مواقف للخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم
في قوة إيمانهم واعتمادهم على الله
3- مواقف للخليفة الراشد أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
ومن أمثلة هذه المواقف ما يلي:
*- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: لَمْ يَمُتْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَمْ يَمُتْ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 144][3].
ب*- عندما قاتل أبو بكر الصديق رضي الله عنه المرتدين لمنعهم الزكاة، وهي حادثة معروفة، ومشهورة، ومروية في كتب الحديث، قَـالَ أَبُـو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فإن الزكاة حق المال، وَاللَّهِ لَـوْ مَنَعُونِي عقالًا كَانُوا يُؤَدُّونَه إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِه. قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَوَ اللَّهِ مَا هـُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَـدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْـرٍ للقِتَالِ فَعَـرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ[4].
ج- في قصة الإسراء والمعراج، عندما أتى إليه مشركو مكة، فقالوا: هل لك في صاحبك؟ يزعم أنه أُسري به في الليل إلى بيت المقدس، قال: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: لئن كان قال ذلك لقد صدق، قالوا: وتصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس، وجاء قبل أن يصبح؟ قال: نعم، إني لأصدقه بما هو أبعد من ذلك: أصدقه بخبر السماء في غدوة أو رَوحة[5].
د- لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ - وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثمائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا - فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَـا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ[6].
هـ- عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، أَنْ نَتَصَدَّقَ، فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي، فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَـالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ قُلْتُ: مِثْلَهُ، قَالَ: وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قُلْتُ: لَا أُسَابِقُـكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا[7].
4- مواقف للخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
ومن أمثلة هذه المواقف ما يلي:
أ*- عَنْ عَبْدَاللَّهِ بْنَ هِشَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَـرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِـنْ نَفْسِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِـنْ نَفْسِكَ، فَقَالَ لَهُ عُمـَرُ: فَإِنَّهُ الْآنَ وَاللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْآنَ يَا عُمَرُ[8].
ب*- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَاقَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ عَلَى صَوْتِهِ - فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قُمْنَ فَبَادَرْنَ الْحِجَابَ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ عُمَرُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلَاءِ اللَّاتِي كُنَّ عِنْدِي، فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الْحِجَابَ، فَقَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: يَا عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ، أَتَهَبْنَنِي وَلَا تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَ: نَعَمْ أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِيهًا يَا بْنَ الْخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا قَطُّ إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ[9].
ج- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ، أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ، فَقَرَأَهُ على النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَغَضِبَ، فَقَالَ: أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا بْنَ الْخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ، فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي[10].
د- خطب عمر رضي الله عنه فقال: ألا لا تغالوا في صدقات النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله، لكان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصدق قط امرأة من نسائه، ولا من بناته، فوق اثنتي عشرة أوقية، فقامت إليه امرأة، فقالت: يا عمر، يعطينا الله وتحرمنا! أليس الله تعالى يقول: ﴿ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ﴾ [النساء: 20]؟ فقال عمر: أصابت امرأة وأخطأ عمر، وفي رواية: فأطرق عمر، ثم قال: كل الناس أفقهُ منك يا عمر! [11].
هـ- كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعس بالمدينة، فإذا امرأة تقول لابنتها: قومي إلى ذلك اللبن، فامذقيه بالماء، فقالت: يا أمتاه، نادى منادي عمر رضي الله عنه: لا يشاب اللبن بالماء، فقالت لها: يا بنتاه قومي فامذقيه، فإنك في موضـع لا يراك عمـر، ولا منادي عمر، فقـالت الصبية: ما كنت أطيعـه في الملأ، وأعصيه في الخلاء، وعمر يسمع كل ذلك، فجمع ولده وقال: فيكم من يحتاج إلى امرأة أزوِّجه؟ ولو كان بأبيكم حركة إلى النساء، ما سبقه منكم أحـد إلى هذه الجارية، فزوَّجهـا من عاصم[12].
5- موقف للخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه:
عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ عُثْمَانُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَلْفِ دِينَارٍ، حِينَ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ، فَيَنْثُرُهَا فِي حِجْرِهِ، قَالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ: فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَلِّبُهَا فِي حِجْرِهِ وَيَقُولُ: مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ، مَرَّتَيْنِ[13].
قوله: (فنثرها)؛ أي: وضع الدنانير متفرقات، (في حِجره) بكسر الحاء وفتحها؛ أي: في حضنه صلى الله عليه وسلم، (يقلِّبها)؛ أي: الدنانير، (ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم)؛ أي: فلا على عثمان بأسُ الذي عَمِلَ بعد هذه من الذنوب، فإنها مغفورة مكفرة[14].
- موقف دار بين الصحابيين الجليلين عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهما، عندما خرج عمر رضي الله عنه إلى الشام، وأُخْبِر بأن الطاعون بأرضها، ثم رجع عمر، ولم يواصل مسيره إلى الشام، فقال له أبو عبيدة رضي الله عنه: "أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ؟! نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ"[15].
الحاشية
[3] ( ابن ماجه، سنن ابن ماجه، حديث رقم: 1627).
[4] ( النسائي، سنن النسائي، حديث رقم: 2445 ).
[5] ( البيهقي، دلائل النبوة، حديث رقم: 652).
[6] ( مسلم، صحيح مسلم، حديث رقم: 4588 ).
[7] ( أبو داود، سنن أبي داود، حديث رقم: 1678 ).
[8] ( البخاري، صحيح البخاري، حديث رقم: 6632).
[9] ( البخاري، صحيح البخاري، حديث رقم: 3683).
[10] ( ابن حنبل، المسند، حديث رقم: 14623).
[11] ( القرطبي، الجامع لأحكام القرآن الكريم، ج 5، ص 99).
[12] ( ابن منظور، مختصر تاريخ دمشق، ج 8، 395 ).
[13] ( الترمذي، سنن الترمذي، حديث رقم: 3701 ).
[14] ( المباركفوري، تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، ج 10، ص 133 ).
[15] ( البخاري، صحيح البخاري، حديث رقم: 5729).
تعليق