السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله،
أما بعد أيها الأحبة
هذه ليلة الخميس الموافق للرابع والعشرين من الشهر الخامس للعام الثاني عشر بعد الأربعمائة والألف، وفي هذا الجامع المبارك جامع شيخ الإسلام ابن تيمية في مدينة الجبيل، نلتقي وإياكم في مثل هذا الموضوع: الشباب وما أدراك ما الشباب .
الشباب أيها الأحبة، الشباب ألم وأمل، وأتعرض في هذا الموضوع لاستبانة قام بها بعض الباحثين، أعرض لبعض نتائجها من خلال الطرح، وكان عدد العينة في هذه الاستبانة مائتان وسبعة وسبعون شاباً، وأشكر حقيقة كل من شارك في هذا الموضوع، وأدعو الله جل وعلا أن لا يحرمهم الأجر والثواب في الدنيا والآخرة، ثم إن سبب هذا الموضوع إصرار الكثير من الشباب التائبين والغافلين النادمين على توجيه كلماتٍ للشباب الذين غرقوا في وحل الغفلة والشهوات، ومستنقع الرذيلة واللذات فكانت هذه الكلمات، وإذا قلت الشباب ألم وأمل فألمٌ وأمل كلمتان ليس هناك فرقٌ بينهما في الحروف، ولكن هناك بونٌ شاسع جداً بين معناهما، فهل أنت أيها الشباب أمل فنعقد عليك الآمال، أم أنت ألمٌ فتزيد الآلام آلاما.
أيها الشباب، أنتم أملٌ تعلقت به القلوب وأملٌ تنتظره هذه الأمة فأنتم ثروتها وأنتم سر قوتها، وإذا أردتم أن تنظروا للمستقبل كيف يكون فانظروا للشباب اليوم كيف هم؟ ولو نظرت أنت لنفسك بصدقة وشجاعة ربما انتقل هذا الأمر وهذا الأمل إلى ألم ومرارة، فكيف لو نظرت إلى أصحابك وجلسائك، بل كيف لو نظرت إلى مئات وآلاف من شبابنا وحالهم وواقعهم، لكني أتمنى أن يحرك هذا الألم قلبك الطيب، فيعيد الأمل لنفسك بل لنا، بل للأمة كلها فهي تنتظرك، تنتظر عودتك إلى الجادة، لتبني حضارتها وتساهم في نهضتها، والمصيبة أن يتعثر الأمل فيصرخ من شدة الألم، لكن:
ما زال في الأرض ميدانٌ ومتسع *** للخير يدركه من جد في الطلب
ولم يزل في نفوس الناس منطقةٌ *** محميةٌ سُكنت بالخوف والرعب
ولم تزل نخلة الإسلام باسقةً *** مليئةً بعذوق التمر والرطب
ولم تزل واحة الأخلاق مخصبةً *** فيها مشاكل من تينٍ ومن عنب
أيها الإخوة، لو أقسمت بالله أن كل شابٍ مهما كان بعيداً عن الله فإن فيه خيراً ما حنثت، لولا أنه أُتي من سوء فهمه أو غفلة أو شهوة، ولا أدل على ذلك من تلك الدمعات التي ينثرها الكثير من الشباب بعد الوقوع في المعصية، وتلك الحسرات التي يطلقها على حاله وحال إخوانه عند الحديث عن واقع الشباب، بل وتلك الصيحات والنداءات منهم، والتي تنادي أن أمسكوا بأيدينا قبل الوقوع بالهاوية...مشاعر وعواطف قلب
أخي الشباب، أيها الحبيب الغالي: هل رأيت يوماً من الأيام أو حتى سمعت في عالم الأحلام عن قلب يتكلم، نعم ..إنه قلب المحب، يتكلم ويتألم، وهذا حديث القلب من المحب للحبيب، نعم فأنا المحب وأنت الحبيب، أنت الحبيب فأنت الأمل وأنت المستقبل، وأنت غراس المجد ونبت الهدى، أنت أخي وصديقي وأنيسي ورفيقي، لا تظنه نثراً من الأدب ولا شعراً من الطرب، إنه حديث القلب بعيداً عن المداهنة والمجاملة، والثناء المتصنع، لكنه خفقان الجنان الذي يسبق اللسان فيحبس البيان، والله العظيم لو كنت أملك الهداية والسعادة لبذلتها لك، لكني أستطيع كغيري فعل السبب من كلمة طيبة، ونصحٍ صادق، وتوجيهٍ وإرشاد، فهاك إياها، هاك إياها من قلب المحب فهل قلب الحبيب يسمع؟
يا إخوتي يا شباب الحق همتكم *** تسمو بكم عن دروب الطيش والصخب
أحبكم يا شباب الحق محتسباً *** ولن يضيع ربي أجر محتسبِ
أدعو لكم بصلاح الأمر في زمنٍ *** سواد ظلمته يطغى على الشهب
أقول لا تفتحوا باب العقول لمن *** يدعو إلى اللهو والتهريج واللعب
لا يجرمنكم شنآن من فسقوا *** على سلوك طريق العنف والشغب
أيها الشاب: يعجبني فيك الحياء والخجل مهما كان منك، فقد جلست مع عشرات الشباب ممن وقع في كبائر الجرائم والآثام، وقد لاحظت على الجميع بدون استثناء في بداية كل لقاء الاستحياء والتردد والخجل، بل وصل الأمر عند بعضهم أن لا يرفع طرفه عن الأرض وهو يتحدث عن ماضيه، وكأن لسان حاله يقول:
لا تحسبوا أني جمّدت عاطفتي *** إني لأبكي على حالي وأنتحب
لست الغريب دياراً عن بني وطني*** ولا إلى ساقط الأقوام أنتسب
لكنهم رفقة السوء الذين قضوا *** أيامهم لعباً وما مثله لعب
رافقتهم آكلاً من جنس ما أكلوا *** وقد شربت من الكأس التي شربوا
يا قاتل الله من باعوا ضمائرهم *** وألبسوني لباس الخوف وانسحبوا
كانوا معي إخوةً حتى إذا علموا *** أني فقدت معاني همتي ذهبوا
فيا أخي الحبيب: أعرف أن فيك خيراً كثيراً، فاسمح لي أن آخذك بعيداً بمفردك، بعيداً عن الجلساء، بعيداً عن طيش الشباب وشهوات النفس، بعيداً عن وسائل الفساد والضياع، بعيداً عن المعاصي، بعيداً عن التقليد، بعيداً عن كل المؤثرات، أريدك أن ترجع معي إلى الوراء، إلى زهرة شبابك، إلى يوم انفتحت عيناك على الدنيا بقلبك الأبيض ونفسك الطاهرة وبراءتك، يوم كانت الدنيا صافية في عينيك، لا تعرف غشاً ولا كذباً ولا حقداً ولا حسداً، لا تعرف التدخين ولا الغناء، ولا اللواط ولا الزنا، لا تعرف السهر ولا السفر، لا تجرؤ على النظر للمحرمات، ولا تدري ما المخدرات، أريد أن أجلس معك على انفراد، بقلبك الطيب، ونظراتك البريئة وفطرة الخير فيك، نعم ..أريد أن أخاطب فيك الشاب البسيط الحيي لألتقي معك لقاء لا يرتبط بالمادة ولا بالمجاملة، لقاء الأخ الشفيق بأخيه، الرحيم البر به، اسمعها مني كلمات وادعة، ومشاعر نابعة من القلب، فأرجو أن يكون هذا اللقاء لقاء القلب بالقلب، يعبر عنه اللسان ببيان رقيق جميل، وحس مرهف، فأدعو الله جل وعلا أن تصل كلماتي إلى شغاف القلوب، وأن تغوص في أعماق الروح، فإن في قلبي شفقةً مليئة بالحب لك، وفي صدري حرقةً يدفعها النصح لك، فسماعك لي يملأ نفسي نوراً وقلبي لذةً وسرورا، فأزداد شوقاً إليك وحزناً عليك، فمن يناجيك مناجاتي، ومن يرجوك رجائي
:
لا تعدل المشتاق في أشواقه *** حتى يكون حشاك في أحشائه
قبول النصيحة مشكلة، أيها الشاب، قال أبو حامد الغزالي: النصيحة سهلةٌ والمشكل قبولها لأنها في مذاق متبع الهوى مر، إذ المناهي محبوبةٌ في قلوبهم ..انتهى كلامه.
والشباب مع النصيحة بين ذكيٍ قد وهبه الله سلامة الفطرة وصفاء القلب وسلامة الوجدان، ما يعده لاستماع القول واتباع أحسنه فأنا أحمد الله في أمره، وضعيفٍ قد حيل بينه وبين نفسه فهو لا يرضى إلا عن ما يعجبه ولا يسمع إلا ما يطربه، فأكل أمره إلى الله، أكل أمره إلى الله وأستلهمه صواب الرأي فيه، حتى يجعل الله له من بعد عسرٍ يسرا.
أخي الشاب: قف وتفكر في أي الطريقين أنت تمضي؟ وإلى أي الغايتين أنت تجري؟ فالشاب إن كان جاداً صادقاً مفكراً مثقفاً قوياً مؤمناً رسم لنفسه مستقبلاً مشرقا، وإن كان لاهياً عابثاً غارقاً في الشهوات والمعاصي ورغبات النفس الأمارة كان المستقبل مظلماً مخيفاً والأمر لله من قبل ومن بعد، لكنها علامات ودلالات فالله تعالى يقول: (ألم نجعل له عينين*ولساناً وشقتين* وهديناه النجدين)البد8و9و10" والنجدان هما طريقا الخير والشر، فأيهما تختار؟ أرأيت أخي الشاب: أرأيت المسكن الجميل لا يقوم إلا على أسس وقواعد متينة بعد تخطيط وتنضيب؟ فكذا أنت..تبني نفسك ومستقبلك، تأمل هذه الآية جيداً يقول تعالى: (أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خيرٌ أمن أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين) التوبة109".
الشباب وراحة القلب:
إن القلب مهما تلطخ بسواد المعصية فإن فيه رقة ورأفة وحباً وعطفاً، قل لي بربك: كم من المرات دمعت عيناك لسماع كلمات أغنية فيها من الولع والشوق وهجران الحبيب؟ بل كم من المرات دمعت عيناك وأنت تشاهد الأحداث المؤلمة لفلم من الأفلام؟ إذاً: تحركت العواطف ورق القلب ودمعت العين لمجرد كلمات ومشاهد خيالية صورتها عدسة فنان أو كتبتها يد إنسان، فهذه العواطف والدموع مزيفة، فالوسائل التي أدرتها ممثلة مركبة، فكيف لو انتعش هذا القلب؟ كيف لو انتعش هذا القلب وذاق طعم العواطف والدموع الصادقة؟! كيف لو ذاق حلاوة الإيمان وعرف الحياة الطيبة التي قال الله تعالى عنها: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)؟النحل97" كيف لو كان هذا الحب لله؟ كيف لو كانت هذه الدمعة من خشية الله؟
أيها الشاب: هل ذقت حلاوة الإيمان التي أخبر عنها حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم فقال: (ثلاثٌ من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان )؟ هل ذقت طعم الإيمان الذي أخبر عنه قدوتك صلى الله عليه وسلم؟ قدوتك محمد، قال: (ذاق طعم الإيمان من رضي الله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً نبياً ) .
شابٌ يصرخ فيقول: سافرت لكل مكان، شاهدت كل القنوات جرّبت كل شيء، فراغٌ وضيقٌ وطفش، ويتحسر آخر فيقول: أُركب الأصدقاء ونتجول في السيارة ذهاباً وإياباً، ثم ماذا وإلى متى؟ ويعترف لصٌ من لصوص الليل بمكالمات الحب والغرام، ولقاءات الليل ومعاكسات النهار ويقول: أسمع أن الزنا دين وكما تدين تدان، وأذكر بيت الشعر الذين يقول:
إن الزنا دينٌ إن استقرضته *** كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
يقول: فأنظر لمن حولي بعين الشك والارتياب، أفكر في الزواج ولكن ما الذين يضمن لي سلامتها وعفتها ...هكذا أنا في دوامةٍ وحيرة وتردد.
ويقول رابع في مقدمة مشكلته التي كتبها: أسألكم بالله العلي العظيم أن تعرضوا هذه المشكلة، ثم قال: أنا أعيش في قلق وهمٍ وغم، ولا أخفيك سراً أني حاولت الانتحار وربي يشهد عليّ من فوق سابع سماء، مرةً بشرب كمية من الدواء ولكن الله ستر وأدخلت المستشفى وعوفيت، ثم ذكر قصته التي يهتز لها عرش الرحمن ...إلى أن قال: هل يغفر الله لي؟ وما نصيحتك؟ والرجاء الدعاء الدعاء حتى قال في آخرها: قدروا ما أعيش فيه من عذابٍ نفسي.
أيها الإخوة: ارحموا الشباب، أيها المجتمع رويداً رويداً بالشباب، أيها الآباء والأمهات: عطفاً ورفقاً بالشباب .
جسدٌ ناحلٌ ودمع يفيض *** وهوى قاتلٌ وقلبٌ مريض
وسقامٌ على الثناء شديد *** وهمومٌ وحرقة ومضيقُ
هذه حال الشباب، فالمشاكل تفترسهم، الفراغ، جلساء السوء، التدخين، المخدرات، الزنا، اللواط، سماع الغناء، ترك الصلاة، التهاون بها، السفر للخارج، القنوات الفضائية، السهر، المجلات الهابطة، الأفلام الساقطة، العادة السرية، تقليد الغرب، فقدان الشخصية، الدوران بالشوارع والتفحيط، الكذب، السرقة، المعاكسات، اللعان وبذاءة اللسان، الكبر والغرور، البلوت ولعب الورق، التشبه بالنساء... جنسٌ وشهوةٌ وإثارةٌ للغرائز، وغيرها من مشاكل الشباب .
معاشر الإخوة: لماذا بعض الشباب جعل نفسه كالذباب - أكرمكم الله- فهو لا يقع إلا على القاذورات، فهو من وحل ٍإلى وحل، ومن مستنقع إلى مستنقع، مرة مع القنوات الفضائية، ومرةً مع المجلات الهابطة، ومرةً في المعاكسات، ثم الزنا أو اللواط ..وهكذا، فهو غارقٌ في أوحال الفساد والشهوات؟!
أيها الشباب: قلبٌ تفرق بين هذه المشاكل، فإذا مل هذه انتقل إلى تلك، كيف حاله؟ كيف حال هذا القلب؟ كيف سيكون؟ قلبٌ في الشهوات منغمس وعقلٌ في اللذات منتكس، همته مع السفليات ودينه مستهلكٌ بالمعاصي والمخالفات، قبع في سجن الهوى ولم يخرج إلى ساحة الهدى، فيا أسير ديناه، يا عبد هواه، إلى متى؟ إلى متى؟ إلى أن يفجأك الموت على غفلةٍ منك، ربما وأنت تنتقل من قناةٍ إلى قناة، أو أن تموت بسماعة الهاتف، أو ترضى أن تموت وأنت تسمع الغناء؟ وأنت تفكر بالزنا؟ ألم تسمع لذلك الطبيب وقد وضع سماعته على صدر المريض الذي يشتكي من قلبه وفجأة انحنى الطبيب على صدر المريض ميتاً .
كتب أحد كتاب الاستبانة عن موقفٍ أثر فيه كثيراً -كما يقول- وهو عودة أحد زملائه من سفر خارج المملكة بالسياحة الخارجية السيئة –كذا قال-، قال: وعند عودته إلى المطار توفي في الطائرة، توفي الطائرة قبل هبوطها، سبحان الله! ما أسرع قدوم تلك اللحظات ( قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ) أينما كنا، وعلى أي حال كنا فإنه ملاقينا، والله يا أحبة رأيت بعيناي ووقفت قدماي على أحوال شباب خارج هذه البلاد وكأنهم خرجوا من عين الله جل وعلا، تخيل نفسك أيها الشاب وقد نزل بك الموت ودخلت القبر وظلمته ووحشته، أتهرب من عين الله؟
بكى سفيان الثوري ليلةً حتى الصباح، فلما أصبح قيل له: أكل هذا خوفاً من الذنوب؟ فأخذ رضي الله عنه حفنةً من الأرض، وقال: الذنوب أهون من هذه، وإنما أبكي خوفاً من سوء الخاتمة،
هذا من أعظم الفقه أن يخاف الرجل أن تخدعه ذنوبه عند الموت فتحول بينه وبين الخاتمة الحسنة، فإلى متى أخي الحبيب وأنت بين هذه القاذورات، أين عقلك؟ أين غيرتك؟ أين العزيمة؟ أين الصبر؟ أين الرجولة؟ أين دينك .
عاتبت قلبي لما *** رأيت جسمي نحيلا
فلام قلبي طرفي*** وقال كنت الرسولا
فقال طرفي لقلبي*** بل كنت أنت الدليلا
فقلت كفّا جميعا *** تركتماني قتيلا
إن الصلاة والتهاون فيها، كان أول أسئلة الاستبانة: هل أنت من المحافظين على الصلاة؟ فكانت الإجابة المؤلمة المرة أن 39% قالوا أحياناً، و4% قالوا لا، و56 قالوا نعم، علماً أن العينة التي أجري عليها البحث فئةٌ تميل إلى اللهو والغفلة، لكن لا ننسى أننا في بلاد التوحيد، ومنبع الإسلام، وبلاد الأمن والإيمان والمساجد وحلق العلم والقرآن، ولذا فإن النتيجة مؤلمة مبكية ؛ لأنها تتعلق بركن من أركان الإسلام وعمود الدين، ومن خلال المحادثات واللقاءات مع بعض الشباب تبين لي التفريط العجيب في فريضة الصلاة، فبعضهم أقسم أنه لم يدخل المسجد، وبعضهم قال لم أصلّ إلا مجاملةً أو حياء، وبعضهم قال على حسب المزاج، وبعضهم يتهاون فيها كثيراً، وبعضهم قال أنه لا يمكن أن يترك الصلاة في حال من الأحوال ومهما بلغ من الفساد، وأنا هنا لن أسرد لك الأدلة من القرآن والسنة وأقوال سلف الأمة على وجوب صلاة الجماعة، فهي معلومة مشهورة لمن أرادها، وأعرف أيها الشباب أنك تعرفها، لكني أخاطب فيك عقلك فأقول أولاً: هل ترضى أن يعلم الناس عنك أنك لا تصلي؟ إن قلت: لا، فاعلم أن الله تعالى يعلم.
ثانياً: أنت تبحث عن السعادة والراحة النفسية، وتشتريها بمال الدنيا كلها كما تقول، ولو ألقيت نظرةً على العيادات النفسية وعلى أماكن قراءة الرقى الشرعية، لوجدت عجباً من حالات الاكتئاب والضيق والهموم والغموم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: الصلاة نور، فهي نورٌ للقلوب، والله تعالى يقول: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى)طه124" فهل بعد ترك الصلاة إعراض عن الله جل وعلا؟ فهي الصلة بينك وبين الله جل وعلا، سبحان الله!
أنظر لسؤال في الاستبيان يقول: هل أنت سعيدٌ في حياتك؟ فإذا 55بالمائة يجيبون: أحياناً، و6بالمائة يجيبون بـ (لا)، وهذه الأرقام ليست بعيدة عن أرقام التفريط في الصلاة الآنفة الذكر، فاعقد المقارنة، إنها الصلاة، مفتاح السعادة، فيها العلاج، من حافظ عليها فهو على خير مهما وقع منه.
ثالثا ً: إن الله تعالى يقول: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين)البقرة34" وهو نصٌ في وجوب صلاة الجماعة، ولو كان المقصود إقامتها فقط لاكتفى بقوله في أول الآية (وأقيموا الصلاة) واعلم أن الله لم يعذر المسلم في حال الحرب بتركه للجماعة، بل أمره بها في وقتٍ عصيب، فقال: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفةٌ منهم معك وليأخذوا أسلحتهم)النساء102" والنبي صلى الله عليه وسلم لم يعذر الأعمى الذي جمع بين فقد البصر وبعد الدار وخوف الطريق وليس له قائدٌ يقوده للمسجد، ومع ذلك لم يعذره الله بترك الصلاة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أتسمع الآذان؟ قال: نعم، قال: "أجب") وفي رواية ("لا أجد لك عذراً")
فيا أيها الشاب التارك للصلاة أو المتهاون فيها، هل تجد لك عذراً بعد هذه الأدلة؟ فإن لم يعذر هؤلاء فما هو عذرك غداً أمام الله في أول سؤالٍ ستُسأله يوم القيامة؟ ما هو عذرك وأنت صحيح آمن مطمئن؟
رابعاً وأخيراً: هل يسرك أيها الشاب أن تموت وأنت تاركٌ للصلاة أو متهاونٌ فيها؟ يقول أحد المغسلين للموتى: جيء بميتٍ يحمله أبوه وإخوانه، ودخلنا لغسله فجردناه من ملابسه، وأخذنا نقلبه بأيدينا، لقد آتاه الله قوةً في جسمه وبياضاً ناصعاً في بشرته، وبينما نحن نقلب الجثة وفجأة وبدون مقدمات انقلب لونه كأنه فحمةٌ سوداء، فتجمدت يداي وشخصت عيناي خوفاً وفزعاً، يقول: فخرجت من مكان التغسيل وأنا خائف فسألته أباه: ما شأن هذا الشاب؟ فقال: إنه كان لا يصلي، يقول الغاسل: فقلت لهم: خذوا ميتكم فغسلوه، فرفض المغسل أن يغسله، ورفض إمام المسجد أن يصلي عليه، لا إله إلا الله، لا يُغسل ولا يصلي عليه المسلمون، ولا يدفن في مقابر المسلمين، هذا حكم الله فيه، فأي خاتمة سيئة لهذا الشاب؟
أيها الشاب: اسمع قبل أن لا يصلى عليك، استجب ما دمت في مهل، لا يضرنك إمهال الله لك، إننا نفرح إذا رأيناك في المسجد ونحزن إذا فقدناك، وليس لنا من الأمر شيء، من اهتدى فلنفسه ومن ضل فعليها، لكن إلى متى وأنت تحرم نفسك السعادة والطمأنينة، إن أعظم لذلة في الدنيا...اسمع: إن أعظم لذةٍ في الدنيا أن تمشي بقدميك للمسجد واسأل المصلين المشائين في الظلم يخبروك.
لص الليل
:
أيها الشاب: هل من الرجولة أن تفخر أمام أقرانك بالتغرير ببنات المسلمين والإيقاع بهن؟ هل هي شجاعة أن تدغدغ عواطف الغافلات القاصرات بمعسول الكلام وقصص الحب والغرام؟ هل التلصص والتسلل لبيوت المسلمين في الليل أو إخراج الضعيفات من خدورهن بطولة؟ حتى وإن عرضت هي، حتى وإن عرضت هي أو بدأت كما يقول البعض، فهي امرأة ضعيفة قاصرة، أما أنت فرجل ومن العرب الذين يتصفون بالغيرة والشهامة والشجاعة والكرامة، وأنت مسلم فيك إيمانٌ وخوف، وهناك جنة ونار، أليست الحيوانية أن تشبع نهمتك وتقضي شهوتك وإن كان الثمن العار والدمار لحياة ومستقبل فتاةٍ مسلمة؟ كان الأولى أن تخاف على عرضها وأن تدفع عن شرفها بدل تهديدها بالأشرطة المسجلة والصور التي تؤخذ في حالة ضعفٍ واستسلام للهوى.
إحدى الأخوات ظلت ترفض كل من يتقدم لخطبتها، لماذا؟ خوفاً من ذلك الخبيث أن يفضحها بعد أن هددها بذلك، وعنست وهو يتفرج عليها.
صرخات موجعةٌ تمزق القلب وتقطع الأحشاء من فتاةٍ أخرى سُلبت أثمن ما تملك، فأين الغيرة عن هؤلاء؟ سبحان الله! كيف يتبلد الإحساس ويرتكس القلب يوم يعرض عن الله؟ أين النخوة لحماية أعراض فتيات المسلمين؟ يا لصوص الأعراض، أترضون هذا لأخواتكم؟ أترضونه لأزواجكم؟ ألا تخافون أن ينتقم الله منكم؟ والله لا أنسى ذلك الشاب المهموم وقد احمرت عيناه من كثرة البكاء وهو يقول: أعيش في عذابٍ وجحيم منذ شهرين، منذ أن تزوجت، فسألته عن السبب، فقال: تبين لي أن الزوجة ليست بكراً، وأنها تعلل ذلك بأسبابٍ صحية، ولا أدري ماذا أفعل!؟ فأنا أعيش في شكٍ واضطراب..وكنت أعرف أنه صاحب مغامرات ومعاكسات، فقلت في نفسي: سبحان الله! الجزاء من جنس العمل .
الشهوة: شكى الكثير من الشباب من الشهوة وهي ليست عيباً فهي جبلةٌ في الإنسان، لكنها متى انحرفت عن مسارها أصبحت كالسيل الجارف وكالبركان الثائر، وقد يقول شاب: متى وكيف تنحرف عن مسارها؟ فأقول: ألست تطلق العنان للتفكير في الشهوة وتسترسل في رسم الصور والتخيلات؟ ألست تخرج للأسواق ومدارس البنات فتؤجج نار الشهوة في نفسك في إطلاق البصر هنا وهناك؟ ألست تنظر للمجلات التي تعرض صور النساء بتبرجهن وزينتهن وتتبع أخبار الساقطات وعرضهن بأبهى صورة، بل وجعلهن قدوات لخروجهن عن تعاليم الإسلام وآداب الحشمة والعفاف؟ ألست تقلب صفحاتها التي تحمل صور العري والفساد والخلاعة والمجون مما يثير في نفسك الشهوة الجامحة؟ ألست فتى الأحلام وفارس الظلام الذي يرفع سماعة الهاتف لساعات طويلة لتخطط للحياة الوردية، والسعادة الأبدية، وتلهب المشاعر وكأنك شاعر، فتتغزل بالعيون وتبث الشجون فتقع أسيرة الفؤاد وتحملها على الجواد، وعلى ضوء القمر يحلو السمر.
ألست تسمع الغناء بل وتدمن عليه؟ ألم تسمع أنه بريد الزنا وداعٍ من دواعيه لا سيما إذا صحبه كلمات الفحش والعشق؟ وقد أجاب ستون بالمائة من شباب الاستبانة بأنهم يسمعون الغناء دائماً وأجاب 23 بالمائة أنهم يسمعون الغناء أحياناً، واعترف بعضهم بأنه يثير العاطفة والغريزة والميل إلى النساء والتفكير بالعشق والهيام، وأنه يشجع على المعاكسات، ألست تنظر للقنوات الفضائية بل وتلاحق بجنون لقطات العري والتفسخ حتى يجتمع بركان الشهوة فتخرج كالمجنون لتبحث عن متنفس؟
في جريدة المدينة في العدد 12521، أوضحت رسالة ماجستير أن نسبةً عالية من الشباب الخليجي في سن المراهقة يترجمون ما يقدّم في القنوات الفضائية من أعمال تمثيلية إباحية وإجرامية إلى وقائع حية في حياتهم، ويعود أثر ذلك على أنفسهم وأهلهم، وأشارت الدراسة إلى نسبة 50 بالمائة يفكرون فور مشاهدتهم لبرنامجٍ إجرامي أو إباحي بشكل جدي في تطبيق ما شاهدوه بشكل فعلي ..إلى آخر الكلام هناك.
وإن كنت متزوجاً زهدت بالعفيفة الطاهرة التي بين يديك، والتي أحلها الله لك، لما تراه من الجمال المزيف بالمساحيق وأدوات التجميل، أو المشوه بالعري والتفسخ، وربما أنك قرأت في جريدة القبس في العدد 8911 عنواناً يقول: القنوات الفضائية اللبنانية تأسر ألباب الخليجيين، وذكر فيه قول ذلك التاجر أنه يبكي لمشاهدة القنوات اللبنانية عندما يقارن المذيعات الجميلات بزوجته، وأن مشاهداً آخر طلب من مقدمة البرنامج وعلى الهواء مباشرةً أن تقبل به زوجاً، وهكذا تهيج الغرائز وتثار الشهوات، حتى لا يبقى للعقل مكان، وإذالم تستح فاصنع ما شئت.
وقد أجاب 37 بالمائة أنهم يتابعون القنوات الفضائية دائماً، و36 بالمائة يتابعونها أحياناً .
إذاً فـ73 من شباب الاستبانة يشاهدون هذه القنوات، فمتى نقتنع أيها الإخوة أنها حربٌ فضائية تستهدف الدين والأخلاق، اسمع ماذا قال أحدهم؟ قال ماريز روسن مقالاً، كتب مقالاً في صحيفة الـ سانداي تايمز، في شهر كانون الثاني يناير خمسة وستين تسعمائة وألف، يقول فيه: سلاح الغرب السري ضد الإسلام ليس سلاح الدبابات وإنما هو سلاح الفضاء والأقمار الصناعية، فهل تعلم أيها الشاب أن في دول مجلس التعاون الخليجي حوالي مليون وثلاثمائة ألف طبق يشاهد قنواتها تقريباً أكثر من 40 بالمائة من سكان الخليج، ذكرت هذه الإحصائيات مجلة الأسرة في عددها الخمسين، وقالت: برامجها غاية في التبذل والضحالة، وإثارة الغرائز، وقالت: العجيب أن يبرر أحد مدير القنوات اللبنانية هذا الموقف بأن المحطة تجارية تستهدف الربح، ولذا فهو يعترف بأنهم يستعملوا الجنس في محطتهم، هذا واستغلوا المرأة كعنصر جذاب، واستهدفوا منطقة الخليج بالذات، وتبالغ الفضائيات العربيات في تقديم أفراد التمثيل والغناء، والرقص والرياضة، وجعلهم القدوة والمثل لأبنائنا ..إلى آخر الكلام هناك في مجلة الأسرة.
أقف عند هذا الحد بالنسبة لحرب الفضاء، حتى لا يصيبكم الدوار بسبب هذا الغثاء، ولأن الحديث عن الشباب وليس عن القنوات الفضائية، وقد سمعنا وقرأنا عبر إعلامنا عن أصوات غيورة تدق أجراس الخطر وتنادي بالارتقاء بوعي المشاهد وذوقه، وتحصين دينه وتنشئته إسلامياً فجزى الله خيراً كل صوتٍ وقلم حمل الأمانة بصدقٍ وإخلاص .
أيها الشاب، أبعد هذا كله تشتكي الشهوة وتشتكي العادة السرية؟ تفكيرٌ ومجلات وروايات وهاتف ومعاكسات ومطاردات وغناءٌ وأفلام وقنوات، ثم بعد ذلك تشتكي من هيجان الشهوة (يداك أوكتا وفوك نفخ) أتعرف قصة هذا المثل، أصله أن رجلاً كان في جزيرة فأراد أن يعبر إلى الشاطئ على قربةٍ نفخ فيها، فلم يحكم إغلاقها حتى إذا توسط البحر خرج الهواء منها فغرق، فلما غشيه الموت استغاث برجل آخر فقال له الرجل: (يداك أوكتا وفوك نفخ) وهو يضرب بمن يجني على نفسه، وأنت أيها الشاب جنيت على نفسك، تلاحق أسباب إثارة الغريزة وهيجان الشهوة وأنت تعرف أنك ضعيف لا تصبر ثم تشكو منها، عجباً لك! أين عقلك؟ كن عاقلاً، إذا كنت تريد مصلحة نفسك وتريد أن تكون رجلاً جاداً صابراً مهتماً بشؤونك ومصالحك الدينية والدنيوية فاقطع التفكير مباشرة، واستعذ بالله من الشيطان الرجيم، فإن الله تعالى يقول: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائفٌ من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) الاعراف201" هذا أولاً .
ثانيا: ابتعد عن وسائل الإثارة، بل واحرص على وسائل الحصانة واستثمار أوقات فراغك في القراءة وزيارة الأقارب وصلة الرحم، وقراءة القرآن وحفظه، وممارسة الرياضة، وبعض الهوايات المباحة، ومصاحبة الصالحين ..وغيرها مما يعود عليك بالنفع ويرضي الله عنك .
جاهد نفسك وابتعد عما يغضب الله عليك من وسائل الشهوات ووسائل الفساد، أبشر بخير فإن الله تعالى يقول: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ) العنكبوت 69"فقد وعد الله من جاهد نفسه لله أن يهديه
.
ثالثاً: أما الشهوة فقد جعل الإسلام لها مصرفاً شرعياً هو الزواج، ولما وضعنا في طريقه العقبات وردمناه بالسدود والحدود أصبح التفكير بالحرام أسهل من التفكير بالحلال عند بعض الشباب، بل لا مانع لديه أن يرتقي المصاعب والمخاطر من أجل الحرام، أما الحلال فينهزم أمام أول عقبة تقف في طريقه، ولو جد الشاب في طلبه واستعان بالله ودعاه وتبسط في أموره لتيسر أمره ووفقه الله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ثلاثةٌ حق على الله تعالى عونهم –وذكر منهم- والناكح الذي يريد العفاف ) أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وحسنه الألباني كما في صحيح الجامع، وفي لفظ آخر: (حق على الله عونه من نكح التماس العفاف عما حرم الله ) وأستغلها فرصة لأقول للآباء والأمهات: اتقوا الله في أولادكم وبناتكم، لا تقولوا هم صغارا، وقد أحرقتهم الشهوة، لا تكونوا عقبةً في طريق صلاحهم وسعادتهم، فإن في تيسير أمور الزواج وتشجيعهم وحثهم عليه صلاحٌ وسعادة لهم وحفظ من دعاة الرذيلة والمخدرات ووسائلهم، والأولاد أمانة في عنق كل أب حتى يزوجهم، وما من عبدٍ يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة كما في الصحيحين، وتأخير الزواج بدون عذر شرعي من الغش لهم، فاتق الله أيها الأب في هذه الأمانة .
الشباب والرياضة:
أما الرياضة فقد حث عليها الإسلام، فالمؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير، وقد سابق النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها جرياً بقدميه، وثبت في صحيح البخاري أن الصحابة كانوا يتسابقون على الإبل، ولها فوائد عظيمة، كتنشيط الدورة الدموية، وتقوية العضلات الجسدية واللياقة البدنية، وتربية العقل، وهي وسيلة للتعارف والتآلف، لكنها لا تتعارض أبداً مع الهدف الأسمى لكل مسلم، ولو سألتك أيها الشاب ما هو هدفك في الحياة؟ لماذا أنت تعيش؟ لماذا خلقك الله؟ وحتى أقرب لك الصورة أكثر فإليك هذا المثال:
اللاعبون في الملعب عددهم اثنان وعشرون لاعباً، ولمدة ساعة ونصف ما هو هدفهم؟ ماذا يريدون؟ الهدف هو المرمى، ولنفرض أن شخصاً دخل الملعب وسحب أبواب المرمى من الملعب فما الذي سيحدث؟ سيفسد اللعب، ويتخبط اللاعبون، فليس هناك هدف يسددون إليه، وأصبح اللعب خبط عشواء، كل هذا لضياع الهدف، إذاً فسد اللعب لضياع الهدف، وهكذا إذا ضاع الهدف في حياة الشاب تخبط أيضاً في حياته وأصبح لا هم له إلا أن يرضي شهواته ونزواته، أما الشاب العاقل المسلم فهدفه عبادة الله (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)الذاريات56" العبادة اسمٌ جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة.
إذاً باختصار: هدفك في الحياة هو رضا الله، رضا الله هدفك في الحياة، أقول هذا الكلام بمناسبة حديث أحد الشباب الرياضيين وقد تبين لي من خلال الحديث معه أنه في العصر يمارس الرياضة، وفي المساء أمام التلفاز ليشاهد المباريات، وفي الصباح وفي قاعات الدراسة تحليلٌ لمباراة البارحة ونقاشٌ حاد وصراخ ربما وصل لبذاءة اللسان، بل ربما للرفس والطعان، وفي الظهر القراءة في الصحف الرياضية، هذا هو برنامج صاحبي في اليوم والليلة، ويظن نفسه معتدلاً إذا نظر لغيره، فغيره يسافر من أجل المباراة، ويصرف الأموال ليشتري تذاكر السفر ودخول الملعب وغيرها، ثم تراه من على المدرجات يقفز ويصرخ وربما بُح صوته وتعالى وانظر لحرق الأعصاب، بل ربما بكى لانهزام فريقه، وإن فاز خرج بعد المباراة ليعلن مشاعر الفرح بفوز فريقه، دوران وتفحيط وتزمير، قلت لصاحبي: أصبحت الرياضية غايةً وهدفاً لا وسيلة فمن أجلها نبكي ونفرح، ونحب ونبغض، ونشد الرحال، ونصرف الأموال، ونضيع الأوقات، فيا شباب: الرياضة وسيلة لا غاية فمن ذا الذي يرضى أن يموت وهمه كله في الرياضة؟ بل ربما قدمها على طاعة الله وأمره ونهيه، أما معتدلاً محتسباً أجرك فما؟؟؟؟؟؟؟هنا كلمة غير مفهومة؟؟؟؟كما شئت، وفي هذا في تعد الحد في جعلها غايةً وهدفاً فالله عز وجل قال (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) الجاثية23".
أما التدخين والمخدرات فالكلام عنها يطول، لكن يكفي هنا أن أقول: إن التدخين مفتاح الفساد، نعم هو مفتاح الفساد، ومن يريد الإفساد لا يأتي لمن بيده عود سواك، وأتعجب كيف تهزمك قطيفة سجاره! فأين الرجولة؟ وأين العزيمة؟ وأين الإصرار والتحدي وأنت تصارع قطيفة سجارة؟ بل تحرق نفسك ومالك .
أما المخدرات فيكفيك اسمها أيها الشاب، فأعداء الإسلام يعرفون خطر الشباب خاصةً إذا صدقوا وتمسكوا بدينهم وعقيدتهم، حماسٌ وقوة وحرارة إيمان فكان التركيز عليهم بتخديرهم، وسلب عقولهم وجهودهم وإنهاك قواهم، وهناك المئات من القصص المبكية التي تحكي تفكك الأسر وبيع الأعراض، وضياع كثير من الشباب وتمزيق الحياة بسبب هذا الوباء، لكني أقول: أيها الشاب، أنت الخصم وأنت الحكم، ولن ينفعك مثل نفسك، وإن لم ترحم نفسك أنت فكيف تطالب الآخرين أن يرحموك؟! فتجرد من العناد وحب الذات وأجب بصراحة: لماذا جعلت نفسك هدفاً لسهام الأعداء والمنتفعين الذين يروجون لهذه المشاكل، والذين لا يريدون إلا دينك ومالك؟! فأنت من شجعهم وأنت من قدم المال لهم ليضروك في صحتك، ويفتنوك في دينك، وليغتنوا ويفقروك، فمن ذا الذي
يدفع هذه الأموال إلا أنت، ومن الذي يشتري إلا أنت، وقل مثل ذلك في علب التدخين و المجلات والأفلام وأشرطة الغناء وغيرها من وسائل اللهو والفساد المحرمة.
وانتقل لعنصر آخر هو سبب رئيسي لصناعة حياتك: إنهم رفقاء السوء، بداية كل شر والنقطة الأولى للانحراف و الضياع فكم من الشباب هلكوا بسببهم، وكم قادوا أصحابهم إلى المهالك والسجون شعروا أو لم يشعروا، بل هم العامل المشترك في كل مشاكل الشباب، يقول أحد الشباب أنا شاب في العشرين من عمري نشأت في أسرة متدينة وكنت متمسكا بالإسلام إلى أن قال: فذهبت إلى مدينة لمواصلة تعليمي وهناك تعرفت على أصدقاء وكانوا بئس الأصدقاء فعلى أيديهم تعلمت كل أنواع الفساد ومعهم سلكت طريق الغواية والضلال وابتعدت عن طريق الهدى والنور يقول تركت الصلاة، أصبحت مسلما بالإسم فقط، وفي هذا الجو المفعم بالإحباط استمرت حياتي مع هؤلاء اللئام وأصبحت أعيش في فراغ قاتل تنقصهم السعادة وكنت كلما عزمت على التوبة يلاحقني أصدقاء السوء فأعود إلى الضلال والتشرذم ..إلى آخر كلامه.
لكن المشكلة عند الكثير من الشباب من هم رفقاء السوء؟ فكل شابٍ يرى أن أصدقاءه طيبين، أو على الأقل ليس فيهم شر كما يقول البعض، ففي الاستبانة سؤالٌ يقول: من هو الصديق المثالي من وجهة نظرك؟ اسمعوا الإجابات:
قال بعضهم: هو الإنسان المرح، وقال بعضهم: هو الذي تتفق طباعه مع طباعك، وقال آخر: هو الذي يحترمني ويقدرني، وقال آخر: هو الذي يكون غير متشدد في الدين، وقال آخر: هو الذي عنده دش..هكذا قال بعض الشباب، وهذه هي نظرتهم للصديق المثالي، فأقول أيها الشاب: من كان ميزان الصداقة لديه هو الهوى والمصلحة الشخصية فكيف سيفرق بين الجليس الصالح والجليس السوء؟ هذه هي المشكلة عند الكثير من الشباب في قضية اختيار الصديق، فالميزان عندهم أن تتوافق الطباع، أو أن يكون مشهوراً، أو وسيماً أنيقاً، أو ذا مال وغنى ..هذه هي المعايير لاختيار الصديق عند غالب الشباب، هذا إذا كان هنالك اختيار ؛ لأن المشاهد أن الواقع يفرض عليك الصديق كالزميل في المدرسة أو في العمل، والجار في الحي، والقريب، هذا كله يحدث للشباب في ظل غياب الموجه من والدٍ ناصح أو مدرس صالح، فالكثير من الآباء لا يعرف شيئاً البتة عن أصحاب أولاده، وهذا من تضييع الأمانة والله، فإن أخطر شيء على الشاب رفقته، يقول أحد الشباب: إن أولياء أمورنا هم المسئولون بالدرجة الأولى، فأنا لم أرى والدي يسألني أين أذهب ومع أي شخصٍ أمشي...انتهى كلامه.
اسمع لهذا الشاب وهو يقول ويروي تجربته بألم وحسرة فيقول: صادقت أحد شياطين الإنس فكانت بداية السقوط حيث شجعني على تعلم ضرب العود كرمكم الله -وبالفعل أنقل كلامه بلفظه تماماً- يقول: وبالفعل بدأت التعلم وشرب الدخان بصور متقطعة، وأثناء هذه المرحلة كنت أكره المسكرات والمخدرات وأخاف من أهلها، وبدأت تتوسع بعد ذلك شبكة أصدقاء السوء، أو بمعنى أصح سقط المجتمع، وكنت في بادئ الأمر كالغريب بينهم أتفحص أشكالهم، أتعجب من حالهم ولم أكن أتصور أني سأكون منهم في يوم من الأيام، ولكن من أنا؟ أجالسهم ولا أكون منهم، يقول وبالفعل تعلمت على أيديهم شتى أنواع المعاصي التي خفت منها وكرهتها في صغري، هذا حصل أثناء المرحلة الثانوية ..إلى آخر قصته التي كتبها بخط يده، ثم قال لي بلسانه: أقسم بالله لقد حاولت الانتحار عدداً من المرات، ودخلت العيادات النفسية كثيراً، لقد عذبت والدتي معي، ثم انخرط بالبكاء، ثم قال في رسالته التي كتبها في دفترٍ صغير كامل: لم أكن راضياً عن نفسي، وكنت دائم اللوم لها، وفي أثناء هذه الحياة القاسية وما كنت أعانيه من ملل هيأ الله لي أحد الإخوة والذي أدين له بالفضل الكبير بعد الله عز وجل في إيقاظي وتنبيهي من هذا الكابوس المزعج المؤلم المدمر الذي لا أستطيع وصفه لأنه يدمي القلب ويدمع العين ويقرح الأكباد، يقول: كل ذلك حصل بسبب صديق السوء وعدم التوجيه المطلوب من الأهل، ثم قال: بقي ندائي الحار الصادق والله على ما أقول شهيد: يا إخواني الشباب المعاصي بأنواعها من زنا ولواط ومخدرات وخمور وغناً حبائل الشيطان وأعوانه من الإنس، وعند الوقوع في هذه المعاصي أو أحدها يخيل لكم الشيطان اللذة الوهمية التي تحس بها أنك قد انتصرت على همومك وحققت مرادك من السعادة التي تطلبها، فتمر الشهور تلو الشهور والسنون تلو السنون فتبدأ المشكلة أو بمعنى أصح الغدر الشيطاني وأعوانه من شياطين الإنس وأصدقاء السوء، يقول: وقد تتساءلون: ما هذه المشكلة؟ وأنا أعذركم على هذا السؤال لأنكم لم تتعمقون في الدخول في هذه المعاصي، صدقوني يا إخوان بحكم جهلكم بها من ناحية وصغر سنكم من ناحيةٍ أخرى، المشكلة هي التعلق بالمعصية وعدم القدرة على الانفكاك منها فتصبح عبداً أسيراً ضعيفاً أمام هذه المعصية غير قادر على الهروب منها، وقد كنتَ قبل تتباهى بها وتجاهر وتفاخر بها أثناء فعلها، هذه المرحلة صدقوني بحكم التجربة أقول في هذه المرحلة تحدث النهاية التي كتبتها أنت بنفسك، وتتنازعك الهموم من كل جانب والقلق والاضطراب النفسي والعقوبات الدنيوية غير الأخروية، نسأل الله أن يتوب علينا، إلى آخر كلامه الذي حرصت أخي الشاب أن أنقله بأسلوبه وعباراته لعله أدعى للقبول والاستفادة منه، فهذه صرخات وإنذارات من إخوةٍ لك سبقوك في الميدان، والله أن هذا الشاب حدثني وهو معي في سيارتي، حدثني وهو يبكي في ساعاتٍ طويلة،كتبوها: ما كتبوا هذه المواقف وحياتهم إلا حباً لك وغيرةً عليك لتراجع نفسك وتحاسبها، ففك أسرها من الهوى وأطلق قيدها من الغفلة .
أيها الشاب: لماذا لا تستفيد من تجارب هؤلاء؟ لماذا تصر وتكابر أنك لا يمكن أن تصل لحال هؤلاء وأن جلساءك طيبين؟ نعم، أتمنى –يعلم الله- أن يحفظك الله وأن يرعاك وإياهم من كل سوء، ولكن، لكن طريق الشر يبدأ من أول خطوة، والسيل من أول قطرة، فالنجاة النجاة، وربما أنك شابٌ ما زلت في أول الطريق، فكن عاقلاً ذكياً واستفد من تجارب الآخرين، وليس عيباً أن تسمع النصيحة والتوجيهات من الكبار كأبيك وأخيك، فهذا لا يعني أنك صغير، ولا يعني أنك بدون شخصية كما يردد بعض الشباب، لا، بل العكس، فهذا يعني أنك عاقل متزن، فإن العاقل من أضاف إلى رأيه آراء الآخرين، واستفاد من نصحهم وتجاربهم .
أيها الشاب، اعلم أن الجليس السوء من أكبر أسباب الوقوع في أوحال الشهوات، من أكبر أسباب الضياع، خاصةً من فرط في الصلاة، ومن العجائب في الاستبانة أن 34 من الشباب قالوا أن أصحابهم مفرطون في الصلاة، وقال12% أن أصحابهم أصحاب منكرات كثيرة تاركين للصلاة، بل الأعجب من ذلك أن 40 بالمائة قالوا إن أصحابنا لو طلبوا منا أمراً فيه معصية لله فإنا نلبي طلبه أحياناً، وقال 5بالمائة لو طلبوا منا فعل أمرٍ فيه معصية لله نفعل هذا الأمر حتى لا يزعل منا، فأي مصيبة أن تستجيب لصديقٍ يأمرك بمعصية الله؟ فأرجوك أيها الشاب أعد النظر في صداقاتك، وانظر لمن هم على يمينك وشمالك، واسأل نفسك: هل يرضى الله عنهم؟ عن أفعالهم؟ عن تصرفاتهم؟ هل ترضى أن تحشر معهم يوم القيامة؟ (المرء مع من أحب ) كما في الصحيحين، هل ينفع الندم يوم القيامة عندما تقول؟ بل هل سمعت هذه الآية في القرآن؟ هل قرأتها يوماً من الأيام؟ (يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً)الفرقان28" لماذا؟ لماذا، وهو صاحب الجلسات والسهرات والسفرات والضحكات؟ لماذا وهو صاحب المرح والمزاح؟ فتأتي الإجابة (لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا)الفرقان29" نعم لأنه ما أعانني يوماً على ذكر الله، ما قال لي مرة قف لنصلي الصلاة في وقتها، بل كلما انتبهت أو تذكرت أو نصحني ناصحٌ سخر مني واستهزأ، يقول أحد العائدين لدار الملاحظة من الشباب: إن سبب عودتي أني عدت إلى نفس الشلة ونفس رفقاء السوء لأني إذا خرجت من الدار أجدهم ينتظرونني ويدعونني إلى العودة إلى المشاكل السابقة بعد أن حسنوا لي القبيح وقبحوا لي الحسن، فأنسوني توبتي وعزمي على الاستقامة، فلذلك عدت إلى الدار بسبب هذه الشلة الفاسدة ... انتهى كلامه.
أقول: الحمد لله أيها الشاب أنك عدت، وأمهلك الله، لكن ما حال من لا يستطيع العودة؟ من مات وهو على غيّه، بل من مات وهو مع رفقة السوء في حادثٍ أو سفر؟ عندها لا ينفع الندم، فكن عاقلاً واستعرض أصدقاءك واحداً واحداً، واصحب الأخيار المحافظين على الصلاة ستجد عندهم الابتسامة والمرح، والترويح عن النفس في غير ما يغضب الله تعالى، اسأل نفسك: لماذا رفضوا مشاهدة القنوات؟ لماذا منعوا أنفسهم من ركس المعاكسات؟ لماذا حطموا أشرطة الغناء؟ لماذا يترددون للمسجد خمس مرات في اليوم والليلة؟ لماذا صبروا في حلق تحفيظ القرآن؟ اسأل نفسك: ما الفرق بينك وبينهم؟ أنت رجل وهم رجال، ولك عقل ولهم عقول، غير أنهم جاهدوا أنفسهم فمنعوها من الحرام، وأطلقت لنفسك العنان فأجبتها (إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي) إن الذي أمرهم وأمرك ونهاهم ونهاك هو الله، لكنهم قالوا أطعنا، وقلت أنت ومن معك عصينا، في قلوبهم خوف ٌ من الله، خوفٌ من عذابه وعقابه، وفي قلبك غفلة عن الله وعن عذابه وعقابه، فجاهد نفسك أخي الحبيب وامنعها من الحرام من أجل الله، امنعها من الحرام إخلاصاً لله الذي أنعم عليك، من أجل الذي يراك ويطلع عليك، من أجل الله القادر على تغيير حالك من صحيحٍ إلى مريض، من عاقلٍ إلى مجنون، من بصيرٍ إلى أعمى، من متحرك إلى مشلول، من سعيدٍ إلى شقي، من غنيٍ إلى فقير، انظر لأحوال الناس من حولك، انظر للمستشفيات، انظر لدور النقاهة، انظر لأحوال الناس، اسأل الله أن يحفظك ويعافيك من كل سوء وكل مسلم، لكنه قادرٌ جل وعلا، نعم هو غفورٌ رحيم لكنه شديد العقاب، شديد العذاب، هو برٌ رحيم، لكنه عزيزٌ ذو انتقام، نعم هو يمهل لكنه لا يهمل (وإن عليكم لحافظين *كراماً كاتبين*يعلمون ما تفعلون) .
أيها الشاب: إني عليك مشفق، ولك محب وناصح، فاصبر نفسك مع الصالحين، استجب للقرآن وهو يقول: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا)الكهف28" كان أمره فرطاً
،
قال ابن كثير ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا، أي شُغل عن الدين وعبادة ربه بالدنيا، وكان أمره فرطا، أي أعماله وأفعاله سفه وتفريط وضياع، ولا تكن مطيعاً له ولا محباً لطريقته، ولا تغبطه فيما هو فيه كما قال (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خيرٌ وأبقى)طه131"، والواقع أن بعض الشباب يغبط اللاعب أو الفنان الفلاني لشهرته، بل ربما يحبه وقد يكون مفرطاً في الصلاة والأخلاق، بل قد يكون كافراً، فأين من تعلق بمن يسمى ماردونا؟ أو من تعلق بمن يسمى مايكل جاكسون؟ وهما كافران: الأول مدمن مخدرات، والثاني شاذ جنسياً، هكذا قالت وسائل الإعلام، فيا لهف نفسي على شباب الإسلام، أيرضى أحدنا أن يحشر مع هؤلاء؟ فالمرء مع من أحب، أين نحن من أمر الله وهو يقول: (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) فإن كنت عاقلاً، إن كنت ذا عقل فاحذر المثبطين الغافلين وأحب الصالحين الناصحين، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (عليك بإخوان الصدق فعش في أكنافهم فإنهم زينٌ في الرخاء وعدة في البلاء ) وقال الجوهري: إن من أحب أهل الخير نال من بركتهم، كلبٌ أحب أهل فضل وصحبهم فذكره الله في محكم تنزيله –يعني كلب أصحاب الكهف- . قال القرطبي في تفسيره بعد كلام الجوهري هذا: إذا كان بعض الكلام قد نال هذه الدرجة العليا بصحبته ومخالطته الصلحاء والأولياء حتى أخبر الله تعالى بذلك في كتابه جل وعلا، فما ظنك بالمؤمنين الموحدين المخالطين المحبين للأولياء والصالحين ..انتهى كلامه رحمه الله .
يقول صلى الله عليه وسلم (كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يُصبح وقد ستره الله عليه فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه) .
أيها الشاب: اسأل نفسك: هل أصدقاؤك أصدقاء مصالح؟ ثم أسألك أنا: هل ذقت طعم الصداقة الحقيقية والإخوة الصادقة؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يجد طعم الإيمان فليحب المرء لا يحبه إلا لله ) كما في مسند أحمد والبزار وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وقال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثٌ من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان ..وذكر منها: وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله) كما في الصحيحين، وقال صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: وجبتي محبتي للمتحابين فيّ والمتجالسين فيّ) وذكر النبي صلى الله عليه وسلم من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله قال: (ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ) كما في البخاري ومسلم، والله تعالى يقول: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين)الزخرف 67" وقل لي من تصاحب أخبرك من أنت، فالمرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل، كما في سنن أبي داود والترمذي وأحمد، وصحح إسناده النووي كما في رياض الصالحين.
فهل تصدق بالقرآن والسنة وتكون ممن قالوا سمعنا وأطعنا أو ممن قالوا سمعنا وعصينا؟
أخيراً أيها الشاب الطيب: فتش في نفسك، فتش في أصحابك، واحذر رفقة السوء فإنهم لا يقر لهم قرار ولا يهدأ لهم بال حتى تكون مثلهم وأداة طيّعةً في أيديهم، إما لكراهتهم امتيازك عنهم بالخير وإما حسداً لك، فإن الله تعالى أخبر عن المنافقين فقال: (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونوا سواء )النساء88" وقال عثمان رضي الله تعالى عنه: (ودت الزانية لو زنى النساء كلهن) فإياك وقطاع الطريق إلى الآخرة الذين يصدون عن ذكر الله، اسمع لهذا النصح واستجب وفكر وراجع نفسك، كن عاقلاً وتنبه، ثم انتبه أن تكون من مفاتيح الشر، مفاتيحٌ للشر، أنبهّك أيها الأخ بأمرٍ مهم غفل عنه الكثير من الشباب، فبعض الشباب لا يكفيه أن يقع هو بالمعصية، ويتحمل ذنبه، بل لا يزال بزملائه يشجع هذا على السفر للخارج ويدل ذاك على تلك القناة، ويعطي الآخر أرقام ذلك الهاتف، ويمدح تلك الأغنية ويهدي شريطها لزميله، وهكذا هو في كلٍ جديد هو في عالم المتعة والشهوة، فأصبح مرشداً للفساد وهو لا يشعر، فحمل ذلك المسكين وزره وأوزار غيره، فكما أن الدال على الخير كفاعله، فإن الدال على الشر أشد من فاعله وأشنع، فهو أهلك نفسه وغيره، أصبح مفتاحاً للشر، أصبح مفتاح شر، وأنا على يقين أنك لم تقف وتفكر بقول الحق عز وجل (ليحملوا أوزارهم كاملةً يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون)النحل25" وأنك غفلت عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ويلٌ لمن كان مفتاحاً للشر مغلاقاً للخير) وأنك لم تتذكر قوله صلى الله عليه وسلم (ومن سن في الإسلام سنةً سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة) أنا على يقين أنك غفلت عن هذه الأدلة القوية في خطورة الدلالة والتشجيع على الفساد، وأنك ظننته من حديث المجالس، والتفاخر بالمغامرات والعنتريات بين الشباب وإلا فلا أحد يتحمل ذنبه فكيف بذنوب الآخرين؟ فاحفظ لسانك واستر على نفسك، واحذر أن تكون مفتاحاً للشر وأنت لا تعلم، فكفاك ذنبك، كفاك ذنبك، غفر الله لي ولك وللمسلمين أجمعين، بل إن مجرد الحديث عن معصية فعلتها حتى ولو كانت سراً لصديقٍ عزيزٍ بينك وبينه فإن ذلك من المجاهرة بالمعصية
أيها الشاب: كن عاقلاً فإذا ابتليت بشهوة فإن كان بينك وبين ربك احرص أن يكون ذلك بينك وبين ربك، فهو خطأ بشر وضعف نفس وهو أحرى أن يغفر، أما الحديث عنه وتشجيع الآخرين عليه –أي على الذنب- فهو عنادٌ وكبر وصاحبه على خطر عظيم، ألا فليتق الله أولئك الذين يصورون جرائمهم والكبائر التي يفعلونها ويحدثون بها الآخرين من زملائهم (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور*أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير) الملك 16و17"
التقليد واتباع كل جديد:
قصات الشعر، القبّعات، الملابس الغربية، النظارات السوداء، التميّع والتشبه بالنساء، المبالغة في التجمل، سلوكيات شاذة عن مجتمعنا المسلم، نراها في الآونة الأخيرة هنا وهناك فهل هي من إفرازات القنوات الفضائية؟ من فرق البريك دانس، أو الهيج، أو؟؟؟ هنا كلمة غير مفهومة؟؟؟ أو غيرها من فرق الرقص والمجون ومغني الخلاعة والفجور، أم هو التقليد الأعمى (ومن تشبه بقومٍ فهو منهم ) كما قال صلى الله عليه وسلم، بل قال صلوات الله وسلامه عليه (ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود والنصارى) كما في سنن الترمذي وحسنه الألباني، والغريب انتشارها بهذه السرعة بين الشباب، بل وصرف الأموال والأوقات في صوالين الحلاقة، فمالي أراك بدل أن تنكر على أصحابها وتشمئز من هذه الحركات وتردها بيقينك وعاداتك الطيبة، ما لي أراك تحاكيها وكأنها راقت لك؟ عجيبٌ أمرك، أليس لك دينٌ ترجع إليه لترى هذا الفعل حلال أم حرام؟ وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن القزع، وقال أهل العلم، بل قال صلى الله عليه وسلم: (احلقه كله أو دعه كله) وذكر أهل العلم أن جميع أخذ أطراف الشعر من أي جهةٍ من جهات الرأس إنما يدخل في حكم القزع، فإن غاب الدين، أقول: أليس لك عقلٌ لتسأله أتناسب هذه التصرفات مجتمعنا الطاهر أم هي من خوارم المروءة ونقصان الرجولة، فلماذا لا تسأل نفسك وتكون عاقلاً، فإن غاب الدين وغاب العقل، أليس لك شخصية مستقلة تعتز بها، وتتميز بها عن عالم السفليات وسلوك الساقطين؟ إن الذي يدفع الكثير من شبابنا لمثل هذه الحركات هو الشعور بالنقص، نعم انظر لنفسك، الشعور بالنقص فالشاب يحب الظهور والبروز والشهرة فلما عجز عنها بصفات الكمال بحث عنها بصفات النقص، كقاعدة خالف تُذكر . وهو يظن الناس ينظرون إليه بعين الإعجاب وهم والله العظيم يزدرونه ويسخرون منه، وما سمعت لا صالحا ولا طالحا يثني على أحدٍ منهم، بل العكس فمتى يعقل شبابنا أن المجتمعات الإسلامية شيءٌ والمجتمعات الكافرة شيءٌ آخر وأن الإسلام هو الاستسلام لله في كل شيء حتى في اللباس والشكل ولا تكن إمعة تقول: إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت، فقد أجاب وللأسف 72 بالمائة من شباب الاستبانة أنهم يعلمون أن الأغاني ومشاهدة القنوات والمجلات حرام ولكنهم يشاهدونها لأن كثيراً من الناس يسمعونها ويشاهدونها .
فيا أيها الشاب كن عاقلاً، ولا تنظر للهالك كيف هلك ولكن انظر للناجي كيف نجى.
إني أخاف الله:
لماذا أراك أيها الشاب تنهزم بسهولة أمام كل معصية وشهوة، نعم كلنا ذو خطأ، وكلنا ذاك الرجل، فكل بني آدم خطاء، ولكن شتان بين شابٍ كالإسفنج يمتص كل شهوة، ويستجيب لكل رغبة، ويتبع كل جديد، حتى عطل تفكيره وعقله وألغى شخصيته ومبدأه، شتان بين هذا وبين شاب يخاف الله ويجاهد نفسه فهو ينتصر عليها مرات وتنتصر عليه مرات، ثم اعلم أن هناك شيء اسمه الخوف من الله، غاب عن قاموس كثير من شباب اليوم .
أيها الشاب: هب أنك لا تستحي من نفسك، بل هي غرقت وضاعت في وحل الشهوات واللذات، وهب أنك لم تعد تستحي من الناس، أو اجتهدت في التخفي والتستر عنهم، هب أنك أغلقت الباب على نفسك، هب أنك سافرت بعيداً عن معارفك كما تقول، وهربت لخارج البلاد من قيود وأحكام الشريعة كما يقول البعض، ألم تعلم أن الله يراك وأنه معك في كل حالٍ ومكان؟ إنه قريبٌ وعليك رقيب، فأين عظمة الله في نفسك؟ أين عظمة الله؟ أنظر للكون من حولك، انظر في خلق نفسك، انظر في تقدير الله جل وعلا، أنسيت أنه العليم فيعلم كل شيء، وأنه السميع فيسمع كل شيء، وأنه القدير فيقدر على كل شيء؟ نعم ..تستطيع أن تختفي عن أعين الناس، لكنك لا تستطيع أن تختفي عن عين الله
وإذا خلوت بريبةٍ في ظلمةٍ *** والنفس داعيةٌ إلى الطغيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها*** إن الذي خلق الظلام يراني
إنه الخوف من الله، الصخرة التي تتهاوى أمامها الشهوات، الحصن الحصين بينك وبين الفساد، السد المنيع الذي يمنعك من المعاصي، في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله قال: (ورجلٌ دعته امرأةٌ ذات منصب وجمال) انتبه أيها الشاب (دعته) فهي التي دعته، فهو لم يقطع الفيافي ويصرف الأموال من أجلها، لم يطاردها في الأسواق، ولم يتلاعب بأرقام الهاتف لصيدها، بل هي التي دعتها وهي امرأةٌ ذات منصب، أي أمن العقوبة فهي التي تستر عليه عند الفضيحة، وهي ذات جمال، وقلوب الرجال تهفو إلى الجمال . إذاً فالأسباب مهيأة، والفرصة مواتية، فما الذي يردك؟ ما الذي يردك أيها الرجل؟ هيا ..لكن تأتي الإجابة من قلبٍ تربى على خشية الله، من قلبٍ بين جنبيه شيء اسمه الخوف من الله، فيصرخ في وجه تلك المرأة، فيقول لها بملأ فيه: إني أخاف الله، إني أخاف الله..مهما بلغت الشهوة ومهما كانت النفس والمغريات، إني أخاف الله، حصن الإيمان، السد المنيع عند الأزمات، فقل لنفسك كلما همت بمعصية: يا نفس إني أخاف الله، عود لسانك على هذه الكلمة، ألا تخاف الله؟ ألا تخاف من الموت؟ (قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم) .الزمر13"
معاشر الشباب: احفظوا هذا الاسم جيداً وتذكروه، علي بن الفضيل بن عياض، شابٌ مشهور لكن شهرته ليست في عالم الرياضة ولا في عالم الفن، له قصة غريبة على مسامع شبابنا بمثل هذا الواقع، اسمعوها، قال أبو بكر بن عياش: صليت خلف فضيل بن عياض –أي أباه- صلاة المغرب وإلى جانبي علي ابنه، فقرأ الفضيل: (ألهاكم التكاثر)التكاثر1" فلما بلغ (لترون الجحيم ) "2"سقط عليٌ مغشياً عليه، وبقى الفضيل لا يقدر يجاوز الآية، ثم صلى بنا صلاة خائف، قال: ثم رابطت عند علي فما أفاق إلا في نصف الليل، وكان عليٌ يوماً عند سفيان بن عيينة فحدث سفيان بحديث فيه ذكر النار، وفي يد علي قرطاسٌ فيه شيءٌ مربوط، فشهق شهقةً ووقع وسقط القرطاس من يده، فالتفت إليه سفيان وقال: لو علمت أنك هنا ما حدثت بهذا ؛ لأنه عرف أنه مشهور بالبكاء خوفاً من النار وتدبراً للقرآن، قال فما أفاق إلا بعد ما شاء الله، قال محمد بن ناديه: صليت خلف الفضيل فقرأ الحاقة في الصبح فلما بلغ إلى قوله: (خذوه فغلوه)الحاقة30" غلبه البكاء فسقط ابنه علي مغشياً عليه.
أعرفتم يا شباب بأي شيءٍ اشتهر علي بن الفضيل؟ بشدة خوفه من الله، وغشيته عند سماع القرآن، حتى اشتهر بقتيل القرآن، نعم ..سمي قتيل القرآن، وكان قتيلاً للقرآن فعلاً، فقد قال الخطيب: مات علي قبل أبيه بمدةٍ من آية سمعها تُقرأ، فغشي عليه وتوفي في الحال.
لا إله إلا الله ما أرق هذه القلوب، هكذا تحيى القلوب بصلتها بالله جل وعلا، لله درك يا ابن الفضيل أي خوف من الله هذا الذي بلغ بك؟ قال إبراهيم بن بشار: الآية التي مات فيها علي بن الفضيل في الأنعام: (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد )الانعام27" قال مع هذا الموضع مات، وكنت فيمن صلى عليه رحمه الله .
يا شباب: هذا هو علي بن الفضيل، وهذه شهرته، وهذا لقبه قتيل القرآن، القرآن الذي هجره بعض الشباب، فربما مرّ الشهر والشهران والثلاثة لم يقرأ آية في كتاب الله، فضلاً عن أن يحفظ منه شيئاً، أو يتدبر الآيات فيبكي، لماذا أنت بعيدٌ عن الله؟ كيف بلغت القسوة بنا قسوة قلوبنا بنا إلى هذا الحد؟
ذكر بعض شباب الاستبانة أن من آثار الغناء عليهم نسيان القرآن، وهذه نتيجة أكيدة، فلا يجتمع كلام الرحمن ورقية الشيطان في قلب، ووالله ما أصابك من قسوة في القلب وبعدٍ عن الله إلا بسبب الغناء، أقسم بالله، إلا بسبب الغناء فهو رقية الشيطان، اسأل نفسك بصراحة: كم مرةً تسمع الغناء في الشهر الواحد؟ وكم مرة قرأت القرآن في هذا الشهر؟ أعلم أن الإجابة مخيفة، لكن هل ترضى أن تموت على هذا؟ هل دمعت عيناك يوماً خوفاً من الله؟ اسمع لهذه السورة واسأل نفسك: هل مرت بك أو هل مر بك هذا الموقف في حياتك؟ فمن السبعة الذين يظلهم الله في ضله قال: (ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) ذكر الله لوحده لا يعلم به أحد، فذكر نعمة الله عليه وتذكر تقصيره في حق ربه، وتذكر كثرة ذنوبه ومعاصيه وجرأته على الله فرق قلبه ودمعت عينه فسالت على خده خشيةً وخوفاً من الله، فكان من السبعة الذين يظلهم الله في ظله، فيا أيها الشاب: جرب، حاول، اخلُ بنفسك في غرفة أو ظلمة ليل، ناج ربك، اعترف بذنبك، اشك إليه قسوة قلبك، تب واستغفر وردد: رب إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، حاول لا تتردد، فربما كان هذا الموقف منجياً لك عند الله يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم، فإنك إن خفت الله فالله يقول: (ولمن خاف مقام ربه جنتان)الرحمن46" أما إن استجبت للنفس الأمارة فالله يقول: (فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى)النازعات39" أما إن جاهدت النفس وذكرتها بأنك تخاف الله فأبشر فإن الله يقول: (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى* فإن الجنة هي المأوى)النازعات 40و41"" أبشر أخي الحبيب، إنه الله، إنه الله الذي إذا خفت منه هربت إليه لتشعر بالراحة والسعادة، وكلما ابتعدت عن الله كنت عرضة للهموم والأحزان والطفش والضيق فاحذر خداع النفس وغرور الشيطان، وأخيراً: التوبة التوبة.
أيها الإخوة: أبشركم أن 67 من شباب الاستبانة، قالوا: نعم نفكر في طريق الاستقامة، و22 قالوا نفكر أحياناً في طريق الاستقامة، ولم يقل لا نفكر إلا ثلاثة، ولم يجب البقية وهم 29، وقال 65بالمائة من الشباب أن طريق الاستقامة هي طريق السعادة الحقيقة.
فأقول: أيها الشباب، هاأنتم بأنفسكم تقولون إن طريق الاستقامة هو طريق السعادة، فإلى متى وأنتم تحرمون أنفسكم السعادة والراحة؟ فمن يحول بينكم وبين التوبة؟
أخي الحبيب: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق)الحديد16" قل بأعلى صوتك: قل بلى والله لقد آن، قل كفاني ذنوباً وعصيانا، اعترف وقل:
كم ليلةٍ أودعتُها *** مآثم أبدعتُها
لشهوةٍ أطعتُها *** في مرقد ومضجع
وكم خطاً حثثتُها *** في خزية أحدثتُها
وتوبةٍ نكثتُها *** لملعب ومرتع
وكم تجرأتُ على *** رب السموات العلى
ولم أراقبه ولا ***صدقتُ فيما أدعي
فرّق قلبك من الشهوات، نحترق والله لأننا نراك فيها وفي المعاصي وبعْدِ الله عز وجل، يقول ربك (والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً)النساء27" انتصر على نفسك، لا تستجب لدعاة الرذيلة، استعذ بالله من الشيطان الرجيم، ارجع إلى ربك، تب إليه، قم فتوضأ، صل ركعتين، ابك على ذنوبك، وتقصيرك في حق ربك، استمع للبشارة من الغفور الرحيم وهو يقول لك: (إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيما)الفرقان70" ما أعظمها من بشارة لك أنت أيها الشاب من ربك الرحيم الغفور جل وعلا، فكل الذنوب تبدل حسنات، فما الذي تنتظر؟ قم فأبدل الانحراف بالاستقامة والأرصفة بالمساجد، والملاعب بحلق القرآن، والأغاني بالذكر والتسبيح، ذق طعم الدموع من أجل الله، انكسر بين يدي الله، أظهر الخضوع والذل لله، استعن بالله، والله أنك بحاجة لربك جل وعلا، أنت بحاجة لعونه، اصدق مع الله، قف في ظلمة الليل وحيداً وانطرح بين يديه ذليلاً، وقل: أسألك بعزتك وذلي إلا رحمتني، اسألك بقوتك وضعفي إلا غفرت لي، اسألك بغناك عني وفقري إليك، هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك، عبيدك سواي كثير، وليس ليس سيدٌ سواك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، قل لربك: اسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، قل لربك: أنت وحدك تعلم جلوتي وخلوتي، أنت وحدك تعلم سري وعلانيتي، قل يا رب، يارب عُبيدك الضعيف بين يديك، يا رب ها أنا أعود إليك، خضعت رقبتي ورغم أنفي وفاضت عيني وذل قلبي، فيا رب يا رب اغفر ذنبي وطهر قلبي، وأنت عفوٌ كريم فاعف عني.
القلب محترقٌ *** والدمع مستبقٌ
والكربٌ مجتمعٌ*** والصبر مفترق
كيف القرار على من لا قرار له *** مما جناه الهوى والشوق والقلق
يا رب إن كان شيءٌ فيه لي فرجٌ ***فامنن علي به ما دام بي رمق
كن صادقاً في التوبة، توكل على الله، ولن يردك خائباً ولو بلغت ذنوبك عنان السماء، افرح بالتوبة، اسمع لكعب بن مالك رضي الله تعالى عنه وهو يقول: فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني -أي بتوبة الله عليه- قال كعب: فنزعت له ثوبيّ فسكوتهما إياه ببشارته، يقول: والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت أتأمم رسول الله يتلقاني الناس فوجاً فوجا يهنئوني بالتوبة ويقولون: لتهنأك توبة الله عليك، إلى أن قال: فسلمت على رسول الله قال وهو يبرق وجهه من السرور ويقول: أبشر بخيرٍ يوم مر عليك مذ ولدتك أمك .
كن صادقاً في التوبة وأبشر بخير يومٍ مر عليك مذ ولدتك أمك أيها الشاب، هذه مشاعر تائبٍ ذاق حلاوة التوبة من صحابة رسول الله، عرف طعمها رغم قربه من الله، مشاعر التائب جياشة، عباراته صادقة، دموعه حارة، ففي قلبه حرقة، وفي دمعه أسرار، يجد للطاعة حلاوة، وللعبادة لذة، عرف طعم الحياة وذاق طعم السعادة والراحة في حلاوة الإيمان، فما هي إلا ساعة حتى يبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور، ما هي إلا ساعة ويقال فلانٌ مات، ما هي إلا ساعة ويعلم الغافلون أنهم كانوا سادرون لاهون، فويلٌ للقاسية قلوبهم من ذكر الله.
أما التائبون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، التائبون ترى أعينهم تفيض مما عرفوا من الحق .
أيها الشاب ويحك، من ذا الذي يصلي عنك بعد الموت؟ من ذا الذي يصوم عنك بعد الموت؟ من ذا الذي يرضي ربك عنك بعد الموت؟
ألا فابك على نفسك، وتنبه قبل رمسك، فعندها لا ينفع الندم
تنام ولم تنم عنك المنايا *** تنبه للمنية يا نؤوم
أيها الشباب، سئل شابٌ من شباب الاستبانة، هل أنت راضٍ عن حالك وواقعك؟ فأجاب 29 بالمائة بلا، وأجاب 38 بالمائة أنهم راضون أحياناً، وأجاب 23 بالمائة بنعم، وقد أجاب 53 بنعم أرغب في تغيير حالي وواقعي، و28 بالمائة أرغب بتغيير حالي وواقعي أحياناً، وأنا أقول: هذه من البشائر ومن علامات الخير فيكم أيها الشباب، ألاّ يرضى الكثير منكم عن حاله بل يتمنى تغيير واقعه فأقول: أبشر فلا يزال هناك فرصةٌ للتغيير، لكن بادر وأسرع فواقعنا يستحي أحدنا من الحديث عنه أمام الآخرين، فكيف بالحديث عنه أمام الله؟ فيسأل الشاب يوم القيامة عن شبابه فيم أبلاه؟ ولا يزال أمامك فرصة للتغيير من واقعك، لكن أسرع فالدنيا قليل، ولم يبق من القليل إلا القليل، فخذ من القليل الكثير، فكل عمل تكره الموت من أجله فاتركه وابتعد عنه، ثم لا يغرنك متى مت، فهل فكرت في مصيرك بعد الرحيل؟ هل فكرت في مصيرك بعد الرحيل؟ هل فكرت كيف حالك في القبر؟ هل فكرت كيف سيكون حالك في الصراط يوم البعث والنشور؟ أجاب 51 بالمائة من الشباب نعم، وأجاب 39 بالمائة أحياناً نفكر، وأجاب 6 بلا، وأقول للذي لم يفكر: اعلم أن الموت لا يفكر (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد)ق19
هو الموت ما منه ملاذٌ ومهرب***متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب
نشاهد ذا عين اليقين حقيقةً *** عليه مضى طفل وكهلٌ وأشيبُ
ولكن على الران القلوب كأننا *** بما قد علمناه يقيناً نكذبُ
إلى الله نشكو قسوةً في قلوبنا *** وفي كل يومٍ واعظ الموت يجذبُ
وفي الختام: وبعد هذا كله: كن شجاعاً واتخذ القرار ولا تتردد، وكن من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون* نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون*نزلاً من غفورٍ رحيم)فصلت29و30و31"
فلماذا تحرم نفسك ثمرات الاستقامة وثمرات الإصلاح في الدنيا والآخرة؟
في النهاية: أعتذر إليك أيها الشاب، فربما قسوت عليك، ولكنه الحب، فإن صديقك من صدقك وليس من صدّقك، هي الغيرة يعلم الله،
فحبيبك من يغار إذا زللت*** ويغلظ في الكلام متى أسأت
يُسر إذا اتصفت بكل فضلٍ *** ويحزن إن نقصت أو انتقصت
ومن لا يكترث بك لا يبالي*** أحدت عن الصواب أو اعتدلت
هي كلماتٌ لك، بل والله هي كلماتٌ لكل الشباب، وخاصةً أولئك الذين ظلموا أنفسهم وأسرفوا عليها بالمعاصي والذنوب، فإن أصبت فيها ذلك من فضل الله ومنته علي، فله الحمد وله الشكر، وإن أخطأت فيها أو شيء منها فمن نفسي والشيطان، وأعلن الرجوع عنها تائباً ومستغفراً ربي غافر الذنب وقابل التوب.
أيها الأخ، يعلم الله أنني أعزّي نفسي بكلماتي، فكم أنا بحاجةٍ لهذه الكلمات، فأعظ بها نفسي أولاً وهي لك ثانياً، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، اللهم رد شبابنا إليك رداً جميلاً، اللهم خذ بأيديهم إلى الحق، اللهم اغفر لهم ذنوبهم، اللهم اغفر لهم ذنوبهم، اللهم استر عيوبهم، اللهم ارحمهم برحمتك، اللهم ارحم مُعَذَبَهم يا حي يا قيوم، اللهم طهر قلوبهم، اللهم خذ بأيديهم، اللهم من كان منهم في صلاحٍ واستقامة فزده ثباتاً وهداية، ومن كان منهم غافلاً ضالاً فخذ بناصيته لطريق الحق والاستقامة، اللهم من أرادهم بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا قوي يا عزيز، اللهم يا رب من عزم على التوبة والرجوع إليك فوفقه وأعنه يا حي يا قيوم برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم احفظ الإسلام والمسلمين، وعليك بأعداء الدين، اللهم انصر عبادك الصالحين، اللهم وفق ولاة أمور المسلمين جميعاً لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللهم وفق ولاة أمورنا خاصة لما تحبه وترضاه، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم وفقهم وأعنهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللهم احفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين بالأمن والإيمان، اللهم اجمع كلمتهم على التوحيد والقرآن، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، سبحانك الله وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله،
أما بعد أيها الأحبة
هذه ليلة الخميس الموافق للرابع والعشرين من الشهر الخامس للعام الثاني عشر بعد الأربعمائة والألف، وفي هذا الجامع المبارك جامع شيخ الإسلام ابن تيمية في مدينة الجبيل، نلتقي وإياكم في مثل هذا الموضوع: الشباب وما أدراك ما الشباب .
الشباب أيها الأحبة، الشباب ألم وأمل، وأتعرض في هذا الموضوع لاستبانة قام بها بعض الباحثين، أعرض لبعض نتائجها من خلال الطرح، وكان عدد العينة في هذه الاستبانة مائتان وسبعة وسبعون شاباً، وأشكر حقيقة كل من شارك في هذا الموضوع، وأدعو الله جل وعلا أن لا يحرمهم الأجر والثواب في الدنيا والآخرة، ثم إن سبب هذا الموضوع إصرار الكثير من الشباب التائبين والغافلين النادمين على توجيه كلماتٍ للشباب الذين غرقوا في وحل الغفلة والشهوات، ومستنقع الرذيلة واللذات فكانت هذه الكلمات، وإذا قلت الشباب ألم وأمل فألمٌ وأمل كلمتان ليس هناك فرقٌ بينهما في الحروف، ولكن هناك بونٌ شاسع جداً بين معناهما، فهل أنت أيها الشباب أمل فنعقد عليك الآمال، أم أنت ألمٌ فتزيد الآلام آلاما.
أيها الشباب، أنتم أملٌ تعلقت به القلوب وأملٌ تنتظره هذه الأمة فأنتم ثروتها وأنتم سر قوتها، وإذا أردتم أن تنظروا للمستقبل كيف يكون فانظروا للشباب اليوم كيف هم؟ ولو نظرت أنت لنفسك بصدقة وشجاعة ربما انتقل هذا الأمر وهذا الأمل إلى ألم ومرارة، فكيف لو نظرت إلى أصحابك وجلسائك، بل كيف لو نظرت إلى مئات وآلاف من شبابنا وحالهم وواقعهم، لكني أتمنى أن يحرك هذا الألم قلبك الطيب، فيعيد الأمل لنفسك بل لنا، بل للأمة كلها فهي تنتظرك، تنتظر عودتك إلى الجادة، لتبني حضارتها وتساهم في نهضتها، والمصيبة أن يتعثر الأمل فيصرخ من شدة الألم، لكن:
ما زال في الأرض ميدانٌ ومتسع *** للخير يدركه من جد في الطلب
ولم يزل في نفوس الناس منطقةٌ *** محميةٌ سُكنت بالخوف والرعب
ولم تزل نخلة الإسلام باسقةً *** مليئةً بعذوق التمر والرطب
ولم تزل واحة الأخلاق مخصبةً *** فيها مشاكل من تينٍ ومن عنب
أيها الإخوة، لو أقسمت بالله أن كل شابٍ مهما كان بعيداً عن الله فإن فيه خيراً ما حنثت، لولا أنه أُتي من سوء فهمه أو غفلة أو شهوة، ولا أدل على ذلك من تلك الدمعات التي ينثرها الكثير من الشباب بعد الوقوع في المعصية، وتلك الحسرات التي يطلقها على حاله وحال إخوانه عند الحديث عن واقع الشباب، بل وتلك الصيحات والنداءات منهم، والتي تنادي أن أمسكوا بأيدينا قبل الوقوع بالهاوية...مشاعر وعواطف قلب
أخي الشباب، أيها الحبيب الغالي: هل رأيت يوماً من الأيام أو حتى سمعت في عالم الأحلام عن قلب يتكلم، نعم ..إنه قلب المحب، يتكلم ويتألم، وهذا حديث القلب من المحب للحبيب، نعم فأنا المحب وأنت الحبيب، أنت الحبيب فأنت الأمل وأنت المستقبل، وأنت غراس المجد ونبت الهدى، أنت أخي وصديقي وأنيسي ورفيقي، لا تظنه نثراً من الأدب ولا شعراً من الطرب، إنه حديث القلب بعيداً عن المداهنة والمجاملة، والثناء المتصنع، لكنه خفقان الجنان الذي يسبق اللسان فيحبس البيان، والله العظيم لو كنت أملك الهداية والسعادة لبذلتها لك، لكني أستطيع كغيري فعل السبب من كلمة طيبة، ونصحٍ صادق، وتوجيهٍ وإرشاد، فهاك إياها، هاك إياها من قلب المحب فهل قلب الحبيب يسمع؟
يا إخوتي يا شباب الحق همتكم *** تسمو بكم عن دروب الطيش والصخب
أحبكم يا شباب الحق محتسباً *** ولن يضيع ربي أجر محتسبِ
أدعو لكم بصلاح الأمر في زمنٍ *** سواد ظلمته يطغى على الشهب
أقول لا تفتحوا باب العقول لمن *** يدعو إلى اللهو والتهريج واللعب
لا يجرمنكم شنآن من فسقوا *** على سلوك طريق العنف والشغب
أيها الشاب: يعجبني فيك الحياء والخجل مهما كان منك، فقد جلست مع عشرات الشباب ممن وقع في كبائر الجرائم والآثام، وقد لاحظت على الجميع بدون استثناء في بداية كل لقاء الاستحياء والتردد والخجل، بل وصل الأمر عند بعضهم أن لا يرفع طرفه عن الأرض وهو يتحدث عن ماضيه، وكأن لسان حاله يقول:
لا تحسبوا أني جمّدت عاطفتي *** إني لأبكي على حالي وأنتحب
لست الغريب دياراً عن بني وطني*** ولا إلى ساقط الأقوام أنتسب
لكنهم رفقة السوء الذين قضوا *** أيامهم لعباً وما مثله لعب
رافقتهم آكلاً من جنس ما أكلوا *** وقد شربت من الكأس التي شربوا
يا قاتل الله من باعوا ضمائرهم *** وألبسوني لباس الخوف وانسحبوا
كانوا معي إخوةً حتى إذا علموا *** أني فقدت معاني همتي ذهبوا
فيا أخي الحبيب: أعرف أن فيك خيراً كثيراً، فاسمح لي أن آخذك بعيداً بمفردك، بعيداً عن الجلساء، بعيداً عن طيش الشباب وشهوات النفس، بعيداً عن وسائل الفساد والضياع، بعيداً عن المعاصي، بعيداً عن التقليد، بعيداً عن كل المؤثرات، أريدك أن ترجع معي إلى الوراء، إلى زهرة شبابك، إلى يوم انفتحت عيناك على الدنيا بقلبك الأبيض ونفسك الطاهرة وبراءتك، يوم كانت الدنيا صافية في عينيك، لا تعرف غشاً ولا كذباً ولا حقداً ولا حسداً، لا تعرف التدخين ولا الغناء، ولا اللواط ولا الزنا، لا تعرف السهر ولا السفر، لا تجرؤ على النظر للمحرمات، ولا تدري ما المخدرات، أريد أن أجلس معك على انفراد، بقلبك الطيب، ونظراتك البريئة وفطرة الخير فيك، نعم ..أريد أن أخاطب فيك الشاب البسيط الحيي لألتقي معك لقاء لا يرتبط بالمادة ولا بالمجاملة، لقاء الأخ الشفيق بأخيه، الرحيم البر به، اسمعها مني كلمات وادعة، ومشاعر نابعة من القلب، فأرجو أن يكون هذا اللقاء لقاء القلب بالقلب، يعبر عنه اللسان ببيان رقيق جميل، وحس مرهف، فأدعو الله جل وعلا أن تصل كلماتي إلى شغاف القلوب، وأن تغوص في أعماق الروح، فإن في قلبي شفقةً مليئة بالحب لك، وفي صدري حرقةً يدفعها النصح لك، فسماعك لي يملأ نفسي نوراً وقلبي لذةً وسرورا، فأزداد شوقاً إليك وحزناً عليك، فمن يناجيك مناجاتي، ومن يرجوك رجائي
:
لا تعدل المشتاق في أشواقه *** حتى يكون حشاك في أحشائه
قبول النصيحة مشكلة، أيها الشاب، قال أبو حامد الغزالي: النصيحة سهلةٌ والمشكل قبولها لأنها في مذاق متبع الهوى مر، إذ المناهي محبوبةٌ في قلوبهم ..انتهى كلامه.
والشباب مع النصيحة بين ذكيٍ قد وهبه الله سلامة الفطرة وصفاء القلب وسلامة الوجدان، ما يعده لاستماع القول واتباع أحسنه فأنا أحمد الله في أمره، وضعيفٍ قد حيل بينه وبين نفسه فهو لا يرضى إلا عن ما يعجبه ولا يسمع إلا ما يطربه، فأكل أمره إلى الله، أكل أمره إلى الله وأستلهمه صواب الرأي فيه، حتى يجعل الله له من بعد عسرٍ يسرا.
أخي الشاب: قف وتفكر في أي الطريقين أنت تمضي؟ وإلى أي الغايتين أنت تجري؟ فالشاب إن كان جاداً صادقاً مفكراً مثقفاً قوياً مؤمناً رسم لنفسه مستقبلاً مشرقا، وإن كان لاهياً عابثاً غارقاً في الشهوات والمعاصي ورغبات النفس الأمارة كان المستقبل مظلماً مخيفاً والأمر لله من قبل ومن بعد، لكنها علامات ودلالات فالله تعالى يقول: (ألم نجعل له عينين*ولساناً وشقتين* وهديناه النجدين)البد8و9و10" والنجدان هما طريقا الخير والشر، فأيهما تختار؟ أرأيت أخي الشاب: أرأيت المسكن الجميل لا يقوم إلا على أسس وقواعد متينة بعد تخطيط وتنضيب؟ فكذا أنت..تبني نفسك ومستقبلك، تأمل هذه الآية جيداً يقول تعالى: (أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خيرٌ أمن أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين) التوبة109".
الشباب وراحة القلب:
إن القلب مهما تلطخ بسواد المعصية فإن فيه رقة ورأفة وحباً وعطفاً، قل لي بربك: كم من المرات دمعت عيناك لسماع كلمات أغنية فيها من الولع والشوق وهجران الحبيب؟ بل كم من المرات دمعت عيناك وأنت تشاهد الأحداث المؤلمة لفلم من الأفلام؟ إذاً: تحركت العواطف ورق القلب ودمعت العين لمجرد كلمات ومشاهد خيالية صورتها عدسة فنان أو كتبتها يد إنسان، فهذه العواطف والدموع مزيفة، فالوسائل التي أدرتها ممثلة مركبة، فكيف لو انتعش هذا القلب؟ كيف لو انتعش هذا القلب وذاق طعم العواطف والدموع الصادقة؟! كيف لو ذاق حلاوة الإيمان وعرف الحياة الطيبة التي قال الله تعالى عنها: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)؟النحل97" كيف لو كان هذا الحب لله؟ كيف لو كانت هذه الدمعة من خشية الله؟
أيها الشاب: هل ذقت حلاوة الإيمان التي أخبر عنها حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم فقال: (ثلاثٌ من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان )؟ هل ذقت طعم الإيمان الذي أخبر عنه قدوتك صلى الله عليه وسلم؟ قدوتك محمد، قال: (ذاق طعم الإيمان من رضي الله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً نبياً ) .
شابٌ يصرخ فيقول: سافرت لكل مكان، شاهدت كل القنوات جرّبت كل شيء، فراغٌ وضيقٌ وطفش، ويتحسر آخر فيقول: أُركب الأصدقاء ونتجول في السيارة ذهاباً وإياباً، ثم ماذا وإلى متى؟ ويعترف لصٌ من لصوص الليل بمكالمات الحب والغرام، ولقاءات الليل ومعاكسات النهار ويقول: أسمع أن الزنا دين وكما تدين تدان، وأذكر بيت الشعر الذين يقول:
إن الزنا دينٌ إن استقرضته *** كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
يقول: فأنظر لمن حولي بعين الشك والارتياب، أفكر في الزواج ولكن ما الذين يضمن لي سلامتها وعفتها ...هكذا أنا في دوامةٍ وحيرة وتردد.
ويقول رابع في مقدمة مشكلته التي كتبها: أسألكم بالله العلي العظيم أن تعرضوا هذه المشكلة، ثم قال: أنا أعيش في قلق وهمٍ وغم، ولا أخفيك سراً أني حاولت الانتحار وربي يشهد عليّ من فوق سابع سماء، مرةً بشرب كمية من الدواء ولكن الله ستر وأدخلت المستشفى وعوفيت، ثم ذكر قصته التي يهتز لها عرش الرحمن ...إلى أن قال: هل يغفر الله لي؟ وما نصيحتك؟ والرجاء الدعاء الدعاء حتى قال في آخرها: قدروا ما أعيش فيه من عذابٍ نفسي.
أيها الإخوة: ارحموا الشباب، أيها المجتمع رويداً رويداً بالشباب، أيها الآباء والأمهات: عطفاً ورفقاً بالشباب .
جسدٌ ناحلٌ ودمع يفيض *** وهوى قاتلٌ وقلبٌ مريض
وسقامٌ على الثناء شديد *** وهمومٌ وحرقة ومضيقُ
هذه حال الشباب، فالمشاكل تفترسهم، الفراغ، جلساء السوء، التدخين، المخدرات، الزنا، اللواط، سماع الغناء، ترك الصلاة، التهاون بها، السفر للخارج، القنوات الفضائية، السهر، المجلات الهابطة، الأفلام الساقطة، العادة السرية، تقليد الغرب، فقدان الشخصية، الدوران بالشوارع والتفحيط، الكذب، السرقة، المعاكسات، اللعان وبذاءة اللسان، الكبر والغرور، البلوت ولعب الورق، التشبه بالنساء... جنسٌ وشهوةٌ وإثارةٌ للغرائز، وغيرها من مشاكل الشباب .
معاشر الإخوة: لماذا بعض الشباب جعل نفسه كالذباب - أكرمكم الله- فهو لا يقع إلا على القاذورات، فهو من وحل ٍإلى وحل، ومن مستنقع إلى مستنقع، مرة مع القنوات الفضائية، ومرةً مع المجلات الهابطة، ومرةً في المعاكسات، ثم الزنا أو اللواط ..وهكذا، فهو غارقٌ في أوحال الفساد والشهوات؟!
أيها الشباب: قلبٌ تفرق بين هذه المشاكل، فإذا مل هذه انتقل إلى تلك، كيف حاله؟ كيف حال هذا القلب؟ كيف سيكون؟ قلبٌ في الشهوات منغمس وعقلٌ في اللذات منتكس، همته مع السفليات ودينه مستهلكٌ بالمعاصي والمخالفات، قبع في سجن الهوى ولم يخرج إلى ساحة الهدى، فيا أسير ديناه، يا عبد هواه، إلى متى؟ إلى متى؟ إلى أن يفجأك الموت على غفلةٍ منك، ربما وأنت تنتقل من قناةٍ إلى قناة، أو أن تموت بسماعة الهاتف، أو ترضى أن تموت وأنت تسمع الغناء؟ وأنت تفكر بالزنا؟ ألم تسمع لذلك الطبيب وقد وضع سماعته على صدر المريض الذي يشتكي من قلبه وفجأة انحنى الطبيب على صدر المريض ميتاً .
كتب أحد كتاب الاستبانة عن موقفٍ أثر فيه كثيراً -كما يقول- وهو عودة أحد زملائه من سفر خارج المملكة بالسياحة الخارجية السيئة –كذا قال-، قال: وعند عودته إلى المطار توفي في الطائرة، توفي الطائرة قبل هبوطها، سبحان الله! ما أسرع قدوم تلك اللحظات ( قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ) أينما كنا، وعلى أي حال كنا فإنه ملاقينا، والله يا أحبة رأيت بعيناي ووقفت قدماي على أحوال شباب خارج هذه البلاد وكأنهم خرجوا من عين الله جل وعلا، تخيل نفسك أيها الشاب وقد نزل بك الموت ودخلت القبر وظلمته ووحشته، أتهرب من عين الله؟
بكى سفيان الثوري ليلةً حتى الصباح، فلما أصبح قيل له: أكل هذا خوفاً من الذنوب؟ فأخذ رضي الله عنه حفنةً من الأرض، وقال: الذنوب أهون من هذه، وإنما أبكي خوفاً من سوء الخاتمة،
هذا من أعظم الفقه أن يخاف الرجل أن تخدعه ذنوبه عند الموت فتحول بينه وبين الخاتمة الحسنة، فإلى متى أخي الحبيب وأنت بين هذه القاذورات، أين عقلك؟ أين غيرتك؟ أين العزيمة؟ أين الصبر؟ أين الرجولة؟ أين دينك .
عاتبت قلبي لما *** رأيت جسمي نحيلا
فلام قلبي طرفي*** وقال كنت الرسولا
فقال طرفي لقلبي*** بل كنت أنت الدليلا
فقلت كفّا جميعا *** تركتماني قتيلا
إن الصلاة والتهاون فيها، كان أول أسئلة الاستبانة: هل أنت من المحافظين على الصلاة؟ فكانت الإجابة المؤلمة المرة أن 39% قالوا أحياناً، و4% قالوا لا، و56 قالوا نعم، علماً أن العينة التي أجري عليها البحث فئةٌ تميل إلى اللهو والغفلة، لكن لا ننسى أننا في بلاد التوحيد، ومنبع الإسلام، وبلاد الأمن والإيمان والمساجد وحلق العلم والقرآن، ولذا فإن النتيجة مؤلمة مبكية ؛ لأنها تتعلق بركن من أركان الإسلام وعمود الدين، ومن خلال المحادثات واللقاءات مع بعض الشباب تبين لي التفريط العجيب في فريضة الصلاة، فبعضهم أقسم أنه لم يدخل المسجد، وبعضهم قال لم أصلّ إلا مجاملةً أو حياء، وبعضهم قال على حسب المزاج، وبعضهم يتهاون فيها كثيراً، وبعضهم قال أنه لا يمكن أن يترك الصلاة في حال من الأحوال ومهما بلغ من الفساد، وأنا هنا لن أسرد لك الأدلة من القرآن والسنة وأقوال سلف الأمة على وجوب صلاة الجماعة، فهي معلومة مشهورة لمن أرادها، وأعرف أيها الشباب أنك تعرفها، لكني أخاطب فيك عقلك فأقول أولاً: هل ترضى أن يعلم الناس عنك أنك لا تصلي؟ إن قلت: لا، فاعلم أن الله تعالى يعلم.
ثانياً: أنت تبحث عن السعادة والراحة النفسية، وتشتريها بمال الدنيا كلها كما تقول، ولو ألقيت نظرةً على العيادات النفسية وعلى أماكن قراءة الرقى الشرعية، لوجدت عجباً من حالات الاكتئاب والضيق والهموم والغموم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: الصلاة نور، فهي نورٌ للقلوب، والله تعالى يقول: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى)طه124" فهل بعد ترك الصلاة إعراض عن الله جل وعلا؟ فهي الصلة بينك وبين الله جل وعلا، سبحان الله!
أنظر لسؤال في الاستبيان يقول: هل أنت سعيدٌ في حياتك؟ فإذا 55بالمائة يجيبون: أحياناً، و6بالمائة يجيبون بـ (لا)، وهذه الأرقام ليست بعيدة عن أرقام التفريط في الصلاة الآنفة الذكر، فاعقد المقارنة، إنها الصلاة، مفتاح السعادة، فيها العلاج، من حافظ عليها فهو على خير مهما وقع منه.
ثالثا ً: إن الله تعالى يقول: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين)البقرة34" وهو نصٌ في وجوب صلاة الجماعة، ولو كان المقصود إقامتها فقط لاكتفى بقوله في أول الآية (وأقيموا الصلاة) واعلم أن الله لم يعذر المسلم في حال الحرب بتركه للجماعة، بل أمره بها في وقتٍ عصيب، فقال: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفةٌ منهم معك وليأخذوا أسلحتهم)النساء102" والنبي صلى الله عليه وسلم لم يعذر الأعمى الذي جمع بين فقد البصر وبعد الدار وخوف الطريق وليس له قائدٌ يقوده للمسجد، ومع ذلك لم يعذره الله بترك الصلاة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أتسمع الآذان؟ قال: نعم، قال: "أجب") وفي رواية ("لا أجد لك عذراً")
فيا أيها الشاب التارك للصلاة أو المتهاون فيها، هل تجد لك عذراً بعد هذه الأدلة؟ فإن لم يعذر هؤلاء فما هو عذرك غداً أمام الله في أول سؤالٍ ستُسأله يوم القيامة؟ ما هو عذرك وأنت صحيح آمن مطمئن؟
رابعاً وأخيراً: هل يسرك أيها الشاب أن تموت وأنت تاركٌ للصلاة أو متهاونٌ فيها؟ يقول أحد المغسلين للموتى: جيء بميتٍ يحمله أبوه وإخوانه، ودخلنا لغسله فجردناه من ملابسه، وأخذنا نقلبه بأيدينا، لقد آتاه الله قوةً في جسمه وبياضاً ناصعاً في بشرته، وبينما نحن نقلب الجثة وفجأة وبدون مقدمات انقلب لونه كأنه فحمةٌ سوداء، فتجمدت يداي وشخصت عيناي خوفاً وفزعاً، يقول: فخرجت من مكان التغسيل وأنا خائف فسألته أباه: ما شأن هذا الشاب؟ فقال: إنه كان لا يصلي، يقول الغاسل: فقلت لهم: خذوا ميتكم فغسلوه، فرفض المغسل أن يغسله، ورفض إمام المسجد أن يصلي عليه، لا إله إلا الله، لا يُغسل ولا يصلي عليه المسلمون، ولا يدفن في مقابر المسلمين، هذا حكم الله فيه، فأي خاتمة سيئة لهذا الشاب؟
أيها الشاب: اسمع قبل أن لا يصلى عليك، استجب ما دمت في مهل، لا يضرنك إمهال الله لك، إننا نفرح إذا رأيناك في المسجد ونحزن إذا فقدناك، وليس لنا من الأمر شيء، من اهتدى فلنفسه ومن ضل فعليها، لكن إلى متى وأنت تحرم نفسك السعادة والطمأنينة، إن أعظم لذلة في الدنيا...اسمع: إن أعظم لذةٍ في الدنيا أن تمشي بقدميك للمسجد واسأل المصلين المشائين في الظلم يخبروك.
لص الليل
:
أيها الشاب: هل من الرجولة أن تفخر أمام أقرانك بالتغرير ببنات المسلمين والإيقاع بهن؟ هل هي شجاعة أن تدغدغ عواطف الغافلات القاصرات بمعسول الكلام وقصص الحب والغرام؟ هل التلصص والتسلل لبيوت المسلمين في الليل أو إخراج الضعيفات من خدورهن بطولة؟ حتى وإن عرضت هي، حتى وإن عرضت هي أو بدأت كما يقول البعض، فهي امرأة ضعيفة قاصرة، أما أنت فرجل ومن العرب الذين يتصفون بالغيرة والشهامة والشجاعة والكرامة، وأنت مسلم فيك إيمانٌ وخوف، وهناك جنة ونار، أليست الحيوانية أن تشبع نهمتك وتقضي شهوتك وإن كان الثمن العار والدمار لحياة ومستقبل فتاةٍ مسلمة؟ كان الأولى أن تخاف على عرضها وأن تدفع عن شرفها بدل تهديدها بالأشرطة المسجلة والصور التي تؤخذ في حالة ضعفٍ واستسلام للهوى.
إحدى الأخوات ظلت ترفض كل من يتقدم لخطبتها، لماذا؟ خوفاً من ذلك الخبيث أن يفضحها بعد أن هددها بذلك، وعنست وهو يتفرج عليها.
صرخات موجعةٌ تمزق القلب وتقطع الأحشاء من فتاةٍ أخرى سُلبت أثمن ما تملك، فأين الغيرة عن هؤلاء؟ سبحان الله! كيف يتبلد الإحساس ويرتكس القلب يوم يعرض عن الله؟ أين النخوة لحماية أعراض فتيات المسلمين؟ يا لصوص الأعراض، أترضون هذا لأخواتكم؟ أترضونه لأزواجكم؟ ألا تخافون أن ينتقم الله منكم؟ والله لا أنسى ذلك الشاب المهموم وقد احمرت عيناه من كثرة البكاء وهو يقول: أعيش في عذابٍ وجحيم منذ شهرين، منذ أن تزوجت، فسألته عن السبب، فقال: تبين لي أن الزوجة ليست بكراً، وأنها تعلل ذلك بأسبابٍ صحية، ولا أدري ماذا أفعل!؟ فأنا أعيش في شكٍ واضطراب..وكنت أعرف أنه صاحب مغامرات ومعاكسات، فقلت في نفسي: سبحان الله! الجزاء من جنس العمل .
الشهوة: شكى الكثير من الشباب من الشهوة وهي ليست عيباً فهي جبلةٌ في الإنسان، لكنها متى انحرفت عن مسارها أصبحت كالسيل الجارف وكالبركان الثائر، وقد يقول شاب: متى وكيف تنحرف عن مسارها؟ فأقول: ألست تطلق العنان للتفكير في الشهوة وتسترسل في رسم الصور والتخيلات؟ ألست تخرج للأسواق ومدارس البنات فتؤجج نار الشهوة في نفسك في إطلاق البصر هنا وهناك؟ ألست تنظر للمجلات التي تعرض صور النساء بتبرجهن وزينتهن وتتبع أخبار الساقطات وعرضهن بأبهى صورة، بل وجعلهن قدوات لخروجهن عن تعاليم الإسلام وآداب الحشمة والعفاف؟ ألست تقلب صفحاتها التي تحمل صور العري والفساد والخلاعة والمجون مما يثير في نفسك الشهوة الجامحة؟ ألست فتى الأحلام وفارس الظلام الذي يرفع سماعة الهاتف لساعات طويلة لتخطط للحياة الوردية، والسعادة الأبدية، وتلهب المشاعر وكأنك شاعر، فتتغزل بالعيون وتبث الشجون فتقع أسيرة الفؤاد وتحملها على الجواد، وعلى ضوء القمر يحلو السمر.
ألست تسمع الغناء بل وتدمن عليه؟ ألم تسمع أنه بريد الزنا وداعٍ من دواعيه لا سيما إذا صحبه كلمات الفحش والعشق؟ وقد أجاب ستون بالمائة من شباب الاستبانة بأنهم يسمعون الغناء دائماً وأجاب 23 بالمائة أنهم يسمعون الغناء أحياناً، واعترف بعضهم بأنه يثير العاطفة والغريزة والميل إلى النساء والتفكير بالعشق والهيام، وأنه يشجع على المعاكسات، ألست تنظر للقنوات الفضائية بل وتلاحق بجنون لقطات العري والتفسخ حتى يجتمع بركان الشهوة فتخرج كالمجنون لتبحث عن متنفس؟
في جريدة المدينة في العدد 12521، أوضحت رسالة ماجستير أن نسبةً عالية من الشباب الخليجي في سن المراهقة يترجمون ما يقدّم في القنوات الفضائية من أعمال تمثيلية إباحية وإجرامية إلى وقائع حية في حياتهم، ويعود أثر ذلك على أنفسهم وأهلهم، وأشارت الدراسة إلى نسبة 50 بالمائة يفكرون فور مشاهدتهم لبرنامجٍ إجرامي أو إباحي بشكل جدي في تطبيق ما شاهدوه بشكل فعلي ..إلى آخر الكلام هناك.
وإن كنت متزوجاً زهدت بالعفيفة الطاهرة التي بين يديك، والتي أحلها الله لك، لما تراه من الجمال المزيف بالمساحيق وأدوات التجميل، أو المشوه بالعري والتفسخ، وربما أنك قرأت في جريدة القبس في العدد 8911 عنواناً يقول: القنوات الفضائية اللبنانية تأسر ألباب الخليجيين، وذكر فيه قول ذلك التاجر أنه يبكي لمشاهدة القنوات اللبنانية عندما يقارن المذيعات الجميلات بزوجته، وأن مشاهداً آخر طلب من مقدمة البرنامج وعلى الهواء مباشرةً أن تقبل به زوجاً، وهكذا تهيج الغرائز وتثار الشهوات، حتى لا يبقى للعقل مكان، وإذالم تستح فاصنع ما شئت.
وقد أجاب 37 بالمائة أنهم يتابعون القنوات الفضائية دائماً، و36 بالمائة يتابعونها أحياناً .
إذاً فـ73 من شباب الاستبانة يشاهدون هذه القنوات، فمتى نقتنع أيها الإخوة أنها حربٌ فضائية تستهدف الدين والأخلاق، اسمع ماذا قال أحدهم؟ قال ماريز روسن مقالاً، كتب مقالاً في صحيفة الـ سانداي تايمز، في شهر كانون الثاني يناير خمسة وستين تسعمائة وألف، يقول فيه: سلاح الغرب السري ضد الإسلام ليس سلاح الدبابات وإنما هو سلاح الفضاء والأقمار الصناعية، فهل تعلم أيها الشاب أن في دول مجلس التعاون الخليجي حوالي مليون وثلاثمائة ألف طبق يشاهد قنواتها تقريباً أكثر من 40 بالمائة من سكان الخليج، ذكرت هذه الإحصائيات مجلة الأسرة في عددها الخمسين، وقالت: برامجها غاية في التبذل والضحالة، وإثارة الغرائز، وقالت: العجيب أن يبرر أحد مدير القنوات اللبنانية هذا الموقف بأن المحطة تجارية تستهدف الربح، ولذا فهو يعترف بأنهم يستعملوا الجنس في محطتهم، هذا واستغلوا المرأة كعنصر جذاب، واستهدفوا منطقة الخليج بالذات، وتبالغ الفضائيات العربيات في تقديم أفراد التمثيل والغناء، والرقص والرياضة، وجعلهم القدوة والمثل لأبنائنا ..إلى آخر الكلام هناك في مجلة الأسرة.
أقف عند هذا الحد بالنسبة لحرب الفضاء، حتى لا يصيبكم الدوار بسبب هذا الغثاء، ولأن الحديث عن الشباب وليس عن القنوات الفضائية، وقد سمعنا وقرأنا عبر إعلامنا عن أصوات غيورة تدق أجراس الخطر وتنادي بالارتقاء بوعي المشاهد وذوقه، وتحصين دينه وتنشئته إسلامياً فجزى الله خيراً كل صوتٍ وقلم حمل الأمانة بصدقٍ وإخلاص .
أيها الشاب، أبعد هذا كله تشتكي الشهوة وتشتكي العادة السرية؟ تفكيرٌ ومجلات وروايات وهاتف ومعاكسات ومطاردات وغناءٌ وأفلام وقنوات، ثم بعد ذلك تشتكي من هيجان الشهوة (يداك أوكتا وفوك نفخ) أتعرف قصة هذا المثل، أصله أن رجلاً كان في جزيرة فأراد أن يعبر إلى الشاطئ على قربةٍ نفخ فيها، فلم يحكم إغلاقها حتى إذا توسط البحر خرج الهواء منها فغرق، فلما غشيه الموت استغاث برجل آخر فقال له الرجل: (يداك أوكتا وفوك نفخ) وهو يضرب بمن يجني على نفسه، وأنت أيها الشاب جنيت على نفسك، تلاحق أسباب إثارة الغريزة وهيجان الشهوة وأنت تعرف أنك ضعيف لا تصبر ثم تشكو منها، عجباً لك! أين عقلك؟ كن عاقلاً، إذا كنت تريد مصلحة نفسك وتريد أن تكون رجلاً جاداً صابراً مهتماً بشؤونك ومصالحك الدينية والدنيوية فاقطع التفكير مباشرة، واستعذ بالله من الشيطان الرجيم، فإن الله تعالى يقول: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائفٌ من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) الاعراف201" هذا أولاً .
ثانيا: ابتعد عن وسائل الإثارة، بل واحرص على وسائل الحصانة واستثمار أوقات فراغك في القراءة وزيارة الأقارب وصلة الرحم، وقراءة القرآن وحفظه، وممارسة الرياضة، وبعض الهوايات المباحة، ومصاحبة الصالحين ..وغيرها مما يعود عليك بالنفع ويرضي الله عنك .
جاهد نفسك وابتعد عما يغضب الله عليك من وسائل الشهوات ووسائل الفساد، أبشر بخير فإن الله تعالى يقول: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ) العنكبوت 69"فقد وعد الله من جاهد نفسه لله أن يهديه
.
ثالثاً: أما الشهوة فقد جعل الإسلام لها مصرفاً شرعياً هو الزواج، ولما وضعنا في طريقه العقبات وردمناه بالسدود والحدود أصبح التفكير بالحرام أسهل من التفكير بالحلال عند بعض الشباب، بل لا مانع لديه أن يرتقي المصاعب والمخاطر من أجل الحرام، أما الحلال فينهزم أمام أول عقبة تقف في طريقه، ولو جد الشاب في طلبه واستعان بالله ودعاه وتبسط في أموره لتيسر أمره ووفقه الله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ثلاثةٌ حق على الله تعالى عونهم –وذكر منهم- والناكح الذي يريد العفاف ) أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وحسنه الألباني كما في صحيح الجامع، وفي لفظ آخر: (حق على الله عونه من نكح التماس العفاف عما حرم الله ) وأستغلها فرصة لأقول للآباء والأمهات: اتقوا الله في أولادكم وبناتكم، لا تقولوا هم صغارا، وقد أحرقتهم الشهوة، لا تكونوا عقبةً في طريق صلاحهم وسعادتهم، فإن في تيسير أمور الزواج وتشجيعهم وحثهم عليه صلاحٌ وسعادة لهم وحفظ من دعاة الرذيلة والمخدرات ووسائلهم، والأولاد أمانة في عنق كل أب حتى يزوجهم، وما من عبدٍ يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة كما في الصحيحين، وتأخير الزواج بدون عذر شرعي من الغش لهم، فاتق الله أيها الأب في هذه الأمانة .
الشباب والرياضة:
أما الرياضة فقد حث عليها الإسلام، فالمؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير، وقد سابق النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها جرياً بقدميه، وثبت في صحيح البخاري أن الصحابة كانوا يتسابقون على الإبل، ولها فوائد عظيمة، كتنشيط الدورة الدموية، وتقوية العضلات الجسدية واللياقة البدنية، وتربية العقل، وهي وسيلة للتعارف والتآلف، لكنها لا تتعارض أبداً مع الهدف الأسمى لكل مسلم، ولو سألتك أيها الشاب ما هو هدفك في الحياة؟ لماذا أنت تعيش؟ لماذا خلقك الله؟ وحتى أقرب لك الصورة أكثر فإليك هذا المثال:
اللاعبون في الملعب عددهم اثنان وعشرون لاعباً، ولمدة ساعة ونصف ما هو هدفهم؟ ماذا يريدون؟ الهدف هو المرمى، ولنفرض أن شخصاً دخل الملعب وسحب أبواب المرمى من الملعب فما الذي سيحدث؟ سيفسد اللعب، ويتخبط اللاعبون، فليس هناك هدف يسددون إليه، وأصبح اللعب خبط عشواء، كل هذا لضياع الهدف، إذاً فسد اللعب لضياع الهدف، وهكذا إذا ضاع الهدف في حياة الشاب تخبط أيضاً في حياته وأصبح لا هم له إلا أن يرضي شهواته ونزواته، أما الشاب العاقل المسلم فهدفه عبادة الله (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)الذاريات56" العبادة اسمٌ جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة.
إذاً باختصار: هدفك في الحياة هو رضا الله، رضا الله هدفك في الحياة، أقول هذا الكلام بمناسبة حديث أحد الشباب الرياضيين وقد تبين لي من خلال الحديث معه أنه في العصر يمارس الرياضة، وفي المساء أمام التلفاز ليشاهد المباريات، وفي الصباح وفي قاعات الدراسة تحليلٌ لمباراة البارحة ونقاشٌ حاد وصراخ ربما وصل لبذاءة اللسان، بل ربما للرفس والطعان، وفي الظهر القراءة في الصحف الرياضية، هذا هو برنامج صاحبي في اليوم والليلة، ويظن نفسه معتدلاً إذا نظر لغيره، فغيره يسافر من أجل المباراة، ويصرف الأموال ليشتري تذاكر السفر ودخول الملعب وغيرها، ثم تراه من على المدرجات يقفز ويصرخ وربما بُح صوته وتعالى وانظر لحرق الأعصاب، بل ربما بكى لانهزام فريقه، وإن فاز خرج بعد المباراة ليعلن مشاعر الفرح بفوز فريقه، دوران وتفحيط وتزمير، قلت لصاحبي: أصبحت الرياضية غايةً وهدفاً لا وسيلة فمن أجلها نبكي ونفرح، ونحب ونبغض، ونشد الرحال، ونصرف الأموال، ونضيع الأوقات، فيا شباب: الرياضة وسيلة لا غاية فمن ذا الذي يرضى أن يموت وهمه كله في الرياضة؟ بل ربما قدمها على طاعة الله وأمره ونهيه، أما معتدلاً محتسباً أجرك فما؟؟؟؟؟؟؟هنا كلمة غير مفهومة؟؟؟؟كما شئت، وفي هذا في تعد الحد في جعلها غايةً وهدفاً فالله عز وجل قال (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) الجاثية23".
أما التدخين والمخدرات فالكلام عنها يطول، لكن يكفي هنا أن أقول: إن التدخين مفتاح الفساد، نعم هو مفتاح الفساد، ومن يريد الإفساد لا يأتي لمن بيده عود سواك، وأتعجب كيف تهزمك قطيفة سجاره! فأين الرجولة؟ وأين العزيمة؟ وأين الإصرار والتحدي وأنت تصارع قطيفة سجارة؟ بل تحرق نفسك ومالك .
أما المخدرات فيكفيك اسمها أيها الشاب، فأعداء الإسلام يعرفون خطر الشباب خاصةً إذا صدقوا وتمسكوا بدينهم وعقيدتهم، حماسٌ وقوة وحرارة إيمان فكان التركيز عليهم بتخديرهم، وسلب عقولهم وجهودهم وإنهاك قواهم، وهناك المئات من القصص المبكية التي تحكي تفكك الأسر وبيع الأعراض، وضياع كثير من الشباب وتمزيق الحياة بسبب هذا الوباء، لكني أقول: أيها الشاب، أنت الخصم وأنت الحكم، ولن ينفعك مثل نفسك، وإن لم ترحم نفسك أنت فكيف تطالب الآخرين أن يرحموك؟! فتجرد من العناد وحب الذات وأجب بصراحة: لماذا جعلت نفسك هدفاً لسهام الأعداء والمنتفعين الذين يروجون لهذه المشاكل، والذين لا يريدون إلا دينك ومالك؟! فأنت من شجعهم وأنت من قدم المال لهم ليضروك في صحتك، ويفتنوك في دينك، وليغتنوا ويفقروك، فمن ذا الذي
يدفع هذه الأموال إلا أنت، ومن الذي يشتري إلا أنت، وقل مثل ذلك في علب التدخين و المجلات والأفلام وأشرطة الغناء وغيرها من وسائل اللهو والفساد المحرمة.
وانتقل لعنصر آخر هو سبب رئيسي لصناعة حياتك: إنهم رفقاء السوء، بداية كل شر والنقطة الأولى للانحراف و الضياع فكم من الشباب هلكوا بسببهم، وكم قادوا أصحابهم إلى المهالك والسجون شعروا أو لم يشعروا، بل هم العامل المشترك في كل مشاكل الشباب، يقول أحد الشباب أنا شاب في العشرين من عمري نشأت في أسرة متدينة وكنت متمسكا بالإسلام إلى أن قال: فذهبت إلى مدينة لمواصلة تعليمي وهناك تعرفت على أصدقاء وكانوا بئس الأصدقاء فعلى أيديهم تعلمت كل أنواع الفساد ومعهم سلكت طريق الغواية والضلال وابتعدت عن طريق الهدى والنور يقول تركت الصلاة، أصبحت مسلما بالإسم فقط، وفي هذا الجو المفعم بالإحباط استمرت حياتي مع هؤلاء اللئام وأصبحت أعيش في فراغ قاتل تنقصهم السعادة وكنت كلما عزمت على التوبة يلاحقني أصدقاء السوء فأعود إلى الضلال والتشرذم ..إلى آخر كلامه.
لكن المشكلة عند الكثير من الشباب من هم رفقاء السوء؟ فكل شابٍ يرى أن أصدقاءه طيبين، أو على الأقل ليس فيهم شر كما يقول البعض، ففي الاستبانة سؤالٌ يقول: من هو الصديق المثالي من وجهة نظرك؟ اسمعوا الإجابات:
قال بعضهم: هو الإنسان المرح، وقال بعضهم: هو الذي تتفق طباعه مع طباعك، وقال آخر: هو الذي يحترمني ويقدرني، وقال آخر: هو الذي يكون غير متشدد في الدين، وقال آخر: هو الذي عنده دش..هكذا قال بعض الشباب، وهذه هي نظرتهم للصديق المثالي، فأقول أيها الشاب: من كان ميزان الصداقة لديه هو الهوى والمصلحة الشخصية فكيف سيفرق بين الجليس الصالح والجليس السوء؟ هذه هي المشكلة عند الكثير من الشباب في قضية اختيار الصديق، فالميزان عندهم أن تتوافق الطباع، أو أن يكون مشهوراً، أو وسيماً أنيقاً، أو ذا مال وغنى ..هذه هي المعايير لاختيار الصديق عند غالب الشباب، هذا إذا كان هنالك اختيار ؛ لأن المشاهد أن الواقع يفرض عليك الصديق كالزميل في المدرسة أو في العمل، والجار في الحي، والقريب، هذا كله يحدث للشباب في ظل غياب الموجه من والدٍ ناصح أو مدرس صالح، فالكثير من الآباء لا يعرف شيئاً البتة عن أصحاب أولاده، وهذا من تضييع الأمانة والله، فإن أخطر شيء على الشاب رفقته، يقول أحد الشباب: إن أولياء أمورنا هم المسئولون بالدرجة الأولى، فأنا لم أرى والدي يسألني أين أذهب ومع أي شخصٍ أمشي...انتهى كلامه.
اسمع لهذا الشاب وهو يقول ويروي تجربته بألم وحسرة فيقول: صادقت أحد شياطين الإنس فكانت بداية السقوط حيث شجعني على تعلم ضرب العود كرمكم الله -وبالفعل أنقل كلامه بلفظه تماماً- يقول: وبالفعل بدأت التعلم وشرب الدخان بصور متقطعة، وأثناء هذه المرحلة كنت أكره المسكرات والمخدرات وأخاف من أهلها، وبدأت تتوسع بعد ذلك شبكة أصدقاء السوء، أو بمعنى أصح سقط المجتمع، وكنت في بادئ الأمر كالغريب بينهم أتفحص أشكالهم، أتعجب من حالهم ولم أكن أتصور أني سأكون منهم في يوم من الأيام، ولكن من أنا؟ أجالسهم ولا أكون منهم، يقول وبالفعل تعلمت على أيديهم شتى أنواع المعاصي التي خفت منها وكرهتها في صغري، هذا حصل أثناء المرحلة الثانوية ..إلى آخر قصته التي كتبها بخط يده، ثم قال لي بلسانه: أقسم بالله لقد حاولت الانتحار عدداً من المرات، ودخلت العيادات النفسية كثيراً، لقد عذبت والدتي معي، ثم انخرط بالبكاء، ثم قال في رسالته التي كتبها في دفترٍ صغير كامل: لم أكن راضياً عن نفسي، وكنت دائم اللوم لها، وفي أثناء هذه الحياة القاسية وما كنت أعانيه من ملل هيأ الله لي أحد الإخوة والذي أدين له بالفضل الكبير بعد الله عز وجل في إيقاظي وتنبيهي من هذا الكابوس المزعج المؤلم المدمر الذي لا أستطيع وصفه لأنه يدمي القلب ويدمع العين ويقرح الأكباد، يقول: كل ذلك حصل بسبب صديق السوء وعدم التوجيه المطلوب من الأهل، ثم قال: بقي ندائي الحار الصادق والله على ما أقول شهيد: يا إخواني الشباب المعاصي بأنواعها من زنا ولواط ومخدرات وخمور وغناً حبائل الشيطان وأعوانه من الإنس، وعند الوقوع في هذه المعاصي أو أحدها يخيل لكم الشيطان اللذة الوهمية التي تحس بها أنك قد انتصرت على همومك وحققت مرادك من السعادة التي تطلبها، فتمر الشهور تلو الشهور والسنون تلو السنون فتبدأ المشكلة أو بمعنى أصح الغدر الشيطاني وأعوانه من شياطين الإنس وأصدقاء السوء، يقول: وقد تتساءلون: ما هذه المشكلة؟ وأنا أعذركم على هذا السؤال لأنكم لم تتعمقون في الدخول في هذه المعاصي، صدقوني يا إخوان بحكم جهلكم بها من ناحية وصغر سنكم من ناحيةٍ أخرى، المشكلة هي التعلق بالمعصية وعدم القدرة على الانفكاك منها فتصبح عبداً أسيراً ضعيفاً أمام هذه المعصية غير قادر على الهروب منها، وقد كنتَ قبل تتباهى بها وتجاهر وتفاخر بها أثناء فعلها، هذه المرحلة صدقوني بحكم التجربة أقول في هذه المرحلة تحدث النهاية التي كتبتها أنت بنفسك، وتتنازعك الهموم من كل جانب والقلق والاضطراب النفسي والعقوبات الدنيوية غير الأخروية، نسأل الله أن يتوب علينا، إلى آخر كلامه الذي حرصت أخي الشاب أن أنقله بأسلوبه وعباراته لعله أدعى للقبول والاستفادة منه، فهذه صرخات وإنذارات من إخوةٍ لك سبقوك في الميدان، والله أن هذا الشاب حدثني وهو معي في سيارتي، حدثني وهو يبكي في ساعاتٍ طويلة،كتبوها: ما كتبوا هذه المواقف وحياتهم إلا حباً لك وغيرةً عليك لتراجع نفسك وتحاسبها، ففك أسرها من الهوى وأطلق قيدها من الغفلة .
أيها الشاب: لماذا لا تستفيد من تجارب هؤلاء؟ لماذا تصر وتكابر أنك لا يمكن أن تصل لحال هؤلاء وأن جلساءك طيبين؟ نعم، أتمنى –يعلم الله- أن يحفظك الله وأن يرعاك وإياهم من كل سوء، ولكن، لكن طريق الشر يبدأ من أول خطوة، والسيل من أول قطرة، فالنجاة النجاة، وربما أنك شابٌ ما زلت في أول الطريق، فكن عاقلاً ذكياً واستفد من تجارب الآخرين، وليس عيباً أن تسمع النصيحة والتوجيهات من الكبار كأبيك وأخيك، فهذا لا يعني أنك صغير، ولا يعني أنك بدون شخصية كما يردد بعض الشباب، لا، بل العكس، فهذا يعني أنك عاقل متزن، فإن العاقل من أضاف إلى رأيه آراء الآخرين، واستفاد من نصحهم وتجاربهم .
أيها الشاب، اعلم أن الجليس السوء من أكبر أسباب الوقوع في أوحال الشهوات، من أكبر أسباب الضياع، خاصةً من فرط في الصلاة، ومن العجائب في الاستبانة أن 34 من الشباب قالوا أن أصحابهم مفرطون في الصلاة، وقال12% أن أصحابهم أصحاب منكرات كثيرة تاركين للصلاة، بل الأعجب من ذلك أن 40 بالمائة قالوا إن أصحابنا لو طلبوا منا أمراً فيه معصية لله فإنا نلبي طلبه أحياناً، وقال 5بالمائة لو طلبوا منا فعل أمرٍ فيه معصية لله نفعل هذا الأمر حتى لا يزعل منا، فأي مصيبة أن تستجيب لصديقٍ يأمرك بمعصية الله؟ فأرجوك أيها الشاب أعد النظر في صداقاتك، وانظر لمن هم على يمينك وشمالك، واسأل نفسك: هل يرضى الله عنهم؟ عن أفعالهم؟ عن تصرفاتهم؟ هل ترضى أن تحشر معهم يوم القيامة؟ (المرء مع من أحب ) كما في الصحيحين، هل ينفع الندم يوم القيامة عندما تقول؟ بل هل سمعت هذه الآية في القرآن؟ هل قرأتها يوماً من الأيام؟ (يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً)الفرقان28" لماذا؟ لماذا، وهو صاحب الجلسات والسهرات والسفرات والضحكات؟ لماذا وهو صاحب المرح والمزاح؟ فتأتي الإجابة (لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا)الفرقان29" نعم لأنه ما أعانني يوماً على ذكر الله، ما قال لي مرة قف لنصلي الصلاة في وقتها، بل كلما انتبهت أو تذكرت أو نصحني ناصحٌ سخر مني واستهزأ، يقول أحد العائدين لدار الملاحظة من الشباب: إن سبب عودتي أني عدت إلى نفس الشلة ونفس رفقاء السوء لأني إذا خرجت من الدار أجدهم ينتظرونني ويدعونني إلى العودة إلى المشاكل السابقة بعد أن حسنوا لي القبيح وقبحوا لي الحسن، فأنسوني توبتي وعزمي على الاستقامة، فلذلك عدت إلى الدار بسبب هذه الشلة الفاسدة ... انتهى كلامه.
أقول: الحمد لله أيها الشاب أنك عدت، وأمهلك الله، لكن ما حال من لا يستطيع العودة؟ من مات وهو على غيّه، بل من مات وهو مع رفقة السوء في حادثٍ أو سفر؟ عندها لا ينفع الندم، فكن عاقلاً واستعرض أصدقاءك واحداً واحداً، واصحب الأخيار المحافظين على الصلاة ستجد عندهم الابتسامة والمرح، والترويح عن النفس في غير ما يغضب الله تعالى، اسأل نفسك: لماذا رفضوا مشاهدة القنوات؟ لماذا منعوا أنفسهم من ركس المعاكسات؟ لماذا حطموا أشرطة الغناء؟ لماذا يترددون للمسجد خمس مرات في اليوم والليلة؟ لماذا صبروا في حلق تحفيظ القرآن؟ اسأل نفسك: ما الفرق بينك وبينهم؟ أنت رجل وهم رجال، ولك عقل ولهم عقول، غير أنهم جاهدوا أنفسهم فمنعوها من الحرام، وأطلقت لنفسك العنان فأجبتها (إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي) إن الذي أمرهم وأمرك ونهاهم ونهاك هو الله، لكنهم قالوا أطعنا، وقلت أنت ومن معك عصينا، في قلوبهم خوف ٌ من الله، خوفٌ من عذابه وعقابه، وفي قلبك غفلة عن الله وعن عذابه وعقابه، فجاهد نفسك أخي الحبيب وامنعها من الحرام من أجل الله، امنعها من الحرام إخلاصاً لله الذي أنعم عليك، من أجل الذي يراك ويطلع عليك، من أجل الله القادر على تغيير حالك من صحيحٍ إلى مريض، من عاقلٍ إلى مجنون، من بصيرٍ إلى أعمى، من متحرك إلى مشلول، من سعيدٍ إلى شقي، من غنيٍ إلى فقير، انظر لأحوال الناس من حولك، انظر للمستشفيات، انظر لدور النقاهة، انظر لأحوال الناس، اسأل الله أن يحفظك ويعافيك من كل سوء وكل مسلم، لكنه قادرٌ جل وعلا، نعم هو غفورٌ رحيم لكنه شديد العقاب، شديد العذاب، هو برٌ رحيم، لكنه عزيزٌ ذو انتقام، نعم هو يمهل لكنه لا يهمل (وإن عليكم لحافظين *كراماً كاتبين*يعلمون ما تفعلون) .
أيها الشاب: إني عليك مشفق، ولك محب وناصح، فاصبر نفسك مع الصالحين، استجب للقرآن وهو يقول: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا)الكهف28" كان أمره فرطاً
،
قال ابن كثير ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا، أي شُغل عن الدين وعبادة ربه بالدنيا، وكان أمره فرطا، أي أعماله وأفعاله سفه وتفريط وضياع، ولا تكن مطيعاً له ولا محباً لطريقته، ولا تغبطه فيما هو فيه كما قال (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خيرٌ وأبقى)طه131"، والواقع أن بعض الشباب يغبط اللاعب أو الفنان الفلاني لشهرته، بل ربما يحبه وقد يكون مفرطاً في الصلاة والأخلاق، بل قد يكون كافراً، فأين من تعلق بمن يسمى ماردونا؟ أو من تعلق بمن يسمى مايكل جاكسون؟ وهما كافران: الأول مدمن مخدرات، والثاني شاذ جنسياً، هكذا قالت وسائل الإعلام، فيا لهف نفسي على شباب الإسلام، أيرضى أحدنا أن يحشر مع هؤلاء؟ فالمرء مع من أحب، أين نحن من أمر الله وهو يقول: (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) فإن كنت عاقلاً، إن كنت ذا عقل فاحذر المثبطين الغافلين وأحب الصالحين الناصحين، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (عليك بإخوان الصدق فعش في أكنافهم فإنهم زينٌ في الرخاء وعدة في البلاء ) وقال الجوهري: إن من أحب أهل الخير نال من بركتهم، كلبٌ أحب أهل فضل وصحبهم فذكره الله في محكم تنزيله –يعني كلب أصحاب الكهف- . قال القرطبي في تفسيره بعد كلام الجوهري هذا: إذا كان بعض الكلام قد نال هذه الدرجة العليا بصحبته ومخالطته الصلحاء والأولياء حتى أخبر الله تعالى بذلك في كتابه جل وعلا، فما ظنك بالمؤمنين الموحدين المخالطين المحبين للأولياء والصالحين ..انتهى كلامه رحمه الله .
يقول صلى الله عليه وسلم (كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يُصبح وقد ستره الله عليه فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه) .
أيها الشاب: اسأل نفسك: هل أصدقاؤك أصدقاء مصالح؟ ثم أسألك أنا: هل ذقت طعم الصداقة الحقيقية والإخوة الصادقة؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يجد طعم الإيمان فليحب المرء لا يحبه إلا لله ) كما في مسند أحمد والبزار وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وقال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثٌ من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان ..وذكر منها: وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله) كما في الصحيحين، وقال صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: وجبتي محبتي للمتحابين فيّ والمتجالسين فيّ) وذكر النبي صلى الله عليه وسلم من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله قال: (ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ) كما في البخاري ومسلم، والله تعالى يقول: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين)الزخرف 67" وقل لي من تصاحب أخبرك من أنت، فالمرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل، كما في سنن أبي داود والترمذي وأحمد، وصحح إسناده النووي كما في رياض الصالحين.
فهل تصدق بالقرآن والسنة وتكون ممن قالوا سمعنا وأطعنا أو ممن قالوا سمعنا وعصينا؟
أخيراً أيها الشاب الطيب: فتش في نفسك، فتش في أصحابك، واحذر رفقة السوء فإنهم لا يقر لهم قرار ولا يهدأ لهم بال حتى تكون مثلهم وأداة طيّعةً في أيديهم، إما لكراهتهم امتيازك عنهم بالخير وإما حسداً لك، فإن الله تعالى أخبر عن المنافقين فقال: (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونوا سواء )النساء88" وقال عثمان رضي الله تعالى عنه: (ودت الزانية لو زنى النساء كلهن) فإياك وقطاع الطريق إلى الآخرة الذين يصدون عن ذكر الله، اسمع لهذا النصح واستجب وفكر وراجع نفسك، كن عاقلاً وتنبه، ثم انتبه أن تكون من مفاتيح الشر، مفاتيحٌ للشر، أنبهّك أيها الأخ بأمرٍ مهم غفل عنه الكثير من الشباب، فبعض الشباب لا يكفيه أن يقع هو بالمعصية، ويتحمل ذنبه، بل لا يزال بزملائه يشجع هذا على السفر للخارج ويدل ذاك على تلك القناة، ويعطي الآخر أرقام ذلك الهاتف، ويمدح تلك الأغنية ويهدي شريطها لزميله، وهكذا هو في كلٍ جديد هو في عالم المتعة والشهوة، فأصبح مرشداً للفساد وهو لا يشعر، فحمل ذلك المسكين وزره وأوزار غيره، فكما أن الدال على الخير كفاعله، فإن الدال على الشر أشد من فاعله وأشنع، فهو أهلك نفسه وغيره، أصبح مفتاحاً للشر، أصبح مفتاح شر، وأنا على يقين أنك لم تقف وتفكر بقول الحق عز وجل (ليحملوا أوزارهم كاملةً يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون)النحل25" وأنك غفلت عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ويلٌ لمن كان مفتاحاً للشر مغلاقاً للخير) وأنك لم تتذكر قوله صلى الله عليه وسلم (ومن سن في الإسلام سنةً سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة) أنا على يقين أنك غفلت عن هذه الأدلة القوية في خطورة الدلالة والتشجيع على الفساد، وأنك ظننته من حديث المجالس، والتفاخر بالمغامرات والعنتريات بين الشباب وإلا فلا أحد يتحمل ذنبه فكيف بذنوب الآخرين؟ فاحفظ لسانك واستر على نفسك، واحذر أن تكون مفتاحاً للشر وأنت لا تعلم، فكفاك ذنبك، كفاك ذنبك، غفر الله لي ولك وللمسلمين أجمعين، بل إن مجرد الحديث عن معصية فعلتها حتى ولو كانت سراً لصديقٍ عزيزٍ بينك وبينه فإن ذلك من المجاهرة بالمعصية
أيها الشاب: كن عاقلاً فإذا ابتليت بشهوة فإن كان بينك وبين ربك احرص أن يكون ذلك بينك وبين ربك، فهو خطأ بشر وضعف نفس وهو أحرى أن يغفر، أما الحديث عنه وتشجيع الآخرين عليه –أي على الذنب- فهو عنادٌ وكبر وصاحبه على خطر عظيم، ألا فليتق الله أولئك الذين يصورون جرائمهم والكبائر التي يفعلونها ويحدثون بها الآخرين من زملائهم (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور*أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير) الملك 16و17"
التقليد واتباع كل جديد:
قصات الشعر، القبّعات، الملابس الغربية، النظارات السوداء، التميّع والتشبه بالنساء، المبالغة في التجمل، سلوكيات شاذة عن مجتمعنا المسلم، نراها في الآونة الأخيرة هنا وهناك فهل هي من إفرازات القنوات الفضائية؟ من فرق البريك دانس، أو الهيج، أو؟؟؟ هنا كلمة غير مفهومة؟؟؟ أو غيرها من فرق الرقص والمجون ومغني الخلاعة والفجور، أم هو التقليد الأعمى (ومن تشبه بقومٍ فهو منهم ) كما قال صلى الله عليه وسلم، بل قال صلوات الله وسلامه عليه (ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود والنصارى) كما في سنن الترمذي وحسنه الألباني، والغريب انتشارها بهذه السرعة بين الشباب، بل وصرف الأموال والأوقات في صوالين الحلاقة، فمالي أراك بدل أن تنكر على أصحابها وتشمئز من هذه الحركات وتردها بيقينك وعاداتك الطيبة، ما لي أراك تحاكيها وكأنها راقت لك؟ عجيبٌ أمرك، أليس لك دينٌ ترجع إليه لترى هذا الفعل حلال أم حرام؟ وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن القزع، وقال أهل العلم، بل قال صلى الله عليه وسلم: (احلقه كله أو دعه كله) وذكر أهل العلم أن جميع أخذ أطراف الشعر من أي جهةٍ من جهات الرأس إنما يدخل في حكم القزع، فإن غاب الدين، أقول: أليس لك عقلٌ لتسأله أتناسب هذه التصرفات مجتمعنا الطاهر أم هي من خوارم المروءة ونقصان الرجولة، فلماذا لا تسأل نفسك وتكون عاقلاً، فإن غاب الدين وغاب العقل، أليس لك شخصية مستقلة تعتز بها، وتتميز بها عن عالم السفليات وسلوك الساقطين؟ إن الذي يدفع الكثير من شبابنا لمثل هذه الحركات هو الشعور بالنقص، نعم انظر لنفسك، الشعور بالنقص فالشاب يحب الظهور والبروز والشهرة فلما عجز عنها بصفات الكمال بحث عنها بصفات النقص، كقاعدة خالف تُذكر . وهو يظن الناس ينظرون إليه بعين الإعجاب وهم والله العظيم يزدرونه ويسخرون منه، وما سمعت لا صالحا ولا طالحا يثني على أحدٍ منهم، بل العكس فمتى يعقل شبابنا أن المجتمعات الإسلامية شيءٌ والمجتمعات الكافرة شيءٌ آخر وأن الإسلام هو الاستسلام لله في كل شيء حتى في اللباس والشكل ولا تكن إمعة تقول: إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت، فقد أجاب وللأسف 72 بالمائة من شباب الاستبانة أنهم يعلمون أن الأغاني ومشاهدة القنوات والمجلات حرام ولكنهم يشاهدونها لأن كثيراً من الناس يسمعونها ويشاهدونها .
فيا أيها الشاب كن عاقلاً، ولا تنظر للهالك كيف هلك ولكن انظر للناجي كيف نجى.
إني أخاف الله:
لماذا أراك أيها الشاب تنهزم بسهولة أمام كل معصية وشهوة، نعم كلنا ذو خطأ، وكلنا ذاك الرجل، فكل بني آدم خطاء، ولكن شتان بين شابٍ كالإسفنج يمتص كل شهوة، ويستجيب لكل رغبة، ويتبع كل جديد، حتى عطل تفكيره وعقله وألغى شخصيته ومبدأه، شتان بين هذا وبين شاب يخاف الله ويجاهد نفسه فهو ينتصر عليها مرات وتنتصر عليه مرات، ثم اعلم أن هناك شيء اسمه الخوف من الله، غاب عن قاموس كثير من شباب اليوم .
أيها الشاب: هب أنك لا تستحي من نفسك، بل هي غرقت وضاعت في وحل الشهوات واللذات، وهب أنك لم تعد تستحي من الناس، أو اجتهدت في التخفي والتستر عنهم، هب أنك أغلقت الباب على نفسك، هب أنك سافرت بعيداً عن معارفك كما تقول، وهربت لخارج البلاد من قيود وأحكام الشريعة كما يقول البعض، ألم تعلم أن الله يراك وأنه معك في كل حالٍ ومكان؟ إنه قريبٌ وعليك رقيب، فأين عظمة الله في نفسك؟ أين عظمة الله؟ أنظر للكون من حولك، انظر في خلق نفسك، انظر في تقدير الله جل وعلا، أنسيت أنه العليم فيعلم كل شيء، وأنه السميع فيسمع كل شيء، وأنه القدير فيقدر على كل شيء؟ نعم ..تستطيع أن تختفي عن أعين الناس، لكنك لا تستطيع أن تختفي عن عين الله
وإذا خلوت بريبةٍ في ظلمةٍ *** والنفس داعيةٌ إلى الطغيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها*** إن الذي خلق الظلام يراني
إنه الخوف من الله، الصخرة التي تتهاوى أمامها الشهوات، الحصن الحصين بينك وبين الفساد، السد المنيع الذي يمنعك من المعاصي، في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله قال: (ورجلٌ دعته امرأةٌ ذات منصب وجمال) انتبه أيها الشاب (دعته) فهي التي دعته، فهو لم يقطع الفيافي ويصرف الأموال من أجلها، لم يطاردها في الأسواق، ولم يتلاعب بأرقام الهاتف لصيدها، بل هي التي دعتها وهي امرأةٌ ذات منصب، أي أمن العقوبة فهي التي تستر عليه عند الفضيحة، وهي ذات جمال، وقلوب الرجال تهفو إلى الجمال . إذاً فالأسباب مهيأة، والفرصة مواتية، فما الذي يردك؟ ما الذي يردك أيها الرجل؟ هيا ..لكن تأتي الإجابة من قلبٍ تربى على خشية الله، من قلبٍ بين جنبيه شيء اسمه الخوف من الله، فيصرخ في وجه تلك المرأة، فيقول لها بملأ فيه: إني أخاف الله، إني أخاف الله..مهما بلغت الشهوة ومهما كانت النفس والمغريات، إني أخاف الله، حصن الإيمان، السد المنيع عند الأزمات، فقل لنفسك كلما همت بمعصية: يا نفس إني أخاف الله، عود لسانك على هذه الكلمة، ألا تخاف الله؟ ألا تخاف من الموت؟ (قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم) .الزمر13"
معاشر الشباب: احفظوا هذا الاسم جيداً وتذكروه، علي بن الفضيل بن عياض، شابٌ مشهور لكن شهرته ليست في عالم الرياضة ولا في عالم الفن، له قصة غريبة على مسامع شبابنا بمثل هذا الواقع، اسمعوها، قال أبو بكر بن عياش: صليت خلف فضيل بن عياض –أي أباه- صلاة المغرب وإلى جانبي علي ابنه، فقرأ الفضيل: (ألهاكم التكاثر)التكاثر1" فلما بلغ (لترون الجحيم ) "2"سقط عليٌ مغشياً عليه، وبقى الفضيل لا يقدر يجاوز الآية، ثم صلى بنا صلاة خائف، قال: ثم رابطت عند علي فما أفاق إلا في نصف الليل، وكان عليٌ يوماً عند سفيان بن عيينة فحدث سفيان بحديث فيه ذكر النار، وفي يد علي قرطاسٌ فيه شيءٌ مربوط، فشهق شهقةً ووقع وسقط القرطاس من يده، فالتفت إليه سفيان وقال: لو علمت أنك هنا ما حدثت بهذا ؛ لأنه عرف أنه مشهور بالبكاء خوفاً من النار وتدبراً للقرآن، قال فما أفاق إلا بعد ما شاء الله، قال محمد بن ناديه: صليت خلف الفضيل فقرأ الحاقة في الصبح فلما بلغ إلى قوله: (خذوه فغلوه)الحاقة30" غلبه البكاء فسقط ابنه علي مغشياً عليه.
أعرفتم يا شباب بأي شيءٍ اشتهر علي بن الفضيل؟ بشدة خوفه من الله، وغشيته عند سماع القرآن، حتى اشتهر بقتيل القرآن، نعم ..سمي قتيل القرآن، وكان قتيلاً للقرآن فعلاً، فقد قال الخطيب: مات علي قبل أبيه بمدةٍ من آية سمعها تُقرأ، فغشي عليه وتوفي في الحال.
لا إله إلا الله ما أرق هذه القلوب، هكذا تحيى القلوب بصلتها بالله جل وعلا، لله درك يا ابن الفضيل أي خوف من الله هذا الذي بلغ بك؟ قال إبراهيم بن بشار: الآية التي مات فيها علي بن الفضيل في الأنعام: (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد )الانعام27" قال مع هذا الموضع مات، وكنت فيمن صلى عليه رحمه الله .
يا شباب: هذا هو علي بن الفضيل، وهذه شهرته، وهذا لقبه قتيل القرآن، القرآن الذي هجره بعض الشباب، فربما مرّ الشهر والشهران والثلاثة لم يقرأ آية في كتاب الله، فضلاً عن أن يحفظ منه شيئاً، أو يتدبر الآيات فيبكي، لماذا أنت بعيدٌ عن الله؟ كيف بلغت القسوة بنا قسوة قلوبنا بنا إلى هذا الحد؟
ذكر بعض شباب الاستبانة أن من آثار الغناء عليهم نسيان القرآن، وهذه نتيجة أكيدة، فلا يجتمع كلام الرحمن ورقية الشيطان في قلب، ووالله ما أصابك من قسوة في القلب وبعدٍ عن الله إلا بسبب الغناء، أقسم بالله، إلا بسبب الغناء فهو رقية الشيطان، اسأل نفسك بصراحة: كم مرةً تسمع الغناء في الشهر الواحد؟ وكم مرة قرأت القرآن في هذا الشهر؟ أعلم أن الإجابة مخيفة، لكن هل ترضى أن تموت على هذا؟ هل دمعت عيناك يوماً خوفاً من الله؟ اسمع لهذه السورة واسأل نفسك: هل مرت بك أو هل مر بك هذا الموقف في حياتك؟ فمن السبعة الذين يظلهم الله في ضله قال: (ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) ذكر الله لوحده لا يعلم به أحد، فذكر نعمة الله عليه وتذكر تقصيره في حق ربه، وتذكر كثرة ذنوبه ومعاصيه وجرأته على الله فرق قلبه ودمعت عينه فسالت على خده خشيةً وخوفاً من الله، فكان من السبعة الذين يظلهم الله في ظله، فيا أيها الشاب: جرب، حاول، اخلُ بنفسك في غرفة أو ظلمة ليل، ناج ربك، اعترف بذنبك، اشك إليه قسوة قلبك، تب واستغفر وردد: رب إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، حاول لا تتردد، فربما كان هذا الموقف منجياً لك عند الله يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم، فإنك إن خفت الله فالله يقول: (ولمن خاف مقام ربه جنتان)الرحمن46" أما إن استجبت للنفس الأمارة فالله يقول: (فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى)النازعات39" أما إن جاهدت النفس وذكرتها بأنك تخاف الله فأبشر فإن الله يقول: (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى* فإن الجنة هي المأوى)النازعات 40و41"" أبشر أخي الحبيب، إنه الله، إنه الله الذي إذا خفت منه هربت إليه لتشعر بالراحة والسعادة، وكلما ابتعدت عن الله كنت عرضة للهموم والأحزان والطفش والضيق فاحذر خداع النفس وغرور الشيطان، وأخيراً: التوبة التوبة.
أيها الإخوة: أبشركم أن 67 من شباب الاستبانة، قالوا: نعم نفكر في طريق الاستقامة، و22 قالوا نفكر أحياناً في طريق الاستقامة، ولم يقل لا نفكر إلا ثلاثة، ولم يجب البقية وهم 29، وقال 65بالمائة من الشباب أن طريق الاستقامة هي طريق السعادة الحقيقة.
فأقول: أيها الشباب، هاأنتم بأنفسكم تقولون إن طريق الاستقامة هو طريق السعادة، فإلى متى وأنتم تحرمون أنفسكم السعادة والراحة؟ فمن يحول بينكم وبين التوبة؟
أخي الحبيب: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق)الحديد16" قل بأعلى صوتك: قل بلى والله لقد آن، قل كفاني ذنوباً وعصيانا، اعترف وقل:
كم ليلةٍ أودعتُها *** مآثم أبدعتُها
لشهوةٍ أطعتُها *** في مرقد ومضجع
وكم خطاً حثثتُها *** في خزية أحدثتُها
وتوبةٍ نكثتُها *** لملعب ومرتع
وكم تجرأتُ على *** رب السموات العلى
ولم أراقبه ولا ***صدقتُ فيما أدعي
فرّق قلبك من الشهوات، نحترق والله لأننا نراك فيها وفي المعاصي وبعْدِ الله عز وجل، يقول ربك (والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً)النساء27" انتصر على نفسك، لا تستجب لدعاة الرذيلة، استعذ بالله من الشيطان الرجيم، ارجع إلى ربك، تب إليه، قم فتوضأ، صل ركعتين، ابك على ذنوبك، وتقصيرك في حق ربك، استمع للبشارة من الغفور الرحيم وهو يقول لك: (إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيما)الفرقان70" ما أعظمها من بشارة لك أنت أيها الشاب من ربك الرحيم الغفور جل وعلا، فكل الذنوب تبدل حسنات، فما الذي تنتظر؟ قم فأبدل الانحراف بالاستقامة والأرصفة بالمساجد، والملاعب بحلق القرآن، والأغاني بالذكر والتسبيح، ذق طعم الدموع من أجل الله، انكسر بين يدي الله، أظهر الخضوع والذل لله، استعن بالله، والله أنك بحاجة لربك جل وعلا، أنت بحاجة لعونه، اصدق مع الله، قف في ظلمة الليل وحيداً وانطرح بين يديه ذليلاً، وقل: أسألك بعزتك وذلي إلا رحمتني، اسألك بقوتك وضعفي إلا غفرت لي، اسألك بغناك عني وفقري إليك، هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك، عبيدك سواي كثير، وليس ليس سيدٌ سواك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، قل لربك: اسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، قل لربك: أنت وحدك تعلم جلوتي وخلوتي، أنت وحدك تعلم سري وعلانيتي، قل يا رب، يارب عُبيدك الضعيف بين يديك، يا رب ها أنا أعود إليك، خضعت رقبتي ورغم أنفي وفاضت عيني وذل قلبي، فيا رب يا رب اغفر ذنبي وطهر قلبي، وأنت عفوٌ كريم فاعف عني.
القلب محترقٌ *** والدمع مستبقٌ
والكربٌ مجتمعٌ*** والصبر مفترق
كيف القرار على من لا قرار له *** مما جناه الهوى والشوق والقلق
يا رب إن كان شيءٌ فيه لي فرجٌ ***فامنن علي به ما دام بي رمق
كن صادقاً في التوبة، توكل على الله، ولن يردك خائباً ولو بلغت ذنوبك عنان السماء، افرح بالتوبة، اسمع لكعب بن مالك رضي الله تعالى عنه وهو يقول: فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني -أي بتوبة الله عليه- قال كعب: فنزعت له ثوبيّ فسكوتهما إياه ببشارته، يقول: والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت أتأمم رسول الله يتلقاني الناس فوجاً فوجا يهنئوني بالتوبة ويقولون: لتهنأك توبة الله عليك، إلى أن قال: فسلمت على رسول الله قال وهو يبرق وجهه من السرور ويقول: أبشر بخيرٍ يوم مر عليك مذ ولدتك أمك .
كن صادقاً في التوبة وأبشر بخير يومٍ مر عليك مذ ولدتك أمك أيها الشاب، هذه مشاعر تائبٍ ذاق حلاوة التوبة من صحابة رسول الله، عرف طعمها رغم قربه من الله، مشاعر التائب جياشة، عباراته صادقة، دموعه حارة، ففي قلبه حرقة، وفي دمعه أسرار، يجد للطاعة حلاوة، وللعبادة لذة، عرف طعم الحياة وذاق طعم السعادة والراحة في حلاوة الإيمان، فما هي إلا ساعة حتى يبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور، ما هي إلا ساعة ويقال فلانٌ مات، ما هي إلا ساعة ويعلم الغافلون أنهم كانوا سادرون لاهون، فويلٌ للقاسية قلوبهم من ذكر الله.
أما التائبون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، التائبون ترى أعينهم تفيض مما عرفوا من الحق .
أيها الشاب ويحك، من ذا الذي يصلي عنك بعد الموت؟ من ذا الذي يصوم عنك بعد الموت؟ من ذا الذي يرضي ربك عنك بعد الموت؟
ألا فابك على نفسك، وتنبه قبل رمسك، فعندها لا ينفع الندم
تنام ولم تنم عنك المنايا *** تنبه للمنية يا نؤوم
أيها الشباب، سئل شابٌ من شباب الاستبانة، هل أنت راضٍ عن حالك وواقعك؟ فأجاب 29 بالمائة بلا، وأجاب 38 بالمائة أنهم راضون أحياناً، وأجاب 23 بالمائة بنعم، وقد أجاب 53 بنعم أرغب في تغيير حالي وواقعي، و28 بالمائة أرغب بتغيير حالي وواقعي أحياناً، وأنا أقول: هذه من البشائر ومن علامات الخير فيكم أيها الشباب، ألاّ يرضى الكثير منكم عن حاله بل يتمنى تغيير واقعه فأقول: أبشر فلا يزال هناك فرصةٌ للتغيير، لكن بادر وأسرع فواقعنا يستحي أحدنا من الحديث عنه أمام الآخرين، فكيف بالحديث عنه أمام الله؟ فيسأل الشاب يوم القيامة عن شبابه فيم أبلاه؟ ولا يزال أمامك فرصة للتغيير من واقعك، لكن أسرع فالدنيا قليل، ولم يبق من القليل إلا القليل، فخذ من القليل الكثير، فكل عمل تكره الموت من أجله فاتركه وابتعد عنه، ثم لا يغرنك متى مت، فهل فكرت في مصيرك بعد الرحيل؟ هل فكرت في مصيرك بعد الرحيل؟ هل فكرت كيف حالك في القبر؟ هل فكرت كيف سيكون حالك في الصراط يوم البعث والنشور؟ أجاب 51 بالمائة من الشباب نعم، وأجاب 39 بالمائة أحياناً نفكر، وأجاب 6 بلا، وأقول للذي لم يفكر: اعلم أن الموت لا يفكر (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد)ق19
هو الموت ما منه ملاذٌ ومهرب***متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب
نشاهد ذا عين اليقين حقيقةً *** عليه مضى طفل وكهلٌ وأشيبُ
ولكن على الران القلوب كأننا *** بما قد علمناه يقيناً نكذبُ
إلى الله نشكو قسوةً في قلوبنا *** وفي كل يومٍ واعظ الموت يجذبُ
وفي الختام: وبعد هذا كله: كن شجاعاً واتخذ القرار ولا تتردد، وكن من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون* نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون*نزلاً من غفورٍ رحيم)فصلت29و30و31"
فلماذا تحرم نفسك ثمرات الاستقامة وثمرات الإصلاح في الدنيا والآخرة؟
في النهاية: أعتذر إليك أيها الشاب، فربما قسوت عليك، ولكنه الحب، فإن صديقك من صدقك وليس من صدّقك، هي الغيرة يعلم الله،
فحبيبك من يغار إذا زللت*** ويغلظ في الكلام متى أسأت
يُسر إذا اتصفت بكل فضلٍ *** ويحزن إن نقصت أو انتقصت
ومن لا يكترث بك لا يبالي*** أحدت عن الصواب أو اعتدلت
هي كلماتٌ لك، بل والله هي كلماتٌ لكل الشباب، وخاصةً أولئك الذين ظلموا أنفسهم وأسرفوا عليها بالمعاصي والذنوب، فإن أصبت فيها ذلك من فضل الله ومنته علي، فله الحمد وله الشكر، وإن أخطأت فيها أو شيء منها فمن نفسي والشيطان، وأعلن الرجوع عنها تائباً ومستغفراً ربي غافر الذنب وقابل التوب.
أيها الأخ، يعلم الله أنني أعزّي نفسي بكلماتي، فكم أنا بحاجةٍ لهذه الكلمات، فأعظ بها نفسي أولاً وهي لك ثانياً، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، اللهم رد شبابنا إليك رداً جميلاً، اللهم خذ بأيديهم إلى الحق، اللهم اغفر لهم ذنوبهم، اللهم اغفر لهم ذنوبهم، اللهم استر عيوبهم، اللهم ارحمهم برحمتك، اللهم ارحم مُعَذَبَهم يا حي يا قيوم، اللهم طهر قلوبهم، اللهم خذ بأيديهم، اللهم من كان منهم في صلاحٍ واستقامة فزده ثباتاً وهداية، ومن كان منهم غافلاً ضالاً فخذ بناصيته لطريق الحق والاستقامة، اللهم من أرادهم بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا قوي يا عزيز، اللهم يا رب من عزم على التوبة والرجوع إليك فوفقه وأعنه يا حي يا قيوم برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم احفظ الإسلام والمسلمين، وعليك بأعداء الدين، اللهم انصر عبادك الصالحين، اللهم وفق ولاة أمور المسلمين جميعاً لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللهم وفق ولاة أمورنا خاصة لما تحبه وترضاه، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم وفقهم وأعنهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللهم احفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين بالأمن والإيمان، اللهم اجمع كلمتهم على التوحيد والقرآن، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، سبحانك الله وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
تعليق