جمال الأسماء والألقاب في الحضارة الإسلامية
أ.د. راغب السرجاني
المصدر قصة الإسلام
ما أُشرب المسلمون روح الجمال الإسلامية، ووقرتْ في أرواحهم وفي وجدانهم العام تلك الصفة اللطيفة، كانت منهم تفرُّدات وإضافات، بعضها نقل الحضارة الإنسانية قفزات واسعة، تلك التفردات تسربت إلى تفاصيل الحياة الصغيرة، والصغيرة جدًّا، فخرجت الحضارة الإسلامية إلى الوجود ببعض مظاهرٍ لا تفسر إلا بعامل "الجمال".
بعض من غيّر الرسول أسماءهم
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- حريصًا على أمر الجمال حتى في أسماء من دخلوا الإسلام، ووردت كثير من الروايات الصحيحة والحسنة التي تذكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا لم يعجبه الاسم غيَّره إلى ما هو خير منه؛ ومن الأسماء التي غيّر الرسول أسماءهم، ما رواه ابن عمر "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- غَيَّرَ اسْمَ عَاصِيَةَ، وَقَالَ: "أَنْتِ جَمِيلَةُ"[1].
وغير اسم زحم بن معبد السدوسي إلى بشير[2]، وكان سيدنا علي -رضي الله عنه- قد سمَّى الحسن حربًا، فسمَّاه النبي -صلى الله عليه وسلم- (الحسن)، ثم سمَّى الحسين حربًا، فسماه النبي -صلى الله عليه وسلم- (الحسين)[3].
وغيَّر -صلى الله عليه وسلم- اسم أصرم بزرعة، وغير اسم أبي الحكم بأبي شريح، وغيَّر اسم العاص، وعزيز، وعتلة، وشيطان، والحكم، وغراب، وحباب، وشهاب، فسمَّاه هشامًا، وسمَّى حربًا سلمًا، وسمى المضطجع المنبعث، وأرضًا عفرة سمَّاها خضرة، وشِعب الضلالة سمَّاه شعب الهُدى، وبنو الزنية سماهم بني الرشدة، وسمى بني مغوية بني رشدة[4].
وروى البخاري عن سعيد بن المسيب عن أبيه، أَنَّ جَدَّهُ حَزْنًا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "مَا اسْمُكَ؟" قَالَ: اسْمِي حَزْنٌ. قَالَ: "بَلْ أَنْتَ سَهْلٌ". قَالَ: مَا أَنَا بِمُغَيِّرٍ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي. قَالَ ابْنُ الْـمُسَيَّبِ: فَمَا زَالَتْ فِينَا الْـحُزُونَةُ بَعْدُ[5].
ولقد أرشد -صلى الله عليه وسلم- أمته في أمر الأسماء واختيارها، فقال: "أَحَبُّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللهِ تَعَالَى عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ، وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ"[6].
وغيَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- أسماء بعض الأماكن، فحين هاجر كان اسم المدينة (يثرب) فغيرها إلى طيْبة[7]، وكان يكره الأمكنة المنكرة الأسماء، ويكره العبور فيها، كما مر في بعض غزواته بين جبلين، فسأل عن اسميهما فقالوا: فاضح ومخزٍ، فعَدَل عنهما، ولم يجز بينهما[8].
وأوصى -صلى الله عليه وسلم- إذا بَعث له أحدٌ رسولاً أن يكون حسن الاسم، فقال: "إِذَا أَبْرَدْتُمْ إِلَيَّ بَرِيدًا؛ فَابْعَثُوهُ حَسَنَ الْوَجْهِ، حَسَنَ الاسْمِ"[9].
الجمال في ألقاب الخلفاء والسلاطين
ولم يلبث التاريخ الإسلامي أن عرفت فيه ألقاب الخلفاء والسلاطين والوزراء والأمراء بشكل يجمع بين الجمال والقوَّة، وقد كان الأمر فيما قبل -عند الإمبراطوريات القديمة- يقتصر على ألقاب السطوة والجبروت التي أريد منها أن تلقي الرعب والفزع.
وقد حرَّم الإسلام مثل هذه الألقاب، فقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أَخْنَى الأَسْمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاكِ"[10].
ولهذا اتخذ الخلفاء والسلاطين ألقابهم على شاكلة المضاف إلى الله، وكان المعتصم بالله وهو العباسي الثامن أول من بدأ بهذا، ثم تسمَّى من بعده بالمتوكل على الله، المستعين بالله، المنتصر بالله، المقتدر بالله، المستنصر بالله، المستعصم بالله، المستضيء بنور الله، الناصر لدين الله... وهكذا.
وظهر في الوزراء والأمراء والعلماء والقادة ألقاب منها: نور الدين، نجم الدين، شمس الدين، ضياء الدين، شهاب الدين، بدر الدين، سيف الدين، صلاح الدين، قلب الدين، حسام الدين، صدر الدين، فخر الدين، عز الدين، ركن الدين... وأمثال هذا.
وبهذا كان الجمال في الأسماء سمةً اتصفت بها الحضارة الإسلامية، وأثبتت أن جمالها تسرَّب إلى كل التفاصيل.
[1] مسلم: كتاب الآداب، باب استحباب تغيير الاسم القبيح إلى حسن... (2139)، وأبو داود (4952)، والترمذي (2838)، وأحمد (4682).
[2] أبو داود: كتاب الجنائز، باب المشي بين القبور في النعل (3230)، وأحمد (20807)، والبخاري في الأدب المفرد (775)، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد.
[3] رواه أحمد (769)، والبخاري في الأدب المفرد (823)، والبيهقي (11706)، وابن حبان (6958)، وحسنه شعيب الأرناءوط في التعليق على مسند أحمد.
[4] ابن القيم: زاد المعاد 2/334 وما بعدها.
[5] البخاري: كتاب الأدب، باب تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه (5836).
[6] أبو داود: كتاب الأدب، باب في تغيير الأسماء (4950)، وأحمد (19054)، والبخاري في الأدب المفرد (814)، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد.
[7] البخاري: كتاب التفسير (4313)، ومسلم: كتاب الحج، باب المدينة تنفي شرارها (1385).
[8] ابن القيم: زاد المعاد 2/334 وما بعدها.
[9] الطبراني في الأوسط 7/367، وابن حجر العسقلاني: المطالب العالية11/685 (2658)، وقال الألباني: صحيح. انظر: صحيح الجامع (259).
[10] البخاري: كتاب الأدب، باب أبغض الأسماء إلى الله (5852)، ومسلم: كتاب الآداب، باب تحريم التسمي بملك الأملاك وملك الملوك (2143).
جمال الأسماء والألقاب في الحضارة الإسلامية
أ.د. راغب السرجاني
المصدر قصة الإسلام
ما أُشرب المسلمون روح الجمال الإسلامية، ووقرتْ في أرواحهم وفي وجدانهم العام تلك الصفة اللطيفة، كانت منهم تفرُّدات وإضافات، بعضها نقل الحضارة الإنسانية قفزات واسعة، تلك التفردات تسربت إلى تفاصيل الحياة الصغيرة، والصغيرة جدًّا، فخرجت الحضارة الإسلامية إلى الوجود ببعض مظاهرٍ لا تفسر إلا بعامل "الجمال".
بعض من غيّر الرسول أسماءهم
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- حريصًا على أمر الجمال حتى في أسماء من دخلوا الإسلام، ووردت كثير من الروايات الصحيحة والحسنة التي تذكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا لم يعجبه الاسم غيَّره إلى ما هو خير منه؛ ومن الأسماء التي غيّر الرسول أسماءهم، ما رواه ابن عمر "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- غَيَّرَ اسْمَ عَاصِيَةَ، وَقَالَ: "أَنْتِ جَمِيلَةُ"[1].
وغير اسم زحم بن معبد السدوسي إلى بشير[2]، وكان سيدنا علي -رضي الله عنه- قد سمَّى الحسن حربًا، فسمَّاه النبي -صلى الله عليه وسلم- (الحسن)، ثم سمَّى الحسين حربًا، فسماه النبي -صلى الله عليه وسلم- (الحسين)[3].
وغيَّر -صلى الله عليه وسلم- اسم أصرم بزرعة، وغير اسم أبي الحكم بأبي شريح، وغيَّر اسم العاص، وعزيز، وعتلة، وشيطان، والحكم، وغراب، وحباب، وشهاب، فسمَّاه هشامًا، وسمَّى حربًا سلمًا، وسمى المضطجع المنبعث، وأرضًا عفرة سمَّاها خضرة، وشِعب الضلالة سمَّاه شعب الهُدى، وبنو الزنية سماهم بني الرشدة، وسمى بني مغوية بني رشدة[4].
وروى البخاري عن سعيد بن المسيب عن أبيه، أَنَّ جَدَّهُ حَزْنًا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "مَا اسْمُكَ؟" قَالَ: اسْمِي حَزْنٌ. قَالَ: "بَلْ أَنْتَ سَهْلٌ". قَالَ: مَا أَنَا بِمُغَيِّرٍ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي. قَالَ ابْنُ الْـمُسَيَّبِ: فَمَا زَالَتْ فِينَا الْـحُزُونَةُ بَعْدُ[5].
ولقد أرشد -صلى الله عليه وسلم- أمته في أمر الأسماء واختيارها، فقال: "أَحَبُّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللهِ تَعَالَى عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ، وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ"[6].
وغيَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- أسماء بعض الأماكن، فحين هاجر كان اسم المدينة (يثرب) فغيرها إلى طيْبة[7]، وكان يكره الأمكنة المنكرة الأسماء، ويكره العبور فيها، كما مر في بعض غزواته بين جبلين، فسأل عن اسميهما فقالوا: فاضح ومخزٍ، فعَدَل عنهما، ولم يجز بينهما[8].
وأوصى -صلى الله عليه وسلم- إذا بَعث له أحدٌ رسولاً أن يكون حسن الاسم، فقال: "إِذَا أَبْرَدْتُمْ إِلَيَّ بَرِيدًا؛ فَابْعَثُوهُ حَسَنَ الْوَجْهِ، حَسَنَ الاسْمِ"[9].
الجمال في ألقاب الخلفاء والسلاطين
ولم يلبث التاريخ الإسلامي أن عرفت فيه ألقاب الخلفاء والسلاطين والوزراء والأمراء بشكل يجمع بين الجمال والقوَّة، وقد كان الأمر فيما قبل -عند الإمبراطوريات القديمة- يقتصر على ألقاب السطوة والجبروت التي أريد منها أن تلقي الرعب والفزع.
وقد حرَّم الإسلام مثل هذه الألقاب، فقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أَخْنَى الأَسْمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاكِ"[10].
ولهذا اتخذ الخلفاء والسلاطين ألقابهم على شاكلة المضاف إلى الله، وكان المعتصم بالله وهو العباسي الثامن أول من بدأ بهذا، ثم تسمَّى من بعده بالمتوكل على الله، المستعين بالله، المنتصر بالله، المقتدر بالله، المستنصر بالله، المستعصم بالله، المستضيء بنور الله، الناصر لدين الله... وهكذا.
وظهر في الوزراء والأمراء والعلماء والقادة ألقاب منها: نور الدين، نجم الدين، شمس الدين، ضياء الدين، شهاب الدين، بدر الدين، سيف الدين، صلاح الدين، قلب الدين، حسام الدين، صدر الدين، فخر الدين، عز الدين، ركن الدين... وأمثال هذا.
وبهذا كان الجمال في الأسماء سمةً اتصفت بها الحضارة الإسلامية، وأثبتت أن جمالها تسرَّب إلى كل التفاصيل.
[1] مسلم: كتاب الآداب، باب استحباب تغيير الاسم القبيح إلى حسن... (2139)، وأبو داود (4952)، والترمذي (2838)، وأحمد (4682).
[2] أبو داود: كتاب الجنائز، باب المشي بين القبور في النعل (3230)، وأحمد (20807)، والبخاري في الأدب المفرد (775)، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد.
[3] رواه أحمد (769)، والبخاري في الأدب المفرد (823)، والبيهقي (11706)، وابن حبان (6958)، وحسنه شعيب الأرناءوط في التعليق على مسند أحمد.
[4] ابن القيم: زاد المعاد 2/334 وما بعدها.
[5] البخاري: كتاب الأدب، باب تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه (5836).
[6] أبو داود: كتاب الأدب، باب في تغيير الأسماء (4950)، وأحمد (19054)، والبخاري في الأدب المفرد (814)، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد.
[7] البخاري: كتاب التفسير (4313)، ومسلم: كتاب الحج، باب المدينة تنفي شرارها (1385).
[8] ابن القيم: زاد المعاد 2/334 وما بعدها.
[9] الطبراني في الأوسط 7/367، وابن حجر العسقلاني: المطالب العالية11/685 (2658)، وقال الألباني: صحيح. انظر: صحيح الجامع (259).
[10] البخاري: كتاب الأدب، باب أبغض الأسماء إلى الله (5852)، ومسلم: كتاب الآداب، باب تحريم التسمي بملك الأملاك وملك الملوك (2143).
تعليق