إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تفريغ سلسلة قي رحاب الاخرة للشيخ محمد حسان // مفهرس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تفريغ سلسلة قي رحاب الاخرة للشيخ محمد حسان // مفهرس

    خامسا
    الموت
    بسم اللـه الرحمن الرحيم
    الحمد لله الذى أنهى بالموت آمال القياصرة ، فنقلهم بالموت من القصور إلى القبور ، ومن ضياء المهود إلى ظلمات اللحود ومن ملاعبة الجوارى والنساء والغلمان إلى مقاساة الهوام والديدان ، ومن التنعم فى ألوان الطعام والشراب إلى التمرغ فى ألوان الوحل والتراب !! وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لا شريك له ، ينادى يوم القيامة بعد فناء خلقه ويقول : أنا الملك ..!! أنا الجبار ..!! أنا المتكبر ..!!
    ثم يقول : لمن الملك اليوم ..؟؟! فيجيب على ذاته سبحانه !! لله الواحد القهار , وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله أدى الأمانة وبلغ الرسالة ، ونصح للأمة فكشف اللـه به الغمة ولبى نداء ربه حتى أجاب مناديه ،ومشى طوال أيامه ولياليه على شوك الأسى يخطو على جمر الكيد والعنت ، يلتمس الطريق لهداية الضالين وإرشاد الحائرين ، حتى عَلَّم الجاهل ، وَقوَّم المعوج ، وَأمَّن الخائف ، وطَمْأَن القلق ونشر أضواء الحق والخير والتوحيد والإيمان كما تنشر الشمس ضياءها فى سائر الأكوان , اللـهم صلى وسلم وزد وبارك عليه ، رفع اللـه له ذكره وشرح صدره وذكاه ربه على جميع خلقه ، ومع ذلك خاطبه ربه بقوله : "إِنَّكَ مَيتُُ وَإِنَّهُم مَيِّتُونَ "الزمر - 30 , اللـهم صلى وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين , أما بعــد ...فحياكم اللـه جميعاً أيها الآباء الفضلاء وأيها الأخوة الأحباب الأعزاء وطبتم جميعا وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلا ، وأسأل اللـه العظيم جل وعلا الذى جمعنى وإياكم فى هذا البيت المبارك على طاعته أن يجمعنى وإياكم فى الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى فى جنته ودار كرامته إنه ولى ذلك والقادر عليه , أحبتى فى اللـه :-
    في رحاب الدار الآخرة
    سلسلة علمية هامة تجمع بين المنهجية والرقائق ، وبين التأصيل العلمى والأسلوب الوعظى تبدأ هذه السلسة بالموت وتنتهى بالجنة , وقد تحتاج هذه السلسلة إلى جهد شاق حتى تتضح لنا معالمها ، لذا فإن الموضوع جد خطير ومن الأهمية بمكان ، لذا استحلفكم باللـه الذى لا إله إلاَّ هو .. أن تعيرونى قلوبكم وعقولكم وأسماعكم حتى نقف على أهميتها ونسأل اللـه التوفيق ، ونسأله تعالى أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، إنه ولى ذلك والقادر عليه ويجعلنا من الذين قال فيهم اللـه " الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللـه وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ"الزمر : 18 , أيها الأحبة الكرام : وسوف أستهل هذه السلسلة بالحديث عن الموت ، فهذه هى المرحلة الأولى فى هذه الرحلة الطويلة , أيها الخيار الكرام : لقد بين اللـه جل وعلا لنا الغاية التى من أجلها خلقنا فقال سبحانه وتعالى : " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ" الذاريات : 56 , بل وبين لنا حقيقة الدنيا التى جعلها محل اختبار لنا فقال سبحانه :" اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ "الحديد : 20 , وأكد الحبيب المصطفى هذه الحقيقة فى حديثه الصحيح الذى رواه الترمذى من حديث سهل بن سعد الساعدى رضى اللـه عنه قال صلى اللـه عليه وسلم " لو كانت الدنيا تعدل عند اللـه جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء " فالدنيا حقيرة عند اللـه أعطاها للمؤمن والكافر على السواء ، فلو كانت تزن عند اللـه جناح بعوضة ما سقى منها كافراً قط شربة ماء واحدة ، لذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يوصى أحبابه بعدم الركون والطمأنينة إلى هذه الدار الفانية لا محالة ، كما أوصى بذلك عبد اللـه بن عمر رضى اللـه عنهما كما فى صحيح البخارى :"كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " ، وكان ابن عمر يقول: " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك " , ورحم اللـه من قال :
    إن للـه عبــــــاداً فطنا طلقوا الدنيا وخافـــوا الفتنـا
    نظروا فيهــــا فلما علمـوا أنها ليست لِحَـىٍّ وطنــــاً
    جعلوها لُجَّــــــة واتخذوا صالح الأعمـال فيهـا سُفْنــا
    فالفطناء العقلاء هم الذين عرفوا حقيقة الدار ، فحرثوها وزرعوها ... وفى الآخرة حصدوها , فالـذم الوارد فى القرآن والسنة للدنيا لا يرجع إلى زمانها من ليل ونهار فلقد جعل اللـه الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً ، والذم الوارد للدنيا فى الكتاب والسنة لا يرجع إلى مكانها ألا وهو الأرض ، إذ أن اللـه قد جعل الأرض لبنى آدم سكناً ومستقراً , والذم الوارد فى القرآن والسنة لا يرجع إلى ما أودعها اللـه عز وجل من خيرات ، فهـذه الخيـرات نعم اللـه على عبـاده وجميع خلقه , إنما الذم الوارد فى القرآن والسنة يرجع إلى كل معصية ترتكب فى حق ربنا جل وعلا , إذاً لابد وحتما من تأصيل هذا الفهم الدقيق لا سيما لإخواننا الدعاة وطلاب العلم الذين ربما يغيب عن أذهانهم حقيقة الزهد فى هذه الحياة الدنيا ، فنحن لا نريد أن نُقنَّتْ أحداً من هذه الدنيا ، ولا نريد أن نثبت لعامل فى هذه الدنيا ولو كان فى الحلال أنه قد تجاوز عن طريق الأنبياء والصالحين والأولياء ... كلا ..!كلا ..!! بل الدنيا مزرعة للآخرة , تدبر معى قول على رضى اللـه عنه وهو يقول :" الدنيا دار صدق لمن صدقها ، ودار نجاة لمن فهم عنها ، ودار غنى لمن أخذ منها ، الدنيا مهبط وحى الأنبياء ومصلى أنبياء اللـه ومتجر أولياء اللـه " , فالدنيا مزرعة للآخرة فتدبر معى هذا الحديث الصحيح الذى رواه البخارى ومسلم من حديث أنس قال النبى صلى الله عليه وسلم :" ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إلا كان له به صدقة )) " , إذاً لابد من هذا التأصيل والفهم العميق لحقيقة الدنيا ، لننطلق من هذه الدار الفانية إلى دار تجمع بين سلامة الأبدان والأديان .. دار القرار , فلابد قبل العبور إلى دار القرار من المرور من دار الفناء ، فالدنيا دار ممر والآخرة هى دار المقر ، الدنيا مركب عبور لا منزل حبور ، الدنيا دار فناء لا دار بقاء ، لابد من وعى هذه الحقيقة التى لا مراء فيها ، لنزرع هنا بذوراً ، لنجنى هنالك ثماراً , فاعلم أيها الحبيب هذه الحقائق جيداً ، وكن على يقين جازم بأن الحياة فى هذا الدنيا موقوتة محدودة بأجل ، ثم تأتى نهايتها حتماً لابد ، فيموت الصالحون .. ويموت الطالحون .. يموت المجاهدون .. ويموت القاعدون .. يموت المستعلون بالعقيدة .. ويموت المستذلون للعبيد .. يموت الشرفاء الذين يأبون الضيم ويكرهون الذل ، والجبناء الحريصون على الحياة بأى ثمن .. الكل يموت .
    قال اللـه جل وعلا :" كُل مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ(26)وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ " الرحمن : 26 ، 27 , فلابد أن تستقر هذه الحقيقة فى القلب والعقل معاً ، إنها الحقيقة التى تعلن بوضوح تام على مدى الزمان والمكان فى أذن كل سامع وعقل كل مفكر أنه لا بقاء إلا للملك الحى الذى لا يموت ، إنها الحقيقة التى تصبغ الحياة البشرية كلها بصبغة العبودية والذل لقاهر السموات والأرض !!
    إنها الحقيقة التى شرب كأسها تباعاً الأنبياء والمرسلون بل والعصاة والطائعون !! انها الحقيقة التى تذكرنا كل لحظة من لحظات الزمن بقول الحى الذى لا يموت : "لا إِلَه إِلا هُو كُلُّ شَئٍ هَالِكُ إِلا وَجْهُه " القصص : 88 , أيها الحبيب تذكر هذه الحقيقة ولا تتغافل عنها إذ أن النبى أمرنا أن نكثر من ذكرها كما فى الحديث الصحيح الذى رواه الترمذى والنسائى والبيهقى والحاكم وغيرهم من حديث ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "أكثروا من ذكر هادم اللَّذات "الموت " ", إنها الحقيقة التى سماها اللـه فى قرآنه بالحق فقال جل وعلا :"وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ(19)وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ(20)وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ"ق : 19،21 , لا إله إلا اللـه ... اللـه أكبر ... اللـه أكبر , إن للموت لسكرات ... هل علمت إن هذه الكلمات قالها حبيب رب الأرض والسموات وهو يحتضر على فراش الموت ؟
    روى البخارى عن عائشة رضى اللـه عنها قالت : " مات رسول اللـه صلى الله عليه وسلم بين حاقنتى وذاقنتى وكان بين يديه ركوة ( علبة ) بها ماء فكان يمد يده فى داخل الماء ويمسح وجهه بأبى هو وأمى ويقول : "لا إله إلا اللـه إن للموت لسكرات "", هكذا يقول حبيب رب الأرض والسموات إن للموت لسكرات !! حبيب الرحمن يذوق سكرة الموت ، فما بالنا نحن ؟!! , وفى رواية الترمذى كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول :" إن للموت لسكرات وإن للموت لغمرات " وفى رواية كان صلى الله عليه وسلم يدعوا اللـه ويقول :" اللـهم أعنِّى على سكرات الموت "
    " وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ": وما أدراك ما السكرات ..! وما أدراك ما الكربات ..! فى هذه اللحظات يزداد الهم والكرب ، فى لحظات السكرات إذا نمت يا ابن آدم على فراش الموت ورأيت فى غرفتك التى أنت فيها دون أن يرى غيرك ، رأيت شيطاناً جلس عند رأسك يريد الشيطان أن يضلك عن كلمة الإخلاص" لا إله إلا اللـه "، يريد الشيطان أن يصدك عنها ، يقول لك : مُت يهودياً فإنه خير الأديان ، يقول لك : مُت نصرانياً فإنه خير الأديان , واستدل أهل العلم على ذلك بصدر حديث صحيح رواه الإمام مسلم أن رسول اللـه صلى الله عليه وسلم قال : "إن الشيطان يُحضِرُ كل شئ لابن آدم .." , بل وسُئل شيخ الإسلام ابن تيمية طَيَّبَ اللـه ثراه عن مسألة عَرْض الأديان على ابن آدم فى فراش الموت ، فقال فى مجموع الفتاوى: "من الناس من تعرض عليه الأديان ومنهم من لا يعرض عليه شئ قبل موته ، ثم قال : ولكنها من الفتن التى أمرنا النبى أن نستعيذ منها فى قوله صلى الله عليه وسلم :" اللهم إنى أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب جهنم ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال " , فمن فتن الموت أن يأتيك الشيطان ليصدك عن لا إله إلا اللـه ، ليصدك عن كلمة التوحيد ، هذه من الكربات ، هذه من أشد السكرات على ابن آدم ولا حول ولا قوة إلا باللـه , هل علمت أُخَىّ فى اللـه أن إمام أهل السنة أحمد بن حنبل حينما نام على فراش الموت ذهبت إليه الشياطين لتنادى عليه بهذه الكلمات ، قال عبد اللـه ولده : " حضرت وفاة أبى فنظرت إليـه فإذا هو يغرق ثم يفيق ثم يشير بيده ويتكلم ويقول : لا بَعْد ..!! لا بَعْد ..!! .
    فلما أفاق فى صحوة بين سكرات الموت وكرباته ، قال له ولده عبد اللـه يا أبتى ماذا تقول ؟! تقول لا بعد ، لا بعد ..!! ما هذا ؟!! أتدرى ماذا قال إمام أهل السنة ؟؟ قال لولده : يا بنى شيطان جالس عند رأسى عاضٌ على أنامله يقول لى: يا أحمد لو فُتَّنى اليوم ما أدركتك بعد اليوم وأنا أقول له : لا بعد ، لا بعد حتى أموت على لا إله إلا اللـه , فإذا كنت حقا من المؤمنين الصادقين .. من الموحدين المخلصين وجاءتك الشياطين ثبتك رب العالمين وأنزل إليك ملائكة التثبيت ، كما فى حديث البراء بن عازب الصحيح وسأذكر الحديث بتفصيله لاحقاً إن شاء رب العالمين ، إلاَّ أن محل الشاهد فيه الآن أن النبى صلى الله عليه وسلم أخبر : " أنَّ المؤمن إذا نام على فراش الموت جاءته ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس ، معهم كفنُُ من أكفان الجنة وحنوطٌ من حنوط الجنة فيجلسون من المؤمن مُدَّ البصر حتى يأتى ملك الموت فيجلس عند رأسه وينادى على روحه الطيبة وهو يقول : أيتها الروح الطيبة اخرجى حميدة وابشرى بروحٍِ وريحان وربٍ راضٍ عنك غير غضبان ، فتخرج روح المؤمن سهلة سلسة كما يسيل الماء من فِىِّ السقاء فلا تدعهـا الملائكــة فى يد ملك الموت طرفة عين ، ثم ترقى بها إلى اللـه جل وعلا .. " , هكذا أيها الأحبة .."يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ " إبراهيم : 27 , ولقد سجل اللـه هذه البشارة للموحدين فى قرآنه العظيم فقال تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(30)نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ(31)نُزُلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ " فصلت:30،32 , وقال تعالى : " يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ" إبراهيم : 27 , قال ابن عباس : القول الثابت هو لا إله إلا اللـه فى الحياة الدنيا وفى الآخرة ويضل اللـه الظالمين ويفعل اللـه ما يشاء , " وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ" ق : 19 , والحق أنك تموت واللـه حى لا يموت ، الحق أن ترى عند موتك ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب , وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ , والحق أن يكون قبرك روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران , ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ذلك ما كنت منه تهرب , تحيد إلى الطبيب إذا جاءك المرض ، وتحيد إلى الشراب إذا أحسستَ بالظمأ ، ثم ماذا أيها القوى الفَتِىّ ؟! ثم ماذا أيها العبقرى الذكى ؟! ثم ماذا أيها الوزير والأمير ؟! ثم ماذا أيها الكبير والصغير ؟! ثم ماذا أيها الغنى والفقير؟! , اسمع يا هذا وذاك :
    كل باك فَسَيُبكَى
    كل مَذْكور سَيُنْسَـــــى وكل ناعٍ فَسَيُنعَى
    ليــس غيــرُ اللـه يبقى
    مـن عــلا فاللـه أعلـــى
    أيا من يَدَّعِ الفهم
    تعب الذنب والذنب
    أمــا بـــان لك العيب؟ إلى كم يا أخى الوهم
    وتخطئ الخطأ الجم
    أما أنـــذرك الشـــيب
    ومــا فـى نصحـه ريــــب
    أما أسمعك الصوت
    أما تخشى من الفَوْت
    فكم تسير فى الهوى
    كأنى بك تنحط
    وقد أسلمك الرهط
    هناك الجسم ممدود
    إلى أن ينخر العود
    فزود نفسك الخير
    وهيأ مركب السير
    بذا أوصيك يا صاح
    فطـــوبى لفتـــى راح أما نادى بك الموت
    فـتحتاط وتهتم
    وتختال من الزهو
    إلى اللحد وتنغط
    إلى أضيق من سم
    ليستأكله الدود
    فيمسى العظم قد رم
    ودع ما يعقب الضير
    وخاف من لجة اليم
    وقد بحتك من باح
    بقــرآن الــرب يهتــم
    وبـآداب محمــد يأتــم
    وصدق اللـه عز وجل إذ يقول :"كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ(26)وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ(27)وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ(28)وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ(29)إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ " القيامة : 26 ، 30
    " كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ(26)وَقِيلَ مَنْ رَاقٍإذا بلغت الروح الترقوة" ," وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ " من يرقيه ؟!! من يرقى بروحه ؟!! ملائكة الرحمة ؟ أم ملائكة العذاب ؟ ,من يبذل له الرقية ؟ من يبذل له الطب والعلاج ؟! فهو من هو ؟!! ,صاحب الجاه والسلطان ! صاحب الأموال والأطيان ! انتقل فى طيارة خاصة إلى أكبر مستشفى فى العالم ، التف حوله أكبر الأطباء ، هذا متخصص فى جراحة القلب والبطن وهذا متخصص فى جراحة المخ والأعصاب ، وهذا متخصص فى كذا ، وذاك متخصص فى كذا !! , التف حوله الأطباء يريدون شيئاً وملك الملوك أراد شيئاً آخر , قال تعالى : " وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ" الأعراف : 34 ," أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ " النساء : 78 , والتف حوله الأطباء مرة أخرى ،كل يبذل له العلاج والرقية !!ولكن حاروا وداروا !!اصفر وجهه ، شحب لونه ، بردت أطرافه ، تجعد جلده ، بدأ يشعر بزمهرير قارس يزحف إلى أنامل يديه وقدميه !!فينظر فى لحظة السكرة والكربة فيرى الغرفة التى هو فيها مرة فضاءً موحشاً ومرة أخرى أضيق من سم الخياط , وينظر مرة فيجد أهله يبتعدون عنه وأخرى يقتربون منه ، اختلطت عليه الأمور والأوراق !!من هذا ..؟!! ملك الموت !! ملك الموت عند رأسه ، ومن هؤلاء الذين يتنزلون من السماء ؟!!إنه يراهم بعينه ، إنهم الملائكة !! يا ترى ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب ؟!!يا ترى ماذا سيقول ملك الموت ؟!!!هل سيقول لى الآن يا أيتها الروح الطيبة اخرجى إلى مغفرة من اللـه ورضوان ورب راض غير غضبان ؟!!أم يقول يا أيتها الروح الخبيثة اخرجى إلى سخط اللـه وعذابه ؟ينظر لحظة الصحوة بين السكرات والكربات ، فإذا هو يعى من حوله من أهله وأحبابه فينظر إليهم نظرة استعطاف !! نظرة رجاء !!فيقول بلسان الحال وربما بلسان المقال : يا أولادى .. يا أحبابى .. يا أخوانى لا تتركونى وحدى ، ولا تفردونى فى لحدى !!أنا أبوكم ، أنا الذى بنيت لكم القصور !! أنا الذى عَمَّرت لكم الدور! أنا الــذى نمَّيت لكـم التجارة !! فمن منكم يزيد فى عمرى ساعة أو ساعتين؟فدُّونى بأموالى .. فدُّونى بأعماركم !! وهنا يعلو صوت الحق كما قال جل وعلا : "مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ(28)هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ "الحاقة : 28،29 , وقد سجل التاريخ لهارون الرشيد عندما نام على فراش الموت فنظر إلى جاهه وماله وقال : ما أغنى عنى ماليه هلك عنى سلطانيه !!ثم قال : أريد أن أرى قبرى الذى سأدفن فيه !!
    فحملوه إلى قبره ، فنظر هارون إلى القبر وبكى ونظر إلى السماء وقال : يا من لا يزول ملكه ... ارحم من قد زال ملكه . أين الجاه ؟! أين السلطان ؟! أين المال ؟! أين الأراضى والأطيان ؟! ذهب كل شئ !! سبحانه ... سبحانه ... سبحانه , سبحان ذى العزة والجبروت ، سبحان ذى الملك والملكوت ، سبحان من كتب الفناء على جميع خلقه ، وهو الحى الذى لا يموت , سبحانك يا من ذللت بالموت رقاب الجبابرة , سبحانك يا من أنهيت بالموت آمال القياصرة ," كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ(26)وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ ", من يرقى بروحه ؟!! أو من يبذل له الرقية والعلاج ؟!! وقال سبحانه "وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ(28)وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ(29)إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ " إنه يوم المرجع .. إنه يوم العودة ... انتهى الأجل ... انتهت الدنيا وحتماً ستعرض على مولاك ,سأل سليمان بن عبد الملك عالمـاً من علماء السلف يقال له أبو حازم ، قال سليمان : يا أبا حازم ، ما لنا نكره الموت ؟!
    قال أبو حازم : لأنكم عمرتم دنياكم وخربتم أخراكم فأنتم تكرهون أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب !! أحبتى فى اللـه : فى زيارة إلى أمريكا نبهنى أحد القائمين على الدعوة هناك برجل مَنَّ اللـه عليه بالأموال ، وهو مسلم عربى ومع ذلك لا يصلى ، ولا يعرف حق الكبيـر المتعـال ذهبـت إليه لأذكره باللـه فقال لى بلسان المقال : أنا أتيت إلى هذه البلاد من أجل الدولار وأعدك إن عدت إلى بلدى لا أفارق المسجد قط , قلت : سبحان اللـه .. ومنْ يضمن لك يا مسكين أنك سترجع إلى بلدك ؟!! ، أو أن يمر عليك يوم بكامله ؟!!! واللـه لا تضمن أن تتنفس بعد هذه اللحظات .دع عنك ما قد فات فى زمن الصبا واذكر ذنوبـك وابكهــا يا مذنب...لــم ينسه الملكان حيـن نسيتـه بل أثبتــاه وأنـــت لاه تلعب...والروح منك وديعـــة أودعتها ستردهــا بالرغـم منك وتسلب...وغـرور دنياك التى تسعـى لهـا دار حقيقتها متـاع يذهــــب...الليـل فاعلم و النهـــار كلاهما أنفاسنا فيهما تعــــد وتحسـب... دنياك مهما طالت فهى قصيرة .. ومهما عظمت فهى حقيرة .. لأن الليل مهما طال لابد من طلوع الفجر .. ولأن العمر مهما طال لابد من دخول القبر .
    ثم سأل سليمان بن عبد الملك ، وقال : يا أبا حازم كيف حالنا عند اللـه تعالى ؟!! , قال : اعرض نفسك على كتاب اللـه , قال سليمان : أين أجده ؟!! , قال : فى قوله تعالى : " إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ(13)وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ " الانفطار : 13 ، 14 , قال سليمان بن عبد الملك : فأين رحمة اللـه يا أبا حازم ؟!! , قال أبو حازم" إِنَّ رَحمَتَ اللَّـهِ قَرِيبٌ مِّنَ المحُسِنِينَ" الأعراف:56 , فقال سليمان بن عبد الملك : فكيف عَرضُنَا على اللـه غداً , قال : أما المحسن فكالعبد الغائب من سفر يقدمُ على أهله ، فيستقبله الأهل بفرح ، والمسىء كالعبد الآبق يقدِمُ على مولاه , وفى الصحيحين من حديث عائشة رضى اللـه عنهـا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "من أحب لقاء اللـه أحب اللـه لقاءه ، ومن كره لقاء اللـه كره اللـه لقاءه " , قالت عائشة : يا رسـول اللـه أكراهية الموت ؟ كلنا يكره الموت , قال : " لا يا عائشة ، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة اللـه ورضوانه وجنته أحب لقاء اللـه وأحب اللـه لقاءه ، وإن الكافر إذا بشر بسخط اللـه وعذابه كره لقاء اللـه وكره اللـه لقاءه " , وفى صحيح البخارى من حديث أبى سعيد الخدرى رضى اللـه عنه أن رسول اللـه صلى الله عليه وسلم قال : " إذا وضعت الجنازة وحملها الرجال على الأعناق تكلمت وسمعها كل شئ إلا الثقلين - أو قال : إلا الإنسان - ولو سمع الإنسان لصعق ، فإن كانت صالحة قالت : قدمونى قدمــونى !! وإن كانت غير صالحة قالت : يا ويلها ..!! أين يذهبون بها !! " اللـهم سلم.. سلم , أيها اللاهى .. أيها الساهى .. أيها الشاب .. أيها الكبير .. أيها الصغير .. أيها الأمير .. أيها الوزير .. أيها الحقير ..ذكر نفسك ، وقل لها !! , يا نفس قـــد أزف الرحيــل وأظلك الخطب الجليــــــلُ ... فتأهبــــى يا نفـــــس لا يلعب بك الأمـــــل الطويـلُ ... فلتنـــزلــن بمنـــــزل ينسى الخليـلَ بـه الخليــــلُ ... وليركبن عليـك فيـــــــه من الثَّرَى حمل ثقيـــــــلُ ... قرن الفنــاء بنـا جميعــــا فلا يبقى العزيــــز ولا الذليلُ وأقول قولى هذا واستغفر اللـه لى ولكم
    الخطبة الثانية :
    الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً نبيه ورسوله ، اللـهم صلى وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين , أما بعد ... فيا أيها الأحبة الكرام ...
    هكذا تبدأ رحلتنا فى رحاب الدار الآخرة بالموت بعدما بَيَّنا بإيجاز حقيقة الدنيا وتنتهى هذه المرحلة الأولى بالوصول إلى القبر ، وها أنا سأقف معكم إن شاء اللـه تعالى لاحقا أمام القبر ، وحقيقة القبر ، وما معنى البرزخ وما معنى النعيم ، وما معنى الجحيم ، ولماذا لم يذكر اللـه عذاب القبر صراحة فى القرآن ؟ وهل ثبتت أحاديث صحيحة عن النبى صلى الله عليه وسلم وما هى حقيقة القبر؟ وما هى حقيقة البعث ؟
    لنواصل هذه الرحلة التى هى من الأهمية بمكان , ها أنا ذا أذكر نفسى أولاً ثم إخوانى وأحبابى فى هذه اللحظة
    بالتوبة والإنابة إلى رب الأرض والسموات وأقول :
    يا من أسرفت على نفسك بالمعاصى !!
    يا من تركت الصلاة فى بيوت اللـه !!
    يا من تركتِ الحجاب الشرعى وضيعت الصلاة !!
    يا من شغلك هُبَل العصرى ( التلفاز ) والشيطان عن اللـه عز وجل !!
    يا من أعرضت عن مجالس العلم وأماكن الخير والطاعة والعبادة !!
    يا من قضيت عمرك على المقاهى وتركت طاعات اللـه .
    تُبْ من الآن إلى اللـه وسيقبل اللـه توبتك إن كانت خالصة لوجهه قال تعالى :  قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ  .
    [ الزمر : 53 >.
    أقول لك أخى الحبيب :
    تُـبْ إلى اللـه ولا تيأس مهما بلغت ذنوبك ، مهما كثرت معاصيك اطرق باب الرحمن ، فلن يغلق اللـه فى وجهك قط ما دمت تستغفر وتتوب إليه  إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ
    [ النساء : 48 > .
    فعاهد نفسك من الآن على التوبة أينما كنت ألم يقل اللـه عز وجل؟!!
    يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ التحريم : 8 > .
    يقول: (( قال اللـه تعالى فى الحديث القدسى : " يا ابن آدم إنك ما دعوتنى ورجوتنى غفرت لك على ما كان منك ولا أبالى ، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتنى غفرت لك على ما كان منك ولا أبالى ، يا ابن آدم لو أتيتنى بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتى لا تشرك بى شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة " )) ( ) .
    أيها الحبيب ...
    اجتهد فى الدنيا وَعَمِّر الكون واربح ما استعطت من أموال ولكن بشرطين أن تربح من حلال ، وتؤدى حق الكبير المتعال .
    اجتهد فى الدنيا وازرع للآخرة ، فأنا لا أريد أن أقنِّتك من هذه الحياة قط وإنما أريد أن أذكر نفسى وإياك بأن الدنيا مزرعة للآخرة ، فلا ينبغى أن ننشغل بالدار الفانية على الباقية ، فغداً سترحل عن هذه الحياة ولن ينفعك إلا ما قدمت .
    (( يتبع الميت ثلاث ، ماله ، وأهله ، وعمله فيرجع اثنان ويبقى واحد يرجع أهله وماله ويبقى عمله )) ( ) .
    وينادى عليك فى القبر بلسان الحال :
    رجعـــــوا وتركــــوك و فـى التـــراب وضعــوك
    وللحســـاب عرضــــوك ولـو ظلوا معــك ما نفعــوك
    ولم يبقى لك إلا عملك مع رحمة الحى الذى لا يموت .
    .......... الدعــاء
    يتبع

    التعديل الأخير تم بواسطة محبة المساكين; الساعة 20-06-2012, 07:04 AM. سبب آخر: تعديل العنوان

  • #2
    رد: تفريغ سلسلة في رحاب الآخرة ( يوم الحساب )

    بارك الله فيك

    تعليق


    • #3
      تفريغ سلسلة قي رحاب الاخرة للشيخ محمد حسان

      السلام عليكم
      الثاني عشر



      عذاب القبر




      بسم اللـه الرحمن الرحيم



      إن الحمـد لله نحمـده ونستعينـه ونستغفره ونعـوذ باللـه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده اللـه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له .
      واشهد أن لا اله إلاَّ اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسولـه :
      "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللـه حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " آل عمران : 102 .
      " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللـه الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللـه كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا "النساء :1 .
      " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللـه وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا,يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـالَكُمْ وَيَغْفِـرْ لَكُـمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللـه وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا " الأحزاب :70: 71 .
      أما بعـــد :
      فإن أصدق الحديث كتاب اللـه وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار .
      أحبتى فى اللـه :
      فى رحاب الدار الآخرة
      سلسلة علمية كريمة تجمع بين المنهجية والرقائق وبين التأصيل العلمى والأسلوب الوعظى ، الهدف منها تذكير الناس بالآخرة فى عصر طغت فيه الماديات والشهوات وانصرف فيه كثير من الناس عن طاعة رب الأرض والسموات .
      لعل الغافل أن ينتبه ولعل النائم أن يستيقظ قبل أن تأتيهم الساعة بغتة وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون .
      لقــد انتهينا فى اللقاء الماضى مع الجنازة وهى فى طريقها إلى القبر تتكلــم .!! ، كما فى صحيح البخارى من حديث أبى سعيد الخدرى رضى اللـه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قــال :
      "إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم ، فإن كانت صالحة قالت : قدمونى ، وإن كانت غير ذلك قالت :يا ويلها ، أين يذهبون بها ؟ يسمع صوتها كل شئ إلا الثقلين -أو قال : إلا الإنسان - ولو سمع الإنسان لصعق " .
      وها نحن قد وصلنا بالجنازة إلى القبر فقف معى الآن عند القبر وأهواله وفتنة القبر وأحواله .

      أسأل اللـه جل وعلا أن يحفظنا وإياكم من فتنته إنه ولي ذلك والقادر عليه .


      وكعادتنا فسوف ينتظم حديثنا اليوم مع حضراتكم فى هذه العناصر التالية :-


      أولاً : الأدلة على عذاب القبر ونعيمه .
      ثانياً : أسباب عذاب القبر .
      ثالثاً : ما السبيل للنجاة من عذاب القبر .


      فأعرنى قلبك وسمعك أيها الحبيب الكريم واللـه أسال أن يجعلنى وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه إنه ولى ذلك والقادر عليه .



      أولاً : الأدلة على عذاب القبر ونعيمه



      نحن اليوم فى أمس الحاجة لهذا الموضوع الذى نحن بصدده فهو من الأهمية بمكان لا سيما بعد ما قرأنا على صفحاتٍ سوداء فى مقال أسود بعنوان " عذاب القبر خرافات وخزعبلات " !!
      هكذا يعنون لمقاله فضيلة الأستاذ الدكتور ثم يتطاول هذا الأستاذ الدكتور الجرىء فيقول : " إن جميع الأحاديث التى وردت فى مسألة عذاب القبر مجرد خرافات " !!! ، ثم أظهر جهله الفادح ، فقال : " إن عذاب القبر غيب والقرآن بَيَّن لنا أن النبى لا يعلم الغيب " !! جهل مركب ..!

      معنى ذلك يا فضيلة الدكتور أنه ينبغى أن ننكر ونكذب كل أمر غيب أخبرنا به المصطفى صلى الله عليه وسلم ، كالإيمان باللـه ، وكالإيمان بالملائكة ، وكالإيمان باليوم الآخر وكالإيمان بالقدر خيره وشره ... إلى سائر الغيبيات التى أخبر عنها رسول اللـه صلى الله عليه وسلم .
      نسى هذا المسكين قول رب العالمين فى سيد المرسلين :
      " وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى,إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى,عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى " النجم : 3:4: 5 .
      أما تقرأ يا مسكين فى سورة البقرة قوله تعالى "الم,ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ,الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ .. " البقرة : 2
      وتمنيت يا فضيلة الدكتور لو قرأت من جديد هذه الآيات ، إن أول صفة من صفات المؤمنين الإيمان بالغيب .
      وخرج علينا أستاذ آخر فكتب كتاباً ضخماً يزيد عن الثلاثمائة صفحة ، ينفى فيه من أول صفحة إلى آخر صفحة عذاب القبر ونعيمه ، بِلَىّ أعناق النصوص لياً عجيباً ، وها أنا الآن أرد على هؤلاء المتطاولين المكذبين المنكرين ، الذين قال عنهم الإمام القرطبى والإمام الحافظ ابن حجر : " لم ينكر عذاب القبر إلى الملاحدة ، والزنادقة ، والخوارج ، وبعض المعتزلة ، ومن تمذهب بمذهب الفلاسفة ، وخالفهم جميع أهل السنة "
      وقال الإمام أحمد رحمه اللـه : " عذاب القبر حق ومن أنكره فهو ضال مضل "
      أيها الحبيب : سأقدمُ إليك سيلاً من الأدلة الصحيحـة على عذاب القبر من كلام الصادق المصدوق الذى لا ينطق عن الهوى ولن أطيل الوقفة مع القرآن ! لماذا ؟! .. لأن القرآن حمَّال ذو أوجه كما قال على بن أبى طالب لابن عباس وهو فى طريقه لمناظرة الخوارج .
      قال على : يا ابن عباس جادلهم بالسنة ولا تجادلهم بالقرآن فإن القران حمَّال ذو أوجه.
      اسـتهل الحديث بين يدى هذا العنصر الهام بمقدمة اقتبسها من كلام أئمتنـا الأعلام وأبدأ هذه المقدمة بكلام دقيق نفيس للإمام ابن أبى العز الحنفى شـارح العقيـدة الطحـاوية على شارحها ومصنفها الرحمة من اللـه جل وعلا .

      قال : اعلم أن عذابَ القبر هو عذاب البرزخ ، وكل إنسان مات وعليه نصيب من العذاب فله نصيبه من العذاب قُبِرَ أو لم يُقْبر سواء أكلته السباع أو احترق فصار رماداً فى الهواء أو نسف أو غرق فى البحر .
      تأملوا يا من تحكمون العقول فى هذا الدليل الذى رواه البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة رضى اللـه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "قال رجل ، لم يعمل حسنة قط لأهله : إذا مات فحرقوه . ثم ذروه ، نصفه فى البر ونصفه فى البحر فواللـه لئن قدر اللـه عليه ليعذبنه عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين . فلما مات الرجل فعلوا ما أمرهم . فأمر اللـه البر فجمع ما فيه ، وأمر اللـه البحر فجمع ما فيه . ثم قال : لم فعلت هذا ؟ قال : من خشيتك ، وأنت أعلم فغفر اللـه له ".
      الشاهد من الحديث أن اللـه أحياه بعدما حُرِق وذُرِىَ رماده فى البحر والبر فقال له الملك كن فكان على الفور .
      قال تعالى : "إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللـه كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ " آل عمران : 59 .
      وقال تعالى : "أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللـه بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللـه مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللـه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " البقرة : 259 .
      وقال تعالى : " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللـه عَزِيزٌ حَكِيمٌ " البقرة : 260 .
      إن قدرة اللـه لا تحدها حدود ، لا يعجزه شئ فى الأرض ولا فى السماء وأنهى هذه المقدمة بكلام نفيس للإمام ابن القيم رحمه اللـه تعالى :
      " إن اللـه تعالى قد جعل الدور ثلاثة ، وهى دار الدنيا ، ودار البرزخ ، ودار القرار " ثم قال : " وجعل اللـه لكل دار أحكاماً تختص بها ، فجعل اللـه الأحكام فى دار الدنيا تسير على الأبدان، والأرواح تبع لها ، وجعل الأحكام فى دار البرزخ تسرى على الأرواح ، والأبدان تبع لها ، وجعل الأحكام فى دار القرار تسرى على الأرواح والأبدان معاً "
      ثم قال ابن القيم : " واعلم أن سعة القبر ، وضيقه ، ونوره ، وناره ليس من جنس المعهود للناس فى عالم الدنيا " .

      ثم ضرب للناس مثلا عقلياً دقيقاً رائعاً فقال :
      " انظر إلى الرجلين النائمين فى فراش واحد أحدها يرى فى نومه أنه فى نعيم ، بل وقد يستيقظ وأثر النعيم على وجهه ويقص عليك ما كان فيه من النعيم ، قد يقول لك الحمد لله لقد رأيتنى الليلة وأنا مع رسول اللـه صلى الله عليه وسلم ورأيت النبى صلى الله عليه وسلم وكلمت النبى صلى الله عليه وسلم ورد علىّ النبى صلى الله عليه وسلم وقال لى النبى صلى الله عليه وسلم ..الخ

      من رأى النبى فى المنام فقد رآه حقاً ، وأخوه إلى جواره فى فراش واحد قد يكون فى عذاب ويستيقظ وعليه أثر العذاب ويقص عليك ويقول كابوس كاد أن يخنق أنفاسى !!
      هل تدبرت أخى فى اللـه فى هذا الكلام ؟!! الرجلان فى فراش واحد هذه روحه كانت فى النعيم ، وهذا روحه كانت فى العذاب مع أن أحدهم لا يعلم عن الأخر شيئاً .
      هذا فى أمر الدنيا فما بالك بأمر البرزخ الذى لا يعلمه إلا اللـه ؟!!
      مقدمة دقيقة ولو تدبرتها لوقفت على الحقيقة .
      وأنا أقول : متى كان العقل حاكماً على الشرع والدين ؟!!
      لله در عَلىّ يوم أن قال : " لو كان أمر الدين بالعقل لكان المسح عل باطن الخف أولى من المسح على أعلاه " .
      إليك الأدلة الصحيحة الصريحة عن عذاب القبر أستهلها بهذه الترجمة الفقهية البليغة لإمام الدنيا فى الحديث - الإمام البخارى - فقد ترجم فى كتاب الجنائز باباً بعنوان ((باب ما جاء فى عذاب القبر )) وتكفى هذه الترجمة ، ولقد فَقُهَ البخارى فى تراجمه كما قال علماء الحديث وعلماء الجرح ، وساق البخارى فى هذا الباب الآيات الكريمة عن اللـه جل وعلا وروى فيه الأحاديث الصحيحة عن رسول اللـه صلى الله عليه وسلم ، وسأكتفى بآية واحدة استدل بها جميع أهل السنة بلا خلاف على ثبوت عذاب القبر :
      قال اللـه تعالى : "وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ,النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ " غافر : 45 : 46 .
      قال جميع علماء أهل السنة : ذكر اللـه فى هذه الآية عذاب دار البرزخ وعذاب دار القرار ذكراً صريحاً ، وحاق بآل فرعون سوء العذاب ، النار النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا : أى صباحاً ومساءاً هذا فى دار البرزخ ، ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب : أى يوم القيامة .
      فذكر اللـه عذابين فى الآية : عذاباً فى الدنيا وعذاباً فى الآخرة عذاب دار البرزخ وعذاب دار القرار .
      وقبل أن أزف إليك الأدلة الصحيحة التى تلقم المنكرين الأحجار أود أن أنوه إلى أن اللـه قد أنزل على النبى وحيين وأوجب اللـه على عباده الإيمان بهما ألا وهما القرآنُ والسنة الصحيحة .
      انطلق هؤلاء المنكرون وقالوا... كفانا القرآن وظنوا أنهم بهذه الدعوى التى يغنى بطلانها عن إبطالها ، ويغنى فسادها عن إفسادها أنهم قد خدعونا واللـه ما خدعوا إلا أنفسهم ..
      من كَذَّبَ بالسنة الصحيحة فقد كفر بالقرآن .. ومن رد السنة فقد رد القرآن .

      تدبر معى آيات اللـه عز وجل : :"وَمَـا ءَاتَـاكُـمُ الرَّسُـولُ فَخُـذُوهُ وَمَـا نَهَـاكُـمْ عَنْـهُ فَانْتَهُـوا وَاتَّقُوا اللـه إِنَّ اللـه شَدِيدُ الْعِقَابِ " الحشر : 7 .
      وقال تعالى :" مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا" النساء : 80 .
      وقال تعالى : " فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا " النساء : 65 .
      وقال تعالى : " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللـه وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللـه وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا " الأحزاب: 36 .
      وقال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللـه وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللـه إِنَّ اللـه سَمِيعٌ عَلِيمٌ, يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ " الحجرات : 1: 2 .


      فالسنة حكمها مع القرآن على ثلاثة أوجه.



      قال ابن القيم فى إعلام الموقعين : السنة مع القرآن على ثلاثة أوجه :



      الوجه الأول : أن تأتى السنة مؤكدة لما جاء به القرآن وهذا من باب تضافر الأدلة .



      الوجه الثانى : أن تأتى السنة مبينة وموضحة لما أجمله القرآن .



      قال تعالى : " وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ " البقرة :43 لكن لم يذكر عدد الصلوات ، ولا أركان الصلاة، ولا كيفية الصلاة ولا مواقيت الصلاة ، فجاء الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لكى يبين لنا عددها وأركانها وكيفيتها ومواقيتها وهكذا .



      الوجه الثالث : أن تأتى السنة موجبة أو محرمة لما سكت عنه القرآن ، قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: " ألا يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه " قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : "ألا إن ما حرم اللـه كما حرم رسول اللـه ".




      وإليكم الأحاديث الصحيحة التى تثبت أن عذاب القبر حقيقة لا ريب :


      ففى الحديث الذى رواه أحمد والحاكم وغيره وحسنه الشيخ الألبانى " كان عثمان إذا وقف على القبر بكى وإذا ذكر الجنة والنار لا يبكى فقيل له : يا عثمان تذكر الجنة والنار فلا تبكى فإذا وقفت على القبر تبكى ، قال عثمان : لقد سمعت رسول اللـه صلى الله عليه وسلم يقول : (( القبر أول منازل الآخرة فإن نجى منه صاحبه فما بعده أيسر منه ، وإن لم ينجو منه صاحبه فما بعده أشد منه ))" .



      وانظر إلى هذا الحديث الصحيح قال المصطفى صلى الله عليه وسلم حينما مر على قبرين فقال صلى الله عليه وسلم : "أما إنهما ليعذبان وما يعذبان فى كبير" ثم قال"أما أحدهما فكان يمشى بالنميمة ، وأما الأخر فكان لا يستتر من بوله - أو لا يتنزه من بوله - " .


      وَقِفْ مع هذا الحديث الصحيح الذى رواه البخارى ومسلم من حديث


      ابن عباس رضى اللـه عنهما أن النبى كان يدعو اللـه ويقول : " اللـهم إنى أعوذ بك من عذاب القبر " .


      وفى الحديث الذى رواه مسلم وأحمد وابن حبان والبزار وغيرهم من حديث زيد بن ثابت رضى اللـه عنه : " بينما النبى صلى الله عليه وسلم فى حائط لبنى النجار على بغلة له ونحن معه إذ جاءت به ( أى البغلة ) فكادت تلقيه ، وإذا أقبر ستة ، أو خمسة ، فقال : (( من يعرف أصحاب هذه الأَقْبُر ؟ )) قال رجل : أنا ، قال : (( فمتى ماتوا ؟ )) قال : فى الشرك ، فقال : (( إن هذه الأمة تُبْتَلَى فى قبورها فلولا أن لا تدافنوا لدعوت اللـه أن يُسْمِعَكُم مـن عذاب القبر الذى أسمع منه )) ثم أقبل علينـا بوجهـه صلى الله عليه وسلم فقال : (( تعوذوا باللـه من عذاب القبر )) قالوا : نعوذ باللـه من عذاب القبر ".

      وفى الحديث الصحيح الذى رواه البخارى ومسلم من حديث عائشة رضى اللـه عنها قالت : "دَخَلَتْ علىّ امرأة من يهود المدينة فذكرت عذاب القبر فقالت المرأة لعائشة : أعاذك اللـه من عذاب القبر فلما خرجت اليهودية سألت عائشة النبى صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر فقال : (( نَعَمْ عذاب القبر)) وفى رواية (( عذاب القبر حق )) فقالت عائشة : " فما رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يصلى بعدها إلا ويستعيذ من عذاب القبر " .

      واسمع إلى هذا الحديث العمدة فى المسألة ، وهو أصل من أصول هذا الباب رواه الإمام أحمد فى مسنده وابن حبان فى صحيحه والبيهقى فى سننه والنسائى فى سننه وأبو داود فى سننه ورواه الحاكم فى المستدرك وصححه على شرط الشيخين وأقره الإمام الذهبى وصحح الحديث الإمام ابن القيم فى كتاب تهذيب السنن وإعلام الموقعين وأطال النفس للرد على من أَعَلَّ هذا الحديث وصحح هذا الحديث الشيخ الألبانى وغيره من حديث البراء بن عازب رضى اللـه عنه أنه قال : "خرجنا مع النبى صلى الله عليه وسلم فى جنازة رجل من الأنصار فلما انتهينا إلى القبر جلس النبى على شفير القبر ( حافة القبر ) وجلسنا حوله وكأن على رؤوسنا الطير ( لا يتكلمون ) وفى يد النبى صلى الله عليه وسلم عود ينكـت بـه الأرض ثم رفـع النبـى صلى الله عليه وسلم رأسـه فنظـر وقـال لأصحـابـه : (( استعيذوا باللـه من عذاب القبر ، استعيذوا باللـه من عذاب القبر ، استعيذوا باللـه من عذاب القبر )) قالها النبى مرتين أو ثلاثـة ثـم التفـت إليهــم النبى صلى الله عليه وسلم وقال : (( إن العبد المؤمن إذا كان فى انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس ، معهم كفن من أكفان الجنة ، وحنوط من حنوط الجنة فيجلسون منه مد البصر ، ثم يجئ ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول : يا أيتها النفس الطيبة اُخرجى إلى مغفرة من اللـه ورضوان ، فتخرج فتسيل كما تسيل القطرة من فِىّ السِّقَاء فيأخذها ، فإذا أخذها لم يدعوها فى يده طرفة عين حتى يأخذوها ، فيجعلوها فى ذلك الكفن ، وفى ذلك الحنوط ، فيخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الطيب ؟ فيقولون : فلان بن فلان ، بأحسن أسمائه التى كانوا يسمونه به فى الدنيا ،حتى ينتهوا به إلى السماء الدنيا ، فيستفتحون له ،فيفتح له ، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التى تليها ، حتى ينتهى إلى السماء السابعة ،فيقول اللـه عز وجل : اكتبوا كتاب عبدى فى عليين وأعيدوا عبدى إلى الأرض ، فإنى منها خلقتهم ، وفيها أعيدهم ، ومنها أخرجهم تارة أخرى ، فتعاد روحه ،فيأتيه ملكان ، فيجلسانه فيقولان : من ربك ؟ فيقول : ربى اللـه ، فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول دينى الإسلام ، فيقولان له : ما هذا الرجل الذى بعث فيكم ؟ فيقول هو رسول اللـه ، فيقولان له وما علمك ؟ فيقول : قرأت كتاب اللـه فأمنت به وصدقت ، فينادى مناد من السماء أن صدق عبدى فأفرشوه من الجنة ، وألبسوه من الجنة ، وافتحوا له باباً إلى الجنة ،فيأتيه من روحها وطيبها ،ويفسح له فى قبره مد بصره ، ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب ، طيب الريح ، فيقول : أبشر بالذى يسرك ، هذا يومك الذى كنت توعد ، فيقول له : من أنت ؟ فوجهك الوجه الذى يجئ بالخير ، فيقول : أنا عملك الصالح ، فيقول : رب أقم الساعة ، رب أقم الساعة ، حتى أرجع إلى أهلى ومالى ... وإن العبد الكافر إذا كان فى انقطاع من الدنيا ، وإقبال من الآخرة ، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه ، معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ثم يجئ ملك الموت حتى يجلس عند رأسه ،فيقول : أيتها النفس الخبيثة اخرجى إلى سخط من اللـه وغضب ، فتفرق فى جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها ، فإذا أخذها لم يدعوها فى يده طرفة عين حتى يجعلوها فى تلك المسوح ، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض ،فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلاَّ قالوا : ما هذه الروح الخبيثة ؟! فيقولون : فلان بن فلان بأقبح أسمائه التى كان يسمى بها فى الدنيا فيستفتح له ، فلا يفتح له ، ثم قرأ { لا تفتح لهم أبواب السماء } فيقول اللـه عز وجل : اكتبوا كتابه فى سجين فى الأرض السفلى ، فتطرح روحه طرحا ً فتعاد روحه فى جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : هاه .. هاه.. لا أدرى ، فيقولان : له ما دينك ؟ فيقول : هاه .. هاه.. لا أدرى ، فيقولان له : ما هذا الرجل الذى بُعِثَ فيكم ؟ فيقول : هاه .. هاه.. لا أدرى ، فينادى منادٍ من السماء : أن كذب عبدى ، فأفرشوه من النار وافتحوا له بابا إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ، ويأتيه رجل قبيح الوجه ، قبيح الثياب ، منتن الريح ، فيقول : أبشر بالذى يسوؤك ، هذا يومك الذى كنت توعد فيقول : من أنت فوجهك الوجه يجئ بالشر ؟ فيقول : أنا عملك الخبيث ، فيقول : رب لا تقم الساعة !! " .

      معذرة أيها الحبيب لقد أطلت عليك الجولة مع الأدلة على عذاب القبر ونعيمه ، وسأعرج سريعاً على العنصرين الآخرين وهى أسباب عذاب القبر ، ما السبيل للنجاة ؟ ، وذلك بعد جلسة الاستراحة .



      وأقول قولى هذا واستغفر اللـه لى ولكم

      الخطبة الثانية



      إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ باللـه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده اللـه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له .


      وأشهد أن لا إله إلا اللـه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .


      أما بعد..





      ثانياً : أسباب عذاب القبر




      والحديث عنها له وجهان مجمل ومفصل ، أما المجمل فإن معصية اللـه عز وجل أصل لكل بلاء وعلى رأس هذه المعاصى الشرك ، فإن أعظم زاد تلقى اللـه به هو التوحيد ، وإن أبشع وأعظم ذنب تلقى اللـه به هو الشرك ، قال اللـه : " إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ " لقمان : 13.

      أما التفصيل فقد ذكر النبى صلى الله عليه وسلم كما ذكرت آنفا أن النميمة من أسباب عذاب القبر ، وهناك الآن أناس متخصصون فى النميمة .

      فالنميمة سبب من أسباب عذاب القبر ، وأيضا عدم الاستتار من البول ، وعدم التنزه منه وهذا ما ذكره النبى صلى الله عليه وسلم فى حديثه الذى كنا بصدده من قبل.

      أيضا من أسباب عذاب القبر الكذب والربا وهجر القرآن, كما فى حديث سمرة بن جندب الطويل الذى رواه البخارى الذى لا يتسع المقال لذكره الآن لقد ذكر فيه النبى صلى الله عليه وسلم من أسباب عذاب القبر الكذب والرياء وهجر القرآن والزنا ، والغلول (كل شئ يأخذ من الغنيمة قبل أن تقسم ) ويدخل تحت الغلول السحت والحرام .

      فعن أبى هريرة رضى اللـه عنه قال : "خرجنا مع رسول اللـه صلى الله عليه وسلم إلى خيبر ففتح اللـه علينا ، فلم نغنم ذهباً ، ولا وَرِقاً ، غنمنا المتاع والطعام والثياب ، ثم انطلقنا إلى الوادى يعنى وادى القرى ومع رسول اللـه صلى الله عليه وسلم عبد له ،وهبه له رجل من جذام يدعى رفاعة بن يزيد من بنى الضُّبيب ، فلما نزلنا الوادى قام عبد رسول اللـه صلى الله عليه وسلم ر يَحُلُّ رحله ، فرمى بسهم ، فكان فيه حتفه فقلنا : هنيئاً له الشهادة يا رسول اللـه ، فقال رسول اللـه صلى الله عليه وسلم : (( كلا والذى نفسى محمد بيده ، إن الشَّمْلَة ( إزار يتشح به ) لتلتهب عليه ناراً ، أخذها من الغنائم يوم خيبر، لم يصبها المقاسم )) قال : ففزع الناس فجاء رجل بشراك أو شراكين ( الشراك : سير من سيور النعل ) فقال أصبته يوم خيبر فقال رسول اللـه صلى الله عليه وسلم : (( شراك من نار ، أو شراكان من نار ))".


      أيها الأحباب : والسؤال الآن فما السبيل للنجاة من عذاب القبر ؟!

      ثالثاً : السبيل للنجاة من عذاب القبر



      أقول لك بإيجاز شديد ، أعظم سبيل للنجاة من عذاب القبر أن تستقم على طاعة اللـه جل وعلا وأن تتبع هدى النبى صلى الله عليه وسلم .

      قال اللـه عز وجل : " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللـه ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ, نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ,نُزُلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ "فصلت : 30 : 32 .


      ومن أنفع الأسباب كذلك للنجاة من عذاب القبر ما ذكره الإمام ابن القيم فى كتابه القيم ( الروح ) ، قال : ومن أنفعها أن يتفكر الإنسان قبل نومه ساعة ليذكر نفسه بعمله ، فإن كان مقصراً زاد فى عمله وإن كان عاصياً تاب إلى اللـه ، وليجدد توبة قبل نومه بينه وبين اللـه .

      فإن مات من ليلته على هذه التوبة فهو من أهل الجنة ،نجاه اللـه من عذاب القبر ومن عذاب النار .


      ومن أعظم الأسباب التى تنجى من عذاب القبر :
      أن تداوم على العمل الصالح كالتوحيد ، والصلاة ، والصيام ، والصدقة ، والحج ، وحضور مجالس العلم والعلماء التى ضيعها أناس كثيرون وانشغلوا عنها بلهو قتل الوقت .
      أيضا من أعظم الأسباب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وبر الوالدين ، وصلة الأرحام ، كل عمل يرضى الرب فهو عمل صالح ينجى صاحبه من عذاب القبر والنار .
      وأبشركم ... أن من أعظم الأعمال التى تنجى صاحبها من عذاب القبر الشهادة فى سبيل اللـه ورد فى الحديث الذى رواه الحاكم وحسن إسناده الشيخ الألبانى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :
      " للشهيد عند اللـه ست خصال ، الأولى : يغفر له مع أول دفعة من دمه ، ويرى مقعده من الجنة ، الثانية : ينجيه اللـه عز وجل من عذاب القبر، الثالثة : يأمنه اللـه يوم الفزع الأكبر ، الرابعة : يلبسه اللـه تاج الوقار ، الياقوتة فيه خير من الدنيا وما فيها ، الخامسة : يزوجه اللـه بثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ، السادسة : يشفعه اللـه فى سبعين من أهله ".
      ولن أترك مكانى هذا إلا بعد أن أزف إليكم حديثا يملأ القلب أملا ورضا ، والحـديث رواه الـحاكم فى المستدرك وصححه وأقره الذهبى وصحح إسـناده الشـيخ الألبانى فى مشكاة المصابيح عن ابن مسعود رضى اللـه عنه قال صلى الله عليه وسلم :
      " سورة الملك ، تبارك الذى بيده الملك ، هى المانعة وهى المنجية تنجيه من عذاب القبر" .
      -----------------------------------------
      الثالث عشر




      علامات الساعة الصغرى


      بسم اللـه الرحمن الرحيم





      إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ باللـه تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهديه اللـه فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله ، أدى الأمانة ، وبلغ الرسالة ، ونصح للأمة ، فكشف اللـه به الغمة وجاهد فى اللـه حق جهاده حتى أتاه اليقين ، فاللـهم أجزه عنا خير ما جزيت نبيا عن أمته ورسولا عن دعوته ورسالته ، وصل اللـهم وزد وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين .
      أما بعـد ...
      فحياكم اللـه جميعا أيها الآباء الفضلاء ، وأيها الأخوة الأحباء الأعزاء، وطبتم جميعا وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلا ، وأسأل اللـه العظيم الكريم جل وعلا الذى جمعنى وإياكم فى هذا البيت المبارك على طاعته ، أن يجمعنى وإياكم فى الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى فى جنته ودار كرامته إنه ولى ذلك والقادر عليه .
      أحبتى فى اللـه :

      فى رحاب الدار الآخرة
      سلسلة علمية هامة تجمع بين المنهجية والرقائق ، وبين التأصيل العلمى والأسلوب الوعظى ، تبدأ بالموت وتنتهى بالجنة أسأل اللـه أن يجعلنى وإياكم من أهلها .
      وهذا هو لقاءنا الثالث من لقاءات هذه السلسلة المباركة ، وكنا قد أنهينا الحديث فى اللقاء الأول وتوقفنا مع الجنازة وهى فى طريقها إلى القبر تتكلم ، ثم توقفنا فى اللقاء الماضى مع الجنازة وقد أغلق عليها القبر ، ليعيش صاحبها فى نعيم مقيم ، أو فى عذاب أليم إلى قيام الساعة ، وكان من الحكمة والمنطق قبل أن أتكلم عن مراحل الساعة أن أتحدث عن علامات الساعة الصغرى والكبرى ، ولذا فإن حديثنا اليوم مع حضراتكم عن العلامات الصغرى بين يدى الساعة .


      وكعادتنا سوف ينتظم حديثنا اليوم مع حضراتكم فى العلامات الصغرى فى العناصر التالية :


      أولاً : الساعة آتية لاريب فيها
      ثانياً : العلامات الصغرى التى وقعت وانقضت
      ثالثاً : العلامات الصغرى التى وقعت ولم تنقضِ
      رابعاً : العلامات الصغرى التى لم تقع بعد
      فأعرنى قلبك وسمعك أيها الحبيب . واللـه أسأل أن يجعلنى وإياكم جميعا ممن "الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللـه وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ " الزمر : 18 .



      أولاً : الساعة آتية لا ريب فيها


      أحبتى فى اللـه:
      إن الحديث عن اليوم الآخر ليس من باب الترف العلمى أو الذهنى ، ولا من باب الثقافة الذهنية الباردة التى لا تتعامل إلاَّ مع العقول فحسب ، بل إن الإيمان باليوم الآخر ركن من أركان الإيمان باللـه جل وعلا لا يصح إيمان العبد إلا به أصلا وابتداءً ، كما فى صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب وفيه أن جبريل عليه السلام سأل الحبيب المصطفى  ما الإيمان ؟ فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم : " الإيمان أن تؤمن باللـه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وأن تؤمن بالقدر خيره وشره " .
      لا يمكن أن يستقر الإيمان باليوم الآخر فى قلب عبد من العباد إلا إذا وقف على حقيقة هذا اليوم وعرف أحواله وكروبه وأهواله .
      ومن ناحية ثالثة إذا استقرت حقيقة الإيمان باليوم الآخر فى قلب عبد صادق ، دفعه هذا العلم بهذا اليوم إلى الاستقامة على منهج اللـه وعلى طريق الحبيب رسول اللـه صلى الله عليه وسلم ، لأنه سيعلم يقينا أنه غدا سيقف بين يدى اللـه جل وعلا ليكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ليقول له الملك صلى الله عليه وسلم "إقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الَيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا " الإسراء : 14 .
      فالهدف من هذه السلسلة تذكير المسلمين للاستيقاظ من غفلتهم ورقدتهم الطويلة ، وإيقاظ المسلمين بالتوبة والإنابة إلى اللـه جل و علا قبل أن تأتيهم الساعة بغتة وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون .

      أيها المسلمون قال اللـه جل وعلا : "ذَلِكَ بِأَنَّ اللـه هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ, وَأَنَّ السَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللـه يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ " الحج : 6 : 7 .
      وإذا كان البشر يرون الساعة بعيدة فإن خالق البشر يرى الساعة قريبة قال جل وعلا : "إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا(6)وَنَرَاهُ قَرِيبًا,يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ,وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ, وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا .
      المعارج : 6- 10 .
      وقال سبحانه : "اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ القَمَرُ " القمر : 1 .
      وقال جل وعلا : "أَتَى أَمْرُ اللـه فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ " النحل : 1 .
      وقال سبحانه : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللـه وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللـه إِنَّ اللـه خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ "الحشر : 18


      أما عن وقت قيام الساعة فإن هذا من خصائص علم اللـه جل وعلا لايعلم وقت قيام الساعة ملك مقرب أو نبى مرسل .
      قال سبحانه فى سورة الأعراف : " يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرض لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللـه وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ " الأعراف : 187
      وقال سبحانه فى سورة الأحزاب : يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللـه وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا "الأحزاب : 63 .
      وقال سبحانه فى سورة النازعات : "يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا,فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا, إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا, إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا, كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا" النازعات : 42 :43:44:45:46 46 .

      فلا يعلم وقت قيام الساعة إلا اللـه .
      إن جبريل عليه السلام هو أعلى الملائكة ومحمد صلى الله عليه وسلم هو أعلى الخلق منزلة ومع ذلك جاء جبريل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال له متى الساعة ؟
      فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم : ما المسئول عنها بأعلم من السائل !! وهو جبريل والمسئول هو البشير النذير ، لا يعلمان وقت قيام الساعة ... أفيتجرأ عاقل بعد ذلك ليقول بأنه على علم بوقت قيام الساعة .

      فى صحيح البخارى من حديث ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " مفاتح الغيب خمس لايعلمهن إلا اللـه وتلى النبى قول اللـه تعالى : "إِنَّ اللـه عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللـه عَلِيمٌ خَبِيرٌ " لقمان : 34 .
      وإذا كان اللـه عز وجل قد أخفى وقت قيام الساعة ، فقد أخبر سبحانه وتعالى ببعض العلامات والأمارات التى تكون بين يدى الساعة ، لينتبه الخلق بالإنابة والتوبة إلى اللـه جل وعلا ، وقد سمى القرآن هذه العلامات والأمارات بالأشراط فقال سبحانه : "فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا " محمد : 18

      أى فقد جاءت علاماتها وأماراتها وها أنا ذا أقسم العلامات إلى ثلاثة أقسام :

      أولا : علامات صغرى وقعت وانتهت .
      ثانيا : علامات صغرى وقعت ولم تنقضى مازالت مستمرة .
      ثالثا : علامات صغرى لم تـقع بعد .

      أولا : علامات صغرى وقعت وانتهت




      وأول هذه العلامات بعثة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم .
      ففـى الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال : " بعثـت أنـا والساعـة كهاتيـن وأشـار بالسبابة والوسطى " فبعثة النبى صلى الله عليه وسلم علامة صغرى وموت النبى أيضا وكلاهما مضيتا .
      كما فى صحيح البخارى من حديث عوف بن مالك قال :" أعدد ستاً بين يدى الساعة ... " وذكر النبى صلى الله عليه وسلم أولها موته صلى الله عليه وسلم .
      ومن هذه العلامات الصغرى أيضا التى وقعت وانقضت انشقاق القمر قال سبحانه : اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ القَمَرُ
      وقد وردت الأحاديث الكثيرة الصحيحة عن رسول اللـه صلى الله عليه وسلمرواها الإمام مسلم فى صحيحه أذكر حضراتكم بحديث واحد من هذه الأحاديث .
      من حديث أنس قال : "طلب أهل مكة من رسول اللـه صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر .
      فقال : (( ماذا تريدون ؟ ))
      قالوا : نريد أن تشق لنا القمر فى السماء نصفين فسأل الحبيب صلى الله عليه وسلم ربه فاستجاب اللـه للمصطفى صلى الله عليه وسلم وشق له القمر فى السماء نصفين فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم : (( اشهدوا ... اشهدوا ))".
      ومع ذلك أنكروا وأعرضوا وقالوا سحر مستمر .
      ومن هذه العلامات الصغرى أيضا خروج نار فى أرض الحجاز روى البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة قال: قال رسول اللـه صلى الله عليه وسلم :
      " لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضىء أعناق الإبل ببُصْرَى "
      وبُصْرَى بلد تسمى حوران فى ديار الشام ، ولقد وقعت هذه الآية بمثل ما حَدَّث الصادق المصدوق الذى لا ينطق عن الهوى .
      قال الإمام القرطبى فى التذكرة : ولقد وقعت هذه الآية بمثل ما حدث الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم. ففى يوم الأربعاء فى الثالث من شهر جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة خرجت نار من أرض الحجاز كانت لاتمر على جبل إلا دكته وأذابته رآها من أرض الحجاز جميع أهل الشام .



      ثانياً : العلامات الصغرى التى وقعت ومازالت مستمرة لم تنقض بعد





      جاء فى صحيح مسلم من حديث حذيفة بن اليمان رضى اللـه عنه قال: "قام فينا رسول اللـه صلى الله عليه وسلم مقاماً ما ترك شيئا يكون فى مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حَدَّث به حفظه من حفظه ونسيه من نسيه " .
      أخبر النبى صلى الله عليه وسلم بالفتن التى ستقع وقال كما فى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة وغيرة قال : " بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسى كافرا ويمسى مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا " .


      فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل على الإيمان فلا يأتى الليل عليه إلا وقد كفر بالرحيم الرحمن !
      ويمسى على الإيمان فلا يأتى الصباح عليه إلا وقد كفر بالله عز وجل!!


      ومن الفتن التى يتعرض لها المسلم اليوم فتنة الغربة :
      فالمسلم الصادق يعيش الآن فتنة قاسية ألا وهى فتنة الغربة قال الحبيب كما فى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة :
      " بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء" .
      فأهل الغربة الآن يفرون بدينهم من الفتن بل لقد روى الترمذى فى سننه

      بسند حسن أن النبى صلى اللـه عليه وآله وسلم قال : " سيأتى على الناس زمان القابض فيه على دينه كالقابض على جمر بين يديه " .


      ومن الفتن التى يتعرض لها المسلم فتنة الشهوات :
      وفـى الصحيحيـن مـن حديـث المسـور بـن مخرمة أنه قال : قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : " فو اللـه ما الفقـر أخشـى عليكـم ولكنـى أخشـى أن تبسط عليكم الدنيـا فتنـافسـوهـا كما تنافس فيها من كان قبلكم فتهلككم كما أهلكتهـم ".
      إذ يرى المسلم واقع أمته مرُ أليم فى الوقت الذى يرى فيه أمم الكفر ودول الكفر قد قفزت قفزات سريعة جدا فى عالم الحضارة والرقى والتطور والمدنية .
      فينظر المسلم الشاب الغيور إلى واقع الأمة فيرى الأمة ذليلة كسيرة مبعثرة كالغنم فى الليلة الشاتية الممطرة ، وتعصف الفتنة بقلبه ويتساءل مع نفسه أهذه هى الأمة التى دستورها هو القرآن ونبيها محمد عليه الصلاة والسلام وربها هو الرحيم الرحمن ، ما الذى بدل عزها إلى ذل ؟! ما الذى غير علمها إلى جهل ؟! ما الذى حول قوتها إلى ضعف وهوان ؟!

      وهناك فتنة الأولاد وفتنة الزوجات قال جل وعلا : "إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَولادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحذَرُوهُمْ " التغابن : 14 .
      فتـن كثيـرة قـال المصطفى
      صلى الله عليه وسلم كمـا فـى الصحيحيـن مـن حديـث أنـس قال صلى الله عليه وسلم : " إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل ويكثر الزنا ، ويكثر شرب الخمر ، ويقل الرجال وتكثر النساء ، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد " .
      بل لقد ورد فى سنن الترمذى بسند صحيح أن النبـى
      صلى الله عليه وسلم قـال : "يتقارب الزمان بين يدى الساعة فتكون السنة كالشهر ويكون الشهر كالجمعة وتكون الجمعة كاليوم ويكون اليوم كاحتراق السعفة ".
      احتراق جريدة من النخيل .
      ومن علامات الساعة الصغرى التى وقعت ولم تنقض إسناد الأمر إلى غير أهله .
      ففـى صحيح البخارى من حديث أبى هريرة : أن أعرابيا دخل على النبى صلى الله عليه وسلم وهو يحدث الناس فقال الأعرابى : يا رسول اللـه متى الساعة ؟ فمضى النبى صلى الله عليه وسلم فى حديثه ولم يجب الأعرابى على سؤاله فلما أنهى النبى حديثه قال : (( أين السائل عن الساعة آنفا ؟ )) .. فقال الأعرابى ها أنا ذا يا رسول اللـه . قال : (( إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة )) فقال الأعرابى الفقيه : وكيف إضاعتها يا رسول اللـه ؟ قال : (( إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة )) .
      تدبر معى حديث النبى الذى رواه أحمد فى مسنده والحاكم فى مستدركه وصححه الشيخ الألبانى فى صحيح الجامع من حديث أبى هريرة قال صلى الله عليه وسلم : " سيأتى على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذَّب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويُخَوَّن فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة "... قيل من الرويبضة يا رسول اللـه ؟ ... قال : (( الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة )) .
      ومنها تداعى الأمم على أمة الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم ، ففى الحديث الذى رواه أبو داود من حديث ثوبان وهو حديث صحيح بمجموع طرقه أنه صلى الله عليه وسلم قال : " يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها " قالوا أو من قلة نحن يومئذ يا رسول اللـه ؟ ..
      قال : (( كلا ..ولكنكم يومئذ كثير ولكن غثاء كغثاء السيل ... وليوشكن اللـه أن ينزع المهابة من قلوب عدوكم وليقذفن فى قلوبكم الوهن )) ...قيل وما الوهن يا رسول اللـه ؟ .. قال : (( حب الدنيا وكراهية الموت )) " .
      واقع نعيش فيه ..واقع تحياه الأمة !! تداعت أذل أمم الأرض من اليهود ومن عباد البقر و الملحدين على أمة الإسلام فى كل مكان ، وطمع فى الأمة الذليل قبل العزيز ، والضعيف قبل القوى ، والقاصى قبل الدانى ، وأصبحت الأمة قصعة مستباحة لأمم الأرض !!


      ومن العلامات : كما فى الحديث الذى رواه أحمد والطبرانى فى الكبير بسند صحيح من حديث أبى أمامة رضى اللـه عنه قال : " بين يدى الساعة رجال معهم سياط كأنها أذناب البقر يغدون فى سخط الله ويرحون فى غضب اللـه " .


      وفى صحيـح الإمـام مسـلم مـن حديـث أبى هريرة قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : "صنفان من أهل النار لم أرهما رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسمنة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا " .


      أيها الأحبة الكرام لا أريد أن أطيل عليكم أكثر من ذلك ، وأرجىء الحديث عن العلامات الصغرى التى لم تقع بعد إلى ما بعد جلسة الاستراحة. واللـه أسأل أن يجعلنى وإياكم جميعا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه .

      وأقول قولى هذا وأستغفر اللـه لى ولكم







      الخطبة الثانية :




      الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله اللـهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته وأقتفى أثره إلى يوم الدين .


      أما بعـد :





      ثالثاً : علامات صغرى لم تقع بــعد



      من هذه العلامات التى أخبر عنها النبى ولم تقع ما رواه البخارى ومسلم أنه صلى اللـه عليه وآله وسلم قال :"لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض حتى يخرج الرجل زكاة ماله فلا يجد أحدا يقبلها " .


      من أهل العلم من قال إن هذا قد وقع على عهد عمر بن عبد العزيز رضى اللـه عنه .


      ومن العلامات التى لم تظهر ما أخبر عنه الصادق المصدوق كما جاء فى البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة رضى اللـه عنه قال : قال رسول اللـه صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل الناس عليه فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون ، فيقول كل رجل منهم لعلى أكون أنا الذى أنجو " : البخارى ومسلم


      وفى رواية قال صلى الله عليه وسلم : (( يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب ، فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً )) ( ) .


      ومن العلامات أيضاً التى لم تظهر بعد : ظهور المهدى رضى اللـه عنه فعن عبد اللـه بن مسعود رضى اللـه عنه قال : قال رسول اللـه صلى الله عليه وسلم: " لـو لـم يبـق مـن الدنيا إلا يوم واحد لطوّل اللـه ذلك اليـوم حتـى يبعـث اللـه فيه رجلاً منى - أو من أهل بيتى - يواطئ اسمه اسمى ، واسم أبيه اسم أبـى يملأ الأرض قسطاً وعـدلاً كمـا ملئـت ظلماً وجوراً " .


      يخرج هذا الرجل يؤيد اللـه به الدين يملك سبع سنين , يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً تنعم الأمة فى عهده نعمة لم تنعمها قط ، تخرج الأرض نباتها ، وتمطر السماء قطرها ، ويعطى المال بغير عدد .




      قال ابن كثير :


      فى زمانه تكون الثمار كثيرة ، والزروع غزيرة ، والمال وافر ، والسلطان قاهر ، والدين قائم ، والعدد راغم ، والخير فى أيامه دائم . أ.هـ .


      وقد تواترت الأحاديث فى المهدى تواتراً معنوياً ، وقد نص على ذلك الأئمة والعلماء .





      ونكتفى بذلك القدر ونسأل اللـه أن يسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم



      التعديل الأخير تم بواسطة محبة المساكين; الساعة 07-02-2012, 04:36 AM.

      تعليق


      • #4
        رد: تفريغ سلسلة قي رحاب الاخرة للشيخ محمد حسان

        عاشرا

        علامات الساعة الكبرى

        بسم اللـه الرحمن الرحيم

        إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باللـه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا , من يهده اللـه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله ..." يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللـه حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " . آل عمران - 102 , "يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللـه الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللـه كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " النساء -1, "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللـه وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـالَكُمْ وَيَغْفِـرْ لَكُـمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللـه وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا " الأحزاب -70 ، 71 , أما بعـــد :فإن أصدق الحديث كتاب اللـه وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار , أحبتى فى اللـه :هذا هو لقاءنا الرابع مع دروس سلسلة الدار الآخرة ، وكنا قد أنهينا آنفا الحديث عن العلامات الصغرى التى ستقع بين يدى الساعة ، والآن حديثنا عن العلامات الكبرى التى ستقع قبل قيام الساعة مباشرة ، وقد ذكر النبى هذه العلامات فى حديثه الصحيح الذى رواه مسلم فى كتاب الفتن وأشراط الساعة من حديث حذيفة بن أسيد الغفارى رضى اللـه عنه قال : اطلع علينا النبى صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر فقال : " ما تذاكرون ؟ " قلنا : نذكر الساعة قال : " إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات ، فذكر الدخان ، والدجال ، والدابة ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج ، وثلاثة خسوف ، خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب ، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم " , ولقد ذكر المصطفى صلى الله عليه وسلم هذه العلامات بغير هذا الترتيب فى روايات أخرى صحيحة والذى يترجح من الأخبار كما قال الحافظ ابن حجر فى فتح البارى : أن خروج الدجال هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال العامة فى معظم الأرض وينتهى ذلك بموت عيسى بن مريم وأن طلوع الشمس من المغرب هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال وينتهى ذلك بقيام الساعة ولعل خروج الدابة يقع فى نفس اليوم الذى تطلع فيه الشمس من المغرب ، واللـه أعلم , ولكن على أى حال فإن العلامات الكبرى ستقع متتابعة فهى كحبات العقد إذا انفرطت منه حبه تتابعت بقية الحبات , ففى الحديث الذى رواه أحمد والحاكم فى مستدركه وصححه على شرط مسلم وأقره الحاكم والذهبى والألبانى من حديث أنس .أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "الأمارات ( أى العلامات الكبرى ) خرازات منظومات فى سلك ، فإن يقطع السلك يتبع بعضها بعضاً "واسمحوا لى أن أستهل الحديث اليوم مع حضراتكم فى العلامات الكبرى عن الآية العظيمة الأولى التى تؤذن بتغير الأحوال على الأرض ، ألا وهى المسيح الدجال ... وكعادتنا حتى لا ينسحب بساط الوقت من بين أيدينا سريعا فسوف أركز الحديث فى العناصر التالية :

        أولاً : الدجال أعظم فتنة على وجه الأرض .

        ثانياً : وصف دقيق للدجال وفتنته .

        ثالثاً : ما السبيل إلى النجاة .

        فأعرنى قلبك جيدا ... وأعرنى سمعك تماما ... فإن الموضوع من الخطورة بمكان .

        أولاً : الدجال أعظم فتنة على وجه الأرض

        فتدبر جيدا أيها الحبيب وقِفْ على خطر هذه الفتنة ! ، فالدجال أعظم فتنة على وجه الأرض من يوم أن خلق اللـه آدم إلى قيام الساعة , لماذا سمى الدجال بالمسيح الدجال ؟!! سمى الدجال بالمسيح لأن عينه ممسوحة قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : " الدجال ممسوح العين " وسمى بالدجال لأنه يغطى الحق بالكذب والباطل فهذا دجل فسمى بالدجال وفتنة الدجال فتنة عظيمة !! وفى صحيح مسلم من حديث عمران بن حصين رضى اللـه عنهما قال: سمعت رسول اللـه صلى الله عليه وسلم يقول : "ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال " ,وأمرُ الدجالِ أمرُُ غيبى والأمر الغيبى لا يجوز أن نتكلم فيه بشىء من عند أنفسنا إنما ننقل عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم الذى لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى ، وأنوه أيضاً أننا لا نلتفت إلا لما صح من حديث رسول اللـه صلى الله عليه وسلم كعادتنا ولله الحمد والمنة , روى ابن ماجة فى سننه وابن خزيمة فى صحيحه والحاكم فى المستدرك وصحح الحديث الشيخ الألبانى من حديث أبى أمامة الباهلى أن الحبيب صلى الله عليه وسلم قال :"إنها لم تكن فتنة على وجه الأرض منذ ذرأ اللـه ذرية آدم أعظم من فتنة المسيح الدجال ولم يبعث اللـه نبيا إلا وقد أنذر قومه الدجال ، وأنا آخر الأنبياء ، وأنتم آخر الأمم ، وهو خارج فيكم لا محالة ،فإن يخرج الدجال وأنا بين أظهركم فأنا حجيج لكل مسلم ، وإن يخرج الدجال من بعدى فكل امرىء حجيج نفسه ، واللـه خليفتى على كل مسلم ".

        يا لها من كرامة لأمة الحبيب محمد صلى اللـه عليه وسلم , ففتنة الدجال عظيمة ! ..أعظم فتنة على وجه الأرض بشهادة الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم الذى لا ينطق عن الهوى , أحبتى فى اللـه : لقد وصف النبى صلى الله عليه وسلم الدجال وصفاً دقيقاً محكماً وبين لنا فتنته بياناً شافيا حتى لا يغتر بالدجال أحد من الموحدين باللـه رب العالمين ... وهذا هو عنصرنا الثانى ...

        ثانياً : وصفُُ دقيقُُ للدجال وفتنته

        وصف النبى صلى الله عليه وسلم الدجال فقال والحديث رواه البخارى ومسلم وأبو داود والترمذى من حديث ابن عمر رضى اللـه عنهما قال :"قام رسول اللـه صلى الله عليه وسلم فى الناس خطيبا فحمد اللـه وأثنى على اللـه بما هو أهله .... فذكر الدجال فقال : (( إنى لأنذركموه ، وما من نبى إلا وقد أنذر قومه الدجال ، ولقد أنذر نوح قومه ، ولكن سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبى لقومه ألا فاعلموا أنه أعور وأن اللـه ليس بأعور " , وفى رواية أعور العين اليمنى ، وفى رواية أخرى صحيحة أعور العين اليسرى ، اعلموا أنه أعور وأن اللـه ليس بأعور جل جلاله ، جل ربنا عن الشبيه .. وعن النظير .. وعن المثيل .. لا كفء له ، ولا ضد له ، ولا ند له ولا شبيه له ، ولا زوج له ولا ولد له "قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ "، " لَيسَ كَمثْلِهِ شَىءُُ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ " , ثم قال المصطفى عليه الصلاة والسلام : " الدجال ممسوح العين ، مكتوب بين عينيه كافر ، يقرؤه كل مسلم " ماذا تريد بعد ذلك من الرحمة المهداه والنعمة المسداة من الذى قال ربه فى حقه " بالمُؤمِنِينَ رَؤوفُُ رَحِيمُُ " , يبين لك لتتعرف على الدجال إن خرج بين أظهرنا ، يقول لك ممسوح العين ... مكتوب بين عينيه كافر... يقرؤه كل مسلم , وفى رواية حذيفة فى صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم : " الدجال ، مكتوب بين عينيه كافر يقرأه كل مؤمن كاتب أو غير كاتب " , لا ينبغى أن نصرف لفظ النبى صلى الله عليه وسلم على غير ظاهره ، الكتابة على جبين الدجال كتابة حقيقية لدرجة أنه وردت فى رواية فى صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم : " الدجال ممسوح العين ، مكتوب بين عينيه (ك ف ر) أى كافر " ,وصف عجيب للدجال من رسول اللـه عليه الصلاة والسلام !أستحلفك باللـه أن تتدبر معى هذا المطلع العجيب الذى رواه مسلم فى كتاب الفتن وأشراط الساعة من حديث حذيفة بن اليمان رضى اللـه عنه قال الذى لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم : "لأنا أعلم بما مع الدجال من الدجال ، معه نهران يجريان أحدهما رأى العين ماء أبيض ، والأخر رأى العين نار تأجج ، فإما أدركن أحد فليأت النهـر الذى يراه ناراً ، وليغمض ، ثم ليطأطىء رأسه فليشرب منه فإنه ماء بارد ", يقول لنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم "لا تخشى نار الدجال فهو دجال يغطى الحق بالكذب والباطل ، إن رأيت ناره فاعلم بأنها ماء عذب بارد طيب " ,وفى رواية أخرى فى صحيح مسلم لحذيفة رضى اللـه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :" يخرج الدجال وإن معه ماء ونار ، فما يراه الناس ماء فهى نار تحرق وما يراه الناس نارا فهو ماء بارد عذب " , فى حديث النواس بن سمعان رضى اللـه عنه أنه قال : سأل الصحابة رسول اللـه صلى الله عليه وسلم عن المدة التى سيمكثها الدجال فى الأرض ، فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم : " أربعون يوما ، يوم كسنة ويوم كشهر ، ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كسائر أيامكم " ، قلنا : يا رسول اللـه اليوم الذى كسنة تكفينا فيه صلاة يوم وليلة ؟ قال : " لا ، اقدروا له قدره " يعنى صلوا الفجر وعدوا الساعات التى كانت قبل ذلك بين الفجر والظهر ، وصلوا الظهر ، وعدوا الساعات التى كانت بين الظهر والعصر وهكذا , فسأل الصحابة رسول اللـه صلى الله عليه وسلم وما زلنا فى حديث النواس ابن سمعان ، وما سرعته فى الأرض ؟! " يمكث فى الأرض أربعين ليلة فيمر على الأرض كلها ؟ سرعته كالغيث " أى المطر " استدبرته الريح " , يعنى يمر فى كل أرجاء وأنحاء الأرض , ثم قال الحبيب صلى الله عليه وسلم : "يأتى الدجال على قوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون ، فيأمر السماء فتمطر ، والأرض فتنبت ، فتروح عليهم سارحتهم أطول ماكانت ذراً وأسبغه ضروعاً وأمده خواصر " , فتنة رهيبة !!فلو عقل هؤلاء لعلموا أن صفات النقص من أعظم الأدلة على كفره وبطلان إدعاءاته ,

        رب يبـول الثعلبـــان برأسه لقد ذل من بالـت عليه الثعالب

        لو كان ربــا كـان يمنع نفسه فلا خير فى ربٍ نأته المطالـب

        برئت من الأصنام فىالأرض كلها و آمنـت باللـه الذى هو غالب

        إن الذى يستحق أن يعبد هو المتصف بكل صفات الكمال والإجلال .

        ثم ينطلق الدجال إلى قوم آخرين فيقول لهم ..أنا ربكم فيقولون :لا ويكذبونه , يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : " ويمر بالخربة فيقول لها : أخرجى كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل " أى جماعات النحل " " , فتنة رهيبة !!ثم تزداد الفتنة !!! يقول النبى صلى الله عليه وسلم"ثم يدعوا رجلا ممتلئا شبابا ، فيضربه بالسيف ، فيقطعه جزلتين ، فيمشى الدجال بين القطعتين أمام الناس ويقول للشاب قم فيستوى الشاب حيا بين يديه !!."فتنه رهيبه !!! وفى رواية أبى سعيد الخدرى فى صحيح مسلم ( ) يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : "فيخرج إليه شاب فتلقاه المسالح ، مسالح الدجال "أى أتباعه من اليهود الذين يحملون السلاح " فيقولون له : أين تعمد ؟ فيقول : إلى هذا الذى خرج " أى إلى الدجال "فيقولون له أولا تؤمن بربنا ؟ … فيقول : ما بربنا خفاء ، أى لو نظرت إلى الدجال سأعرفه ! فيقولون : اقتلوه ، فيقولوا بعضهم لبعض : أو ليس قد نهانا ربنا أن نقتل أحداً دونه ، فينطلقون بهذا الرجل المؤمن إلى الدجال ، فإذا نظر المؤمن إليه قال : أيها الناس ! هذا المسيح الدجال الذى ذكره لنا رسول اللـه صلى الله عليه وسلم يقول المصطفى: " فيأمر الدجال به فيشبح ، فيقول : خذوه وشجوه ، فيوسع ظهره وبطنه ضربا ، قال : فيقول : أما تؤمن بى ؟ فيقول : أنت المسيح الكذاب ؟ قال : فيؤمر به فينشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه ، قال : ثم يمشى الدجال بين القطعتين ،: ثم يقول له: قم ، فيستوى قائما ، قال : ثم يقول له : أتؤمن بى ؟ فيقول : ما ازددت فيك إلا بصيرة ؟ قال : ثم يقول : يا أيها الناس : إنه لا يفعل بعدى بأحد من الناس ، قال : فيأخذه الدجال ليذبحه فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسا ، فلا يستطيع إليه سبيلا ، قال : فيأخذ بيديـه ورجليه فيقذف به ، فيحسب الناس أنما قذفه فى النـار وإنما ألقى فى الجنة " فقال رسول اللـه صلى الله عليه وسلم : "هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين" وسأختم حديثى عن فتنة الدجال بحديث عجيب رواه مسلم وأبو داود والترمذى وغيرهم من حديث تميم الدارى رضى اللـه عنه من حديث فاطمة بنت قيس عن تميم الدارى , من حديث فاطمة بنت قيس رضى اللـه عنها قالت : "سمعت منادى رسول اللـه صلى الله عليه وسلم ينادى :" الصلاة جامعة فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول اللـه صلى الله عليه وسلم ، وكنت فى النساء التى تلى ظهور القوم فلما قضى الرسول صلى الله عليه وسلم صلاته جلس على المنبر وهو يضحك فقال:" أيها الناس ليلزم كل إنسان مصلاه " ثم قال " أتدرون لم جمعتكم ؟ " قالوا : اللـه ورسوله أعلم , فقال رسول اللـه صلى الله عليه وسلم :"أما إنى واللـه ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن جمعتكم لأن تميما الدارى كان رجلا نصرانياً فجاء فبايع وأسلم وحدثنى حديثا وافق الذى كنت أحدثكم عن المسيح الدجال ، حدثنى أنه ركب فى سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجزام " قبيلتان عربيتان مشهورتان " فلعب بهم الموج شهرا فى البحر ثم أرفؤوا ( ) إلى جزيرة فى البحر حتى مغرب الشمس ، فجلسوا فى أقرب السفينة فدخلوا جزيرة فلقيتهم دابة أهلب ( ) كثير الشعر لا يدرون ما قبله من دبره ، فقالوا : ويلك ، من أنت ؟ قالت : أنا الجساسة ، قالوا : وما الجساسة ، قالت : أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل فى الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق ، فلما سمت لنا رجلا فرقنا منها أن تكون شيطانه ، قال : فانطلقنا سراعا حتى دخلنا الدير ، فإذا أعظم إنسان رأيناه قط خلقا ، وأشده وثاقا ، مجموعة يداه إلى عنقه ، ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد ، قلنا : ويلك ما أنت ؟ قال : قد قدرتم على خبرى ، فأخبرونى : ما أنتم ؟ قالوا : نحن أناس من العرب ، ركبنا فى سفينة بحرية ، فصادفنا البحر حين اغتلم ، فلعب بنا الموج شهرا ، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه ، فجلسنا فى أقربها فدخلنا الجزيرة فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر لا ندرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر فقلنا : ويلك ما أنت ؟ فقالت : أنا الجساسة ، قلنا : وما الجساسة ؟ قالت : اعمدوا إلى هذا الرجل الذى فى الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق فأقبلنا إليك سراعا ، وفــزعنا منها ، ولم نأمن أن تكون شيطانة ، فقال : أخبرونى عن بيسان قلنا : وعن أى شأنها تستخبر ؟ قال : أسألكم عن نخلها هل يثمر ؟ قلنا له: نعم ، قال : أما إنه يوشك أن لا يثمر ، قال : أخبرونى عن بحيرة طبرية، قلنا : عن أى شأنها تستخبر ؟ قال : هل فيها ماء ؟ قالوا هى كثيرة الماء ، قال : أما إن ماءها يوشك أن يذهب ، قال : أخبرونى عن عين زغر، قالوا : عن أى شأنها تستخبر ؟ قال : هل فى العين ماء ؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له : نعم ، هى كثيرة الماء ، وأهلها يزرعون من ماءها ، قال : أخبرونى عن نبى الأميين ، ما فعل ؟ قالوا : قد خرج من مكة ونزل يثرب ، قال : أقاتله العرب ؟ قلنا : نعم ، قال : كيف صنع بهم ؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يلية من العرب وأطاعوه ، قال لهم : قد كان ذلك ؟ قلنا : نعم ، قال أما إن ذاك خيرا لهم أن يطيعوه ، وإنى مخبركم عنى ، أنا المسيح ، وإنى أوشك أن يؤذن لى فى الخروج ، فسأخرج فأسير فى الأرض ، فلا أدع قرية إلا هبطتها فى أربعين ليلة ، غير مكة وطيبة فهما محرمتان على كلتاهما ، كلما أردت أن أدخل واحـدة ، أو واحدا منهما ، استقبلنى ملك بيده السيف صلتا يصدنى عنها ، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها " قالت : قال رسول اللـه صلى الله عليه وسلم : وطعن بمخصرته فى المنبر " هذه طيبة .. هذه طيبة " يعنى : المدينـة "ألا هل كنت حدثتكم عن ذلك ؟ " فقـال النـاس : نعم ، قال : " فإنه أعجبنى حديث تميم لأنه وافق الذى كنت حدثتكم عنه وعن المدينة ومكة ، ألا إنه فى بحر الشام أو بحر اليمن ، لا بل من قبل المشرق ، ما هو ؟ من قبل المشرق ما هو ؟ ، وأومأ بيده إلى المشرق " قالت : فحفظت هذا من رسول اللـه صلى الله عليه وسلم " , أيها الأحبة الكرام :هذا قليل من كثير ، فلا زال هناك الكثير عن فتنة الدجال ، فقد أجملت لكم ما يسر اللـه عز وجل ، لنقف على خطورة هذه الفتنة .وهناك سؤال لابد أن يطرح فى هذا المجال ألا وهو :هل سيقتل الدجال ؟! ومن الذى سيقتله ؟ !!!نعم ... أبشروا سيقتل الدجال وسيقتله عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام , روى ابن ماجة فى سننه والحاكم فى المستدرك وصحح الحديث الألبانى من حديث أبى أمامة الباهلى أنه صلى الله عليه وسلم قال : " بينما إمام المسلمين يصلى بهم الصبح فى بيت المقدس إذا نزل عيسى بن مريم ، فإذا نظر إليه إمام المسلمين عرفه ، فيتقهقر إمام المسلمين لنبى اللـه عيسى ليصلى بالمؤمنين من أتباع سيد النبين محمد ، فيأتى عيسى عليه السلام ويضع يده فى كتف إمام المسلمين ويقول : لا بل تقدم أنت فصلى فالصلاة لك أقيمت ، وفى لفظ ...فإمامكم منكم يا أمة محمد ويصلى نبى اللـه عيسى خلف إمام المسلمين لله رب العالمين ، فإذا ما أنهى إمام المسلمين ، قام عيسى وقام خلفه المسلمون ، فإذا فتح عيسى باب بيت المقدس ، رأى المسيح الدجال معه سبعون ألف يهودى معهم السلاح ، فإذا نظر الدجال إلى نبى اللـه عيسى ذاب كما يذوب الملح فى الماء ، ثم يهرب فينطلق عيسى وراءه فيمسك به عند باب لد فى فلسطين ، فيقتله نبى اللـه عيسى ويستريح الخلق من شر الدجال " , ويبقى هنا سؤال ألا وهو :ما السبيل إلى النجاة ؟والإجابة على هذا السؤال تكون بعد جلسة الاستراحة , وأقول قولى هذا واستغفر اللـه لى ولكم
        الخطبة الثانية :

        إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باللـه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده اللـه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له , وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله , أما بعد أحبتى فى اللـه : فما السبيل إلى النجاة ؟ أحبتى الكرام : أجيب لكم عن هذا السؤال من كلام سيد الرجال محمد ابن عبد اللـه صلى الله عليه وسلم حتى تطمئن قلوبكم وتستريح ، ثبتكم اللـه , ففى الحديث الذى رواه ابن ماجة فى سننه والحاكم فى مستدركه وصححه الألبانى , قال صلى اللـه عليه وسلم : " من حفظ عشر آيات من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال " , وفى لفظ "من حفظ عشر آيات من أوائل سورة الكهف عصم من فتنة الدجال " , وفى لفظ " من حفظ عشر آيات من أواخر سورة الكهف عصم من فتنة الدجال " ,لقد تبينتم الآن أمر الدجال ، فالأمر جد خطير ، هل نقف على مثل هذه الخطورة ونحفظ عشر آيات فقط من سورة الكهف ، أراكم تقولون لا بل حفظ السورة بالكامل أمر يسير أمام هذه الخطورة الشديدة ، أرى منكم أناساً يقولون نذهب إلى مكة أو المدينة ، سأقول لكم لا بأس ، من يستطيع الفرار منكم إلى مَكة المباركة أو طيبة طيبها اللـه ، فله ذلك ، فهما محرمتان على الدجال أن يدخل واحدة منهما وذلك من سبل النجاة , لكننى لا أجد لك سبيلا للنجاة أكبر وأشرف وأجل وأعظم من أن ُتوحد اللـه جل وعلا وتعرف معنى كلمة.. " لا إله إلا اللـه " .. فهذا هو أصل الأصول وبر الأمان لكل مؤمن يريد الأمان حقا فى الدنيا والآخرة , ألم يقل لك المصطفى بأنه لا يقرأ كلمة كافر بين عينى الدجال إلا مؤمن " موحد " للكبير المتعال ، واعلم يقينا بأن الإيمان ليس كلمة يرددها لسانك فحسب .. بل الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان " يعنى القلب "... وعمل بالجوارح والأركان ... ولابد أن تعلم أن أركان الإيمان ... أن تؤمن باللـه وملائكته ، وكتبه ، ورسوله ، واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره فلا بد لك من الآن أن تصحح إيمانك باللـه جل وعلا وتحقق الإيمان يقينا , وقد قال الحسن : ليس الإيمان بالتمنى ولا بالتحلى ، ولكن الإيمان ما وقر فى القلب وصدقه العمل ، فمن قال خيراً وعمل خيراً قبل منه ومن قال خيراً وعمل شراً لم يقبل منه , قال اللـه تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللـه ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(30)نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ(31)نُزُلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ " فصلت : 30 ، 33 , قال اللـه تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا(107)خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا(108)قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا(109)قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا " الكهف : 107 ،110

        .......... الدعــاء

        يتبع
        التعديل الأخير تم بواسطة جارة فاطمة; الساعة 06-02-2012, 03:23 PM.

        تعليق


        • #5
          رد: تفريغ سلسلة قي رحاب الاخرة للشيخ محمد حسان

          السلام عليكم

          الحادي عشر

          علامات الساعة الكبرى2





          بسم اللـه الرحمن الرحيم





          إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باللـه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا .
          من يهده اللـه فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له ، وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله …


          "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللـه حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " آل عمران : 102 .
          " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللـه الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللـه كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا "النساء :1 .
          " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللـه وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا,يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـالَكُمْ وَيَغْفِـرْ لَكُـمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللـه وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا " الأحزاب :70: 71
          أما بعــد :
          فإن أصدق الحديث كتاب اللـه ، وخير الهدى هدى محمد
          صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار .
          أحبتى فى اللـه :
          فى رحاب الدار الآخرة
          هذا هو لقاءنا الخامس مع السلسة الكريمة ولا زلنا مع حديث حذيفة بن أسيد الغفارى :
          "اطلع علينا النبى
          صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر فقال النبى صلى الله عليه وسلم : (( ما تذاكرون ؟ )) فقالوا : نذكر الساعة فقال: (( إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر ، الدخان ، والدجال ، والدابة ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونزول عيسى بن مريم ، ويأجوج ومأجوج ، وثلاثة خسوف ، خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم " .

          وها نحن الآن على موعد مع إحدى هذه العلامات الكبرى ألا وهى نزول عيسى عليه السلام .
          أيها الحبيب الكريم : أعرنى قلبك وسمعك وعقلك فإن الموضوع من الأهمية بمكان .



          وحتى لا ينسحب بساط الوقت سريعا من بين أيدينا فسوف أركز الموضوع فى العناصر التالية :
          أولاً : عيسى بن مريم والميلاد المعجز .
          ثانياً : بل رفعه اللـه إليه .
          ثالثاً : نزول عيسى من السماء إلى الأرض .
          أسأل اللـه تعالى أن يجعلنى وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه



          أولاً : عيسى بن مريم والميلاد المعجز

          أخى فى اللـه لن أجد لك بداية أرحب ولا أجمل أبدأ بها حديثى معك الآن أجل من هذه الكلمات الجميلة فى قوله تعالى :


          إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ, فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ, فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍآل عمران : 35 -37



          وقبل أن نتجول سويا فى بستان هذه الكلمات الرقيقة الرقراقة أقول لك إنه لأول مرة فى تاريخ البشرية الطويل منذ أن خلق اللـه آدم من تراب ينسب نبياً لأُمِه .
          مريم هى الأنثى الوحيدة فى الوجود كله التى اختصها اللـه من بين النساء قاطبةً ليودعها سره الأكبر فى أصفى حمل وأعجز ميلاد ، فمريم هى الفتاة العذراء النقية التقية التى اصطفاها اللـه جل فى علاه من بين نساء العالمين فنفخ فيها من روحه ومنحها هذه المكانة الرقيقة الرقراقة من بين أمهات الدنيا جمعاء .
          فأمها حنة بنت فاقود وصلت إلى سن اليأس ، فتمنت على اللـه أن يرزقها الولد ، واللـه على كل شىء قدير فاستجاب اللـه دعاءها وابتهالها إليه، فتحرك الحمل فى أحشائها بقدرة من لا يعجزه شىء فى الأرض ولا فى السموات بقدرة من يقول للشىء كن فيكون . فلما تحرك الحمل فى أحشائها أحبت أن تشكر اللـه على هذه النعمة فقالت :
          " رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم " .
          نَذَرَتْ ما فى بطنها لله جل وعلا " أى لخدمة بيت المقدس " ، جزاء على ما رزقها هذه النعمة .


          بعد ما وصلت لهذه السن .. وبعد مرور أشهر الحمل وضعت بنتا جميلة رقيقة طيبة ، فنظرت إليها بحزن وقالت " رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " .
          فقالت حنة : رباه إنى وضعتها أنثى وأنت أعلم منى بما وضعت أى أنت الذى رزقتنى وقدرت لى ذلك ، فليس الذكر كالأنثى فى القوة والجلد وخدمة الأقصى وإنى يا رب أعيذها بك من شر الشيطان وذريتها - وهو ولدها عيسى بن مريم فاستجاب اللـه لها .
          قال رسول اللـه صلى الله عليه وسلم : " ما من مولود يولد ، إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان ، إلا ابن مريم وأمه " .
          " فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا " أى إنه تقبل نذر أمها حنة وجعل شكلها مليحاً وأعطى لها منظراً بهيجاً ويسر لها أسباب القبـول وقرنهـا بالصالحين من عباده تتعلم منهم العلم والخير والدين فلهذا قال : " وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا " وما ذلك إلا لأنها كانت يتيمة ويقال أنها كانت سَنَةَ جَدْبٍ فكفلها زوج خالتها لكى تكون تحت رعاية خالتها وحنانها ولا منافاة بين القولين ، وقيل أنه زوج أختها وقد ذكر القرآن لنا أيضا " وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ" آل عمران : 44 .
          أى ما كنت معهم يا محمد لتخبرهم عن معاينة ما جرى ، بل أطلعك اللـه عليه كأنك حاضر وشاهد لما كان من أمرهم لما اقترعوا فى شأن مريم أيهم يكفل هذه الطاهرة التقية الورعة ليكن له الأجر ، فحين خرجت بها حنة إلى بنى الكاهن بن هارون أخى موسى عليهما السلام . وقالت هى نذيرة ، ولا يدخل المسجد حائض ، ولكنى نذرتها ، وأنا لا أردها إلى بيتى .
          فقال زكريا : ادفعوها لى فخالتها تحتى ، فقالوا بذلك تطيب أنفسنا لأنها ابنة أمامنا وقالوا نقترع وبالفعل اقترعوا ،فما هى القرعة ؟!
          أن يرموا الأقلام التى كانوا يكتبون بها التوراة فى نهر الأردن وقالوا أى قلم يثبت ولا يجرى مع التيار بل يعاكسه هو كافلها وبالفعل حدث ووقع ذلك على قلم واحد ،... ترى من صاحب هذا القلم ؟!
          إنه زكريا عليه السلام ... وذلك لحكمة يعلمها اللـه ... ويعلمها لنا ألا وهى لتتعلم مريم وتقتبس من النبى الذكى زكريا عليه السلام العلم والفقه وكان إمامهم وكبيرهم وسيدهم وعالمهم ونبيهم حين ذاك.
          قال تعالى : " كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا"
          تعجب زكريا من هذا الطهر والزهد والعفاف والتوحيد الذى وصلت به مريم البتول إلى مكانة عالية عند اللـه عز وجل فكلما دخل عليها وجد عندها رزقا .
          ثم قال لها زكريا عليه السلام : " يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا " أى من أين لك هذا الرزق ؟!

          قالت البتول الطاهرة : " هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ " أى ذلك لا دخل للمخلوق فيه بل هو من الخالق ، وهو يرزق من يريد بغير حدود تحده .
          وهكذا أيها الأحبة الكرام
          اصطفى اللـه مريم فى بستان الورع بين أزهار التقى والنقاء والعفاف والصلاح ، هذه هى الزهرة والنبتة الطيبة ، نشأت مريم فى هذا المكان وهذا الجو الإيمانى الطاهر العفيف فاصطفاها اللـه وبشرها بهذه البشارة التى انفردت بها دون نساء العالمين ويالها من بشارة يالها من خصوصية اختص اللـه بها الطاهرة ‍‍‍..
          إيه يا مريم .... إيه بماذا اختصك ربك ؟!
          يقول الملك : " وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ, يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ " آل عمران : 42: 43 .
          يا لها من مكانة آثرك بها اللـه دون نساء الدنيا يا مريم !
          فلم تتوان مريم عن عبادة الرب فظلت البتول ساجدة وراكعة حتى أراد اللـه عز وجل أن يمنحها تلك المكانة الرفيعة من بين أمهات الدنيا .
          قال تعالى : " وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا, فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا, قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا, قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا(19)قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا, قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا" " مريم:16-21 .
          وفى يوم من الأيام خلت مريم لنفسها لقضاء شأن من شئون العذراء الخاصة ... وفجأه انحبس صوتها وشخص بصرها ،إنها مفاجأة مذهلة تأخذ بالعقول بل وتصدع الأفئدة ، بشر سوى فى خلوة العذراء البتول الطاهرة . وسرعان ما استغاثت برب الأرض والسموات ولجأت إليه بشدة وقالت: " أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا " .
          انظر إلى الفطنة والذكاء والورع ! لم تقل أعوذ بالجبار منك ولم تقل أعوذ بالغفار منك وإنما استجاشت الرحمة فى قلبه بذكر الرحمن فقالت أعوذ بالرحمن منك ، أى ارحم ضعفى . ارحم أنوثتى . ارحم خلوتى !!
          ولكن قدر اللـه لها مفاجأة أعظم . أن أنطق هذا البشر السوى فى خلوة البتول الطاهرة ليقول لها : لا تخافى ولا تحزنى فأنا رسول ربك إليك " لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا " قالت : " أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا " لم أكنْ أبداً صاحبة فاحشة ، فهى لم تتصور مطلقا وسيلة للإنجاب غير وسيلة التقاء الرجل بالمرأة وهى لم تتزوج بعد ، ولم تفكر أيضا ألبته فى الرذيلة ، وهنا يأتى الرد القاطع الحاسم فيقول الملك والرسول الكريم " قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا " .
          فهنا يقول المولى " وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا ءَايَةً لِلْعَالَمِينَ" الأنبياء : 91 .
          فهنا حدث أمر غير مألوف ما اعتادت عليه الخليقة " فَنَفَخنَا فِيهَا مّن رُوحِنَا " لتنجب عيسى عليه السلام ، أى نفخ الملك جبريل فى أعلى القميص بأمر من اللـه عز وجل وهذا ليبين للخلق طلاقة قدرة الخالق ، إنها قدرة لا تحدها حدود ، إن من يحاول أن يصل بعقله القاصر إلى حدود قدرة اللـه كمن يحاول أن يكلف نملة أن تنقل جبلاً من مكان إلى آخر وما هى بناقلته " إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" يس:82 .
          فلا تفكر بعقلك القاصر البتة لتصل إلى منتهى قدرة الملك .
          " إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ " آل عمران : 59 .





          فاللـه لا يعجزه شىء فى الأرض ولا فى السموات ، فمن الذى خلق السماء بغير عمد ترونها ؟! .
          من الذى خلق الأرض وشق فيها الأنهار والبحار وزينها بالأشجار ؟‍‍‍‍
          من الذى خلق سنبلةَ القمح وغلفها بهذه الأغلفة الحصينة المكينة ؟
          وجعل فوق كل حبة شوكة ؟؟ ولما جعلها هكذا ؟!
          لأن اللـه قدر أن تكون هذه الحبة قوتاً لك أيها الإنسان دون الطيور أو غير ذلك !!
          من الذى خلق كوز الذرة ورصَّ على قولحته هذه الحبات اللؤلؤية البيضاء بهذا الجمال والإبداع ؟!!
          ومن الذى خلق الإنسان بهذا والجمال والإبداع ؟!
          هو اللـه .... !!! ... هو اللـه ... !!! ... هو اللـه ... !!!




          " "هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ, هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ " الحشر : 22:23 .


          قل للطبيب تخطفتـه يــد الردى ياشافـى الأمـراض مـن أرداك ؟
          قل للمريض نجى وعوفى بعد مـا عجــزت فنون الطب من عافاك؟
          قل للصحيح مات لا من علـــة من يـا صحيـح بالمنايـا دهاك ؟
          بل سل الأعمى خطاً وسط الزحـام بـلا صدام من ياأعمى يقود خطاك؟
          بل سل البصير كان يحذر حفــرةً فهوى بهـا مـن ذا الذى أهواك ؟
          وسل الجنين يعيـش معزولاً بـلا راع ولا مـرعى من ذا الذى يرعاك ؟

          وســل الوليد أجهش بالبكاء لدى الولادة من الـــــذى أبكاك ؟
          وإذا ترى الثعبـان ينفـــث سمه فسله من يا ثعبان بالسموم حشاك ؟
          واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا وهذا الســم يملأ فـــــاك ؟
          واسأل بطـون النحل كيف تقاطرت شهداً وقـــل للشهد من حلاك ؟
          إنه اللـه .. إنه اللـه .




          " قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا " .
          انتهى الأمر وقدره اللـه عز وجل .
          "قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ ءَايَةً لِلنَّاسِ" .
          هو الذى خلق الخلق .. خلق آدم يوم خلقه بلا أب أو أم !! وكذلك خلق عيسى من أم بلا أب !! ليكون للناس دليلا على طلاقة قدرة الخالق .
          قال تعالى : " "وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ " التحريم : 12 .


          ولقد ظهر الحمل .. والراجح من أقوال المفسرين أن الحمل بعيسى كان حملا عاديا تسعة أشهر وأنه لا ريب أن اللـه جلا وعلا كان قادراً ولا زال سبحانه على أن تحمل مريم بعيسى وتضعه فى لحظة واحدة ، ولكن أراد اللـه بها أن يختبر مدى صبرها ومدى تحملها على هذا الابتلاء العظيم التى لا تستطيع أن تقدر عليه إلا مريم ابنة عمران العذراء البتول ، فهذا من تمام الابتلاء .
          وبدأت بوادر الحمل تظهر على الطاهرة المطهرة ، وهنا نظر يوسف النجار - ذلك الرجل الذى كان يخدم بيت المقدس - إلى بطن الطاهرة تعلو يوما بعد يوم ويتعجب ولكن كثيراً ما كان يدفع أى خالجة تمر بذهنه لعلمه بطهر البتول ، ولكن ها هى جبلية البشرية قد غلبته ، وما استطاع أن يكتم هذه الحوالج عن لبه فقال لها : يا مريم إنى سائلك عن شىء ولكن لا تعجلى على ، فقالت الطاهرة العذراء : سل ما شئت يا يوسف وقل قولاً جميلاً .
          فقال لها يوسف : هل ينبت زرع بلا بذر ؟! وهل ينبت شجر بلا غيث أو مطر ؟! وهل يكون ولد بغير أب ؟!!!
          فقالت مريم : نعم يا يوسف هو كذلك .
          قال : وكيف يكون ذلك يا مريم ؟!!
          قالت: ألم تعلم أن اللـه أنبت الزرع يوم أنبته من غير بذر !!
          وأنبت الشجر يوم خلقه بغير غيث أو مطر ، وخلق آدم يوم خلقه بغير أب أو أم !!
          قال يوسف : أعلم أن اللـه على كل شىء قدير! اللـه أكبر ..
          قال اللـه تعالى : " فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا, فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا, فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا, وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا, فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا, فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا, يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا, فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا,قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ءَاتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا, وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ, وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا,وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا,وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَموتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّاُ " مريم : 22 - 33 .

          هكذا قال عيسى الذى ما زال فى المهد لا حول له ولا قوة له إلا باللـه أنا عبد اللـه ، وأعطانى الإنجيل وجعلنى نبياً ، وأمرنى بالصلاة ، والزكاة ما دامت بى حياة ، ومحسناً إلى العذراء أمى ، ولم يجعلنى من الجبارين فى الأرض ولا من الأشقياء .
          ويكمل لنا القرآن قصة عيسى عليه السلام ويقول:
          " ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ, مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ, وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ " مريم : 34 - 36
          تعالى اللـه عما قاله النصارى فالكمال صفة من صفاته ! أيحق له أن يتخذ ولداً ؟ !
          ولِمَ يتخذ ولد وهو الغنى عن خلقه ولن تغنى الخليقة عنه ؟!!
          فاللـه هو الغنى عن الولد والصاحب والزوج .
          فيا عبـاد المسيـح لنـــا سؤال نريد جــوابه ممن وعـــــاه
          إذا مات الإلهُ بصنــــــــع قــوم أماتوه فهل هـــذا إله ؟!
          ويــا عجــب لقبـر ضم ربـاً وأعجب منه بطن قـــد حــواه
          أقام هناك تسعــاً مــن شـهور لدى الظلمات مـ، حيــض غزاه
          وشق الفرج مولــداً صغيـــراً ضعيفــــاً فاتحاً للثـــدى فاه
          ويأكل ثــم يشرب ثم يأتـــى بلازم ذاك فهـــل هــذا إله ؟!
          تعالى اللـه عـن إفـك النصارى سيســألوا كلهم عمـــا افتراه
          وصدق اللـه إذا يقول "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ"الاخلاص:1 يا من تشركون باللـه ... فاللـه لا ند له ..ولا كفء له .. ولا شبيه له .. ولا زوج له ... ولا ولد له ولا والد له " لَيسَ كَمثْلِه شَىءٌ وَهُو السَّمِيعُ البَصِير " الشورى : 11


          أحبتى فى اللـه : أرى أنه من الجمال أن أختم هذا العنصر بهذا الحوار المبارك الجميل الذى برىء به ربنا ساحة نبيه عيسى عليه السلام .

          قال اللـه تعالى :
          " وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ(116)مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" " .المائدة : 116 - 118 .

          ثانياً : بل رفعه اللـه إليه

          زعـم اليهـود عليهم لعائن اللـه المتتابعة أنهم قتلوا عيسى بن مريم وصلبوه ، وزعم النصارى بجهل وغباء أن عيسى صلب وقتل ودفن وخرج من قبره بعد ثلاثة أيام وصعد إلى السماء وجلس عن يمين الرب أبيه ، وهو ينتظر إلى يوم الخلاص ليقضى بين الأحياء والأموات !!
          " كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا "
          فبين اللـه الحق وكذب اليهود والنصارى فقال سبحانه " وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا, بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا, وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا "النساء : 157 - 159

          قال أهل التفسير : أن اللـه عز وجل لما أراد أن يرفع نبيه عيسى إلى السماء بعد ما انطلق اليهود لقتله ألقى اللـه شبه عيسى على يهوذا الأسخريوطى الخائن الذى أخذ اليهود ليدلهم على مكان عيسى فابتلاه اللـه فألقى عليه شبه عيسى فأخذه اليهود فقتلوه وصلبوه وهذا قول .
          والقول الآخر : ثبت عن ابن عباس بسند صحيح كما روى ابن أبى حاتم والنسائى بسند صححه الحافظ ابن كثير فى تفسيره لسورة النساء .
          قال ابن عباس رضى اللـه عنهما :
          " لما أراد اللـه أن يرفع عيسى خرج إلى بيت فيه إثنى عشر رجلا من الحوارين فقال : نبى اللـه عيسى : إن منكم من سيكفر بى بعد أن آمن بى ، ثم قال لهم : أيكم يقبل أن يلقى عليه شبهى ليقتل مكانى ليكون معى فى درجتى فى الجنة فقام شاب أحدثهم سناً ( أصغر الجالسين ) فقال له : أنا ، فقال : اجلس ، فجلس ، ثم أعاد عيسى القول مرة ثانية فقام نفس الشاب فقال له : اجلس فجلس ، ثم أعاد عيسى قوله للمرة الثالثة فقام نفس الشاب فقال عيسى هو أنت فألقى اللـه على هذا الشاب شبه عيسى ورفع اللـه عيسى إلى السماء " .

          وجاء الطلب من اليهود أى الذين يطلبون عيسى لقتله فأخذوا هذا الشاب فقتلوه فصلبوه فكفر بعض أتباع عيسى ممن آمنوا به كما ذكر لهم قبل قليل .
          ثم ينزل اللـه عز وجل عيسى بعد ذلك لحكم عديدة خذوا منها :
          أن اللـه تبارك وتعالى سينزل عيسى عليه السلام ليكذب اليهود الذين زعموا أنهم قتلوه ، وليكذب النصارى الذين جهلوا هذه الحقيقة ، وليبين للناس جميعا أن محمدا صلى الله عليه وسلم وأن الموحدين معه من أمته أولى الناس بعيسى عليه السلام لأنه سيحكم العالم كله بكتاب اللـه وبشريعة محمد رسول اللـه صلى الله عليه وسلم .
          سينزل عيسى ليموت فى الأرض فما قولك إذاً فى قول اللـه تعالى : "إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ" آل عمران : 55 .

          والجواب كما قال جمهور المفسرين :
          أن الوفاة فى الآية معناها الوفاة الصغرى وهى النوم كما فى قوله تعالى : "وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ " الأنعام : 60.
          وكما فى قوله: "اللَّـهُ يَتَوفَّى الأنْفسَ حِينَ مَوتِهَا " الزمر : 42 .
          أى فى منامها كما فى قول المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ من منامه (( الحمد لله الذى أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور )) .
          إنى متوفيك أى ألقى اللـه عليه سِنَةً من النوم ، وهذه هى الوفاة الصغرى باتفاق ثم رفعه اللـه عز وجل ثم ينزله اللـه تبارك وتعالى فى الوقت الذى يشاء

          ثالثاً : نزول عيسى عليه السلام إلى الأرض من السماء

          بين اللـه جل وعلا أنه رفع عيسى إليه إلى يوم الوقت المعلوم الذى سينزل فيه إلى الأرض مرة أخرى ليكون علامة كبرى من العلامات الدالة على قيام الساعة فقال فى قرآنه :  " وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ, وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ, إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ,وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأَرض يَخْلُفُونَ, وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ " الزخرف : 57-61 .
          انتبه جيدا ففى قراءة ابن عباس ومجاهد وإنه لعلم للساعة أى نزول عيسى أمارة وعلامة على قيام الساعة .
          بل وروى ابن جرير بسند صحيح أن ابن عباس رضى اللـه عنهما قال: وَإِنَّهُ لَعلمُ لِلسَاعَةِ أى خروج عيسى عليه السلام ، فإن نزل فهذه علامة كبرى تدل على قرب قيام الساعة ، وقال اللـه تعالى فى الآية التى ذكرت آنفا " وَإِنَّ مِّن أَهلِ الكِتَابِ إِلا لَيُؤمِنَنَّ بِهِ قَبلَ مَوتِهِ " أى قبل موت عيسى عليه السلام .
          وقد بينت السنة الصحيحة المتواترة نزول عيسى عليه السلام إلى الأرض من السماء .
          ففى الصحيحين من حديث أبى هريرة أن النبى صلى اللـه عليه وسلم قال : "والـذى نفسى بيده ليوشكن أن ينزل فيكم عيسى بن مريم حكمـاً مقسـطاً فيكسـر الصليـب ويقتل الـخنزيـر ويضع الـجزيـة ويفيـض المال حتى لا يقبله أحد ".

          وانظر ماذا قال الحبيب فى الحديث الذى رواه أبو داود فى سننه بسند صحيح من حديث أبى هريرة رضى اللـه عنه قال رسول اللـه عليه وسلم :
          " ليس نبى بينى وبين عيسى بن مريم وإنه نازل ، فإذا رأيتموه فاعرفوه ، إنه رجل مربوع ليس بالطويل ولا بالقصير ولا بالسمين ولا بالنحيف مائل إلى الحمرة والبياض كأن رأسه يقطر ماء من غير بلل " .
          وفى رواية النواس بن سمعان فى صحيح مسلم فى كتاب الفتن وأشراط الساعة أنه صلى اللـه عليه وسلم قال : " ينزل عيسى عند المنارة البيضاء شرقى دمشق بين مهرودتين "
          فى الرواية الأولى التى ذكرت آنفا بين ممصرتين - أى ثوبين مصبوغين بصفرة خفيفة يسيرة (( واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفع رأسه تنحدر منه جمان كحبات اللؤلؤ ، يتوجه نبى اللـه عيسى من دمشق إلى بيت المقدس وقد أقيمت الصلاة فإذا رأى الإمام الفطن الذكى اللبق نبى اللـه عيسى عرفه وتقهقر للخلف ليتقدم نبى اللـه عيسى فيقول له نبى اللـه : لك أقيمت فإن بعضكم على بعض أمراء تكرمة اللـه لهذه الأمة فيصلى نبى اللـه عيسى خلف إمام المسلمين فإذا انتهوا من الصلاة انطلق نبى اللـه عيسى إلى باب بيت المقدس وأمرهم أن يفتحوا الباب فإذا فتحوا الباب رأوا الدجال خلف الباب ومعه سبعون ألف من اليهود بالسيوف فإذا نظر الدجال إلى نبى اللـه عيسى ذاب كما يذوب الملح فى الماء فيريد الدجال أن يهرب فيتبعه نبى اللـه عيسى ويدركه عند باب لد مدينة معروفة الآن بفلسطين فيقتله ، ويريح الناس من شره )) .
          قال المصطفى صلى الله عليه وسلم قولاً عجيباً كما فى مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان وصحح السند الحافظ ابن حجر من حديث أبى هريرة رضى اللـه عنه وفيه أن رسول اللـه صلى الله عليه وسلم قال : " فيهلك فى زمان عيسى الملل كلها إلا الإسلام ، ويهلك اللـه المسيح الدجال ، وتنزل الأمنة فى الأرض حتى ترعى الأسود مع الإبل ، والنمار مع البقر ، والذئاب مع الغنم " .

          استحلفك باللـه أن تنظر لبداية الحديث يقول الرسول تهلك كل الملل إلا الإسلام ....
          سبحان اللـه ..!! واللـه أكبر !!
          أبشر أيها الموحد .. أبشر يا من تحب " لا إله إلا اللـه " .
          نعم واللـه ستهلـك كـل الأديـان إلا الإسـلام "إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الإسْلام " آل عمران : 19 .
          وانظر مرة أخرى ومحص النظر .
          ترعى الأسود مع الإبل ...!! والنمار مع البقر .
          والذئاب مع الغنم ...!!
          وفى رواية أبى أمامة وسندها صحيح قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : "فيكون الذئب مع الغنم كأنه كلبها ويمر الوليد على الأسد فلا يضره وتمر الوليدة على الحية فلا تضرها ، رفع الظلم واستقر الأمن والأمان والرخاء وزادت البركة حتى تنزل الأمنة فى الأرض " .
          بل فى رواية النواس بن سمعان قال صلى الله عليه وسلم : "فيقال للأرض أنبتى ثمرتك وردى بركتك فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك فى الرسل " اللبن " حتى أن اللقحة ( الوليدة التى وضعت ولدها) من الإبل لتكفى الفئام من الناس " الجماعة " واللقحة من البقر لتكفى القبيلة من الناس واللقحة من الغنم لتكفى الفَخِذَ من الناس .... " سبحان اللـه..!!
          وهكذا تعيش الأرض حالة لا نسيج لها فى التاريخ كله ، حتى قال المصطفى فى الحديث الذى رواه الديلمى والضياء المقدسى وصححه فى الصحيحة الألبانى من حديث أبى هريرة أن الحبيب النبى صلى الله عليه وسلم قال : "طوبى لعيش بعد المسيح ، طوبى لعيش بعد المسيح ، يؤذن للسماء فى القطر ويؤذن للأرض فى النبات حتى إذا بذرت حبك على الصفا لنبت ولا تشاحن ولا تحاسد ، ولا تباغض ، حتى يمر الرجل على الأسد ولا يضره ويطأ على الحية فلا تضره ، ولا تشاح ولا تحاسد ولا تباغض "
          .......... الدعــاء
          التعديل الأخير تم بواسطة جارة فاطمة; الساعة 06-02-2012, 03:30 PM.

          تعليق


          • #6
            رد: تفريغ سلسلة قي رحاب الاخرة للشيخ محمد حسان


            بسم اللـه الرحمن الرحيم

            يأجوج و مأجوج

            الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله ، أدى الأمانة وبَلَّغَ الرسالة ونصح للأمة فكشف اللـه به الغُّمة ، وجاهد فى اللـه حق جهاده حتى أتاه اليقين ، فاللـهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته ورسولا عن دعوته ورسالته وصلى اللـهم وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين , أما بعـد ….فحياكم اللـه جميعا أيها الآباء الفضلاء وأيها الأخوة الأحباب الكرام الأعزاء ، وطبتم وطاب ممشاكم ، وتبوأتم جميعا من الجنة منزلاً ، وأسأل اللـه العظيم جل وعلا الذى جمعنا وإياكم فى هذا البيت المبارك على طاعته أن يجمعنا وإياكم فى الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى فى جنته ودار كرامته إنه ولى ذلك والقادر عليه ,أحبتى فى اللـه :

            فى رحاب الدار الآخرة

            سلسلة علمية هامة تجمع بين المنهجية والرقائق وبين التأصيل العلمى والأسلوب الوعظى الهدف منها : تذكيـر النـاس بحقيقـة الدنيـا للإنابـة والتوبة إلى اللـه جل وعلا قبل أن تأتيهـم الساعة بغتة وهم يخصمـون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون , وهذا هو لقاءنا السادس من لقاءات هذه السلسلة ، وحديثنا اليوم إن شاء اللـه تعالى عن علامة من علامات الساعة الكبرى التى ذكرها المصطفى صلى الله عليه وسلم فى حديثه الصحيح الذى رواه مسلم من حديث حذيفة بن أُسَيد الغفارى قال : اطلع علينا النبى صلى اللـه عليه وسلم ونحن نتذاكر فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم :" ما تذاكرون " ؟ فقالوا : نذكر الساعة ، قال المصطفى : " إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر : الدخان ، والدجال ، والدابة ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونزول عيسى بن مريم ، ويأجوج ومأجوج ، وثلاثة خسوف : خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم " , تكلمنا عن الدجال ونزول عيسى عليه السلام وحديثنا اليوم إن شاء اللـه تعالى عن يأجوج ومأجوج , وكعادتنـا حتـى لا ينسـحب بساط الوقت من بين أيدينا سريعا ، فسوف أركز الحديث مع حضراتكم اليوم عن يأجوج ومأجوج فى العناصر التاليـة :

            أولاً : تأصيل لغوى شرعى مختصر

            ثانياً : بعث النار

            ثالثاً : ذو القرنين ويأجوج ومأجوج

            رابعاً : خروجهم بين يدى الساعة

            خامساً : عيسى بن مريم والدعاء المستجاب

            فأعرنى قلبك وسمعك أيها الحبيب ، واللـه أسأل أن يجعلنى وإياكم جميعا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم اللـه وأولئك هم أولوا الألباب .

            أولاً : تأصيل لغوى وشرعى مختصر

            أيها الأحبة : لقد أورد كثير من المؤرخين والمفسرين أخباراً عجيبة وروايات غريبة عن يأجوج ومأجوج ، ذكروا فى هذه الروايات والأخبار أصلهم ، ونسبهم ، وأشكالهم ، وألوانهم ، ومكانهم !!

            وهذه الأخبار والروايات لا تعدو أن تكون مجرد خرافات وأوهام وخيالات وأساطير ، لأنها أُخِذَت من الإسرائيليات , أُخِذَت من غير المصادر اليقينية أى القرآن والسنة النبوية الصحيحة ، فلا يجوز لأحدٍ بحال أن يتكلم فى مثل هذه الأمور الغيبية إلا بالدليل الصريح من القرآن أو بالدليل الصحيح من سنة النبى عليه الصلاة والسلام , فلسنا فى حاجة على الإطلاق لأن نلهث وراء الإسرائيليات والأخبار العجيبة والموضوعة لنتكلم عن يأجوج ومأجوج أو عن ذى القرنين ،وإنما يجب علينا جميعا أن نقف عند النص اليقينى فى كتاب ربنا وفى سنة الحبيب نبينا ففيه الغنى , يأجوج ومأجوج أُمَّتَانِِ من البشر من ذرية آدم عليه السلام يتميزان عن بقية البشر بالإجتياح المروع والكثرة الكاثرة فى العدد والتخريب والإفساد فى الأرض بصورة لم يسبق لها مثيل , وقال المحققون من أهل اللغة نقلا عن ابن منظور فى لسان العرب وغيره قالوا : يأجوج ومأجوج إسمان أعجميان مشتقان من أجيج النار أى من التهابها ومن الماء الأجاج وهو الشديد الملوحة والحرارة , فشبَّهوهم بالنار المضطرمة المتأججة وبالمياه الحارة المحرقة المتموجة لكثرة تقلبهم ، واضطرابهم ، وتخريبهم ، وإفسادهم فى الأرض , هذا هو التأصيل اللغوى الذى لابد منه بداية حتى لا نطلق لخيالنا العنان لنلهث وراء الخرافات والأساطير والأوهام , لذا أخبرنا المصطفى أن يأجوج ومأجوج هم بعث النار يوم القيامة وهذا هو عنصرنا الثانى من عناصر اللقاء :

            ثانياً : بعث النار

            ففى الصحيحين من حديث أبى سعيد الخدرى رضى اللـه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "يقول اللـه يوم القيامة يا آدم فيقول آدم لبيك وسعديك والخير فى يديك فيقول اللـه جل وعلا : أَخْرِج بعث النار فيقول آدم عليه السلام : وما بعث النار يا رب ، فيقول الملك : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى جهنم ، وواحد إلى الجنة " فشق ذلك على أصحاب النبى المختار ، وفى رواية فيأس القوم حتى ما أبدوا بضاحكة ، وفى رواية فبكى أصحاب الرسول وقالوا : يا رسول اللـه وأينا ذلك الواحد فقال المصطفى :" أبشروا ! أبشروا ! فمن يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعون ومنكم واحد " ثم قال المصطفى صلى الله عليه وسلم :" والذى نفسى بيده إنى لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة " فكبرنا , قال : " والذى نفسى بيده إنى لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة " فكبرنا , فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم فى الثالثة : " واللـه لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة " , أمة النبى أمة مرحومة .. أمة النبى أمة ميمونة , ومما زادنى فخــرا وتيهــا و كدت بأخمصى أطأ الثُّريــا , دخولـى تحت قولك يا عبادى وأن أرسلت أحمد لـى نبيــا , اسجد له شكراً أنك من أمة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ، فأمة المصطفى أمة مرحومة أثنى عليها ربها وأثنى عليها نبيها , قال اللـه لها : "كُنتُم خَيرَ أُمَّةِ أُخرِجتْ لِلنَّاسِ " , قال اللـه لها : " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا " البقرة : 143 , وفـى الحديـث الذى رواه الترمذى وأحـمـد وابـن ماجـة بسند حسن قال المصطفى صلى الله عليه وسلم :" أنتم موفون سبعون أمة أنتم خيرها وأكرمها على اللـه جل وعلا "أنتم خير الأمم .. أنتم أكرم الأمم على اللـه جل وعلا , بل وفى صحيح البخارى من حديث أبى سعيد الخدرى أن الحبيب النبى صلى الله عليه وسلم قال : " يدعى نوح يوم القيامة فيقال له يا نوح هل بلغت قومك ؟ فيقول : نعم يا رب . فيدعى قومه ويقال لهم : هل بلغكم نوح ؟ فيقول قوم نوح : لا ما أتانا من نذير ، وما أتانا من أحد ، فيقول الحق جل وعلا: وهو أعلم ، من يشهد لك يا نوح ؟ فيقول نوح : يشهد لى محمد وأمته ، يقول المصطفى : فتدعون فتشهدون له بالبلاغ ثم أدعى فأشهد عليكم "وذلك قول اللـه جل وعلا :" وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ", بل ومن الأحاديث الممتعة التى تبين فضل السابقين واللاحقين من أمة سيد النبيين ما رواه البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة " أن النبى أتى المقبرة يوما فقال : " السلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم السابقون وإنا إن شاء اللـه بكم لاحقون " ثم قال الحبيب صلى الله عليه وسلم : " وددت أنَّا قد رأينا إخواننا " فقال الصحابة أو لسنا إخوانك يا رسول اللـه ؟ قال صلى الله عليه وسلم :" أنتم أصحابى ، وإخواننا قوم لم يأتوا بعد" فقال الصحابة : فكيف تعرف من لم يأتى بعد من أمتك يا رسول اللـه ؟ فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم : "أرأيت لو أن رجلا له خيلُُ غُرُّ مُحَجَّلَة بين ظَهْرَى خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ (أى سود) ألا يعرف خيله " ؟ قالوا : بلى يا رسول اللـه ، فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم : " فأنهم يأتون غُراً محجلين من الوضوء " , أحبتى فى اللـه :أقف الآن وحضراتكم مع هذا الحوار الجميل بين ذى القرنين وقوم تعرضوا للفساد والإيذاء على أيدى يأجوج ومأجوج وهذا هو عنصرنا الثالث بإيجاز .

            ثالثاً : ذو القرنين ويأجوج ومأجوج

            لقد حكى اللـه قصة ذى القرنين فى سورة واحدة من سور القرآن ألا وهى سورة الكهف قال اللـه تعالى : " وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا(83)إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرض وَءَاتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا(84)فَأَتْبَعَ سَبَبًا(85)حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا(86)قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا(87) وَأَمَّا مَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا(88)ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا(89)حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا(90)كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا(91)ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا(92)حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا(93) قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرض فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا(94)قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا(95)ءَاتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ ءَاتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا(96)فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا " الكهف : 83 - 98 , هذه هى قصة ذى القرنين مع يأجوج ومأجوج وأقول لك أن قصة ذى القرنين هى الأخرى قد نُسِجَ حولها من الأساطير والخرافات والخيالات والأوهام ما يندى له جبين التحقيق خجلاً وحياءً , لا يجوز لأحد يحترم علمه وعقله أن يتجاوز النص القرآنى فى قصة ذى القرنين فما ذكره اللـه فى القرآن عن ذى القرنين فيه الغنى وفيه الكفاية ، ولسنا فى حاجة لأن نلهث وراء الإسرائيليات لننسج حول شخصية ذى القرنين الأساطير والخرافات والأوهام , والآن أدعوك لنتجول سوياً لنتعرف على قصة ذى القرنين مع يأجوج ومأجوج بالنص القرآنى والتفسير اليسير , ذو القرنين عبد صالح اختلف أهل التفسير فى نبوته لكن لا يستطيع أحد أن يجزم بذلك , والقصة تبدأ بسؤال المشركين للنبى المصطفى صلى الله عليه وسلم ويأتى الجواب من اللـه جل وعلا . قل يا محمد . وكلمة " قل " يسميها علماء التفسير وعلماء اللغة قل التلقينيه أى القصة ليست من عند رسول اللـه بل هى وحى من عند اللـه جل وعلا . "قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا ":كلمة " منه " التبعيضية : أى سأتلوا عليكم بعض الشىء من قصة ذى القرنين ولو علم اللـه فى الزيادة عن النص القرآنى خيراً لذكرها لنا فلنقف عند ما ورد فى القرآن وما ثبت فى حديث النبى عليه الصلاة والسلام, "إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرض  " , تدبر ... فمن الذى مَكَّنَ لذى القرنين ؟فالتمكين إن نقبت عنه فى القرآن سترى أنه فى كل مرة وردت لفظة التمكين تنسب إلى اللـه رب العالمين ، وهذه القاعدة البلاغية تؤصل فى القلوب قاعدة إيمانية , فالذى يُمَكِّن للدول والأمم والشعوب هو اللـه ، فيجب علينا جميعا أن نعلق قلوبنا بالملك الذى يفعل كل شىء ، مع الأخذ بالأسباب فهذا من حقيقة التوكل على اللـه , لا تسود أمة إلا بإذن اللـه ولا تزول أمة إلا بإذن اللـه , قال تعالى  "قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " آل عمران : 26 , "إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرض وَءَاتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84)فَأَتْبَعَ " سَبَبًا , أخذ بهذه الأسباب والوسائل للتمكين والنصر والفتح والظهور , "الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرض أَقَامُوا الصَّلاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ" الحج : 41 , فهناك من الأمم من يمكن اللـه لها فتأخذ بأسباب التمكين فيزيدها اللـه ثباتا وتمكينا فإن فرطت أذهب اللـه عنها التمكين .وهناك من الناس من إذا مكن اللـه له أخذ بوسائل التمكين فزاده اللـه رفعة ونصرا فإن فرط فى هذه الأسباب والوسائل أمر اللـه عز وجل بزاوله وهلاكه ,"وَءَاتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا " , أعطاه من الأسباب ما يستطيع أن يفتح وأن ينتصر وأن يجوب البلاد شرقا وغربا , يبدأ ذو القرنين الرحلة الجهادية الأولى فى سبيل اللـه نحو المغرب , " حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا " , ومن المعلوم أنه ليس للشمس مشرقاً واحداً ولا مغرباً واحداً بل لها عدة مشارق ومغارب , قال اللـه تعالى : " فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ"المعارج : 40 , فالشمس لها مشارق ومغارب بحسب فصول السنة وأيامها وشهورها ، لها مشارق ومغارب بحسب المكان ، لها مشارق ومغارب بحسب رؤية الرائى إلى قرص الشمس أثناء الشروق أو الغروب ," قُلْنَا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا " , فبين ذو القرنين منهجه العادل ودستوره الحكيم ، فقال كما ذكر فى كتاب ربنا : قَالَ "أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا(87) وَأَمَّا مَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا " , وأما من ظلم نفسه بالشرك وعدم اتباعى فسوف أعذبه وله عند اللـه العذاب العظيم ، أما من اتبعنى وآمن بما جئت به ووحد اللـه واستقام على منهج اللـه فله الحسنى وهى الجنة ، أما من ناحيتى فسنقول له يسرا . ثم انطلق نحو المشرق فى رحلة ثانية :" حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا لا يحمى هؤلاء الناس والقوم شىء على الإطلاق ، لا يحول بينهم وبين الشمس شىء ", "كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا ":أى علم اللـه عز وجل كل ما يدور فى قلبه وفى نفسه , وتبدأ الرحلة الثالثة التى هى محل الشاهد فى موضوعنا : "حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ والسدين " : الجبلين العظيمين ," وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا " , لا يعرفون لغة ذى القرنين أو لا يستطيعون أن ينفتحوا على غيرهم من الأمم ، فهم قوم منعزلون على أنفسهم ، تعرضوا إلى أشد الهجمات وأعنف الضربات على يدى يأجوج ومأجوج ، فلما رأوا ذى القرنين الملك الفاتح العادل توسلوا إليه وانطلقوا وقوفا بين يديه وقالوا :" يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرض فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا " , هؤلاء القوم يقولون لذى القرنين هل نبذل لك من أموالنا ما تشاء وما تريد على أن تبنى لنا سدا منيعا يحمينا من يأجوج ومأجوج , فرد عليهم بزهد وورع وقال : " قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ  , " لقد أعطانى اللـه عز وجل من وسائل التمكين ما أغنانى به عن مالكم ولكنه لمح فيهم الكسل ، فأراد أن يشركهم فى هذا المشروع العظيم وفى هذا العمل الضخم ، فقال لهم ولكن ! " فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا "أى قال بلغة العصر : التخطيط الهندسى والمعمارى والإنفاق المادى لبناء هذا السد ولإقامة هذا المشروع ، سنتكفل نحن بذلك ، ولكننا فى حاجة إلى العمال ، فى حاجة إلى عمالة يحملون ويبنون ويقيمون هذا العمل ، " فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا " , وبدأ ذو القرنين المهندس البارع الذى سبق علماء الهندسة المعاصرين بعدة قرون , أمر بالبدأ فى المرحلة الأولى من مراحل هذا المشروع . "ءَاتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ " : أى اجمعوا لى قطع الحديد الضخمة وأمرهم بوضع هذه القطع فى مكان ضيق بين هذين السدين ، فلما وضعت قطع الحديد حتى ساوت قمة الجبلين قال : انفخوا النار المشتعلة التى تصهر هذا الحديد ، ولك أن تتصور حجم هذه النيران التى اشتعلت لتصهر أطناناً من الحديد لا يعلم وزنها إلا العزيز الحميد ، اشتعلت النيران تحت هذا الحديد بين السدين فى مكان ضيق ، يريد أن يسد على يأجوج ومأجوج الطريق الذى ينفذون منه إلى هذه الأمم المسكينة المغلوبة على أمرها , فأشعل النيران حتى انصهر الحديد وذاب بين السدين أى بين الجبلين ، فأمر ذو القرنين أن يدخلوا فى المرحلة الثانية من مراحل البناء ، ألا وهى أن يذيبوا النحاس حتى ينصهر , فلما انصهر النحاس أمرهم بصب النحاس على الحديد فتخلل النحاس الحديد فأصبح النحاس والحديد معدناً واحداً ليزداد صلابة وقوة فلا تستطع يدى يأجوج ومأجوج أن تتسلقه أو أن تنقبه , وبذلك يكون ذو القرنين قد سبق العلم المعاصر فى تقوية الحديد بالنحاس فلما ساوى بين الصَّدَفين بهذا الحديد وبهذا النحاس ليبين لنا سمات القيادة الفذة الناجحة التى تستطيع أن تجمع بين الخيوط والخطوط , التى تستطيع أن تجمع بين المواهب والطاقات والقدرات والإمكانيات لتستغل الموارد والطاقات أعظم استغلال , ذو القرنين يبين لنا سمات القيادة الناجحة ، وما أحوج الأمة إلى هذه القيادة الفذة ، فلما نظر إلى هذا السد العظيم لم يسكره نشوة القوة والعلم ، لم يقل فن الإدارة !!لم يقل : إنما أوتيته على علم عندى !! وإنما نسب الفضل لصاحب الفضل جل وعلا فقال : "قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا " , درس عظيم .. هذا رحمة من ربى ثم بين للحضور معتقده الصافى فى الإيمان فى البعث والإيمان بيوم القيامة فقال لهم إن الذى أمر ببناء هذا السد هو اللـه ، وأن الذى أمر بحجز يأجوج ومأجوج هو اللـه ، وأن الذى سيأذن لهم بالخروج هو اللـه ، وحتما سيأتى يوم على هذا السد المنيع ليجعله اللـه عز وجل دكاء أى ليسويه بالأرض وذلك لا يكون إلا بين يدى الساعة كما سيسوى جبال الأرض كلها بالأرض "فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا " , هكذا يبين ذو القرنين العقيدة الصافية فى الإيمان بالبعث ، فى الإيمان بيوم القيامة وعلامته الكبرى حين يأذن الحق تبارك وتعالى ليأجوج ومأجوج فى الخروج حينئذ يستطيعون أن ينفذوا هذا السد ويخرجوا وهذا هو عنصرنا الرابع من عناصر هذا اللقاء :
            رابعاً : خروجهم بين يدى الساعة

            فى صحيح البخارى من حديث زينب بنت جحش رضى اللـه عنها " أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوما فزعا وهو يقول " لا إله إلا اللـه ، لا إله إلا اللـه ويل للعرب من شر قد اقترب ، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه " وحلق بأصبعه السبابة والإبهام فقالت زينب بنت جحش : يا رسول اللـه أَنهلِكُ وفينـا الصالحون فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم :" نعم إذا كَثُرَ الخبـث " يهلك الصالح والطالح ويبعث اللـه الصالحين والطالحين على نيـاتهـم .

            وتدبر معى هذا الحديث :الذى رواه أحمد والترمذى وابن ماجة وابن حبان والحاكم فى المستدرك وصحح الحاكم الحديث على شرط الشيخين وأقر الحاكم الذهبى والألبانى فى السلسلة من حديث أبى هريرة أن الصادق المصدوق الذى لا ينطق عن الهوى قال : " إن يأجوج ومأجوج يحفرون السد كل يوم ، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قالوا : ارجعوا فستحفرونه غداً فيرجعون فيعد اللـه السد أشد مما كان ، حتى إذا أراد اللـه أن يبعثهم خرجوا يحفرون السد فقال الذى عليهم إذا ما رأوا شعاع الشمس ارجعوا وستحفروه غدا إن شاء اللـه تعالى فيعودون فيرون السد كهيئته التى تركوه عليها فيحفرونه ويخرجون " وفى رواية مسلم فى حديث النواس بن سمعان " فيمرون على بحيرة طبرية فإذا مَرَّ أوائل يأجوج ومأجوج شربوا ماء البحيرة كله فإذا مر آخرهم قال : لقد كان فى هذه البحيره ماء " , فيخرجون فيخاف الناس ويتحصنون منهم فى الحصون ، يتركون لهم الشوارع والطرقات لا قدرة لأحد بقتالهم كما سأذكر فى رواية النواس بن سمعان قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : " يا عيسى إنى قد بعثت قوما ( أى يأجوج ومأجوج ) لا يدان لأحد بقتالهم ( أى لا طاقة لأحد بقتالهم ) فحرز عبادى إلى الطور أى اجمع عبادى من المؤمنين إلى جبل الطور فى سيناء " ويتحصن الناس منهم فى حصونهم فيقول يأجوج ومأجوج لقد قتلنا أهل الأرض تعالوا لنقتل أهل السماء , انظر إلى الفجور !! وبهذه العبارة فقط تستطيع أن تتصور حجم الفساد فى الأرض إذ تجرأ هؤلاء وفكروا فى أن يقاتلوا أهل السماء وبالفعل يوجهون النشاب ( أى السهام ) إلى السماء فيريد الملك أن يبتليهم فيرد اللـه عليهم نشابهم ملطخة دماً فتنة من اللـه تعالى فيقولون قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء فى الوقت الذى تبتلى فيه الأرض بهذه الفتنة تكون فتنة أخرى عصفت بأهل الأرض عصفاً ألا وهى فتنة الدجال فينزل عيسى عليه السلام وهذا ما سنتعرف عليه بعد جلسة الاستراحة .

            وأقول قولى هذا وأستغفر اللـه لى ولكم

            الخطبة الثانية :

            الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله الا اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، اللـهم صلى وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين .

            خامساً: عيسى بن مريم والدعاء المستجاب

            يُنزل اللـه تعالى عيسى عليه السلام كما فى حديث النَّواس بن سمعان الذى رواه مسلم قال المصطفى : " فبينما هو كذلك ( أى الدجال) إذ أنزل اللـه عز وجل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء شرقى دمشق بين مهرودتين أى ثوبين مصبوغين واضعاً كَفَّيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدَّر منه جمان كاللؤلؤ " إذا رفع نبى اللـه عيسى رأسه تقطر منها الماء كحبات اللؤلؤ الأبيض يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم " فيطلب عيسى بن مريم الدجال حتى يدركه بباب لُدّ (مدينة بفلسطين" فيقتل عيسى بن مريم الدجال عليه لعنة اللـه " ثم يأتى عيسى بن مريم قوم قد عصمهم اللـه منه فيمسح عن وجوههم ويبشرهم بدرجاتهم فى الجنة فبينما هو كذلك إذ أوحى اللـه إلى عيسى إنى قد أخرجت عباداً لى لا يدان لأحد بقتالهم فحرز عبادى إلى الطـور " أى لا طاقـة ولا قـدرة لأحـد بقتـالـهم يقـول المصطقى صلى الله عليه وسلم : " ويبعث اللـه يأجوج ومأجوج ، وهم من كل حدب ينسلون " ينتشرون ، يغطون وجه الأرض من فوق المرتفعات والجبال . فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ، ويمر آخرهم فيقولون : لقد كان بهذه مَّرةً ماءُُ ويحصر نبى اللـه عيسى عليه السلام وأصحابه فيـرغـب نـبى اللـه عيسى وأصحابه أن يتضرعـوا إلى اللـه عز وجل أن يهلـك يأجوج ومأجوج فيستجيب اللـه دعاء عيسى وأصحابه من أمة النـبى محمد صلى الله عليه وسلم , اسمع ماذا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : "فيرسل اللـه على يأجوج ومأجوج النغف " النغف : هو الدود الصغير , تدبر قدرة الملك وعظمة الملك ، واللـه ما أحوج الأمة إلى أن تمتلئ قلوبها يقينا بقدرة الملك جل جلاله , ما أحوجنا إلى أن نتعرف على عظمة اللـه وعلى جلال اللـه ، وعلى قوة اللـه ، وعلى قدرة اللـه ، فإن أمر اللـه بين الكاف والنون , فيرسل اللـه عليهم النغف أى الدود الصغير فى رقابهم فيهلكهم الحق جل وعلا فيقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : "فيصبحون فرسى ( أى قتلى ) كموت نفس واحدة " فى رواية " يطلب نبى اللـه عيسى واحداً من هؤلاء المتحصنين الخائفين أن يخرج وأن يبذل نفسه ليرى ماذا فعل يأجوج ومأجوج فى الأرض فيخرج وهو مستعد للقتل والهلاك فيرى هذه الكرامة والمعجزة والآية فيرجع لنبى اللـه عيسى وينادى عليه وعلى أصحابه : أبشروا لقد أهلك اللـه يأجوج ومأجوج " يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : " ثم يهبط نبى اللـه عيسى مع أصحابه فلا يجدون موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم ( الزهم : الدهن والشحم ) لا يقوى الناس على هذه الرائحة الكريهة النتنة . فيرغب نبى اللـه عيسى وأصحابه إلى اللـه أن يطهر الأرض من هذه النتن ، فيرسل اللـه عز وجل طيراً كأعناق البخت (أى كرقاب الإبل) فتحملهم فتطرحهم حيثما شاء اللـه ثم يرسل اللـه مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزَّلَقَة (أى تصبح الأرض كالمرآة فى صفائها ونقائها ) وحينئذ يقال للأرض أنبتى ثمرتك وردِّى بركتك " , يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : "فبينما هم كذلك إذ بعث اللـه ريحاً طيبة تأخذ الناس تحت آباطهم فتقبض هذه الريح روح كل مؤمن ومسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون فى الأرض تهارج الحمر (أى الحمير) وعليهم تقوم الساعة " , وبذلك يكون قد أنهيت الحديث عن يأجوج ومأجوج من المصادر اليقينية من كتاب اللـه والسنة الصحيحة ، وأنصح أحبابى أن لا يقفوا بعد ذلك وراء الأساطير والأوهام والإسرائيليات التى وردت فى ذلك , أسال اللـه جل وعلا أن يرزقنا وإياكم العلم النافع وأن يفقهنا وإياكم فى الدين وأن يحفظنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن إنه على كل شئ قدير , اللـهم استرنا ولا تفضحنا وأكرمنا ولا تهنا وكن لنا ولا تكن علينا اللـهم لا تدع لأحد منا فى هذا المقام الكريم ذنباً إلا غفرته ولا مريضا إلى شفيته ولا ديناً إلا قضيته ، ولا هماً إلى فَرَّجْته ، ولاميتا إلا رحمته ، ولا عاصيا إلا هديته ، ولا طائعا إلا سددته ، ولا حاجة هى لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا رب العالمين ,اللـهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً ، وتفرقناً من بعده تفرقا معصوما ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً أو محروماً , اللـهم اهدنا واهدِ بنا واجعلنا سببا لمن اهتدى , اللـهم إن أردت بالناس فتنة فاقبضنا إليك غير خزايا ولا مفتونين ولا مغيرين ولا مبدلين برحمتك يا أرحم الراحمين , اللهم احمل المسمين الحفاة واكسوا المسلمين العراة وأطعم المسلمين الجياع , اللهم لا تحرم مصر من الأمن والأمان .اللهم لا تحرم مصر من التوحيد والموحدين برحمتك يا أرحم الراحمين .أحبتى فى اللـه ..هذا وما كان من توفيق فمن اللـه وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمنى ومن الشيطان واللـه ورسوله منه براء وأعوذ باللـه أن أكون جسرا تعبرون عليه إلى الجنة ويُلقى به فى جهنم ثم أعوذ باللـه أن أذكركم به وأنساه. وصلى اللـهم وسلم وزد وبارك على محمد صلى اللـه عليه وسلم.

            وأقم الصـلاة
            التعديل الأخير تم بواسطة جارة فاطمة; الساعة 06-02-2012, 03:39 PM.

            تعليق


            • #7
              رد: تفريغ سلسلة قي رحاب الاخرة للشيخ محمد حسان

              خامسا
              الموت
              بسم اللـه الرحمن الرحيم
              الحمد لله الذى أنهى بالموت آمال القياصرة ، فنقلهم بالموت من القصور إلى القبور ، ومن ضياء المهود إلى ظلمات اللحود ومن ملاعبة الجوارى والنساء والغلمان إلى مقاساة الهوام والديدان ، ومن التنعم فى ألوان الطعام والشراب إلى التمرغ فى ألوان الوحل والتراب !! وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لا شريك له ، ينادى يوم القيامة بعد فناء خلقه ويقول : أنا الملك ..!! أنا الجبار ..!! أنا المتكبر ..!!
              ثم يقول : لمن الملك اليوم ..؟؟! فيجيب على ذاته سبحانه !! لله الواحد القهار , وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله أدى الأمانة وبلغ الرسالة ، ونصح للأمة فكشف اللـه به الغمة ولبى نداء ربه حتى أجاب مناديه ،ومشى طوال أيامه ولياليه على شوك الأسى يخطو على جمر الكيد والعنت ، يلتمس الطريق لهداية الضالين وإرشاد الحائرين ، حتى عَلَّم الجاهل ، وَقوَّم المعوج ، وَأمَّن الخائف ، وطَمْأَن القلق ونشر أضواء الحق والخير والتوحيد والإيمان كما تنشر الشمس ضياءها فى سائر الأكوان , اللـهم صلى وسلم وزد وبارك عليه ، رفع اللـه له ذكره وشرح صدره وذكاه ربه على جميع خلقه ، ومع ذلك خاطبه ربه بقوله : "إِنَّكَ مَيتُُ وَإِنَّهُم مَيِّتُونَ "الزمر - 30 , اللـهم صلى وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين , أما بعــد ...فحياكم اللـه جميعاً أيها الآباء الفضلاء وأيها الأخوة الأحباب الأعزاء وطبتم جميعا وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلا ، وأسأل اللـه العظيم جل وعلا الذى جمعنى وإياكم فى هذا البيت المبارك على طاعته أن يجمعنى وإياكم فى الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى فى جنته ودار كرامته إنه ولى ذلك والقادر عليه , أحبتى فى اللـه :-
              في رحاب الدار الآخرة
              سلسلة علمية هامة تجمع بين المنهجية والرقائق ، وبين التأصيل العلمى والأسلوب الوعظى تبدأ هذه السلسة بالموت وتنتهى بالجنة , وقد تحتاج هذه السلسلة إلى جهد شاق حتى تتضح لنا معالمها ، لذا فإن الموضوع جد خطير ومن الأهمية بمكان ، لذا استحلفكم باللـه الذى لا إله إلاَّ هو .. أن تعيرونى قلوبكم وعقولكم وأسماعكم حتى نقف على أهميتها ونسأل اللـه التوفيق ، ونسأله تعالى أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، إنه ولى ذلك والقادر عليه ويجعلنا من الذين قال فيهم اللـه " الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللـه وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ"الزمر : 18 , أيها الأحبة الكرام : وسوف أستهل هذه السلسلة بالحديث عن الموت ، فهذه هى المرحلة الأولى فى هذه الرحلة الطويلة , أيها الخيار الكرام : لقد بين اللـه جل وعلا لنا الغاية التى من أجلها خلقنا فقال سبحانه وتعالى : " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ" الذاريات : 56 , بل وبين لنا حقيقة الدنيا التى جعلها محل اختبار لنا فقال سبحانه :" اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ "الحديد : 20 , وأكد الحبيب المصطفى هذه الحقيقة فى حديثه الصحيح الذى رواه الترمذى من حديث سهل بن سعد الساعدى رضى اللـه عنه قال صلى اللـه عليه وسلم " لو كانت الدنيا تعدل عند اللـه جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء " فالدنيا حقيرة عند اللـه أعطاها للمؤمن والكافر على السواء ، فلو كانت تزن عند اللـه جناح بعوضة ما سقى منها كافراً قط شربة ماء واحدة ، لذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يوصى أحبابه بعدم الركون والطمأنينة إلى هذه الدار الفانية لا محالة ، كما أوصى بذلك عبد اللـه بن عمر رضى اللـه عنهما كما فى صحيح البخارى :"كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " ، وكان ابن عمر يقول: " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك " , ورحم اللـه من قال :
              إن للـه عبــــــاداً فطنا طلقوا الدنيا وخافـــوا الفتنـا
              نظروا فيهــــا فلما علمـوا أنها ليست لِحَـىٍّ وطنــــاً
              جعلوها لُجَّــــــة واتخذوا صالح الأعمـال فيهـا سُفْنــا
              فالفطناء العقلاء هم الذين عرفوا حقيقة الدار ، فحرثوها وزرعوها ... وفى الآخرة حصدوها , فالـذم الوارد فى القرآن والسنة للدنيا لا يرجع إلى زمانها من ليل ونهار فلقد جعل اللـه الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً ، والذم الوارد للدنيا فى الكتاب والسنة لا يرجع إلى مكانها ألا وهو الأرض ، إذ أن اللـه قد جعل الأرض لبنى آدم سكناً ومستقراً , والذم الوارد فى القرآن والسنة لا يرجع إلى ما أودعها اللـه عز وجل من خيرات ، فهـذه الخيـرات نعم اللـه على عبـاده وجميع خلقه , إنما الذم الوارد فى القرآن والسنة يرجع إلى كل معصية ترتكب فى حق ربنا جل وعلا , إذاً لابد وحتما من تأصيل هذا الفهم الدقيق لا سيما لإخواننا الدعاة وطلاب العلم الذين ربما يغيب عن أذهانهم حقيقة الزهد فى هذه الحياة الدنيا ، فنحن لا نريد أن نُقنَّتْ أحداً من هذه الدنيا ، ولا نريد أن نثبت لعامل فى هذه الدنيا ولو كان فى الحلال أنه قد تجاوز عن طريق الأنبياء والصالحين والأولياء ... كلا ..!كلا ..!! بل الدنيا مزرعة للآخرة , تدبر معى قول على رضى اللـه عنه وهو يقول :" الدنيا دار صدق لمن صدقها ، ودار نجاة لمن فهم عنها ، ودار غنى لمن أخذ منها ، الدنيا مهبط وحى الأنبياء ومصلى أنبياء اللـه ومتجر أولياء اللـه " , فالدنيا مزرعة للآخرة فتدبر معى هذا الحديث الصحيح الذى رواه البخارى ومسلم من حديث أنس قال النبى صلى الله عليه وسلم :" ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إلا كان له به صدقة )) " , إذاً لابد من هذا التأصيل والفهم العميق لحقيقة الدنيا ، لننطلق من هذه الدار الفانية إلى دار تجمع بين سلامة الأبدان والأديان .. دار القرار , فلابد قبل العبور إلى دار القرار من المرور من دار الفناء ، فالدنيا دار ممر والآخرة هى دار المقر ، الدنيا مركب عبور لا منزل حبور ، الدنيا دار فناء لا دار بقاء ، لابد من وعى هذه الحقيقة التى لا مراء فيها ، لنزرع هنا بذوراً ، لنجنى هنالك ثماراً , فاعلم أيها الحبيب هذه الحقائق جيداً ، وكن على يقين جازم بأن الحياة فى هذا الدنيا موقوتة محدودة بأجل ، ثم تأتى نهايتها حتماً لابد ، فيموت الصالحون .. ويموت الطالحون .. يموت المجاهدون .. ويموت القاعدون .. يموت المستعلون بالعقيدة .. ويموت المستذلون للعبيد .. يموت الشرفاء الذين يأبون الضيم ويكرهون الذل ، والجبناء الحريصون على الحياة بأى ثمن .. الكل يموت .
              قال اللـه جل وعلا :" كُل مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ(26)وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ " الرحمن : 26 ، 27 , فلابد أن تستقر هذه الحقيقة فى القلب والعقل معاً ، إنها الحقيقة التى تعلن بوضوح تام على مدى الزمان والمكان فى أذن كل سامع وعقل كل مفكر أنه لا بقاء إلا للملك الحى الذى لا يموت ، إنها الحقيقة التى تصبغ الحياة البشرية كلها بصبغة العبودية والذل لقاهر السموات والأرض !!
              إنها الحقيقة التى شرب كأسها تباعاً الأنبياء والمرسلون بل والعصاة والطائعون !! انها الحقيقة التى تذكرنا كل لحظة من لحظات الزمن بقول الحى الذى لا يموت : "لا إِلَه إِلا هُو كُلُّ شَئٍ هَالِكُ إِلا وَجْهُه " القصص : 88 , أيها الحبيب تذكر هذه الحقيقة ولا تتغافل عنها إذ أن النبى أمرنا أن نكثر من ذكرها كما فى الحديث الصحيح الذى رواه الترمذى والنسائى والبيهقى والحاكم وغيرهم من حديث ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "أكثروا من ذكر هادم اللَّذات "الموت " ", إنها الحقيقة التى سماها اللـه فى قرآنه بالحق فقال جل وعلا :"وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ(19)وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ(20)وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ"ق : 19،21 , لا إله إلا اللـه ... اللـه أكبر ... اللـه أكبر , إن للموت لسكرات ... هل علمت إن هذه الكلمات قالها حبيب رب الأرض والسموات وهو يحتضر على فراش الموت ؟
              روى البخارى عن عائشة رضى اللـه عنها قالت : " مات رسول اللـه صلى الله عليه وسلم بين حاقنتى وذاقنتى وكان بين يديه ركوة ( علبة ) بها ماء فكان يمد يده فى داخل الماء ويمسح وجهه بأبى هو وأمى ويقول : "لا إله إلا اللـه إن للموت لسكرات "", هكذا يقول حبيب رب الأرض والسموات إن للموت لسكرات !! حبيب الرحمن يذوق سكرة الموت ، فما بالنا نحن ؟!! , وفى رواية الترمذى كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول :" إن للموت لسكرات وإن للموت لغمرات " وفى رواية كان صلى الله عليه وسلم يدعوا اللـه ويقول :" اللـهم أعنِّى على سكرات الموت "
              " وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ " : وما أدراك ما السكرات ..! وما أدراك ما الكربات ..! فى هذه اللحظات يزداد الهم والكرب ، فى لحظات السكرات إذا نمت يا ابن آدم على فراش الموت ورأيت فى غرفتك التى أنت فيها دون أن يرى غيرك ، رأيت شيطاناً جلس عند رأسك يريد الشيطان أن يضلك عن كلمة الإخلاص" لا إله إلا اللـه "، يريد الشيطان أن يصدك عنها ، يقول لك : مُت يهودياً فإنه خير الأديان ، يقول لك : مُت نصرانياً فإنه خير الأديان , واستدل أهل العلم على ذلك بصدر حديث صحيح رواه الإمام مسلم أن رسول اللـه صلى الله عليه وسلم قال : "إن الشيطان يُحضِرُ كل شئ لابن آدم .." , بل وسُئل شيخ الإسلام ابن تيمية طَيَّبَ اللـه ثراه عن مسألة عَرْض الأديان على ابن آدم فى فراش الموت ، فقال فى مجموع الفتاوى: "من الناس من تعرض عليه الأديان ومنهم من لا يعرض عليه شئ قبل موته ، ثم قال : ولكنها من الفتن التى أمرنا النبى أن نستعيذ منها فى قوله صلى الله عليه وسلم :" اللهم إنى أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب جهنم ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال " , فمن فتن الموت أن يأتيك الشيطان ليصدك عن لا إله إلا اللـه ، ليصدك عن كلمة التوحيد ، هذه من الكربات ، هذه من أشد السكرات على ابن آدم ولا حول ولا قوة إلا باللـه , هل علمت أُخَىّ فى اللـه أن إمام أهل السنة أحمد بن حنبل حينما نام على فراش الموت ذهبت إليه الشياطين لتنادى عليه بهذه الكلمات ، قال عبد اللـه ولده : " حضرت وفاة أبى فنظرت إليـه فإذا هو يغرق ثم يفيق ثم يشير بيده ويتكلم ويقول : لا بَعْد ..!! لا بَعْد ..!! .
              فلما أفاق فى صحوة بين سكرات الموت وكرباته ، قال له ولده عبد اللـه يا أبتى ماذا تقول ؟! تقول لا بعد ، لا بعد ..!! ما هذا ؟!! أتدرى ماذا قال إمام أهل السنة ؟؟ قال لولده : يا بنى شيطان جالس عند رأسى عاضٌ على أنامله يقول لى: يا أحمد لو فُتَّنى اليوم ما أدركتك بعد اليوم وأنا أقول له : لا بعد ، لا بعد حتى أموت على لا إله إلا اللـه , فإذا كنت حقا من المؤمنين الصادقين .. من الموحدين المخلصين وجاءتك الشياطين ثبتك رب العالمين وأنزل إليك ملائكة التثبيت ، كما فى حديث البراء بن عازب الصحيح وسأذكر الحديث بتفصيله لاحقاً إن شاء رب العالمين ، إلاَّ أن محل الشاهد فيه الآن أن النبى صلى الله عليه وسلم أخبر : " أنَّ المؤمن إذا نام على فراش الموت جاءته ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس ، معهم كفنُُ من أكفان الجنة وحنوطٌ من حنوط الجنة فيجلسون من المؤمن مُدَّ البصر حتى يأتى ملك الموت فيجلس عند رأسه وينادى على روحه الطيبة وهو يقول : أيتها الروح الطيبة اخرجى حميدة وابشرى بروحٍِ وريحان وربٍ راضٍ عنك غير غضبان ، فتخرج روح المؤمن سهلة سلسة كما يسيل الماء من فِىِّ السقاء فلا تدعهـا الملائكــة فى يد ملك الموت طرفة عين ، ثم ترقى بها إلى اللـه جل وعلا .. " , هكذا أيها الأحبة .."يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ " إبراهيم : 27 , ولقد سجل اللـه هذه البشارة للموحدين فى قرآنه العظيم فقال تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(30)نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ(31)نُزُلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ " فصلت:30،32 , وقال تعالى : " يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ" إبراهيم : 27 , قال ابن عباس : القول الثابت هو لا إله إلا اللـه فى الحياة الدنيا وفى الآخرة ويضل اللـه الظالمين ويفعل اللـه ما يشاء , " وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ" ق : 19 , والحق أنك تموت واللـه حى لا يموت ، الحق أن ترى عند موتك ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب , وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ , والحق أن يكون قبرك روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران , ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ذلك ما كنت منه تهرب , تحيد إلى الطبيب إذا جاءك المرض ، وتحيد إلى الشراب إذا أحسستَ بالظمأ ، ثم ماذا أيها القوى الفَتِىّ ؟! ثم ماذا أيها العبقرى الذكى ؟! ثم ماذا أيها الوزير والأمير ؟! ثم ماذا أيها الكبير والصغير ؟! ثم ماذا أيها الغنى والفقير؟! , اسمع يا هذا وذاك :
              كل باك فَسَيُبكَى
              كل مَذْكور سَيُنْسَـــــى وكل ناعٍ فَسَيُنعَى
              ليــس غيــرُ اللـه يبقى
              مـن عــلا فاللـه أعلـــى
              أيا من يَدَّعِ الفهم
              تعب الذنب والذنب
              أمــا بـــان لك العيب؟ إلى كم يا أخى الوهم
              وتخطئ الخطأ الجم
              أما أنـــذرك الشـــيب
              ومــا فـى نصحـه ريــــب
              أما أسمعك الصوت
              أما تخشى من الفَوْت
              فكم تسير فى الهوى
              كأنى بك تنحط
              وقد أسلمك الرهط
              هناك الجسم ممدود
              إلى أن ينخر العود
              فزود نفسك الخير
              وهيأ مركب السير
              بذا أوصيك يا صاح
              فطـــوبى لفتـــى راح أما نادى بك الموت
              فـتحتاط وتهتم
              وتختال من الزهو
              إلى اللحد وتنغط
              إلى أضيق من سم
              ليستأكله الدود
              فيمسى العظم قد رم
              ودع ما يعقب الضير
              وخاف من لجة اليم
              وقد بحتك من باح
              بقــرآن الــرب يهتــم
              وبـآداب محمــد يأتــم
              وصدق اللـه عز وجل إذ يقول :"كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ(26)وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ(27)وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ(28)وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ(29)إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ " القيامة : 26 ، 30
              " كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ(26)وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ إذا بلغت الروح الترقوة" ," وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ " من يرقيه ؟!! من يرقى بروحه ؟!! ملائكة الرحمة ؟ أم ملائكة العذاب ؟ ,من يبذل له الرقية ؟ من يبذل له الطب والعلاج ؟! فهو من هو ؟!! ,صاحب الجاه والسلطان ! صاحب الأموال والأطيان ! انتقل فى طيارة خاصة إلى أكبر مستشفى فى العالم ، التف حوله أكبر الأطباء ، هذا متخصص فى جراحة القلب والبطن وهذا متخصص فى جراحة المخ والأعصاب ، وهذا متخصص فى كذا ، وذاك متخصص فى كذا !! , التف حوله الأطباء يريدون شيئاً وملك الملوك أراد شيئاً آخر , قال تعالى : " وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ" الأعراف : 34 ," أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ " النساء : 78 , والتف حوله الأطباء مرة أخرى ،كل يبذل له العلاج والرقية !!ولكن حاروا وداروا !!اصفر وجهه ، شحب لونه ، بردت أطرافه ، تجعد جلده ، بدأ يشعر بزمهرير قارس يزحف إلى أنامل يديه وقدميه !!فينظر فى لحظة السكرة والكربة فيرى الغرفة التى هو فيها مرة فضاءً موحشاً ومرة أخرى أضيق من سم الخياط , وينظر مرة فيجد أهله يبتعدون عنه وأخرى يقتربون منه ، اختلطت عليه الأمور والأوراق !!من هذا ..؟!! ملك الموت !! ملك الموت عند رأسه ، ومن هؤلاء الذين يتنزلون من السماء ؟!!إنه يراهم بعينه ، إنهم الملائكة !! يا ترى ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب ؟!!يا ترى ماذا سيقول ملك الموت ؟!!!هل سيقول لى الآن يا أيتها الروح الطيبة اخرجى إلى مغفرة من اللـه ورضوان ورب راض غير غضبان ؟!!أم يقول يا أيتها الروح الخبيثة اخرجى إلى سخط اللـه وعذابه ؟ينظر لحظة الصحوة بين السكرات والكربات ، فإذا هو يعى من حوله من أهله وأحبابه فينظر إليهم نظرة استعطاف !! نظرة رجاء !!فيقول بلسان الحال وربما بلسان المقال : يا أولادى .. يا أحبابى .. يا أخوانى لا تتركونى وحدى ، ولا تفردونى فى لحدى !!أنا أبوكم ، أنا الذى بنيت لكم القصور !! أنا الذى عَمَّرت لكم الدور! أنا الــذى نمَّيت لكـم التجارة !! فمن منكم يزيد فى عمرى ساعة أو ساعتين؟فدُّونى بأموالى .. فدُّونى بأعماركم !! وهنا يعلو صوت الحق كما قال جل وعلا : "مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ(28)هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ " الحاقة : 28،29 , وقد سجل التاريخ لهارون الرشيد عندما نام على فراش الموت فنظر إلى جاهه وماله وقال : ما أغنى عنى ماليه هلك عنى سلطانيه !!ثم قال : أريد أن أرى قبرى الذى سأدفن فيه !!
              فحملوه إلى قبره ، فنظر هارون إلى القبر وبكى ونظر إلى السماء وقال : يا من لا يزول ملكه ... ارحم من قد زال ملكه . أين الجاه ؟! أين السلطان ؟! أين المال ؟! أين الأراضى والأطيان ؟! ذهب كل شئ !! سبحانه ... سبحانه ... سبحانه , سبحان ذى العزة والجبروت ، سبحان ذى الملك والملكوت ، سبحان من كتب الفناء على جميع خلقه ، وهو الحى الذى لا يموت , سبحانك يا من ذللت بالموت رقاب الجبابرة , سبحانك يا من أنهيت بالموت آمال القياصرة ," كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ(26)وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ ", من يرقى بروحه ؟!! أو من يبذل له الرقية والعلاج ؟!! وقال سبحانه "وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ(28)وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ(29)إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ " إنه يوم المرجع .. إنه يوم العودة ... انتهى الأجل ... انتهت الدنيا وحتماً ستعرض على مولاك ,سأل سليمان بن عبد الملك عالمـاً من علماء السلف يقال له أبو حازم ، قال سليمان : يا أبا حازم ، ما لنا نكره الموت ؟!
              قال أبو حازم : لأنكم عمرتم دنياكم وخربتم أخراكم فأنتم تكرهون أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب !! أحبتى فى اللـه : فى زيارة إلى أمريكا نبهنى أحد القائمين على الدعوة هناك برجل مَنَّ اللـه عليه بالأموال ، وهو مسلم عربى ومع ذلك لا يصلى ، ولا يعرف حق الكبيـر المتعـال ذهبـت إليه لأذكره باللـه فقال لى بلسان المقال : أنا أتيت إلى هذه البلاد من أجل الدولار وأعدك إن عدت إلى بلدى لا أفارق المسجد قط , قلت : سبحان اللـه .. ومنْ يضمن لك يا مسكين أنك سترجع إلى بلدك ؟!! ، أو أن يمر عليك يوم بكامله ؟!!! واللـه لا تضمن أن تتنفس بعد هذه اللحظات .دع عنك ما قد فات فى زمن الصبا واذكر ذنوبـك وابكهــا يا مذنب...لــم ينسه الملكان حيـن نسيتـه بل أثبتــاه وأنـــت لاه تلعب...والروح منك وديعـــة أودعتها ستردهــا بالرغـم منك وتسلب...وغـرور دنياك التى تسعـى لهـا دار حقيقتها متـاع يذهــــب...الليـل فاعلم و النهـــار كلاهما أنفاسنا فيهما تعــــد وتحسـب... دنياك مهما طالت فهى قصيرة .. ومهما عظمت فهى حقيرة .. لأن الليل مهما طال لابد من طلوع الفجر .. ولأن العمر مهما طال لابد من دخول القبر .
              ثم سأل سليمان بن عبد الملك ، وقال : يا أبا حازم كيف حالنا عند اللـه تعالى ؟!! , قال : اعرض نفسك على كتاب اللـه , قال سليمان : أين أجده ؟!! , قال : فى قوله تعالى : " إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ(13)وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ " الانفطار : 13 ، 14 , قال سليمان بن عبد الملك : فأين رحمة اللـه يا أبا حازم ؟!! , قال أبو حازم" إِنَّ رَحمَتَ اللَّـهِ قَرِيبٌ مِّنَ المحُسِنِينَ" الأعراف:56 , فقال سليمان بن عبد الملك : فكيف عَرضُنَا على اللـه غداً , قال : أما المحسن فكالعبد الغائب من سفر يقدمُ على أهله ، فيستقبله الأهل بفرح ، والمسىء كالعبد الآبق يقدِمُ على مولاه , وفى الصحيحين من حديث عائشة رضى اللـه عنهـا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "من أحب لقاء اللـه أحب اللـه لقاءه ، ومن كره لقاء اللـه كره اللـه لقاءه " , قالت عائشة : يا رسـول اللـه أكراهية الموت ؟ كلنا يكره الموت , قال : " لا يا عائشة ، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة اللـه ورضوانه وجنته أحب لقاء اللـه وأحب اللـه لقاءه ، وإن الكافر إذا بشر بسخط اللـه وعذابه كره لقاء اللـه وكره اللـه لقاءه " , وفى صحيح البخارى من حديث أبى سعيد الخدرى رضى اللـه عنه أن رسول اللـه صلى الله عليه وسلم قال : " إذا وضعت الجنازة وحملها الرجال على الأعناق تكلمت وسمعها كل شئ إلا الثقلين - أو قال : إلا الإنسان - ولو سمع الإنسان لصعق ، فإن كانت صالحة قالت : قدمونى قدمــونى !! وإن كانت غير صالحة قالت : يا ويلها ..!! أين يذهبون بها !! " اللـهم سلم.. سلم , أيها اللاهى .. أيها الساهى .. أيها الشاب .. أيها الكبير .. أيها الصغير .. أيها الأمير .. أيها الوزير .. أيها الحقير ..ذكر نفسك ، وقل لها !! , يا نفس قـــد أزف الرحيــل وأظلك الخطب الجليــــــلُ ... فتأهبــــى يا نفـــــس لا يلعب بك الأمـــــل الطويـلُ ... فلتنـــزلــن بمنـــــزل ينسى الخليـلَ بـه الخليــــلُ ... وليركبن عليـك فيـــــــه من الثَّرَى حمل ثقيـــــــلُ ... قرن الفنــاء بنـا جميعــــا فلا يبقى العزيــــز ولا الذليلُ وأقول قولى هذا واستغفر اللـه لى ولكم
              الخطبة الثانية :
              الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً نبيه ورسوله ، اللـهم صلى وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين , أما بعد ... فيا أيها الأحبة الكرام ...
              هكذا تبدأ رحلتنا فى رحاب الدار الآخرة بالموت بعدما بَيَّنا بإيجاز حقيقة الدنيا وتنتهى هذه المرحلة الأولى بالوصول إلى القبر ، وها أنا سأقف معكم إن شاء اللـه تعالى لاحقا أمام القبر ، وحقيقة القبر ، وما معنى البرزخ وما معنى النعيم ، وما معنى الجحيم ، ولماذا لم يذكر اللـه عذاب القبر صراحة فى القرآن ؟ وهل ثبتت أحاديث صحيحة عن النبى صلى الله عليه وسلم وما هى حقيقة القبر؟ وما هى حقيقة البعث ؟
              لنواصل هذه الرحلة التى هى من الأهمية بمكان , ها أنا ذا أذكر نفسى أولاً ثم إخوانى وأحبابى فى هذه اللحظة
              بالتوبة والإنابة إلى رب الأرض والسموات وأقول :
              يا من أسرفت على نفسك بالمعاصى !!
              يا من تركت الصلاة فى بيوت اللـه !!
              يا من تركتِ الحجاب الشرعى وضيعت الصلاة !!
              يا من شغلك هُبَل العصرى ( التلفاز ) والشيطان عن اللـه عز وجل !!
              يا من أعرضت عن مجالس العلم وأماكن الخير والطاعة والعبادة !!
              يا من قضيت عمرك على المقاهى وتركت طاعات اللـه .
              تُبْ من الآن إلى اللـه وسيقبل اللـه توبتك إن كانت خالصة لوجهه قال تعالى :  قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ  .
              [ الزمر : 53 >.
              أقول لك أخى الحبيب :
              تُـبْ إلى اللـه ولا تيأس مهما بلغت ذنوبك ، مهما كثرت معاصيك اطرق باب الرحمن ، فلن يغلق اللـه فى وجهك قط ما دمت تستغفر وتتوب إليه  إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ
              [ النساء : 48 > .
              فعاهد نفسك من الآن على التوبة أينما كنت ألم يقل اللـه عز وجل؟!!
              يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ التحريم : 8 > .
              يقول: (( قال اللـه تعالى فى الحديث القدسى : " يا ابن آدم إنك ما دعوتنى ورجوتنى غفرت لك على ما كان منك ولا أبالى ، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتنى غفرت لك على ما كان منك ولا أبالى ، يا ابن آدم لو أتيتنى بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتى لا تشرك بى شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة " )) ( ) .
              أيها الحبيب ...
              اجتهد فى الدنيا وَعَمِّر الكون واربح ما استعطت من أموال ولكن بشرطين أن تربح من حلال ، وتؤدى حق الكبير المتعال .
              اجتهد فى الدنيا وازرع للآخرة ، فأنا لا أريد أن أقنِّتك من هذه الحياة قط وإنما أريد أن أذكر نفسى وإياك بأن الدنيا مزرعة للآخرة ، فلا ينبغى أن ننشغل بالدار الفانية على الباقية ، فغداً سترحل عن هذه الحياة ولن ينفعك إلا ما قدمت .
              (( يتبع الميت ثلاث ، ماله ، وأهله ، وعمله فيرجع اثنان ويبقى واحد يرجع أهله وماله ويبقى عمله )) ( ) .
              وينادى عليك فى القبر بلسان الحال :
              رجعـــــوا وتركــــوك و فـى التـــراب وضعــوك
              وللحســـاب عرضــــوك ولـو ظلوا معــك ما نفعــوك
              ولم يبقى لك إلا عملك مع رحمة الحى الذى لا يموت .
              .......... الدعــاء
              يتبع

              التعديل الأخير تم بواسطة محبة المساكين; الساعة 02-01-2012, 03:19 PM. سبب آخر: تنسيق الموضوع

              تعليق


              • #8
                رد: تفريغ سلسلة قي رحاب الاخرة للشيخ محمد حسان

                سابعا
                النفخ في الصور
                بسم اللـه الرحمن الرحيم
                إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستهديه ونعوذ باللـه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده اللـه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له , واشهد أن لا إله إلاَّ اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللـه حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " آل عمران - 102 " يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللـه الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللـه كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " النساء -1 , " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللـه وَقُولُـوا قَوْلا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُـمْ أَعْمَـالَكُمْ وَيَغْفِــرْ لَكُـمْ ذُنُوبَكُـمْ وَمَـنْ يُطِـعِ اللـه وَرَسُولَـهُ فَقَــدْ فَـازَ فَوْزًا عَظِيمًا " الأحزاب -70 ، 71 , أما بعــــد : فإن أصدق الحديث كتاب اللـه وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار , أحبتى فى اللـه : هذا هو لقاءنا الثامن مع السلسة الكريمة فى رحاب الدار الآخرة ونحن الآن على موعد مع حدث هام يحدث حين قيام الساعة ألا وهو النفخ فى الصور وإليك هذه الآيات الكريمة :" يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا(102)يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا عَشْرًا(103)نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا يَوْمًا(104)وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا(105)فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا(106)لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا(107)يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا(108) يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا(109)يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا " طه : 102 -110 , فبعد أن تكلمنا آنفا عن العلامات التى ستقع بين يدى الساعة بقى لنا أن نتكلم عن قيام الساعة والأحداث التى ستقع حينذاك ، فالساعة على الفور تقوم بعد حدوث هذه العلامات كلها بأمر من اللـه جل وعلا لإسرافيل بالنفخ فى الصور لتبدأ القيامة بأحداثها المزلزلة المروعة , وحتى لا ينسحب بساط الوقت من تحت أيدينا سريعاً فسوف ينتظم حديثنا مع حضراتكم تحت هذه الموضوع فى العناصر التالية :
                أولاً : ما هو الصور ؟ومن هو صاحبه؟!
                ثانياً : نفخة الفزع .
                ثالثاً : نفخة الصعق .
                فأعرنى قلبك وسمعك أيها الحبيب ، وتدبر جيداً ماذا يحدث عند قيام الساعة فى هذا الحدث المفزع المروع ألا وهو النفخ فى الصور , بادئ ذى بدء أبدأ بسؤال أراه على لسان كل واحد منكم .
                أولاً : ما هو الصور ؟! ومن هو صاحبه ؟
                ما هو الصور ؟!
                اسـمـع الجـواب مـن سـيد الـمـرسـلـيـن صلى الله عليه وسلم فى الـحـديث الصحيح الـذى رواه الإمام أحمد وأبـو داود والترمذى وغيرهم ، من حديث عبد اللـه ابـن عمرو بـن العـاص رضى اللـه عنهمـا قـال : "جـاء أعـرابى إلى النبـى صلى الله عليه وسلم فقـال يا رسـول اللـه ما الصـور ؟! فقـال : " قـرن ينفخ فيه وصاحب هذا القرن هو إسرافيل"" , وفى الحديث الذى رواه الحاكم فى المستدرك وصححه على شرط الشيخين وأقره الذهبى وهو كما قال ، من حديث أبى هريرة رضى اللـه عنه يقول رسول اللـه صلى الله عليه وسلم : " ما أطرف صاحب الصور منذ أن خلقه اللـه ووكله بذلك فهو ينتظر بحذاء العرش ما أطرف ينتظر متى يأمر كأن عينيه كوكبان دريان " , يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فى الحديث الذى رواه أحمد وأبو داود والترمذى وصححه الألبانى بشواهده من حديث أبى سعيد الخدرى قال قال رسول اللـه صلى الله عليه وسلم : " كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن ، وَحَنَا جبهته وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر فينفخ ؟ " فثقل ذلك على أصحـاب النبى صلى الله عليه وسلم وشق عليهم فقالوا : كيف نصنع ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " قولوا : حسبنا اللـه ونعم الوكيل " وفى رواية " قولوا : حسبنا اللـه ونعم الوكيل على اللـه توكلنا " , بل وقد حدد لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم اليوم الذى يأمر اللـه فيه إسرافيل بالنفخ فى الصور ، ففى الحديث الذى رواه مسلم من حديث أبى هريرة رضى اللـه عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :" خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم ، وفيه أدخل الجنة ، وفيه أخرج منها ، وفيه تقوم الساعة " وفى راوية أخرى "وفيه الصعقة فأكثروا على من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علىّ " , فيأمر اللـه جل وعلا إسرافيل بالنفخ فى يوم جمعة ، متى هو ؟ اللـه أعلم لأننا قبل ذلك أَصَّلنْا أن القيامة لن تقوم إلا على شرار الخلق إذ أن رب العالمين قد يرسل ريحاً طيبة باردة لتقبض أرواح المؤمنين على ظهر الأرض حتى لو دخل المؤمن فى كهف أو غار فى جبل تدخل هذه الريح لتقبض روحه ولا يبقى فى الأرض إلا شرار الخلق ، وعليهم تقوم الساعة , ويأمر اللـه أن ينفخ النفخة الأولى نفخة الفزع وهذا هو عنصرنا الثانى.
                ثانياً : نفخة الفزع
                قال اللـه تعالى :" وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ "النمل : 87 , اختلف أهل العلم فى من استثنى اللـه جل جلاله : قال بعضهم : إنهم الأنبياء ، ومنهم من قال : أنهم الشهداء فالشهداء أحياء عند ربهم يرزقون , ومنهم من قال : هم الملائكة ، ومنهم من قال : بل هم جبريل وإسرافيل ومكائيل وعزرائيل وحملة العرش فقط , ومنهم من قال : هم حور العين فى جنات رب العالمين , ومنهم من قال : نبى اللـه موسى عليه السلام هوالمستثنى فى قوله تعالى : " فصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ " واحتجوا على ذلك بحديث صحيح رواه البخارى أنه صلى الله عليه وسلم قال : " أنا أول من يفيق بعد النفخة فإذا أنا بموسى آخذ بالعرش فلا أدرى أكان ممن أفاق قبلى أم كان ممن استثناهم اللـه جل جلاله " , لذا فأنا أقول بأن الجزم بمن استثنى اللـه فى هذه الآية غير دقيق ، فإذا كان معلم البشرية كلها لم يجزم لنبى اللـه موسى ، إذا كان النبى سكت عن ذلك فلا ينبغى لأهل العلم قاطبة أن يجزموا لمن استثناهم اللـه فى الآية فعلم اللـه لا ينال إلا بالخبر الصحيح عن رسول اللـه صلى الله عليه وسلم ,ففزع من فى السموات ومن فى الأرض ..!!أى تنفك كل صلات الكون وروابطه ، تتزلزل الأرض كالقنديل المعلق فى سقف المسجد وترتج بأهلها رجَّات عنيفة مزلزلة ، ما من أحد يسمع هذه الصيحة إلا وقد رفع لينا - أى رفع صفحة عنقه وأما من أخرى يستمع إلى هذه الصيحة التى قد أفزعت كل حى من أهل السماء ومن أهل الأرض , تصور معى هذه المشاهد التى تخلع القلب لتقف علىحجم وكم هذا الفزع الذى لا نسيح له البتة ، فالشمس قد ذهب ضياءها ، والكواكب ما عادت تضئ ، تناثرت هنا وهناك وتمزقت بأمر اللـه , البحار والأنهار ما عادت تحوى بطونها ماء ، فماءها تحول نار أجاج ، الجبـال من أرسـاها جعلها دكاء ، أصبحت الآن قطع متناثرة كالعهن المنفوش , ولك أن تعيش هذه الأحداث بقلبك وعقلك وكيانك حتى تقف على الهول الذى سينتاب هذه الأرض التى تراها الآن ، تأمل هاتين الآيتين :" إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا(1)وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا "الزلزلة : 1، 2 , تصور معى قول النبى صلى الله عليه وسلم : " من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأى العين فليقرأ إذا الشمس كورت وليقرأ إذا السماء انفظرت وليقرأ إذا السماء انشقت " , فلنقرأ معاً قول اللـه تعالى : " إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ(1)وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ(2)وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ(3)وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ(4)وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ(5)وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ(6)وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ(7)وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ(8)بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ(9)وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ(10)وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ(11)وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ(12)وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ(13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ " التكوير : 1،14 , " إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ " بعد هذه النفخة يحدث انقلاب هائل فى الكون عامة ، فتكوير الشمس هو أن الشمس التى تمدنا الآن بالضوء والدفء والحرارة كل هذا ينسحب ، وتظلم الشمس التى يضرب بضوءها كل ضياء , قال ابن عباس : أى جمعت ووضعت تحت العرش , فى صحيح مسلم من حديث أبى ذر أن النبى صلى الله عليه وسلم نظر يوماً إلى الشمس فقال لأصحابه : " أتدرون أين تذهب هذه الشمس " , قالوا : اللـه ورسوله أعلم ، قال : " إنها تجرى حتى تنتهى إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة لله جل وعلا ", وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * أظلمت وتناثرت وذهب ضياءها * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ " ، الجبال العملاقة الراسية فى الأرض حينذاك يدكها الملك جل جلاله فى الأرض وتتحول إلى قطع صغيرة متناثرة كالعهن المنفوش أى كالصوف المنفوش , سبحان اللـه!! تدبر جيداً قول الملك : "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا(105)فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا(106)لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا(107)يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا(108)يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا(109)يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا(110)وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا "طه : 105،111, "وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَت"العشار : هى النوق وهى من أغلى ما يمتلكه العربى فى الجزيرة العربية , إذا سمع الناس وأهل الأرض جميعا نفخة الفزع، فلا ينظر الرجل إلى هذه النوق ، ما عادت تمثل له شئ أنذاك لأنه حدث لهم ما يشغلهم عن زخارف الدنيا .
                " وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ" : السباع المفترسة إلى جوار الأليفة ما عاد الوديع يخشى المفترس !! , "وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ" : سبحان اللـه! حتى المياه التى كانت سبباً للحياة يحولها اللـه إلى حمم ،كتل نارية يعود الماء إلىأصله - الأكسجين والنيتروجين - فيتحول الماء إلىنار مشتعلة متأججة ," وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ": زوجت أرواح المؤمنين بالحور العين فى جنات رب العالمين ، أو قرنت الأرواح بالأجساد أو قرن الكافرون بالشياطين., " وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ(8)بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ": وإذا سئل عن قتل الموءودة أى ذنب اقترفته هذه البريئة لتقتل بهذا الظلم والعدوان ," وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ " : تنشر الصحف للقراءة, "وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ ": أى طويت كطى السجل للكتب ، يطويها الملك بيمينه ، سبحان اللـه! ولم لا وهو رفعها بلا عمد ..!! , " وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعرَتْ" أى تأججت واشتعلت نيرانها وجاءت تتلمظ وهى تقول هل من مزيد ؟! هل من مزيد ؟! , "وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ " : قربت للموحدين ، قربت للمتقين ، قربت للمؤمنين , "عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ" : علم كل واحد حقيقة أقواله وحقيقة أعماله ، سترى كل أعمالك .. سترى كل شئ قدمته من قول أو فعل ، قد سطر عليك " فِى كِتَابٍ عنْدَ رَبِّى لا يَضِلُّ رَبِّى وَلا يَنسَى " , وسألحق ذلك بالتفصيل إن قدر لنا اللـه البقاء واللقاء , تدبر جيداً هذه الآيات " إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ(1)وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ(2)وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ(3)وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ(4)عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ " الانفطار : 1، 5 , "إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ(1)وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ(2)وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ(3)وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ(4)وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ " الانشقاق: 1 -5 , " يأيها النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ(1)يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ " الحج : 1 ، 2 , تدبر وتصور جيداً هذه المشاهد لتقف على حجم الهلع العظيم والفزع الذى يحدث يوم زلزال القيامة الكبير الذى لا شبيه له البتة " وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ(42)مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ(43)وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ(44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ(45)وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ(46)فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ(47)يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ(48)وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ(49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ " إبراهيم : 42،50 , قف مع قول اللـه جل وعلا : " وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ " أى من فزع وهلع اليوم الموعود ، أفئدتهم خلت من القلوب ، أين القلوب ؟!! خرجت من الصدور ، إلى أين ؟!! إلى الحناجر ... لماذا ؟!! من الفزع !!, " وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ " , اللـه أكبر ... يخرج القلب من مكانه فى الصدر إلى الحنجرة من شدة الهول والهلع والفزع , أى فزع هذا ؟!! أى هلع هذا ؟!! قمة الهول !! قمة الفزع !! وهذا تصور قاصر ، لكن لو تدبرت المعانى أعطاك اللـه جل جلاله قدر صفاءك وإخلاصك وصدقك لتقف على حجم هذه المشاهد المروعة , هذه النفخة تمضى فترة من الزمن ... هل تعلمها ؟ .. بالطبع لا
                فقد ثبت من حديث أبى هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال : " بين النفختين أربعون " قالوا : يا أبا هريرة أربعون يوماً ، قال : أبيت ، قالوا : أربعون شهراً ، قال : أبيت ، قالوا : أربعون سنة ، قال : أبيت " , ما معنى أبيت ؟ قال أبيت أن أسأل عن ذلك رسول اللـه صلى الله عليه وسلم , فَعِلْم هذه الأربعين عند رب العالمين ، وبعد الأربعين يأمر اللـه جل وعلا إسرافيل أن ينفخ فى الصور النفخة الثانية وهذا هو عنصرنا الثالث .
                ثالثاً: نفخة الصعق
                اختلف أهل العلم فمنهم من قال : "ينفخ إسرافيل نفختين اثنتن الأولى نفخة الفزع والثانية الصعق فى آن واحد ", وتبنى هذا الرأى الحافظ ابن حجر والإمام القرطبى فى التذكرة وقال :" بأن الصعق ملازم للفزع الأكبر ، أى فزعوا فزعاً ماتوا منه "، ولذا فالحافظ والإمام القرطبى قالا :" نفختين اثنتين فى آن واحد", وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن كثير والإمام ابن العربى "إلى أن اللـه يأمر إسرافيل أن ينفخ فى الصور نفخة الفزع الأكبر ونفخة الصعق ونفخة البعث "، وهذا هو الذى أميل إليه لأن صريح القرآن يقول ذلك فلقد فرق اللـه فى صريح القرآن بين نفخة الفزع ، ونفخة الصعق ، ونفخة البعث ، إذ يقول " وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ" النمل : 87 , وقال " وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ " الزمر : 68 , ثم قال بعدها عن نفخة البعث " ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ " الزمر : 68.ولقد اختلف أهل العلم فيمن استثناهم اللـه ، منهم من قال هم : الملائكة ، ومنهم من قال : هم جبريل وإسرافيل ومكائيل وعزرائيل وحملة العرش فقط ، ومنهم من قال : هم الشهداء ، فالشهداء أحياء عند ربهم يرزقون ومنهم من قال : هم الحور العين ، ومنهم من قال : إن نبى اللـه موسى عليه السلام هو المستثنى فى قوله تعالى : "فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ" ، واحتجوا على ذلك بحديث صحيح رواه البخارى أنه صلى الله عليه وسلمقال : " أنا أول من يفيق بعد النفخة فإذا أنا بموسى آخذ بالعرش فلا أدرى أكان ممن أفاق قبلى أم كان ممن استثناهم اللـه جل وعلا " , ولذا فأنا أقول بأن الجزم بمن استثنى اللـه فى هذه الآية غير دقيق ، إذا كان المصطفى لم يجزم لنبى اللـه موسى يقول فلا أدرى أكان موسى ممن أفاق قبلى أم كان ممن استثناهم اللـه جل وعلا , فإذا كان المصطفى لم يجزم لنبى اللـه موسى فلا ينبغى لأحد بعد المصطفى من أهل العلم قاطبة أن يجزم لمن استثناهم اللـه فى الآية ، فعلم اللـه لا ينال إلا بالخبر الصحيح عن رسول اللـه صلى الله عليه وسلم , " وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ" صعق أى مات كل حى وبقى الحى الذى لا يموت , ورد فى حديث الصور الطويل الذى رواه البيهقى والطبرانى والطبرى وابن أبى حاتم وغيرهم ، وللأمانة العلمية التى اتفقنا عليها وأَصَّلناه من قبل فإن الحديث بطوله ضعيف ، ومدار ضعفه على إسماعيل بن رافع ، وهو ضعيف كما قال علماء الجرح والتعديل فى هذا الحديث : " يأتى ملك الموت للملك فيقول المَلِك لِمَلَك الموت يا ملك الموت من بقى ؟ - وهو أعلم جل جلاله - فيقول : بقى جبريل وإسرافيل وميكائيل وحملة العرش وبقيت أنا ، فيقول الملك ليمت جبريل - لام الأمر - ليمت إسرافيل ليمت حملة العرش ، ويبقى ملك الموت فيأتى للملك فيقول له الملك : من بقى يا ملـك المـوت ؟ فيقـول : بقيـت أنا ، فيقـول الملـك : أنـت خلق من خلقى وخلقتـك لما ترى فمت يا ملك الموت فيموت ويبقى الحق الذى لا يمـوت " , سبحان ذى الملك والملكوت ، سبحان ذى العزة والجبروت ، سبحان الذى كتب الموت على جميع الخلائق وهو الحى الباقى الذى لا يموت , ماتت الملائكة ... مات جبريل ... مات إسرافيل ... مات ميكائيل ... مات ملك الموت ... مات حملة العرش...مات الملوك .. مات الزعماء .. مات الرؤساء .. مات الوزراء ... مات الأغنياء .. مات الفقراء .. مات الصالحون .. مات الطالحون ... مات ذوو الهمم والغايات النبيلة .. مات الجبناء الحريصون على الحياة بأى ثمن .. الكل يموت " كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ(26)وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ " الرحمن : 26 - 27 , ويبقى الملك فيطوى السموات والأرض بيمينه ويهتف بصوته جل جلاله ويقول أنا الملك ، أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ ثم يقول جل جلاله لمن الملك اليوم ؟! لمن الملك اليوم ؟! لمن الملك اليوم ؟! فلا يجيبه أحد فيجيب علىذاته لله الواحد القهار , يقول جل جلاله : "رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ(15)يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ " غافر : 15-16 , أين الظالمون ؟! أين الطالحون ؟! أين الصالحون ؟! أين الفراعنة ؟! أين القياصرة ؟! أين الأكاسرة ؟! أين فرعون ؟! أين هامان ؟! أين قارون ؟! , أين من اغتروا بالكراسى الزائلة ؟! أين من فتنوا بالمناصب الفانية ؟!, أين من اغتروا بالأموال والعمارات ؟! أين من اغتروا بالسيارات والدولارات ؟!
                أين الظالمون ؟!! أين التابعون لهم فى الغى ؟ , أين من دوخوا الدنيا بسـطوتهم ؟! وذكرهـم فى الورى ظلم وطغيان , هل أبقى الموت ذا عزٍ لعــزته ؟! أو هل نجا منه بالسلطان إنسـان؟ , لا والذى خلق الأكوان من عــدم الكل يفنى فلا إنـــس ولا جان , قال جل وعلا : "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ(26)وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ " ، وقال : " كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ" القصص : 88 , مهما عشت فأنت راحل ، مهما أحببت فأنت مفارق ، مهما جمعت فأنت تارك .
                فيا أخى الكريم : يا من أجلسك اللـه علىالكرسى ، يا من هيأ اللـه لك المنصب .. ورب الكعبة - أبذلها بكل حب وإخلاص - إن الكرسى زائل وإن المنصب فان ، وإن الحى جل جلاله هو الباقى ، واعلم بأنك راحل .. فإياك أن تغتر بمنصبك ، وإياك أن تفتن بكرسيك فلا تستغل الكرسى إلا فى مرضاة اللـه وطاعته، واعلم بأن الكرسى إما أن يقربك إلى اللـه ثم الجنة بإذن اللـه ، وإما أن يبعدك عن اللـه ويقذفك فى النار والعياذ باللـه ، فاتخذ الكرسى وسيلة إلى جنة العزيز الغفار .
                انظر أيها الحبيب نظرة التمحيص إلى من سبقك لو دام الكرسى لغيرك واللـه ما وصل إليك .
                أيــا عبــدُ كَمْ يراك الله عاصياً
                أنسـيت لقاء الله واللحد والثرى
                لو أن المرء لم يلبس ثياب التقى
                ولو أن الدنيا تدوم لأهلها
                ولكنها تفنى ويفنى نعيمهـــــا حريصـاً على الدنيا وللموت ناسيا
                ويوما عبوساً تشيـب فيه النواصِيَا
                تجرد عُرْيانـاً ولـو كان كاسيا
                لكان رسـول اللـه حيا وباقيا
                وتبقـى الذنـوب كما هــــى
                وتدبر قول القائل :
                يا نفـس قد أزف الرحيــــل
                فتأهبى يـا نـفس لا يلعـب
                فلتنزلن بمنزل ينسى
                وليركبـن عليـك فيــــه من
                قرن الفناء بنا جميعـا فــــــلا وأظلك الخَطْـبُ الجليــل
                بك الأمـل الطـويل
                الخليـل به الخليل
                الثـــــرى حمل ثقيـل
                يبقى العـزيــز ولا الذليـــل
                إنها الحقيقة الكبرى التى تعلن على مدى الزمان والمكان فى أذن كل سامع ، وعقل كل مفكر وأديب ، أنه لا بقاء إلا للحى الذى لا يموت ، إنها الحقيقة التى تصبغ البشرية كلها بصبغة العبودية ، والذل لقهار السموات والأرض إنها الحقيقة التى تسربل بها طوعا وكرها الصالحون والطالحون ، وشرب كأسها الأنبياء والمرسلون إنها الحقيقة الكبرى فى هذا الوجود بعد كلمة الإخلاص ، كلمة التوحيد ، كلمة لا إله إلا اللـه , فيا أيها الأحبة الكرام : إن الحياة على ظهر هذه الأرض موقوتة محدودة بأجل ثم تأتى نهايتها حتما ، فيموت الصالحون والطالحون ، يموت المجاهدون والقاعدون ، يموت ذو الاهتمامات العالية والغايات النبيلة ويموت التافهون الحريصون علىالدنيا بأى ثمن .
                قال تعالى : " كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ(26)وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ " الرحمن : 26،27 .
                " وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ" الزمر : 68
                .......... الدعـــــــــاء...........


                التعديل الأخير تم بواسطة جارة فاطمة; الساعة 08-02-2012, 02:22 PM.

                تعليق


                • #9
                  رد: تفريغ سلسلة قي رحاب الاخرة للشيخ محمد حسان



                  الخامس عشر

                  نفخة البعث

                  بسم اللـه الرحمن الرحيم
                  إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باللـه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده اللـه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له , وأشهد أن لا إله إلاَّ اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللـه حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " آل عمران - 102 ,"يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللـه الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللـه كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " النساء -1 ," يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللـه وَقُولُـوا قَوْلا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُـمْ أَعْمَـالَكُمْ وَيَغْفِــرْ لَكُـمْ ذُنُوبَكُـمْ وَمَـنْ يُطِـعِ اللـه وَرَسُولَـهُ فَقَــدْ فَـازَ فَوْزًا " الأحزاب -70 ، 71 , أما بعــــد : فإن أصدق الحديث كتاب اللـه ، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار ,أحبتى فى اللـه :هذا هو لقاءنا التاسع مع رحلة فى رحاب الدار الآخرة وها نحن الآن على موعد مع حديث مروع مهيب يحدث حين وقوع الساعة , قال اللـه تعالى : " وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرض إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ(68)وَأَشْرَقَتِ الأَرض بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ(69)وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ " الزمر : 68 -70 , فبعد أن تكلمنا آنفا عن الصور ، ونفخة الفزع ، والصعق بقى لنا أن نتكلم عن نفخة البعث ؟ وكما تعودنا أيها الأحبة الكرام حتى لا ينسحب بساط الوقت من بين أيدينا سريعاً سوف ينتظم حديثى فى هذا الموضوع الهام فى العناصر التالية :
                  أولاً : نفخة البعث
                  ثانياً : الأدلة على البعث من القرآن والسنة
                  ثالثاً : من مات على شىء بعث عليه
                  لقد انتهينا فى اللقاء الماضى عند هذا المشهد الرهيب فى وسط هذا الكون المذهل المهيــب حينما ينطق صوت جليل قريب يسأل صاحب الصوت ويجيب فلا يومها من سائل غيره ولا مجيب .
                  ويقول بعد فناء كل الخلق قاطبـة أين الملوك ؟! أين الجبارون ؟! أين المتكبرون ؟! ثم ينادى جل جلاله بصوته سبحانه ويقول : لمن الملك اليوم ؟! فلا يجيب على اللـه أحد لأنه لا أحد يجيب على ذاته جل فى علاه ويقول :لله الواحد القهار , مات كل مخلوق ولم يبق إلا اللـه الواحد الأحد الفرد الصمد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، كان آخراً كما كان أولا " هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " هو الأول فلا شىء قبله وهو الآخر فلا شىء بعده وهو الظاهر فلا شىء فوقه وهو الباطن فلا شىء دونه وهو السميع العليم .
                  أولاً : نفخة البعث
                  واللـه لا يعلمها إلا من وسع علمُه كلَ شىء ؟! ففى الصحيحين من حديث أبى هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال : " بين النفختين أربعون "قالوا : ياأبا هريرة أربعون يوماً قال أبا هريرة : أبيت ؟ قالوا : ياأبا هريرة أربعون شهراً قال : أبيـت ؟ قالـوا : ياأبـا هريـرة أربعون سنة قال : أبيت أن أسأل رسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك فعلمها عند اللـه " بعد أربعين إذا أراد اللـه أن يحى ويبعث خلقه أنزل من السماء ماءً فتنبت به الأجسام فى القبور تحت باطن الأرض كما ينبت البقل " , ففى صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: " كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب( ) منه خلق ابن آدم ومنه يركب " فإذا ماأراد اللـه أن يبعث الخلائق أتى بهذه العظمة الدقيقة وأتى بجسد صاحبها .. ماتفرق منه فى البحار .. وما تفرق منه فى التراب .. وماذهب منه إلى بطون الحيوانات والسباع .. يأتى به اللـه جل وعلا ويركب اللـه جل وعلا جسد صاحبها واللـه يعلم عظمة كل إنسان خلقه من لدن آدم إلى يوم القيامة فتكتمل الأجساد فى القبور وحينئذ يأمر إسرافيل بعد مايحييه أن يلتقم الصور( )وينفخ نفخة البعث فتخرج الأرواح .. أرواح المؤمنين لها نور وأرواح المشركين لها ظلمة !! فتسرى الأرواح إلى الأجساد التى اكتملت كما يسرى السم فى اللديغ وحينئذ يأمر اللـه جل وعلا الأرض أن تتزلزل وأن تتشقق ليخرج منها الناس من لدن آدم إلى آخر رجل قامت عليه القيامة , قال تعالى : " وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرض إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ(68)وَأَشْرَقَتِ الأَرض بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ(69)وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ " الزمر : 68 -70 , وقال تعالى : "وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ(51)قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ(52)إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ(53)فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ " يس : 51 - 54 , وقال تعالى : " وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ(41)يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ(42)إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ(43)يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرض عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ(44)نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْءَانِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ " ق : 41 - 45 , واستمع معى إلى قول اللـه عز وجل "إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرض زِلْزَالَهَا(1)وَأَخْرَجَتِ الأَرض أَثْقَالَهَا(2)وَقَالَ الإِنْسَانُ مَا لَهَا(3)يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا(4)بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا(5)يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ(6)فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ " الزلزلة : 1 - 8 , تعال معى أخى فى اللـه لنتجول سريعاً مع معانى هذه الآيات : "إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرض زِلْزَالَهَا(1)وَأَخْرَجَتِ الأَرض أَثْقَالَهَا " : أى إذا حدث زلزال الأرض العظيم الذى ليس له مثيل على الإطلاق ، فلفظت الأرض ما حوته من جثث الخليقة وقالت بلسان الحال لقد أثقلتمونى كثيراً بذنوبكم ومعاصيكم فتحملت منكم الكثير ، من سفك دماء ، وسلب ونهب ، وطغيان ، وعربدة ، وسرقة ، وما إلى ذلك من تلكم المعاصى ؟ "وَقَالَ الإِنْسَانُ مَا لَهَا " : ما الذى حول أمنها إلى اضطراب ؟! ماالذى حول سكونها إلى زلزلة ؟! ماالذى حدث ؟! فترد الأرض عليهم وتقول : إنها أوامر اللـه... سبحـــان اللـه الأرض تتكلـــم ! إنهــا إرادة اللـه !! " يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا(4)بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا " : فى هذا الوقت سوف تعرف الأحداث ، سوف تعرف الأخبار وذلك بأمر من اللـه رب السموات والأرض . "يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ(6)فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ " : باللـه عليك عش بقلبك ، وكيانك معى هـذا المشهـد الذى يخلع القلب ويزلزل الكيان . الأرض تتشقق وتتفتح القبور متناثرة هنا وهناك فى شمال وجنوب وغرب وشرق ، تتشقق تلكم القبور ويخرج من كل قبر عشرة أو مائه أو ألف يخرج من هنا وهنالك يخرج هذا وذاك ، شَخُصَ البصر إلى اتجاه واحد لايلتفت يميناً ولا يساراً إلى هذا الداعى - الملك الكريم - الذى جاء بأمر رب العالمين ليقود الناس جميعاً إلى أرض جديدة عفراء لم يطأها أحد من قبل بقدميه ألا وهى أرض المحشر , قال جل وعلا : " يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا(108)يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا(109)يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا(110)وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا " طه : 108 - 111 ," يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ " لا يلتفت أحد ولا يتخلف أحد ، أيتها العظام البالية أيتها العظام النخرة ، ياأكفاناً خاوية ويا قلوباً خاوية ويا عيوناً سائلة ويا أبداناً فاسدة , أيها الناس جميعاً فى القبور حان وقت القيام لفصل القضاء بين يدى الملك الغفور , ترى كيف يخرج الناس من قبورهم ؟! يخرج الناس من القبور حفاة ، عراة ، غُرْلا . لانعال فى أقدامهم . لاثياب تغطى أبدانهم . لاشىء يسترهم , غرلا : جمع أغرل والأغرل هو الصبى الصغير المولــود قبل ختانه , قال تعالى : "كَمَا بَدَأنَا أَوَّلَ خَلـقٍ نُّعِيدُهُ وَعْـداً عَلَينَا حَقاً إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ " الانبياء : 104 , يقول النبى صلى الله عليه وسلم " يحشر الناس حفاةً عراةً غرلاً " , فتعجبت عائشة أم المؤمنين قالت : يارسول اللـه الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض ؟!! فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم : "يا عائشة الأمر أشد من أن يهمهم ذلك " , قال جل وعلا :" فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ(33)يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ(34)وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ(35)وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ(36)لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ " عبس : 33 - 37 , تصور هذا المشهد يا عبد اللـه لتقف على هول وفظاعة هذا اليوم .
                  تذكر وقوفك يوم العرض عريان
                  والنار تلهب من غيظ ومن حنق
                  اقــرأ كتابك ياعبد على مهل
                  فلما قرأت ولم تنكر قراءته وأقررت
                  نادى الجليل خذوه ياملائكتى
                  المشــركون غداً فى النار يلتهبوا مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا
                  على العصاة ورب العرش غضبانا
                  فهل ترى فيه حرفاً غير ما كانا
                  إقرار من عرف الأشياء عرفانا
                  وامضو بعبد عصى للنار عطشانا
                  والمؤمنون بدار الخلــــد سكانا
                  ياعبد اللـه دثر نفسك فى هذا اليوم برداء طيب كريم ألا وهو رداء العمل الصالح .. دثر جسدك فى هذا اليوم برداء العمل الصالح .. رداء الطيبات الصالحات الباقيات عند رب الأرض والسموات .
                  ذلك أن العمل الصالح هو القائد الوحيد إلى جنان العزيز الحميد .
                  ثانياً : الأدلة على البعث من القرآن والسنة:-
                  ها هو أحد الجاحدين يأتى إلى النبى صلى الله عليه وسلم بعظم فيفته بين يديه ويذره فى الهواء ويقول للنبى فى سخرية واستهزاء : يامحمد أتزعم أن ربك يبعث هذا بعد ماصار رميماً ؟!! فقال له النبى صلى الله عليه وسلم : " نعم يميتك ثم يحيك ثم يدخلك النار " ,فنزل قول اللـه جل وعلا :
                  " أَوَلَمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ(77)وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ(78)قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ(79)الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ(80)أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرض بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ(81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(82)فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ " يس : 77 - 83 , يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم كما فى الحديث الذى رواه أحــمد فى مسنده بسند حسن من حديث بسر بن جحاش القرشى " أن الحبيب النبى صلى الله عليه وسلم بصق يوماً على كفه ووضع المصطفى أصبعه عليها ثم قال : قال اللـه تعالى : "ياابن آدم أنى تعجزنى وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين برديـن وللأرض منـك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغــت الروح التراقى قلت أتصـــدق ، وَأّنَّى أوان الصــدقة "" قال تعالى : " أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى(36)أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى(37)ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى(38)فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى(39)أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى " القيامة : 36 -40 , بلى وعزته وجلاله إنه لقادر على أن يبعث الموتى , وفى الصحيحين من حديث أبى هريـــرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قــال : قـال اللـه تعالى : " كذبنى ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمنى ابن آدم ولم يكن له ذلك ، أما تكذيبه إياى ، فقوله لن يعيدنى كما بدأنى ، وليس أول الخلق بأهون علىَّ من إعادته وأما شتمه إياى فقوله اتخذ اللـه ولدا وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لى كفوا أحد " , قال تعالى : " زَعَـمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَن يُبعَثُوا قُل بَلَى وَرَبَّى لَتُبعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَئونَّ بِمَا عَمِلتُــم " التغابن : 7 , أى سيبعثهم اللـه وسوف يقرأوا فى الصحائف التى لاتغادر صغيرة ولا كبيرة ولا تظلم مثقال ذرة من أعمالهم التى اقترفوها , فرد الكفار المعاندون المكابرون وقالوا كما جاء فى كتاب اللـه : "وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا(49)قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا(50)أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا(51)يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا " الإسراء : 49-52 , وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال " كان رجل يسرف على نفسه فلما حضرته الوفاة جمع بنيه وقال يا بنى إذا أنا مت فحرقونى فإذا صرت فحماً فاسحقونى فإذا كان يوم ريح عاصف فزرونى - وفى لفظ فازروا نصفى فى البر ونصفى فى البحر - فلإن قدر علىَّ ربى ليعذبنى عذابا ماعذبه أحداً من العالمين " وأخذ هذا الرجل العهود والمواثيق على أولاده أن يحرقوه وأن يسحقوه وأن ينثروه فىالريح فى البر والبحر فلما مات الرجل فعلوا به ذلك . يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : " فأمر اللـه البر فجمع مافيه وأمر اللـه البحر فجمع مافيه وقال الملك جل جلاله لهذا الرجل كن ، فإذا هو رجل قائم بين يديه سبحانه ثم قال : عبدى ما حملك على ذلك ؟ قال : خشيتك يارب وأنت تعلم فغفر اللـه له " , وفى الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضى اللـه عنه قال : سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول قال اللـه : "ياابن آدم إنـك ما دعـوتنى ورجـوتنى غفرت لـك علـى ماكان منك ولا أبالى ، ياابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم اسـتغفرتنى غفرت لك على ما كان منك ولا أبالى ، ياابن آدم لو أتيتنى بقُـراب الأرض خطايا ثم لقيتنى لا تشرك بى شيئاً لأتيتك بقرابها مغفـرة " ولقد ضرب اللـه لنا أمثلة عملية فى كتابه الكريم نزفها إلى كل من يجهل حقيقة البعث وينكر هذه الحقيقة التى لاريب فيها , قال سبحانه : " أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(259) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " البقرة : 259-260 , يقول أهل التفسير :مر العـُـزير علــى قرية بيت المقدس وقد دمر القرية بختنصر وأصبحت لا مظهر فيها لأسباب الحياة فوقف العزير أمام هذه القرية متأملاً متدبراً ثم قال كيف يحى اللـه هذه القرية بعد موتها ؟!!
                  كيف يبعث اللـه جل وعلا هؤلاء الأموات ؟!! وكيف يعيد الحياة إلى هذه القرية الخاوية ؟!! فأماته اللـه مائة سنة ثم بعثه ، وخاطبه بواسطة الملك قال : ياعزير كم لبثت ؟!! فوجد العزير الشمس تميل إلى الغروب فظن أنها شمس اليوم الذى نام فيه فقال : لبثت يوماً أو بعض يوم قال : ياعزير لقد لبثت مائة سنة ، كيف ذلك ؟!! انظر إلى وجهى المقارنة الثابت ، والمتحرك ، انظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه أى لم يتغير لونه أو طعمه أو رائحته , فكر فى هذا جيداً لتعلم أن الملك على كل شىء قدير .. انظر إلى حمارك فإذا به قد بلى وتحول إلى عظام رميم فأمر اللـه جلا وعلا أن يحيى هذا الحمار أمام عينه وبين يديه ليجعله برهاناً دامغاً للناس جميعاً على أن اللـه على كل شئ قدير ، أمر اللـه تعالى الأرض أن تجمع العظام ، فجاءت العظام من هنا ومن هناك بعدما صارت رميم فالتئمت واكتملت وصار كل عظم إلى جوار العظم الذى يليه فتركبت العظام وأصبح الحمار هيكلاً عظمياً فقط بين يدى العزير وعلى الفور أمر اللـه جل وعلا أن تكسى العظام باللحم وبالتوالى أمر أن يكسى اللحم بالشعر ، وفى التو أمر اللـه الملك أن ينفخ الروح فنهق الحمار بإذن اللـه سبحانه الذى أحيى العظام وهى رميم !! هذه هى طلاقة القدرة التى انفرد بها الواحد الفرد الصمد !!فنظر العزير إلى هذه وقال: " أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "وإبراهيم الخليل عليه السلام قال : رب أرنى كيف تحى الموتى بعد هلاكها ؟!! قال أولم تؤمن ياإبراهيم ؟! قال بلى يارب ولكن ليطمئن قلبى قال : ياإبراهيم خذ أربعة من الطير اذبحهن وعلمهن واخلط العظم مع اللحم مع الريش ؟ وخذ كوماً من لحم وعظم وريش مخلوط وممزوج وضع كل جزء من الخليط هذا على رأس جبل . , قال الحافظ ابن كثير رحمه اللـه تعالى: وجعل إبراهيم رؤوس الطيور فى يديه ثم وقف إبراهيم عليه السلام ونادى على هذه الطيور فجاءت تسعى إلى إبراهيم ولم يأتى طيراناً لينظر إبراهيم بعينه وليطمئن أنه هو بعينه الذى ذبحه وعلمه بيده حتى جاء كل طير إلى إبراهيم , يقول الحافظ : فكان إبراهيم إذا قدم رأساً لطائر ليست رأسه أبى فإذا قدم الرأس لجسدها التأم الرأس فى الجسد بإذن اللـه " وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " , قدرة اللـه لا تحدها حدود .. قدرة اللـه ليس لها نهاية .. قدرة اللـه، العقل قاصر عن إدراك حدودها , ولقد ذكر اللـه مثالا ثالثاً سنختم به هذا العنصر الهام , ذكر اللـه أصحاب الكهف الذين لبثوا فى كهفهم موتى ثلاث مائةٍ سنين وازدادو تسعة " أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ ءَايَاتِنَا عَجَبًا(9)إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا ءَاتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا(10)فَضَرَبْنَا عَلَى ءَاذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا(11)ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا " الكهف : 9-12اللـه أكبر ... أماتهم اللـه هذه السنوات ثم بعثهم ليجعلهم آية للناس إنه جل وعلا على كل شىء قدير .
                  أيها الأخيار : إن من كَلَّف عقله ليصل إلى حدود قدرة اللـه كالذى كلف نملة أن تنقل جبلاً من موضعه إلى موضع آخر .
                  قل للطبـيب تخطفتـه يد الردى
                  قل للمريض نجا وعوفى بعدما
                  قل للصحيــح مات لا من علة
                  بل سائل الأعمى خطى وسط الزحام
                  بل سائل البصير كان يحذر حفرة
                  وسل الجنين يعيش معزولا بـلا راع
                  وإذا الوليد بكى وأجهـش بالبكاء
                  وإذا تــرى الثعبان ينفـث سمه
                  وسله كيف تعيـــش ياثعبان
                  واسأل بطون النحل كيف تقاطرت
                  بل سـائل اللبن المصفى كان بين ياشافـى الأمراض من أرداك ؟!
                  عجزت فنون الطب من عافاك ؟!
                  من ياصحيح بالمنايا دهاك ؟!
                  بلااصطدام من ياأعمى يقود خطاك؟!
                  فهوى بها من ذا الذى أهـواك ؟!
                  ولا مرعى من ذا الذى يرعاك ؟!
                  لدى الولادة من ذا الذى أبكاك ؟!
                  من ياثعبان بالسموم حشاك ؟!
                  أو تحيى وهذا السم يملأ فاك ؟!
                  شهداً وقل للشهد من حلاك ؟!
                  فرثٍ ودمٍ مــن ذا الذى صفاك ؟!
                  أإله مع اللـه !! أإله مع اللـه !! أإله مع اللـه !!
                  لا إله إلا اللـه ، ولا رب غيره ، ولا معبود بحق سواه
                  وأقول قولى هذا وأستغفر اللـه لى ولكم
                  الخطبة الثانية :
                  إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باللـه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده اللـه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له , وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه ، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ، ونصح الأمة وكشف اللـه به الغمة ، فاللـهم أجزه عنا خير ما جزيت به نبياً عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته وصل اللـهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين . وبعد : أحبتى فى اللـه :
                  ثالثاً : من مات على شىء بعث عليه
                  أخى فى اللـه مرة ثانية أعرنى قلبك وسمعك فإن الموضوع من الأهمية والخطورة القصوى بمكان , فلقد ورد فى حديث فى صحيح مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " يبعث كل عبد على ما مات عليه " ياعبد اللـه ستبعث على أى هيئة مت عليها فإن كنت من السعداء مت على طاعة ستبعث يوم القيامة عليها ، وإن كنت من الأشقياء مت على معصية ستبعث عليها يوم القيامة .
                  اللـه أكبر ...هناك من يبعث والنور يشرق من وجهه ، ومن أعضائه ، وعن يمينه ، ومن بين يديه قال تعالى : " يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " التحريم : 8 , ورد فى الأثر الذى أورده السيوطى فى الدر المنثور وعزاه السيوطى لابن أبى حاتم وابن المنذر وابن مردويه وروى الحاكم الأثر فى المستدرك وصححه على شرط الشيخين وتعقب الحاكم الذَّهبى وقال : بل هو صحيح على شرط البخارى ، أن عبد اللـه بن مسعود رضى اللـه عنه قال : " منهم من يكون نوره كالجبل ومنهم من يكون نوره كالنخلة ، ومنهم من يكون نوره كالرجل القائم ، ومنهم من يكون نوره على إبهامه يوقد مرة ويطفأ مرة ، ومنهم من تحيط الظلمة به من كل ناحية " "يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ " الحديد : 13 , ينادى أهل الظلمات أهل الأنوار : ياأهل الأنوار انتظرونا ، لاتتركونا فى هذا الظلام الحالك الدامس !! ألم نكن معكم ؟ ألم نصلى معكم صلاة الجماعة؟ ألم نشهد معكم الغزوات ؟ " قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ" الحديد : 14 , "ومنهم من يبعث فينطلق إلى أرض المحشر صرخ بأعلى صوته لبيك اللـهم لبيك " من هذا ؟‍‍‍‍‍ هذا من مات بلباس الإحرام فى الحج والعمرة يبعث به ملبياً يوم القيامة ففى الصحيحين عن عبد اللـه بن عباس رضى اللـه عنه قال : "بينما رجل واقف مع النبى صلى الله عليه وسلم بعرفة ، إذ وقع من راحلته - قال أيوب : فأوقصته فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال : " اغسلوه بماء وسدر وكفنوه فى ثوبين ولا تحنطوه ، ولا تخمروا رأسه ، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً ", " ومنهم من يخرج منه دم اللون لون الدم ، والريح ريح المسك "من هؤلاء يارسول اللـه قال : " هم الشهداء فى سبيل اللـه "
                  يقول صلى الله عليه وسلم : " والذى نفسى بيده لا يكلم أحد فى سبيل اللـه واللـه أعلم بمن يكلم فى سبيله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دماً اللون لون الدم والعرف عرف المسك " , أحبتى فى اللـه : نحب أن ننوه إلى أنه قد يظهر أمام الناس شخص قتل فى غزوة أو معركة ويقال أنه شهيد وأنه ليس كذلك ! .. لماذا ؟! لأنه لا يعلم السر وأخفى إلا اللـه ، فلا تحكم لأحد بالشهادة الجازمة فى الدنيا ، لذا لا يقال : الشهيد فلان ، ولكن قل نرجو اللـه أن يتقبله عنده فى الشهداء ومن يعلم النيات غير اللـه !! ومنهم من يبعث وبطنه منتفخة لا يقوى على القيام بل ولا يستطيع الجلوس يتخبط عن يمينه وعن شماله يتكفأ على وجهه ،من هؤلاء ؟! هؤلاء هم أكلة الربا : قال اللـه تعالى : " الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا "البقرة : 275 , انظروا معى إلى المشهد الآخر ... رجل يسير فى أرض المحشر ومن حوله مجموعة من الأطفال الصغار هذا يتعلق بيده وهذا يتعلق بقدمه !! وهذا يجره جراً وهذا يدفعه دفعاً !! مشهد رهيب .. مَنْ هذا ؟! مَنْ هؤلاء ؟!...هذا هو آكل أموال اليتامى بالباطل وهؤلاء هم اليتامى !! " إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا " النساء :10 , ومنهم من يبعث من النساء وعليها جلباب من لعنة اللـه ودرع من النار وقد وضعت يدها على رأسها وهى تسير على أرض المحشر وتقول : ياويلاه... ياويلاه .... أتدرون من هذه ؟!قال رسول اللـه صلى الله عليه وسلم "إنها النائحة .. " النائحة هى التى تسير خلف الجنازة تبكى وتصرخ وتلطم وجهها وتشق جيبها وتضع التراب على رأسها وتقول.. ياويلاه !!... ياويلاه !!ومنهم من يبعث وفى يده كأس الخمر ..ومنهم من يبعث وهو يحمل على كتفه ماسرقه فى الدنيا , قال تعالى : " وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "آل عمران : 161 , قال الحافظ بن كثير : لقد أجرى اللـه الكريم عادته بكرمه أن من عاش على شىء مات عليه ، ومن مات على شىء بعث عليه , فإن أردت أخى الحبيب أن تبعث على طاعة فأطع اللـه جل وعلا فى دنياك ، وإن زلت قدمك فى معصية فاحدث بعد المعصية توبة ، فإذا ما جاءك ملك الموت وأنت على طاعة . قبضك وأنت على ذات الطاعة . وحشرت يوم القيامة فى زمرة الطائعين تحت لواء سيد النبيين وقائد المرسلين محمد بن عبد اللـه صلى الله عليه وسلم , وأختم حديثى معكم عن هذا العنصر بهذين المشهدين اللذين يخلعان القلوب .شاب أمريكى من أصل أسبانى ، دخل على إخواننا المسلمين فى إحدى المساجد فى نيويورك فى مدينة "بروكلين" بعد صلاة الفجر وقال لهم أريد أن أدخل فى الإسلام ، قالوا : من أنت ؟ قال دلونى ولا تسألونى فاغتسل ونطق بالشهادة ، وعلموه الصلاة فصلى بخشوع نادر احتقر رواد المسجد جميعاً أنفسهم أمام خشوع وسجود وبكاء هذا الشاب وتعجبوا لحاله , وفى اليوم الثالث خلى به أخ مصرى ذكى واستدرجه وقال : ياأخى باللـه عليك ما حكايتك ؟ قال واللـه لقد نشأت نصرانياً وقد تعلق قلبى بالمسيح عليه السلام ولكننى نظرت فى أحوال الناس فرأيت الناس قد انصرفوا عن أخلاق المسيح تماماً فبحثت عن الإسلام وقرأت عنه فشرح اللـه صدرى للإسلام ، ولكننى فى الليلة التى دخلت عليكم فيها نمت بعد تفكير عميق وتأملت فى البحث عن الحق فجاءنى المسيح عليه السلام فى الرؤيا وأنا نائم وأشار لى بسبابته هكذا ، وقال لى : كن محمدياً , يقول : فخرجت أبحث عن مسجد فأرشدنى اللـه إلى هذا المسجد فدخلت عليكم وبعد هذا الحديث القصير أَذَّنَ المؤذن لصلاة العشاء ودخل هذا الشاب الصلاة مع المصلين ، وسجد فى الركعة الأولى ، وقام الإمام بعدها ولم يقم أخونا المبارك بل ظل ساجداً لله فحركه من بجواره فسقط فوجدوا روحه قد فاضت إلى اللـه جل وعلا . اللـه أكبر , واستحلفك باللـه ياأخى فى اللـه أن تتأمل طويلا فى هذه الخاتمة , وهذه أخت من مدينة السويس عادت مع زوجها بعد رحلة الحج فى الباخرة سالم اكسبريس ، وصرخ الجميع فإن الباخرة تغرق ، وصرخ زوجها هيا اخرجى فقالت : واللـه لن أخرج حتى ألبس حجابى كله فقال : هذا وقت حجاب ! اخرجى ! فإننا سنهلك !! قالت : واللـه لن أخرج إلا وقد ارتديت حجابى بكامله فإن مت ألقى اللـه على طاعة . فلبثت ثيابها وخرجت مع زوجها . فلما تحقق الجميع من الغرق تعلقت به وقالت استحلفك باللـه هل أنت راضٍ عنى ؟ فبكى . قالت هل أنت راضٍ عنى ؟ فبكى . قالت أريد أن أسمعها قال واللـه إنى راضٍ عنك فبكت المرأة التقية الشابة فى ريعان شبابها وقالت : أشهد أن لا إله إلا اللـه وأشهد أن محمداً رسول اللـه ، وظلت تردد الشهادة حتى غرقت فبكى الزوج وهو ويقول : أرجو من اللـه أن يجمعنا بها فى الآخرة فى جنات النعيم , وها هو رجل عاش أربعين سنة يؤذن للصلاة لا يبتغى إلا وجه اللـه ، وقبل الموت مرض مرضاً شديداً فأقعده فى الفراش ، وأفقده النطق فعجز عن الذهاب إلى المسجد ، فلما اشتد عليه المرض بكى وقال فى نفسه : يارب أأذن لك أربعين سنة وأنت تعلم أنى ماابتغيت الأجر إلا منك ، وأحرم من الآذان فى آخر لحظات حياتى . يقسم أبناءه أنه لما حان وقت الآذان وقف على فراشه واتجه للقبلة ورفع الآذان فى غرفته وما إن وصل إلى آخر كلمات الآذان لا إله إلا اللـه خر ساقطاً على الفراش فأسرع إليه بنوه فوجدوا روحه قد فاضت إلى مولاها , إنما الأعمال بالخواتيم , وهذا شيخنا المبارك عبد الحميد كشك رحمه اللـه يقبض فى يومٍ أحبه من كل قلبه فى يوم الجمعة يغتسل ، ويلبس ثوبه الأبيض ، ويضع الطيب على بدنه وثوبه ويصلى ركعتى الوضوء ، وفى الركعة الثانية وهو راكع يخر ساقطاً فيسرع إليه أهلـه وأولاده ، فوجدوا أن روحه قد فاضت إلى اللـه جل فـى علاه . لقد أجرى الكريم عادته بكرمه . أن من عاش على شىء مات عليه .
                  ومن مات على شىء بعث عليه .
                  أسأل اللـه العظيم رب العرش الكريم أن يحسن خاتمتنا . إنه ولى ذلك والقادر عليه .
                  ........... الدعـــــاء


                  التعديل الأخير تم بواسطة جارة فاطمة; الساعة 08-02-2012, 02:33 PM.

                  تعليق


                  • #10
                    رد: تفريغ سلسلة قي رحاب الاخرة للشيخ محمد حسان

                    السادس عشر

                    الحشر





                    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ باللـه من شرور أنفسنا وسـيئات أعمالنـا ، مـن يهـده اللـه فلا مضـل لـه ، ومن يضلـل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .


                    يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللـه حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ  . [ آل عمران - 102 > .


                    يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللـه الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللـه كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا  . [ النساء -1 > .


                     يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللـه وَقُولُـوا قَوْلا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُـمْ أَعْمَـالَكُمْ وَيَغْفِــرْ لَكُـمْ ذُنُوبَكُـمْ وَمَـنْ يُطِـعِ اللـه وَرَسُولَـهُ فَقَــدْ فَـازَ فَوْزًا عَظِيمًا  . [ الأحزاب -70 ، 71 > .


                    أما بعـــد ...


                    فإن أصدق الحديث كلام اللـه ، وخير الهدى هدى محمد  وشر الأمور محدثاتها وكل محدثــة بدعة وكل بدعــة ضلالة وكل ضلالة فى النار ثم أما بعد ..


                    أحبتى فى اللـه :


                    كنا قد انتهينا فى اللقاء الماضى عند البعث ، وتوقفنا عند هذه المشاهد التى تخلع القلوب ، فلقد وقفنا عند هذا المنظر المهيب الرهيب لخروج الناس من قبورهم حفاة عراة غرلا ، كل يبعث على الهيئة التى مات عليها فمن مات على طاعة بعث على طاعة ومن مات على معصية بعث على نفس المعصية التى مات عليها .


                    ذلك لقول النبى  كما فى صحيح مسلم : (( يبعث كل عبد على ما مات عليه )) ( ) .


                    ولقد أجرى اللـه الكريم عادته بكرمه أن من عاش على شئ مات عليه ومن مات على شئ بعث عليه ..


                    وأول من يبعث ، وتنشق عنه الأرض يوم القيامة حبيب الرحمن محمد  ، ففى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة رضى اللـه عنه أنه  قال :


                    (( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ، وأنا أول من ينشق عنه القبر ، وأنا أول شافع وأول مُشَفَّع )) ( ) .


                    وإذا كان المصطفى  يوم القيامة أول من ينشق عنه القبر ، فإن أول من يُكسى يوم القيامة خليل الرحمن أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام .


                    كما فى صحيح مسلم من حديث ابن عباس أنه  قال : (( ياأيها الناس إنكم تحشرون يوم القيامة حفاةً عراةً غُرْلا وأول الناس يُكْسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام )) ( ) .


                    وفى رواية البيهقى من حديث ابن عباس أنه  قال :


                    (( أول الناس يُكسى من الجنة يوم القيامة إبراهيم عليه السلام ويأتى بى فأُكسى حُلّة من الجنة لايقوم لها البشر )) .


                    ولقد تكلم علماؤنا عن حكمة تقديم إبراهيم على نبينا محمد  فى الكسوة يوم القيامة .


                    ومن أجمل ماذكره أهل العلم أن المشركين لما هموا بحرق إبراهيم وأشعلوا نار متأججة وظلوا يجمعون لها الحطب شهوراً ، وأياماً حتى ارتفع لهيبها فى عنان السماء فكانت الطيور تسقط من ارتفاع لهب هذه النيران فلما هموا بإلقائه جردوه من ثيابه فلما صبر واحتسب وتوكل على اللـه جزاه اللـه سبحانه وتعالى عن ذلك فوقاه حر النار فى الدنيا والآخرة وكافأه يوم القيامة فكساه على رؤوس الأشهاد .


                    فأول الناس يبعث هو حبيب الرحمن ، وأول الناس يُكسى هو خليل الرحمن وعلى جميع الأنبياء والمرسلين أفضل الصلاة وأزكى السلام .


                    ترى ماذا يكون بعد البعث ؟! ... إنه الحشـــر .


                    وهذا هو موضوع الحديث فى هذا اليوم الكريم المبارك ، لذا أستحلفك باللـه أخى الحبيب أن تعرنى قلبك وسمعك فإن الموضوع من الخطورة ، والرهبة ، والهيبة بمكان .


                    وحتى لاينسحب بساط الوقت سريعاً فسوف ينتظم حديثنا عن الموضوع فى العناصر التالية :


                    أولاً : صفة أرض المحشر .


                    ثانياً : كيف يحشر الناس ؟!


                    ثالثاً : هول الموقف .


                    رابعاً : فى ظل عرشه .




                    أولاً : صفة أرض المحشر


                    ترى كيف تكون هيئة أرض المحشر ؟!!


                    أتكون مثل أرض الحياة الدنيا ؟!


                    لاريب أنها ستكون مختلفة تماماً عن أرض الحياة الدنيا التى نعيش عليها


                    لم لا ؟! فإن الزمان غير الزمان .. فحتماً يكون المكان غير المكان .. حيث قال رحمان الدنيا والآخرة :  يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ  [ ابراهيم : 48 > .


                    إذاً تتبدل أرض الدنيا وسموات الدنيا .


                    فلقد وصف لنا المصطفى طبيعة الأرض التى سيحشر الناس عليها وصفاً دقيقاً بليغاً .


                    ففى الحديث الصحيح الذى رواهالبخارى ومسلم من حديث سهل بن سعد الساعدى رضى اللـه عنه أنه  قال :


                    (( يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كَقُرْصَةِ النَّقِىِّ ليس فيها عَلَمُُ لأحدٍ )) .


                    وفى رواية إلى قوله (( كقرصة النقى )) ثم قال : قال سهل ، أو غيره : (( ليس فيها معلم لأحد )) ( ) .


                    أرض عفراء : أى بيضاء ، والعفرة : البياض .


                    وعند ابن فارس البياض الشديد الناصع البياض .قرصةُ نقى أو كقرصةٍ نقى ، أى كالدقيق النقى من الغش والنخال .


                    قال سهل : ليس فيها معلم لأحد ، المعلم ، هو العلامات التى يتعارف بها الناس على الشوارع ، والطرقات ، والمدن .


                    فهى أرض بيضاء مستوية كالفضة البيضاء لايوجد عليها أشجار ، أو أنهار ، أو أبنية .


                    هذه هى صفة أرض المحشر كما أخبرنا الصادق المصدوق .


                    ولكن كيف يحشر الناس على هذه الأرض ؟!



                    ثانياً : كيف يحشر الناس على هذه الأرض !!





                    يخرج الناس من القبور حفاةً عراةً غُرْلاً كما قال رسول اللـه  فى صحيح مسلم من حديث عائشة .


                    يحشر الناس يوم القيامة حفاةً عراةً غُرلا قالت عائشة : يارسول اللـه الرجال والنساء ينظروا بعضهم إلى بعض قال : (( ياعائشة الأمر أشد من أن يهمهم ذلك )) ( ) .


                    نعم واللـه يخرجون من القبور بهذا العرى والذل والهوان .


                    قال تعالى :  وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ(41)يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ  [ ق : 41-42 > .


                    نعم واللـه إنه يسير على اللـه أن يحشرهم جميعاً من لدن آدم إلى أن يرث اللـه الأرض ومن عليها ولا يتخلف أحد ولا يمتنع .... كيف ذلك ؟


                    يقول سبحانه وتعالى :  وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا(47)وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا 


                    [ الكهف :47-48>


                    حشر اللـه الخلق جميعاً ولا يتخلف مَلِك ، ولا متكبر ، ولا حاكم ، ولا زعيم ، ولا طاغية ، فلم نغادر منهم أحد .


                    قال سبحانه وتعالى :إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا ءَاتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا(93)لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا(94)وَكُلُّهُمْ ءَاتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا(95)إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا  [ مريم : 93-95> .


                    هكذا كل يأتى الرحمن فلا يتخلف مخلوق فلقد أحصى اللـه الخلق من لدن آدم إلى آخر رجل قامت عليه القيامة ، فهم ينطلقون جميعاً وراء هذا الداعى الكريم الذى جاء ليقود الخلق جميعاً إلى المحشر ، انطلقوا من خلفه ولا يلتفتون ، ولا يتخلفون صامتين مستسلمين خاشـعين .. يعلوهم صمت رهيب يزلزل قلوبهم سكون غامر يغمر المكان كله بالعظمة والهيبة والإجلال .


                    قال سبحانه :  يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـنِ فَلا تَسْـمَعُ إِلا هَمْسًـا(108)يَوْمَئِـذٍ لا تَنْفَـعُ الشَّـفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـنُ وَرَضِيَ لَهُ قَـوْلا(109)يَعْلَـمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا(110)وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا  [ طه : 108 - 111 > .


                    الكلام يومئذ همس !! والسؤال يومئذ لصاحب الأمر ؟!!


                    وهل يستطيع مخلوق أن يتفلت أو يتخلف ؟!!


                    وهل يملك طاغية أن يتغيب ، أو يتأخر ، وقد وكل اللـه بكل إنسان ملكين يسوقانه سوقاً إلى أرض المحشر .


                    قال تعالى :  وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ(19)وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ(20)وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ(21)لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ  [ ق : 19 - 22> .


                    ها هو رسول اللـه  يجسد لنا معانى هذه الآيات - عن مشهد الحشر يخلع القلوب ويأخذ بالألباب - فيقـول كمـا فـى الحديـث الـذى رواه الترمـذى بسند حسن يقول (( يُحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف ، صنف مشاة ، وصنف ركبان ، وصنف على وجوههم )) ( ) .


                    وفى صحيح البخارى ومسلم من حديث أنس قال رجل : يانبى اللـه كيف يحشر الكافر على وجهه ؟! فقال المصطفى  : (( أليس الذى أمشاه فى الدنيا على رجلين قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة )) .


                    قال قتادة : بلى وعزة ربنا ( ) .


                    ونحن نقول بلى وعزة ربنا إنه لقادر أن يحشر الكافرين يوم القيامة على وجوههم .


                    أيها الحبيب : هل تصورت قبل أن ترى الحية أن دابة تمشى على بطنها؟! إن الذى جعل الحية تمشى بدون أرجل سيحشر الكافر وهو يمشى على وجهه يوم القيامة ، إنه على كل شئ قدير .


                    أناس يمشون على الأقدام وأناس يركبون ، من هؤلاء الذين يركبون فى هذا اليوم العصيب ؟!


                    اسمع لربك جل وعلا ... قال سبحانه :
                    يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا  [ مريم : 85 > .


                    وقال تعالى :  إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ


                    [ فصلت : 30 >


                    ويقدم الملائكة لأهل التقى ركائب من دواب الآخرة عليها سُرُج من ذهب فيركب المتقون ، وينطلقون بها فى أرض المحشر حتى لايمشون على أقدامهم فى هذا اليوم العصيب .. وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟! .


                    والتقوى هى أن يطاع اللـه فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر .


                    وسئل أبو هريرة عن التقوى فقال :


                    " هل مشيت على طريق فيه شو ك ؟ قال : نعم ، قال : فماذا صنعت إذا رأيت الشوك ؟ قال : اتقيته ، قال أبو هريرة : ذاك التقوى " .


                    وقال ابن المعتز :


                    خلــى الذنـــوب صغيـرهـا وكبيــرهـا فهـــــو التقى


                    واصنـع كمــــاش فـــوق أرض الشـــوك يحـذر مايرى


                    ولاتحقـــرن صغيـــــرة إن الجبال مـن الحصــــى


                    قال طلق بن حبيب :


                    التقوى أن تعمل بطاعة اللـه على نور من اللـه ترجوا ثواب اللـه ، وأن تترك معصية اللـه على نور من اللـه تخشى عقاب اللـه .


                     يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا(85)وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا  [ مريم : 85-86 > .


                    فالتقى يحشر راكباً ، والعصى يحشر وارداً"عطشانا" ، أما المتكبرون الذين انتشوا وانتفخوا فى الدنيا ولم يذلوا أنفسهم لله ، ولم يخفضوا جناح الذل لخلق اللـه بل تراه مغروراً بكرسيه الذى جلس عليه ، وتراه مغروراً بمنصبه وتراه متكبراً بماله ، وتراه متكبراً بسلطانه وجاهه .


                    فهذا واللـه الذى لا إله غيره سيحشر بمنظر وهيئة لو علمها لوضع أنفه فى التراب ذلاً لمولاه ، ولخفض جناح الذل لخلق اللـه .


                    ياابـن التـراب ومـأكول التراب غداً أقصر فإنك مأكول ومشروب


                    علام الكبرياء يا ابن آدم ؟ وأنت تحمل البصاق فى فمك !! وتحمل العرق تحت إبطيك !! وتحمل البول فى مثانتك !! وتحمل النجاسة فى أمعائك !! وتمسح عن نفسك بيدك العذرة كل يوم مرة أو مرتين !!!


                    ياأيها الإنسان ماغرك !!


                    مر أحد السلف على رجلاً متبختراً مختالاً فى مشيته فقال له هذا الرجل الصالح : يا ابن أخى هذه مشية يبغضها اللـه ورسوله .


                    فقال له المتكبر : ألا تعرف من أنا ؟!!. من أنت أيها المغرور ؟!


                    تصور معى مشهد حشر المتكبر يوم القيامة .


                    أخرج الترمذى عن رسول اللـه(( يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذَّر فى صور الرجال ، يغشاهم الذل من كل مكان )) ( ) .


                    يحشر المتكبرون يوم القيامة كذر تدوسه الأقدام والأرجل لأنه كان منتفخاً منتشياً متكبراً مغروراً فى الدنيا .. والجزاء من جنس العمل .


                    فكما انتفخ واستعلى فى الحياة الدنيا يحشر يوم القيامة فى غاية الذلة والمهانة تطأه الأرجل والأقدام .


                    فإذا ماوصلت الخلائق كلها إلى أرض المحشر تنزلت الملائكة ضعف عدد من فى الأرض .. تحيط الملائكة بأهل الأرض من كل جانب .


                    إن الموقف فيه من الأهوال والكروب مايخلع القلوب وهذا هو عنصرنا الثالث




                    ثالثاً : هول الموقف



                    إذا ماوصل الناس إلى أرض المحشر ازداد الهم والكرب والغم ... ولم لا‍!! وقد وقفوا قياماً طويلاً .. طويلاً !!


                    وها هى الشمس تدنوا من الرؤوس . ففى صحيح مسلم من حديث المقداد أنه قال : (( تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم مقدار ميل ))
                    قال الراوى : فواللـه ماأدرى مايعنى بالميل : أمسافة الأرض ، أو الميل الذى تكحل به العين ؟‍! قال :
                    (( فيكون الناس على قدر أعمالهم فى العرق فمنهم من يكون إلى كعبيه ومنهم من يكون إلى ركبتيه ومنهم من يكون إلى حقويه ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً )) وأشار  بيده إلى فيه )) ( ) .



                    وفى الصحيحين من حديث ابن عمر أنه  قال فى قوله تعالى :  يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ  قال المصطفى  : (( يقوم أحدهم فى رشحه إلى أنصاف آذانهم )) ( ) .


                    هل تصورت هذا المشهد ؟ حرارة تذيب الحديد والحجارة فوق الرؤوس ولك أن تتصور البشرية كلها تحشر فى مكان واحد على أرض واحدة .


                    زحام يخنق الأنفاس !!


                    وفى هذا المشهد والموقف الرهيب يزداد الهم والكرب بإتيان جهنم .


                    إيه واللـه ... يؤتى بجهنم فى أرض المحشر كما قال المصطفى  والحديث رواه مسلم من حديث جابر بن عبد اللـه : (( يوتى بالنار يومئذ لها سبعون ألف زمام ، ومع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها )) ( ) .


                    فإذا أقبلت جهنم ، وأحاطت بالخلائق ، ورأت الخلق زفرت ، وزمجرت غضباً منها لغضب اللـه جل وعلا .. عند ذلك تجثوا جميع الأمم على الركب من الخوف والذلة .


                    قال تعالى :  وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ  [ الجاثية : 28> .


                    وليس ذلك فقط بل يحدث ماتشيب منه الرؤوس وتنخلع له القلوب!!


                    اسمع إلى هذا الحديث الذى رواه الترمذى بسند صحيح قال رسول اللـه  : (( يخرج عنق من النار له عينان تبصران وأذنان تسمعان ، ولسان ينطق يقول : إنى وكلت بثلاثة ، لمن جعل مع اللـه إله آخر ، وبكل جبار عنيد ، وبالمصورين )) ( ) .


                    ويسجل القرآن جزاء كل جبار عنيد فيقول عز وجل :


                     وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ(15)مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ(16)يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ  [ إبراهيم : 15- 17 >


                    فى هذا المشهد فى الحر الشديد ، والزحام الرهيب !!


                    وفى هذا التدافع فى هذا الموقف الذى ترتعد منه الفرائص وتشيب له الرؤوس ، ويهتز له الوجدان فإن الأنبياء حينما يرون هول هذا الموقف لايملكون إلا أن يقولوا : اللـهم سلم .. سلم ... !!


                    هذه دعوتهم يومها ، والكلام مقتصر عليهم دون غيرهم !!


                    يومها تذهل كل مرضعة عن رضيعها ، وتضع كل ذات حمل حملها وينتاب الناس الهلع ، والرعب حتى تظنهم سكارى ، وما هم بسكارى ولكن عذاب اللـه شديد .


                    يؤمئذ يفر المرء من أبيه ، وأمه ، وأخيه ، وصاحبته ، وينسى الابن أبويه اللذان برهما فى دنياه وألان لهما الجانب وأطاعهما فى غير معصية لله !!


                    يومها يفر الأخ من أخيه ولا تعد هناك روابط نسبية !!


                    ويومها تفر الزوجة من زوجها الذى أعطى لها كل عطفٍ وحنانٍ ورعايةٍ وصحبة جميلة حسنة !!


                    يومها ترمى الأم الحنون بطفلها فى غير وعى فلا أمومة فى هذا الموقف الرهيب المخيف ، الكل يقول نفسى ... نفسى ... ! حتى الأنبياء !


                    الكل له شأن يلهيه ، استمع لقول مولاك عز وجل
                     فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ(33)يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ(34)وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ(35)وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ(36)لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ 
                    [عبس : 33-37 >


                    ولله در القائل :


                    مثــل لنفسك أيها المغـرور


                    إذا كـورت شمـس النهار وأُدْنِيَت


                    وإذا النجوم تساقطت وتناثرت


                    وإذا الجبال تقلعت بأصولها


                    وإذا العشار تعطلت وتخربــت


                    وإذا الوحـوش لدى القيامة أحشرت


                    وإذا الجليــل طوى السماء بيمينه


                    وإذا الصحائف نشـرت وتطايرت


                    وإذا الجنيـن بأمه متعلق يخشـى


                    هـذا بــلا ذنـب يخاف جناية


                    وإذا الجحيـم تسعـرت نيرانها


                    وإذا الجنان تزخرفـت وتطيبت يـــوم القيامة والسماء تمـور


                    حتـــى على رأس العباد تسيـر


                    وتبدلـت بعد الضياء كــدور


                    فرأيتها مثــل السحاب تسيـــر


                    خلــــت الديار فما بها معمور


                    وتقـــــول للأفلاك أين نسير


                    طـــَىَّ السجـل كتابه المنشور


                    وتهتكـــــت للعـالمين ستور


                    القصــــــاص وقلبه مذعور


                    كيف المصر على الذنـوب دهور


                    ولهـــا على أهـل الذنوب زفير


                    لفتى على طـول البلاء صبـور


                    تذكر كل هذه المشاهد .. الزحام شديد يكاد يخنق الأنفاس والشمس يكاد تصهر الرؤوس والكل يتدافع .. السؤال همس .. والكلام تخافت وجلال الحى القيوم عمر المكان بالهيبة .


                    فى هذه اللحظات ينادى الحق جل جلاله على مجموعة من الخلق فى أرض المحشر أن يتقدموا ليظلهم بظله يوم لا ظل إلا ظله .


                    من هؤلاء ياترى ؟!! والإجابة على هذا السؤال تكون بعد جلسة الاستراحة .


                    وأقول قولى هذا وأستغفر اللـه لى ولكمد




                    الخطبة الثانية :


                    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ باللـه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده اللـه فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً .


                    وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى اللـه عليه وسلم .


                    أحبتى فى اللـه :



                    رابعاً : فى ظل عرشه



                    إن مجرد الكلام عن أهوال هذا اليوم ترتعد له الفرائص فكيف إذا عايناه وعاصرناه وعايشناه على أرض الواقع لا أرض الخيال ؟!!


                    فى هذا الموقف ينادى الحق جل جلاله على أناس ليظلهم بظله يوم لاظل إلا ظله ، ياترى من هؤلاء السعداء ؟!


                    فى صحيـح البخـارى ومسـلم من حديـث أبى هريرة : قال المصطفى : (( سبعة يظلهم اللـه فى ظله يوم لاظل إلا ظله إمام عادل ، وشاب نشأ فى عبادة اللـه ، ورجل قلبه معلق بالمساجد ، ورجلان تحابا فى اللـه اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصبٍ وجمال فقال : إنى أخاف اللـه ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لاتعلم شماله ماتنفق يمينه ، ورجل ذكر اللـه خالياً ففاضت عيناه )) ( ) .


                    (( إمام عادل )) : أى حاكم عادل عاش ليقيم العدل فى الأرض ، سعدت به رعيته ، وسعد هو برعيته ، وكان يتقى اللـه فى هذه الأمانة ، يعلم يقيناً أن الحكم والمنصب أمانة سيسأل عنها بين يدى اللـه كما قال المصطفى  لأبى ذر
                    (( إن الولاية أمانة وإنها يوم القيامة حسرة وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذى عليه فيها )) . ترى ما جزاء هذا الحاكم؟! أن يظله اللـه يوم لا ظل إلا ظله
                    .


                    (( شاب نشأ فى عبادة اللـه ))


                    أخى فى اللـه : إذا نشأت فى عبادة اللـه ، وانصرفت عن معصية اللـه وإن زلت قدمك فى معصيته تبت إلى اللـه جل وعلا ، أظلك اللـه بظله يوم لا ظل إلا ظله .


                    أيها الشاب الفتى .. أيها الشاب الذكى .. أيها الشاب الذى أسرفت على نفسك أرجو من اللـه عز وجل أن لا تتأخر لحظة عن التوبة وطاعة اللـه لأن الطاعة عِز ، الطاعة شرف .. فلا عز فى الدنيا والآخرة إلا بطاعة اللـه .


                    ولماذا خص الشاب ؟!!


                    لأن الشاب تجرى دماء الشهوة فى عروقه ، لأنه - لا سيما فى سن المراهقة وسن الفتوة - تعصف الشهوة بكيانه عصفاً ، ولكن بخوفه من اللـه ومراقبته لله يعصم نفسه ويحارب شهواته ويحارب نفسه الأمارة بالسوء .


                    لذا كافأ اللـه هذا الشاب الطائع ، التقى ، النقى ، الطاهر الذى نشأ منذ نعومة أظافره يعبد اللـه ، ويطيع اللـه ويحفظ حقوق اللـه ويمتثل أوامره ويجتنب نواهيه ويقيم حدوده ، فيظله تحت ظل عرشه يوم لاظل إلا ظله .


                    (( ورجل قلبه معلق بالمساجد )) معنى ذلك أن قلبه فى المسجد ، فإذا صَلَّى الفرض ، وخرج إلى الدنيا يسعى على رزقه من الحلال ، أو عاد إلى بيته وأولاده يخرج من المسجد ، وقلبه مشتاق أن يرجع إلى المسجد مرة أخرى فهو متعلق بالمسجد يهوى الجلوس فى بيت اللـه بل يتمنى أن لو ييسر اللـه له الوقت ليقضى جُله فى بيت اللـه جل وعلا .


                    يامن تقضى وقتك أمام المسلسلات والمباريات والأفلام !! لماذا لاتحرص على أن تقضى هذا الوقت فى بيت اللـه جل وعلا ؟!


                    فإذا تعلق قلبك به أظلك اللـه فى عرشه يوم لاظل إلاَّ ظله .


                    (( ورجلان تحابا فى اللـه اجتمعا عليه وتفرقا عليه )) .


                    إنه الحب فى اللـه (( إن من أحب لله ، وأبغض لله ، وأعطى لله ، ومنع لله ، فقد استكمل الإيمان )) ( ) وإن آصرة الحب فى اللـه هى أغلى آصرة .. وأن رابطة الحب فى اللـه هى أغلى رابطة .. ألا وإن (( أوثق عرى الإيمان ، الحب فى اللـه والبغض فى اللـه )) يقول اللـه سبحانه وتعالى فى الحديث القدسى وهو فى الصحيحين : (( أين المتحابون بجلالى ؟ اليوم أظلهم فى ظلى يوم لاظل إلا ظلى )) ( ) .


                    (( ورجل دعته امرأة ( أى للزنا ) ذات منصب وجمال فقال : إنى أخاف اللـه )) :


                    تذكر اللـه جل وعلا وراقبه وأعرض عن هذه الكبيرة خوفاً من اللـه جل وعلا .


                    (( ورجل ذكر اللـه خاليا ففاضت عيناه )) :


                    خلى بنفسه ، وقام من الليل ، وجلس يصلى أو يذكر اللـه سبحانه وتعالى فلما امتلأ قلبه بهيبة اللـه وبعظمة اللـه ، فاضت عيناه بالدموع خوفاً منه وهيبة له سبحانه .


                    قال رسول اللـه  :


                    (( عينان لاتمسهما النار عين بكت من خشية اللـه ، وعين باتت تحرس فى سبيل اللـه )) ( ) .


                    وهناك غير هؤلاء السبعة من الذين يظلهم اللـه فى ظله يوم القيامة .


                    ولقد جمع الحافظ ابن حجر فى كتاب مستقل هؤلاء الذين يظلهم اللـه فى ظله غير هؤلاء السبعة فى كتاب قيم سماه ( معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال ) وبين أن اللـه سبحانه يظل غير هؤلاء السبعة فى ظل عرشه يوم لاظل إلا ظله ففى الحديث الصحيح أنه  قال :


                    (( مـن أنظـر ( أمهـل ) معسـراً أظلـه اللـه فـى ظلـه يـوم لاظـل إلا ظلـه )) ( ) .


                    أيها الحبيب الكريم : احرص على طاعة اللـه وعلى هذه الخصال من خصال الخير ليظلك اللـه فى ظل عرشه يوم لاظل إلا ظله .


                    وحينئذ يقوم بقية الخلق فى هذا الموقف قياماً طويلاً طويلاً ، ويشتد الكرب عليهم حتى يتمنى بعضهم أن يحشر إلى النار ولا يقف فى مثل هذا الموقف المهيب الرهيب ظاناً أن النار لن تكون أشد عذاباً مما هو فيه من هم وكرب .


                    وهنا يبحث الخلق عمن يشفع لهم إلى اللـه جل وعلا ليقضى اللـه تبارك وتعالى بين الخلائق لينتهى هذا الموقف المهيب الرهيب ، وهنا يقول كل نبى من الأنبياء نفسى .. نفسى .


                    ويتقدم الحبيب المصطفى  صاحب المقام المحمود وصاحب الحوض المورود ، وصاحب اللواء المعقود ، وصاحب الشفاعة العظمى يوم الدين يتقدم ليشفع للخلائق فى أرض المحشر ليقضى اللـه جل وعلا بينهم ونتوقف عند هذا المشهد الكريم عند مشهد شفاعة النبى  لأهل الموقف جميعاً لنعيش مع هذا الموقف . لنتعرف عليه لاحقاً إن قدر اللـه لنا البقاء واللقاء .


                    أسأل اللـه العظيم رب العرش الكريم أن يحسن خاتمتنا . إنه ولى ذلك والقادر عليه .



                    .......... الدعــــــاء





                    تم بحمد الله و توفيقه



                    التعديل الأخير تم بواسطة جارة فاطمة; الساعة 08-02-2012, 02:37 PM.

                    تعليق


                    • #11
                      رد: تفريغ سلسلة قي رحاب الاخرة للشيخ محمد حسان

                      بسم اللـه الرحمن الرحيم




                      إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستهديه ونعوذ باللـه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده اللـه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له .
                      وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
                      "
                      يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللـه حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ "آل عمران : 102.

                      "يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللـه الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللـه كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " النساء :1.
                      " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللـه وَقُولُـوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُـمْ أَعْمَـالَكُمْ وَيَغْفِــرْ لَكُـمْ ذُنُوبَكُـمْ وَمَـنْ يُطِـعِ اللـه وَرَسُولَـهُ فَقَــدْ فَـازَ فَوْزًا عَظِيمًا "الأحزاب: 70 - 71 .
                      أما بعـــد ...

                      فإن أصدق الحديث كتاب اللـه وخير الهدى هدى محمدصلى الله عليه وسلموشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار .
                      أحبتى فى اللـه :
                      نحن اليوم بتوفيق اللـه جل وعلا على موعد مع اللقاء الخامس عشر من لقاءات هذه السلسلة المنهجية المباركة .
                      أخى الحبيب : تذكر معى أننا قد توقفنا فى اللقاءين الماضيين على التوالى مع قواعد العدل التى يحاسب اللـه جل وعلا عباده بها يوم القيامة ، ثم تعرفنا على أول أمة يحاسبها اللـه جل وعلا ، وعلى أول من يقضى اللـه بينهم يوم القيامة ، وعلى أول ما سيحاسب وما يسأل عنه العبد بين يدى الرب جل وعلا ، ونحن اليوم بإذن اللـه تعالى لا زلنا مع الناس فى ساحة الحساب بين يدى اللـه سبحانه وتعالى ، فإن اللـه عز وجل يسأل العبد بعد الصلاة عن أربع :
                      عن عمره فيما أفناه ؟! وعن علمه ماذا عمل فيه ؟! وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ؟! وعن جسمه فيما أبلاه ؟! هذه الأربع هى موضوع لقاءنا مع حضراتكم فى هذا اليوم الكريم المبارك .
                      أحبتى الكرام : أعيرونى القلوب والأسماع فإن الموضوع من الأهمية بمكان واللـه أسأل أن يسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض .
                      ولا شك أن اللـه عز وجل سيسأل العبد فى ساحة الحساب عن كل ما قدم فى هذه الحياة .
                      قال اللـه سبحانه : "فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ " الزلزلة : 7-8.
                      وقال جل وعلا : "فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92)عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ" الحجر :92-93.
                      فكم من معصية قد كنــت نسيتها ذكرك اللـه إياهـــــــــا
                      وكم من مصيبة قـد كنـت أخفيتها أظهرها الله لــــك وأبـداهـا
                      ولكن النبىصلى الله عليه وسلمقد ذكر أن اللـه سبحانه سيسأل العبد بعد الصلاة عن أربع كما فى الحديث الصحيح الذى رواه الترمذى والطبرانى فى معجمه والصغير ، والخطيب فى التاريخ ، وصححه شيخنا الألبانى فى السلسلة الصحيحة وصحيح الجامع من حديث عبد اللـه بن مسعود رضى اللـه عنه أن النبىقال : "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ؟ وعن علمه ما عمل به ؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ؟ وعن جسمه فيما أبلاه ؟"

                      أولاً :السؤال عن العمر

                      أحبتى فى اللـه :
                      العمر هو البضاعة ، ورأس المال فمن ضاعت بضاعته ، وانتهى رأس ماله دون أن يحقق الربح فهو من الخاسرين .
                      هل حسبت أن هذا العمر ، وهذه الأيام ، وهذه الشهور وهذه السنوات ، التى هى عمرك ، والتى تمضى منك ، وأنت لا تشعر ، هل حسبت أن اللـه لن يسألك عنها ؟!!
                      قال اللـه تعالى : "أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ(115)فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ" المؤمنون:115-116.
                      وقال سبحانه : "أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى(36)أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى(37)ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى(38)فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(39)أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى " القيامة : 36-40.
                      أليس ذلك بقادر على أن يبعثهم للوقوف بين يديه للسؤال عما قدموه وعما فعلوه .. للسؤال عن القليل ، والكثير ، صغير أو كبير ، حقير أو عظيم !!
                      أيها المسلم الأيام تمر والأشهر تجرى وراءها تسحب معها السنين ، وتجر خلفها الأعمار وتطوى حياة جيل بعد جيل وبعدها سيقف الجميع بين يدى الملك الجليل .
                      العمر يولى ستسأل عن كل ساعة ، عن كل يوم ، عن كل أسبوع ، عن كل سنة ، عن عمرك كله فيما أفنيته .
                      قال الحسن البصرى رحمه اللـه تعالى : " يا ابن آدم إنما أنت أيام مجموعة فإن مضى يوم مضى بعضك وإن مضى بعضك مضى كلك " .
                      ولذا كان الحسن رحمه اللـه يقول : " ما من يوم تطلع فيه الشمس إلا وينادى بلسان الحال ويقول يا ابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فاغتنمنى فإنى لا أعود إلى يوم القيامة .

                      وكان عبد اللـه بن مسعود رضى اللـه عنه يقول : " واللـه ما ندمت على شئ كندمى على يوم طلعت شمسه نقص فيه أجلى ولم يزد فيه عملى ".
                      العمر هو البضاعة الحقيقة ، وواللـه ما منحنا هذه البضاعة الكريمة للهو واللعب والملزات والشهوات ، واللـه ما للهو خلقنا بل خلقنا لغاية كريمة ولغاية عظيمة .
                      قال جل وعلا : "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " الذاريات : 56.
                      هذه هى الغاية التى خلق اللـه لها الخلق ، واللـه ما خلقنا اللـه لنضيع الأعمار أمام المسلسلات ، وأمام المباريات ، وأمام الأفلام ، وأمام هذا العبث واللـهو الذى تحول فى حياة هذه الأمة المسكينة إلى جد .
                      ومن أجمل ما قيل فى قول اللـه تعالى فى حق نبى اللـه يحيى " وَأتينَاهُ الحكْمَ صَبِياً "مريم : 12 .
                      قال جمهور المفسرين أى أتاه اللـه الحكمة وهو طفل صغير فذهب إليه يوماً بعض أترابه من زملائه قبل أن يوحى اللـه إليه بالنبوة فقالوا : يا يحيى هيا بنا لنلعب ! فقال يحيى : واللـه ما للعب خلقنا واللـه ما للهو والعبث خلقنا .
                      واللـه ما خلقنا لنضيع الأعمار ، فإن جُلَّ الأمة الآن يقضى جُلَّ الليل أمام التلفاز ولا حول ولا قوة إلا باللـه العلى العظيم .
                      يا من يمضى عمرك وأنت لا تدرى .. اعلم بأنك ستسأل عن هذه الساعات.. ستسأل عن هذا العمر..
                      وتذكر يا من يمضى عمرك وأنت فى غفلة أن الدنيا مهما طالت فهى قصيرة ، ومهما عظمت فهى حقيرة وأن الليل مهما طال لابد من طلوع الفجر ، وأن العمر مهما طال لابد من دخول القبر ، تذكر وصية الحبيب صلى الله عليه وسلم لعبد اللـه بن عمر كما فى صحيح البخارى أنهأخذ بمنكبى عبد اللـه بن عمر وقال يا عبد اللـه:" كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل".
                      ما أحوجنا ورب الكعبة لهذه الكلمات ، ونحن نعيش الآن عصراً طغى فيه حب الشهوات وحب الملزات وحب الدنيا ، فإن كثيراً من الناس يُذَكَّر بقول اللـه فلا يتذكر !! ، ويُذَكَّر بحديث رسول اللـه فلا يتحرك قلبه وكأن القلوب تحولت إلى حجارة !!

                      قال اللـه تعالى : "ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ"البقرة : 74 .
                      وقال اللـه تعالى : "لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْءَانَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ "الحشر : 21.
                      اللـهم ارزقنا التفكير فى آلائك ونعمك برحمتك يا أرحم الراحمين .
                      وكان ابن عمر يقول : " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء " .
                      قيل لإبراهيم بن أدهم طيب اللـه ثراه ، يا إبراهيم : كيف وجدت الزهد فى الدنيا ؟!
                      فقال إبراهيم : بثلاثة أشياء ، قيل : وما هى ؟!
                      قال إبراهيم : رأيت القبر موحشاً وليس معى مؤنس ، ورأيت الطريق طويلاً وليس معى زاد ، ورأيت جبار السموات والأرض قاضياً وليس معى من يدافع عنى .
                      أيها الأحبة الكرام : الدنيا كلها إلى زوال والعمر كله إلى فناء ، ويوم أن نام السلطان الفاتح محمد بن ملك شاه على فراش الموت ، وكان من السلاطين الأثرياء الأغنياء قال : اعرضوا عَلَىَّ كل ما أملك من الجوارى والغلمان ، والنساء ، والأموال ، والجواهر بل ، وليخرج الجند جميعاً ، فخرج الجيش عن بَكْرَة أبيه ، فنظر السلطان إلى هذا الملك العظيم وبكى وقال : واللـه لو قَبِلَ منى ملك الموت كل هذا لافتديت به !!
                      ثم نظر إلى جنوده وقال : أما هؤلاء واللـه لا يستطيعوا أن يزيدوا فى عمرى ساعة ثم أجهش بالبكاء وقال : "مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ(28)هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ "الحاقة : 28 - 29.
                      وهذا أخوه هارون الرشيد الذى كان يخاطب السحابة فى كبد السماء ، ويقول لها : أيتها السحابة فى أى مكان شئت أمطرى فسوف يحمل إلى خراجك إن شاء اللـه تعالى .
                      لما نام على فراش الموت بكى هارون وقال لإخوانه : أريد أن أرى قبرى الذى سأدفن فيه !!
                      فحملوه إلى قبره ، فنظر هارون إلى قبره وبكى ورفع رأسه إلى السماء : وقال يا مَنْ لا يزول مُلكه ارحم من زال ملكه .
                      دع عنك ما قد فات فى زمـ،ن الصبا واذكـر ذنوبك وابكها يا مذنــبُ
                      لم ينسـه الملكـان حيـن نسيتـه بــل أثبتاه وأنـــت لاهٍ تلعبُ
                      والروح منك وديعة أودعتهــــا ستــــردها بالرغم منك وتُسلبُ
                      وغرور دنياك التـى تَسْعَــى لها دارٌ حقيقتهـــــا متـاعٌ يذهبُ
                      الليل فاعلم والنهـــار كلاهمـا أنفاسنا فيها تُعَــــدُّ وتُحسَــبُ
                      " أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ(115)فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ"المؤمنون : 115-116.
                      أخى الكريم :
                      لن تتحرك قدمك يوم القيامة حتى تسأل عن عمرك .
                      انتبه يا من تغافلت عن هذه البضاعة ورأس المال الحقيقى الذى تملكه ألا وهو عمرك ، واعلم يقينا أن كل يوم يمر عليك يبعدك عن الدنيا يوما ويقربك من الآخرة يوماً .

                      قال لقمان الحكيم لولده : أى بُنَىّ إنك من يوم أن نزلت إلى الدنيا استدبرت الدنيا واستقبلت الآخرة فأنت إلى دار تقبل عليها أقرب من دار تبتعد عنها .
                      ولقى الفضيل بن عياض رجلاً فقال الفضيل : كم عمرك ؟!
                      قال الرجل : ستون سنة ، قال الفضيل : إذاً أنت منذ ستين سنة تسير إلى اللـه يوشك أن تصل .
                      فقال الرجل : إنا لله وإنا إليه راجعون .
                      قال الفضيل : هل عرفت معناها ، قال : نعم عرفت أنى لله عبد وأنى إلى اللـه راجع .
                      قال الفضيل : يا أخى من عرف أنه لله عبد وأنه إليه راجع ، عرف أنه موقوف بين يديه ومن عرف أنه موقوف عرف أنه مسئول ، ومن عرف أنه مسئول فليعد للسؤال جواباً .
                      فبكى الرجل وقال : يا فضيل وما الحيلة ؟! قال الفضيل : يسيرة ، قال : ما هى يرحمك اللـه ، قال : أن تتقى اللـه فيما بقى من عمرك يغفر اللـه لك ما قد مضى ، وما قد بقى من عمرك .

                      ثانياً : عن علمه ماذا عمل به ؟!

                      اعلم يقينا أنك ستسأل عن كل كلمة استمعت إليها فى خطبة جمعة ، أو محاضرة أو قرأتها فى كتاب ، ستسأل عن علمك الذى تعلمت ، ماذا عملت به ؟؟ تُرى منذ متى ونحن نسمع عن اللـه ؟! تُرى منذ متى ونحن نسمع عن رسول اللـه ؟! ومع ذلك سترى البون شاسعاً بين القول والعمل ، سترى فجوة خطيرة بين القول ، والعمل ، وهذه الفجوة سبب من أسباب النفاق ، قال تعالى : "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ(2)كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ "الصف : 2-3.
                      وقال جل وعلا : "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ"البقرة : 44 .
                      أسأل اللـه أن يرزقنا الصدق ، والإخلاص فى القول ، والعمل .
                      أيها الأحبة الكرام : العلم أغلى ما يطلب فى هذه الحياة بلا شك ، ولا نزاع فلا سبيل إلى معرفة اللـه ، ولا سبيل إلى الوصول إلى رضوان اللـه فى الدنيا والآخرة إلا بالعلم الشرعى ، العلم يبذل له المال ، العلم يبذل له العمر ، العلم يبذل له الوقت كله ، فإن أغلى ما يضحى له هو العلم ، ولم يأمر اللـه نبيه بطلب الزيادة من شئ إلا من العلم ، كما قال تعالى آمراً نبيه المصطفى " وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا "طه : 114 .
                      ثم قال "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ "فاطر : 28 .
                      ثم قال تعالى : "يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ" المجادلة : 11 .
                      ثم قال سبحانه: "شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " آل عمران : 18 .
                      وفى الصحيحين من حديث عبد اللـه بن عمر أن النبىصلى الله عليه وسلمقال : "إن اللـه لا يقبض العلم انتزاعاً – قال ابن حجر فى الفتح : أى محواً من الصدور- ينتزعه من صدور الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً – وفى لفظ رؤساء جهالا - فسئلوا فأفتوا بغير علم فَضَلُّوا وأَضَلُّوا."
                      وفى الصحيحين أن النبىصلى الله عليه وسلمقال : "من يرد اللـه به خيراً يفقه فى الدين."
                      وفى الصحيحين أن النبى صلىى الله عليه وسلم قال لعلى : "لأن يهدى اللـه بك رجلاً واحداً خيرُُ لك من حمر النعم."
                      وفى الحديث الذى رواه أبو داود والترمزى وابن ماجه وغيرهم وحسنه شيخنا الألبانى بشواهده من حديث أبى الدرداء رضى اللـه عنه أن النبىصلى الله عليه وسلمقال : "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل اللـه له به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع ، وإن العالم ليستغفر له كل من فى السموات والأرض حتى الحيتان فى الماء ، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً أو درهماً، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر"
                      من أتاه اللـه العلم أتاه الحظ الوافر ، وأتاه الخير كله ، فإن اللـه يعطى الدنيا من يحب ، ومن لم يحب ، ولكن اللـه لا يعطى الدين إلا لمن يحب ، ومن يرد اللـه به خيراً يفقه فى الدين ، قالصلى الله عليه وسلمكما فى صحيح مسلم وغيره : "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له."
                      هذا العلم إن لم يحرك قلبك وجوارحك للعمل ، ولخشية اللـه وتقواه فلا خير فيه ، ولا بركة له .
                      ما ثمرة العلم إن لم يورثك العمل ؟! ما ثمرة العلم إن لم يقر بنا من اللـه سبحانه وتعالى ؟!
                      ما ثمرة هذه المحاضرات والخطب والكلمات التى تخلع القلوب إن لم تعبد القلوب لرب الأرض والسموات ؟!
                      إن لم يورثنا هذا العلم خشية اللـه .. إذا لم يورثنا هذا العلم تقوى القلوب .
                      إن لم يورثنا هذا العلم حُب السنة وبُغض البدعة فما ثمرة هذا العلم ؟!
                      يقول الإمام الشاطبى فى كتابه القيم الموافقات :
                      " إن كل علم لا يفيد عملا ليس فى الشرع ما يدل على استحسانه "
                      قال تعالى : "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ"البقرة : 44 .
                      وفى الصحيحين من حديث اسامة بن زيد ان النبىصلى الله عليه وسلمقال : "يؤتى بالرجل فيلقى فى النار فتندلق أقتاب بطنه ( أى أمعاءه ) ، فيدور بها كما يدور الحمار فى الرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان مالك ؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول : بلى كنت أمر بالمعروف
                      ولا أتيه وأنهى عن المنكر وأتيه"

                      لذا كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلميستعيذ من علم لا ينفع كما فى صحيح مسلم وسنن الترمذى من حديث زيد بن الأرقم أن النبىصلى الله عليه وسلمكان يقول فى دعاءه " ...اللـهم إنى أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها."
                      وقال أبو الدرداء رضى اللـه عنه : " إننى أخاف أن يقال لى يوم القيامة أعلمت أم جهلت ؟ فأقول : علمت فلا تبقى أية آمرة أو زاجرة إلا جاءتنى تسألنى فريضتها فتقول الآمرة : هل أتمرت ؟ وتقول الزاجرة : هل ازدجرت ؟ "
                      ليس العلم بكثرة الرواية ، ولكن العلم الحقيقى هو الذى يورثك خشية اللـه هو الذى يورثك العمل .
                      وكان على بن أبى طالب يقول : " يا حملة العلم اعملوا به فإن العالم من علم ثم عمل ، ووافق علمه عمله ، وسيأتى أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم يخالف علمهم عملهم ، وتخالف سريرتهم علانيتهم يقعدون جلفاء يباهى بعضهم بعضاً ، حتى إن أحدهم ليغضب على جليسه إن تركه ، وجلس إلى غيره ، أولئك لا ترفع أعمالهم تلك إلى اللـه عز وجل ".
                      إن اللـه لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً صواباً ، لذا قال مالك بن دينار : " إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفا " ، اللـهم ارزقنا الصدق والإخلاص فى القول والعلم ، وقال ابن السماك :
                      كم من مُذَكِّر لله وهو ناس لله !!
                      وكم من مُخَوِّف من اللـه وهو جرئ على اللـه !!
                      وكم من مُقَرِّب إلى اللـه وهو بعيد عن اللـه !!
                      وكم من تالى لكتاب اللـه وهو منسلخ عن آيات اللـه !!
                      فأنت ترى كماً هائلاً من المحاضرات ، والدروس ، وترى كما هائلا من المراجع ، والمجلدات ، والكتب ، ومع ذلك ترى بونا شاسعا وفرقا كبيرا بين هذا المنهج النظرى وبين هذا الواقع العملى .
                      إن هذه الفجوة تبذز بذور النفاق فى القلوب كما قال علام الغيوب:"يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ(2)كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ "الصف : 2-3.
                      لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمله ماذا عمل به ؟!


                      ثالثاً : عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ؟!

                      المال نعمة من أعظم النعم ، المال زينة الحياة الدنيا مع الأولاد .
                      قال جل وعلا " الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " الكهف :46.
                      ولاحظ أن اللـه قدم فى هذه الآية المال على الأولاد ، المال زينة ونعمة عظيمة ، ولكن لا يعرف قدر هذه النعمة إلا من عرف الغاية من المال ، فما أكرمها من نعمة إن حركتها أيدى الصالحين ، والشرفاء .
                      المال نعمة لا يعرف قدرها إلا صالح تقى عرف الغاية من المال ، وعرف الوظيفة الحقيقية للمال ، وعرف أن المال ظل زائل وعارية مسترجعة .
                      المال نعمة من اللـه مَنَّ بها عليك ، وزينة زَيَّنَكَ اللـه بها .
                      ولكن انتبه سوف تُسأل عن هذا المال كله من أين اكتسبت ؟! وفيما أنفقت ؟! سؤالان يملأن القلب بالخوف والوجل ويجعلان العبد يسأل نفسه ألف مرة قبل أن يحصل على هذا المال .
                      يا من تتاجر فى الحرام ، فى المخدرات لتحرق قلوب فلذة أكبادنا ولا هم لك إلا أن تجمع المال ، حاسب نفسك الآن وقف مع نفسك موقف صدق ، من الآن طَهَّر مالك كله قبل أن تُسأل بين يدى اللـه الذى يعلم السر وأخفى ، عن كل ما جمعت من مال ؟ من أين لك هذا المال ؟ وفيما أنفقته ؟؟
                      فالمال نعمة إذا حركته أيدى الصالحين والشرفاء ، المال منحة لمؤمن تقى عرف الغاية منه ، وعرف الوظيفة لهذا المال ، لذا يقول سيد الرجالصلى الله عليه وسلمكما فى الصحيحين : "لا حسد إلا فى اثنتين رجل أتاه اللـه القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ، ورجل أعطاه اللـه مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار."
                      وتدبر معى أخى الكريم قول الحبيب والحديث رواه أحمد والترمذى وصححه شيخنا الألبانى من حديث أبى كبشة الأمارى عنهصلى الله عليه وسلمقال : "ثلاثة أقسم اللـه عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه : ما نقص مال عبد من صدقة ، وما ظُلِمَ عبد مظلمةً فصبر عليها إلا زاده اللـه عز وجل بها عزاً ولا فتح عبد باب مسألةٍ إلا فتح اللـه عليه باب فقر وأحدثكم حديثا فاحفظوه إنما هذه الدنيا لأربعة نفر : عبد رزقه اللـه مالاً وعلماً فهو يتقى فى ماله ربه ويصل به رحمه ، ويعلم لله فيه حقاً فهذا بأفضل المنازل ، وعبد رزقه اللـه علماً ولم يرزقه مالاً ، فهو صادق النية لله يقول لو أن لى مالاً لعملت فيه بعمل فلان ، فهو بنيته فأجرهما سواء ، وعبد رزقه اللـه مالا ولم يرزقه علماً فهو يخبط فى ماله بغير علم ، لا يتقى فيه ربه ولا يصل به رحمه ، ولا يعلم لله فيه حقاً فهذا بأخبث المنازل ، وعبد لم يرزقه اللـه مالاً ولا علماً فهو يقول لو أن لى مالاً لعملت بعمل فلان ، فهو بنيته ووزرهما سواء."
                      إن المال لا يصبح نعمة إلا إذا كان في يد صالحة تعرف الغاية منه والمال الذى سنتركه ليس مالاً لنا وإنما هو مال ورثتنا كما فى صحيح البخارى من حديث ابن مسعود رضى اللـه عنه قال قالرسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله " قالوا : يا رسول اللـه ما منا أحد إلا وماله أحب إليه من ماله وارثه ، قال : "فإن ماله ما قدم ومال ورثته ما أخر."
                      لذا يقول المصطفىصلى الله عليه وسلمكما فى صحيح مسلم من حديث ابى هريرة رضى اللـه عنه : "يقول العبد : مالى مالى ، وإنما له من ماله ثلاث : ما أكل فأفنى ، أو لبس فأبلى ، أو اعطى فأقنى ، وما سوى ذلك ، فهو ذاهب وتاركه للناس."
                      ولذا ورد فى سنن الترمذى أن عائشة رضى اللـه عنها ذبحت شاة وتصدقت بها كلها إلا الذراع فقال النبىصلى الله عليه وسلم:"ما بقى من الشاة يا عائشة؟ " قالت : ما بقى منها شئ إلا الذراع ، فقال المصطفى عليه الصلاة والسلام :"بقى كلها إلا الذراع
                      إن الذى تصدقت به هو الذى سيبقى لك فى ميزان أعمالك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى اللـه بقلب سليم ."
                      واسمع لحبيبك المصطفىصلى الله عليه وسلم وهو يقول كما فى صحيح مسلم من حديث ابى هريرة قال : "أيها الناس إن اللـه طيب لا يقبل إلا طيب وإن اللـه أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين قال تعالى : "يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ"المؤمنون : 51.
                      وقال تعالى للمؤمنين : "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ "البقرة : 172. ، وقال : "يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا "المؤمنون: 51.، وقال : "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ" البقرة : 172 .، ثم ذكر " الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يَمُدُّ يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام - وفى رواية (وملبسه حرام ) - وغُذِى بالحرام فَأَنَّى يُستَجَاب لذلك "
                      أنى يستجاب لمن أكل الحرام ، أنى يستجاب لمن شرب الحرام أنى يستجاب لمن غذى أولاده بالحرام ، إننا نرى الآن تهاوناً مروعاً فى الأكل الطيب الحلال فنرى الرجل لا هم له إلا جمع المال ، من أى سبيل كان حتى لو كان حرام حتى لو كان من الربا حتى لو كان من أموال الناس بالباطل المهم ان يكتنز المال ، ومع ذلك فواللـه لن يخرج من الدنيا بدرهم أو دولار
                      النفس تجزع أن تكـــون فقيرة والفقر خير مـن غنــاً يطغيها
                      وغنى النفوس هو الكفاف فإن أبت فجميع ما فى الأرض لا يكفيهـا
                      هــى القناعـة فالزمهــا تكن ملكا لو لم تكن لك إلا راحة البدن
                      وانظـر لمن ملك الدنيا بأجمعهـا هل راح منها بغير الطيب والكفن
                      لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ؟‍

                      رابعاً :عن جسمه فيما أبلاهقال تعالى : "إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا"الإسراء : 36 .سيسأل الفؤاد والقلب عما وعاه من اعتقاد ، هل امتلأ القلب بحب اللـه وبحب رسول اللـه والمؤمنين وامتلأ فى الوقت ذاته ببغض الشرك والمشركين والباطل والمبطلين ؟! سيسأل السمع عن كل ما سمع سيسأل البصر عن كل ما رأى ، فهل يا ترى لا يسأل العبد بين يدى الرب سبحانه إلا عن هذه الجوارح فحسب ..؟ كلا ‍‍ بل سيسأل الإنسان عن جسمه كله.
                      سيشهد هذا الجسم كله بما قدم وبما صنع وبما فعل سيشهد السمع والبصر والفؤاء ستشهد الرجل واليد والجوارح عامة قال تعالى : "الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ"يس : 65وقال اللـه جل وعلا "وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ(19)حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(20)وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ"
                      .
                      فصلت : 19 - 21سيشهد عليك بدنك كله وسوف تسأل عن هذا البدن وعن هذا الجسم فيما أبليته ، هل أبليت جسمك فى عمل الدنيا والآخرة أم فى عمل الدنيا فحسب ؟‍ فلا حرج أن يبلى الإنسان جسمه فى عمل الدنيا وفى عمل الآخرة, والخطأ والحرج أن يفنى وأن يبلى جسمه كله وحياته كلها فى عمل الدنيا ليضيع بذلك حق اللـه وعمل الآخرة ، ياأخى فى اللـه تاجر وعَمَّر وابنى واجمع المال من الحلال لكن لا تنسى حق الكبير المتعال لا تنسى الآخرة . اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً ، فلا حرج أن تجمع بين الأمرين قال المصطفى صلى الله عليه وسلم

                      "اللـهم اصلح لى دينى الذى هو عصمت أمرى وأصلح لى دنياى التى فيها معاشى "فلا تجعل عمرك جله للدنيا وتنسى الآخرة ، ستتمنى يوم القيامة الرجعة والعودة إلى الدنيا لا لتعمل للدنيا مرة أخرى بل لتعمل للآخرة ، قال تعالى :

                      "وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ(97)وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ(98)حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ(99)لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ "المؤمنون : 97 – 100. كلا .. فاعمل الآن للدنيا وللآخرة قبل أن تتمنى الرجعة والعودة فيقال لك

                      . كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا "المؤمنون : 100 "لا يسمعها اللـه ولا يجيبها اللـه ، واعلم يقيناً أنه واللـه لو أفنيت جسمك كله ليلاً ونهاراً من أجل الدنيا ونسيت عمل الآخرة واللـه لن تحصل من الدنيا إلا ما قدره الرزاق لك ، تدبر هذا الحديث الجميل الذى رواه الترمذى وغيره وصحح الحديث الشيخ الألبانى فى صحيح الجامع أنه صلى اللـه عليه وسلم قال :" من كانت الآخرة همه جعل اللـه غناه فى قلبه وجمع عليه شمله وأتته الدنيا وهى راغبة ، ومن كانت الدنيا همه جعل اللـه فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر اللـه له"أخى الحبيب سل نفسك الآن فيما أبليت جسمك فى عمل الدنيا والآخرة أم فى عمل الدنيا ؟‍ هل أبليت جسمك فى طاعة اللـه ورسوله أم فى معصية اللـه ورسوله؟ سل نفسك الآن فيما مضى من عمرك هل سَخَّرت جسمك فى طاعة اللـه ورسوله أم سخرته فى معصية اللـه ورسوله ؟ هل أعطاك اللـه نعمة هذا الجسم لنعصى اللـه بها أم لتطيع اللـه بها ؟ واعلم يقيناً أن المعصية سبب لكل شقاء وضنك وبلاء فى الدنيا والآخرة والطاعة سبب لكل فلاح وفوز وخير فى الدنيا والآخرة .
                      قال ابن عباس : " إن للطاعة نوراً فى الوجه ونوراً فى القلب وسعة فى الرزق وقوة فى البدن ومحبة فى قلوب الخلق ، وإن للمعصية سواد فى الوجه وظلمة فى القلب وضيق فى الرزق وضعف فى البدن وبغضاً فى القلوب"وذهب رجل إلى إبراهيم بن أدهم طيب اللـه ثراه فقال له يا إبراهيم : ساعدنى فى البعد عن معصية اللـه ،كيف أترك معصية اللـه جل وعلا ؟‍ فقال له إبراهيم: تذكر خمسا فإن عملت بها لن تقع فى معصية اللـه وإن زلت قدمك سرعان ما ستتوب إلى اللـه جل وعلا ، قال : هاتيها يا إبراهيم قال إبراهيم : أما الأولى إن أردت أن تعصى اللـه جل وعلا فلا تأكل من رزق اللـه .
                      قال : كيف ذلك والأرزاق كلها بيد اللـه؟
                      قال : فهل يجدر بك أن تعصى اللـه وأنت تأكل من رزقه .
                      قال يرحمك اللـه يا إبراهيم : هات الثانية .
                      قال إبراهيم : أما الثانية إن أردت أن تعصى اللـه جل وعلا فابحث عن مكان ليس فى ملك اللـه واعصى اللـه عليه .
                      قال : كيف ذلك والملك ملكه والأرض ملكه والسماء ملكه ؟!
                      قال : ألا تستحى أن تعصى الملك فى ملكه .
                      قال يرحمك اللـه هات الثالثة .
                      قال : أما الثالثة إن أردت أن تعصى اللـه جل وعلا فابحث عن مكان لا يراك اللـه فيه .
                      قال : وكيف ذلك واللـه يسمع ويرى ؟!
                      قال ألا تستحى أن تعصى اللـه وأنت على يقين أن يراك اللـه .
                      قال : يرحمك اللـه هات الرابعة .
                      قال : إذا جاءك ملك الموت فقل له أجلنى ساعة حتى أتوب إلى اللـه وأدخل فى طاعته .
                      قال : كيف ذلك يا إبراهيم ؟! واللـه جل وعلا يقـــول :" فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ " الأعراف :34.
                      قال : فهل يجدر بك وأنت تعلم ذلك أن تسوف التوبة وعمل الطاعات
                      قال : يرحمك اللـه هات الخامسة .
                      قال : أما الخامسة إذا جاءتك زبانية جهنم لتأخذك إلى جهنم فإياك أن تذهب معهم ، فبكى الرجل وعاهد اللـه عز وجل على الطاعة .
                      أيها المسلم فكر فى هذه الخمس جيدا قبل أن تعصى اللـه ، واعلم يقينا أنك بشر فإن زلت قدمك فى معصية اللـه جدد الأوبة والتوبة إلى اللـه واعلم جيداً أن اللـه يحب التوابين والمتطهرين وما من ليلة إلا والملك ينزل إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بكماله وجلاله كما فى الصحيحين من حديث أبى هريرة وينادى الحق سبحانه وتعالى ويقول :" أنا الملك ، أنا الملك ، من ذا الذى يدعونى فأستجيب له ، من ذا الذى يسألنى فأعطيه ، من ذا الذى يستغفرنى فاغفر له ، فلا يزال كذلك حتى يضئ الفجر"فهيا أخى الحبيب عُد إلى اللـه وتب إلى اللـه واستعد للجواب عن هذه الأسئلة الأربعة ، واعلم علم اليقين أنه لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه ؟ وعن علمه ماذا عمل به ؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ؟ وعن جسمه فيما أبلاه ؟!
                      أسأل اللـه العظيم رب العرش الكريم أن يحسن خاتمتنا . إنه ولى ذلك والقادر عليه .

                      ...........
                      الدعـــــاء
                      التعديل الأخير تم بواسطة محبة المساكين; الساعة 07-02-2012, 03:41 AM.

                      تعليق


                      • #12
                        رد: تفريغ سلسلة قي رحاب الاخرة للشيخ محمد حسان

                        الدرس الرابع عشر


                        محبة الرب جل جلاله





                        بسم اللـه الرحمن الرحيم




                        إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باللـه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده اللـه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له .وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ." يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللـه حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" . آل عمران - 102 " يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللـه الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللـه كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " النساء -1 " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللـه وَقُولُـوا قَوْلا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُـمْ أَعْمَـالَكُمْ وَيَغْفِــرْ لَكُـمْ ذُنُوبَكُـمْ وَمَـنْ يُطِـعِ اللـه وَرَسُولَـهُ فَقَــدْ فَـازَ فَوْزًا عَظِيمًا "الأحزاب -70 ، 71 , أما بعـــد ...فإن أصدق الحديث كلام اللـه وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار ثم أما بعد , أحبتى فى اللـه :هذا هو لقاءنا الثانى عشر من لقاءات هذه السلسلة الكريمة المباركة وكنا قد توقفنا فى اللقاء السابق مع البشرية كلها ، وهى فى أرض المحشر وقد أصابها من الكرب ، والهم ، والغم مالا يستطيع بليغ على وجه الأرض أن يجسده ، الشمس فوق الرؤوس تكاد تذيب الجماجم بل والعظام ، والزحام وحده يكاد يخنق الأنفاس ، فالبشرية كلها منذ أن خلق اللـه آدم إلى آخر رجل قامت علية الساعة تقف فى موقف واحد فى أرض واحدة , العرق يكاد يغرق الناس كلُُ بحسب عمله فى عرقه ، والأهوال تزداد شدة عندما يُأْتَى بجهنم لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها ، يُأتى بها إلى أرض المحشر فإذا ما رأت جهنم الخلائق زفرت وزمجرت غضباً منها لغضب ربها جل وعلا ، حينئذ تجثوا جميع الأمم على الركب من هول الموقف ، بل ولا يتكلم يومها إلا الأنبياء ودعوتهم يومئذ اللـهم سلم سلم !! اللـهم سلم سلم !!! ويزداد الكرب والهم على الخلق فيقول بعضهم لبعض ألا ترون ما نحن فيه ألا ترون ما قد بلغنا ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم ، ويذهبون إلى صفوة اللـه من خلقه إلى الأنبياء والمرسلين فيقول كل نبى : إن ربى قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ثم يقول كل نبى نفسى ، نفسى ، نفسى !!! إلا المصطفى صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد اللـه إنه التجارة الرابحة .. إنه صفوة اللـه من خلقه .. ، وأكرم الخلق على اللـه , يقول الحبيب :" فيأتونى فيقولون يارسول اللـه ، ألا ترى ما نحن فيه ؟ ! ألا ترى ما قد بلغنا ؟ ! ألا تشفع لنا إلى ربك ؟ ! فأقوم وأقول : أنا لها ، أنا لها ، ويخر ساجداً تحت عرش الرحمن جل جلاله ويثنى على اللـه سبحانه وتعالى بمحامد لم يفتح اللـه به على أحد من قبله فينادى عليه ربه ويقول : يامحمد ارفع رأسك وسل تعطى واشفع تشفع فيقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : يارب .. أمتى . أمتى . أمتى "., وفى حديث الصور الطويل الذى خرجناه فى اللقاء الماضى مع حديث الشفاعة الذى ذكرت الآن يقول اللـه جل وعلا لنبيه المصطفى " ما شأنك ؟ وهو أعلم ، فيقول الحبيب صلى الله عليه وسلم : يارب قد وعدتنى الشفاعة . فشفعنى فى خلقك ، فأقضى بينهم ، فيقول اللـه جل جلاله : قد شفعتك ، أنا أتيكم لأقضى بينكم " . فيرجع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ليقف مع الناس فى أرض المحشر لينظروا جميعاً مجئ الرب جل جلاله لفصل القضاء بين العباد وهذا هو لقاءنا مع حضراتكم فى هذا اليوم المبارك ، وكما تعودنا حتى لا ينسحب بساط الوقت من بين أيدينا سريعاً فسوف أركز الحديث مع حضراتكم فى العناصر التالية .
                        أولاً : مجئ الرب جل جلاله .
                        ثانياً : أول من يكلمهم اللـه يوم القيامة .
                        ثالثاً : العرض على اللـه جل وعلا وأخذ الكتب .
                        فأعيرونى القلوب والأسـماع فإن هذه الكلمات تكاد تخلع القلوب ورب الكعبة .
                        أولاً : مجئ الرب جل جلاله
                        أحبتى فى اللـه : هل منكم من أحد قد حضر يوماً محكمة من محاكم الدنيا ؟ ! يوم يأتى بالمتهمين ليقفوا وراء هذا القفص الحديدى وفجأة وقد امتلأت قاعة المحكمة بأهل المتهمين وبالمحامين ، يدخل القضاة ليجلسوا على منصة القضاء ويصرخ الحاجب (( محكمة )) فَتَصْمُت الأنفاس ، وتتقطع وتكاد القلوب أن تقفز من الصدور ، ويبدأ المحامون فى المرافعات ، والمجادلات والمعازير وتسمع هيئة القضاء ، ويردون ، ويترافعون ، ويتناقشون ثم يسدل الستار على هيئة القضاء ليتناقش القضاة فى إبرام الحكم وفى النطق به ، وفى المرة الثانية يدخل القضاة ليصدروا الحكم فى هذه القضية , أسألك باللـه انظر إلى وجوه الناس فى قاعة المحكمة , العيون تبكى .. والقلوب تكاد تقفز من الصدور .. والأنفاس متقطعة الكلام همس .. والسؤال تخافت .. الكل ينظر بأى شئ سيحكم ؟!! وما الذى سينطق به القاضى ؟! وهو العبد الحقير الفقير إلى اللـه الملك القدير , تصور هذا المشهد الذى يكاد يخلع القلب بل تكاد القلوب أن تقفز إلى الحناجر لتقف على حجم الهول والخلق جميعاً فى أرض المحشر ومن بينهم الأنبيــاء يقفــون وينظرون إلى السماء وهم ينظرون مجئ الملك العدل جل جلاله يقول الحق جل وعلا " يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا(108)يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا(109)يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا(110)وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمً" طه : 108 - 111 , تنشق السماء وينزل أهل السماء الأولى من الملائكة بضعف من فى الأرض من الإنس والجن , قال اللـه تعالى :" وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلا"الفرقان:25 يقول ابن عباس : ينزل أهل السماء الأولى من الملائكة بضعف من فى الأرض من الجن والإنس فتحيط الملائكة بالخلائق فى أرض المحشر ، فإذا ما نظـرت الخـلائق إلـى الملائكـة قالـوا أفيكـم ربنـا ؟! فتقـول الملائكة : لا وهو آت , قال اللـه تعالى : "هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ " البقرة : 210 , ويقول الحق سبحانه " وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا(22)وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى(23)يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي(24)فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ(25)وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ " الفجر : 22 - 26 ,اللـهم سلم سلم .. اللـهم سلم سلم ياأرحم الراحمين , يأتى الحق جل وعلا إتياناً يليق بكماله وجلاله , لا تعطل صفة المجىء ولا تكيف صفة المجئ ، ولا تشبه صفة المجئ ، ولا تشبه اللـه بأحد من خلقه ، فكل ما دار ببالك ، فاللـه بخلاف ذلك , جل ربنا عن الشبيه والنظير وعن المثيل ، لا ند له ، ولا كفء له ، ولا شبيه له ، ولا صاحبة له ، ولا ولد له " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ(1)اللَّهُ الصَّمَدُ(2)لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ(3)وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ " سورة الاخلاص ,قال جل جلاله " الرَّحمَنُ عَلَى العَرشِ " طه : 5 , استوى كما أخبر وعلى الوجه الذى أراد وبالمعنى الذى قال استواءً منزهاً عن الحلول والانتقال ,فلا العرش يحمله ولا الكرسى يسـنده بل العرش وحملته والكرسى وعظمته , الكـــل محمول بلطــف قـدرته مقهور بجلال قبضتـــــــه.. سبحانه وتعالى . فالاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة < قال جل جلاله :" لَيسَ كَمثْلِهِ شَئٌ وَهُو السَّمِيعٌ البَصِيرٌ " الشورى : 11 , قال جل جلاله : " وِلا يُحيطُونَ بِهِ عِلمًا " طه : - 110 , قال جل جلاله : " فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ " النحل : 74 ," هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ " , ثم يتنزل أهل السماء الثانية من الملائكة بضعف من فى الأرض من ملائكة السماء الأولى والجن والإنس فيحيط أهل السماء الثانية بأهل الأرض من الملائكة والإنس والجن , وهكذا أهل السماء الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة على قدر ذلك من التضعيف , ثم يتنزل حملة عرش الملك جل وعلا وهم يحملون العرش يسبحون اللـه سبحانه ويقولون : سبحان ذى الملك والملكوت .. سبحان ذى العزة والجبروت .. سبحان من كتب الموت على الخلائق ولا يموت . سبوح قدوس .. قدوس .. قدوس .. رب الملائكة والروح , اسمع لربك جل وعلا وهو يقول : " فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ(13)وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً(14)فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15)وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ(16)وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ(17)يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ " الحاقة : 13،18 , ويضع الحق جل جلاله كرسيه حيث شاء من أرضه ويقول : يا معشر الجن والإنس إنى قد أنصت إليكم منذ خلقتكم ، أسمع قولكم ، وأرى أعمالكم ، فأنصتوا اليوم إلىّ ، فإنما هى أعمالكم وصحفكم تُقرأ عليكم فمن وجد خيراً فليحمد اللـه ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه , ثم يقول الحق جل جلاله : "أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي ءَادَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ(60)وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ(61)وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ(62)هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(63)اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ(64)الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" يس : 60 - 65 , أتدرون من هم أول من يكلمهم اللـه فى هذا الموقف العصيب ؟ ! هذا هو عنصرنا الثانى من عناصر اللقاء .
                        ثانياً : أول من يكلمهم اللـه جل وعلا
                        أول من يكلمه اللـه جل وعلا يوم القيامة فى هذا الموقف العصيب هو آدم عليه السلام ينادى عليه الحق سبحانه كما ثبت فى الصحيحين من حديث أبى سعيد الخدرى رضى اللـه عنه أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال : " يقول اللـه تعالى : ياآدم فيقول : لبيك ! وسعديك ! والخير كله فى يديك ! فيقول اللـه جل وعلا ! أخرج بعث النار فيقول آدم : وما بعث النار ؟ فيقول اللـه جل وعلا : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين قال : فذاك حين يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها ، وترى الناس سكارى وما هم بِسُكارى ولكن عذاب اللـه شديد " فاشتد ذلك على أصحاب الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم فقالوا : يارسول اللـه ! أينا ذلك الرجل فقال المصطفى : " أبشروا فإن من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين ومنكم رجلُُ" ثم قال :" والذى نفسى بيده إنى لأطمع أن تكونوا ربع أهل الجنة " فحمدنا اللـه وكبرنا ثم قال : " والذى نفسى بيده إنى لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة " فحمـدنـا اللـه وكبرنـا ثـم قـال : "والذى نفسـى بيـده إنـى لأطمـع أن تكونـوا شطر أهل الجنة ، إن مثلكم فى الأمم كمثل الشعرة البيضاء فى جلد الثور الأسود أو كالرقمة فى ذراع الحمار " ,قال اللـه سبحانه وتعالى مخاطباً أمة المصطفى : " كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ " , اللـهم لك الحمد يامن خلقتنا موحدين وجعلتنا من أمة سيد النبيين , ثم بعد ذلك ينادى رب العزة تبارك وتعالى : يا نوح .. يقول لبيك وسعديك ، فيقول اللـه سبحانه هل بلغت قومك ؟ ! فيقول نوح : نعم يارب واللـه أعلم فيقول الحق جل جلاله : ياقوم نوح هل بلغكم نوح ؟! فيقولون لا ما أتانا من نذير وما آتانا من أحد ، فيقول من يشهد لك يانوح؟!! فيقول نوح : محمد وأمته ! ," فتدعون فتشهدون أنه قد بلغ أمته ثم أدعى فأشهد عليكم " وفى لفظ ابن ماجة بسند صححه شيخنا الألبانى يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "فيقول اللـه لأمتى ما الذى أخبركم أن نوح قد بلغ قومه ؟! فتقول الأمة الميمونة لربها جل وعلا : جاءنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فأخبرنا أن الرسل جميعاً قد بلَّغوا قومهم فصدقناه ." ,يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم فذلك قــول اللـه تعالى : " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ " البقرة - 143 , ثم يدعى عيسى عليه السلام ويقال له ياعيسى : " ءَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ "المائدة : 116 ,لماذا خص اللـه عيسى من بين سائر الرسل بهذا السؤال ؟!! لأنه ما من رسول بعث فى قومه إلا وقد آمن به من آمن من قومه ، وكفر من كفر ، إلا قوم عيسى فمنهم من قال : إن عيسى هو اللـه !! ومنهم من قال أن عيسى هو ابن اللـه !! ومنهم من جعل عيسى وأمه إلهين من دون اللـه !! فهل هناك إله يأكل ؟! إله يشرب ؟! إله يتزوج ؟! إله يقضى حاجته؟!! ولله در ابن القيم يقول :
                        يا عباد المسيح لنــا سـؤال نريد جوابه ممـــن وَعَــاه
                        إذا مـات الإله بصنـع قـوم أماتوه فهـل هــــذا إله ؟!
                        ويا عجـباً لقبر ضــم ربـاً وأعجـب منه بطن قد حَوَاهُ
                        أقام هنـاك تسعاً مـن شهور لدى الظلمات من حيض غَزَاهُ
                        وشَـقَّ الفَرْجَ مولوداً صغيراً ضعيفـــاً فاتحاً للثدى فـاهُ
                        ويـأكل ثـم يشرب ثـم يأتى بــلازم ذاك فهل هـذا إله ؟!
                        تعالى الله عن إفك النصارى سيســـألوا كلهـم عما افتراه
                        قال تعالى : " وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ(116)مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ " المائدة : 116-117 , ثم يقول عيسى عليه السلام لربه الرحمن " إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " المائدة : 118 , فيرد اللـه جل وعلا على عبده المصطفى ونبيه عيسى عليه السلام يقول : "قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " المائدة : 119
                        , ثم يدعى جميع الرسل قال تعالى : " يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ " المائدة : 109 , واسمع لله جل وعلا وهو يقول :" فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ" الأعراف: , يجمع اللـه سبحانه وتعالى الرسل بجلال العبودية بل وجلال العبودية فى جواب الرسل على اللـه جل جلاله وهم يقولون :" لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ "
                        أيها الأخيار : يسأل الرسل والملائكة بل والأنبياء بل والشهداء ؟ فهل نُترك بعد هؤلاء ؟!! قال اللـه تعالى :" وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ(68)وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ(69)وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ " الزمر : 68 – 70 , ويبدأ العرض على اللـه جل وعلا وكيف يبدأ الحساب ؟ هذا ما سوف نتعرف عليه بإيجاز بعد جلسة الاستراحة , وأقول قولى هذا واستغفر اللـه لى ولكم
                        الخطبة الثانية :
                        الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، اللـهم صلى وسلم وزد وبارك عليه وعلى أصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين ، أما بعد .
                        ثالثاً : العرض على اللـه جل وعلا وأخذ الكتب
                        أيها الأحبة الكرام : بعد ذلك يبدأ الحساب وسنقف مع الحساب وقفات ، فالحساب يبدأ بالعرض على اللـه جل جلاله بالوقوف بين يدى الحق الملك العدل سبحانه فأنت فى أرض المحشر ستستمع إلى نداء الملائكة : أين فلان بن فلان ؟ هــذا هو اسمى .. ماذا تريدون يا ملائكة اللـه ؟! أقبل للعرض على اللـه جل وعــلا !! وقد وكلت الملائكة بأخذك ، وسوقك فى أرض المحشر على رؤوس الأشهاد ، والخلائق كلها تنظر إليك ، فيقرع النداء قلبك ويصفر وجهك وترتعد فرائصك وتضطرب جوارحك وترى نفسك بين يدى الحق جل جلاله ليكلمك ليس بينك وبينه ترجمان كما فى الصحيحين من حديث عدى بن حاتم أنه صلى الله عليه وسلم قال : " ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ، ليس بينه وبينه تُرجمان ، فينظر أيمن منه "أى عن يمينه " فلا يرى إلا ما قدم " أى فى هذه الحياة الدنيا " وينظر أشأم منه " أى عن شماله " فلا يرى إلا مــا قــدم ، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشـــق تمـــرة" أى ولو بنصف تمره تتصدقون بها إلى اللـه جل وعـــلا , يقرع النداء القلب ويأمر اللـه تبارك وتعالى بالصحف وبالكتب فيأخذ كل إنسان صحيفته ,تلك الصحيفة التى لا تغادر بلية كتمتها ولا مخبأة أسررتها . فكم من معصية قد كنت نسيتها .. ذكرك اللـه إياها . وكم من مصيبة قد كنت أخفيتها .. أظهرها اللـه لك وأبداها .. فيا حسرة القلب ساعتها على ما فرطنا فى دنيانا من طاعة موالنا .
                        اسمع لربك جل وعلا ، وهو يقول :" وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا(47)وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا(48)وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْــفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُـــولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَـــالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيـــرَةً وَلا كَبِــــيرَةً إِلا أَحْصَــــاهَا وَوَجَـــدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا" الكهف : 47 - 49 , أيها المسلم :تذكر وقوفـك يوم العرض عُرْيانا مُستوحشاً قلـق الأحشــاء حيرانا , والنار تلهب مـ، غيظ ومن حنقٍ على العصاة ورب العرش غضبانا , إقـرأ كتابـك ياعبــدُ على مهلٍ فهل تـرى فيه حرفاً غيـر ما كانا , فلما قرأت ولــــم تنكر قراءته إقرار مــن عرف الأشياء عرفانا , نادى الجليــل خـذوه يا ملائكتى وأمضـوا بعبد عصى للنار عطشانا , المشركـون غـداً فى النار يلتهبوا والمـؤمنون بـدار الخلــد سكانا , أقف عند هذا القدر مع " العرض على اللـه جل وعلا " لنواصل الحديث إن قدر اللـه لنا البقاء واللقاء لنتعرف على :
                        كيفية العرض ؟ ، كيفية الحساب ؟! كيف يحاسب اللـه المؤمن يوم القيامة ؟! وكيف يقرأ المؤمن كتابه ؟! وهل تظهر الحسنات أولاً أم تظهر السيئات ؟! وما الذى يقوله اللـه للمؤمن ؟!
                        وكيف يحاسب اللـه الكافر يوم القيامة ؟! وكيف يقرأ الكافر صحيفته وكتابه ؟!
                        أسأل اللـه العظيم رب العرش الكريم أن يحسن خاتمتنا . إنه ولى ذلك والقادر عليه .

                        الخامس عشر



                        نفخة البعث




                        بسم اللـه الرحمن الرحيم
                        إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باللـه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده اللـه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له , وأشهد أن لا إله إلاَّ اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللـه حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " آل عمران - 102 ,"يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللـه الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللـه كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " النساء -1 ," يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللـه وَقُولُـوا قَوْلا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُـمْ أَعْمَـالَكُمْ وَيَغْفِــرْ لَكُـمْ ذُنُوبَكُـمْ وَمَـنْ يُطِـعِ اللـه وَرَسُولَـهُ فَقَــدْ فَـازَ فَوْزًا " الأحزاب -70 ، 71 , أما بعــــد : فإن أصدق الحديث كتاب اللـه ، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار ,أحبتى فى اللـه :هذا هو لقاءنا التاسع مع رحلة فى رحاب الدار الآخرة وها نحن الآن على موعد مع حديث مروع مهيب يحدث حين وقوع الساعة , قال اللـه تعالى : " وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرض إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ(68)وَأَشْرَقَتِ الأَرض بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ(69)وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ " الزمر : 68 -70 , فبعد أن تكلمنا آنفا عن الصور ، ونفخة الفزع ، والصعق بقى لنا أن نتكلم عن نفخة البعث ؟ وكما تعودنا أيها الأحبة الكرام حتى لا ينسحب بساط الوقت من بين أيدينا سريعاً سوف ينتظم حديثى فى هذا الموضوع الهام فى العناصر التالية :


                        أولاً : نفخة البعث
                        ثانياً : الأدلة على البعث من القرآن والسنة
                        ثالثاً : من مات على شىء بعث عليه
                        لقد انتهينا فى اللقاء الماضى عند هذا المشهد الرهيب فى وسط هذا الكون المذهل المهيــب حينما ينطق صوت جليل قريب يسأل صاحب الصوت ويجيب فلا يومها من سائل غيره ولا مجيب .

                        ويقول بعد فناء كل الخلق قاطبـة أين الملوك ؟! أين الجبارون ؟! أين المتكبرون ؟! ثم ينادى جل جلاله بصوته سبحانه ويقول : لمن الملك اليوم ؟! فلا يجيب على اللـه أحد لأنه لا أحد يجيب على ذاته جل فى علاه ويقول :لله الواحد القهار , مات كل مخلوق ولم يبق إلا اللـه الواحد الأحد الفرد الصمد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، كان آخراً كما كان أولا " هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " هو الأول فلا شىء قبله وهو الآخر فلا شىء بعده وهو الظاهر فلا شىء فوقه وهو الباطن فلا شىء دونه وهو السميع العليم .
                        أولاً : نفخة البعث

                        واللـه لا يعلمها إلا من وسع علمُه كلَ شىء ؟! ففى الصحيحين من حديث أبى هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال : " بين النفختين أربعون "قالوا : ياأبا هريرة أربعون يوماً قال أبا هريرة : أبيت ؟ قالوا : ياأبا هريرة أربعون شهراً قال : أبيـت ؟ قالـوا : ياأبـا هريـرة أربعون سنة قال : أبيت أن أسأل رسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك فعلمها عند اللـه " بعد أربعين إذا أراد اللـه أن يحى ويبعث خلقه أنزل من السماء ماءً فتنبت به الأجسام فى القبور تحت باطن الأرض كما ينبت البقل " , ففى صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: " كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب( ) منه خلق ابن آدم ومنه يركب " فإذا ماأراد اللـه أن يبعث الخلائق أتى بهذه العظمة الدقيقة وأتى بجسد صاحبها .. ماتفرق منه فى البحار .. وما تفرق منه فى التراب .. وماذهب منه إلى بطون الحيوانات والسباع .. يأتى به اللـه جل وعلا ويركب اللـه جل وعلا جسد صاحبها واللـه يعلم عظمة كل إنسان خلقه من لدن آدم إلى يوم القيامة فتكتمل الأجساد فى القبور وحينئذ يأمر إسرافيل بعد مايحييه أن يلتقم الصور( )وينفخ نفخة البعث فتخرج الأرواح .. أرواح المؤمنين لها نور وأرواح المشركين لها ظلمة !! فتسرى الأرواح إلى الأجساد التى اكتملت كما يسرى السم فى اللديغ وحينئذ يأمر اللـه جل وعلا الأرض أن تتزلزل وأن تتشقق ليخرج منها الناس من لدن آدم إلى آخر رجل قامت عليه القيامة , قال تعالى : " وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرض إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ(68)وَأَشْرَقَتِ الأَرض بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ(69)وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ " الزمر : 68 -70 , وقال تعالى : "وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ(51)قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ(52)إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ(53)فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ " يس : 51 - 54 , وقال تعالى : " وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ(41)يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ(42)إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ(43)يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرض عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ(44)نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْءَانِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ " ق : 41 - 45 , واستمع معى إلى قول اللـه عز وجل "إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرض زِلْزَالَهَا(1)وَأَخْرَجَتِ الأَرض أَثْقَالَهَا(2)وَقَالَ الإِنْسَانُ مَا لَهَا(3)يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا(4)بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا(5)يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ(6)فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ " الزلزلة : 1 - 8 , تعال معى أخى فى اللـه لنتجول سريعاً مع معانى هذه الآيات : "إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرض زِلْزَالَهَا(1)وَأَخْرَجَتِ الأَرض أَثْقَالَهَا " : أى إذا حدث زلزال الأرض العظيم الذى ليس له مثيل على الإطلاق ، فلفظت الأرض ما حوته من جثث الخليقة وقالت بلسان الحال لقد أثقلتمونى كثيراً بذنوبكم ومعاصيكم فتحملت منكم الكثير ، من سفك دماء ، وسلب ونهب ، وطغيان ، وعربدة ، وسرقة ، وما إلى ذلك من تلكم المعاصى ؟ "وَقَالَ الإِنْسَانُ مَا لَهَا " : ما الذى حول أمنها إلى اضطراب ؟! ماالذى حول سكونها إلى زلزلة ؟! ماالذى حدث ؟! فترد الأرض عليهم وتقول : إنها أوامر اللـه... سبحـــان اللـه الأرض تتكلـــم ! إنهــا إرادة اللـه !! " يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا(4)بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا " : فى هذا الوقت سوف تعرف الأحداث ، سوف تعرف الأخبار وذلك بأمر من اللـه رب السموات والأرض . "يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ(6)فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ " : باللـه عليك عش بقلبك ، وكيانك معى هـذا المشهـد الذى يخلع القلب ويزلزل الكيان . الأرض تتشقق وتتفتح القبور متناثرة هنا وهناك فى شمال وجنوب وغرب وشرق ، تتشقق تلكم القبور ويخرج من كل قبر عشرة أو مائه أو ألف يخرج من هنا وهنالك يخرج هذا وذاك ، شَخُصَ البصر إلى اتجاه واحد لايلتفت يميناً ولا يساراً إلى هذا الداعى - الملك الكريم - الذى جاء بأمر رب العالمين ليقود الناس جميعاً إلى أرض جديدة عفراء لم يطأها أحد من قبل بقدميه ألا وهى أرض المحشر , قال جل وعلا : " يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا(108)يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا(109)يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا(110)وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا " طه : 108 - 111 ," يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ " لا يلتفت أحد ولا يتخلف أحد ، أيتها العظام البالية أيتها العظام النخرة ، ياأكفاناً خاوية ويا قلوباً خاوية ويا عيوناً سائلة ويا أبداناً فاسدة , أيها الناس جميعاً فى القبور حان وقت القيام لفصل القضاء بين يدى الملك الغفور , ترى كيف يخرج الناس من قبورهم ؟! يخرج الناس من القبور حفاة ، عراة ، غُرْلا . لانعال فى أقدامهم . لاثياب تغطى أبدانهم . لاشىء يسترهم , غرلا : جمع أغرل والأغرل هو الصبى الصغير المولــود قبل ختانه , قال تعالى : "كَمَا بَدَأنَا أَوَّلَ خَلـقٍ نُّعِيدُهُ وَعْـداً عَلَينَا حَقاً إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ " الانبياء : 104 , يقول النبى صلى الله عليه وسلم " يحشر الناس حفاةً عراةً غرلاً " , فتعجبت عائشة أم المؤمنين قالت : يارسول اللـه الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض ؟!! فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم : "يا عائشة الأمر أشد من أن يهمهم ذلك " , قال جل وعلا :" فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ(33)يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ(34)وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ(35)وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ(36)لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ " عبس : 33 - 37 , تصور هذا المشهد يا عبد اللـه لتقف على هول وفظاعة هذا اليوم .
                        تذكر وقوفك يوم العرض عريان
                        والنار تلهب من غيظ ومن حنق
                        اقــرأ كتابك ياعبد على مهل
                        فلما قرأت ولم تنكر قراءته وأقررت
                        نادى الجليل خذوه ياملائكتى
                        المشــركون غداً فى النار يلتهبوا مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا
                        على العصاة ورب العرش غضبانا
                        فهل ترى فيه حرفاً غير ما كانا
                        إقرار من عرف الأشياء عرفانا
                        وامضو بعبد عصى للنار عطشانا
                        والمؤمنون بدار الخلــــد سكانا
                        ياعبد اللـه دثر نفسك فى هذا اليوم برداء طيب كريم ألا وهو رداء العمل الصالح .. دثر جسدك فى هذا اليوم برداء العمل الصالح .. رداء الطيبات الصالحات الباقيات عند رب الأرض والسموات .
                        ذلك أن العمل الصالح هو القائد الوحيد إلى جنان العزيز الحميد .
                        ثانياً : الأدلة على البعث من القرآن والسنة:-
                        ها هو أحد الجاحدين يأتى إلى النبى صلى الله عليه وسلم بعظم فيفته بين يديه ويذره فى الهواء ويقول للنبى فى سخرية واستهزاء : يامحمد أتزعم أن ربك يبعث هذا بعد ماصار رميماً ؟!! فقال له النبى صلى الله عليه وسلم : " نعم يميتك ثم يحيك ثم يدخلك النار " ,فنزل قول اللـه جل وعلا :
                        " أَوَلَمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ(77)وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ(78)قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ(79)الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ(80)أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرض بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ(81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(82)فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ " يس : 77 - 83 , يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم كما فى الحديث الذى رواه أحــمد فى مسنده بسند حسن من حديث بسر بن جحاش القرشى " أن الحبيب النبى صلى الله عليه وسلم بصق يوماً على كفه ووضع المصطفى أصبعه عليها ثم قال : قال اللـه تعالى : "ياابن آدم أنى تعجزنى وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين برديـن وللأرض منـك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغــت الروح التراقى قلت أتصـــدق ، وَأّنَّى أوان الصــدقة "" قال تعالى : " أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى(36)أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى(37)ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى(38)فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى(39)أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى " القيامة : 36 -40 , بلى وعزته وجلاله إنه لقادر على أن يبعث الموتى , وفى الصحيحين من حديث أبى هريـــرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قــال : قـال اللـه تعالى : " كذبنى ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمنى ابن آدم ولم يكن له ذلك ، أما تكذيبه إياى ، فقوله لن يعيدنى كما بدأنى ، وليس أول الخلق بأهون علىَّ من إعادته وأما شتمه إياى فقوله اتخذ اللـه ولدا وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لى كفوا أحد " , قال تعالى : " زَعَـمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَن يُبعَثُوا قُل بَلَى وَرَبَّى لَتُبعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَئونَّ بِمَا عَمِلتُــم " التغابن : 7 , أى سيبعثهم اللـه وسوف يقرأوا فى الصحائف التى لاتغادر صغيرة ولا كبيرة ولا تظلم مثقال ذرة من أعمالهم التى اقترفوها , فرد الكفار المعاندون المكابرون وقالوا كما جاء فى كتاب اللـه : "وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا(49)قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا(50)أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا(51)يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا " الإسراء : 49-52 , وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال " كان رجل يسرف على نفسه فلما حضرته الوفاة جمع بنيه وقال يا بنى إذا أنا مت فحرقونى فإذا صرت فحماً فاسحقونى فإذا كان يوم ريح عاصف فزرونى - وفى لفظ فازروا نصفى فى البر ونصفى فى البحر - فلإن قدر علىَّ ربى ليعذبنى عذابا ماعذبه أحداً من العالمين " وأخذ هذا الرجل العهود والمواثيق على أولاده أن يحرقوه وأن يسحقوه وأن ينثروه فىالريح فى البر والبحر فلما مات الرجل فعلوا به ذلك . يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : " فأمر اللـه البر فجمع مافيه وأمر اللـه البحر فجمع مافيه وقال الملك جل جلاله لهذا الرجل كن ، فإذا هو رجل قائم بين يديه سبحانه ثم قال : عبدى ما حملك على ذلك ؟ قال : خشيتك يارب وأنت تعلم فغفر اللـه له " , وفى الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضى اللـه عنه قال : سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول قال اللـه : "ياابن آدم إنـك ما دعـوتنى ورجـوتنى غفرت لـك علـى ماكان منك ولا أبالى ، ياابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم اسـتغفرتنى غفرت لك على ما كان منك ولا أبالى ، ياابن آدم لو أتيتنى بقُـراب الأرض خطايا ثم لقيتنى لا تشرك بى شيئاً لأتيتك بقرابها مغفـرة " ولقد ضرب اللـه لنا أمثلة عملية فى كتابه الكريم نزفها إلى كل من يجهل حقيقة البعث وينكر هذه الحقيقة التى لاريب فيها , قال سبحانه : " أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(259) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " البقرة : 259-260 , يقول أهل التفسير :مر العـُـزير علــى قرية بيت المقدس وقد دمر القرية بختنصر وأصبحت لا مظهر فيها لأسباب الحياة فوقف العزير أمام هذه القرية متأملاً متدبراً ثم قال كيف يحى اللـه هذه القرية بعد موتها ؟!!
                        كيف يبعث اللـه جل وعلا هؤلاء الأموات ؟!! وكيف يعيد الحياة إلى هذه القرية الخاوية ؟!! فأماته اللـه مائة سنة ثم بعثه ، وخاطبه بواسطة الملك قال : ياعزير كم لبثت ؟!! فوجد العزير الشمس تميل إلى الغروب فظن أنها شمس اليوم الذى نام فيه فقال : لبثت يوماً أو بعض يوم قال : ياعزير لقد لبثت مائة سنة ، كيف ذلك ؟!! انظر إلى وجهى المقارنة الثابت ، والمتحرك ، انظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه أى لم يتغير لونه أو طعمه أو رائحته , فكر فى هذا جيداً لتعلم أن الملك على كل شىء قدير .. انظر إلى حمارك فإذا به قد بلى وتحول إلى عظام رميم فأمر اللـه جلا وعلا أن يحيى هذا الحمار أمام عينه وبين يديه ليجعله برهاناً دامغاً للناس جميعاً على أن اللـه على كل شئ قدير ، أمر اللـه تعالى الأرض أن تجمع العظام ، فجاءت العظام من هنا ومن هناك بعدما صارت رميم فالتئمت واكتملت وصار كل عظم إلى جوار العظم الذى يليه فتركبت العظام وأصبح الحمار هيكلاً عظمياً فقط بين يدى العزير وعلى الفور أمر اللـه جل وعلا أن تكسى العظام باللحم وبالتوالى أمر أن يكسى اللحم بالشعر ، وفى التو أمر اللـه الملك أن ينفخ الروح فنهق الحمار بإذن اللـه سبحانه الذى أحيى العظام وهى رميم !! هذه هى طلاقة القدرة التى انفرد بها الواحد الفرد الصمد !!فنظر العزير إلى هذه وقال: " أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "وإبراهيم الخليل عليه السلام قال : رب أرنى كيف تحى الموتى بعد هلاكها ؟!! قال أولم تؤمن ياإبراهيم ؟! قال بلى يارب ولكن ليطمئن قلبى قال : ياإبراهيم خذ أربعة من الطير اذبحهن وعلمهن واخلط العظم مع اللحم مع الريش ؟ وخذ كوماً من لحم وعظم وريش مخلوط وممزوج وضع كل جزء من الخليط هذا على رأس جبل . , قال الحافظ ابن كثير رحمه اللـه تعالى: وجعل إبراهيم رؤوس الطيور فى يديه ثم وقف إبراهيم عليه السلام ونادى على هذه الطيور فجاءت تسعى إلى إبراهيم ولم يأتى طيراناً لينظر إبراهيم بعينه وليطمئن أنه هو بعينه الذى ذبحه وعلمه بيده حتى جاء كل طير إلى إبراهيم , يقول الحافظ : فكان إبراهيم إذا قدم رأساً لطائر ليست رأسه أبى فإذا قدم الرأس لجسدها التأم الرأس فى الجسد بإذن اللـه " وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " , قدرة اللـه لا تحدها حدود .. قدرة اللـه ليس لها نهاية .. قدرة اللـه، العقل قاصر عن إدراك حدودها , ولقد ذكر اللـه مثالا ثالثاً سنختم به هذا العنصر الهام , ذكر اللـه أصحاب الكهف الذين لبثوا فى كهفهم موتى ثلاث مائةٍ سنين وازدادو تسعة " أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ ءَايَاتِنَا عَجَبًا(9)إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا ءَاتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا(10)فَضَرَبْنَا عَلَى ءَاذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا(11)ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا " الكهف : 9-12اللـه أكبر ... أماتهم اللـه هذه السنوات ثم بعثهم ليجعلهم آية للناس إنه جل وعلا على كل شىء قدير .
                        أيها الأخيار : إن من كَلَّف عقله ليصل إلى حدود قدرة اللـه كالذى كلف نملة أن تنقل جبلاً من موضعه إلى موضع آخر .
                        قل للطبـيب تخطفتـه يد الردى
                        قل للمريض نجا وعوفى بعدما

                        قل للصحيــح مات لا من علة
                        بل سائل الأعمى خطى وسط الزحام
                        بل سائل البصير كان يحذر حفرة
                        وسل الجنين يعيش معزولا بـلا راع
                        وإذا الوليد بكى وأجهـش بالبكاء
                        وإذا تــرى الثعبان ينفـث سمه
                        وسله كيف تعيـــش ياثعبان
                        واسأل بطون النحل كيف تقاطرت
                        بل سـائل اللبن المصفى كان بين ياشافـى الأمراض من أرداك ؟!
                        عجزت فنون الطب من عافاك ؟!
                        من ياصحيح بالمنايا دهاك ؟!
                        بلااصطدام من ياأعمى يقود خطاك؟!
                        فهوى بها من ذا الذى أهـواك ؟!
                        ولا مرعى من ذا الذى يرعاك ؟!
                        لدى الولادة من ذا الذى أبكاك ؟!
                        من ياثعبان بالسموم حشاك ؟!
                        أو تحيى وهذا السم يملأ فاك ؟!
                        شهداً وقل للشهد من حلاك ؟!
                        فرثٍ ودمٍ مــن ذا الذى صفاك ؟!
                        أإله مع اللـه !! أإله مع اللـه !! أإله مع اللـه !!
                        لا إله إلا اللـه ، ولا رب غيره ، ولا معبود بحق سواه
                        وأقول قولى هذا وأستغفر اللـه لى ولكم
                        الخطبة الثانية :
                        إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باللـه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده اللـه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له , وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه ، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ، ونصح الأمة وكشف اللـه به الغمة ، فاللـهم أجزه عنا خير ما جزيت به نبياً عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته وصل اللـهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين . وبعد : أحبتى فى اللـه :
                        ثالثاً : من مات على شىء بعث عليه
                        أخى فى اللـه مرة ثانية أعرنى قلبك وسمعك فإن الموضوع من الأهمية والخطورة القصوى بمكان , فلقد ورد فى حديث فى صحيح مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " يبعث كل عبد على ما مات عليه " ياعبد اللـه ستبعث على أى هيئة مت عليها فإن كنت من السعداء مت على طاعة ستبعث يوم القيامة عليها ، وإن كنت من الأشقياء مت على معصية ستبعث عليها يوم القيامة .

                        اللـه أكبر ...هناك من يبعث والنور يشرق من وجهه ، ومن أعضائه ، وعن يمينه ، ومن بين يديه قال تعالى : " يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " التحريم : 8 , ورد فى الأثر الذى أورده السيوطى فى الدر المنثور وعزاه السيوطى لابن أبى حاتم وابن المنذر وابن مردويه وروى الحاكم الأثر فى المستدرك وصححه على شرط الشيخين وتعقب الحاكم الذَّهبى وقال : بل هو صحيح على شرط البخارى ، أن عبد اللـه بن مسعود رضى اللـه عنه قال : " منهم من يكون نوره كالجبل ومنهم من يكون نوره كالنخلة ، ومنهم من يكون نوره كالرجل القائم ، ومنهم من يكون نوره على إبهامه يوقد مرة ويطفأ مرة ، ومنهم من تحيط الظلمة به من كل ناحية " "يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ " الحديد : 13 , ينادى أهل الظلمات أهل الأنوار : ياأهل الأنوار انتظرونا ، لاتتركونا فى هذا الظلام الحالك الدامس !! ألم نكن معكم ؟ ألم نصلى معكم صلاة الجماعة؟ ألم نشهد معكم الغزوات ؟ " قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ" الحديد : 14 , "ومنهم من يبعث فينطلق إلى أرض المحشر صرخ بأعلى صوته لبيك اللـهم لبيك " من هذا ؟‍‍‍‍‍ هذا من مات بلباس الإحرام فى الحج والعمرة يبعث به ملبياً يوم القيامة ففى الصحيحين عن عبد اللـه بن عباس رضى اللـه عنه قال : "بينما رجل واقف مع النبى صلى الله عليه وسلم بعرفة ، إذ وقع من راحلته - قال أيوب : فأوقصته فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال : " اغسلوه بماء وسدر وكفنوه فى ثوبين ولا تحنطوه ، ولا تخمروا رأسه ، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً ", " ومنهم من يخرج منه دم اللون لون الدم ، والريح ريح المسك "من هؤلاء يارسول اللـه قال : " هم الشهداء فى سبيل اللـه "

                        يقول صلى الله عليه وسلم : " والذى نفسى بيده لا يكلم أحد فى سبيل اللـه واللـه أعلم بمن يكلم فى سبيله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دماً اللون لون الدم والعرف عرف المسك " , أحبتى فى اللـه : نحب أن ننوه إلى أنه قد يظهر أمام الناس شخص قتل فى غزوة أو معركة ويقال أنه شهيد وأنه ليس كذلك ! .. لماذا ؟! لأنه لا يعلم السر وأخفى إلا اللـه ، فلا تحكم لأحد بالشهادة الجازمة فى الدنيا ، لذا لا يقال : الشهيد فلان ، ولكن قل نرجو اللـه أن يتقبله عنده فى الشهداء ومن يعلم النيات غير اللـه !! ومنهم من يبعث وبطنه منتفخة لا يقوى على القيام بل ولا يستطيع الجلوس يتخبط عن يمينه وعن شماله يتكفأ على وجهه ،من هؤلاء ؟! هؤلاء هم أكلة الربا : قال اللـه تعالى : " الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا "البقرة : 275 , انظروا معى إلى المشهد الآخر ... رجل يسير فى أرض المحشر ومن حوله مجموعة من الأطفال الصغار هذا يتعلق بيده وهذا يتعلق بقدمه !! وهذا يجره جراً وهذا يدفعه دفعاً !! مشهد رهيب .. مَنْ هذا ؟! مَنْ هؤلاء ؟!...هذا هو آكل أموال اليتامى بالباطل وهؤلاء هم اليتامى !! " إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا " النساء :10 , ومنهم من يبعث من النساء وعليها جلباب من لعنة اللـه ودرع من النار وقد وضعت يدها على رأسها وهى تسير على أرض المحشر وتقول : ياويلاه... ياويلاه .... أتدرون من هذه ؟!قال رسول اللـه صلى الله عليه وسلم "إنها النائحة .. " النائحة هى التى تسير خلف الجنازة تبكى وتصرخ وتلطم وجهها وتشق جيبها وتضع التراب على رأسها وتقول.. ياويلاه !!... ياويلاه !!ومنهم من يبعث وفى يده كأس الخمر ..ومنهم من يبعث وهو يحمل على كتفه ماسرقه فى الدنيا , قال تعالى : " وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "آل عمران : 161 , قال الحافظ بن كثير : لقد أجرى اللـه الكريم عادته بكرمه أن من عاش على شىء مات عليه ، ومن مات على شىء بعث عليه , فإن أردت أخى الحبيب أن تبعث على طاعة فأطع اللـه جل وعلا فى دنياك ، وإن زلت قدمك فى معصية فاحدث بعد المعصية توبة ، فإذا ما جاءك ملك الموت وأنت على طاعة . قبضك وأنت على ذات الطاعة . وحشرت يوم القيامة فى زمرة الطائعين تحت لواء سيد النبيين وقائد المرسلين محمد بن عبد اللـه صلى الله عليه وسلم , وأختم حديثى معكم عن هذا العنصر بهذين المشهدين اللذين يخلعان القلوب .شاب أمريكى من أصل أسبانى ، دخل على إخواننا المسلمين فى إحدى المساجد فى نيويورك فى مدينة "بروكلين" بعد صلاة الفجر وقال لهم أريد أن أدخل فى الإسلام ، قالوا : من أنت ؟ قال دلونى ولا تسألونى فاغتسل ونطق بالشهادة ، وعلموه الصلاة فصلى بخشوع نادر احتقر رواد المسجد جميعاً أنفسهم أمام خشوع وسجود وبكاء هذا الشاب وتعجبوا لحاله , وفى اليوم الثالث خلى به أخ مصرى ذكى واستدرجه وقال : ياأخى باللـه عليك ما حكايتك ؟ قال واللـه لقد نشأت نصرانياً وقد تعلق قلبى بالمسيح عليه السلام ولكننى نظرت فى أحوال الناس فرأيت الناس قد انصرفوا عن أخلاق المسيح تماماً فبحثت عن الإسلام وقرأت عنه فشرح اللـه صدرى للإسلام ، ولكننى فى الليلة التى دخلت عليكم فيها نمت بعد تفكير عميق وتأملت فى البحث عن الحق فجاءنى المسيح عليه السلام فى الرؤيا وأنا نائم وأشار لى بسبابته هكذا ، وقال لى : كن محمدياً , يقول : فخرجت أبحث عن مسجد فأرشدنى اللـه إلى هذا المسجد فدخلت عليكم وبعد هذا الحديث القصير أَذَّنَ المؤذن لصلاة العشاء ودخل هذا الشاب الصلاة مع المصلين ، وسجد فى الركعة الأولى ، وقام الإمام بعدها ولم يقم أخونا المبارك بل ظل ساجداً لله فحركه من بجواره فسقط فوجدوا روحه قد فاضت إلى اللـه جل وعلا . اللـه أكبر , واستحلفك باللـه ياأخى فى اللـه أن تتأمل طويلا فى هذه الخاتمة , وهذه أخت من مدينة السويس عادت مع زوجها بعد رحلة الحج فى الباخرة سالم اكسبريس ، وصرخ الجميع فإن الباخرة تغرق ، وصرخ زوجها هيا اخرجى فقالت : واللـه لن أخرج حتى ألبس حجابى كله فقال : هذا وقت حجاب ! اخرجى ! فإننا سنهلك !! قالت : واللـه لن أخرج إلا وقد ارتديت حجابى بكامله فإن مت ألقى اللـه على طاعة . فلبثت ثيابها وخرجت مع زوجها . فلما تحقق الجميع من الغرق تعلقت به وقالت استحلفك باللـه هل أنت راضٍ عنى ؟ فبكى . قالت هل أنت راضٍ عنى ؟ فبكى . قالت أريد أن أسمعها قال واللـه إنى راضٍ عنك فبكت المرأة التقية الشابة فى ريعان شبابها وقالت : أشهد أن لا إله إلا اللـه وأشهد أن محمداً رسول اللـه ، وظلت تردد الشهادة حتى غرقت فبكى الزوج وهو ويقول : أرجو من اللـه أن يجمعنا بها فى الآخرة فى جنات النعيم , وها هو رجل عاش أربعين سنة يؤذن للصلاة لا يبتغى إلا وجه اللـه ، وقبل الموت مرض مرضاً شديداً فأقعده فى الفراش ، وأفقده النطق فعجز عن الذهاب إلى المسجد ، فلما اشتد عليه المرض بكى وقال فى نفسه : يارب أأذن لك أربعين سنة وأنت تعلم أنى ماابتغيت الأجر إلا منك ، وأحرم من الآذان فى آخر لحظات حياتى . يقسم أبناءه أنه لما حان وقت الآذان وقف على فراشه واتجه للقبلة ورفع الآذان فى غرفته وما إن وصل إلى آخر كلمات الآذان لا إله إلا اللـه خر ساقطاً على الفراش فأسرع إليه بنوه فوجدوا روحه قد فاضت إلى مولاها , إنما الأعمال بالخواتيم , وهذا شيخنا المبارك عبد الحميد كشك رحمه اللـه يقبض فى يومٍ أحبه من كل قلبه فى يوم الجمعة يغتسل ، ويلبس ثوبه الأبيض ، ويضع الطيب على بدنه وثوبه ويصلى ركعتى الوضوء ، وفى الركعة الثانية وهو راكع يخر ساقطاً فيسرع إليه أهلـه وأولاده ، فوجدوا أن روحه قد فاضت إلى اللـه جل فـى علاه . لقد أجرى الكريم عادته بكرمه . أن من عاش على شىء مات عليه .
                        ومن مات على شىء بعث عليه .
                        أسأل اللـه العظيم رب العرش الكريم أن يحسن خاتمتنا . إنه ولى ذلك والقادر عليه .
                        ........... الدعـــــاء

                        التعديل الأخير تم بواسطة جارة فاطمة; الساعة 08-02-2012, 02:48 PM.

                        تعليق


                        • #13
                          رد: تفريغ سلسلة قي رحاب الاخرة للشيخ محمد حسان

                          خامسا
                          الموت
                          بسم اللـه الرحمن الرحيم
                          الحمد لله الذى أنهى بالموت آمال القياصرة ، فنقلهم بالموت من القصور إلى القبور ، ومن ضياء المهود إلى ظلمات اللحود ومن ملاعبة الجوارى والنساء والغلمان إلى مقاساة الهوام والديدان ، ومن التنعم فى ألوان الطعام والشراب إلى التمرغ فى ألوان الوحل والتراب !! وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لا شريك له ، ينادى يوم القيامة بعد فناء خلقه ويقول : أنا الملك ..!! أنا الجبار ..!! أنا المتكبر ..!!
                          ثم يقول : لمن الملك اليوم ..؟؟! فيجيب على ذاته سبحانه !! لله الواحد القهار , وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله أدى الأمانة وبلغ الرسالة ، ونصح للأمة فكشف اللـه به الغمة ولبى نداء ربه حتى أجاب مناديه ،ومشى طوال أيامه ولياليه على شوك الأسى يخطو على جمر الكيد والعنت ، يلتمس الطريق لهداية الضالين وإرشاد الحائرين ، حتى عَلَّم الجاهل ، وَقوَّم المعوج ، وَأمَّن الخائف ، وطَمْأَن القلق ونشر أضواء الحق والخير والتوحيد والإيمان كما تنشر الشمس ضياءها فى سائر الأكوان , اللـهم صلى وسلم وزد وبارك عليه ، رفع اللـه له ذكره وشرح صدره وذكاه ربه على جميع خلقه ، ومع ذلك خاطبه ربه بقوله : "إِنَّكَ مَيتُُ وَإِنَّهُم مَيِّتُونَ "الزمر - 30 , اللـهم صلى وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين , أما بعــد ...فحياكم اللـه جميعاً أيها الآباء الفضلاء وأيها الأخوة الأحباب الأعزاء وطبتم جميعا وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلا ، وأسأل اللـه العظيم جل وعلا الذى جمعنى وإياكم فى هذا البيت المبارك على طاعته أن يجمعنى وإياكم فى الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى فى جنته ودار كرامته إنه ولى ذلك والقادر عليه , أحبتى فى اللـه :-
                          في رحاب الدار الآخرة
                          سلسلة علمية هامة تجمع بين المنهجية والرقائق ، وبين التأصيل العلمى والأسلوب الوعظى تبدأ هذه السلسة بالموت وتنتهى بالجنة , وقد تحتاج هذه السلسلة إلى جهد شاق حتى تتضح لنا معالمها ، لذا فإن الموضوع جد خطير ومن الأهمية بمكان ، لذا استحلفكم باللـه الذى لا إله إلاَّ هو .. أن تعيرونى قلوبكم وعقولكم وأسماعكم حتى نقف على أهميتها ونسأل اللـه التوفيق ، ونسأله تعالى أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، إنه ولى ذلك والقادر عليه ويجعلنا من الذين قال فيهم اللـه " الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللـه وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ"الزمر : 18 , أيها الأحبة الكرام : وسوف أستهل هذه السلسلة بالحديث عن الموت ، فهذه هى المرحلة الأولى فى هذه الرحلة الطويلة , أيها الخيار الكرام : لقد بين اللـه جل وعلا لنا الغاية التى من أجلها خلقنا فقال سبحانه وتعالى : " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ" الذاريات : 56 , بل وبين لنا حقيقة الدنيا التى جعلها محل اختبار لنا فقال سبحانه :" اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ "الحديد : 20 , وأكد الحبيب المصطفى هذه الحقيقة فى حديثه الصحيح الذى رواه الترمذى من حديث سهل بن سعد الساعدى رضى اللـه عنه قال صلى اللـه عليه وسلم " لو كانت الدنيا تعدل عند اللـه جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء " فالدنيا حقيرة عند اللـه أعطاها للمؤمن والكافر على السواء ، فلو كانت تزن عند اللـه جناح بعوضة ما سقى منها كافراً قط شربة ماء واحدة ، لذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يوصى أحبابه بعدم الركون والطمأنينة إلى هذه الدار الفانية لا محالة ، كما أوصى بذلك عبد اللـه بن عمر رضى اللـه عنهما كما فى صحيح البخارى :"كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " ، وكان ابن عمر يقول: " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك " , ورحم اللـه من قال :
                          إن للـه عبــــــاداً فطنا طلقوا الدنيا وخافـــوا الفتنـا
                          نظروا فيهــــا فلما علمـوا أنها ليست لِحَـىٍّ وطنــــاً
                          جعلوها لُجَّــــــة واتخذوا صالح الأعمـال فيهـا سُفْنــا
                          فالفطناء العقلاء هم الذين عرفوا حقيقة الدار ، فحرثوها وزرعوها ... وفى الآخرة حصدوها , فالـذم الوارد فى القرآن والسنة للدنيا لا يرجع إلى زمانها من ليل ونهار فلقد جعل اللـه الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً ، والذم الوارد للدنيا فى الكتاب والسنة لا يرجع إلى مكانها ألا وهو الأرض ، إذ أن اللـه قد جعل الأرض لبنى آدم سكناً ومستقراً , والذم الوارد فى القرآن والسنة لا يرجع إلى ما أودعها اللـه عز وجل من خيرات ، فهـذه الخيـرات نعم اللـه على عبـاده وجميع خلقه , إنما الذم الوارد فى القرآن والسنة يرجع إلى كل معصية ترتكب فى حق ربنا جل وعلا , إذاً لابد وحتما من تأصيل هذا الفهم الدقيق لا سيما لإخواننا الدعاة وطلاب العلم الذين ربما يغيب عن أذهانهم حقيقة الزهد فى هذه الحياة الدنيا ، فنحن لا نريد أن نُقنَّتْ أحداً من هذه الدنيا ، ولا نريد أن نثبت لعامل فى هذه الدنيا ولو كان فى الحلال أنه قد تجاوز عن طريق الأنبياء والصالحين والأولياء ... كلا ..!كلا ..!! بل الدنيا مزرعة للآخرة , تدبر معى قول على رضى اللـه عنه وهو يقول :" الدنيا دار صدق لمن صدقها ، ودار نجاة لمن فهم عنها ، ودار غنى لمن أخذ منها ، الدنيا مهبط وحى الأنبياء ومصلى أنبياء اللـه ومتجر أولياء اللـه " , فالدنيا مزرعة للآخرة فتدبر معى هذا الحديث الصحيح الذى رواه البخارى ومسلم من حديث أنس قال النبى صلى الله عليه وسلم :" ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إلا كان له به صدقة )) " , إذاً لابد من هذا التأصيل والفهم العميق لحقيقة الدنيا ، لننطلق من هذه الدار الفانية إلى دار تجمع بين سلامة الأبدان والأديان .. دار القرار , فلابد قبل العبور إلى دار القرار من المرور من دار الفناء ، فالدنيا دار ممر والآخرة هى دار المقر ، الدنيا مركب عبور لا منزل حبور ، الدنيا دار فناء لا دار بقاء ، لابد من وعى هذه الحقيقة التى لا مراء فيها ، لنزرع هنا بذوراً ، لنجنى هنالك ثماراً , فاعلم أيها الحبيب هذه الحقائق جيداً ، وكن على يقين جازم بأن الحياة فى هذا الدنيا موقوتة محدودة بأجل ، ثم تأتى نهايتها حتماً لابد ، فيموت الصالحون .. ويموت الطالحون .. يموت المجاهدون .. ويموت القاعدون .. يموت المستعلون بالعقيدة .. ويموت المستذلون للعبيد .. يموت الشرفاء الذين يأبون الضيم ويكرهون الذل ، والجبناء الحريصون على الحياة بأى ثمن .. الكل يموت .
                          قال اللـه جل وعلا :" كُل مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ(26)وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ " الرحمن : 26 ، 27 , فلابد أن تستقر هذه الحقيقة فى القلب والعقل معاً ، إنها الحقيقة التى تعلن بوضوح تام على مدى الزمان والمكان فى أذن كل سامع وعقل كل مفكر أنه لا بقاء إلا للملك الحى الذى لا يموت ، إنها الحقيقة التى تصبغ الحياة البشرية كلها بصبغة العبودية والذل لقاهر السموات والأرض !!
                          إنها الحقيقة التى شرب كأسها تباعاً الأنبياء والمرسلون بل والعصاة والطائعون !! انها الحقيقة التى تذكرنا كل لحظة من لحظات الزمن بقول الحى الذى لا يموت : "لا إِلَه إِلا هُو كُلُّ شَئٍ هَالِكُ إِلا وَجْهُه " القصص : 88 , أيها الحبيب تذكر هذه الحقيقة ولا تتغافل عنها إذ أن النبى أمرنا أن نكثر من ذكرها كما فى الحديث الصحيح الذى رواه الترمذى والنسائى والبيهقى والحاكم وغيرهم من حديث ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "أكثروا من ذكر هادم اللَّذات "الموت " ", إنها الحقيقة التى سماها اللـه فى قرآنه بالحق فقال جل وعلا :"وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ(19)وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ(20)وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ"ق : 19،21 , لا إله إلا اللـه ... اللـه أكبر ... اللـه أكبر , إن للموت لسكرات ... هل علمت إن هذه الكلمات قالها حبيب رب الأرض والسموات وهو يحتضر على فراش الموت ؟
                          روى البخارى عن عائشة رضى اللـه عنها قالت : " مات رسول اللـه صلى الله عليه وسلم بين حاقنتى وذاقنتى وكان بين يديه ركوة ( علبة ) بها ماء فكان يمد يده فى داخل الماء ويمسح وجهه بأبى هو وأمى ويقول : "لا إله إلا اللـه إن للموت لسكرات "", هكذا يقول حبيب رب الأرض والسموات إن للموت لسكرات !! حبيب الرحمن يذوق سكرة الموت ، فما بالنا نحن ؟!! , وفى رواية الترمذى كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول :" إن للموت لسكرات وإن للموت لغمرات " وفى رواية كان صلى الله عليه وسلم يدعوا اللـه ويقول :" اللـهم أعنِّى على سكرات الموت "
                          " وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ": وما أدراك ما السكرات ..! وما أدراك ما الكربات ..! فى هذه اللحظات يزداد الهم والكرب ، فى لحظات السكرات إذا نمت يا ابن آدم على فراش الموت ورأيت فى غرفتك التى أنت فيها دون أن يرى غيرك ، رأيت شيطاناً جلس عند رأسك يريد الشيطان أن يضلك عن كلمة الإخلاص" لا إله إلا اللـه "، يريد الشيطان أن يصدك عنها ، يقول لك : مُت يهودياً فإنه خير الأديان ، يقول لك : مُت نصرانياً فإنه خير الأديان , واستدل أهل العلم على ذلك بصدر حديث صحيح رواه الإمام مسلم أن رسول اللـه صلى الله عليه وسلم قال : "إن الشيطان يُحضِرُ كل شئ لابن آدم .." , بل وسُئل شيخ الإسلام ابن تيمية طَيَّبَ اللـه ثراه عن مسألة عَرْض الأديان على ابن آدم فى فراش الموت ، فقال فى مجموع الفتاوى: "من الناس من تعرض عليه الأديان ومنهم من لا يعرض عليه شئ قبل موته ، ثم قال : ولكنها من الفتن التى أمرنا النبى أن نستعيذ منها فى قوله صلى الله عليه وسلم :" اللهم إنى أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب جهنم ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال " , فمن فتن الموت أن يأتيك الشيطان ليصدك عن لا إله إلا اللـه ، ليصدك عن كلمة التوحيد ، هذه من الكربات ، هذه من أشد السكرات على ابن آدم ولا حول ولا قوة إلا باللـه , هل علمت أُخَىّ فى اللـه أن إمام أهل السنة أحمد بن حنبل حينما نام على فراش الموت ذهبت إليه الشياطين لتنادى عليه بهذه الكلمات ، قال عبد اللـه ولده : " حضرت وفاة أبى فنظرت إليـه فإذا هو يغرق ثم يفيق ثم يشير بيده ويتكلم ويقول : لا بَعْد ..!! لا بَعْد ..!! .
                          فلما أفاق فى صحوة بين سكرات الموت وكرباته ، قال له ولده عبد اللـه يا أبتى ماذا تقول ؟! تقول لا بعد ، لا بعد ..!! ما هذا ؟!! أتدرى ماذا قال إمام أهل السنة ؟؟ قال لولده : يا بنى شيطان جالس عند رأسى عاضٌ على أنامله يقول لى: يا أحمد لو فُتَّنى اليوم ما أدركتك بعد اليوم وأنا أقول له : لا بعد ، لا بعد حتى أموت على لا إله إلا اللـه , فإذا كنت حقا من المؤمنين الصادقين .. من الموحدين المخلصين وجاءتك الشياطين ثبتك رب العالمين وأنزل إليك ملائكة التثبيت ، كما فى حديث البراء بن عازب الصحيح وسأذكر الحديث بتفصيله لاحقاً إن شاء رب العالمين ، إلاَّ أن محل الشاهد فيه الآن أن النبى صلى الله عليه وسلم أخبر : " أنَّ المؤمن إذا نام على فراش الموت جاءته ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس ، معهم كفنُُ من أكفان الجنة وحنوطٌ من حنوط الجنة فيجلسون من المؤمن مُدَّ البصر حتى يأتى ملك الموت فيجلس عند رأسه وينادى على روحه الطيبة وهو يقول : أيتها الروح الطيبة اخرجى حميدة وابشرى بروحٍِ وريحان وربٍ راضٍ عنك غير غضبان ، فتخرج روح المؤمن سهلة سلسة كما يسيل الماء من فِىِّ السقاء فلا تدعهـا الملائكــة فى يد ملك الموت طرفة عين ، ثم ترقى بها إلى اللـه جل وعلا .. " , هكذا أيها الأحبة .."يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ " إبراهيم : 27 , ولقد سجل اللـه هذه البشارة للموحدين فى قرآنه العظيم فقال تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(30)نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ(31)نُزُلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ " فصلت:30،32 , وقال تعالى : " يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ" إبراهيم : 27 , قال ابن عباس : القول الثابت هو لا إله إلا اللـه فى الحياة الدنيا وفى الآخرة ويضل اللـه الظالمين ويفعل اللـه ما يشاء , " وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ" ق : 19 , والحق أنك تموت واللـه حى لا يموت ، الحق أن ترى عند موتك ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب , وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ , والحق أن يكون قبرك روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران , ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ذلك ما كنت منه تهرب , تحيد إلى الطبيب إذا جاءك المرض ، وتحيد إلى الشراب إذا أحسستَ بالظمأ ، ثم ماذا أيها القوى الفَتِىّ ؟! ثم ماذا أيها العبقرى الذكى ؟! ثم ماذا أيها الوزير والأمير ؟! ثم ماذا أيها الكبير والصغير ؟! ثم ماذا أيها الغنى والفقير؟! , اسمع يا هذا وذاك :
                          كل باك فَسَيُبكَى
                          كل مَذْكور سَيُنْسَـــــى وكل ناعٍ فَسَيُنعَى
                          ليــس غيــرُ اللـه يبقى
                          مـن عــلا فاللـه أعلـــى
                          أيا من يَدَّعِ الفهم
                          تعب الذنب والذنب
                          أمــا بـــان لك العيب؟ إلى كم يا أخى الوهم
                          وتخطئ الخطأ الجم
                          أما أنـــذرك الشـــيب
                          ومــا فـى نصحـه ريــــب
                          أما أسمعك الصوت
                          أما تخشى من الفَوْت
                          فكم تسير فى الهوى
                          كأنى بك تنحط
                          وقد أسلمك الرهط
                          هناك الجسم ممدود
                          إلى أن ينخر العود
                          فزود نفسك الخير
                          وهيأ مركب السير
                          بذا أوصيك يا صاح
                          فطـــوبى لفتـــى راح أما نادى بك الموت
                          فـتحتاط وتهتم
                          وتختال من الزهو
                          إلى اللحد وتنغط
                          إلى أضيق من سم
                          ليستأكله الدود
                          فيمسى العظم قد رم
                          ودع ما يعقب الضير
                          وخاف من لجة اليم
                          وقد بحتك من باح
                          بقــرآن الــرب يهتــم
                          وبـآداب محمــد يأتــم
                          وصدق اللـه عز وجل إذ يقول :"كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ(26)وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ(27)وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ(28)وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ(29)إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ " القيامة : 26 ، 30
                          " كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ(26)وَقِيلَ مَنْ رَاقٍإذا بلغت الروح الترقوة" ," وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ " من يرقيه ؟!! من يرقى بروحه ؟!! ملائكة الرحمة ؟ أم ملائكة العذاب ؟ ,من يبذل له الرقية ؟ من يبذل له الطب والعلاج ؟! فهو من هو ؟!! ,صاحب الجاه والسلطان ! صاحب الأموال والأطيان ! انتقل فى طيارة خاصة إلى أكبر مستشفى فى العالم ، التف حوله أكبر الأطباء ، هذا متخصص فى جراحة القلب والبطن وهذا متخصص فى جراحة المخ والأعصاب ، وهذا متخصص فى كذا ، وذاك متخصص فى كذا !! , التف حوله الأطباء يريدون شيئاً وملك الملوك أراد شيئاً آخر , قال تعالى : " وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ" الأعراف : 34 ," أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ " النساء : 78 , والتف حوله الأطباء مرة أخرى ،كل يبذل له العلاج والرقية !!ولكن حاروا وداروا !!اصفر وجهه ، شحب لونه ، بردت أطرافه ، تجعد جلده ، بدأ يشعر بزمهرير قارس يزحف إلى أنامل يديه وقدميه !!فينظر فى لحظة السكرة والكربة فيرى الغرفة التى هو فيها مرة فضاءً موحشاً ومرة أخرى أضيق من سم الخياط , وينظر مرة فيجد أهله يبتعدون عنه وأخرى يقتربون منه ، اختلطت عليه الأمور والأوراق !!من هذا ..؟!! ملك الموت !! ملك الموت عند رأسه ، ومن هؤلاء الذين يتنزلون من السماء ؟!!إنه يراهم بعينه ، إنهم الملائكة !! يا ترى ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب ؟!!يا ترى ماذا سيقول ملك الموت ؟!!!هل سيقول لى الآن يا أيتها الروح الطيبة اخرجى إلى مغفرة من اللـه ورضوان ورب راض غير غضبان ؟!!أم يقول يا أيتها الروح الخبيثة اخرجى إلى سخط اللـه وعذابه ؟ينظر لحظة الصحوة بين السكرات والكربات ، فإذا هو يعى من حوله من أهله وأحبابه فينظر إليهم نظرة استعطاف !! نظرة رجاء !!فيقول بلسان الحال وربما بلسان المقال : يا أولادى .. يا أحبابى .. يا أخوانى لا تتركونى وحدى ، ولا تفردونى فى لحدى !!أنا أبوكم ، أنا الذى بنيت لكم القصور !! أنا الذى عَمَّرت لكم الدور! أنا الــذى نمَّيت لكـم التجارة !! فمن منكم يزيد فى عمرى ساعة أو ساعتين؟فدُّونى بأموالى .. فدُّونى بأعماركم !! وهنا يعلو صوت الحق كما قال جل وعلا : "مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ(28)هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ "الحاقة : 28،29 , وقد سجل التاريخ لهارون الرشيد عندما نام على فراش الموت فنظر إلى جاهه وماله وقال : ما أغنى عنى ماليه هلك عنى سلطانيه !!ثم قال : أريد أن أرى قبرى الذى سأدفن فيه !!
                          فحملوه إلى قبره ، فنظر هارون إلى القبر وبكى ونظر إلى السماء وقال : يا من لا يزول ملكه ... ارحم من قد زال ملكه . أين الجاه ؟! أين السلطان ؟! أين المال ؟! أين الأراضى والأطيان ؟! ذهب كل شئ !! سبحانه ... سبحانه ... سبحانه , سبحان ذى العزة والجبروت ، سبحان ذى الملك والملكوت ، سبحان من كتب الفناء على جميع خلقه ، وهو الحى الذى لا يموت , سبحانك يا من ذللت بالموت رقاب الجبابرة , سبحانك يا من أنهيت بالموت آمال القياصرة ," كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ(26)وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ ", من يرقى بروحه ؟!! أو من يبذل له الرقية والعلاج ؟!! وقال سبحانه "وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ(28)وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ(29)إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ " إنه يوم المرجع .. إنه يوم العودة ... انتهى الأجل ... انتهت الدنيا وحتماً ستعرض على مولاك ,سأل سليمان بن عبد الملك عالمـاً من علماء السلف يقال له أبو حازم ، قال سليمان : يا أبا حازم ، ما لنا نكره الموت ؟!
                          قال أبو حازم : لأنكم عمرتم دنياكم وخربتم أخراكم فأنتم تكرهون أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب !! أحبتى فى اللـه : فى زيارة إلى أمريكا نبهنى أحد القائمين على الدعوة هناك برجل مَنَّ اللـه عليه بالأموال ، وهو مسلم عربى ومع ذلك لا يصلى ، ولا يعرف حق الكبيـر المتعـال ذهبـت إليه لأذكره باللـه فقال لى بلسان المقال : أنا أتيت إلى هذه البلاد من أجل الدولار وأعدك إن عدت إلى بلدى لا أفارق المسجد قط , قلت : سبحان اللـه .. ومنْ يضمن لك يا مسكين أنك سترجع إلى بلدك ؟!! ، أو أن يمر عليك يوم بكامله ؟!!! واللـه لا تضمن أن تتنفس بعد هذه اللحظات .دع عنك ما قد فات فى زمن الصبا واذكر ذنوبـك وابكهــا يا مذنب...لــم ينسه الملكان حيـن نسيتـه بل أثبتــاه وأنـــت لاه تلعب...والروح منك وديعـــة أودعتها ستردهــا بالرغـم منك وتسلب...وغـرور دنياك التى تسعـى لهـا دار حقيقتها متـاع يذهــــب...الليـل فاعلم و النهـــار كلاهما أنفاسنا فيهما تعــــد وتحسـب... دنياك مهما طالت فهى قصيرة .. ومهما عظمت فهى حقيرة .. لأن الليل مهما طال لابد من طلوع الفجر .. ولأن العمر مهما طال لابد من دخول القبر .
                          ثم سأل سليمان بن عبد الملك ، وقال : يا أبا حازم كيف حالنا عند اللـه تعالى ؟!! , قال : اعرض نفسك على كتاب اللـه , قال سليمان : أين أجده ؟!! , قال : فى قوله تعالى : " إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ(13)وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ " الانفطار : 13 ، 14 , قال سليمان بن عبد الملك : فأين رحمة اللـه يا أبا حازم ؟!! , قال أبو حازم" إِنَّ رَحمَتَ اللَّـهِ قَرِيبٌ مِّنَ المحُسِنِينَ" الأعراف:56 , فقال سليمان بن عبد الملك : فكيف عَرضُنَا على اللـه غداً , قال : أما المحسن فكالعبد الغائب من سفر يقدمُ على أهله ، فيستقبله الأهل بفرح ، والمسىء كالعبد الآبق يقدِمُ على مولاه , وفى الصحيحين من حديث عائشة رضى اللـه عنهـا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "من أحب لقاء اللـه أحب اللـه لقاءه ، ومن كره لقاء اللـه كره اللـه لقاءه " , قالت عائشة : يا رسـول اللـه أكراهية الموت ؟ كلنا يكره الموت , قال : " لا يا عائشة ، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة اللـه ورضوانه وجنته أحب لقاء اللـه وأحب اللـه لقاءه ، وإن الكافر إذا بشر بسخط اللـه وعذابه كره لقاء اللـه وكره اللـه لقاءه " , وفى صحيح البخارى من حديث أبى سعيد الخدرى رضى اللـه عنه أن رسول اللـه صلى الله عليه وسلم قال : " إذا وضعت الجنازة وحملها الرجال على الأعناق تكلمت وسمعها كل شئ إلا الثقلين - أو قال : إلا الإنسان - ولو سمع الإنسان لصعق ، فإن كانت صالحة قالت : قدمونى قدمــونى !! وإن كانت غير صالحة قالت : يا ويلها ..!! أين يذهبون بها !! " اللـهم سلم.. سلم , أيها اللاهى .. أيها الساهى .. أيها الشاب .. أيها الكبير .. أيها الصغير .. أيها الأمير .. أيها الوزير .. أيها الحقير ..ذكر نفسك ، وقل لها !! , يا نفس قـــد أزف الرحيــل وأظلك الخطب الجليــــــلُ ... فتأهبــــى يا نفـــــس لا يلعب بك الأمـــــل الطويـلُ ... فلتنـــزلــن بمنـــــزل ينسى الخليـلَ بـه الخليــــلُ ... وليركبن عليـك فيـــــــه من الثَّرَى حمل ثقيـــــــلُ ... قرن الفنــاء بنـا جميعــــا فلا يبقى العزيــــز ولا الذليلُ وأقول قولى هذا واستغفر اللـه لى ولكم
                          الخطبة الثانية :
                          الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً نبيه ورسوله ، اللـهم صلى وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين , أما بعد ... فيا أيها الأحبة الكرام ...
                          هكذا تبدأ رحلتنا فى رحاب الدار الآخرة بالموت بعدما بَيَّنا بإيجاز حقيقة الدنيا وتنتهى هذه المرحلة الأولى بالوصول إلى القبر ، وها أنا سأقف معكم إن شاء اللـه تعالى لاحقا أمام القبر ، وحقيقة القبر ، وما معنى البرزخ وما معنى النعيم ، وما معنى الجحيم ، ولماذا لم يذكر اللـه عذاب القبر صراحة فى القرآن ؟ وهل ثبتت أحاديث صحيحة عن النبى صلى الله عليه وسلم وما هى حقيقة القبر؟ وما هى حقيقة البعث ؟
                          لنواصل هذه الرحلة التى هى من الأهمية بمكان , ها أنا ذا أذكر نفسى أولاً ثم إخوانى وأحبابى فى هذه اللحظة
                          بالتوبة والإنابة إلى رب الأرض والسموات وأقول :
                          يا من أسرفت على نفسك بالمعاصى !!
                          يا من تركت الصلاة فى بيوت اللـه !!
                          يا من تركتِ الحجاب الشرعى وضيعت الصلاة !!
                          يا من شغلك هُبَل العصرى ( التلفاز ) والشيطان عن اللـه عز وجل !!
                          يا من أعرضت عن مجالس العلم وأماكن الخير والطاعة والعبادة !!
                          يا من قضيت عمرك على المقاهى وتركت طاعات اللـه .
                          تُبْ من الآن إلى اللـه وسيقبل اللـه توبتك إن كانت خالصة لوجهه قال تعالى :  قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ  .
                          [ الزمر : 53 >.
                          أقول لك أخى الحبيب :
                          تُـبْ إلى اللـه ولا تيأس مهما بلغت ذنوبك ، مهما كثرت معاصيك اطرق باب الرحمن ، فلن يغلق اللـه فى وجهك قط ما دمت تستغفر وتتوب إليه  إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ
                          [ النساء : 48 > .
                          فعاهد نفسك من الآن على التوبة أينما كنت ألم يقل اللـه عز وجل؟!!
                          يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ التحريم : 8 > .
                          يقول: (( قال اللـه تعالى فى الحديث القدسى : " يا ابن آدم إنك ما دعوتنى ورجوتنى غفرت لك على ما كان منك ولا أبالى ، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتنى غفرت لك على ما كان منك ولا أبالى ، يا ابن آدم لو أتيتنى بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتى لا تشرك بى شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة " )) ( ) .
                          أيها الحبيب ...
                          اجتهد فى الدنيا وَعَمِّر الكون واربح ما استعطت من أموال ولكن بشرطين أن تربح من حلال ، وتؤدى حق الكبير المتعال .
                          اجتهد فى الدنيا وازرع للآخرة ، فأنا لا أريد أن أقنِّتك من هذه الحياة قط وإنما أريد أن أذكر نفسى وإياك بأن الدنيا مزرعة للآخرة ، فلا ينبغى أن ننشغل بالدار الفانية على الباقية ، فغداً سترحل عن هذه الحياة ولن ينفعك إلا ما قدمت .
                          (( يتبع الميت ثلاث ، ماله ، وأهله ، وعمله فيرجع اثنان ويبقى واحد يرجع أهله وماله ويبقى عمله )) ( ) .
                          وينادى عليك فى القبر بلسان الحال :
                          رجعـــــوا وتركــــوك و فـى التـــراب وضعــوك
                          وللحســـاب عرضــــوك ولـو ظلوا معــك ما نفعــوك
                          ولم يبقى لك إلا عملك مع رحمة الحى الذى لا يموت .
                          .......... الدعــاء
                          يتبع

                          التعديل الأخير تم بواسطة جارة فاطمة; الساعة 08-02-2012, 02:56 PM.

                          تعليق


                          • #14
                            رد: تفريغ سلسلة قي رحاب الاخرة للشيخ محمد حسان

                            بسم اللـه الرحمن الرحيم




                            إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستهديه ونعوذ باللـه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده اللـه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له .
                            وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
                            .
                            "
                            يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللـه حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ "آل عمران : 102.


                            "يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللـه الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللـه كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " النساء :1.
                            " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللـه وَقُولُـوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُـمْ أَعْمَـالَكُمْ وَيَغْفِــرْ لَكُـمْ ذُنُوبَكُـمْ وَمَـنْ يُطِـعِ اللـه وَرَسُولَـهُ فَقَــدْ فَـازَ فَوْزًا عَظِيمًا "الأحزاب: 70 - 71 .

                            أما بعـــد ...

                            فإن أصدق الحديث كتاب اللـه وخير الهدى هدى محمدصلى الله عليه وسلموشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار .
                            أحبتى فى اللـه
                            :
                            نحن اليوم بتوفيق اللـه جل وعلا على موعد مع اللقاء الخامس عشر من لقاءات هذه السلسلة المنهجية المباركة
                            .
                            أخى الحبيب : تذكر معى أننا قد توقفنا فى اللقاءين الماضيين على التوالى مع قواعد العدل التى يحاسب اللـه جل وعلا عباده بها يوم القيامة ، ثم تعرفنا على أول أمة يحاسبها اللـه جل وعلا ، وعلى أول من يقضى اللـه بينهم يوم القيامة ، وعلى أول ما سيحاسب وما يسأل عنه العبد بين يدى الرب جل وعلا ، ونحن اليوم بإذن اللـه تعالى لا زلنا مع الناس فى ساحة الحساب بين يدى اللـه سبحانه وتعالى ، فإن اللـه عز وجل يسأل العبد بعد الصلاة عن أربع
                            :
                            عن عمره فيما أفناه ؟! وعن علمه ماذا عمل فيه ؟! وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ؟! وعن جسمه فيما أبلاه ؟! هذه الأربع هى موضوع لقاءنا مع حضراتكم فى هذا اليوم الكريم المبارك
                            .
                            أحبتى الكرام : أعيرونى القلوب والأسماع فإن الموضوع من الأهمية بمكان واللـه أسأل أن يسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض
                            .
                            ولا شك أن اللـه عز وجل سيسأل العبد فى ساحة الحساب عن كل ما قدم فى هذه الحياة
                            .
                            قال اللـه سبحانه : "فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ " الزلزلة : 7-8.

                            وقال جل وعلا : "فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92)عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ" الحجر :92-93.
                            فكم من معصية قد كنــت نسيتها ذكرك اللـه إياهـــــــــا

                            وكم من مصيبة قـد كنـت أخفيتها أظهرها الله لــــك وأبـداهـا
                            ولكن النبىصلى الله عليه وسلمقد ذكر أن اللـه سبحانه سيسأل العبد بعد الصلاة عن أربع كما فى الحديث الصحيح الذى رواه الترمذى والطبرانى فى معجمه والصغير ، والخطيب فى التاريخ ، وصححه شيخنا الألبانى فى السلسلة الصحيحة وصحيح الجامع من حديث عبد اللـه بن مسعود رضى اللـه عنه أن النبىقال : "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ؟ وعن علمه ما عمل به ؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ؟ وعن جسمه فيما أبلاه ؟"

                            أولاً :السؤال عن العمر

                            أحبتى فى اللـه :
                            العمر هو البضاعة ، ورأس المال فمن ضاعت بضاعته ، وانتهى رأس ماله دون أن يحقق الربح فهو من الخاسرين
                            .
                            هل حسبت أن هذا العمر ، وهذه الأيام ، وهذه الشهور وهذه السنوات ، التى هى عمرك ، والتى تمضى منك ، وأنت لا تشعر ، هل حسبت أن اللـه لن يسألك عنها ؟
                            !!
                            قال اللـه تعالى : "أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ(115)فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ" المؤمنون:115-116.

                            وقال سبحانه : "أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى(36)أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى(37)ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى(38)فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(39)أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى " القيامة : 36-40.
                            أليس ذلك بقادر على أن يبعثهم للوقوف بين يديه للسؤال عما قدموه وعما فعلوه .. للسؤال عن القليل ، والكثير ، صغير أو كبير ، حقير أو عظيم !!
                            أيها المسلم الأيام تمر والأشهر تجرى وراءها تسحب معها السنين ، وتجر خلفها الأعمار وتطوى حياة جيل بعد جيل وبعدها سيقف الجميع بين يدى الملك الجليل
                            .
                            العمر يولى ستسأل عن كل ساعة ، عن كل يوم ، عن كل أسبوع ، عن كل سنة ، عن عمرك كله فيما أفنيته
                            .
                            قال الحسن البصرى رحمه اللـه تعالى : " يا ابن آدم إنما أنت أيام مجموعة فإن مضى يوم مضى بعضك وإن مضى بعضك مضى كلك
                            " .
                            ولذا كان الحسن رحمه اللـه يقول : " ما من يوم تطلع فيه الشمس إلا وينادى بلسان الحال ويقول يا ابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فاغتنمنى فإنى لا أعود إلى يوم القيامة .


                            وكان عبد اللـه بن مسعود رضى اللـه عنه يقول : " واللـه ما ندمت على شئ كندمى على يوم طلعت شمسه نقص فيه أجلى ولم يزد فيه عملى ".
                            العمر هو البضاعة الحقيقة ، وواللـه ما منحنا هذه البضاعة الكريمة للهو واللعب والملزات والشهوات ، واللـه ما للهو خلقنا بل خلقنا لغاية كريمة ولغاية عظيمة .
                            قال جل وعلا : "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " الذاريات : 56.

                            هذه هى الغاية التى خلق اللـه لها الخلق ، واللـه ما خلقنا اللـه لنضيع الأعمار أمام المسلسلات ، وأمام المباريات ، وأمام الأفلام ، وأمام هذا العبث واللـهو الذى تحول فى حياة هذه الأمة المسكينة إلى جد .
                            ومن أجمل ما قيل فى قول اللـه تعالى فى حق نبى اللـه يحيى " وَأتينَاهُ الحكْمَ صَبِياً "مريم : 12 .

                            قال جمهور المفسرين أى أتاه اللـه الحكمة وهو طفل صغير فذهب إليه يوماً بعض أترابه من زملائه قبل أن يوحى اللـه إليه بالنبوة فقالوا : يا يحيى هيا بنا لنلعب ! فقال يحيى : واللـه ما للعب خلقنا واللـه ما للهو والعبث خلقنا .
                            واللـه ما خلقنا لنضيع الأعمار ، فإن جُلَّ الأمة الآن يقضى جُلَّ الليل أمام التلفاز ولا حول ولا قوة إلا باللـه العلى العظيم
                            .
                            يا من يمضى عمرك وأنت لا تدرى .. اعلم بأنك ستسأل عن هذه الساعات.. ستسأل عن هذا العمر
                            ..
                            وتذكر يا من يمضى عمرك وأنت فى غفلة أن الدنيا مهما طالت فهى قصيرة ، ومهما عظمت فهى حقيرة وأن الليل مهما طال لابد من طلوع الفجر ، وأن العمر مهما طال لابد من دخول القبر ، تذكر وصية الحبيب صلى الله عليه وسلم لعبد اللـه بن عمر كما فى صحيح البخارى أنهأخذ بمنكبى عبد اللـه بن عمر وقال يا عبد اللـه:" كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل".

                            ما أحوجنا ورب الكعبة لهذه الكلمات ، ونحن نعيش الآن عصراً طغى فيه حب الشهوات وحب الملزات وحب الدنيا ، فإن كثيراً من الناس يُذَكَّر بقول اللـه فلا يتذكر !! ، ويُذَكَّر بحديث رسول اللـه فلا يتحرك قلبه وكأن القلوب تحولت إلى حجارة !!

                            قال اللـه تعالى : "ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ"البقرة : 74 .
                            وقال اللـه تعالى : "لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْءَانَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ "الحشر : 21.
                            اللـهم ارزقنا التفكير فى آلائك ونعمك برحمتك يا أرحم الراحمين .
                            وكان ابن عمر يقول : " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء "
                            .
                            قيل لإبراهيم بن أدهم طيب اللـه ثراه ، يا إبراهيم : كيف وجدت الزهد فى الدنيا ؟
                            !
                            فقال إبراهيم : بثلاثة أشياء ، قيل : وما هى ؟
                            !
                            قال إبراهيم : رأيت القبر موحشاً وليس معى مؤنس ، ورأيت الطريق طويلاً وليس معى زاد ، ورأيت جبار السموات والأرض قاضياً وليس معى من يدافع عنى
                            .
                            أيها الأحبة الكرام : الدنيا كلها إلى زوال والعمر كله إلى فناء ، ويوم أن نام السلطان الفاتح محمد بن ملك شاه على فراش الموت ، وكان من السلاطين الأثرياء الأغنياء قال : اعرضوا عَلَىَّ كل ما أملك من الجوارى والغلمان ، والنساء ، والأموال ، والجواهر بل ، وليخرج الجند جميعاً ، فخرج الجيش عن بَكْرَة أبيه ، فنظر السلطان إلى هذا الملك العظيم وبكى وقال : واللـه لو قَبِلَ منى ملك الموت كل هذا لافتديت به
                            !!
                            ثم نظر إلى جنوده وقال : أما هؤلاء واللـه لا يستطيعوا أن يزيدوا فى عمرى ساعة ثم أجهش بالبكاء وقال : "مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ(28)هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ "الحاقة : 28 - 29.

                            وهذا أخوه هارون الرشيد الذى كان يخاطب السحابة فى كبد السماء ، ويقول لها : أيتها السحابة فى أى مكان شئت أمطرى فسوف يحمل إلى خراجك إن شاء اللـه تعالى .
                            لما نام على فراش الموت بكى هارون وقال لإخوانه : أريد أن أرى قبرى الذى سأدفن فيه !!
                            فحملوه إلى قبره ، فنظر هارون إلى قبره وبكى ورفع رأسه إلى السماء : وقال يا مَنْ لا يزول مُلكه ارحم من زال ملكه .
                            دع عنك ما قد فات فى زمـ،ن الصبا واذكـر ذنوبك وابكها يا مذنــبُ

                            لم ينسـه الملكـان حيـن نسيتـه بــل أثبتاه وأنـــت لاهٍ تلعبُ
                            والروح منك وديعة أودعتهــــا ستــــردها بالرغم منك وتُسلبُ
                            وغرور دنياك التـى تَسْعَــى لها دارٌ حقيقتهـــــا متـاعٌ يذهبُ
                            الليل فاعلم والنهـــار كلاهمـا أنفاسنا فيها تُعَــــدُّ وتُحسَــبُ
                            " أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ(115)فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ"المؤمنون : 115-116.
                            أخى الكريم :
                            لن تتحرك قدمك يوم القيامة حتى تسأل عن عمرك
                            .
                            انتبه يا من تغافلت عن هذه البضاعة ورأس المال الحقيقى الذى تملكه ألا وهو عمرك ، واعلم يقينا أن كل يوم يمر عليك يبعدك عن الدنيا يوما ويقربك من الآخرة يوماً .


                            قال لقمان الحكيم لولده : أى بُنَىّ إنك من يوم أن نزلت إلى الدنيا استدبرت الدنيا واستقبلت الآخرة فأنت إلى دار تقبل عليها أقرب من دار تبتعد عنها .
                            ولقى الفضيل بن عياض رجلاً فقال الفضيل : كم عمرك ؟!
                            قال الرجل : ستون سنة ، قال الفضيل : إذاً أنت منذ ستين سنة تسير إلى اللـه يوشك أن تصل
                            .
                            فقال الرجل : إنا لله وإنا إليه راجعون
                            .
                            قال الفضيل : هل عرفت معناها ، قال : نعم عرفت أنى لله عبد وأنى إلى اللـه راجع
                            .
                            قال الفضيل : يا أخى من عرف أنه لله عبد وأنه إليه راجع ، عرف أنه موقوف بين يديه ومن عرف أنه موقوف عرف أنه مسئول ، ومن عرف أنه مسئول فليعد للسؤال جواباً
                            .
                            فبكى الرجل وقال : يا فضيل وما الحيلة ؟! قال الفضيل : يسيرة ، قال : ما هى يرحمك اللـه ، قال : أن تتقى اللـه فيما بقى من عمرك يغفر اللـه لك ما قد مضى ، وما قد بقى من عمرك .


                            ثانياً : عن علمه ماذا عمل به ؟!

                            اعلم يقينا أنك ستسأل عن كل كلمة استمعت إليها فى خطبة جمعة ، أو محاضرة أو قرأتها فى كتاب ، ستسأل عن علمك الذى تعلمت ، ماذا عملت به ؟؟ تُرى منذ متى ونحن نسمع عن اللـه ؟! تُرى منذ متى ونحن نسمع عن رسول اللـه ؟! ومع ذلك سترى البون شاسعاً بين القول والعمل ، سترى فجوة خطيرة بين القول ، والعمل ، وهذه الفجوة سبب من أسباب النفاق ، قال تعالى : "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ(2)كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ "الصف : 2-3.
                            وقال جل وعلا : "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ"البقرة : 44 .
                            أسأل اللـه أن يرزقنا الصدق ، والإخلاص فى القول ، والعمل .
                            أيها الأحبة الكرام : العلم أغلى ما يطلب فى هذه الحياة بلا شك ، ولا نزاع فلا سبيل إلى معرفة اللـه ، ولا سبيل إلى الوصول إلى رضوان اللـه فى الدنيا والآخرة إلا بالعلم الشرعى ، العلم يبذل له المال ، العلم يبذل له العمر ، العلم يبذل له الوقت كله ، فإن أغلى ما يضحى له هو العلم ، ولم يأمر اللـه نبيه بطلب الزيادة من شئ إلا من العلم ، كما قال تعالى آمراً نبيه المصطفى " وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا "طه : 114 .

                            ثم قال "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ "فاطر : 28 .
                            ثم قال تعالى : "يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ" المجادلة : 11 .
                            ثم قال سبحانه: "شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " آل عمران : 18 .

                            وفى الصحيحين من حديث عبد اللـه بن عمر أن النبىصلى الله عليه وسلمقال : "إن اللـه لا يقبض العلم انتزاعاً – قال ابن حجر فى الفتح : أى محواً من الصدور- ينتزعه من صدور الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً – وفى لفظ رؤساء جهالا - فسئلوا فأفتوا بغير علم فَضَلُّوا وأَضَلُّوا."
                            وفى الصحيحين أن النبىصلى الله عليه وسلمقال : "من يرد اللـه به خيراً يفقه فى الدين."
                            وفى الصحيحين أن النبى صلىى الله عليه وسلم قال لعلى : "لأن يهدى اللـه بك رجلاً واحداً خيرُُ لك من حمر النعم."
                            وفى الحديث الذى رواه أبو داود والترمزى وابن ماجه وغيرهم وحسنه شيخنا الألبانى بشواهده من حديث أبى الدرداء رضى اللـه عنه أن النبىصلى الله عليه وسلمقال : "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل اللـه له به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع ، وإن العالم ليستغفر له كل من فى السموات والأرض حتى الحيتان فى الماء ، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً أو درهماً، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر"
                            من أتاه اللـه العلم أتاه الحظ الوافر ، وأتاه الخير كله ، فإن اللـه يعطى الدنيا من يحب ، ومن لم يحب ، ولكن اللـه لا يعطى الدين إلا لمن يحب ، ومن يرد اللـه به خيراً يفقه فى الدين ، قالصلى الله عليه وسلمكما فى صحيح مسلم وغيره : "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له."
                            هذا العلم إن لم يحرك قلبك وجوارحك للعمل ، ولخشية اللـه وتقواه فلا خير فيه ، ولا بركة له .
                            ما ثمرة العلم إن لم يورثك العمل ؟! ما ثمرة العلم إن لم يقر بنا من اللـه سبحانه وتعالى ؟
                            !
                            ما ثمرة هذه المحاضرات والخطب والكلمات التى تخلع القلوب إن لم تعبد القلوب لرب الأرض والسموات ؟
                            !
                            إن لم يورثنا هذا العلم خشية اللـه .. إذا لم يورثنا هذا العلم تقوى القلوب
                            .
                            إن لم يورثنا هذا العلم حُب السنة وبُغض البدعة فما ثمرة هذا العلم ؟!

                            يقول الإمام الشاطبى فى كتابه القيم الموافقات :
                            " إن كل علم لا يفيد عملا ليس فى الشرع ما يدل على استحسانه "

                            قال تعالى : "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ"البقرة : 44 .
                            وفى الصحيحين من حديث اسامة بن زيد ان النبىصلى الله عليه وسلمقال : "يؤتى بالرجل فيلقى فى النار فتندلق أقتاب بطنه ( أى أمعاءه ) ، فيدور بها كما يدور الحمار فى الرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان مالك ؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول : بلى كنت أمر بالمعروف

                            ولا أتيه وأنهى عن المنكر وأتيه"

                            لذا كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلميستعيذ من علم لا ينفع كما فى صحيح مسلم وسنن الترمذى من حديث زيد بن الأرقم أن النبىصلى الله عليه وسلمكان يقول فى دعاءه " ...اللـهم إنى أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها."
                            وقال أبو الدرداء رضى اللـه عنه : " إننى أخاف أن يقال لى يوم القيامة أعلمت أم جهلت ؟ فأقول : علمت فلا تبقى أية آمرة أو زاجرة إلا جاءتنى تسألنى فريضتها فتقول الآمرة : هل أتمرت ؟ وتقول الزاجرة : هل ازدجرت ؟ "
                            ليس العلم بكثرة الرواية ، ولكن العلم الحقيقى هو الذى يورثك خشية اللـه هو الذى يورثك العمل
                            .
                            وكان على بن أبى طالب يقول : " يا حملة العلم اعملوا به فإن العالم من علم ثم عمل ، ووافق علمه عمله ، وسيأتى أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم يخالف علمهم عملهم ، وتخالف سريرتهم علانيتهم يقعدون جلفاء يباهى بعضهم بعضاً ، حتى إن أحدهم ليغضب على جليسه إن تركه ، وجلس إلى غيره ، أولئك لا ترفع أعمالهم تلك إلى اللـه عز وجل
                            ".
                            إن اللـه لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً صواباً ، لذا قال مالك بن دينار : " إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفا " ، اللـهم ارزقنا الصدق والإخلاص فى القول والعلم ، وقال ابن السماك
                            :
                            كم من مُذَكِّر لله وهو ناس لله
                            !!
                            وكم من مُخَوِّف من اللـه وهو جرئ على اللـه
                            !!
                            وكم من مُقَرِّب إلى اللـه وهو بعيد عن اللـه
                            !!
                            وكم من تالى لكتاب اللـه وهو منسلخ عن آيات اللـه !!

                            فأنت ترى كماً هائلاً من المحاضرات ، والدروس ، وترى كما هائلا من المراجع ، والمجلدات ، والكتب ، ومع ذلك ترى بونا شاسعا وفرقا كبيرا بين هذا المنهج النظرى وبين هذا الواقع العملى .
                            إن هذه الفجوة تبذز بذور النفاق فى القلوب كما قال علام الغيوب:"يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ(2)كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ "الصف : 2-3.

                            لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمله ماذا عمل به ؟!


                            ثالثاً : عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ؟!


                            المال نعمة من أعظم النعم ، المال زينة الحياة الدنيا مع الأولاد .
                            قال جل وعلا " الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " الكهف :46.

                            ولاحظ أن اللـه قدم فى هذه الآية المال على الأولاد ، المال زينة ونعمة عظيمة ، ولكن لا يعرف قدر هذه النعمة إلا من عرف الغاية من المال ، فما أكرمها من نعمة إن حركتها أيدى الصالحين ، والشرفاء .
                            المال نعمة لا يعرف قدرها إلا صالح تقى عرف الغاية من المال ، وعرف الوظيفة الحقيقية للمال ، وعرف أن المال ظل زائل وعارية مسترجعة
                            .
                            المال نعمة من اللـه مَنَّ بها عليك ، وزينة زَيَّنَكَ اللـه بها
                            .
                            ولكن انتبه سوف تُسأل عن هذا المال كله من أين اكتسبت ؟! وفيما أنفقت ؟! سؤالان يملأن القلب بالخوف والوجل ويجعلان العبد يسأل نفسه ألف مرة قبل أن يحصل على هذا المال
                            .
                            يا من تتاجر فى الحرام ، فى المخدرات لتحرق قلوب فلذة أكبادنا ولا هم لك إلا أن تجمع المال ، حاسب نفسك الآن وقف مع نفسك موقف صدق ، من الآن طَهَّر مالك كله قبل أن تُسأل بين يدى اللـه الذى يعلم السر وأخفى ، عن كل ما جمعت من مال ؟ من أين لك هذا المال ؟ وفيما أنفقته ؟؟

                            فالمال نعمة إذا حركته أيدى الصالحين والشرفاء ، المال منحة لمؤمن تقى عرف الغاية منه ، وعرف الوظيفة لهذا المال ، لذا يقول سيد الرجالصلى الله عليه وسلمكما فى الصحيحين : "لا حسد إلا فى اثنتين رجل أتاه اللـه القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ، ورجل أعطاه اللـه مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار."
                            وتدبر معى أخى الكريم قول الحبيب والحديث رواه أحمد والترمذى وصححه شيخنا الألبانى من حديث أبى كبشة الأمارى عنهصلى الله عليه وسلمقال : "ثلاثة أقسم اللـه عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه : ما نقص مال عبد من صدقة ، وما ظُلِمَ عبد مظلمةً فصبر عليها إلا زاده اللـه عز وجل بها عزاً ولا فتح عبد باب مسألةٍ إلا فتح اللـه عليه باب فقر وأحدثكم حديثا فاحفظوه إنما هذه الدنيا لأربعة نفر : عبد رزقه اللـه مالاً وعلماً فهو يتقى فى ماله ربه ويصل به رحمه ، ويعلم لله فيه حقاً فهذا بأفضل المنازل ، وعبد رزقه اللـه علماً ولم يرزقه مالاً ، فهو صادق النية لله يقول لو أن لى مالاً لعملت فيه بعمل فلان ، فهو بنيته فأجرهما سواء ، وعبد رزقه اللـه مالا ولم يرزقه علماً فهو يخبط فى ماله بغير علم ، لا يتقى فيه ربه ولا يصل به رحمه ، ولا يعلم لله فيه حقاً فهذا بأخبث المنازل ، وعبد لم يرزقه اللـه مالاً ولا علماً فهو يقول لو أن لى مالاً لعملت بعمل فلان ، فهو بنيته ووزرهما سواء."
                            إن المال لا يصبح نعمة إلا إذا كان في يد صالحة تعرف الغاية منه والمال الذى سنتركه ليس مالاً لنا وإنما هو مال ورثتنا كما فى صحيح البخارى من حديث ابن مسعود رضى اللـه عنه قال قالرسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله " قالوا : يا رسول اللـه ما منا أحد إلا وماله أحب إليه من ماله وارثه ، قال : "فإن ماله ما قدم ومال ورثته ما أخر."
                            لذا يقول المصطفىصلى الله عليه وسلمكما فى صحيح مسلم من حديث ابى هريرة رضى اللـه عنه : "يقول العبد : مالى مالى ، وإنما له من ماله ثلاث : ما أكل فأفنى ، أو لبس فأبلى ، أو اعطى فأقنى ، وما سوى ذلك ، فهو ذاهب وتاركه للناس."
                            ولذا ورد فى سنن الترمذى أن عائشة رضى اللـه عنها ذبحت شاة وتصدقت بها كلها إلا الذراع فقال النبىصلى الله عليه وسلم:"ما بقى من الشاة يا عائشة؟ " قالت : ما بقى منها شئ إلا الذراع ، فقال المصطفى عليه الصلاة والسلام :"بقى كلها إلا الذراع
                            إن الذى تصدقت به هو الذى سيبقى لك فى ميزان أعمالك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى اللـه بقلب سليم ."
                            واسمع لحبيبك المصطفىصلى الله عليه وسلم وهو يقول كما فى صحيح مسلم من حديث ابى هريرة قال : "أيها الناس إن اللـه طيب لا يقبل إلا طيب وإن اللـه أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين قال تعالى : "يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ"المؤمنون : 51.
                            وقال تعالى للمؤمنين : "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ "البقرة : 172. ، وقال : "يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا "المؤمنون: 51.، وقال : "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ" البقرة : 172 .، ثم ذكر " الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يَمُدُّ يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام - وفى رواية (وملبسه حرام ) - وغُذِى بالحرام فَأَنَّى يُستَجَاب لذلك "
                            أنى يستجاب لمن أكل الحرام ، أنى يستجاب لمن شرب الحرام أنى يستجاب لمن غذى أولاده بالحرام ، إننا نرى الآن تهاوناً مروعاً فى الأكل الطيب الحلال فنرى الرجل لا هم له إلا جمع المال ، من أى سبيل كان حتى لو كان حرام حتى لو كان من الربا حتى لو كان من أموال الناس بالباطل المهم ان يكتنز المال ، ومع ذلك فواللـه لن يخرج من الدنيا بدرهم أو دولار
                            النفس تجزع أن تكـــون فقيرة والفقر خير مـن غنــاً يطغيها
                            وغنى النفوس هو الكفاف فإن أبت فجميع ما فى الأرض لا يكفيهـا
                            هــى القناعـة فالزمهــا تكن ملكا لو لم تكن لك إلا راحة البدن
                            وانظـر لمن ملك الدنيا بأجمعهـا هل راح منها بغير الطيب والكفن
                            لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ؟‍

                            رابعاً :عن جسمه فيما أبلاهقال تعالى : "إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا"الإسراء : 36 .سيسأل الفؤاد والقلب عما وعاه من اعتقاد ، هل امتلأ القلب بحب اللـه وبحب رسول اللـه والمؤمنين وامتلأ فى الوقت ذاته ببغض الشرك والمشركين والباطل والمبطلين ؟! سيسأل السمع عن كل ما سمع سيسأل البصر عن كل ما رأى ، فهل يا ترى لا يسأل العبد بين يدى الرب سبحانه إلا عن هذه الجوارح فحسب ..؟ كلا ‍‍ بل سيسأل الإنسان عن جسمه كله.
                            سيشهد هذا الجسم كله بما قدم وبما صنع وبما فعل سيشهد السمع والبصر والفؤاء ستشهد الرجل واليد والجوارح عامة قال تعالى : "الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ"
                            يس : 65وقال اللـه جل وعلا "وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ(19)حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(20)وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ"
                            .
                            فصلت : 19 - 21سيشهد عليك بدنك كله وسوف تسأل عن هذا البدن وعن هذا الجسم فيما أبليته ، هل أبليت جسمك فى عمل الدنيا والآخرة أم فى عمل الدنيا فحسب ؟‍ فلا حرج أن يبلى الإنسان جسمه فى عمل الدنيا وفى عمل الآخرة, والخطأ والحرج أن يفنى وأن يبلى جسمه كله وحياته كلها فى عمل الدنيا ليضيع بذلك حق اللـه وعمل الآخرة ، ياأخى فى اللـه تاجر وعَمَّر وابنى واجمع المال من الحلال لكن لا تنسى حق الكبير المتعال لا تنسى الآخرة . اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً ، فلا حرج أن تجمع بين الأمرين قال المصطفى صلى الله عليه وسلم

                            "اللـهم اصلح لى دينى الذى هو عصمت أمرى وأصلح لى دنياى التى فيها معاشى "فلا تجعل عمرك جله للدنيا وتنسى الآخرة ، ستتمنى يوم القيامة الرجعة والعودة إلى الدنيا لا لتعمل للدنيا مرة أخرى بل لتعمل للآخرة ، قال تعالى :

                            "وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ(97)وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ(98)حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ(99)لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ "المؤمنون : 97 – 100. كلا .. فاعمل الآن للدنيا وللآخرة قبل أن تتمنى الرجعة والعودة فيقال لك

                            . كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا "المؤمنون : 100 "لا يسمعها اللـه ولا يجيبها اللـه ، واعلم يقيناً أنه واللـه لو أفنيت جسمك كله ليلاً ونهاراً من أجل الدنيا ونسيت عمل الآخرة واللـه لن تحصل من الدنيا إلا ما قدره الرزاق لك ، تدبر هذا الحديث الجميل الذى رواه الترمذى وغيره وصحح الحديث الشيخ الألبانى فى صحيح الجامع أنه صلى اللـه عليه وسلم قال :" من كانت الآخرة همه جعل اللـه غناه فى قلبه وجمع عليه شمله وأتته الدنيا وهى راغبة ، ومن كانت الدنيا همه جعل اللـه فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر اللـه له"أخى الحبيب سل نفسك الآن فيما أبليت جسمك فى عمل الدنيا والآخرة أم فى عمل الدنيا ؟‍ هل أبليت جسمك فى طاعة اللـه ورسوله أم فى معصية اللـه ورسوله؟ سل نفسك الآن فيما مضى من عمرك هل سَخَّرت جسمك فى طاعة اللـه ورسوله أم سخرته فى معصية اللـه ورسوله ؟ هل أعطاك اللـه نعمة هذا الجسم لنعصى اللـه بها أم لتطيع اللـه بها ؟ واعلم يقيناً أن المعصية سبب لكل شقاء وضنك وبلاء فى الدنيا والآخرة والطاعة سبب لكل فلاح وفوز وخير فى الدنيا والآخرة .
                            قال ابن عباس : " إن للطاعة نوراً فى الوجه ونوراً فى القلب وسعة فى الرزق وقوة فى البدن ومحبة فى قلوب الخلق ، وإن للمعصية سواد فى الوجه وظلمة فى القلب وضيق فى الرزق وضعف فى البدن وبغضاً فى القلوب"
                            وذهب رجل إلى إبراهيم بن أدهم طيب اللـه ثراه فقال له يا إبراهيم : ساعدنى فى البعد عن معصية اللـه ،كيف أترك معصية اللـه جل وعلا ؟‍ فقال له إبراهيم: تذكر خمسا فإن عملت بها لن تقع فى معصية اللـه وإن زلت قدمك سرعان ما ستتوب إلى اللـه جل وعلا ، قال : هاتيها يا إبراهيم قال إبراهيم : أما الأولى إن أردت أن تعصى اللـه جل وعلا فلا تأكل من رزق اللـه .
                            قال : كيف ذلك والأرزاق كلها بيد اللـه؟

                            قال : فهل يجدر بك أن تعصى اللـه وأنت تأكل من رزقه .
                            قال يرحمك اللـه يا إبراهيم : هات الثانية
                            .
                            قال إبراهيم : أما الثانية إن أردت أن تعصى اللـه جل وعلا فابحث عن مكان ليس فى ملك اللـه واعصى اللـه عليه
                            .
                            قال : كيف ذلك والملك ملكه والأرض ملكه والسماء ملكه ؟
                            !
                            قال : ألا تستحى أن تعصى الملك فى ملكه
                            .
                            قال يرحمك اللـه هات الثالثة
                            .
                            قال : أما الثالثة إن أردت أن تعصى اللـه جل وعلا فابحث عن مكان لا يراك اللـه فيه
                            .
                            قال : وكيف ذلك واللـه يسمع ويرى ؟
                            !
                            قال ألا تستحى أن تعصى اللـه وأنت على يقين أن يراك اللـه
                            .
                            قال : يرحمك اللـه هات الرابعة
                            .
                            قال : إذا جاءك ملك الموت فقل له أجلنى ساعة حتى أتوب إلى اللـه وأدخل فى طاعته
                            .
                            قال : كيف ذلك يا إبراهيم ؟! واللـه جل وعلا يقـــول :" فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ " الأعراف :34.

                            قال : فهل يجدر بك وأنت تعلم ذلك أن تسوف التوبة وعمل الطاعات
                            قال : يرحمك اللـه هات الخامسة .
                            قال : أما الخامسة إذا جاءتك زبانية جهنم لتأخذك إلى جهنم فإياك أن تذهب معهم ، فبكى الرجل وعاهد اللـه عز وجل على الطاعة
                            .
                            أيها المسلم فكر فى هذه الخمس جيدا قبل أن تعصى اللـه ، واعلم يقينا أنك بشر فإن زلت قدمك فى معصية اللـه جدد الأوبة والتوبة إلى اللـه واعلم جيداً أن اللـه يحب التوابين والمتطهرين وما من ليلة إلا والملك ينزل إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بكماله وجلاله كما فى الصحيحين من حديث أبى هريرة وينادى الحق سبحانه وتعالى ويقول :" أنا الملك ، أنا الملك ، من ذا الذى يدعونى فأستجيب له ، من ذا الذى يسألنى فأعطيه ، من ذا الذى يستغفرنى فاغفر له ، فلا يزال كذلك حتى يضئ الفجر"
                            فهيا أخى الحبيب عُد إلى اللـه وتب إلى اللـه واستعد للجواب عن هذه الأسئلة الأربعة ، واعلم علم اليقين أنه لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه ؟ وعن علمه ماذا عمل به ؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ؟ وعن جسمه فيما أبلاه ؟!
                            أسأل اللـه العظيم رب العرش الكريم أن يحسن خاتمتنا . إنه ولى ذلك والقادر عليه
                            .

                            ...........
                            الدعـــــاء
                            التعديل الأخير تم بواسطة محبة المساكين; الساعة 07-02-2012, 04:27 AM. سبب آخر: تغيير حجم الخط ونوعه

                            تعليق


                            • #15
                              رد: تفريغ سلسلة قي رحاب الاخرة للشيخ محمد حسان

                              علامات الساعة الكبرى2




                              بسم اللـه الرحمن الرحيم





                              إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باللـه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا .
                              من يهده اللـه فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له ، وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله …


                              "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللـه حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " آل عمران : 102 .
                              " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللـه الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللـه كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا "النساء :1 .
                              " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللـه وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا,يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـالَكُمْ وَيَغْفِـرْ لَكُـمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللـه وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا " الأحزاب :70: 71
                              أما بعــد :
                              فإن أصدق الحديث كتاب اللـه ، وخير الهدى هدى محمد
                              صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار .
                              أحبتى فى اللـه :
                              فى رحاب الدار الآخرة
                              هذا هو لقاءنا الخامس مع السلسة الكريمة ولا زلنا مع حديث حذيفة بن أسيد الغفارى :
                              "اطلع علينا النبى
                              صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر فقال النبى صلى الله عليه وسلم : (( ما تذاكرون ؟ )) فقالوا : نذكر الساعة فقال: (( إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر ، الدخان ، والدجال ، والدابة ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونزول عيسى بن مريم ، ويأجوج ومأجوج ، وثلاثة خسوف ، خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم " .

                              وها نحن الآن على موعد مع إحدى هذه العلامات الكبرى ألا وهى نزول عيسى عليه السلام .
                              أيها الحبيب الكريم : أعرنى قلبك وسمعك وعقلك فإن الموضوع من الأهمية بمكان .



                              وحتى لا ينسحب بساط الوقت سريعا من بين أيدينا فسوف أركز الموضوع فى العناصر التالية :
                              أولاً : عيسى بن مريم والميلاد المعجز .
                              ثانياً : بل رفعه اللـه إليه .
                              ثالثاً : نزول عيسى من السماء إلى الأرض .
                              أسأل اللـه تعالى أن يجعلنى وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه




                              أولاً : عيسى بن مريم والميلاد المعجز

                              أخى فى اللـه لن أجد لك بداية أرحب ولا أجمل أبدأ بها حديثى معك الآن أجل من هذه الكلمات الجميلة فى قوله تعالى :


                              إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ, فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ, فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍآل عمران : 35 -37



                              وقبل أن نتجول سويا فى بستان هذه الكلمات الرقيقة الرقراقة أقول لك إنه لأول مرة فى تاريخ البشرية الطويل منذ أن خلق اللـه آدم من تراب ينسب نبياً لأُمِه .
                              مريم هى الأنثى الوحيدة فى الوجود كله التى اختصها اللـه من بين النساء قاطبةً ليودعها سره الأكبر فى أصفى حمل وأعجز ميلاد ، فمريم هى الفتاة العذراء النقية التقية التى اصطفاها اللـه جل فى علاه من بين نساء العالمين فنفخ فيها من روحه ومنحها هذه المكانة الرقيقة الرقراقة من بين أمهات الدنيا جمعاء .
                              فأمها حنة بنت فاقود وصلت إلى سن اليأس ، فتمنت على اللـه أن يرزقها الولد ، واللـه على كل شىء قدير فاستجاب اللـه دعاءها وابتهالها إليه، فتحرك الحمل فى أحشائها بقدرة من لا يعجزه شىء فى الأرض ولا فى السموات بقدرة من يقول للشىء كن فيكون . فلما تحرك الحمل فى أحشائها أحبت أن تشكر اللـه على هذه النعمة فقالت :
                              " رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم " .
                              نَذَرَتْ ما فى بطنها لله جل وعلا " أى لخدمة بيت المقدس " ، جزاء على ما رزقها هذه النعمة .


                              بعد ما وصلت لهذه السن .. وبعد مرور أشهر الحمل وضعت بنتا جميلة رقيقة طيبة ، فنظرت إليها بحزن وقالت " رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " .
                              فقالت حنة : رباه إنى وضعتها أنثى وأنت أعلم منى بما وضعت أى أنت الذى رزقتنى وقدرت لى ذلك ، فليس الذكر كالأنثى فى القوة والجلد وخدمة الأقصى وإنى يا رب أعيذها بك من شر الشيطان وذريتها - وهو ولدها عيسى بن مريم فاستجاب اللـه لها .
                              قال رسول اللـه صلى الله عليه وسلم : " ما من مولود يولد ، إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان ، إلا ابن مريم وأمه " .
                              " فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا " أى إنه تقبل نذر أمها حنة وجعل شكلها مليحاً وأعطى لها منظراً بهيجاً ويسر لها أسباب القبـول وقرنهـا بالصالحين من عباده تتعلم منهم العلم والخير والدين فلهذا قال : " وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا " وما ذلك إلا لأنها كانت يتيمة ويقال أنها كانت سَنَةَ جَدْبٍ فكفلها زوج خالتها لكى تكون تحت رعاية خالتها وحنانها ولا منافاة بين القولين ، وقيل أنه زوج أختها وقد ذكر القرآن لنا أيضا " وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ" آل عمران : 44 .
                              أى ما كنت معهم يا محمد لتخبرهم عن معاينة ما جرى ، بل أطلعك اللـه عليه كأنك حاضر وشاهد لما كان من أمرهم لما اقترعوا فى شأن مريم أيهم يكفل هذه الطاهرة التقية الورعة ليكن له الأجر ، فحين خرجت بها حنة إلى بنى الكاهن بن هارون أخى موسى عليهما السلام . وقالت هى نذيرة ، ولا يدخل المسجد حائض ، ولكنى نذرتها ، وأنا لا أردها إلى بيتى .
                              فقال زكريا : ادفعوها لى فخالتها تحتى ، فقالوا بذلك تطيب أنفسنا لأنها ابنة أمامنا وقالوا نقترع وبالفعل اقترعوا ،فما هى القرعة ؟!
                              أن يرموا الأقلام التى كانوا يكتبون بها التوراة فى نهر الأردن وقالوا أى قلم يثبت ولا يجرى مع التيار بل يعاكسه هو كافلها وبالفعل حدث ووقع ذلك على قلم واحد ،... ترى من صاحب هذا القلم ؟!
                              إنه زكريا عليه السلام ... وذلك لحكمة يعلمها اللـه ... ويعلمها لنا ألا وهى لتتعلم مريم وتقتبس من النبى الذكى زكريا عليه السلام العلم والفقه وكان إمامهم وكبيرهم وسيدهم وعالمهم ونبيهم حين ذاك.
                              قال تعالى : " كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا"
                              تعجب زكريا من هذا الطهر والزهد والعفاف والتوحيد الذى وصلت به مريم البتول إلى مكانة عالية عند اللـه عز وجل فكلما دخل عليها وجد عندها رزقا .
                              ثم قال لها زكريا عليه السلام : " يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا " أى من أين لك هذا الرزق ؟!

                              قالت البتول الطاهرة : " هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ " أى ذلك لا دخل للمخلوق فيه بل هو من الخالق ، وهو يرزق من يريد بغير حدود تحده .
                              وهكذا أيها الأحبة الكرام
                              اصطفى اللـه مريم فى بستان الورع بين أزهار التقى والنقاء والعفاف والصلاح ، هذه هى الزهرة والنبتة الطيبة ، نشأت مريم فى هذا المكان وهذا الجو الإيمانى الطاهر العفيف فاصطفاها اللـه وبشرها بهذه البشارة التى انفردت بها دون نساء العالمين ويالها من بشارة يالها من خصوصية اختص اللـه بها الطاهرة ‍‍‍..
                              إيه يا مريم .... إيه بماذا اختصك ربك ؟!
                              يقول الملك : " وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ, يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ " آل عمران : 42: 43 .
                              يا لها من مكانة آثرك بها اللـه دون نساء الدنيا يا مريم !
                              فلم تتوان مريم عن عبادة الرب فظلت البتول ساجدة وراكعة حتى أراد اللـه عز وجل أن يمنحها تلك المكانة الرفيعة من بين أمهات الدنيا .
                              قال تعالى : " وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا, فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا, قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا, قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا(19)قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا, قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا" " مريم:16-21 .
                              وفى يوم من الأيام خلت مريم لنفسها لقضاء شأن من شئون العذراء الخاصة ... وفجأه انحبس صوتها وشخص بصرها ،إنها مفاجأة مذهلة تأخذ بالعقول بل وتصدع الأفئدة ، بشر سوى فى خلوة العذراء البتول الطاهرة . وسرعان ما استغاثت برب الأرض والسموات ولجأت إليه بشدة وقالت: " أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا " .
                              انظر إلى الفطنة والذكاء والورع ! لم تقل أعوذ بالجبار منك ولم تقل أعوذ بالغفار منك وإنما استجاشت الرحمة فى قلبه بذكر الرحمن فقالت أعوذ بالرحمن منك ، أى ارحم ضعفى . ارحم أنوثتى . ارحم خلوتى !!
                              ولكن قدر اللـه لها مفاجأة أعظم . أن أنطق هذا البشر السوى فى خلوة البتول الطاهرة ليقول لها : لا تخافى ولا تحزنى فأنا رسول ربك إليك " لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا " قالت : " أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا " لم أكنْ أبداً صاحبة فاحشة ، فهى لم تتصور مطلقا وسيلة للإنجاب غير وسيلة التقاء الرجل بالمرأة وهى لم تتزوج بعد ، ولم تفكر أيضا ألبته فى الرذيلة ، وهنا يأتى الرد القاطع الحاسم فيقول الملك والرسول الكريم " قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا " .
                              فهنا يقول المولى " وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا ءَايَةً لِلْعَالَمِينَ" الأنبياء : 91 .
                              فهنا حدث أمر غير مألوف ما اعتادت عليه الخليقة " فَنَفَخنَا فِيهَا مّن رُوحِنَا " لتنجب عيسى عليه السلام ، أى نفخ الملك جبريل فى أعلى القميص بأمر من اللـه عز وجل وهذا ليبين للخلق طلاقة قدرة الخالق ، إنها قدرة لا تحدها حدود ، إن من يحاول أن يصل بعقله القاصر إلى حدود قدرة اللـه كمن يحاول أن يكلف نملة أن تنقل جبلاً من مكان إلى آخر وما هى بناقلته " إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" يس:82 .
                              فلا تفكر بعقلك القاصر البتة لتصل إلى منتهى قدرة الملك .
                              " إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ " آل عمران : 59 .





                              فاللـه لا يعجزه شىء فى الأرض ولا فى السموات ، فمن الذى خلق السماء بغير عمد ترونها ؟! .
                              من الذى خلق الأرض وشق فيها الأنهار والبحار وزينها بالأشجار ؟‍‍‍‍
                              من الذى خلق سنبلةَ القمح وغلفها بهذه الأغلفة الحصينة المكينة ؟
                              وجعل فوق كل حبة شوكة ؟؟ ولما جعلها هكذا ؟!
                              لأن اللـه قدر أن تكون هذه الحبة قوتاً لك أيها الإنسان دون الطيور أو غير ذلك !!
                              من الذى خلق كوز الذرة ورصَّ على قولحته هذه الحبات اللؤلؤية البيضاء بهذا الجمال والإبداع ؟!!
                              ومن الذى خلق الإنسان بهذا والجمال والإبداع ؟!
                              هو اللـه .... !!! ... هو اللـه ... !!! ... هو اللـه ... !!!




                              " "هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ, هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ " الحشر : 22:23 .


                              قل للطبيب تخطفتـه يــد الردى ياشافـى الأمـراض مـن أرداك ؟
                              قل للمريض نجى وعوفى بعد مـا عجــزت فنون الطب من عافاك؟
                              قل للصحيح مات لا من علـــة من يـا صحيـح بالمنايـا دهاك ؟
                              بل سل الأعمى خطاً وسط الزحـام بـلا صدام من ياأعمى يقود خطاك؟
                              بل سل البصير كان يحذر حفــرةً فهوى بهـا مـن ذا الذى أهواك ؟
                              وسل الجنين يعيـش معزولاً بـلا راع ولا مـرعى من ذا الذى يرعاك ؟

                              وســل الوليد أجهش بالبكاء لدى الولادة من الـــــذى أبكاك ؟
                              وإذا ترى الثعبـان ينفـــث سمه فسله من يا ثعبان بالسموم حشاك ؟
                              واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا وهذا الســم يملأ فـــــاك ؟
                              واسأل بطـون النحل كيف تقاطرت شهداً وقـــل للشهد من حلاك ؟
                              إنه اللـه .. إنه اللـه .




                              " قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا " .
                              انتهى الأمر وقدره اللـه عز وجل .
                              "قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ ءَايَةً لِلنَّاسِ" .
                              هو الذى خلق الخلق .. خلق آدم يوم خلقه بلا أب أو أم !! وكذلك خلق عيسى من أم بلا أب !! ليكون للناس دليلا على طلاقة قدرة الخالق .
                              قال تعالى : " "وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ " التحريم : 12 .


                              ولقد ظهر الحمل .. والراجح من أقوال المفسرين أن الحمل بعيسى كان حملا عاديا تسعة أشهر وأنه لا ريب أن اللـه جلا وعلا كان قادراً ولا زال سبحانه على أن تحمل مريم بعيسى وتضعه فى لحظة واحدة ، ولكن أراد اللـه بها أن يختبر مدى صبرها ومدى تحملها على هذا الابتلاء العظيم التى لا تستطيع أن تقدر عليه إلا مريم ابنة عمران العذراء البتول ، فهذا من تمام الابتلاء .
                              وبدأت بوادر الحمل تظهر على الطاهرة المطهرة ، وهنا نظر يوسف النجار - ذلك الرجل الذى كان يخدم بيت المقدس - إلى بطن الطاهرة تعلو يوما بعد يوم ويتعجب ولكن كثيراً ما كان يدفع أى خالجة تمر بذهنه لعلمه بطهر البتول ، ولكن ها هى جبلية البشرية قد غلبته ، وما استطاع أن يكتم هذه الحوالج عن لبه فقال لها : يا مريم إنى سائلك عن شىء ولكن لا تعجلى على ، فقالت الطاهرة العذراء : سل ما شئت يا يوسف وقل قولاً جميلاً .
                              فقال لها يوسف : هل ينبت زرع بلا بذر ؟! وهل ينبت شجر بلا غيث أو مطر ؟! وهل يكون ولد بغير أب ؟!!!
                              فقالت مريم : نعم يا يوسف هو كذلك .
                              قال : وكيف يكون ذلك يا مريم ؟!!
                              قالت: ألم تعلم أن اللـه أنبت الزرع يوم أنبته من غير بذر !!
                              وأنبت الشجر يوم خلقه بغير غيث أو مطر ، وخلق آدم يوم خلقه بغير أب أو أم !!
                              قال يوسف : أعلم أن اللـه على كل شىء قدير! اللـه أكبر ..
                              قال اللـه تعالى : " فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا, فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا, فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا, وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا, فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا, فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا, يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا, فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا,قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ءَاتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا, وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ, وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا,وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا,وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَموتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّاُ " مريم : 22 - 33 .

                              هكذا قال عيسى الذى ما زال فى المهد لا حول له ولا قوة له إلا باللـه أنا عبد اللـه ، وأعطانى الإنجيل وجعلنى نبياً ، وأمرنى بالصلاة ، والزكاة ما دامت بى حياة ، ومحسناً إلى العذراء أمى ، ولم يجعلنى من الجبارين فى الأرض ولا من الأشقياء .
                              ويكمل لنا القرآن قصة عيسى عليه السلام ويقول:
                              " ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ, مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ, وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ " مريم : 34 - 36
                              تعالى اللـه عما قاله النصارى فالكمال صفة من صفاته ! أيحق له أن يتخذ ولداً ؟ !
                              ولِمَ يتخذ ولد وهو الغنى عن خلقه ولن تغنى الخليقة عنه ؟!!
                              فاللـه هو الغنى عن الولد والصاحب والزوج .
                              فيا عبـاد المسيـح لنـــا سؤال نريد جــوابه ممن وعـــــاه
                              إذا مات الإلهُ بصنــــــــع قــوم أماتوه فهل هـــذا إله ؟!
                              ويــا عجــب لقبـر ضم ربـاً وأعجب منه بطن قـــد حــواه
                              أقام هناك تسعــاً مــن شـهور لدى الظلمات مـ، حيــض غزاه
                              وشق الفرج مولــداً صغيـــراً ضعيفــــاً فاتحاً للثـــدى فاه
                              ويأكل ثــم يشرب ثم يأتـــى بلازم ذاك فهـــل هــذا إله ؟!
                              تعالى اللـه عـن إفـك النصارى سيســألوا كلهم عمـــا افتراه
                              وصدق اللـه إذا يقول "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ"الاخلاص:1 يا من تشركون باللـه ... فاللـه لا ند له ..ولا كفء له .. ولا شبيه له .. ولا زوج له ... ولا ولد له ولا والد له " لَيسَ كَمثْلِه شَىءٌ وَهُو السَّمِيعُ البَصِير " الشورى : 11


                              أحبتى فى اللـه : أرى أنه من الجمال أن أختم هذا العنصر بهذا الحوار المبارك الجميل الذى برىء به ربنا ساحة نبيه عيسى عليه السلام .

                              قال اللـه تعالى :
                              " وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ(116)مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" " .المائدة : 116 - 118 .

                              ثانياً : بل رفعه اللـه إليه

                              زعـم اليهـود عليهم لعائن اللـه المتتابعة أنهم قتلوا عيسى بن مريم وصلبوه ، وزعم النصارى بجهل وغباء أن عيسى صلب وقتل ودفن وخرج من قبره بعد ثلاثة أيام وصعد إلى السماء وجلس عن يمين الرب أبيه ، وهو ينتظر إلى يوم الخلاص ليقضى بين الأحياء والأموات !!
                              " كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا "
                              فبين اللـه الحق وكذب اليهود والنصارى فقال سبحانه " وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا, بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا, وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا "النساء : 157 - 159

                              قال أهل التفسير : أن اللـه عز وجل لما أراد أن يرفع نبيه عيسى إلى السماء بعد ما انطلق اليهود لقتله ألقى اللـه شبه عيسى على يهوذا الأسخريوطى الخائن الذى أخذ اليهود ليدلهم على مكان عيسى فابتلاه اللـه فألقى عليه شبه عيسى فأخذه اليهود فقتلوه وصلبوه وهذا قول .
                              والقول الآخر : ثبت عن ابن عباس بسند صحيح كما روى ابن أبى حاتم والنسائى بسند صححه الحافظ ابن كثير فى تفسيره لسورة النساء .
                              قال ابن عباس رضى اللـه عنهما :
                              " لما أراد اللـه أن يرفع عيسى خرج إلى بيت فيه إثنى عشر رجلا من الحوارين فقال : نبى اللـه عيسى : إن منكم من سيكفر بى بعد أن آمن بى ، ثم قال لهم : أيكم يقبل أن يلقى عليه شبهى ليقتل مكانى ليكون معى فى درجتى فى الجنة فقام شاب أحدثهم سناً ( أصغر الجالسين ) فقال له : أنا ، فقال : اجلس ، فجلس ، ثم أعاد عيسى القول مرة ثانية فقام نفس الشاب فقال له : اجلس فجلس ، ثم أعاد عيسى قوله للمرة الثالثة فقام نفس الشاب فقال عيسى هو أنت فألقى اللـه على هذا الشاب شبه عيسى ورفع اللـه عيسى إلى السماء " .

                              وجاء الطلب من اليهود أى الذين يطلبون عيسى لقتله فأخذوا هذا الشاب فقتلوه فصلبوه فكفر بعض أتباع عيسى ممن آمنوا به كما ذكر لهم قبل قليل .
                              ثم ينزل اللـه عز وجل عيسى بعد ذلك لحكم عديدة خذوا منها :
                              أن اللـه تبارك وتعالى سينزل عيسى عليه السلام ليكذب اليهود الذين زعموا أنهم قتلوه ، وليكذب النصارى الذين جهلوا هذه الحقيقة ، وليبين للناس جميعا أن محمدا صلى الله عليه وسلم وأن الموحدين معه من أمته أولى الناس بعيسى عليه السلام لأنه سيحكم العالم كله بكتاب اللـه وبشريعة محمد رسول اللـه صلى الله عليه وسلم .
                              سينزل عيسى ليموت فى الأرض فما قولك إذاً فى قول اللـه تعالى : "إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ" آل عمران : 55 .

                              والجواب كما قال جمهور المفسرين :
                              أن الوفاة فى الآية معناها الوفاة الصغرى وهى النوم كما فى قوله تعالى : "وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ " الأنعام : 60.
                              وكما فى قوله: "اللَّـهُ يَتَوفَّى الأنْفسَ حِينَ مَوتِهَا " الزمر : 42 .
                              أى فى منامها كما فى قول المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ من منامه (( الحمد لله الذى أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور )) .
                              إنى متوفيك أى ألقى اللـه عليه سِنَةً من النوم ، وهذه هى الوفاة الصغرى باتفاق ثم رفعه اللـه عز وجل ثم ينزله اللـه تبارك وتعالى فى الوقت الذى يشاء

                              ثالثاً : نزول عيسى عليه السلام إلى الأرض من السماء

                              بين اللـه جل وعلا أنه رفع عيسى إليه إلى يوم الوقت المعلوم الذى سينزل فيه إلى الأرض مرة أخرى ليكون علامة كبرى من العلامات الدالة على قيام الساعة فقال فى قرآنه :  " وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ, وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ, إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ,وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأَرض يَخْلُفُونَ, وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ " الزخرف : 57-61 .
                              انتبه جيدا ففى قراءة ابن عباس ومجاهد وإنه لعلم للساعة أى نزول عيسى أمارة وعلامة على قيام الساعة .
                              بل وروى ابن جرير بسند صحيح أن ابن عباس رضى اللـه عنهما قال: وَإِنَّهُ لَعلمُ لِلسَاعَةِ أى خروج عيسى عليه السلام ، فإن نزل فهذه علامة كبرى تدل على قرب قيام الساعة ، وقال اللـه تعالى فى الآية التى ذكرت آنفا " وَإِنَّ مِّن أَهلِ الكِتَابِ إِلا لَيُؤمِنَنَّ بِهِ قَبلَ مَوتِهِ " أى قبل موت عيسى عليه السلام .
                              وقد بينت السنة الصحيحة المتواترة نزول عيسى عليه السلام إلى الأرض من السماء .
                              ففى الصحيحين من حديث أبى هريرة أن النبى صلى اللـه عليه وسلم قال : "والـذى نفسى بيده ليوشكن أن ينزل فيكم عيسى بن مريم حكمـاً مقسـطاً فيكسـر الصليـب ويقتل الـخنزيـر ويضع الـجزيـة ويفيـض المال حتى لا يقبله أحد ".

                              وانظر ماذا قال الحبيب فى الحديث الذى رواه أبو داود فى سننه بسند صحيح من حديث أبى هريرة رضى اللـه عنه قال رسول اللـه عليه وسلم :
                              " ليس نبى بينى وبين عيسى بن مريم وإنه نازل ، فإذا رأيتموه فاعرفوه ، إنه رجل مربوع ليس بالطويل ولا بالقصير ولا بالسمين ولا بالنحيف مائل إلى الحمرة والبياض كأن رأسه يقطر ماء من غير بلل " .
                              وفى رواية النواس بن سمعان فى صحيح مسلم فى كتاب الفتن وأشراط الساعة أنه صلى اللـه عليه وسلم قال : " ينزل عيسى عند المنارة البيضاء شرقى دمشق بين مهرودتين "
                              فى الرواية الأولى التى ذكرت آنفا بين ممصرتين - أى ثوبين مصبوغين بصفرة خفيفة يسيرة (( واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفع رأسه تنحدر منه جمان كحبات اللؤلؤ ، يتوجه نبى اللـه عيسى من دمشق إلى بيت المقدس وقد أقيمت الصلاة فإذا رأى الإمام الفطن الذكى اللبق نبى اللـه عيسى عرفه وتقهقر للخلف ليتقدم نبى اللـه عيسى فيقول له نبى اللـه : لك أقيمت فإن بعضكم على بعض أمراء تكرمة اللـه لهذه الأمة فيصلى نبى اللـه عيسى خلف إمام المسلمين فإذا انتهوا من الصلاة انطلق نبى اللـه عيسى إلى باب بيت المقدس وأمرهم أن يفتحوا الباب فإذا فتحوا الباب رأوا الدجال خلف الباب ومعه سبعون ألف من اليهود بالسيوف فإذا نظر الدجال إلى نبى اللـه عيسى ذاب كما يذوب الملح فى الماء فيريد الدجال أن يهرب فيتبعه نبى اللـه عيسى ويدركه عند باب لد مدينة معروفة الآن بفلسطين فيقتله ، ويريح الناس من شره )) .
                              قال المصطفى صلى الله عليه وسلم قولاً عجيباً كما فى مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان وصحح السند الحافظ ابن حجر من حديث أبى هريرة رضى اللـه عنه وفيه أن رسول اللـه صلى الله عليه وسلم قال : " فيهلك فى زمان عيسى الملل كلها إلا الإسلام ، ويهلك اللـه المسيح الدجال ، وتنزل الأمنة فى الأرض حتى ترعى الأسود مع الإبل ، والنمار مع البقر ، والذئاب مع الغنم " .

                              استحلفك باللـه أن تنظر لبداية الحديث يقول الرسول تهلك كل الملل إلا الإسلام ....
                              سبحان اللـه ..!! واللـه أكبر !!
                              أبشر أيها الموحد .. أبشر يا من تحب " لا إله إلا اللـه " .
                              نعم واللـه ستهلـك كـل الأديـان إلا الإسـلام "إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الإسْلام " آل عمران : 19 .
                              وانظر مرة أخرى ومحص النظر .
                              ترعى الأسود مع الإبل ...!! والنمار مع البقر .
                              والذئاب مع الغنم ...!!
                              وفى رواية أبى أمامة وسندها صحيح قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : "فيكون الذئب مع الغنم كأنه كلبها ويمر الوليد على الأسد فلا يضره وتمر الوليدة على الحية فلا تضرها ، رفع الظلم واستقر الأمن والأمان والرخاء وزادت البركة حتى تنزل الأمنة فى الأرض " .
                              بل فى رواية النواس بن سمعان قال صلى الله عليه وسلم : "فيقال للأرض أنبتى ثمرتك وردى بركتك فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك فى الرسل " اللبن " حتى أن اللقحة ( الوليدة التى وضعت ولدها) من الإبل لتكفى الفئام من الناس " الجماعة " واللقحة من البقر لتكفى القبيلة من الناس واللقحة من الغنم لتكفى الفَخِذَ من الناس .... " سبحان اللـه..!!
                              وهكذا تعيش الأرض حالة لا نسيج لها فى التاريخ كله ، حتى قال المصطفى فى الحديث الذى رواه الديلمى والضياء المقدسى وصححه فى الصحيحة الألبانى من حديث أبى هريرة أن الحبيب النبى صلى الله عليه وسلم قال : "طوبى لعيش بعد المسيح ، طوبى لعيش بعد المسيح ، يؤذن للسماء فى القطر ويؤذن للأرض فى النبات حتى إذا بذرت حبك على الصفا لنبت ولا تشاحن ولا تحاسد ، ولا تباغض ، حتى يمر الرجل على الأسد ولا يضره ويطأ على الحية فلا تضره ، ولا تشاح ولا تحاسد ولا تباغض "
                              .......... الدعــاء
                              التعديل الأخير تم بواسطة جارة فاطمة; الساعة 08-02-2012, 03:16 PM.

                              تعليق

                              يعمل...
                              X