Tweet
السلام عليكم ورحمة الله و بر كاته
تفريغ لمحاضرة "الولاء و البراء" لفضيلة الشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله.
أسأل الله أن ينفع بها كل من يقرأها من الإخوة والأخوات.
ذلك و ما كان من توفيق فمن الله, و ما كان من خطأ أو زلل أو نسيان فمنّي و من الشيطان.
ولا تنسوني من صالح دعاؤكم.
الولاءوالبراء
لفضيلة الشيخ أبي إسحاق الحويني
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله تعالى نحمده, ونستعين به ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله تعالى فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له,وأشهد أن لا إله إلا اللهوحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَآَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ"آل عمران:102
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا"النساء:1
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًاسَدِيدًا*يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاعظيما" الأحزاب:70:71
أما بعد,
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى, وخيرالهدي هدي محمد صلى الله عليه وأله وسلم, و شر الأمور محدثاتها, و كل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.
فلازلنا أيها الإخوة مع تفسير قول الله تبارك و تعالى
" أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ "المائدة:54
و قد ذكرنا في المرة الماضية أن الولاء و البراء من أصل الإيمان, و أن الذي ليس في قلبه هذاالمعنى ليس عنده من الإيمان شئ,
إذ لا يُتصور أبداً في مؤمن رضي بالله ربَّاً, وبالإسلام ديناً, و بمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً و رسولاً ألا يكون في قلبه عداءلأعداء الله و رسوله.
هذا شئ لا يُتصور, لأن الإيمان لا ينفك عنه بحال من الأحوال.
مثلما تحب ربَّك, تبغض عدو ربِّك, فهذه مسألة واحدة يستحيل أن تنفصل أبداً.
حبيب حبيبي حبيبي, و ليس من الحب أبداً أن تصافي عدو حبيبك, فهذه علةالحب.
و لذلك, وجدتُّني معنياً بالتفريق ما بين المودة و البر, لأن قائلاً, و هومن أسمج قائل رأيته, فما رأيت خسفاً و لا عسفاً مثل هذا الذي سأذكره لكم.
يقول هذا الفسل: "إن هذه الأية "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْتَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ"الممتحنة : 8
ناسخة لأية البراء من المشركين". جاهل.
و نحن ابتُليِنا في هذاالعصر بتصدر الجهلة.
ثم وقع أهل العلم في فخ لا أدري كيف وقعوا فيه, و هو أن يجادلوا الجهلة.
مَحِل الجاهل تحت القدم ليتعلم,
لا أن ينصب قامته ليناقش, هو ده مَحِل الجاهل, لكن في عصر الفضائحيات, و السماوات المفتوحة كما يقال, بيعملوا برامجحية,
برامج حية بالهاتف, أي فسل في الطريق يسأل أي عالِم و يعترض, و يقول للعالِم أنا الكلام ده مش عاجبني,
والكلام اللي بتقوله ده كلام غير صحيح.
يقوم العالمبأه لازم يبقى حليم, و لازم يبقى رفيق, و لازم يبقى ودود عشان الدعوة إلى الله بالحكمة و الموعظة الحسنة.
الفسل عمّال يعتدي, و عمّال يضيّع في الأدلة, والعالِم عمّال يرد, يقولّه "طوِّل بالك, هفهمك".
هذا جاهل, و الجاهل لايناقَش.
يا ياخد على قفاه, يا يتعلم. هو ده مَحِل الجاهل.
و سُمِح لكل من يريد أن يتكلم, حتى و لو بكلام الكفر, أن يتكلم.
يقول إن الأية دي ناسخة لآيات البراء من الكافرين؟!!
دي أيات البراء من الكافرين بتلِف القرآن كله, بل هذه الأية تقدّمتها أيات في البراءة من الكافرين.
لكن الجاهل لا يعرف الفرق بين المودة و البر.
المسألة بإختصار, أن البر يكون لمن تحب و من تكره, و لا تكون المودة إلّا لمن تصافي و تحب, بس.زي الدنيا.
الدنيا جعلها الله للبَر والفاجر, لكن -( والآخرة عند ربك للمتقين)-[الزخرف/35], بس.
فالبر يُبذل للعدوو الصديق, أما الوُد فلا يكون إلا لحبيب.
ليه؟؟!!
لأن الوُد من أصل عملالقلب, زي البغض بالضبط.
لذلك كان من أكمل إيمان العبد أن يحب لله و أن يبغض لله.
هي عملة واحدة لها وجهان, مثلما تحب تبغض, و هذا مؤمن و هذا مؤمن.
يبقى أساس المسألة كلها عمل القلب.
و هناك فرق كبير و بَوْن شاسع بين أداء الواد, وأداء البار.
لا يكاد المميز يخطئ بين الأدائين, يخطئ التمييز بينهما.
و خذمثلاً هذا الموقف.
في صحيح البخاري من حديث البراء بن عازب, قال "اشترى أبو بكرٍمن أبي عازبٍ (عازب اللي هو أبو البراء يعني)رحلاً", فأمر البراء أنه يحمِّل الرحل لأبي بكر, فقال عازب "لا, حتى تقص علينا نبأ هجرتك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم", فكان من جملة ما قال رضي الله عنه "أننا لمّا خرجنا مهاجرين, و دار علينا الوقت, و كنا في نحر الظهيرة, قامت لنا صخرة فالتمسنا ظلها. وكان معي بردة ففرشتهالرسول الله صلى الله عليه وسلم و نفضت ما حولها. فمر بنا راعي غنم, فقلت يا فلان أفي غنمك لبن؟, قال نعم, قال هل أنت حالب لنا؟ قال نعم.قال فحلب, فأخذت اللبن فبردته, و قلت اشرب يا رسول الله. قال فشرب حتى رضيت"
مش حتى رضي, لأ حتى رضيت أنا.
يشرب,
و يشبع,
أنا أشبع.
حتى رضيت.
لا يكاد المرء أبداً يخطئ نبرة الحب في قول أبي بكر "فشرب حتى رضيت". لأنه وُد. قلبه هو الذي يتحرك ويسبقه.
ده اسمه ود.
على الجانب الآخر, في حديث أبي هريرة في صحيح مسلم, جاءرجل إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقال "يا رسول الله, إن لي قرابةً أصلهم ويقطعونني, واحسن إليهم و يُسيئون إلي, و أحلُم عليهم و يجهلون علي".
صد رد, على طول الخط.
قال"إن كنت كذلك فإنما تُسِفُّهم المَل (أي الرماد الحار) و لا يزال عليك من الله ظهيرٌ عليهم ما دمت على ذلك"
يبقى الراجل ده واقف بالعافية. كل مايمد ايده, يضربوها. كل ما يحلُم عليهم,يشتموه. كل ما يعطيهم, يمنعونه في وقت حاجته.
هل يُتصور أن يكون في قلب هذا الرجل بر؟!!
أبداً.
ما الذي جعله يقبل هذا كله؟!!
أن الله عز و جل أمره بالبر.
يبقى ده بأه واقف على حزالغلاصم.
فشتان بين هذا و ذاك.
المودة أصلها عمل القلب, لكن احنا في زمان بيْهز كل الثوابت عندنا.
الأحكام التي كانت مستقرة, ما يخطر ببال أحد أن يقف ليناقش فيها بيْهزوها انهرده, و صار كل شئ معرضاً للنقاش.
و هذه مسألة خطيرة.
هذا البناء, لمَّا يسقط الجدار ده و الجدار ده مش مشكلة, لكن لمَّأ تهز العمود ده هي دي المشكلة.
كل شئ بيُناقَش.
و أنا عمَّال أتابع توابع الزلزال, اللي هو إمامة المرأة للمصلين في صلاة الجمعة في أمريكا. أهو دي عاملة زي الزلزال, و له توابع كده. بشوف رد الفعل عندنا.
فطبعاً مشكورين أنكروا طبعاً هذا الكلام إنكاراً باتاً.
مستشار وزير الأوقاف قال "و ايه يعني لمَّا المرأة تؤم الرجالة, ما أبو جعفر ابن جرير الطبري بيقول كده, و أبو ثور بيقول كده, و طالما في فقهاء قالوا بهذا الكلام خلاص, بننكر ليه, و دول فقهاء اجلَّاء".
أم واحد تاني رادد عليه من علماء أهل السنة و الجماعة قالّه "لأ ابن جرير الطبري لا يُؤخذ بكلامه لأنه ملوش في الفقه, ده مفسِّر بس".
و لا هذا أصاب و لا ذاك.
أولاً,الذي يقول إن ابن جرير الطبري ليس بفقيه, هذا لم يقرأ لابن جرير شيئاً.
ابن جرير ده كان فلتة من الفلتات.
كان إماماً محدثاً, لغوياً, فقيهاً, مفسراً, مؤرخاً. و كان إماماً في هذه العلوم جميعاً. و كان له مذهب فقهي كالأئمة الأربعة اسمه المذهب الجريري.
و من طالع كتابه الماتع الرائع الذي ما أعلم أحداً سبقه إلى معناه, نعم جاء بعده من نسج على من واله, نعم, و لكن لا أعرف أحداً سبقه إلى معناه, كتاب تهذيب الأثار له. أظهر براعة فقهية و حديثية و لغوية. و هذا الكتاب لم يتمّه الإمام, و لمنظفر على ما ألّفه الإمام, لكن ظفرنا على بعض هذا الكتاب و نشر في عدة مجلدات, حوالي خمس ست مجلدات الذي وجدناه من هذا الكتاب.
أنا أُحيل المتكلم ده إنه يروحيراجع كتاب تهذيب الأثار لأجل أن يعرف من هو ابن جرير.
نعم ابن جرير الطبري إمام كبير, و برز في التفسير, لكن هل يعني برز في التفسير يعني ليس له في الفقه؟!!
يقوم عشان يرد غلى اللي بيقولّك ابن جرير أجاز يقولّك ابن جريرمبيفهمش!!
و الحق بين طرفي نقيض, و ليس معنى إن ابن جرير مثلاً إمام المفسرين, أن يُقبل كل تفسيره.
يعني ابن جرير مثلاً اختار المسح على الرجل, على خلاف ما هومعروف عن كافة أهل السنة و الجماعة في قول الله عز و جل -
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَآَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)-المائدة:6
دي القراءة المشهورة عندنا.
و القراءة الثانية -(وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ- على الخفض بكسر اللام, و القراءة الشهيرة عندنا بفتح اللام.
ليه؟!!
لأنها معطوفة على الوجوه, و معطوفة على الأيدي, مفعول به.
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَأَرْجُلَكُمْ". تمام؟
و من قرأ بالخفض و عطف الرجل على الرأس, و حكم الرأس المسح, يبقى حكم الرجل المسح.
"وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ"-,, هو اختار رواية الخفض, و وافق الشيعة في المسألة دي.
و الذي يرجح في ما يتعلق بالرجل الغسل للأحاديث الكثيرة الشهيرة المستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة وضوئه, و أنه كان يغسل رجليه و ما مسح عليهما قط, إلا أن يمسح على الخفين, بس.
إنما يمسح على الرجل؟!! لأ, يغسل رجله. تمام؟
طب ما ده إمام المفسرين!!
يعني إمام المفسرين يقبل كل ما يقول في التفسير؟!!
طبعاً لأ بداهةً.
و ما وُجد أحد قط قُبل منه كلامه كله إلا الرسول صلى الله عليه وسلم. بس.
رُد كلام لأبي بكر و عمر و عثمان و علي, فمن دونهم. وُجد لهم فتاوى مردودة, و مرجوحة.
فإيه معنى يقول إن ابن جرير ليس بفقيه.
كله بيخبّط!!
إنما هذا الجاهل, اللي كل مؤهلاته إنه أستاذ فلسفة,بس.
فالمحرر بيقوله "بس انت أستاذ فلسفة, يعني ملكش في الدين"
قالّه "متغظنيش"
قالّه "لا تستفزني" كده بالنص "لا تستفزني, أنا أفهم في الفقه من كثير من الفقهاء"
لإن احنا في الزمن اللي المذهب فيه مذهب أبو دراع؟, هو ده المذهب السائد دلوقتي, يُتاح له انه يتكلم, يروح أي صحفي عايز يملئ أي فراغ في جريدة يروح لأئ بني آدم "ايه رأيك في الموضوع ده؟" يتكلم و ينشر.
حتى ابن جرير لو قال هذا الكلام, رأي شاذ من ضمن الأراء الشاذة اللي ينفرد بها أي عالم في الدنيا, و لا يضره في علمه, و لا نطعن عليه, حتى اذا وجدناه قال هذا القول المرجوح, وإلا لو كل قول وجدناه في الكتب تبناه أحدنا, و الله ده في أقوال لا يقبلها ذو ذوق و لا فهم.
كتاب (مراقي الفلاح) في الفقه الحنفي, و هو يتكلم عن الإمامة, و مراتب الإمام, و يؤم الناس أقرأهم لكتاب الله, فإن استَووا فأعلمهم بالسنة, فإن استَووا, فأكبرهم سناً, فإن استَووا فأقدمهم هجرة.
هو ده الحديث, حديث النبي صلى الله عليه وسلم, حديث بن مسعود. خلصت لحد كده.
هو بأه حب يقول طب افرض استَووا في الأربعة دول؟!!
قال "فإن استَووا فأجملهم زوجة" ده فقه؟!!! ايه الفقه اللي فيه؟!!
طيب, جبنا النساء و وقفناهم صف, و بَصّينا ليهم, و اتملّينا فيهم, و اتمَعّنّا, و ملينا عيونّا و قلبنا و قلنا دي أجمل, و دي أجمل, و دي أجمل. فإن استَووا؟!!
قال "فأصغرهم عضواً" ده فقه؟!!!
ده يصلح أن يوضع في كتب الفقه؟!!!
انت عايز تاخد كده, هتلاقي برده كتير لو حبّيت تقلب في الكتب.
أفكلما قال إنسان قولاً في كتاب يبقى اسمه دين؟!! و يبقى مذهب؟!!
ماهو لا يفعل ذلك إلا الجهلة, اللي همَّ تصدروا و مسكوا المناصب العلمية و الكلام ده.
المفتي بتعنا أنا سمعته في برنامج "على الناصية".
واحد بعتلي شريط برنامج على الناصية مع المفتي بتعنا.
أنا لا يعنيني ما قال, لكن آخر كلمة قالها, تقول له المذيعة "طبعاً سيادتك عارف إن احنا لنا سؤال تقليدي في آخر الحلقة, و هو تحب تسمع ايه؟"
قال "و الله أنا, يعني لو سبتيلي كده, كنت أقول لِك أسمع المنشاوي, أسمع محمد رفعت, بس لإن أنا مش عايز أخرج عن نمط البرنامج, و لا إطار البرنامج, فأنا هستبدل دول بأم كلثوم"
إي و الله, بالنص "حستبدل دول" دول اللي هم بيقرؤا قرآن "حستبدل دول بأم كلثوم".
ده المفتي بتعنا؟!! هو ده المتصدر للإفتاء؟!!
أهو خد بأه الشريحة دي و انزل لتحت, ترى العجب.
قلبي يتمزق عندما أرى هؤلاء, و أرى طلاب الهدى, أرى طلاب الحق, اللي نفسه يوصل لربّنا, لمّا يرى الطريق ملآنًا بقطّاع الطرق إلى الله, بيصعبوا عليّ, و يتقطع قلبي من أجلهم.
و كثير من الناس يقول لك "ده المفتي" قيتّبعه, و قد يكون صادقاً مريداً لربّه.
مسألة المودة و البر, أنا معنيٌّ بتجليَتها, لأردّ على هؤلاء, و لأؤسس و أحيي هذا المعنى في قلوب المسلمين, لاسيما في زمن التيه و الضياع و الغيبوبة.
و أنا سأتولى التفريق بينهما من خلال سورة الممتحنة, فإن لفظة المودة تكررت فيها أربع مرات, و هي تعتبر أكبر نسبة في القرآن كله.
قال الله عز و جل -"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ
مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي
تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَاأَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ
*إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ"الممتحنة:1:2
الآيات دي كلها تهييج و تحفيز و استفزاز.
و الاستفزاز ده له وجوه.
علامات الاستفزاز في هذه الآيات ما يلي, و الخطاب للذين آمنوا, لأنه لن ينتفع بهذا الخطاب إلا هم.
-( لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي)- أدي نمرة واحد -( وَعَدُوَّكُمْ)- دي نمرة اتنين.
-(عَدُوِّي)- و الشيطان برغم انه معدن الشر, و أول كافر في الخليقة, و كل شر في الأرض فرع على شره الكبير, إلا أن الله عز و جل لم يذكر في القرأن أبداًأن الشيطان عدوَّه.
أبداً.
لم يصف الشيطان قال عدوّي, إلا علي جهة العموم فيقوله تعالى " فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ" البقرة:98
و الشيطان أبو الكفر كله.
لكن يعيّن الشيطان, و يسمّيه, و يقول هو عدوّي, محصلتش دي, مارأيتها في القرأن, و لا رأيتها في السنة إلا بكلمة عدو الله, لكن الكافر الإنسي قالفيه عدوّي.
و قال في فرعون "يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ" طه:39
"وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ" فصلت:19
يبقى وصف الكافر الإنسي بأنه عدو له.
ايه معنى الكلام ده؟!!
إشارة منه إلى خطره الداهم, و أن المرء اذا لم يكن حذراً من هذا الكافريجرّه.
الشيطان من السهل أن تدفعه عنك, تقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم يُولّي الأدبار.
شيطان الإنس لو قرأت القرآن عليه جميعاً, لا يتحرك.
بالإضافةإلى شيطان الجن أنت لا تراه, و المرء لا يأنس إلا بمرئي.
طب الإنس عايش معاه, وبتاخد و تدي معاه, بخلاف شيطان الجن انت دايماً مرعوب منه, و خايف, و لمّا بتعدلوحدك في مكان بتبقى مرعوب لو استحضرت هذا المعنى, شفت الباب كده بيخبط ولّا بيرزع أو الهوا خبطه ضربه, تقف متعرفش تنام طول الليل,
رغم ان انت في الدور العاشر مثلاً, و آمن, و بابك مقفول, لكن لا تستطيع أن تنام.
ليه؟!!
ليس بينك و بينه أُنس فتقبل منه, بخلاف شيطان الإنس.
فأول تهييج لك أنه عدو لربِّك الذي تحبه, و الذي تعبده.
شئ تلقائي عند أهل الإيمان أن يكرهوا أعداء الله, لأنه جزء من الإيمان, حرارة الإيمان, الحرارة في المسألة دي.
المهيّج الثاني,
أن الله عز و جل اذا قال هذا عدوي, يبقى أعد له أشد العذاب, و أن الذي يضع يده في يده خاسر يقيناً
"وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ""الأنفال:13
يبقى عدو لربّك, دي معناها إنه خاسر, مهزوم, و آخرته جهنم.
المهيّج الثالث أنه عدوُّك.
اذا مكنش المهيّج الأولاني حركك, و في ناس إيمانها نظري, إيمانها على الورق.
يسمع سب الدين و سب ربّنا و لا يحرك ساكناً, واحد سبّه بأبيه, يدخل معاه في معركة حتى لو خسر حياته فيها.
ما الذي هيّجك لمّاسبّ هذا المار أباك؟!! بينما سبّ ربّك فلم تتحرك, فما الذي هيّجك؟!!
محل الوالدفي النفس, و الأنف من الذل.
فإذا لم تتهيّج بالمهيّج الأول, اللي هو عبارة عن مهيّجين في بعض, يهيّجك بأنه عدوُّك.
تلقي إليه بالمودة؟!!
و شوف التعبيربقوله عز و جل -(تُلْقُونَ)-.
اربط هذا مثلاً بقوله عز و جل " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ" ق: 37
الإلقاء ده معناه الإصغاء الكامل.
يعني تلقون إليهم بالمودة الكاملة, و هم أعدائي و أعداؤكم أيضاً؟!!
هذه الآية نزلت بسبب, وهذا الخبر رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه و رواه جماعة عنه, و في كل رواية ما ليس في الأخرى, و كما هي عادتي في هذا الموطن, ألفق القصة كلها من الروايات.
قال علي بن أبي طالب "قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق أنت و المقداد بن الأسود و الزبير بن العوام وأبي مَرثد الغَنَوي", دول أربعة, قال علي "كلنا فارس". فارس يعني الخلاصة, يدخل في معركة يكسبها.
طب مين العدو بِتَعهم؟!!
ظعينة,امرأة.
أربع فرسان رايحين لإمرأة.
قال"اذهبوا إلى روضة خاصر", اسم مكان "تجدون ظعينة معها كتاب, إيتونيبه", كتاب يعني خطاب.
انطلقوا الأربعة, وجدوا فعلاً المرأة جالسة. قال لها علي "أخرجي الكتاب".
قالت"ما معي من كتاب", ففتشوا رحلها كله, فلم يجدواشيئاً.
فقال أبو مرثد و المقداد "ليس معها كتاب", احنا فتشنا و لم نجد.
فقال علي "ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم", معاها كتاب يعني معاها كتاب, أما يروح يقول هات الكتاب يبقى معاها.
"ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم, و لاكُذِّبنا"
قال لها "لتخرجن الكتاب و إلا لأجردنك", هخلّعك هدومك.
فأخرجت الكتاب من عقاصها, من الضفيرة بتعتها. لفّت الورقة كده, و حطتها بين ضفيرتها كده وضفّرت عليها, بين شعرها و ضفّرت عليها.
أخذوا الكتاب و انطلقوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
افتح الكتاب و اقرأ يا قارئ, فإذا في الكتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى نفر من المشركين, و كان النبي صلى الله عليه وسلم يُجهِّز الجيش لفتح مكة, و في بعض الروايات الضعيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "اللهم عمِّي خبرنا عليهم", مش عايزين المشركين يعرفوا قصة غزونا لمكة, ما يخدوش إستعداد والكلام ده.
فحاطب بن أبي بلتعة رجل من المسلمين, عرف المسألة دي, أفشى هذا السرالعسكري, و كتب إلى المشركين إن هنهاجمكم في اليوم الفلاني.
حاطب,في بعض الروايات جالس, و في بعض الروايات أنه لم يكن في المجلس, فذلك محمول على أنه لم يكنفي المجلس فجئ به.
و جلس. و سمع بأه الكتاب, و ما خطر بباله إن القصة تكون كده.
فأول ما قُرأ الكتاب, قام عمر بن الخطاب و جرّد سيفه و قال "يا رسول الله دعني أقطع عنق هذا المنافق, إنه خان الله و رسوله و المؤمنين"
فقال النبي صلى الله عليه وسلم "ما هذا يا حاطب؟!!"
قال"يا رسول الله لا تعجل عليّ, فوالله مافعلت هذا كفراً مني و لا رضاً بالكفر بعد الإيمان, لكن كان لي أهل و قرابة بمكة وكنت امرءاً ملصقاً" ملصقاً يعني ليس من أنفسهم يعني, ليس له قبيلة و ليس لهعِزوة.
"و كان مَن مِن المهاجرين لهم من أهليهم و لهم من مالهم ما يردّ الله به عن أعراضهم و عن أموالهم, فأردت أن أتخذ يداً عند المشركين يحفظون بهاقرابتي".
قال"صدقكم, لا تقولوا له إلا خيرا".
فقام عمر, فقال "يا رسول الله خان الله و رسوله و المؤمنين, دعني أقطع عنق هذا المنافق"
فقال"ايه يا عمر, لعل الله اطّلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"
"إن الله عز و جل" كما في الحديث الآخر "قضى ألا يلج النار أحد شهد بدراً و الحديبية".
و لما جاء غلام حاطبٍ يشكو حاطباً, و كان يقسو على هذا الغلام, فقال له الغلام "و الله يارسول الله ليدخلن حاطب النار", قال له "كذبت,إنه شهد بدرا"
"لعل الله اطّلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" ففاضت عينا عمر و قال "الله و رسوله أعلم", فنزلت الآية.
"لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَتُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ" الممتحنة:1:2
و لذلك قال الله عز و جل" لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ"الممتحنة:3
, يشير إلى ما فعله حاطب.
لماذا فعلت هذا؟!
حتى يحفظ قرابته و أرحامه فلا يصل إليهم أذى قريش.
"لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" الممتحنة:3
الواقعة دي فيها معنىً دقيق.
نحن قلنا أن المودة عمل القلب,فهل حاطب لمّا فعل هذا كان قلبه معه؟!!
الجواب:لا.
أمّال الآية نزلت ليه بلفظ المودة؟!!
"تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ" و حاطب قطعاً صادق الإيمان, لا يرضى بالكفر, ده مسلم من قلبه, و يحب الله و رسوله من قلبه.
فلماذانزلت الآية بلفظ المودة التي هي عمل القلب؟!!
نجيب عن هذا إن شاء الله عز و جل, أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم
،،،،،،
تعليق