:LLL:
الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية
بقلم : الدكتور زغلـول النجـار
ولا تقـربوا الزنـا إنه كان فاحشـة وسـاء سـبيلا*
هذه الآية الكريمة جاءت في نهايات الثلث الأول من سورة الإسراء, وهي سورة مكية, وآياتها(111) بعد البسملة, وقد سميت بهذا الاسم لاستهلالها بالإشارة الي معجزة الإسراء والمعراج التي أكــرم الله ـ تعـــالي ـ بها خــاتم أنبيائه ورســله ـ صلي الله عليه وسلم ـ بما لم ينله مخلوق من قبل ولا من بعد.
ويدور المحور الرئيسي لسورة الإسراء حول العقيدة الاسلامية ـ شأنها في ذلك شأن كل السور المكية ـ ومن ركائز تلك العقيدة الإيمان بالله ـ تعالي ـ وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر, وتنزيه الله ـ سبحانه وتعالي ـ عن الشريك, والشبيه والمنازع, والصاحبة والولد, لأن هذه كلها من صفات المخلوقين, والخالق منزه عن جميع صفات خلقه, وعن كل وصف لايليق بجلاله. وقد سبق لنا عرض سورة الإسراء وماجاء فيها من ركائز العقيدة, وقواعد الشريعة, والإشارات الكونية, وأقوال عدد من المفسرين في شرح دلالة الآية الكريمة رقم(32) منها, ولذلك أقصر حديثي هنا علي الدلالات اللغوية العلمية والتشريعية لهذه الآية الكريمة.
من الدلالات اللغوية لألفاظ الآية الكريمة.
في قوله ـ تعالي ـ:( ولاتقربوا الزنا) أمر بالابتعاد عن جميع مقدمات الزنا من التبرج والمبالغة في إبداء الزينة, والاختلاط مع غير المحارم في غير ضرورة, والخلوة غير الشرعية, والخضوع المتكلف في القول, وعدم غض البصر, والنهي عن مجرد الاقتراب من هذه الجريمة البشعة ـ ألا وهي جريمة الزنا ـ هو أبلغ من النهي الوقوع فيها.
و( الزنا) هو وطء المرأة من غير عقد شرعي.
يقال:( زنا)( يزني) زني), و( زناء) أي فجر.
ويقال:( زاني)( مزاناة) و( زناء) بمعني فعل الفجور والفحش.
وقد أشار القرآن الكريم إلي هذه الفاحشة في تسعة مواضع منها:
(1) ما ينزه عباد الرحمن عن الوقوع في هذه الجريمة النكراء وفي ذلك بقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ:
والذين لايدعون مع الله إلها آخر ولايقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولايزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما* يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا* إلا من تاب وآمن وعملا عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما*.ى(الفرقان:68 ـ70).
(2) ومنها مانزل من هداية الله ـ تعالي ـ لعباده أمرا بالبعد عن جميع مقدمات الزنا فيقول ـ عز من قائل ـ وسط سلسلة من الأوامر الربانية: ولاتقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا* (الإسراء:32)
(3) ومنها ماجاء حكما لجريمة الزنا في سورة النور وذلك بقول ربنا ـ وهو أحكم الحاكمين:
الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولاتأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين* الزاني لاينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لاينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك علي المؤمنين* والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولاتقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون* إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم* (النور:2 ـ5)
وبالإضافة إلي هذه الأحكام القرآنية القاطعة فإن رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ ينفي صفة الإيمان عن الزاني وذلك بقوله الشريف, لايسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن, ولايشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن, ولايزني الزاني حين يزني وهو مؤمن, ولكن أبواب التوبة معروضة( البخاري, وأبو داود, وابن ماجة).
وعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال ـ صلي الله عليه وسلم ـ: يامعشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن, وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتي يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا.. ( ابن ماجه).
من الدلالات العلمية والتشريعية للآية الكريمة
{ أولا: من الأضرار الصحية للزنا:
تعتبر خلايا التناسل أثمن الخلايا في جسم الإنسان لأنها تحمل المخزون الوراثي من لدن أبينا آدم ـ عليه السلام ـ وحتي قيام الساعة; ومن هنا كان واجب المحافظة عليها, وعدم التفريط فيها بوضعها في غير مواضعها الشرعية.. ومن هنا أيضا كانت إرادة الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ في جعل المناطق الجنسية من أكثر مناطق الجسد حساسية وعرضة للأمراض إذا لم يحافظ عليها بعناية شديدة, ومن أخطر مايصيبها الصلات غير المشروعة بكل صورها وأشكالها وهيئاتها, ومايتولد عنها من أمراض فتاكة تدمر الجسد تدميرا, ومن هنا كانت حكمة تحريم الزنا وجعله من الكبائر.
ومن الأمراض التي تنتشر بين الزناة مايلي:
(1) مرض الزهري
(VENEREALDISEASE): ويظهر علي هيئة قروح جلدية خاصة في الأعضاء التناسلية وحولها, وفي الشفاه وبين الأصابع وفي الأغشية المخاطية بالجسم.
ويصاحب ذلك بآلام في المفاصل وبالصداع الشديد خاصة عند النساء اللائي يضطرب عندهن الحيض, ويتساقط الشعر من بقع متفرقة من الرأس والحاجبين, وتتشقق الأظافر. ويتطور هذا المرض ليصل الي الأجهزة الداخلية بالجسم من مثل الكبد والجهاز الهضمي, والعقد البلعمية فيلهبها ويؤدي الي إنتشار الأورام المدمرة للأنسجة, والي ظهور التدرنات الجلدية المختلفة, والتهابات المفاصل والعضلات, وتشوه العظام, وتدمير الجهاز العصبي والمخ. وقد يصاب المريض باليرقان والاستسقاء في البطن, وإلي عدد من الالتهابات في أماكن مختلفة من الجسم تنتهي بكوارث من مثل فقد البصر وغيره من الحواس, وتشوهات القلب والأوردة والشرايين, التي قد تفضي بالمصاب إلي القبر بعد معاناة وآلام لاتطاق.
وقد تنتقل هذه الأمراض الي النسل, فليس هناك احتمال لولادة طفل سليم من أم مصابة بمرض الزهري أو من أب يحمل مسببات هذا المرض.
(2) مرض السيلان(Gonorrhea): ويصيب هذا المرض الجهاز البولي ـ التناسلي بالتهابات شديدة تؤدي الي إفراز قيح مخاطي مع البول, وقد تنتقل جرثومة المرض بلمس المريض أو لمس بعض ملابسه أو حاجياته. وهذا المرض قد ينتهي بالمريض الي العقم الكامل بعد سلسلة من الالتهات المؤلمة في الجهاز البولي ـ التناسلي قد تنتقل الي بقية أجهزة الجسم, وتعاني المرأة المصابة بهذا المرض من مضاعفاته الجسدية والنفسية أضعاف أضعاف معاناة الرجل خاصة عندما تصل الإصابة الي الجلد وتؤدي الي تشوهات عديدة به, أو إلي العينين فتصيبهما بالعمي, أو الي الأجنة في بطون الأمهات المصابات فيؤدي ذلك إلي تشوهات خلقية عديدة, ومن أخطار هذا المرض كمونه بمعني عدم ظهور الأعراض الخارجية له مباشرة, وجراثيمه كامنة في داخل جسد المصاب ينقلها إلي غيره دون علمه.
(3) مرض الحلأ أو التقرحات الفيروسيةHerpes: ويعرف هذا المرض أيضا باسم الحمة الحلئيةHerpesvirus ويصيب الجهاز البولي التناسلي بالتهابات مصحوبة بنزول سوائل بيضاء أو صفراء كريهة الرائحة تلطخ الملابس الداخلية للمصابين. وتؤدي إلي زحف البثور الناتجة عن هذه الالتهابات لتنتشر علي الجلد وتتحول بالهرش الي جروح شديدة الإيلام.
وفيروسات المرض تنتقل بالعدوي, ومن أخطارها أنها تهاجم الأعصاب وتتسبب في تدميرها, فإذا وصلت الي النخاع الشوكي تسببت في التهاب السحايا, وإذا وصلت الي المخ قد تؤدي الي الموت. ولايوجد لهذا المرض علاج ناجع الي اليوم, حيث إن كل الأدوية المقترحة تخفف من الآلام الناتجة عنه فقط علي المدي الطويل من التداوي دون القضاء تماما علي فيروسه الذي يظل كامنا بجسم المصاب, وقد يؤدي الي سرطانات الجهاز البولي التناسلي مثل سرطانات الرحم, البروستاتا( الموثة) وغيرها.
ومن أخطار هذا المرض أنه سريع الانتقال بالعدوي من إنسان لآخر بشكل مباشر, لأنه لا يصيب إلا الانسان, وإذا وصلت فيروساتهHSV1,HSV2 الي الجلد فإنها تتكاثر بسرعة مذهلة, ومن أخطاره أيضا قدرة فيروساته علي الإختباء في داخل جسم المصاب فلا يصلها تأثير المضادات الحيوية بسهولة. ومن أخطار هذا المرض كذلك إمكانية إصابة الأجنة في بطون الأمهات المصابات أثناء عبورها لمنطقة عنق الرحم, فيولد المولود فاقد البصر, أو مشوه الخلقة أو مدمر المخ.
ومع الفوضي الجنسية التي تجتاح عالم اليوم خاصة بين المراهقين من الشبان والشابات تحت مسمي الحرية الشخصية, والتي ساعدت علي استعارها البحوث الطبية بتوفير وسائل وأدوية منع الحمل والسماح بالإجهاض في أغلب الدول غير المسلمة مما شجع علي ممارسة الجنس في سن مبكرة فلا يكاد الشاب أو الشابة يصل الي سن العشرين إلا ويكون قد أصيب بأحد الأمراض الجنسية التي استقرت في جسده أو جسدها من الأمراض الجنسية التي انتشرت مؤخرا كانتشار النار في الهشيم. والمصاب بها يدخل في دوامة من العلل الجسدية ومن أبرزها العقم, وأمراض نقص المناعة والأورام السرطانية العديدة, والأمراض النفسية التي قد يصعب التخلص منها, ومن صورها القلق, والتوتر النفسي, والاضطراب السلوكي, والعوارض العصابية, والانهيارات النفسية وغيرها.
(4) مرض القرح اللين: ويظهر علي هيئة إصابات موضعية في الجلد والعقد البلغمية المجاورة خاصة في الأعضاء التناسلية, ويظهر علي هيئة بثور صغيرة متعددة تتقرح بسرعة وتفرز مواد قيحية, نتنة ودماء وقد تمتد لتصيب مساحات كبيرة من الجلد فتسبب آلاما مبرحة فيه, وقد تتطور هذه التقرحات الي التليف والتشوه مما يحتاج أحيانا الي التدخل الجراحي.
(5) أمراض النمو الحبيبي التقرحي: ويظهر علي هيئة تقرحات حبيبية أو حويصلية تصيب مساحات كبيرة من الجلد وماتحته والأغشية المخاطية وماتحتها خاصة في الأعضاء التناسلية وماحولها إلي أعلي الفخذين وأسفل البطن, ويصاحب هذه التقرحات إفرازات منتنة من الدماء والصديد. وعند التئام تلك القرح تترك وراءها تليفات وندبا كبيرة مشوهة للغاية.يصعب علاجها حتي بالتدخل الجراحي.
(6) أمراض النمو البلعمي الالتهابي: ويظهر علي هيئة حويصلة أو عدد من الحويصلات في جلد المناطق التناسلية يتجمع داخلها سوائل سرعان ماتتقيح وتتحول إلي تورمات مؤلمة ناتجة عن التهاب وتضخم الغدد البلعمية. ويكون التورم عادة في عقد متفردة تتجمع لتصبح كتلة واحدة تشكل خراجا أو عددا من الخراجات تتحول إلي ناسور يفرز صديدا نتنا مختلطا بالدم, يصبح مركزا للآلام الشديدة, وقد يتحول إلي تشوهات خلقية عديدة. ويصاحب هذا المرض عادة بشئ من ارتفاع درجة حرارة الجسم, والتعرق, والغثيان, والرغبة في التقيؤ, وآلام في الظهر والمفاصل, وانسداد في الشهية, ونقص في الوزن وشعور بالإنحلال العام في الجسم. خاصة إذا وصلت الالتهابات إلي السحايا الدماغية, أو تحولت إلي عدد من الأورام السرطانية.
(7) أمراض نقص المناعة( الإيدز):
AcquiredImmuneDeficiencySyndromeA.I.D.S
وهو أحدث وأخطر الأمراض التي تنتقل بواسطة العلاقات الجنسية المحرمة, ويسببه مايعرف باسم فيروس نقص المناعة في الإنسانHumanImmunodeficiencyVirus=(H.I.V.)
ويعرف بأنه فيروس انقلابيRetrovirus وهو من مسببات الأمراض التي لم تكتشف إلا في سنة1983 م, وهذا الفيروس الانقلابي لايحيا إلا في سوائل الجسم من مثل الدم, والليمف والإفرازات التناسلية, وهو لايستطيع العيش خارج جسم الإنسان لمدد طويلة, ولذلك فإنه لاينتقل إلا بالممارسات الجنسية غير المشروعة, أو عن طريق نقل الدم.
ومن أخطار فيروس نقص المناعة كمونه في داخل الجسم وعدم ظهور أعراضه إلا بعد فترات تطول إلي عشر سنوات, وإن كان بعض المرضي قد يموتون بعد شهور قليلة من بداية ظهور أعراض المرض.
ومن أخطار هذا الفيروس أنه يدمر الجهاز المناعي للجسم ويدعه عرضة للإصابة بالأمراض, ويهاجم كلا من الجهاز الهضمي, والتنفسي والعصبي, كما يهاجم الأجنة في بطون أمهاتها المصابة بفيروس المرض. ويصيب المريض بالإسهال المزمن الذي يؤدي الي جفاف الجسم وهزاله.
كما قد ينتقل المرض إلي الجهاز التنفسي فيصيبه بالتهابات عديدة قد تنتهي بالتدرن الرئوي( السل), ويتسبب مرض نقص المناعة في العديد من سرطانات الجلد وأمراضه, ويهاجم الجهاز العصبي المركزي مما يؤدي الي أمراض عصبية ونفسية مختلفة, وقد يصل الي المخ فيصيبه بالالتهابات والأورام التي تنتهي بالخرف أو الموت, هذا فضلا عن الإصابة بالعقم عند الجنسين وبالآلام المبرحة في مختلف أجزاء الجسم.
ولايوجد علاج حقيقي لهذا المرض بعد أنفقت الولايات المتحدة وحدها(118 بليون) دولار علي مدي عشرين سنة في محاولة للوصول الي مصل مضاد لفيروس نقص المناعة أو واق للأجنة في أرحام الأمهات المصابات به دون جدوي. وتقدر منظمة الصحة العالمية عدد المصابين بهذا المرض العضال في سنة2000 م بما يتراوح بين(30 مليونا),(40 مليون) فرد, وقد تضاعف هذا العدد في هذه الأيام أضعافا كثيرة.
وبالإضافة إلي هذه الأمراض السبعة الخطيرة هناك أكثر من سبعين مرضا وعارضا مرضيا آخر تنقلها العلاقات الجنسية غير المشروعة, وأغلب هذه الأمراض تسببها فيروسات, وأنواع البكتريا, والفطريات, والطفيليات التي وهبها الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ القدرة علي مقاومة المضادات الحيوية التي تعالج بواسطتها. وصدق الله العظيم إذ يقول في الفاسقين: ولنذيقنهم من العذاب الأدني دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون* ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون* (السجدة:22,21).
{ ثانيا: الأضرار الأخلاقية لجريمة الزنا:
تدمر جريمة الزنا كل الأخلاق في المجتمعات التي تنتشر فيها فتغيب الفضائل وتسود الفواحش, ويتلاشي الحياء, وينتهي الوفاء, وتنقلب الموازين, ويسود الفساد ويمحي التراحم بين الناس, الذين لا يتحاكمون إلا بالكذب والخيانة, والوقاحة والخديعة, والغدر والجريمة, ولا تسيرهم إلا شهواتهم الدونية, ورغباتهم الحيوانية, ونفوسهم الوضيعة, وأفكارهم الساقطة, وعقولهم المنحطة, وقلوبهم الميتة, التي يتحكم فيها شياطين الإنس والجن تحكما كاملا شاملا, ومجتمع هذا شأنه مآله إلي الدمار مهما طال به الأجل,
وأفراده غارقون في بحار من التعاسة الفردية والجماعية تعجز الألفاظ عن تصويرها.
{ ثالثا: الأضرار الاجتماعية لجريمة الزنا:
مع انتشار جريمة الزنا تتفكك العلاقات الأسرية, وتهون الأعراض, وتختلط الأنساب, وتشتعل العداوات, وتزداد الخلافات, ويكثر أبناء الحرام, ويتشردون بين الناس, وترتفع معدلات الجريمة, وتضيع الحقوق, وتكثر الأمراض النفسية والعضوية, وتنتشر بين الناس أسباب البغضاء والكراهية, وتتلاشي من قلوبهم الغيرة والحمية, وينمحي الإحساس بالعار والشعور بالذنب, فتكثر المعاصي وتنتشر, ويسود الشعور بالدونية, وتنتشر الأمراض النفسية والاجتماعية المختلفة.
{ رابعا: الأضرار الاقتصادية لجريمة الزنا:
لجريمة الزنا من الأضرار الاقتصادية علي مستوي الأفراد والجماعات ما لا يكاد العقل يتصوره, وتكفي في ذلك الإشارة إلي ما ينفقه الزاني من أجل قضاء شهوته في الحرام, وأعداد المومسات ممن لا عمل لهن سوي الغرق في الرذائل والمعاصي, وهي طاقات معطلة في أي مجتمع تنتشر فيه هذه الجريمة وتعتمد فيه العاهرات علي دخلهن من الحرام.
كما تكفي الإشارة إلي ما تنفقه الدول في علاج المصابين بالأمراض الجنسية, وعلي اللقطاء من أبناء الزنا, وعلي الأيتام والمقعدين الذين أنتجتهم هذه الجريمة, وهو عبء حقيقي علي كواهل الدول الغنية, وتدمير حقيقي لاقتصاد الدول الفقيرة.
وتكفي الإشارة كذلك إلي أعداد المصابين بعاهات تقعد عن العمل ممن وقعوا فريسة للأمراض الجنسية, وهم كذلك عبء حقيقي علي ميزانيات دولهم وعلي دافعي الضرائب في مجتمعاتهم, وعلي ذويهم.
وتكفي الإشارة إلي ظاهرة المساكنة التي انتشرت في الغرب أخيرا بشكل ملحوظ وفيها يتعايش الصديقان معايشة الزوجية الكاملة بغير أدني رباط رسمي, وسرعان ما تنفض هذه العلاقة لأدني الأسباب وأبسطها, بعد أن تكون قد خلفت من التبعات ما يثقل كاهل الدولة.
كما تكفي الإشارة إلي ظاهرة الأطفال الذين ترعاهم أم دون أب, أو أب دون أم, وأعدادهم في تزايد مستمر مع الأيام, وتكاليف إعاشتهم تثقل كاهل الدول الكبري, وتؤدي إلي كوارث اقتصادية واجتماعية في دول العالم الثالث.
من هنا كانت روعة التشريع الإسلامي بتحريم مجرد الاقتراب من مقدمات الزنا, وقد نجح الإسلام في تطهير مجتمعاته من دنس هذه الجريمة, بينما غرقت الدول غير المسلمة في وحل الزنا إلي آذانها بدعوي الحرية الشخصية..!! فالحمد لله علي نعمة الإسلام, والحمد لله علي نعمة القرآن, والحمد لله علي بعثة الرسول الخاتم ـ صلوات الله وسلامه عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين ـ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية
بقلم : الدكتور زغلـول النجـار
ولا تقـربوا الزنـا إنه كان فاحشـة وسـاء سـبيلا*
هذه الآية الكريمة جاءت في نهايات الثلث الأول من سورة الإسراء, وهي سورة مكية, وآياتها(111) بعد البسملة, وقد سميت بهذا الاسم لاستهلالها بالإشارة الي معجزة الإسراء والمعراج التي أكــرم الله ـ تعـــالي ـ بها خــاتم أنبيائه ورســله ـ صلي الله عليه وسلم ـ بما لم ينله مخلوق من قبل ولا من بعد.
ويدور المحور الرئيسي لسورة الإسراء حول العقيدة الاسلامية ـ شأنها في ذلك شأن كل السور المكية ـ ومن ركائز تلك العقيدة الإيمان بالله ـ تعالي ـ وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر, وتنزيه الله ـ سبحانه وتعالي ـ عن الشريك, والشبيه والمنازع, والصاحبة والولد, لأن هذه كلها من صفات المخلوقين, والخالق منزه عن جميع صفات خلقه, وعن كل وصف لايليق بجلاله. وقد سبق لنا عرض سورة الإسراء وماجاء فيها من ركائز العقيدة, وقواعد الشريعة, والإشارات الكونية, وأقوال عدد من المفسرين في شرح دلالة الآية الكريمة رقم(32) منها, ولذلك أقصر حديثي هنا علي الدلالات اللغوية العلمية والتشريعية لهذه الآية الكريمة.
من الدلالات اللغوية لألفاظ الآية الكريمة.
في قوله ـ تعالي ـ:( ولاتقربوا الزنا) أمر بالابتعاد عن جميع مقدمات الزنا من التبرج والمبالغة في إبداء الزينة, والاختلاط مع غير المحارم في غير ضرورة, والخلوة غير الشرعية, والخضوع المتكلف في القول, وعدم غض البصر, والنهي عن مجرد الاقتراب من هذه الجريمة البشعة ـ ألا وهي جريمة الزنا ـ هو أبلغ من النهي الوقوع فيها.
و( الزنا) هو وطء المرأة من غير عقد شرعي.
يقال:( زنا)( يزني) زني), و( زناء) أي فجر.
ويقال:( زاني)( مزاناة) و( زناء) بمعني فعل الفجور والفحش.
وقد أشار القرآن الكريم إلي هذه الفاحشة في تسعة مواضع منها:
(1) ما ينزه عباد الرحمن عن الوقوع في هذه الجريمة النكراء وفي ذلك بقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ:
والذين لايدعون مع الله إلها آخر ولايقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولايزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما* يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا* إلا من تاب وآمن وعملا عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما*.ى(الفرقان:68 ـ70).
(2) ومنها مانزل من هداية الله ـ تعالي ـ لعباده أمرا بالبعد عن جميع مقدمات الزنا فيقول ـ عز من قائل ـ وسط سلسلة من الأوامر الربانية: ولاتقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا* (الإسراء:32)
(3) ومنها ماجاء حكما لجريمة الزنا في سورة النور وذلك بقول ربنا ـ وهو أحكم الحاكمين:
الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولاتأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين* الزاني لاينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لاينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك علي المؤمنين* والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولاتقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون* إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم* (النور:2 ـ5)
وبالإضافة إلي هذه الأحكام القرآنية القاطعة فإن رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ ينفي صفة الإيمان عن الزاني وذلك بقوله الشريف, لايسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن, ولايشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن, ولايزني الزاني حين يزني وهو مؤمن, ولكن أبواب التوبة معروضة( البخاري, وأبو داود, وابن ماجة).
وعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال ـ صلي الله عليه وسلم ـ: يامعشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن, وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتي يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا.. ( ابن ماجه).
من الدلالات العلمية والتشريعية للآية الكريمة
{ أولا: من الأضرار الصحية للزنا:
تعتبر خلايا التناسل أثمن الخلايا في جسم الإنسان لأنها تحمل المخزون الوراثي من لدن أبينا آدم ـ عليه السلام ـ وحتي قيام الساعة; ومن هنا كان واجب المحافظة عليها, وعدم التفريط فيها بوضعها في غير مواضعها الشرعية.. ومن هنا أيضا كانت إرادة الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ في جعل المناطق الجنسية من أكثر مناطق الجسد حساسية وعرضة للأمراض إذا لم يحافظ عليها بعناية شديدة, ومن أخطر مايصيبها الصلات غير المشروعة بكل صورها وأشكالها وهيئاتها, ومايتولد عنها من أمراض فتاكة تدمر الجسد تدميرا, ومن هنا كانت حكمة تحريم الزنا وجعله من الكبائر.
ومن الأمراض التي تنتشر بين الزناة مايلي:
(1) مرض الزهري
(VENEREALDISEASE): ويظهر علي هيئة قروح جلدية خاصة في الأعضاء التناسلية وحولها, وفي الشفاه وبين الأصابع وفي الأغشية المخاطية بالجسم.
ويصاحب ذلك بآلام في المفاصل وبالصداع الشديد خاصة عند النساء اللائي يضطرب عندهن الحيض, ويتساقط الشعر من بقع متفرقة من الرأس والحاجبين, وتتشقق الأظافر. ويتطور هذا المرض ليصل الي الأجهزة الداخلية بالجسم من مثل الكبد والجهاز الهضمي, والعقد البلعمية فيلهبها ويؤدي الي إنتشار الأورام المدمرة للأنسجة, والي ظهور التدرنات الجلدية المختلفة, والتهابات المفاصل والعضلات, وتشوه العظام, وتدمير الجهاز العصبي والمخ. وقد يصاب المريض باليرقان والاستسقاء في البطن, وإلي عدد من الالتهابات في أماكن مختلفة من الجسم تنتهي بكوارث من مثل فقد البصر وغيره من الحواس, وتشوهات القلب والأوردة والشرايين, التي قد تفضي بالمصاب إلي القبر بعد معاناة وآلام لاتطاق.
وقد تنتقل هذه الأمراض الي النسل, فليس هناك احتمال لولادة طفل سليم من أم مصابة بمرض الزهري أو من أب يحمل مسببات هذا المرض.
(2) مرض السيلان(Gonorrhea): ويصيب هذا المرض الجهاز البولي ـ التناسلي بالتهابات شديدة تؤدي الي إفراز قيح مخاطي مع البول, وقد تنتقل جرثومة المرض بلمس المريض أو لمس بعض ملابسه أو حاجياته. وهذا المرض قد ينتهي بالمريض الي العقم الكامل بعد سلسلة من الالتهات المؤلمة في الجهاز البولي ـ التناسلي قد تنتقل الي بقية أجهزة الجسم, وتعاني المرأة المصابة بهذا المرض من مضاعفاته الجسدية والنفسية أضعاف أضعاف معاناة الرجل خاصة عندما تصل الإصابة الي الجلد وتؤدي الي تشوهات عديدة به, أو إلي العينين فتصيبهما بالعمي, أو الي الأجنة في بطون الأمهات المصابات فيؤدي ذلك إلي تشوهات خلقية عديدة, ومن أخطار هذا المرض كمونه بمعني عدم ظهور الأعراض الخارجية له مباشرة, وجراثيمه كامنة في داخل جسد المصاب ينقلها إلي غيره دون علمه.
(3) مرض الحلأ أو التقرحات الفيروسيةHerpes: ويعرف هذا المرض أيضا باسم الحمة الحلئيةHerpesvirus ويصيب الجهاز البولي التناسلي بالتهابات مصحوبة بنزول سوائل بيضاء أو صفراء كريهة الرائحة تلطخ الملابس الداخلية للمصابين. وتؤدي إلي زحف البثور الناتجة عن هذه الالتهابات لتنتشر علي الجلد وتتحول بالهرش الي جروح شديدة الإيلام.
وفيروسات المرض تنتقل بالعدوي, ومن أخطارها أنها تهاجم الأعصاب وتتسبب في تدميرها, فإذا وصلت الي النخاع الشوكي تسببت في التهاب السحايا, وإذا وصلت الي المخ قد تؤدي الي الموت. ولايوجد لهذا المرض علاج ناجع الي اليوم, حيث إن كل الأدوية المقترحة تخفف من الآلام الناتجة عنه فقط علي المدي الطويل من التداوي دون القضاء تماما علي فيروسه الذي يظل كامنا بجسم المصاب, وقد يؤدي الي سرطانات الجهاز البولي التناسلي مثل سرطانات الرحم, البروستاتا( الموثة) وغيرها.
ومن أخطار هذا المرض أنه سريع الانتقال بالعدوي من إنسان لآخر بشكل مباشر, لأنه لا يصيب إلا الانسان, وإذا وصلت فيروساتهHSV1,HSV2 الي الجلد فإنها تتكاثر بسرعة مذهلة, ومن أخطاره أيضا قدرة فيروساته علي الإختباء في داخل جسم المصاب فلا يصلها تأثير المضادات الحيوية بسهولة. ومن أخطار هذا المرض كذلك إمكانية إصابة الأجنة في بطون الأمهات المصابات أثناء عبورها لمنطقة عنق الرحم, فيولد المولود فاقد البصر, أو مشوه الخلقة أو مدمر المخ.
ومع الفوضي الجنسية التي تجتاح عالم اليوم خاصة بين المراهقين من الشبان والشابات تحت مسمي الحرية الشخصية, والتي ساعدت علي استعارها البحوث الطبية بتوفير وسائل وأدوية منع الحمل والسماح بالإجهاض في أغلب الدول غير المسلمة مما شجع علي ممارسة الجنس في سن مبكرة فلا يكاد الشاب أو الشابة يصل الي سن العشرين إلا ويكون قد أصيب بأحد الأمراض الجنسية التي استقرت في جسده أو جسدها من الأمراض الجنسية التي انتشرت مؤخرا كانتشار النار في الهشيم. والمصاب بها يدخل في دوامة من العلل الجسدية ومن أبرزها العقم, وأمراض نقص المناعة والأورام السرطانية العديدة, والأمراض النفسية التي قد يصعب التخلص منها, ومن صورها القلق, والتوتر النفسي, والاضطراب السلوكي, والعوارض العصابية, والانهيارات النفسية وغيرها.
(4) مرض القرح اللين: ويظهر علي هيئة إصابات موضعية في الجلد والعقد البلغمية المجاورة خاصة في الأعضاء التناسلية, ويظهر علي هيئة بثور صغيرة متعددة تتقرح بسرعة وتفرز مواد قيحية, نتنة ودماء وقد تمتد لتصيب مساحات كبيرة من الجلد فتسبب آلاما مبرحة فيه, وقد تتطور هذه التقرحات الي التليف والتشوه مما يحتاج أحيانا الي التدخل الجراحي.
(5) أمراض النمو الحبيبي التقرحي: ويظهر علي هيئة تقرحات حبيبية أو حويصلية تصيب مساحات كبيرة من الجلد وماتحته والأغشية المخاطية وماتحتها خاصة في الأعضاء التناسلية وماحولها إلي أعلي الفخذين وأسفل البطن, ويصاحب هذه التقرحات إفرازات منتنة من الدماء والصديد. وعند التئام تلك القرح تترك وراءها تليفات وندبا كبيرة مشوهة للغاية.يصعب علاجها حتي بالتدخل الجراحي.
(6) أمراض النمو البلعمي الالتهابي: ويظهر علي هيئة حويصلة أو عدد من الحويصلات في جلد المناطق التناسلية يتجمع داخلها سوائل سرعان ماتتقيح وتتحول إلي تورمات مؤلمة ناتجة عن التهاب وتضخم الغدد البلعمية. ويكون التورم عادة في عقد متفردة تتجمع لتصبح كتلة واحدة تشكل خراجا أو عددا من الخراجات تتحول إلي ناسور يفرز صديدا نتنا مختلطا بالدم, يصبح مركزا للآلام الشديدة, وقد يتحول إلي تشوهات خلقية عديدة. ويصاحب هذا المرض عادة بشئ من ارتفاع درجة حرارة الجسم, والتعرق, والغثيان, والرغبة في التقيؤ, وآلام في الظهر والمفاصل, وانسداد في الشهية, ونقص في الوزن وشعور بالإنحلال العام في الجسم. خاصة إذا وصلت الالتهابات إلي السحايا الدماغية, أو تحولت إلي عدد من الأورام السرطانية.
(7) أمراض نقص المناعة( الإيدز):
AcquiredImmuneDeficiencySyndromeA.I.D.S
وهو أحدث وأخطر الأمراض التي تنتقل بواسطة العلاقات الجنسية المحرمة, ويسببه مايعرف باسم فيروس نقص المناعة في الإنسانHumanImmunodeficiencyVirus=(H.I.V.)
ويعرف بأنه فيروس انقلابيRetrovirus وهو من مسببات الأمراض التي لم تكتشف إلا في سنة1983 م, وهذا الفيروس الانقلابي لايحيا إلا في سوائل الجسم من مثل الدم, والليمف والإفرازات التناسلية, وهو لايستطيع العيش خارج جسم الإنسان لمدد طويلة, ولذلك فإنه لاينتقل إلا بالممارسات الجنسية غير المشروعة, أو عن طريق نقل الدم.
ومن أخطار فيروس نقص المناعة كمونه في داخل الجسم وعدم ظهور أعراضه إلا بعد فترات تطول إلي عشر سنوات, وإن كان بعض المرضي قد يموتون بعد شهور قليلة من بداية ظهور أعراض المرض.
ومن أخطار هذا الفيروس أنه يدمر الجهاز المناعي للجسم ويدعه عرضة للإصابة بالأمراض, ويهاجم كلا من الجهاز الهضمي, والتنفسي والعصبي, كما يهاجم الأجنة في بطون أمهاتها المصابة بفيروس المرض. ويصيب المريض بالإسهال المزمن الذي يؤدي الي جفاف الجسم وهزاله.
كما قد ينتقل المرض إلي الجهاز التنفسي فيصيبه بالتهابات عديدة قد تنتهي بالتدرن الرئوي( السل), ويتسبب مرض نقص المناعة في العديد من سرطانات الجلد وأمراضه, ويهاجم الجهاز العصبي المركزي مما يؤدي الي أمراض عصبية ونفسية مختلفة, وقد يصل الي المخ فيصيبه بالالتهابات والأورام التي تنتهي بالخرف أو الموت, هذا فضلا عن الإصابة بالعقم عند الجنسين وبالآلام المبرحة في مختلف أجزاء الجسم.
ولايوجد علاج حقيقي لهذا المرض بعد أنفقت الولايات المتحدة وحدها(118 بليون) دولار علي مدي عشرين سنة في محاولة للوصول الي مصل مضاد لفيروس نقص المناعة أو واق للأجنة في أرحام الأمهات المصابات به دون جدوي. وتقدر منظمة الصحة العالمية عدد المصابين بهذا المرض العضال في سنة2000 م بما يتراوح بين(30 مليونا),(40 مليون) فرد, وقد تضاعف هذا العدد في هذه الأيام أضعافا كثيرة.
وبالإضافة إلي هذه الأمراض السبعة الخطيرة هناك أكثر من سبعين مرضا وعارضا مرضيا آخر تنقلها العلاقات الجنسية غير المشروعة, وأغلب هذه الأمراض تسببها فيروسات, وأنواع البكتريا, والفطريات, والطفيليات التي وهبها الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ القدرة علي مقاومة المضادات الحيوية التي تعالج بواسطتها. وصدق الله العظيم إذ يقول في الفاسقين: ولنذيقنهم من العذاب الأدني دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون* ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون* (السجدة:22,21).
{ ثانيا: الأضرار الأخلاقية لجريمة الزنا:
تدمر جريمة الزنا كل الأخلاق في المجتمعات التي تنتشر فيها فتغيب الفضائل وتسود الفواحش, ويتلاشي الحياء, وينتهي الوفاء, وتنقلب الموازين, ويسود الفساد ويمحي التراحم بين الناس, الذين لا يتحاكمون إلا بالكذب والخيانة, والوقاحة والخديعة, والغدر والجريمة, ولا تسيرهم إلا شهواتهم الدونية, ورغباتهم الحيوانية, ونفوسهم الوضيعة, وأفكارهم الساقطة, وعقولهم المنحطة, وقلوبهم الميتة, التي يتحكم فيها شياطين الإنس والجن تحكما كاملا شاملا, ومجتمع هذا شأنه مآله إلي الدمار مهما طال به الأجل,
وأفراده غارقون في بحار من التعاسة الفردية والجماعية تعجز الألفاظ عن تصويرها.
{ ثالثا: الأضرار الاجتماعية لجريمة الزنا:
مع انتشار جريمة الزنا تتفكك العلاقات الأسرية, وتهون الأعراض, وتختلط الأنساب, وتشتعل العداوات, وتزداد الخلافات, ويكثر أبناء الحرام, ويتشردون بين الناس, وترتفع معدلات الجريمة, وتضيع الحقوق, وتكثر الأمراض النفسية والعضوية, وتنتشر بين الناس أسباب البغضاء والكراهية, وتتلاشي من قلوبهم الغيرة والحمية, وينمحي الإحساس بالعار والشعور بالذنب, فتكثر المعاصي وتنتشر, ويسود الشعور بالدونية, وتنتشر الأمراض النفسية والاجتماعية المختلفة.
{ رابعا: الأضرار الاقتصادية لجريمة الزنا:
لجريمة الزنا من الأضرار الاقتصادية علي مستوي الأفراد والجماعات ما لا يكاد العقل يتصوره, وتكفي في ذلك الإشارة إلي ما ينفقه الزاني من أجل قضاء شهوته في الحرام, وأعداد المومسات ممن لا عمل لهن سوي الغرق في الرذائل والمعاصي, وهي طاقات معطلة في أي مجتمع تنتشر فيه هذه الجريمة وتعتمد فيه العاهرات علي دخلهن من الحرام.
كما تكفي الإشارة إلي ما تنفقه الدول في علاج المصابين بالأمراض الجنسية, وعلي اللقطاء من أبناء الزنا, وعلي الأيتام والمقعدين الذين أنتجتهم هذه الجريمة, وهو عبء حقيقي علي كواهل الدول الغنية, وتدمير حقيقي لاقتصاد الدول الفقيرة.
وتكفي الإشارة كذلك إلي أعداد المصابين بعاهات تقعد عن العمل ممن وقعوا فريسة للأمراض الجنسية, وهم كذلك عبء حقيقي علي ميزانيات دولهم وعلي دافعي الضرائب في مجتمعاتهم, وعلي ذويهم.
وتكفي الإشارة إلي ظاهرة المساكنة التي انتشرت في الغرب أخيرا بشكل ملحوظ وفيها يتعايش الصديقان معايشة الزوجية الكاملة بغير أدني رباط رسمي, وسرعان ما تنفض هذه العلاقة لأدني الأسباب وأبسطها, بعد أن تكون قد خلفت من التبعات ما يثقل كاهل الدولة.
كما تكفي الإشارة إلي ظاهرة الأطفال الذين ترعاهم أم دون أب, أو أب دون أم, وأعدادهم في تزايد مستمر مع الأيام, وتكاليف إعاشتهم تثقل كاهل الدول الكبري, وتؤدي إلي كوارث اقتصادية واجتماعية في دول العالم الثالث.
من هنا كانت روعة التشريع الإسلامي بتحريم مجرد الاقتراب من مقدمات الزنا, وقد نجح الإسلام في تطهير مجتمعاته من دنس هذه الجريمة, بينما غرقت الدول غير المسلمة في وحل الزنا إلي آذانها بدعوي الحرية الشخصية..!! فالحمد لله علي نعمة الإسلام, والحمد لله علي نعمة القرآن, والحمد لله علي بعثة الرسول الخاتم ـ صلوات الله وسلامه عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين ـ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.