إن الناظر في السيرة النبوية وتاريخ الصحابة والتابعين وتابعيهم وتابع تابعيهم بل إلى ما يزيد على ثلاثمائة وخمسين سنة هجرية لم نجد أحدًا لا من العلماء ولا من الحكام ولا حتى من عامة الناس قال بهذا العمل، أو أمر به، أو حثَّ عليه، أو تكلم به.
قال الحافظ السخاوي في فتاويه: "عمل المولد الشريف لم ينقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة، وإنما حدث بعد". اهـ.
إذن السؤال المهم:
متى حدث المولد النبوي؟
وهل الذي أحدثه علماء أو حكام وملوك وخلفاء أهل السنة ومن يوثق بهم أم غيرهم؟
والجواب على هذا السؤال عند المؤرخ السني (الإمام المقريزي) رحمه الله: يقول في كتابه الخطط (1/490 وما بعدها):" ذكر الأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها أعيادًا ومواسم تتسع بها أحوال الرعية وتكثر نعمهم".
قال: "وكان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم وهي مواسم رأس السنة، ومواسم أول العام، ويوم عاشوراء، (ومولد النبي )، ومولد علي بن أبي طالب ، ومولد الحسن والحسين عليهما السلام، ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام، ومولد الخليفة الحاضر، وليلة أول رجب، ليلة نصفه، وموسم ليلة رمضان، وغرة رمضان، وسماط رمضان، وليلة الختم، وموسم عيد الفطر، وموسم عيد النحر، وعيد الغدير، وكسوة الشتاء، وكسوة الصيف، وموسم فتح الخليج، ويوم النيروز، ويوم الغطاس، ويوم الميلاد، وخميس العدس، وأيام الركوبات". اهـ.
وقال المقريزي في اتعاظ الحنفاء (2/48) سنة (394هـ): "وفي ربيع الأول ألزم الناس بوقود القناديل بالليل في سائر الشوارع والأزقة بمصر".
وقال في موضع آخر (3/99) سنة (517هـ): "وجرى الرسم في عمل المولد الكريم النبوي في ربيع الأول على العادة"
ومن النقل السابق تدبر معي كيف حُشِر المولد النبوي مع البدع العظيمة، مثل:
- بدعة الرفض والغلو في آل البيت، المتمثل في إقامة مولد علي وفاطمة والحسن والحسين . وسيأتي مزيد بسط لبيان أنالدولة العبيدية التي تدعي أنها فاطمية: بأنها دولة باطنية رافضية محاربة لله ولرسوله ولسنته ولحملة السنة المطهرة.
- بدعة الاحتفال بعيد النيروز وعيد الغطاس وميلاد المسيح وهي أعياد نصرانية.
يقول ابن التركماني في كتابه (اللمع في الحوادث والبدع 1/293-316) عن هذه الأعياد النصرانية: "فصل ومن البدعة أيضًا والخزي والبعاد ما يفعله المسلمون في نيروز النصارى ومواسمهم والأعياد من توسع النفقة" قال: "وهذه نفقة غير مخلوفة، وسيعود شرها على المنفق في العاجل والآجل". وقال: "ومن قلة التوفيق والسعادة ما يفعله المسلم الخبيث في ما يعرف بالميلاد (أي ميلاد المسيح)".
ونقل عن علماء الحنفية أن من فعل ما تقدم ذكره ولم يتب منه فهو كافر مثلهم. وذكر عدد من الأعياد التي يشارك فيها جهلة المسلمين النصارى، وبيَّن تحريمها بالكتاب والسنة ومن خلال قواعد الشرع الكلية.
ذكر من أبطلها من خلفاء الدولة العبيديةالفاطمية:
قال المقريزي في خططه (1/432): "وكان الأفضل بن أمير الجيوش قد أبطل أمر الموالد الأربعة: النبوي، والعلوي، والفاطمي، والإمام الحاضر وما يهتم به وقدم العهد به حتى نسي ذكرها، فأخذ الأستاذون يجددون ذكرها للخليفة الآمر بأحكام الله ويرددون الحديث معه فيها، ويحسنون له معارضة الوزير بسببها وإعادتها وإقامة الجواري والرسوم فيها، فأجاب إلى ذلك وعمل ما ذكر...". اهـ.
فعلى هذا أول من أحدث ما يسمى بالمولد النبوي هم بنو عبيد الذين اشتهروا بالفاطميين. ماذا قال أهل العلم عنالدولة الفاطمية العبيدية التي أحدثت هذا الأمر (المولد النبوي)؟
قال الإمام أبو شامة المؤرخ المحدث صاحب كتاب الروضتين في أخبار الدولتين ص200-202 عن الفاطميين العبيديين: "أظهروا للناس أنهم شرفاء فاطميون فملكوا البلاد وقهروا العباد، وقد ذكر جماعة من أكابر العلماء أنهم لم يكونوا لذلك أهلاً ولا نسبهم صحيحًا، بل المعروف أنهم (بنو عبيد)؛ وكان والد عبيد هذا من نسل القداح الملحد المجوسي، وقيل: كان والد عبيد هذا يهوديًّا من أهل سلمية من بلاد الشام وكان حدادًا.
وعبيد هذا كان اسمه (سعيدًا)، فلما دخل المغرب تسمى بـ(عبيد الله)، وزعم أنه علوي فاطمي وادعى نسبًا ليس بصحيح (لم يذكره أحد من مصنفي الأنساب العلوية، بل ذكر جماعة من العلماء بالنسب خلافه).
ثم ترقت به الحال إلى أن ملك وتسمى بـ(المهدي) وبَنَى المهدية بالمغرب ونسبت إليه، وكان زنديقًا خبيثًا عدوًّا للإسلام، متظاهرًا بالتشيع، متسترًا به، حريصًا على إزالة الملة الإسلامية. قتل من الفقهاء والمحدثين جماعة كثيرة، وكان قصده إعدامهم من الوجود؛ لتبقى العالم كالبهائم، فيتمكن من إفساد عقائدهم وضلالتهم، والله متم نوره ولو كره الكافرون.
ونشأت ذريته على ذلك منطوين يجهرون به إذا أمكنتهم الفرصة وإلا أسروه، والدعاة لهم منبثون في البلاد يضلون من أمكنهم إضلاله من العباد، وبقي هذا البلاء على الإسلام من أول دولتهم إلى آخرها، وذلك من ذي الحجة سنة تسع وتسعين ومائتين (299هـ) إلى سنة سبع وستين وخمسمائة (567هـ).
وفي أيامهم كثرت الرافضة واستحكم أمرهم، ووضعت المكوس على الناس، واقتدى بهم غيرهم، وأفسدت عقائد طوائف من أهل الجبال الساكنين بثغور الشام كالنصيرية والدرزية والحشيشية نوع منهم، وتمكن رعاتهم منهم لضعف عقولهم وجهلهم ما لم يتمكنوا من غيرهم، وأخذت الفرنج أكثر البلاد بالشام والجزيرة إلى أن منَّ الله على المسلمين بظهور البيت الأتابكي وتقدمه مثل (صلاح الدين)، فاستردوا البلاد وأزالوا هذه الدولة عن أرقاب العباد.
وكانوا أربعة عشر مستخلفًا... يدّعون الشرف، ونسبتهم إلى مجوسي أو يهودي حتى اشتهر لهم ذلك بين العوام، فصاروا يقولون الدولة الفاطمية والدولة العلوية وإنما هي (الدولة المجوسية أو اليهودية الباطنية الملحدة).
والملقب بالمهدي -لعنه الله- كان يتخذ الجهال ويسلطهم على أهل الفضل، وكان يرسل إلى الفقهاء والعلماء فيذبحون في فرشهم، وأرسل إلى الروم وسلطهم على المسلمين، وأكثر من الجور واستصفاء الأموال وقتل الرجال، وكان له دعاة يضلون الناس على قدر طبقاتهم فيقولون لبعضهم: (هو المهدي ابن رسول الله وحجة الله على خلقه)، ويقولون لآخرين: (هو رسول الله وحجة الله)، ويقولون لآخرين: (هو الله الخالق الرازق). لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تبارك سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا!
ولما هلك قام ابنه المسمى بـ(القائم) مقامه، وزاد شره على شر أبيه أضعافًا مضاعفة، وجاهر بشتم الأنبياء فكان ينادي في أسواق المهدية وغيرها: (العنوا عائشة وبعلها، العنوا الغار وما حوى). اللهم صلِّ على نبيك وأصحابه وأزواجه الطاهرين، والعن هؤلاء الكفرة الفجرة الملحدين، وارحم من أزالهم وكان سبب قلعهم، ومن جرى على يديه تفريق جمعهم، وأصلْهم سعيرًا، ولقهم ثبورًا، وأسكنهم النار جميعًا، واجعلهم ممن قلت فيهم: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104].
ولو وفق ملوك الإسلام لصرفوا أعنة الخيل إلى مصر لغزو الباطنية الملاعين؛ فإنهم من شر أعداء دين الإسلام، وقد خرجت من حدّ المنافقين إلى حد المجاهرين لما ظهر في ممالك الإسلام من كفرها وفسادها، وتعين على الكافة فرض جهادها، وضرر هؤلاء أشدُّ على الإسلام وأهله من ضرر الكفار إذا لم يقم بجهادها أحد إلى هذه الغاية، مع العلم بعظيم ضررها وفسادها في الأرض". اهـ بتصرف يسير.
وانظر -رحمك الله- إلى ما قرره هذا العالم المؤرِّخ وهو قريب عهد منهم حيث عاش ما بين سنة (599- 665هـ)، وكيف تألم لما حلَّ بالمسلمين من كرب وضيق من جرّاء حكم هؤلاء الباطنيين!!
وعلى هذا، فالمولد النبوي أصله ومنشؤه من الباطنيين ذي الأصول المجوسية اليهودية المحيين شعائر الصليبية، ونحن هنا نقول لكل منصف: هل يصح أن نجعل أمثال هؤلاء مصدر عباداتنا وشعائرنا؟!
ونحن نقول مرة أخرى: إن القرون المفضلة التي عاش فيها سلفنا الصالح لم يكن فيها أثر لمثل هذه العبادة منهم أو من أعدائهم أو حتى من جهلتهم وعامتهم، أفلا يسعنا ما وسعهم؟!
د/ ناصر بن يحيي الحنيني
قصة الإسلام
تعليق