السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حياكم الله وبياكم
الإخوة الأفاضل والأخوات الفضليات: يسر فريق التفريغ بشبكة الطريق إلى الله
أن يقدم لكم:
تفريغ تفسير سورة "يس" من الآية 1 إلى الآية 12 :: للدكتور أحمد عبد المنعم من دورة بصائر قرآنية 3
لتحميل التفريغ بصيغة pdf من هنا
وإليكم نص التفريغ:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد -صلَّى الله عليه وسلم-
بإذن الله -عز وجل- نستفتح تفسير سورة يس، وكنا انتهينا بفضل الله عز وجل من سورة سبأ، وسورة فاطر بفضل الله عز وجل نستفتح بحول الله عز وجل وقوته ومدد منه سبحانه وتعالى الكلام عن سورة يس، هذا الشوط كما قلنا مستمر من بعد سورة الأحزاب سورة سبأ، من بعد سورة الأحزاب المدنية بدأ شوط مكي طويل مكي يبدأ من أول سورة سورة سبأ، بعدين فاطر، بعدين يس، الصافات، ص، الزمر..
ثم يأتي شوط طويل أيضًا مكي لكن متصل حم، سبع سور متتاليات، تبدأ بغافر ثم فصلت، ثم الشورى، ثم الزخرف، ثم الدخان، ثم الجاثية، ثم الأحقاف..
وينتهي هذا الشوط الطويل اللي بدأ من أول سبأ إلى سورة الأحقاف، ينتهي هذا الشوط المكي ليبدأ شوط مدني طويل سورة محمد: القتال، سورة محمد -صلَّى الله عليه وسلم- اللي هي سورة القتال، ثم الحجرات في 3 سور مدنيات متصلات، ثم يبدأ شوط مكي آخر من أول سورة ق يستمر إلى الواقعة لسورة الحديد.
هذه الأشواط المتتالية، المتباينة، المتغايرة بين مكي ومدني مع طول الأشواط المكية وقصر الأشواط المدنية لها دلالات، إن شاء الله عز وجل ممكن يفتح بها علينا إذا وصلنا إن مَن الله علينا ورزقنا الفقه والتوفيق والسداد إلى أن نصل لسورة الأحقاف.
أهم العوامل لفهم القرآن الكريم
فسورة يس في هذا الشوط بعد سورة فاطر تأتي هذه السورة العظيمة، ومن أهم عوامل فهم كتاب الله -عز وجل- قضايا كثيرة منها: الرجوع إلى كلام السلف، آثار السلف، واعتبار اللغة، وأيضًا من أهم هذه القضايا معرفة تتبع السياق، السباق واللحاق، زي ما قلنا قبل كده الإمام الطبري بيعتمد كثيرًا على السياق في تحديد معاني الكلمات المجملة، بمعنى معاني الكلمات المجملة مثل: "عملوا الصالحات، الدنيا، التقوى.." هي كلمات مجملة، لها أحيانًا معاني مخصوصة، التقوى كلمات عامة، لها معنى مخصوص يخصصه السياق.
لماذا معرفة واقع نزول السورة يُعَد من عوامل فهم السورة؟
أيضًا من أهم عوامل فهم كتاب الله -عز وجل-: معرفة واقع نزول السورة:
زي ما قلنا قبل كده مرارًا وتكرارًا إن أكثر الناس المستفيدين من كلمة شفاك الله وعافاك هو المريض، أكثر الناس استفادة من كلمات معينة هو ما يحتاج إلى هذه الكلمات، فالواقع اللي نزل فيه السورة كانوا يحتاجون إلى سماع هذه الكلمات في هذا الوقت..
يعني سيدنا عمر بن الخطاب لما سأل في الحديبية وتعجب لمَ نرض الدنية في ديننا؟ وبعد فترة وهما ماشيين فنزلت سورة الفتح، فناداه النبي -صلَّى الله عليه وسلم-، سيدنا عمر كان محتاج يسمع سورة الفتح في هذه اللحظات تحديدًا.
وقال النبي -صلَّى الله عليه وسلم-: "لقد أنزلت عليَّ الليلة سورة، لهي أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس" صحيح البخاري، فعلًا فهم آيات، ومعرفة آيات من كتاب الله -عز وجل- في وقت الفتن أحب إليك من الدينا وما فيها، يبقى نفسك تدفع الدنيا وما فيها وإنك تفهم ما يحدث في هذه اللحظات فهم موثق، وخاصة آيات من عند الله -عز وجل-.
فناداه النبي -صلَّى الله عليه وسلم- وقرأ عليه سورة الفتح، فاطمأن عمر -رضي الله عنه- عندما سمع هذه الآيات.
يبقى على حسب الاحتياج للآيات على حسب الاستفادة منها؛ ففهم واقع السورة، فهم واقع نزول السورة من أهم عوامل فهم هذه السورة.
من أين نعرف واقع نزول السورة؟
طب الواقع ده أو واقع السورة يتعرف منين؟ إما من أسباب نزول وردت في الآيات أو في السورة، أو أيضًا السورة تدل على نفسها؛ يعني احنا استدلينا من واقع سورة سبأ إن الكفار معاهم عدة وعتاد ويفتخرون بذلك من آيات في نفس السورة من قوله تعالى: "وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ" سبأ:35، أيضًا الآيات اللي تأتي في السورة بتدل على واقع هذه السورة.
سورة يس تخبرك ما الواجب عليك فعله في الواقع المليء بالظلم
طيب سورة يس واقع مكي لكن حقيقةً واقع مليء بالظلم، والإعراض، والسواد، والقتامة، قمة الإعراض وعدم إرادة سماع أي نوع من أنواع الخير، بل من يتكلم في هذا الواقع يُقتل، كما جاء مؤمن آل يس الحق فقتلوه.
قمة الإعراض تجده في هذه السورة، ما الذي ينبغي علينا في هذا الواقع اللي مليء بالإعراض، والظلم، والقهر، والرؤساء يتحكمون في الأمر، ما الذي نتكلم فيه؟ ما الذي يحتاجه المؤمن؟ هذا ما نجده في السورة -سورة يس-.
في هذا الواقع المليء بالظلمات والظلم تُفقد الحكمة، ويتصرف الإنسان بطيش، فبدأت السورة بقسم بالقرآن الحكيم، أنت تحتاج إلى تصرفات مليئة بالحكمة في هذه الأوقات تحديدًا وفي كل الأوقات، لكن في هذه الأوقات خاصةً.
إذن ما يجب على المؤمنين أن يتعلموه، وأن يفقهوه، وأن يتعاملوا به، وأن يتكلموا به، وأن يتحركوا به يكون في هذه السورة اللي مليئة -كما قلنا- بقمة الإعراض، قال الله -عز وجل-: "لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ.." أغلب الناس خلاص مش هيؤمنوا، ".. فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ" يس:7.
تخيل أغلب الناس في هذه المرحلة وصل من الإعراض والجحود، والران اللي على قلبه إلى أن تحجر قلبه، وحق عليه القول أنه لن يؤمن، لا يريدون أن يسمعوا أي كلام للحق، وكما قلت من يتكلم في هذه اللحظات يقتلونه، لا يريدون أن يسمعوا شيئًا كما قُتل مؤمن آل يس. "يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ" يس:30.
أقوال العلماء في الحروف المقطعة في القرآن
في هذه السورة، هذا الجو، تأتي هذه المعاني التي يحتاجها المؤمن أن يسمعها في هذه اللحظات؛ فبدأت السورة بحروف من الحروف المقطعة "يس"، وغالب الناس بيعتقد إن ده اسم للنبي -صلَّى الله عليه وسلم-، والراجح إنه ليس اسم للنبي -صلَّى الله عليه وسلم-، بل هما حرفان من الحروف المقطعة مثل: الم، الر، حم، فأيضًا بدأت هذه السورة ب يس، والغالب على السور اللي بتبدأ عن الحروف المقطعة حديث عن القرآن كما قال كثير من أهل العلم، وكأنه تحدٍّ، هذه الحروف اللي منها كلمات القرآن، فتحداهم الله -عز وجل- أن يأتوا بقرآن مثله، أو بعشر سور مثله، أو بسورة، أو بسورة من مثله، وجه من وجوه الإعجاز.
فالقرآن تحدى وأمهل، يعني اداهم فترة، ثم سهَّل، يعني تحداهم وأمهلهم ثم سهل في التحدي، فلم ولن يستطيعوا، ولن تفعلوا، وقطع الأمال في أن يُؤتى بمثل هذا القرآن؛ لأن هذا التحدي جاء في قمة وصول العرب إلى الإمساك بنواصي اللغة، وبحروف اللغة، فلم يستطيعوا.
يعني لما إنسان مثلًا بيتحدى طبيب ماهر إنه يعالج مرض ولن يستطع الطبيب إذن المرضى أيضًا لا يستطيعون، فإذا عجز هؤلاء العرب الأقحاح على أن يأتوا وأن يعارضوا القرآن على ما توفر فيهم من الأنفة والكبرياء، المفروض لما يتحدوا تُستنفر هذه الأنفة، وهذا الكبر اللي في داخلهم إلا أن يأتوا بمُعارض لهذا القرآن، برغم الكبر اللي جواهم لم يفعلوا ذلك ولن يفعلوا ذلك.
إذن هذا اعتراف منهم بالعجز، فإذا عجز هؤلاء فما دونهم أولى إلى يوم القيامة.
وكما قلنا التحدي في القرآن جاء بشيئين، التحدي بالخلق وبالقرآن؛ الخلق: إثبات أن الله خالق إذن فيه دين، فخرج الملحدين والمشركين الكافرين بالله، ثم التحدي بالقرآن إلا أن هذا الدين هو الحق. إذن التحدي من أقصى البعد إلى الطريق المستقيم.
الكلام في الحروف المقطعة كثير، وتكلم عنها العلماء كثيرًا، هل هي مما استأثر الله -عز وجل- بعلمه، ولا مما اختُص الراسخون في العلم، بعضهم بيقول هي من أسماء الله -عز وجل- كما وردت آثار وإن كان ضعفها بعض أهل العلم أثار عن بعض السلف، وبعضهم بيقول تُفهم معاني الحروف مما في سياق السورة، يعني ممكن نفهم من الكلمات والمعاني اللي تكررت في السورة يُفهم معاني هذه الحروف، ومنهم من يقول هي علامات على أسماء الله مما ورد في السورة وغير ذلك.
ونقطة مهمة جدًّا الحرف القرآني حرف غير الحرف العادي، الحرف العادي ليس له معنى؛ يعني اللي يقول ياء برَّا القرآن، الحرف في القرآن حتى لو لم تفقه معناه لكن تؤجر عليه، فله أجر، قال النبي -صلَّى الله عليه وسلم-: "لا أقولُ ألم حرفٌ ولكنْ ألفٌ حرفٌ ولامٌ حرفٌ وميمٌ حرفٌ" صححه الألباني، والحرف بعشر حسنات، والله يضاعف الله لمن يشاء.
إذن الحرف القرآني له دلالة غيبية في الأجر وده من عِظَم هذا القرآن.
أسماء القرآن وأوصافه
يقول الله -عز وجل-: "يس"، ثم يُقسم الله -عز وجل- "وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ" يس:2، يُقسم الله -عز وجل- بالقرآن، بعض العلماء بيقول: ورد في القرآن أوصاف للقرآن وأسماء للقرآن، فيه فارق بين الاسم العلم وبين الصفة، الصفة زي جميل، طويل، بالنسبة لشخص، علم ده اسمه، زي أحمد، محمد، ده اسمه علم.
زي القرآن يقولوا ده مش وصف ده علم، لما أقول كلمة القرآن هو علم على هذا الكتاب، الشمس مش وصف، الشمس علم على هذا المخلوق الذي يضيء ويشرق نهارًا، ويغرب ليلًا، ده علم.
فقيل إن القرآن له أربع أسماء، وزاد بعضهم: قيل القرآن، والكتاب، والذكر، والفرقان، وزاد بعضهم والوحي، أعلام، أسماء، لما يتقال الذكر فهو القرآن، طب الفرقان هو القرآن، وبعضهم قللها وبعضهم زادها عن ذلك، وقال الباقي أوصاف.
في وقت الفتن نحتاج إلى القرآن
فيُقسم الله -عز وجل- "وَالْقُرْآنِ" بالرغم أنه في هذه اللحظات لم يكتمل الإشارة أنه سينزل وسيكتمل الوحي، شاء من شاء وأبى من أبى، "وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ" يس:2، إذن في هذه اللحظات وفي هذه الفتن أنت تحتاج إلى القرآن، كلما اشتدت الظلمات كلما احتاج الإنسان إلى النور، فلا يعلم الإنسان قيمة النور إلا عن اشتداد الظلمات، زي ما قلنا كان آيات بسيطة، أو الآيات كلها عظيمة لكن أقصد عدد الآيات قليل تنزل على المؤمنين في أوقات الفتن تُخرجهم من الظلمات إلى النور.
احتاج عمر بن الخطاب -وهو مَن هو- أن يستمع لآيات من سورة الفتح، احتاج المؤمنون وهم عائدون من غزوة أحد إلى أن يستمعوا إلى آيات من سورة آل عمران، فنزلت هذه الآيات لتوضح لهم النور، وتبين لهم النور، وتخرجهم من الظلمات إلى النور.
لماذا اختار الله عز وجل هنا وصف الحكمة للقرآن؟
فيقول الله -عز وجل-: "وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ" يس:2، اختار الله -عز وجل- في هذه السورة وصف الحكمة، قيل لأنها مليئة بالحكمة، وقيل لأننا نحتاج إلى الحكمة في هذه الظروف، وقيل أيضًا هناك أفعال قد يظنها البعض ليست من الحكمة، أفعال يفعلها أهل الإيمان يظنها البعض أنها ليست من الحكمة، يظنونها من السفاهة كما قال المنافقون واليهود على أفعال أهل الإيمان حينما قيل لهم:
"وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء" البقرة:13، اللي آمن في هذه اللحظات في بداية سورة البقرة، في بداية المرحلة المدنية صنفين من الناس: المهاجرون تركوا أرضهم، والأنصار تبرعوا بأموالهم، فعند اليهود والمنافقين ده سفاهة إن أنا أسيب أرضي أو أطلع فلوسي عندهم ده إيه؟ عشان إيه، أسيب فلوسي عشان إيه؟ عندهم ده سفاهة..
فأخبر الله -عز وجل- أن ما فعله هؤلاء: أي المهاجرون والأنصار هو محض الإيمان، وأن الإيمان الذي ليس فيه بذل ولا نصرة هو ليس إيمان حقيقي، بل ما اختاره المنافقون لأنفسهم هو محض السفاهة..
"أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء" البقرة:13، وقال الله -عز وجل- في نفس السورة: "سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ" البقرة:142، وقال في نفس السورة: "وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ" البقرة:130، اللي هيبتعد عن أفعال إبراهيم -عليه السلام- هو السفيه، فهناك أفعال يظنها البعض من السفاهة وهي محض الإيمان، فما فعله مؤمن آل يس من قول الحق في هذه الظلمات، وبرغم من أنه قُتل هو ليس من السفاهة بل هو من الحكمة.
إذن أفعال أهل الإيمان في الاستضعاف يظنها من السفاهة وهي ليست من السفاهة بل هي من الحكمة.
من أين نتلقى الحكمة؟
ونحتاج إلى اقتباس الحكمة من أفعال الحكمة على حسب الأوضاع من القرآن والسنة، "وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً" البقرة:269، أوتي خيرًا عظيمًا.
وأيضًا تلقي الحكمة يكون من الوحي، وما أشار إليه الوحي، أيضًا لا نغلق الأمور لكن ما أشار إليه الوحي على أنه علم نافع يُتلقى منه الحكمة، لكن يُتلقى العلم ابتداءً من الوحي، فالوحي هو الأصل، باقي العلوم امتداد لهذا الأصل، اللي هيتلقى بقية العلوم بدون هذا الأصل هو بيتلقى امتداد ليس مبنيًّا على الأصل، فيهوي به في مكان سحيق.
فيقول الله -عز وجل-: "وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ" يس:2، فالحكمة في هذا الوحي حتى لو ظهر لك غير ذلك من الأمور، الحكمة تكون في هذا الوحي.
يحتاج المؤمن دومًا أن يعود للقرآن لتثبيت أنه على الحق
بعد أن أقسم الله -عز وجل- بما أنزل من قرآن حكيم، احنا قُلنا اللي يساعدك على فهم الكلمات، وأن تنزل على قلبك منازلها ومواقعها: استحضار وقت السورة.
ثم يقول الله -عز وجل- بعد القسم في سورة تأكيد اللي مليء بالمؤكدات: الجملة الإسمية، وإن، و لام المزحلقة، "إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ" يس:3، يقول الله -عز وجل- لمين؟ للنبي -صلَّى الله عليه وسلم-، يؤكد له بعد القسم "إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" يس:3،4.
أحيانًا في خضم المعركة تحتاج إلى من يؤكد لك ما تعرفه أنت عن نفسك، أنك على الحق، محتاج حد يقولك: إنك على الحق المبين، "فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" الزخرف:43، تحتاج إلى من يقول لك هذا الكلام، لذلك كان يقول بعض أهل التفسير: "نُبئ -صلَّى الله عليه وسلم- باقرأ، وهُدِّئ بنون، وهُيئ بالمزمل، ثم أُرسل بالمدثر "قُمْ فَأَنْذِرْ" المدثر:2".
نُبئ باقرأ، وهُدِّئ يحتاج -صلَّى الله عليه وسلم- إلى أن يُقال له: "مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ" القلم:2، وهُيئ للقيام بالمزمل، ثم أُرسل بالمدثر -صلَّى الله عليه وسلم-.
إذن يحتاج المؤمن إلى تثبيت أنه على الحق، لذلك حتى دايمًا بيكتشفوا في الحروب بين الجيوش وغيرها إن الجيش اللي معندوش عقيدة يقاتل من أجلها يفر عند احتدام المعارك، فبيحاول يدوا نوع من التوعية المعنوية، والجلسات المعنوية اللي تساعده على رفع الروح المعنوية، قالك على الحق اثبت، وفرعون لما أراد إنه يستنفر الجيوش ضد موسى -عليه السلام- قال لهم: "إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ" غافر:26، استعمل أمور معنوية، مش فقط المال، قالهم ده إنتوا على الحق وأنا خايف على دينكم، وخايف من هؤلاء الذين يريدون أن يزعزعوا الأمن والاستقرار، ويريدون أن يخرجوكم من أرضكم، ده أمر دايمًا..
فإذا كان أهل الباطل يفعلون ذلك فأهل الإيمان أحق بذلك، فالداعية يحتاج إلى تثبيت، لذلك الداعية الذي لا يتلقى هذا التثبيت من القرآن دايمًا يتزعزع، ويسهل تنازله عن الحق الذي معه.
لذلك قال الله -عز وحل- في سورة هود:
"فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا" هود:12، كلمات أهل الباطل قد تؤثر فيك، فتحتاج إلى أن تعود إلى القرآن لتستمع إلى هذه الكلمات التي تثبتك.
لذلك تحصيل -كما قال أيضًا بعض أهل العلم- "تحصيل المعاني أهم من ملئ الأواني"، "وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي" الحجر:87، حتى لا يمد الإنسان عينه، فالإنسان لا يستطيع أن يُكلف ألا يمد عينه للدنيا بدون بديل، لما ربنا -سبحانه وتعالى- يقولك: "وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ" الحجر:88، طب عينك هتوديها فين وقلبك جواك مشاعر، حينما تتجه بهذه المشاعر للقرآن تصبر وتتصبر، وتجد الزاد الذي يصبرك.
مادمت ملتزمًا بالقرآن فأنت على صراط مستقيم.. فلا تحد عنه أبدًا
فيقول الله -عز وجل- للنبي -صلَّى الله عليه وسلم- في هذا الوقت، وده يعلمك ويعرفنا مدى الضغظ اللي كان موجود على المؤمنين في هذه اللحظات، والضغظ الذي احتاج معه النبي -صلَّى الله عليه وسلم- إلى أن يسمع هذه الكلمات:
"إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ" يس:3، التأكيد، وهذا التأكيد هو الذي قاله الرسل -زي ما هيجيلنا في الآيات بعد كده- يؤكدون أنهم لمرسلون، وهنا يؤكد الله -عز وجل- للنبي -صلَّى الله عليه وسلم- بعد القسم بالقرآن الحكيم، وأن ما أنزلتُه من قرآن هو فيه الحكمة، "إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ" يس:3، أي لمن المرسلين بهذا القرآن الحكيم.
ما هو مرسل يعني فيه فعل الإرسال، فيه فاعل هو المرسِل هو الله -عز وجل-، وفيه مرَسل وهو النبي -صلَّى الله عليه وسلم-، وفيه مرسَل به، دي مكونات الرسالة: مرسِل، مرسَل، مرسَل به؛ فالمرسِل: هو الله -عز وجل-، والمرسَل: هو النبي -صلَّى الله عليه وسلم-، به: برسالة بالقرآن الحكيم.
"إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" يس:3،4، أنت متمكن، "على" ده التمكن، "وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ" سبأ:24، زي ما ورد في سورة سبأ "على" دايمًا تأتي مع الهدى للتمكن.
فإنك على صراط مستقيم، طالما أنت ملتزم بهذا القرآن الحكيم إذن أنت على صراط مستقيم، فلا يضرنك ما يقولون ولا ما يفعلون، ولا ما يحاربونك به، فإنك على صراط مستقيم، قالها الله -عز وجل- لنبيه -صلَّى الله عليه وسلم-، وكررها أيضًا في سورة الزخرف أيضًا في هذا الشوط المكي الطويل، اللي مليء بالمحاربة لأهل الدين، والمحاربة لآيات الله -عز وجل-.
إذن تمر على الإنسان فترات يحتاج إلى أن يكون هو ثابت، هو موقن، كذلك الداعية الموقن يتكلم بكلام يؤثر غير الداعية المتزعزع؛ فالداعية الحق يتكلم مع الناس عما يرى بقلبه لا عما قرأ بعينه، يعني هو يكلمهم عما رأى، يكلمهم عن يقين بداخله؛ يعني لما مؤمن آل فرعون بيقول: "إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ" غافر:39، هو يكلمهم عن يقين رآه أن الدنيا حقًا متاع مش عن كلمات سمعها أو قرأها، يسهل إنها تزول من قلبه، لأ يكلمهم عن كلمات نُقشت في قلبه.
فالداعية بيتكلم بيقين، والكلام اللي بيخرج بيقين بيصل، غير الكلام البارد اللي بيخرج من قلب لا يحمل هذه الهموم سرعان ما يزول، عارفين الاسبراي بتاع الكحول بيطير، بعض الكلمات هكذا ليس لها أصول، لكن الحق شجرة ثابتة أصلها في الأرض وفرعها في السماء تؤتي أُكلها كل حين بإذن ربها، فالداعية يحتاج إلى هذا التثبيت يتكلم الكلام الواحد يكون على الحق، يشعر بذلك يقينًا أنه على الحق.
"إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ" طريق واضح، وهذا الطريق الواضح اللي هو الصراط مستقيم لا اعوجاج فيه، فهي أيضًا إشارة أنك لابد أن تثبت على هذا الصراط المستقيم، ومهما فعلوا معك وحاربوك لا تحد عن هذا الصراط أبدًا.
فالسورة -زي ما قُلنا- نزلت في جو مليء بالإعراض زي ما هييجي في قول الله -عز وجل-: "لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ" يس:6، طول الفترة والبعد عن الإنذار أدى إلى نوع من التحجر، والتصلط في الأفكار بعيدًا عن الوحي، فأصبح الوحي غريبًا علينا، فيقول الله -عز وجل-: "إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ" لا تبعتد عنه مهما فعلوا معك من محاولات لا تحد عن هذا الصراط، فإنك على صراط مستقيم.
"تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ" يس:5، ما معك من وحي وما أُرسلت به هو من عند الله ليس مفترى، وما من عند الله -عز وجل- لا يُغالب.
لابد من اجتماع القوة والرحمة معًا في القرآن
ووصف من أسماء الله -عز وجل- عند تنزيل الوحي قال: "تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ" يس:5، لا بد ما اجتماع الوصفين: القوة والرحمة، "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا" الفرقان:31، هَادِيًا لمن أراد الهداية، وَنَصِيرًا لمن أصر على العناد.
فهنا العزيز الذي لا يغالب، القرآن لا بد أن يكون فيه قوة، نزع هذه الآيات التي فيها العزة من القرآن وطرح آيات مجتزأة، يعني كلام فقط عن بعض الأخلاق ليس هناك كلام عن العقائد ده تشويه للدين.
" يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ" أي كل ما أنزل إليك من ربك، "وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ" أي لم تبلغ أي واحدة، "فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ" المائدة:67.
يعني وإن لم تبلغ القرآن كاملًا فكأنك لم تبلغ شيء، أيضًا معناها -حتى نوضح المعنى- فإنك بلغت القرآن ناقصًا فكأنك لم تبلغ شيء، وإن لم تفعل: أي لم تبلغه كاملًا فكأنك لم تبلِّغ القرآن تمامًا.
"تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ" يس:5، الْعَزِيزِ: لمن أصر على العناد، الرَّحِيمِ: لمن أراد الوصول إلى الحق.
قُدِّم الإنذار على البشارة لانتشار المعاصي في هذه الفترة
أرسلك الله -عز وجل-، وأكد لك أنك مرسل بهذا القرآن الحكيم لماذا؟
"لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ" يس:6، لام التعليل تُنذر، لم يقل لتبشر، قال الإنذار لغلبة المعاصي، دايمًا الدعوة في مكان فيه انتشار المعاصي أكثر يُقدَّم الإنذار على البشارة، أول ما قام النبي -صلَّى الله عليه وسلم- قام منذرًا، قال: "إنّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ" صححه الألباني.
"لِتُنْذِرَ قَوْمًا" قوم تأتي لما مجموعة من الناس يجتمعوا على شيء معين؛ نسب، قبيلة، وعلى فكرة معينة، فكأنهم سبب قومتهم الرسالة.
لتنذر قوم كلهم اجتمعوا ضد النبي -صلَّى الله عليه وسلم-، كادوا يكونون عليه لبدًا، اجتمعوا ضد النبي -صلَّى الله عليه وسلم-.
أقوال المفسرين في نوع "ما" هنا ومعناها
"قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ" "ما" دي -عاوزكم تركزوا معايا- "ما" دي فيها قولين:
المتبادر للذهن إن معناها إيه؟ لتنذر قومًا إن ما منفية لم يُنذر آباؤهم قط، مجلهمش نذير أبدًا، وهذا كتير من المفسرين وأنا أميل إليه حقيقةً.
لكن أيضًا ذكر بعض المفسرين قول أيضًا معتبر إن مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ بمعنى اسم موصل بمعنى الذي، ما موصولة، أي لتنذر قومًا الذي أنذر آباؤهم، هو هواه، يعني هتقولهم نفس الكلام اللي اتقال لآبائهم، نفس الكلام الذي قاله إبراهيم الخليل لأجدادهم ستقوله أنت لهم..
وده أحد معاني قول الله -عز وجل- في سورة فصلت: "مَّا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ" فصلت:43، مَّا يُقَالُ لَكَ: أي من قِبَل الله، وقيل مَّا يُقَالُ لَكَ: من قِبَل المشركين، فعلى قول: "مَّا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ" أي ما أُوحي إليك من أصول هو نفس ما أُوحي للرسل من قبلك، فهذا معنى إنه ما موصولة، أو قيل مصدرية؛ يعني تنذر قومًا الإنذار الذي أُنذر به آباؤهم.
فَهُمْ غَافِلُونَ: أي هم غافلون عن هذا الإنذار.
إنما معنى فَهُمْ غَافِلُونَ: أي هم أعرضوا عن هذا الإنذار السابق فهم يحتاجون إلى تجديد لهذا الإنذار، ما يعيشون فيه من شهوات، وأماني في الدنيا فأعرضوا عن هذا الإنذار، فيحتاجون إلى تجديد هذا الإنذار.
وقيل لتنذر قومًا ما أُنذر آباؤهم من قبل: يعني مرت عليهم فترات طويلة لم يُرسَل إليهم رسل، على الرغم كان فيه بقايا من دين إبراهيم فيهم، ومسألة بقى مش عاوزين نخوض كثير من أهل العلم تكلم في هذه المسألة دي، أهل الفطرة وما هو حكمهم؟ هل يمتحنوا؟ طب ازاي فيه آثار ماتت في هذه الفترة عمرو بن لُحَّي يجر أمعاءه في جهنم -والعياذ بالله-، وناس ماتت في هذه الفترة تُعذَّب، الأمر فيه خلاف طويل بين أهل العلم.
قلة التذكرة في مجتمع تصيبه بالتصلب والغفلة فيصعب تغييره
الشاهد إنما ربنا -سبحانه وتعالى- بيقول: المعنى إن دول في مرحلة في قمة الظلمات، طال عليهم الأمد، أنا مش بتكلم عن مدى إعذراهم وعدم إعذراهم، بتكلم عن الحالة اللي هما فيها، طال عليهم الأمد، ودي إشكالية المجتمعات اللي تقعد فترات طويلة يغيب عنها التذكرة، محدش يذكرهم، دي مصيبة، أيًّا كان الأمر بسبب ضعف أهل العلم، وقلة عزيمتهم، وقلة بذلهم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو أمر قدري، مكان أنس يعيشون في مكان بعيد.
الشاهد قلة التذكرة في مجتمع تجعله بيصاب بتصلب، وتحجر، المعصية أول ما بتبدأ بتكون غريبة، ولما تقعد فترات محدش ينكر المعصية المعاصي تحول إلى نظام، يبقى زي سيستم في المجتمع، تتأسس ويكون لها قواعد، المعاصي والكفر يكون لها قواعد، وأصول، وضوابط، وععد من الأصنام، وطرق للتقرب للأصنام، وتقاليد بتترسخ في المجتمع، فيصعب نزعها، لذلك المعصية يسهل إنكارها أول ما تقع، فإذا تُركت صعُب على العاملين لدين الله إزالتها، يصعب إنك تزيل المنكر بعد ما يستقر لسنوات؛ لأنه بيترسخ، ويتجزَّر، ويُشاع فيه، ويوضع لها قوانين، لكن أول لما تقع بتكون لسة غريبة.
لذلك الجيل المصلح اللي بيأتي بعد أناس أهملوا في الإصلاح بتصعب عليهم عملية الإصلاح؛ تيجي مثلًا تعالج أي قضية مثلًا قضية الاختلاط، لما القضية بيطول عليها الأمد تصبح أمر طبيعي، وقانوني، ومنطمة، فيصعب عليك إن تغير.
تيجي مثلًا عاوز تفصل الرجال عن النساء في مكان العمل أو مكان تعليم تجد إعاقات كثيرة جدًّا، ومعوقات كثيرةجدًّا؛ لأن الموضوع ترسخ، وناس بتستنكر ما تقوم به، إزالة الأمر في أول ما وقع كان سهل.
فهنا يقول الله -عز وجل-: "لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ" يس:6، الاسم، الصيغة الاسمية أصبحوا راسخين في الغفلة، أصبحت الغفلة هو الأصل، نادر إن حد يذكرهم، فالمجتمات الغافلة تحتاج إلى جهد عظيم من التذكير.
واحنا قلنا ده جو السورة، لذلك تخبرنا السورة ما الذي يجب علينا في هذه الأجواء.
ما الواجب علينا فعله في مجتمع ترسخت فيه الغفلة؟
إذن إيه اللي يجب علينا أن نفعله في مجتمع ترسخت فيه الغفلة؟ وترسخ فيه الجهل، والبعد عن التذكرة؟
أول حاجة: إن الداعية هو اللي محتاج إن يتقاله إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم، يحتاج أن يتمسك بالوحي دي أول حاجة.
بعد كده يقولوا إيه كيف يدعون من يختارون إلى الدعوة؟ ماذا يفعلون مع بعضهم؟ الترابط، الجهر بكلمة الحق، الكلمات التي يقولها أهل الدعوة في هذا الوقت، بماذا يدعون؟ الكلام عن الله زي ما هو موجود في السورة.
دي القضايا اللي بنخلص منها من سورة يس.
فيقول الله -عز وجل-: "لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ" يس:6، ترسخوا في الغفلة، زي ما بنقول لما تيجي تصلح في مكان محدش راح أنكر فيه بقاله فترة كبيرة تجد صعوبة، غير لما مكان بتأتي عليه الدعاة تجده سهل، لسه سامعين الكلام قريب فيسهل على آذانهم، كلام مش غريب على قلوبهم.
فيقول الله -عز وجل- لما ترسخوا في الغفلة: "لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ" يس:7.
"إنَّ اللهَ نظر إلى أهلِ الأرضِ فمقتَهم، عربِهم وعجمهم، إلا بقايا من أهلِ الكتابِ" صحيح مسلم، ثم أرسل محمد –صلَّى الله عليه وسلم-، يقول -صلَّى الله عليه وسلم- الحديث في صحيح مسلم: "وإنَّ اللهَ أمرني أن أحرقَ قريشًا . فقلتُ: ربِّ! إذًا يثلغوا رأسي فيدعوهُ خبزةً، هيسكروا دماغي أنا لوحدي، قال: استخرجهم كما استخرجوك، وأنفِقْ فسننفقُ عليك، لن يذهب من الصدور أبدًا كما في أثار في صدورهم، واغزُهم نغزُك: أي نساعدك، وأنفق سننفق عليك، وابعث جيشًا نبعثُ خمسةً مثلَه" صحيح مسلم، فأول ما بدأ -صلَّى الله عليه وسلم- دعوة كان لوحده، كان النبي -صلَّى الله عليه وسلم- في أول الدعوة: " لقد أُوذيتُ في اللهِ وما يُؤذَى أحَدٌ ولقد أُخِفْتُ في اللهِ وما يُخافُ أحَدٌ" صحيح ابن حبان، أي أوذيت في وقت لم يكن يؤذى فيه أحد إلا أنا، مكنش فيه حد بيؤذى إلا أنا؛ لأنه كان لوحده -صلَّى الله عليه وسلم-، كان هو الوحيد اللي بيخاف الله –صلَّى الله عليه وسلم-، فالغربة هو ده واقع سورة يس، فيقول الله –عز وجل-: "لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ" يس:7، خلاص دول هيموتوا كفار فيمن علم الله –عز وجل- أنهم سيموتون كذلك، أكثرهم الواقع اللي كان في مكة ده أكثرهم كان رافض، وعنيد، ومتكبر يموت على الشرك.
ثم يبين الله -عز وجل- ليه هيموتوا على الشرك، "إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ" يس:8، هذا الجعل من الله –عز وجل- عقوبة لهم على عنادهم، وكبرهم، في أول الأمر هو عنده القدرة على الاختيار، عُوقب ميثاق إلى يوم يلقونه، عقاب من الله –عز وجل- إنه يموت على الكفر، فيقول الله –عز وجل-: إِنَّا بعظمته، جَعَلْنَا: بسنتنا، فِي أَعْنَاقِهِمْ ولم يكن حول أعناقهم، قال فِي أَعْنَاقِهِمْ، الغل اللي بيتربط حول الرقبة، الأغلال دي طبيعي إنها حول الرقبة او على الرقبة، إنما لما يتقال في الأعناق من شدة تمكن هذه الأغلال من الرقبة، من شدة تمكن هذه الأغلال من الرقبة يتقال في أعناقهم زي ما فرعون من شدة غضبه كده من إيمان السحرة فقال: "لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي" مش على جزوع النخل، فهنا يقول الله -عز وجل-: "إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا"، بعض العلماء هنا الأعناق والأغلال للجمع إما العنق الواحد له أغلال كتير، أو كل عنق له مانع يمنعه، له غل يتربط فيه، "إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا" الأغلال تتربط، "فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ" عائدة إلى الأيدي، والأيدي على الرقبة إلى الذقن كده، يُروى في بعض الأثار إن ده التشبيه اللى صوره سيدنا علي للناس كإن الأيدي مربوطة إلى الأعناق، رافعة راسه لفوق، لا يستطيع أن يُبصر ولا يلتفت، ولا يتحرك، ولا يستعمل يده، "إِلَى الأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ"، المقمح –الأول أنا بفسر معاني الكلمات وهقول المراد من الآية- المقمح: قيل الرافع رأسه لا يستطيع أن ينزلها، وقالوا ده أفعال الإبل بعض أهل اللغة قال معنى جميل أوي، لما الإبل تكون مريضة وعطشانة جدًا، ثم يُذهَب بها إلى الماء لكن لمرض فيها ترفع رأسها مش عايزة تشرب، ونجاتها في شربها، لكن أقمح رأسه، النجاة في الشرب، فكإن ما هم فيه هو مرض، والكلام في قَمَحَ في اللغة كلام كتير جدًا، حقيقة أهل اللغة أفادوا وأجادوا في المعنى ده، وجابوا معاني كتير إنها لا تستسيغ الماء؛ لمرض فيها، أو تظن أنها مروية، أو غير ذلك.
يبقى المعنى إن ربنا بيقول الشكل بتاعهم شكل واحد إيديه مربوطة لرقبته وراسه مرفوعة ويغض بصره لا يستطيع أن ينزل رأسه، طب المشهد ده اللي نهايته في الآخر فهم الصيغة الاسمية مقمَح الصيغة الاسمية مش اسم مفعول، المشهد ده معناه إيه؟ بعض أهل العلم قال ده مشهد العقاب بتاعهم في الآخرة، اتربط عليهم سلاسل ويكون منظرهم في جهنم كده –والعياذ بالله-، لكن غالب المفسرين رفض هذا القول وضعَّفه، القول ده مال إليه في الآخرة أبو حيان، لكن رفضه كثير من المفسرين؛ ابن عطية وابن كثير قالوا المعنى ده تشبيه لشدة إعراضهم عن الوحي، قالوا ده تشبيه، والقرآن يُشخِّص المعاني، خليها كإنها شاخصة أمامك حتى تبصرها رأي العين، القرآن من مزاياه له مزايا كتير، مثلًا اتصال الدنيا بالآخرة تجد حواجز مكسورة، الزمان، حاجز المكان، أيضًا القرآن يشخص لك المعاني، فربنا بيصورلك الكبر اللي جواهم لما تشوف واحد متكبر ماشي رافع راسه مش راضي يقبل الحق، الصورة الحقيقية لهذا المتكبر منظر واحد مربوط إيديه لرقبته، لذقنه، مش قادر ينزلها ورافع راسه لفوق وهو عطشان، هو يحتاج إلى هذا الوحي، يحتاج إلى الماء الذي به يحيا، لكن لا يستطيع، ده منظر إعراض، وده اللي اختاروا يُصح أن يقال ده جمهور المفسرين اختاره، ورفض ابن عطية إن ده في الدار الآخرة، قال لأن الآية اللي بعدها: "وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ" يس:9، قال الكافر ربنا قال عنه في القرآن: "لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ" ق:22، يعني الكافر ميتقلش عليه لا يبصرون، التاني ردوا عليه "رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى" طه:125، أيَّا كان السجال طويل، والقاسمي قال لا السياق كله في آيات الدنيا مفيش انتقال في الآخرة، قال ده صورتهم في الدنيا من الإعراض فهي صورتهم في الآخرة من العذاب، زي بالظبط "كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا" طه:126، كنت أعمى في الدنيا فتُحشر أعمى حقيقةً يوم القيامة. فشوف المشهد تشبيه الإعراض إلى الأغلال اللي ربطاهم ومنعاهم، يعني تخيل إن ممكن الإنسان يبقى عطشان لكن جواه موانع نفسية مش عاوز يشرب، مش قادر يشرب، إنسان يبقى نفسه يؤمن لكن جواه موانع من قبول الحق زي ما أبو طالب ولقد علمنا أن دين محمد من خير أديان البرية دينًا، عارف إنه الحق، لكن لولا الملامة، مسبة لقد رأيتني سمحًا بذلك مبينًا، كنت هتشوفني مسلم، لكن خايف من العار، من الكبر اللي منع غالب أهل مكة، كإن الكبر اللي جواهم ده اللي منعهم أيضًا نفس هذا الشوط المكي في سورة غافر "مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ" غافر:56، هذا الكبر اللي بداخلهم منعهم من قبول الحق، ربنا بيشبه الموانع النفسية اللي بتمنع الإنسان من قبول الحق –خد بالك من المعنى- يشبه الله –عز وجل- الموانع النفسية اللي بتمنع الإنسان من قبول الحق بالأغلال الي بتربطه، بتمنعه من الشرب، فهو في الحقيقة الأغلال دي بتاعة الأسير، في الحقيقة أسير الشهوات، زي ما فيه إنسان مثلًا يرفض الالتزام بالدين ليه؟ لديه موانع نفسية؛ مكسوف، خايف الناس تتتريق عليه، أصل مش عارف...، موانع نفسية، هذه الموانع لا يقلل القرآن من شأنها، خطيرة كالأغلال، هو أسير. لذلك المتكبر ده مريض حقيقةً، لذلك اللي استعمل القرآن استعمال المرض اللي عند الإبل أيضًا كما قيل "وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ" لقمان:18، متمشيش متكبر رافع راسك كده، فقال بعض أهل اللغة: الصعر ده مرض يصيب الإبل، يجعل أعناق الإبل ملوية، يعني الإبل بتبقى مريضة، اللي تلاقي الإبل ماشية ده تعبانة، واحد متكبر كده ده مريض، فأيضًا الموانع التي منعتهم من قبول الحق، وجعلت القول يحق على أكثرهم "لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ" يس:7، هي موانع الكبر.
إذن هذه السورة تواجه، هذه السورة –سورة يس- تأتي بمتكبرين، وتستخلص المستضعفين منهم؛ حتى يخرجوا من أسرهم، السورة دي بتستخرج الضعفاء اللي كانوا في سورة سبأ تبع المتكبرين، بتخرجهم من أتباع هؤء المتكبرين. فيقول الله –عز وجل- عن وصفهم: "إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ" يس:8، طيب هو المانع الداخلي ده، طب المانع الخارجي: "وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا" يس:9، فقالوا: فهو أسير مسجون، أسير مربوط وفي سجن، حتى لو بينهم لم يقل: وجعلنا من بين أيديهم ستارة أو حاجزًا، قال: سد؛ لعظم المانع اللي بينهم وبين الإيمان، أيضًا كثير من المفسرين اللي اختار معناها المانع المعنوي من الإيمان، وتشبيه لإعراضهم قال أيضًا الآية التانية كده، دول قولين في الآية.
القول التالت ذكره بعض أهل السير: الآية دي نزلت لما النبي –صلَّى الله عليه وسلم- أراد أن يهاجر، والله -عز وجل- أعمى أعينهم عنهم –صلَّى الله عليه وسلم-، وهذا القول الأشهر والأنسب للسياق واللي اختراه جمع من المفسرين ده تشبيه معنوي لحالهم، تشبيه حسي لحالهم المعنوي من الكبر، والإعراض عن الحق. "وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ" يس:9، -والعياذ بالله- قمة الإعراض فبالتالي قمة العقوبة، احنا قلنا من سنن الله –عز وجل- في معاملة عباده في قوله –سبحانه وتعالى-: "وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ" النساء:115، يُشَاقِقِ: أي يختار في شق غير شق الله ورسوله، اختار إنه يقف في الجانب الآخر، "وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا" النساء:115، إنت عايز تاخد، فعقوبة لهم جعلنا في أعناقهم أغلالًا، الظروف بقى المحيطة، فيه في فعنق الأغلال، وراسه مرفوعة لا يبصر، طب وحواليه، حتى لو عرف يفك جزء من الأغلال لا يبصر، ولن يستطيع، لكن حتى لو استطاع إنه يُبصر هييجي يرجع يجد وراه سد، فقيل "جَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا" أي لا يبصرون عواقب ما يفعلون، يعني واحد هيودي نفسه في داهية لكن لا يُبصر، عكس بقى المتقي لما ربنا قال فس سورة الأعراف: "إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ" الأعراف:201، دول قعدوا كتير في الضلال، التاني المؤمن أول لما يجيله الشيطان "إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ" الأعراف:201، دول فهم لا يُبصرون، المتقي يبصر عواقب الفعل فلا يفعله، المتقي بيعرف عاقبة أكل الربا فلا يأكله، المتقي المؤمن يُبصر كأنه يراه رأي العين، يبصر عواقب المعاصي. هؤلاء لا يبصرون عاقبة ما يفعلون، عادي شايف نفسه عادي، يحارب النبي –صلَّى الله عليه وسلم- ولا يُبصر عاقبة أمره، طب مش شايف اللي جاي، مش شايف الغيب ماشي طب ما شفش قبل كده! ما شفش عواقب الأقوام اللي أُهلكوا بجوارهم! يمرون عليهم بالليل وهم مصبحون، يمرون عليهم بالليل وبالصباح، مبيشفش عواقب الأقوام اللي حواليهم! فيقول الله –عز وجل-: "وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ"، قيل من خلفهم يعني عواقب الأمم السابقة لا يبصرونها، كإنه مش شايف، يمر على أماكن أقوام قد أُهلكوا وكأنه لا يرى شيء، "وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ"، إذن عقوبة عدم النظر للوحي أن يصيبه الله –عز وجل- بغشاوة على بصره، وده معنى قول الله –عز وجل-: "وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ" الزخرف:36، قيل من يتعامى عن النظر للقرآن، "وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا" الزخرف:36، قيل القيد هو قشر البيض، يعني يحيطه من كل الجوانب، " نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ" الزخرف:36، مش هيسيبه، "وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ" الزخرف:37، الشياطين بقى لما تمشي معاه تمنعوا عن السبيل الحق، "وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ " حَتَّى إِذَا جَاءَنَا، يفضل ظانن إنه مهتدي إلى أن يموت، "حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ" الزخرف:38، هنا يقول الله –عز وجل-: "وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ" يس:9.
في هذه الأوقات يبين الله –عز وجل- للدعاة يعملوا إيه، لازم الداعية في الأوقات دي يكون عنده فقه، يختار مين للدعوة، يعني لما يجد القائمين على الأنظمة المجرمة يعرف إن دول في الغالب لن ينفعهم، أقول في الغالب، وبيتبين من أفعالهم، فلا تحزن عليهم، ولا تهتم كثيرًا بهم زي ما ربنا قال في سورة فاطر: "فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ" فاطر:8، مينفعش الداعية يكون عنده تبذير دعوي، قلنا المبذِّر لغة اللي معاه البذور، وصية المبذر دي يعني بيلقي بذور في غير مواضيعها، واحد معاه بذور كتير المفروض يحط البذرة دي في المكان ده ويسقيها، البذرة دي في المكان ده، لكن اللي معاه بذور كتير بيرميها في أماكن؛ بيرميها على الصخر، وبيرميها في البحر هو كده بيُهلك هذه البذور، فهو مبذر، "إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ" الإسراء:27، ففيه تبذير دعوي إلقاء الكلام الدعوي في أي مكان، لأ، لازم يكون عندك فقه، فيقول الله –عز وجل-: "سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ" البقرة:6، خلاص دول وصلوا لمرحلة..، وليس في معنى هذا عدم إنذراهم ولكن عدم التكثير من ذلك، والحزن عليهم، والضيق مما يفعلون، خلاص إنت تبلغهم مرة اتنين خلاص، وزي ما ربنا قال للنبي –صلَّى الله عليه وسلم- في سورة عبس في فقه أولويات الداعية: "عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلا يَزَّكَّى" عبس7:1، مش عايز يسمع، مرة اتنين وتلاتة مش عاوز يسمع، خلاص، وما عليك، كلمة بتحرر الداعية من الضغط النفسي اللي عايش فيه عند إعراض الناس عنه، "وَمَا عَلَيْكَ أَلا يَزَّكَّى" عبس:7، متخفش مش عليك، ما أنت بملوم، "وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى * كَلا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ" عبس11:8، وظيفتك التذكرة، لذلك ربنا بيقول مين اللي ينجو من واقع الفتن ده بقى؟ من الذي ينجو من هذا الواقع المظلم، يعني مفيش أمل للنجاة؟ فيه أمل للنجاة، مين اللي ينجو؟ يقول الله –عز وجل-: "إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ ۖ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ" يس:11، قيل إِنَّمَا تُنذِرُ مش معناها تُنذر هؤلاء فقط وتترك هؤلاء، قيل ينتفع هؤلاء بالنذارة وكأنك لم تُنذر هؤلاء لعدم انتفاعهم بالنذارة.
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد –صلَّى الله عليه وسلم-
يقول الله عز وجل-: "إِنَّمَا تُنذِرُ" أي ينتفع بالنذارة، وصيغة الحصر والاستمرار، "إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ" قالوا يعني إيه هما لسة سمعوا؟ جاء يسمع ليفعل مش ليجادل، سورة الأنعام "حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ" الأنعام:25، هو جاي يجادل مش يبحث على الحق، فالذي يبحث عن الحق يُوفَّق به ويسدد، وقيل من اتبع الذكر أجهد نفسه في الوصول إليك، وفي الاستماع إليك، عشان كده مقالش من تبع الذكر، قال: "إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ"، فالتبع فيها تكلف، واتباع يعني يحاول أن يضع قدمه على القدم التي سبقته، المشي على الآثار، تابع لا يلتفت، "إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ"، زي سيدنا سلمان –رضي الله عنه- أجهد نفسه للوصول ثم للاستماع فوُفِّق للصواب، لكن اللي مش عايز مش هيوصل.
ففي وقت الفتن والظلمات لازم الإنسان يُجهد نفسه للوصول للحق، الناس عايزة في زمن الفتن اللي هي أصلًا واقع ظلمات عايز يشوف كل حاجة وهو قاعد في مكانه مينفعش لازم تتحرك، اتكلمنا المرة اللي فاتت أو اللي قبلها "وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ" النساء:100، لازم يخرج الأول حتى لو مكملش الهجرة ومات في الطريق حتى تصل إلى الحق، لن ينتفع بما تقول إلا الحريص، حريص على سماع القرآن، حريص إلى أن يصل للحق، لكن اللي مش عايز يسمع، يُتلى عليه الوحي ولا يشعر بقيمته، أو يعرف قيمته لكن هناك موانع، مرضاش يتبعه، موانع نفسية، زي الوليد بن المغيرة، هو يعرف قيمة الوحي، قال ما هذا بقول بشر، وعارف إن ده كلام مش زي أي كلام، عليه حلاوة، "وإنَّ عليْهِ لطلاوةً وإنَّهُ لمثمرٌ أعلاهُ مغدِقٌ أسفلُهُ" مرسل، قال الوليد بن المغيرة كلمات في وصف القرآن ثم لم يؤمن –والعياذ بالله-، موانع، أغلال منعته من السير في طريق الحق. إذن يُجهد نفسه في الووصول والاستماع، والإشارة زي ما قلنا في الواقع ده أغلب الناس بتضل، قليل من الناس بينجو، مين اللي ينجو؟ من فعل ذلك، وإشارة إلى الداعية أن يهتم بهؤلاء في هذا الوقت، "مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ"، دول يكونوا موضع الأصيل، "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ" الكهف:28، الداعية يظن إن الأولى في وقت الاستضعاف إنه يجيله ناس معاها فلوس كتير تخرجوا من المحنة دي، فيقول الله –عز وجل-: "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ"، حتى لو كانوا فقراء، "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ"، إنت عايز الدنيا عشان تنتصر، "وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا".
هنا يقول الله –عز وجل-: "إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ"، اتباع الذكر يُورث خشية، ده علامة من علامات اتباع الوحي، قال الله –عز وجل-: "لَوْ أَنْزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا" الحشر:21، الجبل هيتكسر ليه؟ "مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ"، أهم عامل من عوامل القرآن هو زرع الخشية، اللي بينبهر ببلاغة القرآن، بيتكلم عن معاني القرآن دون زرع هذه الخشية في قلبه هو أخطأ فهم أهم مقصود من إنزال القرآن، "لَوْ أَنْزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ" الحشر:21، ده أهم عامل يُصدِّع ويزلزل ويُكسِّر الجبال، والجمال هنا، مقلش هنا وخشي الجبار قال وخشي الرحمن، المؤمن يزيده الإحسان خشية، مش إعراضًا، المؤمن يزيده الإحسان من الله خشية، وانكسارًا، أن يتذكر نعم ربنا عليه، فيه واحد فيه نعم تزيده طغيانًا –والعياذ بالله-، فكثرة سماع ذلك الشخص عن اسم الله الرحمن الرحيم تزيده طغيانًا وإغراقًا في المعاصي، لكن المؤمن تزيده ذكر الرحمة خشية، وينكسر، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، يعني ربنا يُحسن عليا وأنا ما أُحسنش! "إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ" يس:11، أيضًا إشارة في هذه الأوقات لا يُوفَّق إلا المخلص، "وَخَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ"، أي وهو غائب عن الناس، مش مشغول بنظر الناس. لذلك قيل من موانع فهم القرآن الانشغل بنظر الناس، لقوله –سبحانه وتعالى- في آخر سورة التوبة: "وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُوا" التوبة:127، قيل إن من موانع فهم القرآن إنه كان مشغول بنظر الناس فمفهمش السورة لما نزلت، "وَخَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ"، ده هنا بقى انتقل معاه من مرحلة أول الآية: "إِنَّمَا تُنذِرُ"، ختام الآية: "فَبَشِّرْهُ"، ده بقى معهم نذارة وانتقل مع البشارة، وقيل فبشره مفرد إشارة إلى قلة من يهتدي في هذه الأوقات، ما قلش فبشره، والسياق اللغوي يحتمل هذا وذلك؛ لأن لفظ مَن يحتمل هذا وذاك، التانيين قال: أعناقهم، لا يبصرون، أنذرتهم، لا تنذرون، إنما هنا قال فبشره على ما فعله من معاصي قبل سماع الذكر، وأجر كريم لا تنغيص فيه.
ثم يقول الله –عز وجل-: "إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ" يس:12، غالب المفسرين بيقول إنا نحن نحيي الموت، وإيه علاقة ده بالآيات؟ إن السبب الرئيسي لامتناع هؤلاء عن الإيمان، هو قضية البعث والمجازاة، هو مش عاوز يؤمن بالدين ده ومش عاوز يسمع الذكر ده؛ لأن أغلب الذكر بيتكلم عن الدار الآخرة، إذن طرح الدين للناس مع استئصال قضية الدار الآخرة ده ميزان مقلوب، الدار الآخرة أصل أصيل في الوحي، أي طرح في الدين مفيهوش كثرة واستعظام للدار الآخرة هو طرح مُشوَّه، فالسبب الرئيسي عن إيمانهم بهذا الذكر وهذا الوحي هو مسألة البعث، ومسألة الإحياء والحياة جاءت كثيرًا في هذه السورة، حتى خُتمت بمستنكر البعث والرد عليه، "قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ" يس79:78، فقضية الإحياء والحياة بالقرآن، بل والحياة الحقيقية حياة الشهيد، السورة، فقال: "إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى"، والإحياء معاه حساب، فقال الله –عز وجل: "إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى" والإحياء معاه حساب فقال الله –عز وجل-: "وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا" أي ما فعلوا وليس فقط ما فعلوا في الدنيا، وَآَثَارَهُمْ آثار هذا الفعل، اللي سن في الإسلام سنة حسنة واللي سن سنة سيئة، آثار الطاعات بعد الموت وآثار المعاصي بعد الموت، "وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ"، مش كتبناه؛ الإحصاء أعلى من الكتابة، "عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ" المزمل:20، الإحصاء الأعلى من ذلك، "وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ"، قيل في اللوح المحفوظ أو كتاب الأعمال، طب ليه اتسمى إمام؟ لأن الإمام ما يُؤتم؛ أي أنه ما يُقصد، فمعنى ذلك إن الناس كلها تجرى على، تؤّم الكتب بتاعتها يوم القيامة، كل واحد هيجري على الكتاب عشان يُبصر النتيجة بتاعته، "إِمَامٍ مُبِينٍ"، أي موضَّح، مُفصح عن حقيقة الأعمال، زي منظر الناس كلها كده يوم النتيجة كلها تجري على النتيجة عشان تشوف مين اللي ناجح من اللي ساقط، وده اللي هيحصل يوم القيامة، وقيل معنى لطيف أيضًا هنا –أختم بيه- إن معنى: "إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى" قيل الموتى هنا الكفار، وذُكر ده في أكثر من موضع زي: "يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ" الروم:19، قيل المؤمن من الكافر، وقيل: " إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ" ص:79، للكفار، "أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ" الأنعام:122، قيل الكافر يؤمن ويُعطى القرآن، وقيل: "إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى"، الموتى اللي مين بقى في السياق؟ اللي في أعناقهم أغلال، الي جعلنا من بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا، هؤلاء إذا أراد الله إحياءهم فعل –سبحانه وتعالى-، بل ويجعلهم من العاملين للدين فقال: "إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ" يس:12، الصالحة في نصرة هذا الدين، يعني مش بس إن هما يؤمنوا يكون له آثار
لذلك في هذه الآية آثار كثيرة، ولما النبي –صلَّى الله عليه وسلم- سلمة وأرداوا أن ينتقلوا –صلَّى الله عليه وسلم- قال: "ديارَكم ديارَكم تُكتَبْ آثارُكم" صحيح ابن حبان، يعني كل خطوى بتمشيها بتتكتب، فخليك بعيد، ساكن بعيد وتعالَ للمسجد، لذلك قال قتادة في هذه الآية: "لو كان الله –عز وجل- مُغفلًا شيئًا منك يا بن آدم لترك ما أعفته الريح من أثرك"، يعني إنت لما بتمشي على الأرض الريح بتيجي تشيل أثرك، حتى مجرد إنك تمشي في سبيل الله وييجي التراب ده محسوب عن ربنا –سبحانه وتعالى-، فقيل:س "نَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ" ومن هذه الآثار الطيبة مؤمن آل يس؛ لما جاء الرسل آمن بهم فأحياه الله، ثم قدَّم الأثار فنطق بكلمة الحق، واستُشهد وبقي أثره إلى الان نقرأه في القرآن "نَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ" يس:12، لا يغيب شيء عن الله –عز وجل- سواء من الأعمال الصالحة أو من السيئة، نسأل الله –عز وجل- أن يجعلنا من العاملين لدينه، وأن يرزقنا حسن الخاتمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وجزاكم الله خيرًا.
تم بحمد اللهحياكم الله وبياكم
الإخوة الأفاضل والأخوات الفضليات: يسر فريق التفريغ بشبكة الطريق إلى الله
أن يقدم لكم:
تفريغ تفسير سورة "يس" من الآية 1 إلى الآية 12 :: للدكتور أحمد عبد المنعم من دورة بصائر قرآنية 3
لتحميل التفريغ بصيغة pdf من هنا
وإليكم نص التفريغ:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد -صلَّى الله عليه وسلم-
بإذن الله -عز وجل- نستفتح تفسير سورة يس، وكنا انتهينا بفضل الله عز وجل من سورة سبأ، وسورة فاطر بفضل الله عز وجل نستفتح بحول الله عز وجل وقوته ومدد منه سبحانه وتعالى الكلام عن سورة يس، هذا الشوط كما قلنا مستمر من بعد سورة الأحزاب سورة سبأ، من بعد سورة الأحزاب المدنية بدأ شوط مكي طويل مكي يبدأ من أول سورة سورة سبأ، بعدين فاطر، بعدين يس، الصافات، ص، الزمر..
ثم يأتي شوط طويل أيضًا مكي لكن متصل حم، سبع سور متتاليات، تبدأ بغافر ثم فصلت، ثم الشورى، ثم الزخرف، ثم الدخان، ثم الجاثية، ثم الأحقاف..
وينتهي هذا الشوط الطويل اللي بدأ من أول سبأ إلى سورة الأحقاف، ينتهي هذا الشوط المكي ليبدأ شوط مدني طويل سورة محمد: القتال، سورة محمد -صلَّى الله عليه وسلم- اللي هي سورة القتال، ثم الحجرات في 3 سور مدنيات متصلات، ثم يبدأ شوط مكي آخر من أول سورة ق يستمر إلى الواقعة لسورة الحديد.
هذه الأشواط المتتالية، المتباينة، المتغايرة بين مكي ومدني مع طول الأشواط المكية وقصر الأشواط المدنية لها دلالات، إن شاء الله عز وجل ممكن يفتح بها علينا إذا وصلنا إن مَن الله علينا ورزقنا الفقه والتوفيق والسداد إلى أن نصل لسورة الأحقاف.
أهم العوامل لفهم القرآن الكريم
فسورة يس في هذا الشوط بعد سورة فاطر تأتي هذه السورة العظيمة، ومن أهم عوامل فهم كتاب الله -عز وجل- قضايا كثيرة منها: الرجوع إلى كلام السلف، آثار السلف، واعتبار اللغة، وأيضًا من أهم هذه القضايا معرفة تتبع السياق، السباق واللحاق، زي ما قلنا قبل كده الإمام الطبري بيعتمد كثيرًا على السياق في تحديد معاني الكلمات المجملة، بمعنى معاني الكلمات المجملة مثل: "عملوا الصالحات، الدنيا، التقوى.." هي كلمات مجملة، لها أحيانًا معاني مخصوصة، التقوى كلمات عامة، لها معنى مخصوص يخصصه السياق.
لماذا معرفة واقع نزول السورة يُعَد من عوامل فهم السورة؟
أيضًا من أهم عوامل فهم كتاب الله -عز وجل-: معرفة واقع نزول السورة:
زي ما قلنا قبل كده مرارًا وتكرارًا إن أكثر الناس المستفيدين من كلمة شفاك الله وعافاك هو المريض، أكثر الناس استفادة من كلمات معينة هو ما يحتاج إلى هذه الكلمات، فالواقع اللي نزل فيه السورة كانوا يحتاجون إلى سماع هذه الكلمات في هذا الوقت..
يعني سيدنا عمر بن الخطاب لما سأل في الحديبية وتعجب لمَ نرض الدنية في ديننا؟ وبعد فترة وهما ماشيين فنزلت سورة الفتح، فناداه النبي -صلَّى الله عليه وسلم-، سيدنا عمر كان محتاج يسمع سورة الفتح في هذه اللحظات تحديدًا.
وقال النبي -صلَّى الله عليه وسلم-: "لقد أنزلت عليَّ الليلة سورة، لهي أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس" صحيح البخاري، فعلًا فهم آيات، ومعرفة آيات من كتاب الله -عز وجل- في وقت الفتن أحب إليك من الدينا وما فيها، يبقى نفسك تدفع الدنيا وما فيها وإنك تفهم ما يحدث في هذه اللحظات فهم موثق، وخاصة آيات من عند الله -عز وجل-.
فناداه النبي -صلَّى الله عليه وسلم- وقرأ عليه سورة الفتح، فاطمأن عمر -رضي الله عنه- عندما سمع هذه الآيات.
يبقى على حسب الاحتياج للآيات على حسب الاستفادة منها؛ ففهم واقع السورة، فهم واقع نزول السورة من أهم عوامل فهم هذه السورة.
من أين نعرف واقع نزول السورة؟
طب الواقع ده أو واقع السورة يتعرف منين؟ إما من أسباب نزول وردت في الآيات أو في السورة، أو أيضًا السورة تدل على نفسها؛ يعني احنا استدلينا من واقع سورة سبأ إن الكفار معاهم عدة وعتاد ويفتخرون بذلك من آيات في نفس السورة من قوله تعالى: "وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ" سبأ:35، أيضًا الآيات اللي تأتي في السورة بتدل على واقع هذه السورة.
سورة يس تخبرك ما الواجب عليك فعله في الواقع المليء بالظلم
طيب سورة يس واقع مكي لكن حقيقةً واقع مليء بالظلم، والإعراض، والسواد، والقتامة، قمة الإعراض وعدم إرادة سماع أي نوع من أنواع الخير، بل من يتكلم في هذا الواقع يُقتل، كما جاء مؤمن آل يس الحق فقتلوه.
قمة الإعراض تجده في هذه السورة، ما الذي ينبغي علينا في هذا الواقع اللي مليء بالإعراض، والظلم، والقهر، والرؤساء يتحكمون في الأمر، ما الذي نتكلم فيه؟ ما الذي يحتاجه المؤمن؟ هذا ما نجده في السورة -سورة يس-.
في هذا الواقع المليء بالظلمات والظلم تُفقد الحكمة، ويتصرف الإنسان بطيش، فبدأت السورة بقسم بالقرآن الحكيم، أنت تحتاج إلى تصرفات مليئة بالحكمة في هذه الأوقات تحديدًا وفي كل الأوقات، لكن في هذه الأوقات خاصةً.
إذن ما يجب على المؤمنين أن يتعلموه، وأن يفقهوه، وأن يتعاملوا به، وأن يتكلموا به، وأن يتحركوا به يكون في هذه السورة اللي مليئة -كما قلنا- بقمة الإعراض، قال الله -عز وجل-: "لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ.." أغلب الناس خلاص مش هيؤمنوا، ".. فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ" يس:7.
تخيل أغلب الناس في هذه المرحلة وصل من الإعراض والجحود، والران اللي على قلبه إلى أن تحجر قلبه، وحق عليه القول أنه لن يؤمن، لا يريدون أن يسمعوا أي كلام للحق، وكما قلت من يتكلم في هذه اللحظات يقتلونه، لا يريدون أن يسمعوا شيئًا كما قُتل مؤمن آل يس. "يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ" يس:30.
أقوال العلماء في الحروف المقطعة في القرآن
في هذه السورة، هذا الجو، تأتي هذه المعاني التي يحتاجها المؤمن أن يسمعها في هذه اللحظات؛ فبدأت السورة بحروف من الحروف المقطعة "يس"، وغالب الناس بيعتقد إن ده اسم للنبي -صلَّى الله عليه وسلم-، والراجح إنه ليس اسم للنبي -صلَّى الله عليه وسلم-، بل هما حرفان من الحروف المقطعة مثل: الم، الر، حم، فأيضًا بدأت هذه السورة ب يس، والغالب على السور اللي بتبدأ عن الحروف المقطعة حديث عن القرآن كما قال كثير من أهل العلم، وكأنه تحدٍّ، هذه الحروف اللي منها كلمات القرآن، فتحداهم الله -عز وجل- أن يأتوا بقرآن مثله، أو بعشر سور مثله، أو بسورة، أو بسورة من مثله، وجه من وجوه الإعجاز.
فالقرآن تحدى وأمهل، يعني اداهم فترة، ثم سهَّل، يعني تحداهم وأمهلهم ثم سهل في التحدي، فلم ولن يستطيعوا، ولن تفعلوا، وقطع الأمال في أن يُؤتى بمثل هذا القرآن؛ لأن هذا التحدي جاء في قمة وصول العرب إلى الإمساك بنواصي اللغة، وبحروف اللغة، فلم يستطيعوا.
يعني لما إنسان مثلًا بيتحدى طبيب ماهر إنه يعالج مرض ولن يستطع الطبيب إذن المرضى أيضًا لا يستطيعون، فإذا عجز هؤلاء العرب الأقحاح على أن يأتوا وأن يعارضوا القرآن على ما توفر فيهم من الأنفة والكبرياء، المفروض لما يتحدوا تُستنفر هذه الأنفة، وهذا الكبر اللي في داخلهم إلا أن يأتوا بمُعارض لهذا القرآن، برغم الكبر اللي جواهم لم يفعلوا ذلك ولن يفعلوا ذلك.
إذن هذا اعتراف منهم بالعجز، فإذا عجز هؤلاء فما دونهم أولى إلى يوم القيامة.
وكما قلنا التحدي في القرآن جاء بشيئين، التحدي بالخلق وبالقرآن؛ الخلق: إثبات أن الله خالق إذن فيه دين، فخرج الملحدين والمشركين الكافرين بالله، ثم التحدي بالقرآن إلا أن هذا الدين هو الحق. إذن التحدي من أقصى البعد إلى الطريق المستقيم.
الكلام في الحروف المقطعة كثير، وتكلم عنها العلماء كثيرًا، هل هي مما استأثر الله -عز وجل- بعلمه، ولا مما اختُص الراسخون في العلم، بعضهم بيقول هي من أسماء الله -عز وجل- كما وردت آثار وإن كان ضعفها بعض أهل العلم أثار عن بعض السلف، وبعضهم بيقول تُفهم معاني الحروف مما في سياق السورة، يعني ممكن نفهم من الكلمات والمعاني اللي تكررت في السورة يُفهم معاني هذه الحروف، ومنهم من يقول هي علامات على أسماء الله مما ورد في السورة وغير ذلك.
ونقطة مهمة جدًّا الحرف القرآني حرف غير الحرف العادي، الحرف العادي ليس له معنى؛ يعني اللي يقول ياء برَّا القرآن، الحرف في القرآن حتى لو لم تفقه معناه لكن تؤجر عليه، فله أجر، قال النبي -صلَّى الله عليه وسلم-: "لا أقولُ ألم حرفٌ ولكنْ ألفٌ حرفٌ ولامٌ حرفٌ وميمٌ حرفٌ" صححه الألباني، والحرف بعشر حسنات، والله يضاعف الله لمن يشاء.
إذن الحرف القرآني له دلالة غيبية في الأجر وده من عِظَم هذا القرآن.
أسماء القرآن وأوصافه
يقول الله -عز وجل-: "يس"، ثم يُقسم الله -عز وجل- "وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ" يس:2، يُقسم الله -عز وجل- بالقرآن، بعض العلماء بيقول: ورد في القرآن أوصاف للقرآن وأسماء للقرآن، فيه فارق بين الاسم العلم وبين الصفة، الصفة زي جميل، طويل، بالنسبة لشخص، علم ده اسمه، زي أحمد، محمد، ده اسمه علم.
زي القرآن يقولوا ده مش وصف ده علم، لما أقول كلمة القرآن هو علم على هذا الكتاب، الشمس مش وصف، الشمس علم على هذا المخلوق الذي يضيء ويشرق نهارًا، ويغرب ليلًا، ده علم.
فقيل إن القرآن له أربع أسماء، وزاد بعضهم: قيل القرآن، والكتاب، والذكر، والفرقان، وزاد بعضهم والوحي، أعلام، أسماء، لما يتقال الذكر فهو القرآن، طب الفرقان هو القرآن، وبعضهم قللها وبعضهم زادها عن ذلك، وقال الباقي أوصاف.
في وقت الفتن نحتاج إلى القرآن
فيُقسم الله -عز وجل- "وَالْقُرْآنِ" بالرغم أنه في هذه اللحظات لم يكتمل الإشارة أنه سينزل وسيكتمل الوحي، شاء من شاء وأبى من أبى، "وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ" يس:2، إذن في هذه اللحظات وفي هذه الفتن أنت تحتاج إلى القرآن، كلما اشتدت الظلمات كلما احتاج الإنسان إلى النور، فلا يعلم الإنسان قيمة النور إلا عن اشتداد الظلمات، زي ما قلنا كان آيات بسيطة، أو الآيات كلها عظيمة لكن أقصد عدد الآيات قليل تنزل على المؤمنين في أوقات الفتن تُخرجهم من الظلمات إلى النور.
احتاج عمر بن الخطاب -وهو مَن هو- أن يستمع لآيات من سورة الفتح، احتاج المؤمنون وهم عائدون من غزوة أحد إلى أن يستمعوا إلى آيات من سورة آل عمران، فنزلت هذه الآيات لتوضح لهم النور، وتبين لهم النور، وتخرجهم من الظلمات إلى النور.
لماذا اختار الله عز وجل هنا وصف الحكمة للقرآن؟
فيقول الله -عز وجل-: "وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ" يس:2، اختار الله -عز وجل- في هذه السورة وصف الحكمة، قيل لأنها مليئة بالحكمة، وقيل لأننا نحتاج إلى الحكمة في هذه الظروف، وقيل أيضًا هناك أفعال قد يظنها البعض ليست من الحكمة، أفعال يفعلها أهل الإيمان يظنها البعض أنها ليست من الحكمة، يظنونها من السفاهة كما قال المنافقون واليهود على أفعال أهل الإيمان حينما قيل لهم:
"وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء" البقرة:13، اللي آمن في هذه اللحظات في بداية سورة البقرة، في بداية المرحلة المدنية صنفين من الناس: المهاجرون تركوا أرضهم، والأنصار تبرعوا بأموالهم، فعند اليهود والمنافقين ده سفاهة إن أنا أسيب أرضي أو أطلع فلوسي عندهم ده إيه؟ عشان إيه، أسيب فلوسي عشان إيه؟ عندهم ده سفاهة..
فأخبر الله -عز وجل- أن ما فعله هؤلاء: أي المهاجرون والأنصار هو محض الإيمان، وأن الإيمان الذي ليس فيه بذل ولا نصرة هو ليس إيمان حقيقي، بل ما اختاره المنافقون لأنفسهم هو محض السفاهة..
"أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء" البقرة:13، وقال الله -عز وجل- في نفس السورة: "سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ" البقرة:142، وقال في نفس السورة: "وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ" البقرة:130، اللي هيبتعد عن أفعال إبراهيم -عليه السلام- هو السفيه، فهناك أفعال يظنها البعض من السفاهة وهي محض الإيمان، فما فعله مؤمن آل يس من قول الحق في هذه الظلمات، وبرغم من أنه قُتل هو ليس من السفاهة بل هو من الحكمة.
إذن أفعال أهل الإيمان في الاستضعاف يظنها من السفاهة وهي ليست من السفاهة بل هي من الحكمة.
من أين نتلقى الحكمة؟
ونحتاج إلى اقتباس الحكمة من أفعال الحكمة على حسب الأوضاع من القرآن والسنة، "وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً" البقرة:269، أوتي خيرًا عظيمًا.
وأيضًا تلقي الحكمة يكون من الوحي، وما أشار إليه الوحي، أيضًا لا نغلق الأمور لكن ما أشار إليه الوحي على أنه علم نافع يُتلقى منه الحكمة، لكن يُتلقى العلم ابتداءً من الوحي، فالوحي هو الأصل، باقي العلوم امتداد لهذا الأصل، اللي هيتلقى بقية العلوم بدون هذا الأصل هو بيتلقى امتداد ليس مبنيًّا على الأصل، فيهوي به في مكان سحيق.
فيقول الله -عز وجل-: "وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ" يس:2، فالحكمة في هذا الوحي حتى لو ظهر لك غير ذلك من الأمور، الحكمة تكون في هذا الوحي.
يحتاج المؤمن دومًا أن يعود للقرآن لتثبيت أنه على الحق
بعد أن أقسم الله -عز وجل- بما أنزل من قرآن حكيم، احنا قُلنا اللي يساعدك على فهم الكلمات، وأن تنزل على قلبك منازلها ومواقعها: استحضار وقت السورة.
ثم يقول الله -عز وجل- بعد القسم في سورة تأكيد اللي مليء بالمؤكدات: الجملة الإسمية، وإن، و لام المزحلقة، "إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ" يس:3، يقول الله -عز وجل- لمين؟ للنبي -صلَّى الله عليه وسلم-، يؤكد له بعد القسم "إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" يس:3،4.
أحيانًا في خضم المعركة تحتاج إلى من يؤكد لك ما تعرفه أنت عن نفسك، أنك على الحق، محتاج حد يقولك: إنك على الحق المبين، "فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" الزخرف:43، تحتاج إلى من يقول لك هذا الكلام، لذلك كان يقول بعض أهل التفسير: "نُبئ -صلَّى الله عليه وسلم- باقرأ، وهُدِّئ بنون، وهُيئ بالمزمل، ثم أُرسل بالمدثر "قُمْ فَأَنْذِرْ" المدثر:2".
نُبئ باقرأ، وهُدِّئ يحتاج -صلَّى الله عليه وسلم- إلى أن يُقال له: "مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ" القلم:2، وهُيئ للقيام بالمزمل، ثم أُرسل بالمدثر -صلَّى الله عليه وسلم-.
إذن يحتاج المؤمن إلى تثبيت أنه على الحق، لذلك حتى دايمًا بيكتشفوا في الحروب بين الجيوش وغيرها إن الجيش اللي معندوش عقيدة يقاتل من أجلها يفر عند احتدام المعارك، فبيحاول يدوا نوع من التوعية المعنوية، والجلسات المعنوية اللي تساعده على رفع الروح المعنوية، قالك على الحق اثبت، وفرعون لما أراد إنه يستنفر الجيوش ضد موسى -عليه السلام- قال لهم: "إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ" غافر:26، استعمل أمور معنوية، مش فقط المال، قالهم ده إنتوا على الحق وأنا خايف على دينكم، وخايف من هؤلاء الذين يريدون أن يزعزعوا الأمن والاستقرار، ويريدون أن يخرجوكم من أرضكم، ده أمر دايمًا..
فإذا كان أهل الباطل يفعلون ذلك فأهل الإيمان أحق بذلك، فالداعية يحتاج إلى تثبيت، لذلك الداعية الذي لا يتلقى هذا التثبيت من القرآن دايمًا يتزعزع، ويسهل تنازله عن الحق الذي معه.
لذلك قال الله -عز وحل- في سورة هود:
"فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا" هود:12، كلمات أهل الباطل قد تؤثر فيك، فتحتاج إلى أن تعود إلى القرآن لتستمع إلى هذه الكلمات التي تثبتك.
لذلك تحصيل -كما قال أيضًا بعض أهل العلم- "تحصيل المعاني أهم من ملئ الأواني"، "وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي" الحجر:87، حتى لا يمد الإنسان عينه، فالإنسان لا يستطيع أن يُكلف ألا يمد عينه للدنيا بدون بديل، لما ربنا -سبحانه وتعالى- يقولك: "وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ" الحجر:88، طب عينك هتوديها فين وقلبك جواك مشاعر، حينما تتجه بهذه المشاعر للقرآن تصبر وتتصبر، وتجد الزاد الذي يصبرك.
مادمت ملتزمًا بالقرآن فأنت على صراط مستقيم.. فلا تحد عنه أبدًا
فيقول الله -عز وجل- للنبي -صلَّى الله عليه وسلم- في هذا الوقت، وده يعلمك ويعرفنا مدى الضغظ اللي كان موجود على المؤمنين في هذه اللحظات، والضغظ الذي احتاج معه النبي -صلَّى الله عليه وسلم- إلى أن يسمع هذه الكلمات:
"إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ" يس:3، التأكيد، وهذا التأكيد هو الذي قاله الرسل -زي ما هيجيلنا في الآيات بعد كده- يؤكدون أنهم لمرسلون، وهنا يؤكد الله -عز وجل- للنبي -صلَّى الله عليه وسلم- بعد القسم بالقرآن الحكيم، وأن ما أنزلتُه من قرآن هو فيه الحكمة، "إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ" يس:3، أي لمن المرسلين بهذا القرآن الحكيم.
ما هو مرسل يعني فيه فعل الإرسال، فيه فاعل هو المرسِل هو الله -عز وجل-، وفيه مرَسل وهو النبي -صلَّى الله عليه وسلم-، وفيه مرسَل به، دي مكونات الرسالة: مرسِل، مرسَل، مرسَل به؛ فالمرسِل: هو الله -عز وجل-، والمرسَل: هو النبي -صلَّى الله عليه وسلم-، به: برسالة بالقرآن الحكيم.
"إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" يس:3،4، أنت متمكن، "على" ده التمكن، "وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ" سبأ:24، زي ما ورد في سورة سبأ "على" دايمًا تأتي مع الهدى للتمكن.
فإنك على صراط مستقيم، طالما أنت ملتزم بهذا القرآن الحكيم إذن أنت على صراط مستقيم، فلا يضرنك ما يقولون ولا ما يفعلون، ولا ما يحاربونك به، فإنك على صراط مستقيم، قالها الله -عز وجل- لنبيه -صلَّى الله عليه وسلم-، وكررها أيضًا في سورة الزخرف أيضًا في هذا الشوط المكي الطويل، اللي مليء بالمحاربة لأهل الدين، والمحاربة لآيات الله -عز وجل-.
إذن تمر على الإنسان فترات يحتاج إلى أن يكون هو ثابت، هو موقن، كذلك الداعية الموقن يتكلم بكلام يؤثر غير الداعية المتزعزع؛ فالداعية الحق يتكلم مع الناس عما يرى بقلبه لا عما قرأ بعينه، يعني هو يكلمهم عما رأى، يكلمهم عن يقين بداخله؛ يعني لما مؤمن آل فرعون بيقول: "إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ" غافر:39، هو يكلمهم عن يقين رآه أن الدنيا حقًا متاع مش عن كلمات سمعها أو قرأها، يسهل إنها تزول من قلبه، لأ يكلمهم عن كلمات نُقشت في قلبه.
فالداعية بيتكلم بيقين، والكلام اللي بيخرج بيقين بيصل، غير الكلام البارد اللي بيخرج من قلب لا يحمل هذه الهموم سرعان ما يزول، عارفين الاسبراي بتاع الكحول بيطير، بعض الكلمات هكذا ليس لها أصول، لكن الحق شجرة ثابتة أصلها في الأرض وفرعها في السماء تؤتي أُكلها كل حين بإذن ربها، فالداعية يحتاج إلى هذا التثبيت يتكلم الكلام الواحد يكون على الحق، يشعر بذلك يقينًا أنه على الحق.
"إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ" طريق واضح، وهذا الطريق الواضح اللي هو الصراط مستقيم لا اعوجاج فيه، فهي أيضًا إشارة أنك لابد أن تثبت على هذا الصراط المستقيم، ومهما فعلوا معك وحاربوك لا تحد عن هذا الصراط أبدًا.
فالسورة -زي ما قُلنا- نزلت في جو مليء بالإعراض زي ما هييجي في قول الله -عز وجل-: "لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ" يس:6، طول الفترة والبعد عن الإنذار أدى إلى نوع من التحجر، والتصلط في الأفكار بعيدًا عن الوحي، فأصبح الوحي غريبًا علينا، فيقول الله -عز وجل-: "إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ" لا تبعتد عنه مهما فعلوا معك من محاولات لا تحد عن هذا الصراط، فإنك على صراط مستقيم.
"تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ" يس:5، ما معك من وحي وما أُرسلت به هو من عند الله ليس مفترى، وما من عند الله -عز وجل- لا يُغالب.
لابد من اجتماع القوة والرحمة معًا في القرآن
ووصف من أسماء الله -عز وجل- عند تنزيل الوحي قال: "تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ" يس:5، لا بد ما اجتماع الوصفين: القوة والرحمة، "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا" الفرقان:31، هَادِيًا لمن أراد الهداية، وَنَصِيرًا لمن أصر على العناد.
فهنا العزيز الذي لا يغالب، القرآن لا بد أن يكون فيه قوة، نزع هذه الآيات التي فيها العزة من القرآن وطرح آيات مجتزأة، يعني كلام فقط عن بعض الأخلاق ليس هناك كلام عن العقائد ده تشويه للدين.
" يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ" أي كل ما أنزل إليك من ربك، "وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ" أي لم تبلغ أي واحدة، "فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ" المائدة:67.
يعني وإن لم تبلغ القرآن كاملًا فكأنك لم تبلغ شيء، أيضًا معناها -حتى نوضح المعنى- فإنك بلغت القرآن ناقصًا فكأنك لم تبلغ شيء، وإن لم تفعل: أي لم تبلغه كاملًا فكأنك لم تبلِّغ القرآن تمامًا.
"تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ" يس:5، الْعَزِيزِ: لمن أصر على العناد، الرَّحِيمِ: لمن أراد الوصول إلى الحق.
قُدِّم الإنذار على البشارة لانتشار المعاصي في هذه الفترة
أرسلك الله -عز وجل-، وأكد لك أنك مرسل بهذا القرآن الحكيم لماذا؟
"لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ" يس:6، لام التعليل تُنذر، لم يقل لتبشر، قال الإنذار لغلبة المعاصي، دايمًا الدعوة في مكان فيه انتشار المعاصي أكثر يُقدَّم الإنذار على البشارة، أول ما قام النبي -صلَّى الله عليه وسلم- قام منذرًا، قال: "إنّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ" صححه الألباني.
"لِتُنْذِرَ قَوْمًا" قوم تأتي لما مجموعة من الناس يجتمعوا على شيء معين؛ نسب، قبيلة، وعلى فكرة معينة، فكأنهم سبب قومتهم الرسالة.
لتنذر قوم كلهم اجتمعوا ضد النبي -صلَّى الله عليه وسلم-، كادوا يكونون عليه لبدًا، اجتمعوا ضد النبي -صلَّى الله عليه وسلم-.
أقوال المفسرين في نوع "ما" هنا ومعناها
"قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ" "ما" دي -عاوزكم تركزوا معايا- "ما" دي فيها قولين:
المتبادر للذهن إن معناها إيه؟ لتنذر قومًا إن ما منفية لم يُنذر آباؤهم قط، مجلهمش نذير أبدًا، وهذا كتير من المفسرين وأنا أميل إليه حقيقةً.
لكن أيضًا ذكر بعض المفسرين قول أيضًا معتبر إن مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ بمعنى اسم موصل بمعنى الذي، ما موصولة، أي لتنذر قومًا الذي أنذر آباؤهم، هو هواه، يعني هتقولهم نفس الكلام اللي اتقال لآبائهم، نفس الكلام الذي قاله إبراهيم الخليل لأجدادهم ستقوله أنت لهم..
وده أحد معاني قول الله -عز وجل- في سورة فصلت: "مَّا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ" فصلت:43، مَّا يُقَالُ لَكَ: أي من قِبَل الله، وقيل مَّا يُقَالُ لَكَ: من قِبَل المشركين، فعلى قول: "مَّا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ" أي ما أُوحي إليك من أصول هو نفس ما أُوحي للرسل من قبلك، فهذا معنى إنه ما موصولة، أو قيل مصدرية؛ يعني تنذر قومًا الإنذار الذي أُنذر به آباؤهم.
فَهُمْ غَافِلُونَ: أي هم غافلون عن هذا الإنذار.
إنما معنى فَهُمْ غَافِلُونَ: أي هم أعرضوا عن هذا الإنذار السابق فهم يحتاجون إلى تجديد لهذا الإنذار، ما يعيشون فيه من شهوات، وأماني في الدنيا فأعرضوا عن هذا الإنذار، فيحتاجون إلى تجديد هذا الإنذار.
وقيل لتنذر قومًا ما أُنذر آباؤهم من قبل: يعني مرت عليهم فترات طويلة لم يُرسَل إليهم رسل، على الرغم كان فيه بقايا من دين إبراهيم فيهم، ومسألة بقى مش عاوزين نخوض كثير من أهل العلم تكلم في هذه المسألة دي، أهل الفطرة وما هو حكمهم؟ هل يمتحنوا؟ طب ازاي فيه آثار ماتت في هذه الفترة عمرو بن لُحَّي يجر أمعاءه في جهنم -والعياذ بالله-، وناس ماتت في هذه الفترة تُعذَّب، الأمر فيه خلاف طويل بين أهل العلم.
قلة التذكرة في مجتمع تصيبه بالتصلب والغفلة فيصعب تغييره
الشاهد إنما ربنا -سبحانه وتعالى- بيقول: المعنى إن دول في مرحلة في قمة الظلمات، طال عليهم الأمد، أنا مش بتكلم عن مدى إعذراهم وعدم إعذراهم، بتكلم عن الحالة اللي هما فيها، طال عليهم الأمد، ودي إشكالية المجتمعات اللي تقعد فترات طويلة يغيب عنها التذكرة، محدش يذكرهم، دي مصيبة، أيًّا كان الأمر بسبب ضعف أهل العلم، وقلة عزيمتهم، وقلة بذلهم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو أمر قدري، مكان أنس يعيشون في مكان بعيد.
الشاهد قلة التذكرة في مجتمع تجعله بيصاب بتصلب، وتحجر، المعصية أول ما بتبدأ بتكون غريبة، ولما تقعد فترات محدش ينكر المعصية المعاصي تحول إلى نظام، يبقى زي سيستم في المجتمع، تتأسس ويكون لها قواعد، المعاصي والكفر يكون لها قواعد، وأصول، وضوابط، وععد من الأصنام، وطرق للتقرب للأصنام، وتقاليد بتترسخ في المجتمع، فيصعب نزعها، لذلك المعصية يسهل إنكارها أول ما تقع، فإذا تُركت صعُب على العاملين لدين الله إزالتها، يصعب إنك تزيل المنكر بعد ما يستقر لسنوات؛ لأنه بيترسخ، ويتجزَّر، ويُشاع فيه، ويوضع لها قوانين، لكن أول لما تقع بتكون لسة غريبة.
لذلك الجيل المصلح اللي بيأتي بعد أناس أهملوا في الإصلاح بتصعب عليهم عملية الإصلاح؛ تيجي مثلًا تعالج أي قضية مثلًا قضية الاختلاط، لما القضية بيطول عليها الأمد تصبح أمر طبيعي، وقانوني، ومنطمة، فيصعب عليك إن تغير.
تيجي مثلًا عاوز تفصل الرجال عن النساء في مكان العمل أو مكان تعليم تجد إعاقات كثيرة جدًّا، ومعوقات كثيرةجدًّا؛ لأن الموضوع ترسخ، وناس بتستنكر ما تقوم به، إزالة الأمر في أول ما وقع كان سهل.
فهنا يقول الله -عز وجل-: "لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ" يس:6، الاسم، الصيغة الاسمية أصبحوا راسخين في الغفلة، أصبحت الغفلة هو الأصل، نادر إن حد يذكرهم، فالمجتمات الغافلة تحتاج إلى جهد عظيم من التذكير.
واحنا قلنا ده جو السورة، لذلك تخبرنا السورة ما الذي يجب علينا في هذه الأجواء.
ما الواجب علينا فعله في مجتمع ترسخت فيه الغفلة؟
إذن إيه اللي يجب علينا أن نفعله في مجتمع ترسخت فيه الغفلة؟ وترسخ فيه الجهل، والبعد عن التذكرة؟
أول حاجة: إن الداعية هو اللي محتاج إن يتقاله إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم، يحتاج أن يتمسك بالوحي دي أول حاجة.
بعد كده يقولوا إيه كيف يدعون من يختارون إلى الدعوة؟ ماذا يفعلون مع بعضهم؟ الترابط، الجهر بكلمة الحق، الكلمات التي يقولها أهل الدعوة في هذا الوقت، بماذا يدعون؟ الكلام عن الله زي ما هو موجود في السورة.
دي القضايا اللي بنخلص منها من سورة يس.
فيقول الله -عز وجل-: "لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ" يس:6، ترسخوا في الغفلة، زي ما بنقول لما تيجي تصلح في مكان محدش راح أنكر فيه بقاله فترة كبيرة تجد صعوبة، غير لما مكان بتأتي عليه الدعاة تجده سهل، لسه سامعين الكلام قريب فيسهل على آذانهم، كلام مش غريب على قلوبهم.
فيقول الله -عز وجل- لما ترسخوا في الغفلة: "لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ" يس:7.
"إنَّ اللهَ نظر إلى أهلِ الأرضِ فمقتَهم، عربِهم وعجمهم، إلا بقايا من أهلِ الكتابِ" صحيح مسلم، ثم أرسل محمد –صلَّى الله عليه وسلم-، يقول -صلَّى الله عليه وسلم- الحديث في صحيح مسلم: "وإنَّ اللهَ أمرني أن أحرقَ قريشًا . فقلتُ: ربِّ! إذًا يثلغوا رأسي فيدعوهُ خبزةً، هيسكروا دماغي أنا لوحدي، قال: استخرجهم كما استخرجوك، وأنفِقْ فسننفقُ عليك، لن يذهب من الصدور أبدًا كما في أثار في صدورهم، واغزُهم نغزُك: أي نساعدك، وأنفق سننفق عليك، وابعث جيشًا نبعثُ خمسةً مثلَه" صحيح مسلم، فأول ما بدأ -صلَّى الله عليه وسلم- دعوة كان لوحده، كان النبي -صلَّى الله عليه وسلم- في أول الدعوة: " لقد أُوذيتُ في اللهِ وما يُؤذَى أحَدٌ ولقد أُخِفْتُ في اللهِ وما يُخافُ أحَدٌ" صحيح ابن حبان، أي أوذيت في وقت لم يكن يؤذى فيه أحد إلا أنا، مكنش فيه حد بيؤذى إلا أنا؛ لأنه كان لوحده -صلَّى الله عليه وسلم-، كان هو الوحيد اللي بيخاف الله –صلَّى الله عليه وسلم-، فالغربة هو ده واقع سورة يس، فيقول الله –عز وجل-: "لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ" يس:7، خلاص دول هيموتوا كفار فيمن علم الله –عز وجل- أنهم سيموتون كذلك، أكثرهم الواقع اللي كان في مكة ده أكثرهم كان رافض، وعنيد، ومتكبر يموت على الشرك.
ثم يبين الله -عز وجل- ليه هيموتوا على الشرك، "إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ" يس:8، هذا الجعل من الله –عز وجل- عقوبة لهم على عنادهم، وكبرهم، في أول الأمر هو عنده القدرة على الاختيار، عُوقب ميثاق إلى يوم يلقونه، عقاب من الله –عز وجل- إنه يموت على الكفر، فيقول الله –عز وجل-: إِنَّا بعظمته، جَعَلْنَا: بسنتنا، فِي أَعْنَاقِهِمْ ولم يكن حول أعناقهم، قال فِي أَعْنَاقِهِمْ، الغل اللي بيتربط حول الرقبة، الأغلال دي طبيعي إنها حول الرقبة او على الرقبة، إنما لما يتقال في الأعناق من شدة تمكن هذه الأغلال من الرقبة، من شدة تمكن هذه الأغلال من الرقبة يتقال في أعناقهم زي ما فرعون من شدة غضبه كده من إيمان السحرة فقال: "لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي" مش على جزوع النخل، فهنا يقول الله -عز وجل-: "إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا"، بعض العلماء هنا الأعناق والأغلال للجمع إما العنق الواحد له أغلال كتير، أو كل عنق له مانع يمنعه، له غل يتربط فيه، "إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا" الأغلال تتربط، "فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ" عائدة إلى الأيدي، والأيدي على الرقبة إلى الذقن كده، يُروى في بعض الأثار إن ده التشبيه اللى صوره سيدنا علي للناس كإن الأيدي مربوطة إلى الأعناق، رافعة راسه لفوق، لا يستطيع أن يُبصر ولا يلتفت، ولا يتحرك، ولا يستعمل يده، "إِلَى الأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ"، المقمح –الأول أنا بفسر معاني الكلمات وهقول المراد من الآية- المقمح: قيل الرافع رأسه لا يستطيع أن ينزلها، وقالوا ده أفعال الإبل بعض أهل اللغة قال معنى جميل أوي، لما الإبل تكون مريضة وعطشانة جدًا، ثم يُذهَب بها إلى الماء لكن لمرض فيها ترفع رأسها مش عايزة تشرب، ونجاتها في شربها، لكن أقمح رأسه، النجاة في الشرب، فكإن ما هم فيه هو مرض، والكلام في قَمَحَ في اللغة كلام كتير جدًا، حقيقة أهل اللغة أفادوا وأجادوا في المعنى ده، وجابوا معاني كتير إنها لا تستسيغ الماء؛ لمرض فيها، أو تظن أنها مروية، أو غير ذلك.
يبقى المعنى إن ربنا بيقول الشكل بتاعهم شكل واحد إيديه مربوطة لرقبته وراسه مرفوعة ويغض بصره لا يستطيع أن ينزل رأسه، طب المشهد ده اللي نهايته في الآخر فهم الصيغة الاسمية مقمَح الصيغة الاسمية مش اسم مفعول، المشهد ده معناه إيه؟ بعض أهل العلم قال ده مشهد العقاب بتاعهم في الآخرة، اتربط عليهم سلاسل ويكون منظرهم في جهنم كده –والعياذ بالله-، لكن غالب المفسرين رفض هذا القول وضعَّفه، القول ده مال إليه في الآخرة أبو حيان، لكن رفضه كثير من المفسرين؛ ابن عطية وابن كثير قالوا المعنى ده تشبيه لشدة إعراضهم عن الوحي، قالوا ده تشبيه، والقرآن يُشخِّص المعاني، خليها كإنها شاخصة أمامك حتى تبصرها رأي العين، القرآن من مزاياه له مزايا كتير، مثلًا اتصال الدنيا بالآخرة تجد حواجز مكسورة، الزمان، حاجز المكان، أيضًا القرآن يشخص لك المعاني، فربنا بيصورلك الكبر اللي جواهم لما تشوف واحد متكبر ماشي رافع راسه مش راضي يقبل الحق، الصورة الحقيقية لهذا المتكبر منظر واحد مربوط إيديه لرقبته، لذقنه، مش قادر ينزلها ورافع راسه لفوق وهو عطشان، هو يحتاج إلى هذا الوحي، يحتاج إلى الماء الذي به يحيا، لكن لا يستطيع، ده منظر إعراض، وده اللي اختاروا يُصح أن يقال ده جمهور المفسرين اختاره، ورفض ابن عطية إن ده في الدار الآخرة، قال لأن الآية اللي بعدها: "وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ" يس:9، قال الكافر ربنا قال عنه في القرآن: "لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ" ق:22، يعني الكافر ميتقلش عليه لا يبصرون، التاني ردوا عليه "رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى" طه:125، أيَّا كان السجال طويل، والقاسمي قال لا السياق كله في آيات الدنيا مفيش انتقال في الآخرة، قال ده صورتهم في الدنيا من الإعراض فهي صورتهم في الآخرة من العذاب، زي بالظبط "كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا" طه:126، كنت أعمى في الدنيا فتُحشر أعمى حقيقةً يوم القيامة. فشوف المشهد تشبيه الإعراض إلى الأغلال اللي ربطاهم ومنعاهم، يعني تخيل إن ممكن الإنسان يبقى عطشان لكن جواه موانع نفسية مش عاوز يشرب، مش قادر يشرب، إنسان يبقى نفسه يؤمن لكن جواه موانع من قبول الحق زي ما أبو طالب ولقد علمنا أن دين محمد من خير أديان البرية دينًا، عارف إنه الحق، لكن لولا الملامة، مسبة لقد رأيتني سمحًا بذلك مبينًا، كنت هتشوفني مسلم، لكن خايف من العار، من الكبر اللي منع غالب أهل مكة، كإن الكبر اللي جواهم ده اللي منعهم أيضًا نفس هذا الشوط المكي في سورة غافر "مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ" غافر:56، هذا الكبر اللي بداخلهم منعهم من قبول الحق، ربنا بيشبه الموانع النفسية اللي بتمنع الإنسان من قبول الحق –خد بالك من المعنى- يشبه الله –عز وجل- الموانع النفسية اللي بتمنع الإنسان من قبول الحق بالأغلال الي بتربطه، بتمنعه من الشرب، فهو في الحقيقة الأغلال دي بتاعة الأسير، في الحقيقة أسير الشهوات، زي ما فيه إنسان مثلًا يرفض الالتزام بالدين ليه؟ لديه موانع نفسية؛ مكسوف، خايف الناس تتتريق عليه، أصل مش عارف...، موانع نفسية، هذه الموانع لا يقلل القرآن من شأنها، خطيرة كالأغلال، هو أسير. لذلك المتكبر ده مريض حقيقةً، لذلك اللي استعمل القرآن استعمال المرض اللي عند الإبل أيضًا كما قيل "وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ" لقمان:18، متمشيش متكبر رافع راسك كده، فقال بعض أهل اللغة: الصعر ده مرض يصيب الإبل، يجعل أعناق الإبل ملوية، يعني الإبل بتبقى مريضة، اللي تلاقي الإبل ماشية ده تعبانة، واحد متكبر كده ده مريض، فأيضًا الموانع التي منعتهم من قبول الحق، وجعلت القول يحق على أكثرهم "لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ" يس:7، هي موانع الكبر.
إذن هذه السورة تواجه، هذه السورة –سورة يس- تأتي بمتكبرين، وتستخلص المستضعفين منهم؛ حتى يخرجوا من أسرهم، السورة دي بتستخرج الضعفاء اللي كانوا في سورة سبأ تبع المتكبرين، بتخرجهم من أتباع هؤء المتكبرين. فيقول الله –عز وجل- عن وصفهم: "إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ" يس:8، طيب هو المانع الداخلي ده، طب المانع الخارجي: "وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا" يس:9، فقالوا: فهو أسير مسجون، أسير مربوط وفي سجن، حتى لو بينهم لم يقل: وجعلنا من بين أيديهم ستارة أو حاجزًا، قال: سد؛ لعظم المانع اللي بينهم وبين الإيمان، أيضًا كثير من المفسرين اللي اختار معناها المانع المعنوي من الإيمان، وتشبيه لإعراضهم قال أيضًا الآية التانية كده، دول قولين في الآية.
القول التالت ذكره بعض أهل السير: الآية دي نزلت لما النبي –صلَّى الله عليه وسلم- أراد أن يهاجر، والله -عز وجل- أعمى أعينهم عنهم –صلَّى الله عليه وسلم-، وهذا القول الأشهر والأنسب للسياق واللي اختراه جمع من المفسرين ده تشبيه معنوي لحالهم، تشبيه حسي لحالهم المعنوي من الكبر، والإعراض عن الحق. "وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ" يس:9، -والعياذ بالله- قمة الإعراض فبالتالي قمة العقوبة، احنا قلنا من سنن الله –عز وجل- في معاملة عباده في قوله –سبحانه وتعالى-: "وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ" النساء:115، يُشَاقِقِ: أي يختار في شق غير شق الله ورسوله، اختار إنه يقف في الجانب الآخر، "وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا" النساء:115، إنت عايز تاخد، فعقوبة لهم جعلنا في أعناقهم أغلالًا، الظروف بقى المحيطة، فيه في فعنق الأغلال، وراسه مرفوعة لا يبصر، طب وحواليه، حتى لو عرف يفك جزء من الأغلال لا يبصر، ولن يستطيع، لكن حتى لو استطاع إنه يُبصر هييجي يرجع يجد وراه سد، فقيل "جَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا" أي لا يبصرون عواقب ما يفعلون، يعني واحد هيودي نفسه في داهية لكن لا يُبصر، عكس بقى المتقي لما ربنا قال فس سورة الأعراف: "إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ" الأعراف:201، دول قعدوا كتير في الضلال، التاني المؤمن أول لما يجيله الشيطان "إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ" الأعراف:201، دول فهم لا يُبصرون، المتقي يبصر عواقب الفعل فلا يفعله، المتقي بيعرف عاقبة أكل الربا فلا يأكله، المتقي المؤمن يُبصر كأنه يراه رأي العين، يبصر عواقب المعاصي. هؤلاء لا يبصرون عاقبة ما يفعلون، عادي شايف نفسه عادي، يحارب النبي –صلَّى الله عليه وسلم- ولا يُبصر عاقبة أمره، طب مش شايف اللي جاي، مش شايف الغيب ماشي طب ما شفش قبل كده! ما شفش عواقب الأقوام اللي أُهلكوا بجوارهم! يمرون عليهم بالليل وهم مصبحون، يمرون عليهم بالليل وبالصباح، مبيشفش عواقب الأقوام اللي حواليهم! فيقول الله –عز وجل-: "وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ"، قيل من خلفهم يعني عواقب الأمم السابقة لا يبصرونها، كإنه مش شايف، يمر على أماكن أقوام قد أُهلكوا وكأنه لا يرى شيء، "وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ"، إذن عقوبة عدم النظر للوحي أن يصيبه الله –عز وجل- بغشاوة على بصره، وده معنى قول الله –عز وجل-: "وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ" الزخرف:36، قيل من يتعامى عن النظر للقرآن، "وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا" الزخرف:36، قيل القيد هو قشر البيض، يعني يحيطه من كل الجوانب، " نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ" الزخرف:36، مش هيسيبه، "وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ" الزخرف:37، الشياطين بقى لما تمشي معاه تمنعوا عن السبيل الحق، "وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ " حَتَّى إِذَا جَاءَنَا، يفضل ظانن إنه مهتدي إلى أن يموت، "حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ" الزخرف:38، هنا يقول الله –عز وجل-: "وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ" يس:9.
في هذه الأوقات يبين الله –عز وجل- للدعاة يعملوا إيه، لازم الداعية في الأوقات دي يكون عنده فقه، يختار مين للدعوة، يعني لما يجد القائمين على الأنظمة المجرمة يعرف إن دول في الغالب لن ينفعهم، أقول في الغالب، وبيتبين من أفعالهم، فلا تحزن عليهم، ولا تهتم كثيرًا بهم زي ما ربنا قال في سورة فاطر: "فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ" فاطر:8، مينفعش الداعية يكون عنده تبذير دعوي، قلنا المبذِّر لغة اللي معاه البذور، وصية المبذر دي يعني بيلقي بذور في غير مواضيعها، واحد معاه بذور كتير المفروض يحط البذرة دي في المكان ده ويسقيها، البذرة دي في المكان ده، لكن اللي معاه بذور كتير بيرميها في أماكن؛ بيرميها على الصخر، وبيرميها في البحر هو كده بيُهلك هذه البذور، فهو مبذر، "إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ" الإسراء:27، ففيه تبذير دعوي إلقاء الكلام الدعوي في أي مكان، لأ، لازم يكون عندك فقه، فيقول الله –عز وجل-: "سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ" البقرة:6، خلاص دول وصلوا لمرحلة..، وليس في معنى هذا عدم إنذراهم ولكن عدم التكثير من ذلك، والحزن عليهم، والضيق مما يفعلون، خلاص إنت تبلغهم مرة اتنين خلاص، وزي ما ربنا قال للنبي –صلَّى الله عليه وسلم- في سورة عبس في فقه أولويات الداعية: "عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلا يَزَّكَّى" عبس7:1، مش عايز يسمع، مرة اتنين وتلاتة مش عاوز يسمع، خلاص، وما عليك، كلمة بتحرر الداعية من الضغط النفسي اللي عايش فيه عند إعراض الناس عنه، "وَمَا عَلَيْكَ أَلا يَزَّكَّى" عبس:7، متخفش مش عليك، ما أنت بملوم، "وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى * كَلا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ" عبس11:8، وظيفتك التذكرة، لذلك ربنا بيقول مين اللي ينجو من واقع الفتن ده بقى؟ من الذي ينجو من هذا الواقع المظلم، يعني مفيش أمل للنجاة؟ فيه أمل للنجاة، مين اللي ينجو؟ يقول الله –عز وجل-: "إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ ۖ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ" يس:11، قيل إِنَّمَا تُنذِرُ مش معناها تُنذر هؤلاء فقط وتترك هؤلاء، قيل ينتفع هؤلاء بالنذارة وكأنك لم تُنذر هؤلاء لعدم انتفاعهم بالنذارة.
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد –صلَّى الله عليه وسلم-
يقول الله عز وجل-: "إِنَّمَا تُنذِرُ" أي ينتفع بالنذارة، وصيغة الحصر والاستمرار، "إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ" قالوا يعني إيه هما لسة سمعوا؟ جاء يسمع ليفعل مش ليجادل، سورة الأنعام "حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ" الأنعام:25، هو جاي يجادل مش يبحث على الحق، فالذي يبحث عن الحق يُوفَّق به ويسدد، وقيل من اتبع الذكر أجهد نفسه في الوصول إليك، وفي الاستماع إليك، عشان كده مقالش من تبع الذكر، قال: "إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ"، فالتبع فيها تكلف، واتباع يعني يحاول أن يضع قدمه على القدم التي سبقته، المشي على الآثار، تابع لا يلتفت، "إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ"، زي سيدنا سلمان –رضي الله عنه- أجهد نفسه للوصول ثم للاستماع فوُفِّق للصواب، لكن اللي مش عايز مش هيوصل.
ففي وقت الفتن والظلمات لازم الإنسان يُجهد نفسه للوصول للحق، الناس عايزة في زمن الفتن اللي هي أصلًا واقع ظلمات عايز يشوف كل حاجة وهو قاعد في مكانه مينفعش لازم تتحرك، اتكلمنا المرة اللي فاتت أو اللي قبلها "وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ" النساء:100، لازم يخرج الأول حتى لو مكملش الهجرة ومات في الطريق حتى تصل إلى الحق، لن ينتفع بما تقول إلا الحريص، حريص على سماع القرآن، حريص إلى أن يصل للحق، لكن اللي مش عايز يسمع، يُتلى عليه الوحي ولا يشعر بقيمته، أو يعرف قيمته لكن هناك موانع، مرضاش يتبعه، موانع نفسية، زي الوليد بن المغيرة، هو يعرف قيمة الوحي، قال ما هذا بقول بشر، وعارف إن ده كلام مش زي أي كلام، عليه حلاوة، "وإنَّ عليْهِ لطلاوةً وإنَّهُ لمثمرٌ أعلاهُ مغدِقٌ أسفلُهُ" مرسل، قال الوليد بن المغيرة كلمات في وصف القرآن ثم لم يؤمن –والعياذ بالله-، موانع، أغلال منعته من السير في طريق الحق. إذن يُجهد نفسه في الووصول والاستماع، والإشارة زي ما قلنا في الواقع ده أغلب الناس بتضل، قليل من الناس بينجو، مين اللي ينجو؟ من فعل ذلك، وإشارة إلى الداعية أن يهتم بهؤلاء في هذا الوقت، "مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ"، دول يكونوا موضع الأصيل، "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ" الكهف:28، الداعية يظن إن الأولى في وقت الاستضعاف إنه يجيله ناس معاها فلوس كتير تخرجوا من المحنة دي، فيقول الله –عز وجل-: "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ"، حتى لو كانوا فقراء، "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ"، إنت عايز الدنيا عشان تنتصر، "وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا".
هنا يقول الله –عز وجل-: "إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ"، اتباع الذكر يُورث خشية، ده علامة من علامات اتباع الوحي، قال الله –عز وجل-: "لَوْ أَنْزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا" الحشر:21، الجبل هيتكسر ليه؟ "مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ"، أهم عامل من عوامل القرآن هو زرع الخشية، اللي بينبهر ببلاغة القرآن، بيتكلم عن معاني القرآن دون زرع هذه الخشية في قلبه هو أخطأ فهم أهم مقصود من إنزال القرآن، "لَوْ أَنْزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ" الحشر:21، ده أهم عامل يُصدِّع ويزلزل ويُكسِّر الجبال، والجمال هنا، مقلش هنا وخشي الجبار قال وخشي الرحمن، المؤمن يزيده الإحسان خشية، مش إعراضًا، المؤمن يزيده الإحسان من الله خشية، وانكسارًا، أن يتذكر نعم ربنا عليه، فيه واحد فيه نعم تزيده طغيانًا –والعياذ بالله-، فكثرة سماع ذلك الشخص عن اسم الله الرحمن الرحيم تزيده طغيانًا وإغراقًا في المعاصي، لكن المؤمن تزيده ذكر الرحمة خشية، وينكسر، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، يعني ربنا يُحسن عليا وأنا ما أُحسنش! "إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ" يس:11، أيضًا إشارة في هذه الأوقات لا يُوفَّق إلا المخلص، "وَخَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ"، أي وهو غائب عن الناس، مش مشغول بنظر الناس. لذلك قيل من موانع فهم القرآن الانشغل بنظر الناس، لقوله –سبحانه وتعالى- في آخر سورة التوبة: "وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُوا" التوبة:127، قيل إن من موانع فهم القرآن إنه كان مشغول بنظر الناس فمفهمش السورة لما نزلت، "وَخَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ"، ده هنا بقى انتقل معاه من مرحلة أول الآية: "إِنَّمَا تُنذِرُ"، ختام الآية: "فَبَشِّرْهُ"، ده بقى معهم نذارة وانتقل مع البشارة، وقيل فبشره مفرد إشارة إلى قلة من يهتدي في هذه الأوقات، ما قلش فبشره، والسياق اللغوي يحتمل هذا وذلك؛ لأن لفظ مَن يحتمل هذا وذاك، التانيين قال: أعناقهم، لا يبصرون، أنذرتهم، لا تنذرون، إنما هنا قال فبشره على ما فعله من معاصي قبل سماع الذكر، وأجر كريم لا تنغيص فيه.
ثم يقول الله –عز وجل-: "إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ" يس:12، غالب المفسرين بيقول إنا نحن نحيي الموت، وإيه علاقة ده بالآيات؟ إن السبب الرئيسي لامتناع هؤلاء عن الإيمان، هو قضية البعث والمجازاة، هو مش عاوز يؤمن بالدين ده ومش عاوز يسمع الذكر ده؛ لأن أغلب الذكر بيتكلم عن الدار الآخرة، إذن طرح الدين للناس مع استئصال قضية الدار الآخرة ده ميزان مقلوب، الدار الآخرة أصل أصيل في الوحي، أي طرح في الدين مفيهوش كثرة واستعظام للدار الآخرة هو طرح مُشوَّه، فالسبب الرئيسي عن إيمانهم بهذا الذكر وهذا الوحي هو مسألة البعث، ومسألة الإحياء والحياة جاءت كثيرًا في هذه السورة، حتى خُتمت بمستنكر البعث والرد عليه، "قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ" يس79:78، فقضية الإحياء والحياة بالقرآن، بل والحياة الحقيقية حياة الشهيد، السورة، فقال: "إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى"، والإحياء معاه حساب، فقال الله –عز وجل: "إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى" والإحياء معاه حساب فقال الله –عز وجل-: "وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا" أي ما فعلوا وليس فقط ما فعلوا في الدنيا، وَآَثَارَهُمْ آثار هذا الفعل، اللي سن في الإسلام سنة حسنة واللي سن سنة سيئة، آثار الطاعات بعد الموت وآثار المعاصي بعد الموت، "وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ"، مش كتبناه؛ الإحصاء أعلى من الكتابة، "عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ" المزمل:20، الإحصاء الأعلى من ذلك، "وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ"، قيل في اللوح المحفوظ أو كتاب الأعمال، طب ليه اتسمى إمام؟ لأن الإمام ما يُؤتم؛ أي أنه ما يُقصد، فمعنى ذلك إن الناس كلها تجرى على، تؤّم الكتب بتاعتها يوم القيامة، كل واحد هيجري على الكتاب عشان يُبصر النتيجة بتاعته، "إِمَامٍ مُبِينٍ"، أي موضَّح، مُفصح عن حقيقة الأعمال، زي منظر الناس كلها كده يوم النتيجة كلها تجري على النتيجة عشان تشوف مين اللي ناجح من اللي ساقط، وده اللي هيحصل يوم القيامة، وقيل معنى لطيف أيضًا هنا –أختم بيه- إن معنى: "إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى" قيل الموتى هنا الكفار، وذُكر ده في أكثر من موضع زي: "يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ" الروم:19، قيل المؤمن من الكافر، وقيل: " إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ" ص:79، للكفار، "أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ" الأنعام:122، قيل الكافر يؤمن ويُعطى القرآن، وقيل: "إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى"، الموتى اللي مين بقى في السياق؟ اللي في أعناقهم أغلال، الي جعلنا من بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا، هؤلاء إذا أراد الله إحياءهم فعل –سبحانه وتعالى-، بل ويجعلهم من العاملين للدين فقال: "إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ" يس:12، الصالحة في نصرة هذا الدين، يعني مش بس إن هما يؤمنوا يكون له آثار
لذلك في هذه الآية آثار كثيرة، ولما النبي –صلَّى الله عليه وسلم- سلمة وأرداوا أن ينتقلوا –صلَّى الله عليه وسلم- قال: "ديارَكم ديارَكم تُكتَبْ آثارُكم" صحيح ابن حبان، يعني كل خطوى بتمشيها بتتكتب، فخليك بعيد، ساكن بعيد وتعالَ للمسجد، لذلك قال قتادة في هذه الآية: "لو كان الله –عز وجل- مُغفلًا شيئًا منك يا بن آدم لترك ما أعفته الريح من أثرك"، يعني إنت لما بتمشي على الأرض الريح بتيجي تشيل أثرك، حتى مجرد إنك تمشي في سبيل الله وييجي التراب ده محسوب عن ربنا –سبحانه وتعالى-، فقيل:س "نَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ" ومن هذه الآثار الطيبة مؤمن آل يس؛ لما جاء الرسل آمن بهم فأحياه الله، ثم قدَّم الأثار فنطق بكلمة الحق، واستُشهد وبقي أثره إلى الان نقرأه في القرآن "نَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ" يس:12، لا يغيب شيء عن الله –عز وجل- سواء من الأعمال الصالحة أو من السيئة، نسأل الله –عز وجل- أن يجعلنا من العاملين لدينه، وأن يرزقنا حسن الخاتمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وجزاكم الله خيرًا.
انتظرونا قريبًا بإذن الله مع دروس جديدة من تفريغ
"فريق عمل التفريغ"
كما نتشرف بانضمامكم لفريق عملنا
فرغ درسًا وانشر خيرًا ونل أجرًا
رزقنا الله وإياكم الإخلاص والقبول
تعليق