السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عشر وقفات بعد رمضان - للشيخ محمد المُنجّد (حفظه الله )
كرّرتها للفائدة هنا ..
الأولى: من الذي استفاد من رمضان يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"وقال:"من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"وقال:"من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".
فمغفرة الذنوب بهذه الأسباب الثلاثة كل واحد منها مكفر لما سلف من الذنوب وهي صيام رمضان وقيامه وقيام ليلة القدر فمتى تحصل المغفرة والتكفير قيام ليلة القدر بمجرده يكفر الذنوب لمن وقعت له وأصابها سواء شعر بها أم لم يشعر أما صيام رمضان وقيامه فيتوقف التكفير بهما على تمام الشهر .
فإذا تم الشهر فقد كمل للمؤمن صيام رمضان وقيامه فيترتب على ذلك مغفرة ما تقدم من ذنبه ومن نقص من العمل الذي عليه نقص له من الأجر بحسب نقصه فلا يلومن إلا نفسه،
الصلاة مكيال والصيام مكيال فمن وفاها وفى الله له ومن طفف فيهما فويل للمطففين أما يستحي من يستوفي مكيال شهواته ويطفف في مكيال صيامه وصلاته فإذا كان الويل لمن طفف في مكيال الدنيا (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ*الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ*وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) (المطففين)
فكيف حال من طفف مكيال الدين (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) (الماعون) وهذا الويل لمن طفف فكيف حال من فرط بالكلية؟
كيف حال من لم يقم ولم يصم وهم أعداد ممن ينتسبون إلى الإسلام ألم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم -:"من أدركه رمضان فلم يغفر له فأبعده الله"وقالها جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال له قل آمين فقلت:آمين"من أدركه رمضان فلم يغفر له فأبعده الله"
دعاء عليه بالإبعاد عن رحمة الله والطرد عنها لأن ذلك الشهر قد مر ولم يستفد منه لأن ذلك الموسم العظيم قد حصل ولم ينهل منه ولم ينتهز الفرصة فتبا له إذا كان لم ينتهز الفرصة العظيمة فهو إهمال لما أدنى منه من باب أولى فإذا فرط في رمضان فتفريطه في غير رمضان من باب أولى فلذلك أبعده الله لأنه لا يستحق أجره ولا يستحق الرحمة ولا المغفرة ولا شك أيها المسلمون انه حصل منا تطفيف في الصيام والقيام وانه حصل منا إخلال في آداب الصوم الواجبة والمستحبة لقد حصل منها تفريط وهذا ما يدفعنا للوقفة الثانية.
الوقفة الثانية: توبة المقصر في صيامه وصلاته والاستغفار عما مضى من الإخلال والتفريط في حق الله - تعالى- وحق ذلك الشهر الذي انقضى ولم نستفد منه كما ينبغي والاستغفار هو الدعاء بالمغفرة .
وقد جاء في دعاء أبو هريرة"يغفر فيه إلا لمن أبى"قالوا يا أبا هريرة ومن أبى قال: من أبى أن يستغفر الله عز وجل،
قال الحسن - رحمه الله - أكثروا من الاستغفار فإنكم لا تدرون متى تنزل الرحمة،
وقال واحد ممن مضى لولده: يا بني عود لسانك الاستغفار فإن لله ساعات لا يرد فيهن سائلا،
وقد جمع الله بين التوحيد والاستغفار في قوله عز وجل (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ..) (محمد:19) فعطف هذا على هذا مبينا أهمية.
قال إبليس أهلك الناس بالذنوب وأهلكوني بلا اله إلا الله .
والاستغفار ختام الأعمال الصالحة كلها فتختم به الصلاة والحج وقيام الليل وتختم به المجالس فإن كانت مجالس ذكر كان كالطابع عليها وإن كانت مجالس لغو كانت كفارة لما حصل فيها كذلك ينبغي أن يختم صيام رمضان بالاستغفار،
كتب عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - إلى الأمصار يأمرهم بختم شهر رمضان بالاستغفار والصدقة صدقة الفطر فإن صدقة الفطر طهره للصائم من اللغو والرفث والاستغفار يرفع ما حدث من الخروق في الصيام باللغو والرفث.
وقال بعض أهل العلم: إن صدقة الفطر للصائم كسجدتي السهو،
وقال عمر بن عبد العزيز في كتباه: قولوا كما قال أبوكم آدم (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (لأعراف:23) وقولوا كما قال نوح عليه السلام (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (هود:47) وقولوا كما قال إبراهيم - عليه السلام-: (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) (الشعراء:82) وقولوا كما قال موسى عليه السلام (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ..) (القصص:16) وقولوا كما قال ذو النون عليه السلام (.. لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (الأنبياء:87) .
صيامنا هذا يحتاج إلى استغفار نافع وعلم صالح له شافع كم تخرق من صيامنا بسهام الكلام ثم نرقعه وقد اتسع الخرق على الراقع كم نرفو خروقه بمخيط الحسنات ثم نقطعه بحسام السيئات القاطع،
وكان بعض السلف إذا صلى صلاة استغفر من تقصيره فيها كما يستغفر المذنب من ذنبه إذا كان هذا حال المحسنين في عباداتهم فكيف حال المسيئين؟،
أنفع الاستغفار ما قارنته التوبة والاستغفار حل عقدة الإصرار على الذنب فمن استغفر بلسانه وقلبه عن المعصية زالت ومن كان عزمه أن يرجع إلى المعاصي بعد رمضان ويعود فهذا صدقه غير موجود وباب القبول عنه مسدود وصومه عليه مردود يصوم ويقوم ويتابع على المعاصي كيف يكون ذلك فالمهم أيها المسلمون أن نكثر من الاستغفار بعد هذا الشهر على لله أن يتجاوز عن إسرافنا وتفريطنا وما حصل منها من المعاصي والسيئات في ذلك الشهر الذي تعظم فيه السيئة لفضله وشرفه.
الوقفة الثالثة:لقد مضت الأعمال و الصيام والقيام والزكاة والصدقة وختم القران والدعاء والذكر وتفطير الصائم وأنواع البر التي حصلت والعمرة التي قام بها كثير لكن هل تقبلت أم لا؟
هل قبل العمل أم لا؟ يقول الله - تعالى-(..إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (المائدة:27)
كان السلف الصالح يجتهدون في إكمال العمل وإتمامه وإتقانه ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله ويخافون من رده (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ..) (المؤمنون:60)
يعطي ويخشى أن لا يقبل منه يتصدق ويخشى أن ترد عليه يصوم ويقوم ويخشى أن لا يكتب له الأجر.
قال بعض السلف كانوا لقبول العمل اشد منه اهتماما بالعمل ذاته .
ألم تسمعوا قول الله عز وجل (..إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) وغير المتقين ما هو حالهم ؟
وعن فضالة ابن عبيد قال لأن أن أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبة من خردل أحب إلي من الدنيا وما فيها لأن الله يقول (..إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)،
يقول بعضهم لو اعلم إن الله تقبل مني ركعتين لا أهتم بعدها لأنه يقول (..إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) .
وقال عبد العزيز بن أبي رواد - رحمه الله -: أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح فإذا فعلوه وقع عليهم الهم أيقبل منهم أم لا؟،
وكان بعض السلف يقول في آخر ليلة من رمضان:يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه ومن هذا المحروم فنعزيه،
أيها المقبول هنيئا لك أيها المردود جبر الله مصيبتك، فإذا فاته ما فاته من خير رمضان فأي شيء يدرك ومن أدركه فيه الحرمان فماذا يصيب كم بين حظه فيه القبول والغفران ومن حظه فيه الخيبة والخسران، أيها المسلمون من علامات التقوى الامتناع عن الفسق بعد رمضان الذي يخشى على عمله ولا يدري هل قبل منه أم لا؟ يجتهد في العبادة ويواصل في الطاعة والذي يظن أنه عمل حسنات أمثال الجبال فلا يهمه بعد ذلك ويقول عندي رصيد وساعة لربك وساعة لقلبك وهذه هي الوقفة الرابعة.
الوقفة الرابعة:المواصلة على العمل بعد رمضان مواصلة الطاعة والعبادة بعد رمضان
عباد الله أن الذي يتقي الله حق تقاته يواصل على الطاعة والعبادة والله - تعالى- لما ذكر صفات المؤمنين لم يقيدها بوقت ولم يخصها بزمان .
قال: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ*الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) (المؤمنون) خاشعون دائما (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) (المؤمنون:3) ليسوا معرضون في رمضان فقط (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ) (المؤمنون:4) متى ما دار الحول يزكي في رمضان أو في غيره وبعض الناس إذا حال الحول في رمضان زكى ويهمل الزكاة في الأموال التي يحول عليها الحول في غير رمضان فانتبهوا لهذه المسألة (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) (المؤمنون:5) ليس في رمضان فقط في غير رمضان أيضا (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً) (الفرقان:63) دائما يكون هكذا مشيهم وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما هكذا هم في العادة (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً) (الفرقان:64).
هم باستمرار يفعلون ذلك وليس في قيام رمضان فقط، وهكذا في سائر صفات المؤمنين.
والسبب إننا مطالبون بالعمل إلى الموت بأمر من الله - تعالى- مرسوم رسمه الرب وأمر صدر من الرب وقال الله - تعالى-: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر:99) واليقين هو الموت وقال الله - تعالى-: (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ..) (مريم:65) فلا بد من الصبر والمصابرة على الطاعة .
وهذه وقفة مهمة جدا في قضية الاستمرار على الطاعة ولعله لهذا السبب شرع لنا صيام الست من شوال بعد رمضان حتى لا تنقطع العبادة الجميلة وهي عبادة الصيام
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من صام ست أيام بعد الفطر كانت تمام السنة"(مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا..) (الأنعام:160)
هكذا يقول الله - تعالى- وفي رواية جعل الله الحسنة بعشر أمثالها وفي رواية شهر بعشرة أشهر وفي رواية صيام شهر رمضان بعشر أشهر وصيام الست أيام بشهرين فذلك صيام السنة، وفضل الله عظيم وكرمه واسع وهباته مستمرة وعطاؤه لا ينقطع ولكن أين العاملون؟ ومن فعل ذلك دائما فكأنما صام عمره له أجر صيام الدهر.
الوقفة الخامسة: عدم الاغترار بما حصل من الطاعات،
بعض الناس اجتهدوا فعلا صاموا وحفظوا جوارهم وختموا القرآن وبعضهم أكثر من مره وعملوا عمره في رمضان وصلوا التراويح وصلوا قيام رمضان كله من أوله إلى آخره، وفعلوا ما فعلوا من الصدقات وقدموا ما قدموا وجلسوا في المساجد من بعد الفجر إلى ارتفاع الشمس وبعد الصلاة يقرؤون القرآن وقبل الصلاة ينتظرون الصلاة حصلت عبادات كثيرة لكن إذا كانت النفس سيئة والطبع متعفا فإن كثرة العبادة لا تنفع فالشيطان يوسوس ويقول لقد فعلت أشياء كثيرة وطاعات عظيمة خرجت من رمضان بحسنات أمثال الجبال فرصيدك في غاية الارتفاع صحائف حسناتك مملوءة فلا عليك بعد ذلك ما عملت ويصاب بالغرور والعجب وتمتلئ نفسه فخرا ولكن آية من كتاب الله تمحو ذلك كله وتوقفه عند حده وتبين له حقيقة الأمر
وهي قول الله - تعالى-: (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) (المدثر:6) أتمن على الله أتظن أنك فعلت له هذه الأشياء تكون أنت قد قدمت له أشياء عظيمة تظنها خدمة من خدمات البشر (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) لا تمن على الله بعملك لا تفخر لا تغتر ولا تصاب بالعجب (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ)
وتتخيل أن أعمالك كثيرة فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال في الحديث الحسن: "لو أن رجلا يجر على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت هرما في مرضاة الله - تعالى- لحقره يوم القيامة "
لجاء يوم القيامة فرآه قليلا ضعيفا حقيرا لا يساوي شيئا فإنه لو قارنه بنعمة واحدة من النعم كنعمة البصر أو كغيرها لصار هذا قليلا لا يساوي شيئا لم يكد يعمل شيئا و لذلك فإن الناس لا يدخلون الجنة بأعمالهم وإنما يدخلونها برحمة الله - تعالى- ليست الأعمال ثمنا للجنة لكنها سبب لدخول الجنة فالذي لا يعمل صالحا لا يدخل الجنة فهي سبب لكنها ليست الثمن فبدون رحمة الله الأعمال لا تؤهل لدخول الجنة بل ولا تسديد حق نعمة واحده من النعم، ونذكر أيضا بأن الاستمرار في العبادة والطاعة مع وجوبهما فذلك لا يعني أن يكلف الإنسان نفسه ما لا يطيق"خذوا من العبادة ما تطيقون فإن الله لا يسأم حتى تسأموا"حديث صحيح.
الوقفة السادسة: لا يشترط أن نكون بعد رمضان كما كنا في رمضان فنحن نعلم أن ذلك موسم عظيم لا يأتي بعده مثله إلا رمضان الذي بعده لا يأتي شهر فيه خيرات ومغفرة ورحمة وعتق كما في هذا الشهر الذي انصرم فنحن لا نقول كونوا كما كنتم في رمضان من الاجتهاد فالنفس لا تطيق ذلك لكن لا للانقطاع عن الأعمال؛ الخطورة في الانقطاع فلابد من أخذ الأمور بواقعية ليس المطلوب أن نكون بعد رمضان كما كنا في رمضان كان ذلك شهر اجتهاد له ظرف ووضع خاص لكن الانقطاع عن الأعمال لا ترك الصيام بالكلية لا ترك القيام بالكلية لا ترك ختم القرآن بالكلية لا ترك الدعاء والذكر والصدقة والعمرة لا استمروا على العمل ولو كان أقل مما كان في رمضان ثم إن الله سبحانه و- تعالى- إذا كان العبد مواصلا على عمله لو أصابه عارض لو مرض لو سافر يكتب له من الأجر مثل ما كان يعمل صحيحا مقيما وجاء في الحديث "إذا مرض العبد قال الله للكرام الكاتبين اكتبوا لعبدي مثل الذي كان يعمل حتى اقبضه أو أعافيه"حديث صحيح إذا هذه من فوائد المواصلة على الطاعة والعبادة.
الوقفة السابعة: الاستمرار على العبادة والطاعة سبب من أسباب حسن الخاتمة
كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله"قالوا: كيف يستعمله؟ قال:"يوفقه لعمل قبل الموت ثم يقبضه عليه"
فإذا كان من الصالحين كانت عبادته حسنة وكذلك فإن عبادتنا لله - عز وجل- في جميع الأوقات والأحيان سواء في السراء أو الضراء في رمضان أو غير رمضان في أوقات الرخاء والشدة في أوقات المحنة والنعمة إذا كانت مستمرة فإن الأجر يعظم،
"عبادة في الهرج والفتنة كهجرة إليك"كما قال النبي - صلى الله علي وسلم- العبادة في أوقات الفتن واختلاط الأمور أجرها كأجر المجاهد في سبيل الله - تعالى-
عندما لا يشجع الجو على العبادة عندما يرجع الناس إلى فتورهم بعد رمضان عندما تقوم أنت بالعبادة لا شك أن لك أجرا عظيما عندما فتر الناس أنت نشطت عندما تقاعس الناس أنت تقدمت عندما تخلفوا أنت تقدمت، أيها المسلمون إن هنا مفهوما عظيما وهو أن العبادة هي أصل في حياتنا إنها ليست قضية طارئة وليست مؤقتة فهي ليست محدده بزمان أو مكان إنها مستمرة من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله شاب نشأ على طاعة الله - تعالى-.
الوقفة الثامنة: أن الذين دخلوا رمضان بالمعاصي وخرجوا من رمضان بالمعاصي لم يستفيدوا شيئا قال الله - تعالى-: (وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ) (المائدة:61)
قال ابن كثير - رحمه الله - هذه صفة المنافقين وقد دخلوا عندك يا محمد بالكفر ثم خرجوا من عندك والكفر كامل فيها لم ينتفعوا بما سمعوا لم يفد فيهم العلم ولم تنجح فيهم المواعظ والزواجر .
فالذين دخلوا رمضان وخرجوا مثل ما كانوا قبل رمضان أو أسوأ تنطبق عليهم هذه الآية دخلوا رمضان بالمعاصي وخرجوا بالمعاصي بعد رمضان رجعوا إلى ما كانوا فيه من المنكرات لم يستفيدوا من رمضان رمضان لم يورث توبة عندهم ولا استغفارا ولا إقلاعا عن المعاصي ولا ندما على ما فات
لقد كانت محطة مؤقتة ثم رجعوا إلى ما كانوا فيه، هل هذه النفسية السيئة عبدت الله حق عبادته؟هل وفت حق الله هل أطاعت الله أصلا؟
هذه مصيبة كبيرة أن يعود شراب الخمر إلى خمورهم ومتعاطي المخدرات إلى مخدراتهم وأصحاب الزنا إلى الزنا وأصحاب الربا إلى الربا وأصحاب الفسق ومجالس اللغو إلى اللغو أن يعود أصحاب السفريات المحرمة إلى السفريات المحرمة هذه مصيبة والله كارثة دخلوا بالمعاصي وخرجوا بالمعاصي ما استفادوا شيئا أبدا،أيها المسلمون بعض الناس يتصور أن ما حصل في رمضان كافي للتكفير عن سيئات الأحد عشر شهرا القادمات ولذلك فهو يحمل على ما مضى ويعول على ما مضى وكأن هذا باعتباره ونظره ما حصل منه كافي مستند يستند عليه في معصية الله - تعالى- وهو لا يدري ربما رد على أعاقبه ولم يقبل منه عمل واحد في رمضان.
الوقفة التاسعة: مآسي ما بعد رمضان،نكتشف ما حصل من البلايا في رمضان،تفريط هذا أكل مجاملة لكفار دخل المكتب وهم يأكلون فأكل معهم وهذه حصلت وهذا وقع على زوجته في نهار رمضان وانتهك حرمة الشهر الكريم بأسوأ مفطر من المفطرات وعليه الكفارة المغلظة عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع لمرض وعذر حقيقي لا تلاعب فإنه يطعم ستين مسكينا، فكيف بمن زنا برمضان وفعل الفاحشة في رمضان "من وطئ في قبل أو دبر حلال أو حرام لآدمي أو بهيمة لزمته الكفارة المغلظة"هذا كلام العلماء فيمن حصل له ذلك في نهار رمضان، القتل بحوادث السيارات في العيد الذين يخرجون متهورين لا تسعهم الفرحة فرحة المعصية الفرحة بانقضاء موسم الطاعة ماذا يكون حالهم مآسي ما بعد رمضان.
الوقفة العاشرة: هل تعلمون من هم الفائزون؟
قال الله - تعالى-: (.. فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ..) (آل عمران:185) (لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) (الحشر:20) وقال الله - تعالى- عن أهل الجنة (.. خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التغابن:9) وقال لهم (.. لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) (البروج:11) الفوز الحقيقي الفوز بالجنة .
نسأل الله - عز وجل- أن يجعلنا من أهل الجنة نسأل الله أن يجعلنا ممن قبل عملهم في رمضان اللهم تقبل ما حصل من العمل واغفر لنا الخطأ والتقصير والزلل اللهم إنا نسألك رحمة من عندك تلم بها شعثنا وتغفر بها ذنبنا وترحم بها ميتنا وتشفي بها مريضنا وتقضي بها ديننا اللهم إننا نسألك رحمة من عندك تجعلنا فيها بعد هذا الشهر الكريم خيرا مما كنا قبله.
الدال على الخير كفاعله -- وجزاكم الله خيرآ.
عشر وقفات بعد رمضان - للشيخ محمد المُنجّد (حفظه الله )
كرّرتها للفائدة هنا ..
الأولى: من الذي استفاد من رمضان يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"وقال:"من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"وقال:"من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".
فمغفرة الذنوب بهذه الأسباب الثلاثة كل واحد منها مكفر لما سلف من الذنوب وهي صيام رمضان وقيامه وقيام ليلة القدر فمتى تحصل المغفرة والتكفير قيام ليلة القدر بمجرده يكفر الذنوب لمن وقعت له وأصابها سواء شعر بها أم لم يشعر أما صيام رمضان وقيامه فيتوقف التكفير بهما على تمام الشهر .
فإذا تم الشهر فقد كمل للمؤمن صيام رمضان وقيامه فيترتب على ذلك مغفرة ما تقدم من ذنبه ومن نقص من العمل الذي عليه نقص له من الأجر بحسب نقصه فلا يلومن إلا نفسه،
الصلاة مكيال والصيام مكيال فمن وفاها وفى الله له ومن طفف فيهما فويل للمطففين أما يستحي من يستوفي مكيال شهواته ويطفف في مكيال صيامه وصلاته فإذا كان الويل لمن طفف في مكيال الدنيا (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ*الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ*وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) (المطففين)
فكيف حال من طفف مكيال الدين (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) (الماعون) وهذا الويل لمن طفف فكيف حال من فرط بالكلية؟
كيف حال من لم يقم ولم يصم وهم أعداد ممن ينتسبون إلى الإسلام ألم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم -:"من أدركه رمضان فلم يغفر له فأبعده الله"وقالها جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال له قل آمين فقلت:آمين"من أدركه رمضان فلم يغفر له فأبعده الله"
دعاء عليه بالإبعاد عن رحمة الله والطرد عنها لأن ذلك الشهر قد مر ولم يستفد منه لأن ذلك الموسم العظيم قد حصل ولم ينهل منه ولم ينتهز الفرصة فتبا له إذا كان لم ينتهز الفرصة العظيمة فهو إهمال لما أدنى منه من باب أولى فإذا فرط في رمضان فتفريطه في غير رمضان من باب أولى فلذلك أبعده الله لأنه لا يستحق أجره ولا يستحق الرحمة ولا المغفرة ولا شك أيها المسلمون انه حصل منا تطفيف في الصيام والقيام وانه حصل منا إخلال في آداب الصوم الواجبة والمستحبة لقد حصل منها تفريط وهذا ما يدفعنا للوقفة الثانية.
الوقفة الثانية: توبة المقصر في صيامه وصلاته والاستغفار عما مضى من الإخلال والتفريط في حق الله - تعالى- وحق ذلك الشهر الذي انقضى ولم نستفد منه كما ينبغي والاستغفار هو الدعاء بالمغفرة .
وقد جاء في دعاء أبو هريرة"يغفر فيه إلا لمن أبى"قالوا يا أبا هريرة ومن أبى قال: من أبى أن يستغفر الله عز وجل،
قال الحسن - رحمه الله - أكثروا من الاستغفار فإنكم لا تدرون متى تنزل الرحمة،
وقال واحد ممن مضى لولده: يا بني عود لسانك الاستغفار فإن لله ساعات لا يرد فيهن سائلا،
وقد جمع الله بين التوحيد والاستغفار في قوله عز وجل (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ..) (محمد:19) فعطف هذا على هذا مبينا أهمية.
قال إبليس أهلك الناس بالذنوب وأهلكوني بلا اله إلا الله .
والاستغفار ختام الأعمال الصالحة كلها فتختم به الصلاة والحج وقيام الليل وتختم به المجالس فإن كانت مجالس ذكر كان كالطابع عليها وإن كانت مجالس لغو كانت كفارة لما حصل فيها كذلك ينبغي أن يختم صيام رمضان بالاستغفار،
كتب عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - إلى الأمصار يأمرهم بختم شهر رمضان بالاستغفار والصدقة صدقة الفطر فإن صدقة الفطر طهره للصائم من اللغو والرفث والاستغفار يرفع ما حدث من الخروق في الصيام باللغو والرفث.
وقال بعض أهل العلم: إن صدقة الفطر للصائم كسجدتي السهو،
وقال عمر بن عبد العزيز في كتباه: قولوا كما قال أبوكم آدم (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (لأعراف:23) وقولوا كما قال نوح عليه السلام (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (هود:47) وقولوا كما قال إبراهيم - عليه السلام-: (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) (الشعراء:82) وقولوا كما قال موسى عليه السلام (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ..) (القصص:16) وقولوا كما قال ذو النون عليه السلام (.. لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (الأنبياء:87) .
صيامنا هذا يحتاج إلى استغفار نافع وعلم صالح له شافع كم تخرق من صيامنا بسهام الكلام ثم نرقعه وقد اتسع الخرق على الراقع كم نرفو خروقه بمخيط الحسنات ثم نقطعه بحسام السيئات القاطع،
وكان بعض السلف إذا صلى صلاة استغفر من تقصيره فيها كما يستغفر المذنب من ذنبه إذا كان هذا حال المحسنين في عباداتهم فكيف حال المسيئين؟،
أنفع الاستغفار ما قارنته التوبة والاستغفار حل عقدة الإصرار على الذنب فمن استغفر بلسانه وقلبه عن المعصية زالت ومن كان عزمه أن يرجع إلى المعاصي بعد رمضان ويعود فهذا صدقه غير موجود وباب القبول عنه مسدود وصومه عليه مردود يصوم ويقوم ويتابع على المعاصي كيف يكون ذلك فالمهم أيها المسلمون أن نكثر من الاستغفار بعد هذا الشهر على لله أن يتجاوز عن إسرافنا وتفريطنا وما حصل منها من المعاصي والسيئات في ذلك الشهر الذي تعظم فيه السيئة لفضله وشرفه.
الوقفة الثالثة:لقد مضت الأعمال و الصيام والقيام والزكاة والصدقة وختم القران والدعاء والذكر وتفطير الصائم وأنواع البر التي حصلت والعمرة التي قام بها كثير لكن هل تقبلت أم لا؟
هل قبل العمل أم لا؟ يقول الله - تعالى-(..إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (المائدة:27)
كان السلف الصالح يجتهدون في إكمال العمل وإتمامه وإتقانه ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله ويخافون من رده (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ..) (المؤمنون:60)
يعطي ويخشى أن لا يقبل منه يتصدق ويخشى أن ترد عليه يصوم ويقوم ويخشى أن لا يكتب له الأجر.
قال بعض السلف كانوا لقبول العمل اشد منه اهتماما بالعمل ذاته .
ألم تسمعوا قول الله عز وجل (..إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) وغير المتقين ما هو حالهم ؟
وعن فضالة ابن عبيد قال لأن أن أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبة من خردل أحب إلي من الدنيا وما فيها لأن الله يقول (..إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)،
يقول بعضهم لو اعلم إن الله تقبل مني ركعتين لا أهتم بعدها لأنه يقول (..إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) .
وقال عبد العزيز بن أبي رواد - رحمه الله -: أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح فإذا فعلوه وقع عليهم الهم أيقبل منهم أم لا؟،
وكان بعض السلف يقول في آخر ليلة من رمضان:يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه ومن هذا المحروم فنعزيه،
أيها المقبول هنيئا لك أيها المردود جبر الله مصيبتك، فإذا فاته ما فاته من خير رمضان فأي شيء يدرك ومن أدركه فيه الحرمان فماذا يصيب كم بين حظه فيه القبول والغفران ومن حظه فيه الخيبة والخسران، أيها المسلمون من علامات التقوى الامتناع عن الفسق بعد رمضان الذي يخشى على عمله ولا يدري هل قبل منه أم لا؟ يجتهد في العبادة ويواصل في الطاعة والذي يظن أنه عمل حسنات أمثال الجبال فلا يهمه بعد ذلك ويقول عندي رصيد وساعة لربك وساعة لقلبك وهذه هي الوقفة الرابعة.
الوقفة الرابعة:المواصلة على العمل بعد رمضان مواصلة الطاعة والعبادة بعد رمضان
عباد الله أن الذي يتقي الله حق تقاته يواصل على الطاعة والعبادة والله - تعالى- لما ذكر صفات المؤمنين لم يقيدها بوقت ولم يخصها بزمان .
قال: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ*الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) (المؤمنون) خاشعون دائما (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) (المؤمنون:3) ليسوا معرضون في رمضان فقط (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ) (المؤمنون:4) متى ما دار الحول يزكي في رمضان أو في غيره وبعض الناس إذا حال الحول في رمضان زكى ويهمل الزكاة في الأموال التي يحول عليها الحول في غير رمضان فانتبهوا لهذه المسألة (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) (المؤمنون:5) ليس في رمضان فقط في غير رمضان أيضا (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً) (الفرقان:63) دائما يكون هكذا مشيهم وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما هكذا هم في العادة (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً) (الفرقان:64).
هم باستمرار يفعلون ذلك وليس في قيام رمضان فقط، وهكذا في سائر صفات المؤمنين.
والسبب إننا مطالبون بالعمل إلى الموت بأمر من الله - تعالى- مرسوم رسمه الرب وأمر صدر من الرب وقال الله - تعالى-: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر:99) واليقين هو الموت وقال الله - تعالى-: (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ..) (مريم:65) فلا بد من الصبر والمصابرة على الطاعة .
وهذه وقفة مهمة جدا في قضية الاستمرار على الطاعة ولعله لهذا السبب شرع لنا صيام الست من شوال بعد رمضان حتى لا تنقطع العبادة الجميلة وهي عبادة الصيام
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من صام ست أيام بعد الفطر كانت تمام السنة"(مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا..) (الأنعام:160)
هكذا يقول الله - تعالى- وفي رواية جعل الله الحسنة بعشر أمثالها وفي رواية شهر بعشرة أشهر وفي رواية صيام شهر رمضان بعشر أشهر وصيام الست أيام بشهرين فذلك صيام السنة، وفضل الله عظيم وكرمه واسع وهباته مستمرة وعطاؤه لا ينقطع ولكن أين العاملون؟ ومن فعل ذلك دائما فكأنما صام عمره له أجر صيام الدهر.
الوقفة الخامسة: عدم الاغترار بما حصل من الطاعات،
بعض الناس اجتهدوا فعلا صاموا وحفظوا جوارهم وختموا القرآن وبعضهم أكثر من مره وعملوا عمره في رمضان وصلوا التراويح وصلوا قيام رمضان كله من أوله إلى آخره، وفعلوا ما فعلوا من الصدقات وقدموا ما قدموا وجلسوا في المساجد من بعد الفجر إلى ارتفاع الشمس وبعد الصلاة يقرؤون القرآن وقبل الصلاة ينتظرون الصلاة حصلت عبادات كثيرة لكن إذا كانت النفس سيئة والطبع متعفا فإن كثرة العبادة لا تنفع فالشيطان يوسوس ويقول لقد فعلت أشياء كثيرة وطاعات عظيمة خرجت من رمضان بحسنات أمثال الجبال فرصيدك في غاية الارتفاع صحائف حسناتك مملوءة فلا عليك بعد ذلك ما عملت ويصاب بالغرور والعجب وتمتلئ نفسه فخرا ولكن آية من كتاب الله تمحو ذلك كله وتوقفه عند حده وتبين له حقيقة الأمر
وهي قول الله - تعالى-: (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) (المدثر:6) أتمن على الله أتظن أنك فعلت له هذه الأشياء تكون أنت قد قدمت له أشياء عظيمة تظنها خدمة من خدمات البشر (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) لا تمن على الله بعملك لا تفخر لا تغتر ولا تصاب بالعجب (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ)
وتتخيل أن أعمالك كثيرة فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال في الحديث الحسن: "لو أن رجلا يجر على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت هرما في مرضاة الله - تعالى- لحقره يوم القيامة "
لجاء يوم القيامة فرآه قليلا ضعيفا حقيرا لا يساوي شيئا فإنه لو قارنه بنعمة واحدة من النعم كنعمة البصر أو كغيرها لصار هذا قليلا لا يساوي شيئا لم يكد يعمل شيئا و لذلك فإن الناس لا يدخلون الجنة بأعمالهم وإنما يدخلونها برحمة الله - تعالى- ليست الأعمال ثمنا للجنة لكنها سبب لدخول الجنة فالذي لا يعمل صالحا لا يدخل الجنة فهي سبب لكنها ليست الثمن فبدون رحمة الله الأعمال لا تؤهل لدخول الجنة بل ولا تسديد حق نعمة واحده من النعم، ونذكر أيضا بأن الاستمرار في العبادة والطاعة مع وجوبهما فذلك لا يعني أن يكلف الإنسان نفسه ما لا يطيق"خذوا من العبادة ما تطيقون فإن الله لا يسأم حتى تسأموا"حديث صحيح.
الوقفة السادسة: لا يشترط أن نكون بعد رمضان كما كنا في رمضان فنحن نعلم أن ذلك موسم عظيم لا يأتي بعده مثله إلا رمضان الذي بعده لا يأتي شهر فيه خيرات ومغفرة ورحمة وعتق كما في هذا الشهر الذي انصرم فنحن لا نقول كونوا كما كنتم في رمضان من الاجتهاد فالنفس لا تطيق ذلك لكن لا للانقطاع عن الأعمال؛ الخطورة في الانقطاع فلابد من أخذ الأمور بواقعية ليس المطلوب أن نكون بعد رمضان كما كنا في رمضان كان ذلك شهر اجتهاد له ظرف ووضع خاص لكن الانقطاع عن الأعمال لا ترك الصيام بالكلية لا ترك القيام بالكلية لا ترك ختم القرآن بالكلية لا ترك الدعاء والذكر والصدقة والعمرة لا استمروا على العمل ولو كان أقل مما كان في رمضان ثم إن الله سبحانه و- تعالى- إذا كان العبد مواصلا على عمله لو أصابه عارض لو مرض لو سافر يكتب له من الأجر مثل ما كان يعمل صحيحا مقيما وجاء في الحديث "إذا مرض العبد قال الله للكرام الكاتبين اكتبوا لعبدي مثل الذي كان يعمل حتى اقبضه أو أعافيه"حديث صحيح إذا هذه من فوائد المواصلة على الطاعة والعبادة.
الوقفة السابعة: الاستمرار على العبادة والطاعة سبب من أسباب حسن الخاتمة
كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله"قالوا: كيف يستعمله؟ قال:"يوفقه لعمل قبل الموت ثم يقبضه عليه"
فإذا كان من الصالحين كانت عبادته حسنة وكذلك فإن عبادتنا لله - عز وجل- في جميع الأوقات والأحيان سواء في السراء أو الضراء في رمضان أو غير رمضان في أوقات الرخاء والشدة في أوقات المحنة والنعمة إذا كانت مستمرة فإن الأجر يعظم،
"عبادة في الهرج والفتنة كهجرة إليك"كما قال النبي - صلى الله علي وسلم- العبادة في أوقات الفتن واختلاط الأمور أجرها كأجر المجاهد في سبيل الله - تعالى-
عندما لا يشجع الجو على العبادة عندما يرجع الناس إلى فتورهم بعد رمضان عندما تقوم أنت بالعبادة لا شك أن لك أجرا عظيما عندما فتر الناس أنت نشطت عندما تقاعس الناس أنت تقدمت عندما تخلفوا أنت تقدمت، أيها المسلمون إن هنا مفهوما عظيما وهو أن العبادة هي أصل في حياتنا إنها ليست قضية طارئة وليست مؤقتة فهي ليست محدده بزمان أو مكان إنها مستمرة من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله شاب نشأ على طاعة الله - تعالى-.
الوقفة الثامنة: أن الذين دخلوا رمضان بالمعاصي وخرجوا من رمضان بالمعاصي لم يستفيدوا شيئا قال الله - تعالى-: (وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ) (المائدة:61)
قال ابن كثير - رحمه الله - هذه صفة المنافقين وقد دخلوا عندك يا محمد بالكفر ثم خرجوا من عندك والكفر كامل فيها لم ينتفعوا بما سمعوا لم يفد فيهم العلم ولم تنجح فيهم المواعظ والزواجر .
فالذين دخلوا رمضان وخرجوا مثل ما كانوا قبل رمضان أو أسوأ تنطبق عليهم هذه الآية دخلوا رمضان بالمعاصي وخرجوا بالمعاصي بعد رمضان رجعوا إلى ما كانوا فيه من المنكرات لم يستفيدوا من رمضان رمضان لم يورث توبة عندهم ولا استغفارا ولا إقلاعا عن المعاصي ولا ندما على ما فات
لقد كانت محطة مؤقتة ثم رجعوا إلى ما كانوا فيه، هل هذه النفسية السيئة عبدت الله حق عبادته؟هل وفت حق الله هل أطاعت الله أصلا؟
هذه مصيبة كبيرة أن يعود شراب الخمر إلى خمورهم ومتعاطي المخدرات إلى مخدراتهم وأصحاب الزنا إلى الزنا وأصحاب الربا إلى الربا وأصحاب الفسق ومجالس اللغو إلى اللغو أن يعود أصحاب السفريات المحرمة إلى السفريات المحرمة هذه مصيبة والله كارثة دخلوا بالمعاصي وخرجوا بالمعاصي ما استفادوا شيئا أبدا،أيها المسلمون بعض الناس يتصور أن ما حصل في رمضان كافي للتكفير عن سيئات الأحد عشر شهرا القادمات ولذلك فهو يحمل على ما مضى ويعول على ما مضى وكأن هذا باعتباره ونظره ما حصل منه كافي مستند يستند عليه في معصية الله - تعالى- وهو لا يدري ربما رد على أعاقبه ولم يقبل منه عمل واحد في رمضان.
الوقفة التاسعة: مآسي ما بعد رمضان،نكتشف ما حصل من البلايا في رمضان،تفريط هذا أكل مجاملة لكفار دخل المكتب وهم يأكلون فأكل معهم وهذه حصلت وهذا وقع على زوجته في نهار رمضان وانتهك حرمة الشهر الكريم بأسوأ مفطر من المفطرات وعليه الكفارة المغلظة عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع لمرض وعذر حقيقي لا تلاعب فإنه يطعم ستين مسكينا، فكيف بمن زنا برمضان وفعل الفاحشة في رمضان "من وطئ في قبل أو دبر حلال أو حرام لآدمي أو بهيمة لزمته الكفارة المغلظة"هذا كلام العلماء فيمن حصل له ذلك في نهار رمضان، القتل بحوادث السيارات في العيد الذين يخرجون متهورين لا تسعهم الفرحة فرحة المعصية الفرحة بانقضاء موسم الطاعة ماذا يكون حالهم مآسي ما بعد رمضان.
الوقفة العاشرة: هل تعلمون من هم الفائزون؟
قال الله - تعالى-: (.. فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ..) (آل عمران:185) (لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) (الحشر:20) وقال الله - تعالى- عن أهل الجنة (.. خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التغابن:9) وقال لهم (.. لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) (البروج:11) الفوز الحقيقي الفوز بالجنة .
نسأل الله - عز وجل- أن يجعلنا من أهل الجنة نسأل الله أن يجعلنا ممن قبل عملهم في رمضان اللهم تقبل ما حصل من العمل واغفر لنا الخطأ والتقصير والزلل اللهم إنا نسألك رحمة من عندك تلم بها شعثنا وتغفر بها ذنبنا وترحم بها ميتنا وتشفي بها مريضنا وتقضي بها ديننا اللهم إننا نسألك رحمة من عندك تجعلنا فيها بعد هذا الشهر الكريم خيرا مما كنا قبله.
الدال على الخير كفاعله -- وجزاكم الله خيرآ.
تعليق