أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى وصلى اللهم وسلم وبارك على نبيه المصطفى وآله المستكملين الشرف.
ثم أما بعد :
علاج مشاكل الواقع يحتاج منا إلى العودة إلى معادلة القرآن
"إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ "
فالبداية تأتى من الإصلاح الذاتى وتزكية النفوس ,فحينما سأل سيدنا إبراهيم الله عز وجل أن يبعث للأمه رسولً حدد الله له ثلاث مهمات
"هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ"
وعليه فإن التزكية والتربية تأتى قبل التعلم فعليك ببساطة ان تفهم آفات نفسك وتغيرها فعليك ان "تنزع ثم تزرع"
تنزع كل فاسد وتزرع كل طيب فى نفسك لتصلحها
قال صلى الله عليه وسلم "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"
لذا وجب علينا عمل سلسلة لنتدارس فيها تلك الأخلاق المهجورة
ومن ضمن شروط تلك السلسة
ألا تقوم بإسقاط خارجى ليتعداك فعليك أن ترى العيب فى نفسك وليس فى غيرك ,فى علم النفس يوجد شئ اسمه الحيل النفسية بمعنى أنه تجد نفسك ترى العيب فى غيرك فقط ولا تراه فى نفسك وهذا من مداخل الشيطان إليك
لذا وجب عليك إسقاط العيب على نفسك أولاً وتأخذ قرار كيف تتطهر من هذا الذنب الان وليس فيما بعد بل الأن حتى تكون صادقًا مع الله
ولتفعل هذا بصورة عملية هات كتاب الله عز وجل واخرج منه كل لفظ سلبى قاله الله عز وجل عن الانسان وضعه أمامك وأتى بعسكه تكن مؤمنًا بحق
فصفة التعجل يقابلها صفة التآنى وصففه القطور أى البخل يقابلها صفه الكرم والعطاء وهكذا
فالمشكلة هى مشكلة أخلاق فنحن لم نتعلم حُسن الخُلق كما ينبغى
ونبدء بأول مشاكل الاخلاق وهى عدم الأنصاف
الإنصاف
فقد أُبتلينا أشد بلاء فى الواقع عن طريق ظلم الناس بعضهم بعضًا فلا يوجد لدينا إنصاف فأنت إن لم تكن معى تكن ضدى إن لم تأخذ برأى تكن خائن وعميل
أصبحنا نُصنف بعضنا البعض ونضع كل شخص فى وضع على حسب رأينا فقط فهذا مرجئ وهذا كافر وهذا كذا وكذا
وبلدنا وأمتنا لن تقوم وتنتصر إلا بالعدل والإنصاف فعليك بمحاسبة نفسك أولاً
فسأل نفسك
هل أنصفت الله ؟يعطيك نعم فتعطيه معاصى يعطيك مال فتصرفه على شهواتك وملزاتك
أنظر إلى عمرك الأن عشرين ,ثلاثين ,أربعين مهما كان عمرك ومازلت إلى الان فهمك للدين مازال سطحيًا هل قرئت كتاب تفسير ؟هل فهمت كلام ربك هل يقال فيك كان خُلقه القرآن من منا أخلاقه القرآن وليس مجرد كلام
فتب قبل فوات الأوان قبل ما يزداد البلاء سوء
إذًا مشكلة الظلم تُحل بالعدل والإنصاف
قال تعالى "وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى"
شخص له معك مواقف مخزية وفعل بك ما لا يُفعل فاعدل فالعدل هو أقرب للتقوى
ونجد فى آثر السلف أنهم قالوا الإنصاف والعدل تؤمان
والإنصاف على أربع مراتب
1-أن تنصف الله
يقول بن القيم طُوبَى لمِن أنصَفَ ربّه؛ فأقرّ بالجهلِ في علمِه، والآفاتِ في عملِه، والعُيوبِ في نفسِه، والتّفريطِ في حقّه، والظّلمِ في مُعامَلَتِه؛ فإن أخذَهُ بذُنوبِه رأى عدلَه، وإن لم يُؤاخِذهُ بها رأى فضلَه، وإن عمِلَ حسنةً رآها من مَنّهِ وصَدَقةً عليه، فإن قبِلَها فمِنّةٌ وصدَقةٌ ثانِية، وإن ردَّها فلكونِ مثلِها لا يصلُحُ أن يُواجَهَ بِه...
وإن عمِلَ سيّئةً رآها مِن تخلّيهِ عنه، وخُذلانِهِ لَه، وإمساكِ عِصمَتِهِ منه، وذلِكَ من عدلِهِ فيه، فيرى في ذلِكَ فقرَهُ إلى ربّه، وظُلمَهُ إلى نفسِه، فإن غفرَ فبِمَحضِ جودِهِ وإحسانِه وكرَمِه.
فعليك بانصاف ربك من خلال اعمالك
2-أن تنصف رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنظر إلى يومك وليلتك وابحث عن سنه حبيبك هل خلقه فى اخلاقك هل سلوكه هو سلوكك
3-أن تنصف نفسك
قال صلى الله عليه وسلم مَنِ اسْتَحَى مِنَ اللَّهِ تَعَالَى حَقَّ الْحَيَاءِ ، فَلْيَحْفَظِ الرَّأْسَ وَمَا حَوَى ، وَلْيَحْفَظِ الْبَطْنَ وَمَا وَعَى ، وَلْيَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبِلَى ، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ ، فَلْيَتْرُكْ زِينَةَ الدُّنْيَا ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ ، فَقَدِ اسْتَحَى مِنَ اللَّهِ تَعَالَى حَقَّ الْحَيَاءِ
فالله جل وعلا ينظر إلى قلبك فسأل نفسك هل إذا نظر الله إلى قلبك الان ماذا سيرى ؟
هل سيرى صدق وعدل واحسان ام سيرى غير ذلك ؟
4-أن تنصف غيرك
فهل انصفت غيرك من الناس حتى وإن كنت تخالفهم وتعاديهم
فقد قدم لنا القرآن المثل العالى للانصاف
"وَمِنْ قَوْم مُوسَى أُمَّة يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ"
انظر الى انصاف الله عز وجل فلم يقل هم كذا وكذا بل انصف من فيهم خير وعدل
فقل الحق واعدل حتى وإن كان فى حق اصدقائك واقاربك فإن كان ذا قربى لك ظالمًا فانصف من امامه ولا تكن ظالمًا
قال تعالى "هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ"
فهذا يشمل الكافر والمؤمن معًا وليس المؤمن فقط فإذا أحسن الكافر يُحسن غليه وإذا أحسن المؤمن أُحسن إليه
فقد علمنا النبى صى الله عليه وسلم العدل فى كل شئ حتى فى معاملة الازواج بعضهم بعضا
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر
لا يفرك أى لا يبغض فعليك بإنصاف زوجتك والزوجة كذلك عليها بإنصاف زوجها
فالنبى يقول لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها ، وهي لا تستغني عنه
الله لا ينظر إلى من كان زوجها هو المتكفل لها وهو كان سببًا فى عفتها واكرامها وهى لا تشكره لذلك فالله تعالى لا ينظر إليها
فعلى الازواج ان يكونو منصفين فيما بينهم فإن كان الزوج ساخط على زوجته فى شئ فليبحث لها عن ميزة ليرضى بها وكذلك الزوجة إن كانت ساخطة على زوجها فلتبحث عما يرضيها به
مواقف فى إنصاف النبى صلى الله عيه وسلم
عنْ أَنَسٍ بن مالك رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ فَجَمَعَ النَّبِيُّ فِلَقَ الصَّحْفَةِ ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ وَيَقُولُ غَارَتْ أُمُّكُمْ ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ.
أنصف النبى صلى الله عليه وسلم السيدة زينب رغم أنها لم تكن حاضرة وفى نفس الوقت لم يوبخ الاخرى لانه يعلم انه عندما تغير المرآه يذهب عقلها
موقف آخر
عن عائشة رضي الله عنها قالت: (( زارتنا سودة يوماً، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبينها، إحدى رجليه في حجري، والأخرى في حجرها، فعملت له حريرة ... فقلت: كُلي، فأبت.
فقلت: لتأكلي أو لألطخن وجهك فأبت، فأخذتُ من القصة شيئاً فلطخت به وجهها، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجله من حجرها تستقيد مني، فأخذت من القصعة شيئاً فلطختْ به وجهي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك ..
موقف آخر
أن رجلا تقاضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأغلظ على النبى، فهم أصحابه به، فقال: (دعوه، فإن لصاحب الحق مقالا
وموقف آخر مشابه له
جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه دينا كان عليه فاشتد عليه حتى قال له أحرج عليك إلا قضيتني فانتهره أصحابه وقالوا ويحك تدري من تكلم قال إني أطلب حقي فقال النبي صلى الله عليه وسلم هلا مع صاحب الحق كنتم ثم أرسل إلى خولة بنت قيس فقال لها إن كان عندك تمر فأقرضينا حتى يأتينا تمرنا فنقضيك فقالت نعم بأبي أنت يا رسول الله قال فأقرضته فقضى الأعرابي وأطعمه فقال أوفيت أوفى الله لك فقال أولئك خيار الناس إنه لا قدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع
وموقفه صلى الله عليه وسلم مع كافر يهودى
يهوديا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنكم تنددون ، وإنكم تشركون تقولون : ما شاء الله وشئت ، وتقولون : والكعبة ، " فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا : ورب الكعبة ، ويقولون : ما شاء الله ، ثم شئت. سنن النسائي
فانظر الى انصافه حتى للكافر
بل وحتى انصافه للحيوانات والدواب
والمواقف فى السُنه كثيرة جدا وتربية الرسول لاصحابه على ذلك
وانظر إلى موقف آخر للانصاف الا وهو أنصاف السيدة زينب بنت جحش للسيدة عائشة فى قصة الافك
فقد كان الرسول يسأل من حوله من الصحابة ومن زوجاته لكى يرى ماذا يفعل فالنبى يعيش فى محنة عظيمة فحبيبته يُقال فيها اشياء لا تُقال ويتحدث الناس فى عرضها والسيدة عائشة كانت تقول ان السيدة زينب هى من كانت تنافسها عند رسول الله
فأتى النبى للسيدة زينب يستشيرها ماذا يفعل فكانت لها فرصة ان تزيح عائشة من طريقها إلا أنها أنصفتها وقالت أحمى سمعى وبصرى ما علمت إلا خيرًا
هذا هو الانصاف والعدل
نأتى للروشته العمليه لكى تكن منصفًا
كيف تكون منصفًا؟
1-حتى تُنصف ينبغى أن تتحرى وتتثبت قبل أن تتكلم وتحكم
2-التثبت قبل إصدار الأحكام قال تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ"
3-أحسن الظن بالمسلمين واحمل كلامهم على أفضل المحامل
قال صلى الله عليه وسلم إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره فالتمس له عذرا واحدا إلى سبعين عذرا، فإن أصبته، وإلا، قل لعل له عذرا لا أعرفه
4-أن تكون ربانى تحسب بحساب الحسنات والسيئات فلا يوجد انسان اسود تمامًا من داخله بل مؤكد انه يوجد به بعض الخير حتى ولو قليل
فلا تنشر سيئات من تخالف وتدفن حسناته بل أنصفه
5-إذا نقضت فانقض الرأى ولا تنقض الشخص
فعليك بنقض الخطأنفسه وليس صاحب الخطأ
فلنتعلم العدل والانصاف
نسال الله ان يجعلنا واياكم ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه وافوض امرى الى الله ان الله بصير بالعباد
وصلى اللهم وسلم وبارك على بينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
من درس " كن منصفا " للشيخ / هاني حلمي
تعليق