صلاة الفجر من أعظم الصلوات وأفضلها، فقد انفردت عن غيرها بخصائص ومزايا كثيرة، ومن ذلك: أن بها يعرف الصادق من المنافق، فتجدها أثقل صلاة على المنافق، فينبغي للمسلم أن يحافظ عليها في جماعة حتى لا يوصف بالنفاق،
وبالمحافظة عليها تنصر الأمة على عدوها وتحفظ منه ومن سائر المصائب والآفات.
صلاة الفجر بين الصادقين والمنافقين
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء الطيب المبارك، وأسأل الله عز وجل أن يجعل هذا اللقاء في ميزان حسناتنا أجمعين.
أما بعد: فما أسهل أن ينطق اللسان يا إخواني ويا أخواتي بكلمة الإسلام، ما أسهل ذلك، ولكن ما أصعب أن يترسّخ الإيمان في قلب الإنسان، انظر ماذا يقول ربنا: "قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا" [الحجرات:14]، كلام اللسان: "وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ" [الحجرات:14]، مشكلة حقيقية أن يختلط الحابل بالنابل، أن يختلط الصادق بالكاذب، أن يختلط المؤمن بالمنافق مشكلة خطيرة، اختلاط المنافقين بالمؤمنين يضعف الصف: "لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا" [التوبة:47]، أي: إلا اضطراباً وإلا ضعفاً، "وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ" [التوبة:47].
لذلك فإن الله عز وجل من رحمته بالصف المؤمن أن ينقيه على الدوام، والتنقية تكون عن طريق اختبار صعب، لا يقوى على النجاح في هذا الاختبار إلا المؤمنون حقاً، يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: "الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ" [العنكبوت:1-2]، أي: هل تعتقدون أيها المؤمنون أنكم ستقولون بلسانكم: آمنّا ثم لا يصدق هذا اللسان عملاً من الأعمال؟يقول سبحانه وتعالى: "أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ" [العنكبوت:2]!
تعجب كبير جداً: "وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ" [العنكبوت:3]، سنة من سنن ربنا سبحانه وتعالى: "وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:3].
إذاً: ربنا سبحانه وتعالى سيجعل لنا اختبارات كثيرة جداً، منها: الجهاد فهو اختبار صعب، لكن ليس مستحيلاً، ينجح فيه المؤمن، ويسقط فيه المنافق.كذلك: الإنفاق، وحسن معاملة الناس وكظم الغيظ اختبار،
وهكذا الحياة كلها اختبار من أول أيام التكليف إلى لحظة الموت، قال تعالى: "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ" [الملك:2].
سنتكلم عن اختبار من الاختبارات الصعبة جداً، فليس أي شخص ممكن ينجح فيه؛ لدرجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل هذا الاختبار مقياساً واضحاً بين المؤمن والمنافق، فهو اختبار خطير، والذي سيسقط في هذا الاختبار سيكون منافقاً بنص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.الاختبار هذا يا إخواني ويا أخواتي هو اختبار صلاة الفجر.صلاة الفجر في جماعة للرجال، وصلاة الفجر في أول وقتها للنساء.روى البخاري و مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما - أي: لو يعلمون ما فيهما من الأجر- لأتوهما ولو حبواً).
تخيل نفسك أنك لا تستطيع أن تمشي أصلاً كأن تكون رجلك مكسورة وليس هناك من يعينك على المشي والذهاب إلى صلاة الفجر في المسجد، فتذهب حبواً كالأطفال؛ لأنك تعرف كمية الخير التي في هذه الصلاة.ذنب عظيم أن يتخلف مسلم مؤمن عن صلاة الفجر في جماعة، أو عن صلاة العشاء في جماعة.
أما وقت الصبح فهو ما بين طلوع الفجر وما بين شروق الشمس، يقول لي أحد الناس: إنه سمع في برنامج من البرامج أن وقت الصبح إلى بداية وقت الظهر. قلت: سبحان الله! يعني: سيصير الوقت مفتوحاً إلى الظهر، فأين الاختبار هذا؟!
نقول: الوقت يا أخي ينتهي بشروق الشمس، هذا الوقت القليل المحدود الصعب، هو فعلاً صعب ومقصود أنه يكون صعباً.روى مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس)، كلام في منتهى الوضوح،
والأصعب من هذا يا إخواني أن اختبار النفاق من الإيمان لا يكتفي بمجرد أن تدرك الصبح في بيتك، لا، لا بد أن تدرك الجماعة في المسجد، كما قال صلى الله عليه وسلم، وأنا أعرف أنه صعب ومقصود أنه يكون صعباً؛ لأنه اختبار خطير، والنتيجة خطيرة كما قلنا.أما بالنسبة للنساء فصلاتهن وإن كانت مسموحة بالمساجد إلا أنها في البيت أفضل وأكثر ثواباً؛
للحديث الصحيح الذي رواه أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن) .
مشكلة تخلف معظم المسلمين عن صلاة الفجر
للأسف الشديد إن ضياع صلاة الفجر مشكلة شديدة الشيوع في أوساط المسلمين رجالاً ونساءً، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأنا أتكلم عن حقائق في شرع الله عز وجل، أتكلم عن نصوص محكمة يا إخواني ليس فيها لبس، أتكلم عن أمور لا يوجد فيها اختلاف، بل أجمع العلماء عليها، قد يقول قائل: لكن أنا فعلاً لا أستطيع القيام للفجر، بالنسبة لي مستحيل، أقول له: كيف يكون في حقك مستحيلاً، ولا يكون في حق غيرك مستحيلاً؟!تعالوا نفكر معاً، أولاً: يقول الله عز وجل في كتابه: "لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" [البقرة:286]،
فهل صلاة الصبح في هذا التوقيت تكليف أم ليست تكليفاً؟ هي تكليف، وفرض أم ليست فرضاً؟ هي فرض، على كل المؤمنين أم على طائفة معينة من المؤمنين؟ على كل المؤمنين، والله عز وجل يعلم الوسع أو لا يعلمه؟ يقيناً يعلمه، ومع ذلك كلفك بصلاة الصبح في هذا التوقيت.إذاً: لا ينفع عقلاً ولا شرعاً لمسلم يؤمن بحكمة الله عز وجل وبعلم الله وبعدل الله أن يدعي أنه لا يستطيع تنفيذ تكليف من تكاليف الله عز وجل، هذا أول أمر.الأمر الثاني: عشت في أمريكا فترة، وكنت أذهب لصلاة الفجر في المسجد وأرجع منه الساعة السادسة صباحاً، وكنت أجد الطريق السريع مليئاً بالسيارات عن آخره في الساعة السادسة صباحاً،
وهؤلاء الناس كلهم من نصارى ويهود وملاحدة، وهؤلاء استيقظوا في ميعاد الفجر؛ لكي يذهبوا إلى دنياهم وإلى أعمالهم، كل هؤلاء الناس استطاعت أن تستيقظ الساعة الرابعة أو الخامسة؛ لكي تخرج الساعة السادسة صباحاً إلى شغلها.وهناك أناس آخرون كنت أراهم في الشوارع وأنا في طريقي لصلاة الفجر، يعني: قبل الفجر، فهؤلاء هم أصحاب الرياضة، تجدهم يجرون في الشارع في الهواء النقي في ذلك الوقت، وهناك أناس قبل أن تذهب إلى العمل تخرج كلابها للفسحة؛ لأن الكلب يقعد محبوساً في البيت من الساعة السادسة صباحاً أو السابعة صباحاً إلى الساعة السادسة أو السابعة في الليل، فصاحب هذا الكلب يستيقظ قبل الفجر لكي يفسح الكلب،
لكي يجعله يستنشق هواء لطيفاً ونظيفاً.فالأمريكي نصرانياً كان أو يهودياً أو ملحداً يستيقظ قبل الفجر لأجل الكلب، وبعض المسلمين، أو كثير من المسلمين، أو دعوني أقول بصراحة: معظم المسلمين لا يستيقظون لله عز وجل، هذه مأساة يا إخواني، ثم أنت شخصياً، يا ترى لو عندك موعد طائرة أو قطار الساعة السادسة صباحاً ستستطيع أن تستيقظ وتذهب في الموعد،
أم ستقول: إن إمكانياتك البشرية لن تسمح؟!يا ترى لو ظروف عملك تضطرك أنك تستيقظ الساعة الرابعة أو الخامسة صباحاً ستستطيع أن تستيقظ، أم ستعتذر كل يوم لرئيسك في العمل وتقول له: والله ظروفي صعبة لا أستطيع؟
أقول لك بصراحة: يا ترى لو أن شخصاً سيعطيك ألف جنيه في ميعاد الفجر يومياً لمدة سنة هل ستستيقظ أم لا؟ ستستيقظ لتأخذ الألف جنيه؛ لأنك ستحصل خلال السنة على ثلاثمائة وخمسة وستين ألف جنيه، افرض أنك في آخر السنة مت وأنت تارك وراءك ثلاثمائة وخمسة وستين ألف جنيه وليس معك ولا صلاة فجر في قبرك، أو أنك مت وليس لديك ولا جنيه ومعك ثلاثمائة وخمسة وستون صلاة فجر في القبر معك أيهما أفضل لك؟ فكر بصدق وأجب بصدق، فهل يا ترى ستستيقظ للمال أم ستستيقظ للفجر؟
خصائص المحافظة على صلاة الفجر
الرسول صلى الله عليه وسلم يا إخواني كان يعلم أنه يصعب علينا صلاة الصبح في موعدها، لأجل هذا كان له أسلوب تربوي رائع في تحفيز المسلمين لهذه الصلاة المحورية الخطيرة، التي تميز الصادقين من المنافقين، فقد أعطى صلى الله عليه وسلم خصائص هامة فريدة لصلاة الصبح؛ لترغيب المسلمين في هذه الصلاة العظيمة الهامة من هذه الخصائص:
تحبيب النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة الصبح بوعظ الناس بعدها
الخاصية السابعة: أنه صلى الله عليه وسلم كان يحبب لهم صلاة الصبح بأن يجعل وراءها درساً أو توضيحاً لمفهوم معين، أو سؤالاً عن أصحابه، أو تفسيراً لرؤيا، يعني: كان يقيم لقاء علمياً روحياً إيمانياً راقياً جداً جداً، يقول العرباض بن سارية رضي الله عنه وأرضاه: (صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت لها العيون، ووجلت منها القلوب)، ثم بدأ يذكر الخطبة المشهورة الطويلة.الشاهد يا إخواني أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يلاطف أصحابه بعد صلاة الصبح ويعلمهم ويفقههم ويشرح لهم، وكل هذه عوامل تشجع من كان في قلبه تردد أن يفوت هذه الصلاة العظيمة: صلاة الصبح.
تحفيز الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالبقاء في المسجد بعد صلاة الفجر
الخاصية الثامنة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحفز المسلمين على البقاء في المسجد بعد صلاة الصبح، يعني: أن تظل قاعداً إلى أن تشرق الشمس؛ لعظم أجر هذا الوقت، ويصبح هذا الوقت عبارة عن برنامج تدريبي إيماني عظيم يبدأ به المؤمن يومه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى صلاة الغداة في جماعة -يعني: صلاة الصبح، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة).
تكفير ذنوب من أحسن الوضوء والخشوع في صلاة الفجر أو غيرها
الخاصية التاسعة: وسيلة غير مباشرة لكن جميلة جداً، روى الإمام مسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب، ما لم يؤت كبيرة، وذلك الدهر كله) يلاحظ أن الفترة بين صلاة العشاء وبين صلاة الصبح هي أطول الفترات التي تقع بين الصلوات، وهي الليل كله، وهي نصف اليوم، فإحسان الوضوء صلاة الفجر والخشوع والركوع كل هذه مكفرة لنصف اليوم،
وبقية الصلوات مكفرة للنصف الآخر، أو قل تصبح صلاة الصبح مكفرة لنصف العمر لمن حافظ عليها، وبقية الصلوات مكفرة لنصف العمر الآخر، وذلك إذا اجتنبت الكبائر، فضل هائل وقيمة لا تقدر.
وضع الله عز وجل البركة في أول ساعات النهار
الخاصية العاشرة والأخيرة في هذه المحاضرة: أن البركة في البكور، في الساعات الأولى في الصباح بعد صلاة الصبح، فهي أبرك ساعات اليوم كله، روى الترمذي وغيره عن صخر الغامدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم بارك لأمتي في بكورها) ، هذه المباركة يا إخواني في كل شيء، في كل الأعمال: في التجارة، في الزراعة، في القراءة، في السفر، في الجهاد في
سبيل الله، في أي شيء، وصخر رضي الله عنه الذي روى هذا الحديث استفاد من هذه النصيحة، فقد كان رجلاً تاجراً، وكان إذا بعث تجارته بعثها في أول النهار، فأثرى رضي الله عنه وكثر ماله، حتى إنه في رواية غير أحمد : (أن صخراً كثر ماله حتى كان لا يدري أين يضعه).
إذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم يريدك أن تستيقظ لصلاة الصبح في جماعة، وتقعد تذكر ربنا سبحانه وتعالى في الوقت الذي ما بين الصبح حتى الشروق، ثم بعد ذلك تشتغل ولا تذهب للنوم، وتأخذ بركة أول اليوم.
فإذا كنت تريد أن يكثر مالك فاستيقظ وصل الفجر وربنا سيبارك لك في مالك إن شاء الله، والرسول صلى الله عليه وسلم لما كان يبعث جيشاً كان يبعثه في أول النهار، يقول النعمان بن مقرن رضي الله عنه وأرضاه (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر أمسك حتى تطلع الشمس -يعني: أمسك عن القتال- فإذا طلعت قاتل)،
يعني: كان يقاتل بعد طلوع الشمس في وقت البركة، وكان يقول: (عند ذلك تهيج رياح النصر، ويدعو المؤمنون لجيوشهم في صلاتهم).
إذاً: كان ينتظر بعد صلاة الصبح الوقت المبارك.بهذه الفضائل والخصائص وغيرها أدرك الصالحون قيمة صلاة الصبح فما ضيعوها، وما تخيلوا أصلاً أن يضيعها إنسان، روى الإمام مالك رحمه الله في موطئه: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد سليمان بن أبي حثمة -من كبار التابعين- رحمه الله في صلاة الصبح، فذهب عمر رضي الله عنه وأرضاه إلى أمه الشفاء أم سليمان رضي الله عنها -وهي من الصحابيات- فقال لها: لم أر سليمان في الصبح؟! قالت: إنه بات يصلي. يعني: ظل الليل كله يصلي فغلبته عيناه، لم يكن قاعداً أمام التلفاز يا إخواني، ومع ذلك لم يعذره سيدنا عمر ، بل قال: لأن أشهد صلاة الصبح في جماعة أحب إلي من أن أقوم ليلة بكاملها.كذلك بيعة عمر بن الخطاب للخلافة كانت في صلاة الصبح؛ لأن الصديق توفي مساءً ودفن مساءً،
وفي صلاة الفجر من اليوم الثاني بويع عمر بن الخطاب للخلافة، يعني: كبار رجال الدولة من الأمراء والوزراء وأهل الحل والعقد ومن بيده الأمر كل هؤلاء كانوا يصلون الفجر في جماعة، يأخذوا قرارات في منتهى الخطورة، قرارات مصيرية جداً في صلاة الصبح، صلاة في منتهى الأهمية.يروي الإمام مالك في موطئه: أن المسور بن مخرمة رضي الله عنهما دخل على عمر بن الخطاب بعدما طعن، يقول المسور : فأيقظت عمر لصلاة الصبح ، مع أن عمر بن الخطاب رأس الدولة كان مطعوناً طعنة قاتلة، والظرف صعب جداً جداً، لكن صلاة الصبح لا تؤخر يا إخواني، لا يستطيع أن يدعه يصليها بعد الشروق، ماذا قال عمر عندما أيقظه المسور بن مخرمة رحمه الله؟ قال له: نعم، نعم، أحسنت أنك أيقظتني، ثم قال: ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، ثم قام عمر رضي الله عنه وأرضاه وصلى صلاة الصبح وجرحه يثعب دماً، ومع ذلك لم يترك صلاة الصبح.وهذا أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه كان يبكي بكاءً مراً كلما تذكر فتح تستر، لماذا يبكي؟! وتستر مدينة فارسية حصينة، حاصرها المسلمون سنة ونصفاً، وبعد حصار لهذه المدينة مدة سنة، ونصف سقطت في أيدي المسلمين، وتحقق لهم فتحاً مبيناً، فإذا كان الوضع بهذه الصورة الجميلة المشرقة، فلماذا يبكي أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه عندما يتذكر موقعة تستر؟ لقد فتح باب حصن تستر قبيل ساعات الفجر بقليل، وانهمرت الجيوش الإسلامية داخل الحصن ودار قتال رهيب بين ثلاثين ألف مسلم ومائة وخمسين ألف فارسي وكان في منتهى الضراوة؛ لأن كل لحظة في هذا القتال تحمل الموت وتحمل الخطر الكبير على الجيش المسلم، فهم في موقف في منتهى الصعوبة، ولكن في النهاية كتب الله النصر للمؤمنين، وانتصروا على عدوهم بفضل الله، وكان هذا الانتصار بعد لحظات من شروق الشمس، وضاعت صلاة الصبح في ذلك اليوم الرهيب يوم الفتح، لم يستطع المسلمون في هذه المعركة الطاحنة والسيوف على رقابهم أن يصلوا الصبح في ميعاده، ويبكي أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه لضياع صلاة الصبح مرة واحدة في حياته، مع أن جيش المسلمين مشغول بذروة سنام الإسلام، مشغول بالجهاد في سبيل الله،
لكن الذي ضاع شيء عظيم يا إخواني، يقول أنس : ما هي تستر هذه؟ لقد ضاعت مني صلاة الصبح، وما وددت أن لي الدنيا جميعاً بهذه الصلاة.كلنا نفهم يا إخواني لماذا ينصر الله هؤلاء؟ لا توجد (لوغاريتمات) في الإسلام: "إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" [محمد:7]، فكيف ينصر الله عز وجل قوماً فرطوا في فريضة صلاة الصبح؟ هذا لا يكون، أما أن يكون الجيش على شاكلة أنس بن مالك رضي الله عنه يحاسب نفسه على الصلاة الوحيدة، فهذا ولا شك جيش منصور.
يتبع...
تعليق