال القشيري: «يزن أعمالهم بميزان الإخلاص، وأحوالهم بميزان الصدق، فمن كانت أعمالهم بالرياء مصحوبة لم يقبل أعمالهم، ومن كانت أحوالهم بالاعجاب مشوبة لم يرفع أحوالهم».

                                ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ [الأعراف : 10]:
                                توبيخ على قلة شكر نعم الله التي لا تُعَدُّ ولا تُحصَى، فإن النفوس التي لا يزجرها الوعيد قد ينفعها التذكير بالنِّعم واستحضار المزيد.

                                ﴿قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ﴾ [الأعراف: 15]:
                                قال ابن كرامة الجشمي اليماني: «ومتى قيل: ما وجه سؤاله مع أنه مطرود وملعون؟
                                فجوابنا: علمه بإحسانه تعالى إلى خلقه، من أطاع ومن عصى، فلم يمنعه من السؤال ما ارتكب من المعصية».

                                ﴿قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ﴾ [الأعراف: 15]:
                                قال ابن القيم: «فليس كل من أجاب الله دعاءه يكون راضيا عنه ولا محبا له ولا راضيا بفعله فإنه يجيب البر والفاجر والمؤمن والكافر».


                                تعليق

                                يعمل...
                                X