القاهرة هي عاصمة مصر، وواحدة من أهم مراكز الحياة الدينية والثقافية والسياسية للعالم الإسلامي، وتعد منذ إنشائها قبل أكثر من ألف عام المركز الرئيسي للحضارة العربية الإسلامية، كما أنها تعد مدينة متفردة في العالم الإسلامي بتنوع ووفرة آثارها وقيمتها التاريخية، فنحن لا نجد في أي مكان آخر هذا الكم من الآثار الدينية والمدنية التي تتيح لنا طُرُزُها المعمارية دراسة تطور العمارة الإسلامية. ولا غرو، فإن القاهرة كما وصفها المؤرخ الفيلسوف ابن خلدون: "إنها أوسع من كل ما يُتخيَّل فيها".
موقع القاهرة الجغرافي والتاريخي
يحتل موقع مدينة القاهرة منذ العصر الفرعوني مكانًا جغرافيًا فريدًا في وادي النيل عند التقاء الدلتا بالصعيد، هو خاصرة مصر ومجمع الوادى وفرعي النيل، وملتقى الصحراوين الغربية والشرقية، موقع حتمي خالد ظلت عواصم مصر تدور فيه لذا تحركت فيه العاصمة عبر العصور دون أن تخرج من مجاله المغناطيسي: فمن أون أو هليوبولس (مصر الجديدة وعين شمس الآن)، إلى منف الفرعونية (في منطقة البدرشين بالجيزة)، إلى بابليون (مصر القديمة) إلى الفسطاط العربية الإسلامية، ثم إلى العسكر العباسية والقطائع الطولونية إلى القاهرة الفاطمية، في حلقات متتابعة، في سلسلة جغرافية، وتسلسل إقليمي واحد [1].
الدولة العبيدية الفاطمية
في الوقت الذي سقطت فيه القطائع وتخربت سنة 292هـ / 905م كانت الفسطاط محتفظة بازدهارها، فكانت مدينة الشعب ومقر الحرف والصناعات والمهن والنشاط التجاري، ويقيم فيها الولاة والحكام. وفي الفترة الزمنية التي أعقبت سقوط القطائع كانت هناك قوة جديدة تنهض وتزدهر في المغرب العربي وهي دولة العبيديين الفاطميين التي استطاعت أن تقضى على دولة الأغالبة في القيروان في جمادي الثاني سنة 296هـ /909م.
ولا يزال أصل هذه الأسرة العبيدية الفاطمية يكتنفه بعض الغموض، وقد أرسل عبيد الله المهدي -أول خلفاء الفاطميين في شمال إفريقيا- حملتين لغزو مصر بقيادة ابنه أبو القاسم باءتا بالفشل، كانت الأولى سنة 302هـ / 914م، والثانية سنة 306هـ / 919م بفضل الإمدادات الحربية التي كانت ترسلها الخلافة العباسية في بغداد. توفى عبيد الله المهدي سنة 322هـ / 933م وتولى الخلافة من بعده ابنه محمد أبو القاسم الذي توفى سنة 334هـ / 949م، وتولى الخلافة من بعده ابنه المنصور إسماعيل وتوفى سنة 341هـ / 953م، وتولى الخلافة ابنه المعز لدين الله.
العبيديون الفاطميون في مصر
وفى سنة 357هـ مات كافور الإخشيدي فاضطربت الأحوال بمصر وتردت الحالة الاقتصادية بها، وحل الوباء والقحط بالبلاد من جراء انخفاض النيل، وعجزت الحكومة عن دفع رواتب الجند، مما حمل كثيرًا من أولي الرأي بمصر على الكتابة إلى المعز لدين الله يطلبون منه القدوم إلى مصر.
قدم الجيش الفاطمي من المغرب بقيادة القائد جوهر الصقلي موفدًا من قبل الخليفة المعز لدين الله، وكان مسيره من القيروان في 14 ربيع الأول عام 358هـ / فبراير 696م. وفي 11 شعبان 358هـ / يوليو 969م وصل جوهر إلى جيزة الفسطاط، فوقفت في وجهه حامية ضئيلة العدد. وفي اليوم التالي دخل جوهر الفسطاط وتربصفي شمالها ثمانية أيام حتى تكاملت حوله جنوده بعد عبورهم النيل من الجيزة إلى الفسطاط [2].
بناء القاهرة الفاطمية
وكان جوهر قد نزل مع جنده في المناخ الواقع شمال شرقي القطائع، وأخذ في وضع أساس القاعدة الفاطمية الجديدة -أي القاهرة- في نفس الليلة، وكان ذلك في يوم الثلاثاء 17 شعبان سنة 358هـ / 7 يوليو 969م، ويؤيد هذا ما ذكره المقريزي في خططه.
كما وضعت أسس القصر الفاطمي الكبير (الشرقي) في 18 شعبان 358هـ، وبدئ في بنيانه في رمضان في نفس العام وفي العام التالي 359هـ شرع في بناء الجامع الأزهر. وهكذا رأينا القائد جوهر في أيام معدودات بعد فوزه الحربي، يشيد قاعدة جديدة بأسوارها وأبوابها ودار ملكها وجامعها الأزهر، بل وحفر خندقًا من الجهة الشمالية ليمنع اقتحام القرامطة للقاهرة وكانوا يهددون مصر.
تخطيط مدينة القاهرة
كانت مساحة قاهرة جوهر 340 فدان تقريبًا، خصصمنها 70 سبعين فدانًا تقريبًا لبناء القصر الشرقي الكبير، كما خصصثلاثين فدانًا للبساتين، ومثلها للميادين، وقسم المساحة الباقية إلى عشرين حارة، أسكن في كل حارة فرقة عسكرية من جنده، وأسمى كل حارة باسم هذه الفرقة، فكانت هناك حارة زويلة التي بنى بجوارها باب زويلة، وحارة البرقية، وحارة العطوفية، وحارة الروم، وحارة كتامة، وحارة الجُدريّة وغيرها من الحارات، وتحولت هذه الحارات فيما بعد إلى شوارع وأحياء.
بناء الجامع الأزهر
وفي يوم السبت 22 جمادى الأولى 359هـ-أبريل 970 بدأ البناء في المسجد الجديد- الأزهر؛ وذلك ليكون خاصا بشعائر المذهب العبيدي الفاطمي، خشية إثارة المصريين إذا ظهرت هذه الشعائر في مساجدهم. ولما بلغ في البناء إلى المحراب كتب بدائرة القبة التي أقيمت عليه في الرواق الأول على يمنة المحراب والمنبر: "بسم الله الرحمن الرحيم، مما أمر ببنائه عبد الله ووليه أبو تميم من الإمام المعز لدين الله أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الأكرمين على يد عبده جوهر الصقلي وذلك في سنة ستين وثلاثمائة". وقد تم بناء الأزهر في عامين وثلاثة أشهر.
وأقيمت الصلاة في الجامع الأزهر لأول مرة 6 رمضان 361ه / 21 يونيو 972م، وتحولت الدعوة على المنابر إلى الخليفة المعز، وضرب السكة باسم الخليفة العبيدي الشيعي (الفاطمي) بدلًا من اسم الخليفة العباسي، كذلك منع جوهر الناس من لبس السواد شعار العباسيين، وزيد في الخطبة على عادة الشيعة "اللهم صل على محمد النبي المصطفى، وعلى على المرتضى، وعلى فاطمة البتول، وعلى الحسن والحسين سبطي الرسول الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرًا، اللهم صل على الأئمة الراشدين، آباء أمير المؤمنين الهادين المهديين".
واعتبر تأسيس الأزهر حادثًا جليلًا في تاريخ الحضارة الإسلامية، ومنذ ذلك الحين عاشت القاهرة أحداث ألف عام ونيف، ومرت بها دول وحضارات جعلت منها عاصمة العالم الإسلامي ومركزا للإشعاع الفكري، كما أن موقع القاهرة الوسيط جعلها بؤرة تلتقي فيما خيوط السياسة والاقتصاد الإسلامي.
وقد أدت رعاية القاهرة للأماكن المقدسة، كمكة والمدينة، ونشاط علماء الأزهر وشتى المعاهد الدينية بها، أن صارت تتمتع بأهمية روحية وعلمية في العالم الإسلامي، كما أن معظم طرق التجارة بين أوروبا وآسيا وشرق أفريقيا وقلبها كانت تمر بالقاهرة جعلت منها سوقا كبرى لنفيس السلع والمواد، كالتوابل والمنسوجات والرقيق والأحجار الكريمة!
قدوم المعز لدين الله إلى القاهرة
ولما أرسل جوهر القائد إلى سيده المعز لدين الله بتمام بناء القصر الجامع عزم المعز أن ينقل مركز الخلافة الفاطمية إلى مصر فخرج بأهله وأمواله وحاشيته وجيوشه وبطانته من مقر ملكه بمدينة المنصورية في 22 شوال سنة 361هـ / يوليو 971م. واستقر بعض الوقت في مدينة سردانية بجوار القيروان لتجتمع إليه القبائل والجيوش ثم رحل عنها في الخامس من صفر سنة 362هـ، وسار إلى مصر عن طريق برقة ووصل إلى الاسكندرية يوم السبت 24 شعبان.
وبعد أن أقام بها أياما سار إلى القاهرة ودخلها يوم الثلاثاء السابع من رمضان سنة 362هـ / يونيو 972م ونزل بالقصر الفاطمي الكبير الذي أعد لنزوله، ولما دخله خر ساجدًا لله تعالى ثم صلى ركعتين، وفي آخر شهر رمضان أقام الصلاة بنفسه بالأزهر وخطب خطبة العيد. ولم يقصد جوهر في بادئ الأمر من إنشاء القاهرة، أن تكون قاعدة أو دار خلافة، بل اختطها لتكون مقرًا لسكن المعز وحرمه وخواصه ومعقلًا لرجاله يتحصن به ويلتجئون إليه [3].
التطور العمراني لمدينة القاهرة
وهكذا نشأت القاهرة مدينة متواضعة، واستمرت حينًا بعد قيامها مدينة ملكية عسكرية، تشتمل على قصور الخلفاء ومساكن الأمراء ودواوين الحكومة وخزائن المال والسلاح، ثم أصبحت بعد إنشائها بأربعة أعوام عاصمة الخلافة الفاطمية بعد انتقال أسرة المعز إليها واتخاذه مصر موطنًا له، ولم يكن لسكان مصر (الفسطاط والعسكر والقطائع) أن يدخلوا "المدينة الملكية" إلا بإذن يسمح لصاحبه بدخول إحدى بوابات القاهرة.
وكانت أسوار القاهرة العالية وأبوابها تحجب الخليفة عن أنظار الشعب، وظلت القاهرة طوال العصر الفاطمي الأول مدينة خاصة لا يسمح بدخولها لأفراد الشعب الذين كانوا يقيمون في مصر الفسطاط، العاصمة التجارية والصناعية للبلاد، إلا بإذن خاصوبغرض خدمة أهل الحصن الفاطمي الذين كانوا من خواصالخليفة ورجال الدولة وفرق الجيش. ورغم أن القاهرة لم تنشأ في الأساس لتكون مدينة سكنية بمعنى الكلمة، فقد أخذت مناطق سكنية في الانتشار خارج أسوارها بشكل غير محسوس وبطريقة غير مستقرة، مما جعلها تنهار سريعًا أمام أول أزمة اقتصادية أو سياسية تتعرض لها المدينة، وهي ما تعرف بالشدة المستنصرية في عهد المستنصر بالله العبيدي.
ولما انزاحت الغمة وتغلبت الدولة العبيدية على الأزمة الاقتصادية أباح أمير الجيوش بدر الجمالي سكن القاهرة لغير الخاصة مثل العسكرية والملحية والأرمن وكل من وصلت قدرته إلى عمارة، ولما استولى صلاح الدين الأيوبي على مقاليد الأمور في مصر بعد ذلك بنحو قرن من الزمان، نقل القاهرة عما كانت عليه من الصيانة وجعلها مبتذلة لسكن العامة والجمهور، وحط من مقدار قصور الخلافة وأسكن ذويه وأمراءه في بعضها، وتهدم بعضها الآخر وأزيلت معالمه وتغيرت معاهده، فصارت خططًا وحارات وشوارع ومسالك وأزقة، على حد قول المقريزي.
ولم يكتف صلاح الدين فقط بذلك، بل استولى على ما في القصور من خزائن ودواوين وأموال ونفائس، وأباح بيع كل ما وجد في القصور، حتى أن بيع كل ما خرج منها استمر عشر سنين، كما أقطع أمراءه وخواصه ما كان للفاطميين من دور ورباع.
وهكذا فقدت القاهرة مكانتها كمركز للحكم وأخذت الأنشطة التجارية والحرفية تتسرب إليها وتنتشر في موضع القصور الفاطمية حول الشارع الأعظم أو قصبة القاهرة. وتحول مركز المدينة القريب من الجامع الأزهر إلى منطقة تجارية. وأدت التغييرات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها القاهرة في عهد الدولة الأيوبية على إعادة تشكيل النسيج العمراني للمدينة، فشهدت هذه المنطقة مولد العديد من المدارس السنية التي بدأت في العصر الأيوبي (السيوفية والكاملية والصالحية) وازدهرت في عصر المماليك، والعديد من الأسواق النوعية حتى أصبح موضع بين القصرين "سوقًا مبتذلًا بعد ما كان ملاذًا مبجلًا" كما يقول المقريزي [4].
حدود مدينة القاهرة الفاطمية
حدد لنا المقريزي حدود مدينة القاهرة وامتداداتها حتى منتصف القرن 9هـ/ 15م، كما رآها في ذلك الوقت كما يلي: "وأما حد القاهرة فإن طولها من قناطر السباع إلى الريدانية، وعرضها من شاطئ النيل ببولاق إلى الجبل الأحمر"، أي أن حدود القاهرة وظواهرها كانت من ميدان السيدة زينب (قناطر السباع) في الجنوب، وتمتد جهة الشمال حتى العباسية (الريدانية)، ومن الغرب حيث كان نهر النيل، وتمتد شرقًا حتى الجبل الأحمر، أي أن الحد الفاصل بين مصر والقاهرة كان الخط الممتد من القلعة إلى جامع أحمد بن طولون، وقد ظل هذا التحديد معمولًا به حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي [5].
توسعات بدر الجمالي للقاهرة
حدثت توسعات بدر الجمالي للقاهرة في (480- 485هـ / 1087م - 1092م)، فبعد مضي حوالي مائة وعشرون سنة من تأسيس القاهرة رأى أمير الجيوش بدر الجمالي وزير الخليفة الفاطمي المستنصر (1036-1094م) أن سكان القاهرة بنوا بيوتًا لهم خارج أسوار المدينة التي كان معظمها قد تهدم.
كانت القاهرة قد ازدحمت بسكانها وبالتالي اتسع عمرانها لا سيما جهة الشمال وجهة الجنوب، فأمر بدر الجمالي أن تحاط جميع المباني الجديدة التي بنيت خارج السور القديم سور جوهر بسور جديد من الطوب اللبن، ما عدا الجزء من السور الواقع بين باب النصر وباب الفتوح شمال المدينة، فقد بنى هذا الجزء من الحجر وهو الذي ما زال قائما إلى اليوم، كما أنه بنى باب النصر والفتوح من الحجر.
وفي الضلع الجنوبي للسور هدم بدر الجمالي بابي زويلة الأصليين، اللذان بناهما القائد جوهر بالطوب اللبن، وبنى بدلهما بابا واحدا بالحجر هو باب زويلة القائم حاليا. وقد اتسعت مدينة القاهرة من 340 فدانا عند إنشائها سنة 358هـ / 969م على يد جوهر القائد إلى حوالي 400 فدان في عهد الخليفة المستنصر بعد التوسعات التي أجراها الوزير بدر الجمالي [6].
توسعات صلاح الدين لمدينة القاهرة
زاد عمران مدينة القاهرة في آخر العصر الفاطمي، واتسعت حدود المدينة وضواحيها عندما قام صلاح الدين الأيوبي سنة 565هـ / 1170م وكان وقتها -وزيرًا للخليفة العاضد آخر خلفاء الدولة الفاطمية- ببناء سور جديد من الحجر بدلا من أسوار بدر الجمالي المبنية بالطوب اللبن، وأدخل في الأسوار الجديدة جميع ما زاد على المدينة من عمران في اتجاه الغرب ناحية النيل، وفي اتجاه الجنوب حتى مصر القديمة والفسطاط، وأبقى صلاح الدين على أبواب بدر الجمالي الثلاثة المبنية بالحجر وهي أبواب النصر والفتوح وزويلة.
قلعة صلاح الدين الأيوبي
فكر صلاح الدين في بناء قلعة حصينة كما هي العادة في بلاد الشام ليستطيع من خلالها الإشراف على القاهرة والفسطاط معًا، ووقع اختياره على الهضبة المتقدمة من جبل المقطم لتبنى عليها قلعة القاهرة التي أصبحت فيما بعد المقر الحصين لسلاطين المماليك وباشوات العثمانيين.
عهد صلاح الدين ببناء القلعة والسور الحجري الذي يربط القاهرة والقلعة والفسطاط إلى بهاء الدين قراقوش الذي استطاع الانتهاء من القسم الأكبر منها سنة 579هـ / 1183م بعد أن هدم العديد من الأهرامات الصغيرة التي كانت منتشرة بالجيزة لاستخدام أحجارها المنحوتة في البناء.
ولم يسر صلاح الدين على مثل ما سار عليه من سبقوه من الحكام ببناء عاصمة أو ضاحية ملكية جديدة، بل أقام في دار الوزارة حتى تم بناء القلعة فكان يتردد عليها، وجعلها قلعة للدفاع عن العاصمة وحمايتها، وقد توفى سنة 589هـ / 1193م قبل إتمام بناء القلعة [7].
أبواب القاهرة وأهم معالمها
كان للقاهرة ثمانية أبواب لكل جنب من أجنابها الأربعة بابان، ففي الجنوب: باب زويلة وباب الفرج، وفي الجهة البحرية: باب النصر وباب الفتوح، وفي الجهة الشرقية: باب القراطين (المحروق) وباب البرقية، أما في الجهة الغربية وهي المطلة على الخليج فكان فيها: باب سعادة وباب القنطرة.
وكان من أهم حارت القاهرة الفاطمية حارة الروم، حارة الأمراء، حارة الديلم، حارة الباطلية، حارة الكافوري، حارة قائد القواد، حارة العطوف، حارة الوزيرية، حارة المحمودية أو المصامدة. ولقد زاد عدد هذه الحارات وتطورت على أيام الأيوبيين والمماليك. وإلى جانب القصور الزاهرة التي شيدوها في القاهرة، فقد بنوا المساجد الكبيرة في أعقاب تأسيس الأزهر، ومنها جامع الحاكم بأمر الله (380هـ / 900م) وجامع الأقمر فيما بين القصرين، ومسجد الصالح طلائع خارج باب زويلة.
ومما يذكر عن صلاح الدين وخلفائه من رجال أسرته عنايتهم ببناء المدارس، فأكثروا منها، وعلى سبيل المثال: المدرسة الشافعية بالقرب من المشهد الحسيني، والمدرسة القمحية، ودار الحديث الكاملية، والمدرسة الصالحية .. إلخ.
كما ازدهرت القاهرة تحت حكم المماليك (648هـ - 923هـ / 1250م - 1517م) الذين أضفوا عليها كثيرًا من العمائر، ولا سيما في أيام المنصور قلاوون وابنه الناصر محمد والسلطان قايتباي، ومن أشهر المساجد التي بناها هؤلاء السلاطين أو أمراؤهم: جامع السلطان الظاهر بيبرس، ومدرسة وقبة وبيمارستان السلطان قلاوون، والمدرسة الناصرية، ومسجد سلار وسنجار الجاولي، وجامع الناصر محمد بالقلعة، وجامع المارداني، وجامع آق سنقر بالتبانة، وجامع ومدرسة السلطان حسن، ومسجد السلطان الظاهر برقوق، وجامع المؤيد، ومسجد أشرف برسباي، ومسجد قجماس الاسحاقي، ومسجد غاني باي السيفي، ومسجد ومدرسة الغوري وقبته .. إلخ.
وفي عهد الدولة العثمانية أنشئت في القاهرة المساجد والتكايا والأسبلة، ونذكر من آثار العهد العثماني: مساجد المحمودية بالمنشية، ومسجد الملكة صفية، والبرديني بالداودية، ومسجد سنان باشا ببولاق، ومسجد محمد أبي الذهب، وغيرها من بعض بقايا الدور، كنزل جمال الدين الذهبي وبيت السحيمي وبيت الكريتلية.
ثم أصاب القاهرة في أيام الحملة الفرنسية أشنع الدمار وأفظع الخراب، وكان أول ما عني به في القرن الثالث عشر الهجري / التاسع عشر الميلادي الوالي محمد علي، الذي عمل على إزالة كيمان الأنقاض وتلال الأتربة التي خلفتها حوادث الحملة الفرنسية ضد شعب القاهرة، وأمر بإزالة الخرائب ونقل أنقاضها خارج المدينة أو إلقائها في المستنقعات والبرك.
ثم اختطت الشوارع الجديدة الفسيحة وأنشئت الأحياء الحديثة، ففتح شارع السكة الجديدة والموسكي وشق شارعان كبيران هما شارعا الفجالة وشبرا. أضيف عليهما شارع محمد علي (القلعة اليوم) الذي أزيلت من أجله عدة مساجد ومقابر وبيوت مثقلة بالقدم.
وأقيمت على ضفاف هذه الشوارع بيوت عالية وقصور منيفة، لا تزال بعض بقاياها إلى اليوم، وعاد العمران إلى جزيرة الروضة، فبنى أعيان الدولة فيها دورهم وقصورهم تحيط بها البساتين العامرة بالأشجار، وعلى قمة المقطم شيد محمد علي مسجده الكبير وجعل فيه مدفنه، هذا بالإضافة إلى بناء مجموعة كبيرة من القصور ودور الحكومة في داخل قلعة الجبل [8].
[1] جمال حمدان: القاهرة. الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1996م. ص4 - 6. فاروق عسكر، دليل مدينة القاهرة، الجزء الأول، مشروع بحثي مقدم إلى موقع الشبكة الذهبية، أبو ظبي: سبتمبر أيلول 2002م.
[2] حسن الباشا وآخرون: القاهرة، تاريخها/ فنونها، آثارها. ص25 وما بعدها. فاروق عسكر: دليل مدينة القاهرة، الجزء الأول، مشروع بحثي مقدم إلى موقع الشبكة الذهبية، أبوظبي: سبتمبر أيلول 200م.
[3] المقريزي: الخطط، ج1/ 285، ج2/ 204، 273. ابن الأثير: الكامل في التاريخ، 8/ 240. ابن خلكان: وفيات الأعيان، ص134- 135. محمد عبد الله عنان: مصر الإسلامية وتاريخ الخطط المصرية.القاهرة: هيئة الكتاب، 1998م. ص30. عبد الرحمن زكي، بناة القاهرة في ألف عام، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1986م، ص7 - 8.
[4] عبد الرحمن زكي، موسوعة مدينة القاهرة في ألف عام، القاهرة: مكتب الأنجلو المصرية، 1987م، ص180-181. أيمن فؤاد السيد، التطور العمراني لمدينة القاهرة منذ نشأتها وحتى الآن، القاهرة: الدار المصرية اللبنانية، 1997، ط 1، ص34.
[5] محمد حسام الدين إسماعيل عبد الفتاح: مدينة القاهرة في ولاية محمد علي- إسماعيل (1805- 1879م)، القاهرة: دار الآفاق العربية، 1997م، ص33.
[6] فاروق عسكر: دليل مدينة القاهرة، الجزء الأول، مشروع بحثي مقدم إلى موقع الشبكة الذهبية، أبو ظبي: سبتمبر أيلول 2002م.
[7] جلومار: وصف مدينة القاهرة وقلعة الجبل. ص30. فاروق عسكر: دليل مدينة القاهرة، الجزء الأول، مشروع بحثي مقدم إلى موقع الشبكة الذهبية، أبوظبي: سبتمبر أيلول 2002م.
[8] عبد الرحمن زكي، موسوعة مدينة القاهرة في ألف عام، ص183 – 188.
منقول من موقع قصة الإسلام.
تعليق