إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سلسلة بعنوان : روائع البيان لـ د/ رقية العلواني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحج يعلّمني تعظيم حرمات الله



    انظر إلى قول الله عز وجل


    (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ )
    ليس المقصود في قضية الذبح ذبح الأضاحي ليس المقصود فيها مجرد الذبح، لا، المقصود والمقصد الرئيس والحقيقي أن تذكر الله عز وجل، أن تذكر الله سبحانه وتعالى ذكراً حقيقياً ذكراً يجعلك بالفعل تتذكر معاني التوحيد العظيمة، معاني التوحيد ومعاني الاستشعار بتسخير الله سبحانه وتعالى لك.

    كل ما في هذا الكون بما فيه بهيمة الأنعام قد سُخّر لك، لأجل أيّ شيء؟ لأجل أن تذكر الله عبادة وخضوعاً واستسلاماً وتقرّباً له سبحانه. أنا حين أذبح بهيمة الأنعام أذبحها بأمر الله أذبحها باسم الله أذبحها طاعة للخالق الذي أمرني بذلك وليس لمجرد هوى وليس لمجرد تسلية وإنما طاعة وقرباناً للخالق سبحانه وتعالى.

    (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ )
    كل شيء في الإحرام يصبح له قيمة يصبح له معنى لا يستطيع الحج أن يمسّ طيباً، يرى الطيب ولا يمسّه، يرى الصيد ولا يقتله، يرى الشعر يزعجه ولكن لا تمتد يده إليه ولا يمسك بشعرة لكي يقصّ أو لكي يحلق هذه الشعرة، لماذا؟ ما هو السبب؟


    تعظيم


    (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ).
    القضية في الإحرام ليست مجرد شعرة وليست مجرد مسّ الطيب وليست مجرد صيد وليست أي شيء من هذه الأشياء لذاتها، القضية تحولت إلى قضية حرمات ربي هو الذي حرّم، تعظيم من حرّم وليس تعظيم الأمر لذاته فحسب. القضية ما عادت في شعرة ولا في طيب ولا في صيد القضية أصبحت في الذي أمر بألا يمسّ الطيب في الذي أمر بألا تقتلوا الصيد وأنتم حرم في الذي أمر بهذا ونهى عن ذاك.

    ولذلك قيمة الأمر هي في قيمة من تُعظّم سبحانه وتعالى. أنا حينما أعظّم الشيء وأقف عند حدود الله إنما أعظّم الله سبحانه وتعالى الذي أمرني ونهاني عز وجل. تخيلوا للحظات لو أن ذلك الحرص الشديد من قِبَل المُحرِم أن لا تقع منه الشعرة متعمداً أن لا يقتل الصيد أن لا يمس الطيب هذا الحرص الشديد لو استمر معنا في كل ميادين الحياة لو استمر معنا في مواقعنا المختلفة لو استمر معنا في أُسرنا في بيوتنا في حياتنا في أعمالنا لو أصبحنا وقافين عند حدود الله عز وجل كل ما يأمر به نقف عنده دون مناقشة دون جدال كل ما نهى عنه نقف عنه ونجتنبه ونعظّمه سبحانه وتعالى. هذا التعظيم العظيم للحج ولشعائر الحج لو استمر معي في حياتي بعد أن أعود من الحج كيف ستكون حياتي؟ كيف ستكون أعمالي؟ كيف ستكون الدنيا؟ كيف سأكون مع أوامر الله سبحانه؟ كيف سأكون مع محارم الله عز وجل؟

    ولذا قال العلماء عندما تعصي الله سبحانه وتعالى لا تنظر إلى صِغَر المعصية وتقول كما يقول بعض الناس كذبة بيضاء وكذبة صغيرة، لا تقل هذا ولكن أُنظر إلى عظمة من عصيت سبحانه وتعالى. وكذا في قضية الإحرام الحج يعلمني أن أكون وقافاً عند أمر الله عز وجل منتهياً عما نهاني عنه. الحج مدرسة، الحج يعلّمني أن أعظّم حرمات الله عز وجل الحج يعلّمني ما معنى أن اقف عند شعرة فلا أقص هذه الشعرة ولا تمتد يدي إليها لأن الله قد نهاني عن ذلك. الحج يعلمني مدرسة عظيمة ودورة مكثفة تعلمني كيف أقف عند أوامر الله عز وجل، الحج يعلمني كيف أنتهي عما نهاني الله عنه سبحانه وتعالى دون جدال لا أتساءل عن الحكمة ولا عن المقصد إن أخبرني ربي فعلي الرحب والسعة وإن لم يخبرني فسمعاً وطاعة.

    الحج يحعلني وقافاً عند أمر الله، أنا أطوف حول البيت سبع مرات ولكن لماذا سبعة؟ لماذا لم تكن ثمانية؟ لماذا لم تكن ستة؟ لماذا لم تكن خمسة؟ لا حتى يخالجني في نفسي أو مشاعري أو خواطري السؤال عن الحكمة، أقوم بالعمل وأطوف حول البيت سبع مرات بحرص شديد وتفاني شديد أن أقوم بهذا العمل كما أمرني به ربي. حرص شديد على ألا يقع عندي أي محظور من محظورات الإحرام، لماذا؟ لأن الحج مدرسة، لأن الحج أراد ربي سبحانه وتعالى أن يخرّجني في هذه المدرسة عبداً مُحسناً عبداً مُخبتاً عبداً خاضعاً لربه منقاداً لأمره عبداً يُعظم حرمات الله عز وجل ولذا جاءت


    (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ).


    .................




    التقوى غاية سورة الحج



    (حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ )
    هذا الحضور الرائع المستمر المتواصل للتوحيد هو ما تبنيه سورة الحج في نفسي. سورة الحج تحيي معاني التوحيد في قلوبناـ التوحيد يقوى ويضعف أحياناً في قلوبنا التوحيد يزيد وينقص في قلوبنا بسلوكنا بتصرفاتنا، بميل قلوبنا في بعض الأحيان إلى البشر، بالاستعانة بالبشر دون الاستعانة بالخالق، بالوقوع في مأساة أن ألجأ إلى المخلوقين دون الخالق، بموالاة الخلق دون الخالق سبحانه، كل هذه الأنواع من الخلل إنما هي خلل في التوحيد خلل في العقيدة.

    قلة الثقة بالله سبحانه وتعالى كما ذكرنا في بعض اآيات، قلة إحسان الظن بالله سبحانه وتعالى، إساءة الظن بخالقي، عدم اليقين المطلق بالله عز وجل. كل هذه الأنواع من السلوكيات والتصرفات هي خلل في التوحيد هي خلل في العقيدة تصححه سورة الحج



    (حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ).
    سورة الحج تعيد في التوحيد الحياة من جديد تعيد لي التوحيد الحقيقي تعيدني إلى الحنيفية السمحاء التي جاء بها إبراهيم أبو الأنبياء عليه السلام، سورة الحج توقظ في قلبي معاني التوحيد العظيمة

    وتأمل الآية التي تليها


    (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ )
    غاية الحج أن أعظّم شعائر الله سبحانه وتعالى، غاية الحج هي هذه.


    حُرمات الله أن أعظمها شيء عظيم ولكن الأعظم أن أعظّم شعائر الله عز وجل ودعونا نقف وقفة طويلة عند قوله سبحانه


    (فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)


    التقوى غاية سورة الحج، الغاية التي تبنيها في قلبي، الغاية التي تبنيها في نفسي.

    ولذا بيت الله الحرام وكل الشعائر المقدسة من مزدلفة إلى منى إلى عرفة كل هذه الشعائر مقدسة ليست لذاتها نحن لا نعظّم حجراً فتعظيم الحجر شركٌ بالله عز وجل ولكن نوع من أنواع الاحترام لهذه الشعائر إنما هو من تعظيم شعائر الله التي أمر الله عز وجل بتعظيمها إيماناً وانقياداً وخضوعاً وتسليماً لأمر الله سبحانه وتعالى.

    وتأملوا معي نحن في منى نرمي بالجمار نرمي بالحجارة، لماذا؟

    الله سبحانه وتعالى قد أمر بها، نبيه صلى الله عليه وسلم الذي وقف هذا الموقف وقال خذوا عني مناسككم رمى بهذه الحجارة، من رمى بهذه الحجارة بعد إبراهيم عليه السلام واقتداء به وسيراً على هديه. ولكن في نفس الوقت هناك الحجر الأسود الذي جعله الله في الكعبة الذي جعل الناس يطوفون حول الكعبة ويقفون عند هذا الحجر وأحياناً إن سنحت لهم الفرصة أن يقبّلوا هذا الحجر كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فليفعلوا اقتداء بسيرة نبيهم عليه الصلاة والسلام وسيراً على هديه. ولنا أن نتساءل من الذي أمر بذلك الحجر الصغير أن يُرمى في الجمار ومن الذي أمر بهذا الحجر الأسود أن يُمسَح عليه ويُقبّل؟ من الذي أمر؟ هذا حجر وذاك حجر، لماذا هذا يُرمى ولماذا ذاك يُمسَح عليه ويُقبّل؟ تعظيم شعائر الله. أنا ليست القضية عندي قضية حجر، أبداً، وإلا تحولت إلى شِرك، القضية عندي قضية أوامر الله شعائر الله حُرُمات الله عز وجل، التعظيم للشعائر وليس للأشياء ولا للأحجار ولا للأماكن في حد ذاتها.

    تعليق



    • أنواع التهاون من بعض المسلمين في مواسم الحج







      تأملوا معي في الدنيا كل الناس كل الشعوب في العالم اعتادت على أن تعظّم وتحترم قطعة قماش إنما هي تشكل علم هذه الدولة أو تلك والسؤال الذي يطرح نفسه هل القيمة الحقيقية هي في هذا القماش. في قطعة من القماش أم هي في رمزية هذا القماش؟ أم هي في القيمة التي تحملها هذه القطعة من القماش؟
      ولله المثل الأعلى، تعظيم شعائر الله عز وجل، إحترام أوامر الله سبحانه، إحترام هذه الأماكن المختلفة التي أمر الله سبحانه بالحفاظ على حرمتها بالحفاظ على قدسيتها إنما هو من تعظيم أوامر الله وتعظيم شعائره.

      وأريد أن أتوقف للحظات عند قدسية الأماكن وعند احترام هذه الأماكن وعند تعظيم هذه الشعائر من خلال احترامها بألا يُرمى حتى فيها أي قطعة من ورق أو ما شابه لا ينبغي أن تُرمى تعظيماً لشعائر الله وتقديساً لهذه الأماكن التي شرّفها الله سبحانه وتعالى.

      ولذا من أشد العيب على المسلمين اليوم أن يستهان بالطعام والشراب فيرمى في تلك الأماكن وتلك المشاعر المقدسة، هذا نوع من أنواع التهاون في شعائر الله عز وجل قلّ من المسلمين اليوم من ينتبه إليه، هذا نوع من أنواع التهاون لا ينبغي أن نسامح أنفسنا فيه. وكما أن هذه المشاعر المقدسة جعلها الله سبحانه وتعالى حراماً وجعل لها مكانة وقدسية في نفوس المسلمين جعل للمسام قدسية وحرمة ومكانة عظيمة لا ينبغي لأحد أن يتجاوزها أو يتطاول عليها.

      ودعونا نقف عند قول النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال وسأل أصحابه أيّ يوم هذا؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه، قال أليس يوم النحر؟ قلنا بلى، قال فأي شهر هذا؟ فسكتنا حتى ظننا أن سيسميه بغير اسمه فقال أليس بذي الحجة؟ قلنا بلى، قال فإن دماءكم وأمولكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. المسلم المؤمن لا ينبغي أن يتجاوز على أخيه المسلم في هذه الأماكن المقدسة - هو أي نوع من أنواع التجاوز في الأموال والأعراض والدماء حرام سواء كان في هذا اليوم أو في غير هذا اليوم ولكنه في هذا اليوم أشدّ وفي هذه المشاعر المقدسة أشدّ ولذا


      "من حجّ فلم يرفث ولم يفسق رجع من حجّه كيوم ولدته أمه"،


      "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"،


      (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ (197) البقرة)

      فلا كلمة نابية ولا كلمة سوء على أحد من المسلمين ولا محاولة إيذاء واحد منهم بأي شكل من أشكال الأذى.

      هذا النوع من التعظيم لحرمات الله عز وجل ولأوامره سبحانه من أن تنتهك لا يمكن أن تقع إلا من قلب لا يعرف إلا الله سبحانه وتعالى القلب المُخبت القلب الخاضِع القلب المُتقي الراجِع العائد إلى الله سبحانه وتعالى. الإلتزام بحرمات الله جانب عظيم من جوانب التقوى ولكن الأكمل والأتمّ أن أعظّم كل شيء يدلّني على الله سبحانه وتعالى. هذه المواقف العظيمة في الحج لا ينبغي أن تغيب عن أذهان الحجيج وهو يتوجهون في مواقف الحج المختلفة في مختلف الأماكن المقدسة لنا أن نربط ما نراه في واقعنا وبين ما نتدبره في هذه السورة العظيمة.

      وللأسف الشديد في أثناء الزحمة والازدحام الشديد وما يحدث في مواقف الحج المختلفة من غضب أحياناً ومن نسيان للمواقف التي نمر بها كحجيج يدفع البعض منا إلى أن يفقد أعصابه وربما تخرج منه كلمة لا تليق ربما سبّ ربما ستم ربما كلمة نابية هذا النوع من أنواع التهاون إنما هو تهاون في شعائر الله عز وجل ينبغي أن يتوقف الحاج عنه ينبغي أن يتوب إلى الله عز وجل ويتراجع ينبغي أن لا يقوم بهذه الأعمال أن يتوقف عنها ينبغي أن يكون تقديسه وخشيته وخوفه من أن يفسد حجّه بقصّ شعرة أو بمسّ طيب ينبغي أن يكون بالضبط كما يتهاون في كلمة نابية أو في إساءة لمسلم أو في رمي قطعة ورق أو قطعة طعام أو في أحياناً أن يدوس بقدمه على قطعة طعام دون أن ينتبه أو دون أن يلتفت. هذا النوع من أنواع التهاون من بعض المسلمين في مواسم الحج ربما بدون قصد ربما بحسن نية لا بد أن يتوقف. آن له الأوان أن يتوقف خاصة ونحن نتدبر في هذه الآيات العظيمة

      تعليق


      • الحكمة من تشريع الأضحية







        (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ )



        القضية ليست قضية أن أذبخ غنماً ولا قضية أن أذبح شاة ولا بعيراً القضية تحولت إلى قضية أخرى قضية إخبات قضية توحيد (فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) قضية ذكر اسم الله عز وجل وتوحيد رب العالمين واستذكار المشاعر العظيمة


        (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ )



        (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ)


        مرة أخرى



        (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ )

        إذن هي التقوى الحاضرة، قضية الأضاحي وقضية ذبح الأنعام ليست مسألة ذبح وإنما هي مسألة خروج وإخراج الشُحّ من الأنفس، خروج الشُحّ من النفس لتتعلم العطاء، لتتعلم الشعور بالآخرين الشعور بالقانع والمعترّ، لتتعلم الإحساس بالفقراء والمساكين، لتتعلم كيف تخرج من أموالها الصدقات والعطاء القضية ما عادت قضية مجرد ذبح، القضية تعود بنا إلى الذبح الأول إلى قضية الأضاحي وإلى قصة إبراهيم عليه السلام. إبراهيم أبو الأنبياء الذي حين جاءه في المنام أن يذبح ابنه الغالي اسماعيل لم يفكر ولم يتردد لحظة واحدة بالتضحية به وإنما قال له (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ (102) الصافات) وما كان من الابن إلا أن قال (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ)



        هذا النوع من أنواع التضحية هي ما أحتاج أن أتسحضره اليوم وأنا أقوم بتقديم القربان أو الأضحية. والأضاحي ليست قضية متعلقة فقط بالحاج بل هي مفتوحة للحاج ولغير الحاج فمن لم يتمكن من المشاركة في هذا الموسم من الخيرات موسم الحج العظيم والذهاب إلى الحج لا تفوته سُنّة الأضاحي هذه السنة العظيمة التي قام بها أبو الأنبياء وقام بها النبي صلى الله عليه وسلم وحين أقوم بهذه الأضحية وحين أقوم بهذه السُنّة العظيمة عليّ أن أستذكر التضحية ومعنى التضحية أنا أضحي لله عز وجل لأني على يقين أن الله سبحانه وتعالى سيرزقني وسيعطيني كما فعل أبو الأنبياء حين أراد أن يضحي بابنه إيماناً وانقياداً وخضوعاً وتسليماً لأمر الله.





        أنا حين أضحي أضحي لأمر الله سبحانه طاعة وتقرباً لله سبحانه.

        النفس التي تصنعها سورة الحج ويصنعها موسم الحج ويخرجّها موسم الحج ليجعل منها نفساً محسنة نفساً غير شحيحة نفس معطاء تعلمت التضحية بالغالي والنفيس تعلمت أن تسكت في كثير من الأحيان لكي لا تخرج منها وتتفوه بكلمة سوء فيها إساءة لأحد من المسلمين صبراً واحتساباً لله سبحانه وتعالى وتعظيماً لشعائره. النفس التي تعلمت أن تقف عند أوامر الله وتعظم حرمات الله وتعظم شعائر الله نفس مضحية نفس تعلمت معنى التضحية ذاقت جمال وحلاوة التضحية ذاقت جمال أن تترك شيئاً لله سبحانه وتعالى.

        ..............




        (وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)







        النفس التي تغضب النفس التي بحكم الزحام وبحكم العدد الرهيب من البشر ممكن أن يدفعها أو يدوس على قدمها أحد من الناس تسكت وتحتسب بل تدعو لمن أساء إليها وتدعو بظهر الغيب لمن آذاها هذه النفس العظيمة خرّجتها سورة الحج، هذه النفس العظيمة تخرّجت في موسم الحج نفس محسنة ولذا جاءت الآية العظيمة

        (وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)

        المؤمن في الحج المؤمن بعد مدرسة الحج تخرد مؤمناً برتبة محسن، تخرج مؤمناً برتبة مُخبِت. قلبي الذي صنعته سورة الحج قلبي الذي ربته سورة الحج قلبي الذي تخرج في موسم الحج قلب جديد قلب تخرّج برتبة محسن برتبة مخبت برتبة راجع عائد إلى الله سبحانه وتعالى، فبذلك فليفرح المؤمن الذي تخرّج بهذه الرتبة.



        ولذا جاءت الكلمة بعد آيات سورة الحج كل الآيات بقوله سبحانه



        (وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)



        هنيئاً للحجيج هنيئاً لمن تخرجوا برتبة المحسنين هنيئاً لتلك القلوب التي ضحّت هنيئاً لتلك القلوب والألسن التي لم تفتر عن ذكر الله، هنيئاً لتلك الأيدي التي لم تمتد بأذى لأحد من المسلمين، هنيئاً لتلك الأيدي التي أمسكت فلم ترمي بورقة ولا بحجرة ولا بقطعة لحم ولا بأرز ولا باي شيء تعظيماً لشعائر الله، هنيئاً لتلك الأيدي التي صافحت، هنيئاً لتلك القلوب التي سامحت، هنيئاً لتلك الألسنة التي لهجت بذكر الله ليل نهار هنيئاً لتلك القلوب التي ضحت بالأضاحي وضحت بالغالي والنفيس تعظيماً لشعائر الله هنيئاً لتلك القلوب التي وقفت وتعلمت أن تقف عند أوامر الله هنيئاً لكل من عظّم شعائر الله فقد تخرجت برتبة محسن



        هؤلاء الذين تخرجوا برتبة المحسنين هؤلاء الذين ربّاهم الحج وتعلموا في مدرسة الحج، تعملوا التضحية تعلموا الوقوف عند محارم الله، تعلموا تعظيم شعائر الله هؤلاء هم من يستحقون أن يدافع الله سبحانه وتعالى عنهم




        وانظر إلى قوله عز وجل بعد هذه الآيات

        (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ )

        ...............
        .


        ما هو وجه التناسب



        بين الحديث عن الحج وبين الحديث عن الجهاد؟





        بعد آيات الحج تأتي آيات القتال ويأتي الحديث عن الهجرة ويأتي الحديث عن الصراع الدائم بين الباطل والحق ولنا أن نتساءل - قبل أن نأتي على آيات الجهاد – يا ترى ما هو وجه التناسب بين الحديث عن الحج وبين الحديث عن الجهاد؟

        الحج والجهاد كلاهما نشرٌ للحق وللخير. الحج أعظم مؤتمر يمكن أن تنتشر من خلاله مبادئ الإسلام عالمية الإسلام سلام الإسلام سماحة الإسلام كل القيم السامقة التي جاء بها الإسلام. وكذا الجهاد الجهاد فيه حماية لمبادئ الحق وقيمه فلا بد للحق وللمبادئ وللقيم من أناس يذودون عنه ينتصرون له يدافعون عنه فأهل الباطل وأهل الكيد لا بد أنهم سائرون في طريقهم. وقد جاءت الآيات الأول أكثر من آية في بدايات سورة الحج تتحدث عمن يصدّ عن سبيل الله تتحدث عن من جعل أهم هدف وغاية له الصد عن سبيل الله سبحانه وإضلال الآخرين. هؤلاء لا بد أن يقف في وجههم أهل الحق أهل القيم أهل المبادئ الذين ربّتهم آيات الحج. ثم أن من لا ينتصر على نفسه في الحج لا يمكن أن يعرف النصر في الجهاد، الحج يعلم مجاهدة النفس على النفس الحج يعلم صناعة القلوب الحج يصنع القلوب القوية التي تستطيع أن تنتصر للحق وتدافع عنه، الحج يصنع القلوب الفائزة القلوب التي تستطيع أن تجني النصر والثبات أمام الباطل وأمام أهله.


        وابن القيم له كلام جميل في قضية مجاهدة النفس والجهاد،


        يقول في قوله سبحانه وتعالى


        (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا (69) العنكبوت)

        "علّق سبحانه الهداية بالجهاد فأكمل الناس هداية أعظمهم جهاداً وأفرض الجهاد


        (يعني أكثر أنواع الجهاد فرضاً)


        جهاد النفس وجهاد الهوى وجهاد الشيطان وجهاد الدنيا


        فمن جاهد هذه الأربعة في الله هداه الله سُبُل رضاه الموصِلة إلى جنته

        ومن ترك الجهاد فاته من الهدى بحسب ما عطّل من الجهاد ولا يتمكن المرء من جهاد عدوه في الظاهر إلا من جاهد هذه الأعداء باطناً فمن نُصر عليها نُصر على عدوه ومن نُصِرت عليه نُصر عليه عدوه".

        هذا معنى أن يأتي الجهاد والحديث عن الجهاد بعد الحج، الحج مدرسة تعلِّمنا جميعاً كيفية مجاهدة النفس كيفية وقوف النفس حين تُستغضب ويحدث ما يُغضبها فتكفّ اللسان عن أي كلمة نابية تتعلم كيف تكفّ اللسان وكيف تكفّأ اليد وكيف لا تؤذي المسلم وكيف لا تأتي بما يمكن أن يؤذي هذا الحج أو يمس شعائر هذا الحج العظيمة.

        تعليق



        • الثبات على الحق















          تأتي الآيات عن الجهاد لتبين بأن هذا المؤمن الذي صُنع بهذه الآيات ومن خلال تدبر هذه الآيات هو المؤمن الذي يستحق أن يرفع راية الجهاد




          (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)





          إذن هو الدفاع عن الحق هو التضحية في سبيل الحق القلوب المؤمنة تعلمت التضحية لا يكفي أن أكون مؤمناً بالله عز وجل وبالحق وبالقيم وبالمثل في حال السراء فإذا ما جاءت وأقبلت الضراء وحقت الحقيقة تخاذلت وتراجعت عن الحق الذي أؤمن به، هذا ليس بإيمان، الإيمان الحقيقي في السراء والضراء، الإيمان الحقيقي هو الذي تصقله التضحية



          ولذا جاء الوعد في الآية





          (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ)




          نصرة الله بالحق الذي أؤمن به، أنصر الله عز وجل بثباتي على قيمي بثباتي ودفاعي عن الحق الذي أؤمن به أمام أهل الباطل وأمام كيدهم وأمام مكرهم.




          ثم ماذا تكون النتيجة يا رب؟




          تأتي الآية التي تليها بقوله عز وجل




          (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ )





          إذن هو التمكين هو النصر هو فوز الحق على الباطل هو إعلاء كلمة الحق هو حماية المقدسات هو حماية دور العبادة على اختلاف دياناتها فالدين الإسلامي جاء ليحمي الديانات جاء ليحمي المقدسات جاء ليدافع عن الحق وأهله ولم يأتي ليسفك أو ليهدم أو ليظلم أو ليؤذي الآخرين بدون وجه حق.



          هذا الدين العظيم علّم أتباعه أن التمكين لا يعني الاستعلاء على الآخرين ولا يعني استعباد الشعوب المختلفة ولا يعني نهب مقدراتها بل هو الإصلاح، قمة الإصلاح تتحقق حين يمكن الله عز وجل لهؤلاء العباد المؤمنين الموحّدين المخبتين





          (أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ)


          لا دعاية انتخابية لهم سوى الإصلاح وليست بدعاية ولكنها أفعال وسلوكيات وواقع في واقع الحياة التي يعيشونها ولذلك شهد العالم المنصِف للمسلمين الفاتحين حين فتحوا الديار حين فتحوا بلاد الروم وبلاد الفرس بأنهم فتحوا الديار بقلوبهم بأخلاقهم بأفعالهم بسلوكياتهم ولم يفتحوها بسيوفهم، الإسلام انتشر بالحق بالعدل بالقيم بالأُناس الذين كانوا يحملون تلك القيم بالأُناس الذين استطاعوا أن يحولوا تلك القيم من خُطَب رنّانة إلى سلوكيات وأفعال واقعة حادثة أمام أعين الناس تشهد لتلك القيم وتشهد للحق الذي آمنوا به ودافعوا عنه.



          تعليق



          • من ترك شيئا لله عوضه الله بخير منه














            (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)
            إذن هي التضحية، الإيمان يحتاج إلى تضحية، إيماني بالله عز وجل معرّض لمحن، معرّض لاختبارات، معرّض لابتلاءات، المهم ليس في الابتلاء بل في النتيجة التي سأخرج بها من هذه الابتلاءات عليّ أن أخرج أشد عوداً واصلب إيماناً وأقوى عزيمة وحراكاً ودفاعاً عن الحق الذي أؤمن به.

            المؤمن الذي تعلّم التضحية في الحج وفي غير الحج هو وحده يستطيع أن يهاجر في سبيل الله أن يترك أرض الوطن ويترك الأهل ويترك الأحباب، لماذا؟
            لله وحده لا شريك له، لأنه على يقين مُحسن الظن بالله عز وجل أن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يعوضه خيراً مما أخذ منه




            (لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)









            المؤمن الذي يعيش وهو يستحضر الجزاء يستحضر الثقة بالله اليقين بما عند الله أن يكون أوثق بما عند الله عز وجل بما عنده هو بما في يديه هو من مال أو من جاه أو من سلطان أو وطن أو ولد.





            هذا المؤمن هو القادر على أن يضحي ويقدم كل شيء لأجل الله وفي سبيل الله.


            ولذا جاءت الآية وعد واضح وصريح


            (ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ )

            إنها الثقة بالله التي تحرك المؤمن وتدفع به في ميادين الحياة المختلفة.

            تعليق



            • إِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ




              (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ)
              هذه الآيات العظيمة تهزّ وجدان المؤمن تحرّك فيه فواعل الإيمان تجعل التقوى حاضرة في قلبه حاضرة في نفسه ليتوجه بالتوحيد والإخلاص لله وحده لا شريك له بيده العلم بيده القدرة المطلقة بيده الملك بيده كل شيء فلماذا أتوجه للآخرين؟
              ولماذا أتوجه لمخلوق مثلي لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، هو أضعف من أن ينصر نفسه حتى ينصر الآخرين، كيف أتوجه له؟

              ولذا جاءت الآيات التي تليها بعد ذلك والخطاب فيها للناس أجمعين
              (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)
              الكلام للناس جميعاً، الكلام للناس ودعوة للناس لكي يتخلوا عن الأولياء من دون الله، لكي يتخلوا عمن استنصروهم من دون الله عز وجل، عمن اتخذوهم أولياء.






              الكلام لأولئك الذين طرقوا ويطرقوا أبواب المخلوقين استعانة واستنصاراً واستغاثة ولجوءاً، إلى أولئك الذين يظنون ولو لثواني أو لحظات أن المخلوقين من دول عظمى وغير عظمى تملك لهم النفع أو الضر تملك لهم العطاء أو المنع تملك لهم أي نوع من أنواع القدرة. يقول الله سبحانه وتعالى في هذا المثل هؤلاء حتى الذبابة كم هي حقيرة لدى البشر تلك الذبابة، حتى الذبابة لا يتمكنون من خلقها حتى لو اجتمعوا.
              بل أقل من ذلك إن سلبهم أو أخذ منهم الذباب شيئاً لن يتمكنوا من استنقاذه أبداً






              (ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ).

              تلك المقارنة العجيبة التي تضعها هذه الآية العظيمة أمام ذلك الإنسان المكابِر المعانِد الجاحِد الذي لا يعرف لله سبحانه وتعالى قدره حق المعرفة. هذا الإنسان الذي يجادل ويماري بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير يستطيل ويتطاول على خالقه سبحانه ويظن أن له قدرة وأن له قوة وأن له جيوشاً تسيّر وأن له منعة وهو لا يملك حتى أن يأخذ ما يسلبه الذباب. وتأتينا الدرسات العلمية الحديثة لتبين أن الذباب بطبيعته بمجرد أن يلتقط أو يأخذ شيئاً فإنه يفرز عليه إفرازات تغير من تركيبته فإنه حتى إن إستطاع الإنسان أن يمسك بالذبابة التي أخذت منه شيئاً لا يستطيع أن يسترجع ذلك الشيء






              (ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)





              الذبابة ضعيفة وهي خلق من خلق الله والإنسان ضعيف وهو خلق من خلق الله لكنه يتطاول ويغتر ويعاند ويعتقد بأهوائه وشهواته أنه يستطيع أن ينازع الله سبحانه وتعالى في ملكه وفي قدرته وفي قوته، يظن أنه قوة وأن له قدرة والحقيقة أن ليس له إلا الضعف الذي بينته هذه الآية العظيمة.

              ..................



              وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ




              تأتي الآية العظيمة وفيها السجدة دعوة للمؤمنين



              (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا)


              اتركوا عنكم هؤلاء الكافرين والمعاندين فسُنّة الله سبحانه وتعالى ماضية في خلقه وماضية في الكون. الصراع بين الحق والباطل قائم والكفار واقع ذلك الصراع والامتداد للصراع بين الكفار وبين المؤمنين لا عليكم منهم




              (ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )




              فالدنيا دار عمل، الدنيا داء ابتلاء الدينا ليست بدار جزاء الدنيا دار تكليف كل ما تستطيع أن تفعل فيها من الخير فافعل لا تتردد ولا تجعلنّ من أهل الباطل ولا من كيدهم ولا من مكرهم ولا من الامتحانات التي يعرضونك لها لا تجعلهم عائقاً يحول بينك وبين عمل الخير بينك وبين إعلاء الحق، بالعكس إجعل أهل الباطل والصراع مع أهل الباطل مطية ودرجة ترتقي بك في سلم الإيمان في سلم التقوى فكلما ازددت صراعاً ودفاعاً عن الحق الذي تؤمن به وفعلاً للخير وللمعروف وملئاً ونشراً للسلام والأمان في هذه الأرض كلما ازددت تقرباً من الله خالقك عز وجل.

              ثم تأتي الآية لتختم سورة الحج العظيمة





              (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ)




              إذن هو اجتهاد




              (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ )




              الآية الأخيرة تختم بالجهاد.
              الآية الأولى في سورة الحج يقول فيها الله عز وجل





              (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ )




              والآية الأخرى توصي بقوله




              (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ)
              إتقوا وجاهدوا في الله حق جهاده.
              تقوى الله لا بد لها من جهاد، تقوى الله والوصول إلى مرحلة التقوى لا بد فيها من مجاهدة النفس ومن لا ينتصر على نفسه وأهوائه وشهواته ونزواته وميوله وخضوعه وركونه إلى الدنيا وأهلها لن يتمكن من الانتصار على أحد لأنه لم ينتصر في داخله. النصر الحقيقي في النفس النصر الحقيقي الذي يتبعه التمكين والنصر في واقع الحياة لا يمكن أن يبدأ إلا من داخل النف

              تعليق


              • الحج يحمل رسالة عالمية


                (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)78
                سورة الحج

                إن الآية الأخيرة تؤكد على عالمية الرسالة على عالمية الإسلام وشهادة المسلمين على الناس. ولنا أن نتساءل: ما دور الحج في قضية عالمية الرسالة؟
                الحج يحمل رسالة عالمية الحج يفترض فيه أن يقدم للعالم كل العالم حتى غير المسلمين يقدم لهم عنواناً وقصة حقيقية لهذا الدين لتعاون المسلمين لوقوفهم جنباً إلى جنب لتواضعهم لإصرارهم لانكسارهم وخضوعهم بين يدي الله المؤمن خاضع ذليل بين يدي ربه ولكنه قوي على أهل الباطل وأهله عزيز بإيمانه وليس ذليلاً لا يذل لأحد سوى خالقه لا يركع لأحد سوى خالقه لا يسجد لأحد سوى لربه سبحانه وتعالى تلك الجبهة التي تعلمت أن تسجد لخالقها لا تسجد للمخلوقين لا تتخذ المخلوقين أولياء من دون الله سبحانه لا نصرة ولا استعانة ولا ظناً بنفع أو بضر.

                هذه الجباه العظيمة التي تعلمت الإيمان
                (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ)
                رسالة الإسلام جاءت لتكون رسالة عالمية جاءت لتقدم للعالم القيم، جاءت لتقدم للعالم السلام جاءت لتقدم للعالم الشهادة على الناس. الشهداء على الناس في هذه الآية العظيمة هي تكليف، هي تكليف كبير للمسلمين أن يقوموا بدورهم وواجبهم ولذا فكل حاج ليتذكر وليستحضر هذا المعنى وليتذكر ويضع أمام عينيه أنه هو في حجه رسالة للعالم. فيا ترى بأي شكل ستُقدَّم هذه الرسالة؟ بأي مظهر ستقدم هذه الرسالة؟ ولذا كان عليّ أن أستحضر كل سلوك وكل تصرف أقوم به في الحج وفي غير الحج ولكن في الحج أولى في المشاعر المقدسة أولى عليّ حين تسوّل لي نفسي أن أرمي بورقة ولو حتى ورقة عليّ أن أمتنع عن ذلك علي أن أضع نصب عيني أني أنا من الشهداء على الناس أني أنا الحاج من أحمل رسالة الإسلام أنا من يقدم الإسلام للعالم فعلي أن أحسن التقديم وعلي أن أحسن العرض وعلى المسلمين جميعاً أن يجعلوا من الحج أبهى صورة جمالاً ونظافة ونزاهة وقداسة وروحانية وقبولاً على الله سبحانه وتعاوناً ومحبة فيما بينهم. فكل إساءة لا تعتبر مجرد إساءة فردية وإنما هي إساءة لهذا الدين العظيم، إساءة لعالمية الاسلام إساءة للقيمة الكبرى التي جاء بها الإسلام قيمة نشر هذا الدين ولذا جاءت الآية العظيمة
                (فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)

                ولذا على الحجيج في كل وقت وفي كل زمان أن يستحضروا الرسالة العظيمة والأمانة الكبيرة التي شرّفهم الله سبحانه وتعالى بحملها في موسم الحج عليهم أن يكونوا أمناء في إيصال هذه الأمانة أمناء في إبلاغ هذه الرسالة فعلاً وسلوكاً وتطبيقاً وعملاً. فالنبي صلى الله عليه وسلم الذي وقف ذلك الموقف ونادى بين الناس "اللهم هل بلّغت، اللهم فاشهد" قد بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة وحمل هذه الأمانة أمانة التكليف والتبليغ على أتم وجه وأكمله صلى الله عليه وسلم. وعلى عاتقنا اليوم تقع أمانة الرسالة وأمانة إيصال هذه الرسالة التي لا نريد أن نكون نحن المسلمين اليوم من يقف عائقاً وحائلاً بين العالم وبين رسالة الإسلام العظيمة من خلال تصرفات هوجاء أو من خلال سلوكيات شاذة لا تمت إلى ديننا بصلة، فديننا يدعو إلى كل جمال يدعو إلى التعاون يدعو إلى المحبة يدعو إلى النظافة يدعو إلى النزاهة يدعو إلى كل شيء جميل علينا أن نكون أمناء في إيصال رسالة الإسلام، علينا أن نكون أمناء في السير على ملة أبينا إبراهيم علينا أن نكون أمناء في إيصال كلمات الحق ليس من خلال الكلمات بل من خلال سلوك وأفعال.

                أسأل الله العظيم أن يبارك للحجيج في حجهم وأن يوفقهم لما يحبه ويرضاه وأن يبلِّغهم التقوى وأن يوصلهم إلى القلوب المخبتة الخاشعة الخاضعة لربها وأن يعينهم على أداء أمانة الحج وتكليف الحج ورسالة الحج وأسأل الله العظيم سبحانه أن يتقبل منهم وأن يجعلنا جميعاً ممن يعظم شعائر الله وأن يجعل هذا الموسم العظيم فاتحة خير ورشد وإيمان وبركة على المسلمين وعلى العالم بأسره
                والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


                تعليق



                • تدبر سورة الحديد

















                  المقدمه















                  حين تجفّ المآقي فلا تجود بدمعةٍ في جوف الليل من خشية الله، وحين يقسو القلب فينافس في قسوته وصلابته الحجر والحديد، حين تأخذنا الدنيا ببهرجتها الفارغة بعيداً عن مضمار السباق إلى الآخرة فنتخلّف عن السير حتى نغدو في آخر الرَكْب، تأتي هذه السورة العظيمة التي بين أيدينا لتنتشلنا من هذه الغفلة ومن هذه القسوة ومن ذاك الجفاء والبُعد عن الله عز وجل، إنها سورة الحديد.
                  تلك السورة التي حوت في آياتها بعض ما نزل في المدينة وبعض ما نزل في مكة. محور السورة الأساس الذي تدور حوله كل الآيات من أولها إلى آخرها معالجة تلك القسوة التي تحدثنا عنها في البداية معالجة مظاهر القسوة في القلوب.

                  سورة الحديد هي دعوة من الله عز وجل تحبُّباً لعباده للعودة إليه، تحبُّباً من خالق كريم غني حميد ولكنه رؤوف بعباده رحيم، يفتح أبواب التوبة والرحمة لعباده، يدعوهم، يتحبَّب إليهم أنْ هلُّموا إلي مهما إبتعدت بكم الدروب ومهما إختلفت الأحوال ومهما قست القلوب بل ومهما وصل بها الحال إلى حدّ الموت والصلابة والجمود تبقى أبواب التوبة التي تفتح سورة الحديد مشرعة أمامنا جميعاً للعودة إلى الله عز وجل ذلاً وانكساراً بين يديه، خشوعاً وتسبيحاً، إذعاناً لأمره ليخرج المؤمن من نفسه وماله لله عزّ وجل وحده لا شريك له. ليخرج من كل ما يمتلك تضحية وبذلاً وعطاءً لربٍّ كريم يرجو أن يجد عنده سبحانه وتعالى كل ما ترك من متاع الدنيا الزائل الذي في نهاية الأمر لن يأخذ معه من شيء.






                  هذه السورة العظيمة حين تتغلغل بآياتها في داخل القلب لتسكن فيه يُضيء القلب، ينير للإنسان دربه في الحياة، في الواقع الذي يعيش، في المجتمع، في الأسرة، في كل من حوله ليصبح هذا الإنسان المتحرِّك بأمر الله سبحانه وتعالى تسبيحاً وإذعاناً وخشوعاً لأمره وتنفيذاً لما جاء في هذه السورة مصدر نور وإشعاع لكل من حوله.

                  كل من يقترب من هذا الإنسان المؤمن يصيبه من ذاك النور شيء، يصيبه من ذلك الغيث شيء، يصيبه من ذلك الخير الذي يفيض والعطاء الذي يشعّ من قلبه وروحه بشيء. هذه السورة العظيمة تواصل بآياتها العظيمة النور وزرع النور وغرس النور في قلب المؤمن ليعود تلك الرحلة من رحلة القسوة والبعد عن الله عز وجل ليعود إلى خالقه من جديد فيبقى ذلك النور متواصلاً معه في مسيرته ودربه في الحياة ولا يفارقه أبداً ولا حتى بعد الممات ولا حتى في عَرَصات يوم القيامة ولا حتى في مقام الصراط، تلك المواقف العظيمة المهولة التي تأخذ بالألباب وبالعقول. يبقى النور مصاحباً لذلك المؤمن ليسعى بين يديه ويسعى من خلفه وعن أيمانهم وعن شمائلهم ليجعل كل من حوله يطمع في أن يصل إليه شيء من ذلك النور.




                  استشعر أثر التسبيح بقلبك





















                  نبدأ ببداية السورة العظيمة أول خطوة على ذلك الطريق ليعود القلب من جديد إلى خالقه يعيد عبادة من أعظم العبادت عبادة التسبيح وتدبروا معي ابتدأت السورة بقوله عز وجل
                  (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) سورة الحديد 1
                  التسبيح هنا ليس مجرد أن أقول "سبحان الله" بلساني وإن كان ذلك جزء منها ولكنه تسبيح يجتذب القلب من نواحي الغفلة التي قد علته إلى عالم جديد، يصبح ذلك القلب الغافل مُسَبِّحاً مع كل من حوله، كل شيء من حولنا يسبِّح الله عز وجل.












                  هذه حالة اليقظة التي تبدأ بها سورة الحديد توقظ النفوس توقظ القلوب تعيد القلوب من جديد التي كانت بعيدة عن خالقها تعيدها من جديد إلى خالقها كيف تعود؟
                  أول ناحية بعبادة التسبيح وليس كأي" تسبيح وإنما تسبيح يعيد الأمور إلى نصابها، تسبيح يعيد القلب البعيد عن الله عزّ وجل الصلد القاسي يعيده من جديد إلى خالقه. حين تُسبِّح الله استحضر أن الله سبحانه مُطّلع على ما في قلبك، وإذا كان ربي مطلع فماذا أفعل؟ على أن أنزه القلب وأطهر القلب على أن أستشعر وأنا أقول سبحان الله عظمة الله عز وجل في خلقه أستحضر المعاني والأسماء العظيمة الحسنى التي جاء ذكرها في بدايات السورة




                  (لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)




                  لا يدين قلبي باستشعار بملك أحد من الناس مهما بلغ ملكه ومهما بلغ جاهه ومهما بلغت قوته أنه يملك من الأمر شيئاً، لا يملك ولا شيء الملك الحق لله الواحد الأحد.





                  سبِّح بالقلب قبل أن تسبِّح باللسان

















                  تأتي الآيات بأسماء وصفات عظيمة من أسماء الله سبحانه وتعالى عزيز قوي لا يُغلَب، حكيم في أمره ومشيئه
                  (لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)
                  وهنا تبدأ المفاهيم يبدأ القلب حين يستحضر ويقف مع الآيات كلمة كلمة يبدأ القلب يعود من مرحلة ورحلة الغفلة والقسوة والبُعد عن الله عز وجل.

                  أنا حين يقسو قلبي أو أغفل عن الله عز وجل أغفل عنه لأجل مَنْ؟
                  أغفل عنه كيف ولماذا؟ وماذا وبماذا؟
                  وهو سبحانه





                  (لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ).





                  ماذا أريد حين أغفل؟

                  وستأتي السورة كما سنأتي عليها بتسلسل رائع معجز عجيب للوقوف على أسباب ذلك الداء، لماذا يتصلب القلب؟ لماذا يغفل عن ذكر الله؟ لماذا يقسو ذلك القلب؟ ويحلِّلها بتحليل من أعظم وأكثر الآيات والسور اعجازاً في كتاب الله وكل آيات ربي معجزة سبحانه وتعالى.

                  إن أردت شيئاً، مالاً، متاعاً من متاع الدنيا الزائل أو من عطاء الآخرة الباقي الذي لا يزول ولا يتغير ولا يتبدل ستجد كل ما تبحث عنه عند من؟





                  عنده سبحانه وتعالى الذي




                  (لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)




                  هل ما تطمح إليه وتتشوق نفسك إليه هل يخرج عن ملك السماوات والأرض شيء؟ مستحيل، ثم إنه سبحانه
                  (يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).




                  ما أبحث عنه في حياتي مهما بلغت قوة من انشغلت بهم عن الله سبحانه هل يملكون لي حياة؟ هل يملكون لي إماتة؟ هل يملكون لي نفساً من أنفاس الحياة حتى أُشغَل بهم عن الله سبحانه حتى أذهب معهم بعيداً عن خالقي سبحانه وتعالى؟! ثم من الذي يملك القدرة على الفعل؟ من الذي يملك القدرة على كل شيء؟







                  إذاً التسبيح لم يعد مجرد كلمات باللسان، التسبيح أصبح هنا عبادة قلبية وأعظم أنواع العبادات عبادات القلوب، تلك العبادات التي غفلنا عنها، تلك العبادات التي شُوِّهت صورة العبادات حين فرَّغنا العبادة من شكلها الحقيقي من شكلها في القلب لنجعلها مجرد مظاهر ومجرد طقوس وهي ليست كذلك.











                  ولذا الإمام أحمد ابن حنبل رحمة الله عليه يقول: سيأتي زمان على الناس يصلّون فيه وهم لا يصلّون أقف بين يدي الله وأقرأ الفاتحة وأركع وأسجد وأفعل كل أعمال الصلاة الظاهرة التي أمرني بها الله سبحانه وتعالى ولكنها أعمال مفرّغة كالتسبيح تماماً عبادة من أعظم أنواع العبادات.




                  التسبيح من أعظم أنواع العبادات ولكن متى؟






                  حين يسبِّح القلب قبل أن يسبِّح اللسان قبل أن تتحرك الشفاه بكلمات التسبيح تستحضر معاني هذه الأسماء العظيمة تتعبد الله سبحانه بأسمائه:





                  أول، آخر، ظاهر، باطن، بكل شيء عليم إذاً هذه المرحلة الأولى



                  معية الله نوعان





















                  (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)
                  تدبروا معي كم مرة ذُكِرت مسألة العلم، لماذا؟
                  ربي سبحانه وتعالى في هذه الآيات العظيمة الست آيات الأولى يكرس في نفس ذلك القلب الغافل أن الله سبحانه محيط بكل شيء، علمه بتصرفاتنا، بأفعالنا، بغفلتنا، بعودتنا، بكل شيء علم دقيق يحصي علينا كل شيء.

                  القلب حين يغفل مجرد غفلة شعور ربما اللسان يتحرك بذكر الله ولكن القلب لاهي، القلب غافل، ربما أقرأ وأتلوا آيات الكتاب، ربما أقف بين يدي الله عز وجل في الصلاة ولكن القلب غافل ساهي في وادي آخر من وديان الدنيا من الذي يعلم بكل هذا؟ من الذي يعلم بسكنات ذلك القلب؟ من الذي يدري بخلجات النفوس؟
                  الله سبحانه.

                  ولذلك تأملوا كم مرة جاءت في الآيات
                  (وهو بكل شيء عليم) (بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)
                  آيات توقِظ فيَّ مراقبة الله عز وجل.
                  (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)














                  ومعية الله عز وجل على نوعين:






                  المعية الأولى معية عامةفهو سبحانه مع عباده بما يليق بجلاله بعلمه وبإحاطته واطلاعه ومراقبته لأعمالهم ومشاعرهم وخلجات نفوسهم وخواطرهم وما يحدثون به أنفسهم ليلاً أو نهاراً في كل شيء هذه هي المعية العامة.
                  المعية الثانية هي معية خاصة معيّة الله مع عباده توفيقاً وتأييداً ونصرة لهم.
                  والنوعين المعية الأول المعية العامة والمعية الخاصة كلا النوعين قد جاء ذكرهما في هذه السورة ولكن العظيم أن المعية الخاصة معية الله عز وجل لعباده نصرة وتأييداً وحفظاً كما جاء على لسان النبي صلى الله عليه وسلم يوم أن قال لصاحبه: "لا تحزن إن الله معنا" معية خاصة تأييد حفظ توفيق نصر فتح من الله عز وجل معية خاصة لا ينالها المؤمن وقطعاً لا ينالها، بعيدة عن منال القلب الغافل القاسي الذي اختط" طريقاً ودرباً له بعيداً عن خالقه سبحانه، يُحرَم من هذه المعية ولا يمكن أن ترجع وتعود المعية الخاصة لهذا العبد إلا إذا إستشعر واستحضر وعاش المعيّة العامة بمعنى آخر أن السورة منذ بداياتها بدأت توقظ القلب، تشعره بأي شيء؟
                  أن انتبه عليك أن تدرك تماماً أن الله معك معية عامة مطلع على أفعالك
                  (بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).




                  الإنفاق تصديق لمعاني الإيمان
















                  (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7))الحديد





                  (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ)


                  إذاً عرفت فالزم، عرفتَ أن هناك علاقة تربطك بخالقك وأن ما من شيء في الكون الذي تعيش فيه لا صغير ولا كبير ولا شجر ولا ورقة ولا أخضر ولا يابس ولا ملك ولا سيّد ولا عبد ولا أحد يخرج عن أمره سبحانه وبدأت بالتسبيح لخالقك والعودة إلى خالقك من جديد لا تقف مرحلة الإيمان عند هذا الحد، لا، لا بد أن تنتقل إلى مرحلة جديدة، ما هي هذه المرحلة؟





                  تحقيق مفهوم التسبيح والعودة لله عز وجل في واقع الحياة،



                  (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ)



                  إيمان حقيقي إيمان صحيح أنه هو تصديق بالقلب ولكن تصدقه الجوارح في واقع الحياة تصدقه أفعالك تصدقه السلوك الذي تتعامل به مع الآخرين، الأخلاق، القيم، المبادئ، المثل التي تكون وراء حركتك في واقع الحياة ثم العجيب وفي نفس الآية أول ما تبدأ




                  (وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ)




                  بدأت الآيات بعد قضية الإيمان مباشرة بقضية الإنفاق ولماذا الإنفاق؟




                  الإنفاق تصديق لمعاني الإيمان التي تحدثنا عنها قبل قليل. آمنت بالله عز وجل، أدركت وأيقنت تماماً أن الله سبحانه وتعالى له ملك السماوات والأرض، أبدأ بالتطبيق، أبدأ بالبذل، أبدأ بالعطاء، أبدأ بتطبيق أوامر الله عز وجل كما جاءت في كتابه وأولها الإنفاق. سورة الحديد هذه السورة العظيمة التي بين أيدينا واحد من أهم محاورها البذل والعطاء. المؤمن لا يمكن أن يكون بخيلاً، المؤمن لا يمكن أن يبخل بشيء على هذا الإيمان الذي قد توقّد في قلبه وفي نفسه يبذل كل شيء والبذل والإنفاق والعطاء هنا لا يختصّ بمال صحيح بعض الآيات ستأتي علينا محددة بموضوع المال ولكن أول آية من أيات رب العالمين قال فيها




                  (وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ)



                  كل ما نمتلكه، مواهب، جوارح، عين، يد، قدم، كل ما أمتلكه، كل ما وهبني إياه الله سبحانه وتعالى أنا مستخلف فيه هذه مجرد عارية. ربي سبحانه وتعالى أنعم عليَّ بهذه النعم لينظر كيف أعمل لينظر كيف يكون إستخلافي وتحقيق مفهوم الخلافة على هذه الأرض. ربي سبحانه جعل الإنسان في مرحلة الحياة في رحلة الحياة التي نعيش جعله خليفة قال



                  (إني جاعل في الأرض خليفة)


                  وهذا الخليفة زوّده ربي سبحانه وتعالى بكل الطاقات بكل المواهب بكل الجوارح، لديك عين، لديك عينان، لديك يد، لديك قدم، لديك كل ما وهبك الله ماذا فعلت به؟ كيف حققت أوامر الله عز وجل ولذا جاءت نهاية الآية


                  (فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ)



                  إيمان بدون إنفاق، إيمان بدون بذل، إيمان بدون تضحية، إيمان بدون عطاء هذا ليس بإيمان، هذا إيمان سيقودني كما ستأتي عليَّ الآيات في سورة الحديد إلى حتى الوقوع في مرحلة النفاق والعياذ بالله.




                  هذا إيمان لايمكن أن يحرك في ساكناً، هذا إيمان لا يمكن أن يحقق دعوة الأنبياء التي جاء التركيز عليها في هذه السورة العظيمة في أكثر من موضع.



                  الإنفاق تصديق لمعاني الإيمان







                  (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7)) الحديد


                  (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ)



                  إذاً عرفت فالزم، عرفتَ أن هناك علاقة تربطك بخالقك وأن ما من شيء في الكون الذي تعيش فيه لا صغير ولا كبير ولا شجر ولا ورقة ولا أخضر ولا يابس ولا ملك ولا سيّد ولا عبد ولا أحد يخرج عن أمره سبحانه وبدأت بالتسبيح لخالقك والعودة إلى خالقك من جديد لا تقف مرحلة الإيمان عند هذا الحد، لا، لا بد أن تنتقل إلى مرحلة جديدة، ما هي هذه المرحلة؟


                  تحقيق مفهوم التسبيح والعودة لله عز وجل في واقع الحياة،



                  (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ)



                  إيمان حقيقي إيمان صحيح أنه هو تصديق بالقلب ولكن تصدقه الجوارح في واقع الحياة تصدقه أفعالك تصدقه السلوك الذي تتعامل به مع الآخرين، الأخلاق، القيم، المبادئ، المثل التي تكون وراء حركتك في واقع الحياة ثم العجيب وفي نفس الآية أول ما تبدأ




                  (وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ)



                  بدأت الآيات بعد قضية الإيمان مباشرة بقضية الإنفاق ولماذا الإنفاق؟



                  الإنفاق تصديق لمعاني الإيمان التي تحدثنا عنها قبل قليل. آمنت بالله عز وجل، أدركت وأيقنت تماماً أن الله سبحانه وتعالى له ملك السماوات والأرض، أبدأ بالتطبيق، أبدأ بالبذل، أبدأ بالعطاء، أبدأ بتطبيق أوامر الله عز وجل كما جاءت في كتابه وأولها الإنفاق. سورة الحديد هذه السورة العظيمة التي بين أيدينا واحد من أهم محاورها البذل والعطاء. المؤمن لا يمكن أن يكون بخيلاً، المؤمن لا يمكن أن يبخل بشيء على هذا الإيمان الذي قد توقّد في قلبه وفي نفسه يبذل كل شيء والبذل والإنفاق والعطاء هنا لا يختصّ بمال صحيح بعض الآيات ستأتي علينا محددة بموضوع المال ولكن أول آية من أيات رب العالمين قال فيها


                  (وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ)


                  كل ما نمتلكه، مواهب، جوارح، عين، يد، قدم، كل ما أمتلكه، كل ما وهبني إياه الله سبحانه وتعالى أنا مستخلف فيه هذه مجرد عارية. ربي سبحانه وتعالى أنعم عليَّ بهذه النعم لينظر كيف أعمل لينظر كيف يكون إستخلافي وتحقيق مفهوم الخلافة على هذه الأرض. ربي سبحانه جعل الإنسان في مرحلة الحياة في رحلة الحياة التي نعيش جعله خليفة قال


                  (إني جاعل في الأرض خليفة)


                  وهذا الخليفة زوّده ربي سبحانه وتعالى بكل الطاقات بكل المواهب بكل الجوارح، لديك عين، لديك عينان، لديك يد، لديك قدم، لديك كل ما وهبك الله ماذا فعلت به؟ كيف حققت أوامر الله عز وجل ولذا جاءت نهاية الآية


                  (فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ)


                  إيمان بدون إنفاق، إيمان بدون بذل، إيمان بدون تضحية، إيمان بدون عطاء هذا ليس بإيمان، هذا إيمان سيقودني كما ستأتي عليَّ الآيات في سورة الحديد إلى حتى الوقوع في مرحلة النفاق والعياذ بالله. هذا إيمان لايمكن أن يحرك في ساكناً، هذا إيمان لا يمكن أن يحقق دعوة الأنبياء التي جاء التركيز عليها في هذه السورة العظيمة في أكثر من موضع.


                  يتبع

                  تعليق

                  يعمل...
                  X