إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فوائد من كتاب "لمعة الاعتقــاد", الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فوائد من كتاب "لمعة الاعتقــاد", الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله


    الصفات التي ذكرها المؤلف من صفات الله تعالى

    من خلال شرح العلامة الشيخ ابن عثيمين لكتاب " لمعة الاعتقــاد " هذا بعض كلامه عن الصفــات التي يؤمــن بها أهل السنة والجمــاعة ...

    ذكر المؤلف رحمه الله من صفات الله الصفات الآتية وسنتكلم عليها حسب ترتيب المؤلف.

    الصفة الأولى: "الوجه":

    الوجه ثابت لله تعالى بدلالة الكتاب، والسنة، وإجماع السلف.

    قال الله تعالى: (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ)(25).

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: "إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها" متفق عليه(26).

    وأجمع السلف على إثبات الوجه لله تعالى، فيجب إثباته له بدون تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، وهو وجه حقيقي يليق بالله.

    وقد فسره أهل التعطيل بالثواب. ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة.

    الصفة الثانية: "اليدان".

    اليدان من صفات الله الثابتة له بالكتاب، والسنة، وإجماع السلف.

    قال الله تعالى: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) (27).

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار" إلى قوله: "بيده الأخرى القبض يرفع ويخفض". رواه مسلم والبخاري معناه(28).

    وأجمع السلف على إثبات اليدين لله، فيجب إثباتهما له بدون تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، وهما يدان حقيقيتان لله تعالى يليقان به.

    وقد فسرهما أهل التعطيل بالنعمة أو القدرة ونحوها. ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة، وبوجه رابع أن في السياق ما يمنع تفسيرهما بذلك قطعاً كقوله تعالى: (لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ) (29). وقوله صلى الله عليه وسلم: "وبيده الأخرى القبض".

    الأوجه التي وردت عليها صفة اليدين وكيف نوفق بينها:

    الأول: الإفراد كقوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْك) (30).

    الثاني: التثنية كقوله تعالى: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) (31).

    الثالث: الجمع كقوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً) (32).

    والتوفيق بين هذه الوجوه أن نقول: الوجه الأول مفرد مضاف فيشمل كل ما ثبت لله من يد ولا ينافي الثنتين، وأما الجمع فهو للتعظيم لا لحقيقة العدد الذي هو ثلاثة فأكثر وحينئذ لا ينافي التثنية، على أنه قد قيل: إن أقل الجمع اثنان، فإذا حمل الجمع على أقله فلا معارضة بينه وبين التثنية أصلاً.

    الصفة الثالثة: "النفس".

    النفس ثابتة لله تعالى بالكتاب، والسنة، وإجماع السلف.

    قال الله تعالى: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) (33). وقال عن عيسى أنه قال: (تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ) (34).

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته". رواه مسلم(35).

    وأجمع السلف على ثبوتها على الوجه اللائق به، فيجب إثباتها لله من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.

    الصفة الرابعة: "المجيء".

    مجيء الله للفصل بين عباده يوم القيامة ثابت بالكتاب، والسنة وإجماع السلف.

    قال الله تعالى: (وَجَاءَ رَبُّك) (36). و (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ) (37).

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "حتى إذا لم يبق إلا من يعبد الله أتاهم رب العالمين". متفق عليه. في حديث طويل(38).

    وأجمع السلف على ثبوت المجيء لله تعالى، فيجب إثباته له من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، وهو مجيء حقيقي يليق بالله تعالى.

    وقد فسره أهل التعطيل بمجيء أمره. ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة.

    الصفة الخامسة: "الرضا".

    الرضا من صفات الله الثابتة له بالكتاب، والسنة، وإجماع السلف.

    قال الله تعالى: (39).

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها" (40). رواه مسلم.

    وأجمع السلف على إثبات الرضا لله تعالى فيجب إثباته له من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.

    وهو رضا حقيقي يليق بالله تعالى، وقد فسره أهل التعطيل بالثواب ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة.

    الصفة السادسة: "المحبة".

    المحبة من صفات الله الثابتة له بالكتاب، والسنة، وإجماع السلف.

    قال الله تعالى: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) (41).

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: "لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله" (42). متفق عليه.

    وأجمع السلف على ثبوت المحبة لله يُحِبُ، ويُحَب، فيجب إثبات ذلك حقيقة من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.

    وهي محبة حقيقية تليق بالله تعالى، وقد فسرها أهل التعطيل بالثواب، والرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة.

    الصفة السابعة: "الغضب".

    الغضب من صفات الله الثابتة له بالكتاب، والسنة، وإجماع السلف.

    قال الله تعالى فيمن قتل مؤمناً متعمداً: (وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ) (43).

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب كتاباً عنده فوق العرش إن رحمتي تغلب غضبي" (44). متفق عليه.

    وأجمع السلف على ثبوت الغضب لله فيجب إثباته من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.

    وهو غضب حقيقي يليق بالله، وفسره أهل التعطيل بالانتقام، ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة وبوجه رابع: أن الله تعالى غاير بين الغضب والانتقام فقال تعالى: (فَلَمَّا آسَفُونَا) أي أغضبونا (انْتَقَمْنَا مِنْهُم) (45). فجعل الانتقام نتيجة للغضب فدل على أنه غيره.

    الصفة الثامنة: "السخط".

    السخط من صفات الله الثابتة بالكتاب، والسنة، وإجماع السلف.

    قال الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّه) (46).

    وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك" (47). الحديث رواه مسلم.

    وأجمع السلف على ثبوت السخط لله فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.

    وهو سخط حقيقي يليق بالله، وفسره أهل التعطيل بالانتقام. ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة.

    الصفة التاسعة: "الكراهة".

    الكراهة من الله لمن يستحقها ثابتة بالكتاب، والسنة، وإجماع السلف.

    قال الله تعالى: (وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُم) (48).

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله كره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال وإضاعة المال" (49). رواه البخاري.

    وأجمع السلف على ثبوت ذلك لله فيجب إثباته من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.

    وهي كراهة حقيقية من الله تليق به، وفسر أهل التعطيل الكراهة بالإبعاد. نرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة.

    الصفة العاشرة: "النزول".

    نزول الله إلى السماء الدنيا من صفاته الثابتة له بالسنة، وإجماع السلف.

    قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له..." (50) الحديث متفق عليه.

    وأجمع السلف على ثبوت النزول لله فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.

    وهو نزول حقيقي يليق بالله، وفسره أهل التعطيل بنزول أمره، أو رحمته، أو ملك من ملائكته، ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة وبوجه رابع: أن الأمر ونحوه لا يمكن أن يقول: من يدعوني فأستجيب له... إلخ.

    الصفة الحادية عشرة: "العجب".

    العجب من صفات الله الثابتة له بالكتاب، والسنة، وإجماع السلف.

    قال الله تعالى: (بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ) (51). على قراءة ضم التاء.

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يعجب ربك من الشاب ليست له صبوة" رواه أحمد وهو في "المسند" (4/151) عن عقبة بن عامر مرفوعاً وفيه ابن لهيعة.

    وأجمع السلف على ثبوت العجب لله فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.

    وهو عجب حقيقي يليق بالله، وفسره أهل التعطيل بالمجازاة ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة.

    والعجب نوعان:

    أحدهما: أن يكون صادراً عن خفاء الأسباب على المتعجب فيندهش له ويستعظمه ويتعجب منه، وهذا النوع مستحيل على الله؛ لأن الله لا يخفى عليه شيء.

    الثاني: أن يكون سببه خروج الشيء عن نظائره، أو عما ينبغي أن يكون عليه مع علم المتعجب، وهذا هو الثابت لله تعالى.


    الصفة الثانية عشرة: "الضحك".

    الضحك من صفات الله الثابتة له بالسنة، وإجماع السلف.

    قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة". وتمام الحديث: "يقاتل في سبيل الله فيقتل، ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد". متفق عليه(52).

    وأجمع السلف على إثبات الضحك لله فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.

    وهو ضحك حقيقي يليق بالله تعالى، وفسره أهل التعطيل بالثواب.

    ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة.

    الصفة الثالثة عشرة: "الاستواء على العرش".

    استواء الله على العرش من صفاته الثابتة له بالكتاب، والسنة، وإجماع السلف.

    قال الله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (53). وذكر استواءه على عرشه في سبعة مواضع من القرآن.

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه إن رحمتي سبقت غضبي" رواه البخاري(54).

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود في "سننه": "إن بعد ما بين سماء إلى سماء إما واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة إلى أن قال في العرش: بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء ثم الله تعالى فوق ذلك" وأخرجه أيضاً الترمذي، وابن ماجه(55)، وفيه علة أجاب عنها ابن القيم رحمه الله في تهذيب سنن أبي داود (ص92 - 93 ج7).

    وأجمع السلف على إثبات استواء الله على عرشه فيجب إثباته من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.

    وهو استواء حقيقي، معناه: العلو والاستقرار على وجه يليق بالله تعالى.

    وقد فسره أهل التعطيل بالاستيلاء. ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة ونزيد وجهاً رابعاً: أنه لا يعرف في اللغة العربية بهذا المعنى. ووجهاً خامساً: أنه يلزم عليه لوازم باطلة مثل أن العرش لم يكن ملكاً لله ثم استولى عليه بعد.

    والعرش لغة: السرير الخاص بالملك.

    وفي الشرع: العرش العظيم الذي استوى عليه الرحمن جل جلاله، وهو أعلى المخلوقات وأكبرها، وصفه الله بأنه عظيم، وبأنه كريم، وبأنه مجيد.

    والكرسي غير العرش؛ لأن العرش هو ما استوى عليه الله تعالى، والكرسي موضع قدميه لقول ابن عباس رضي الله عنهما: "الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر أحد قدره". رواه الحاكم في مستدركه. وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه(56).

    الصفة الرابعة عشرة: "العلو".

    العلو من صفات الله الثابتة له بالكتاب والسنة، وإجماع السلف.

    قال الله تعالى: (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (57).

    وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في صلاته في السجود: "سبحان ربي الأعلى". رواه مسلم من حديث حذيفة(58).

    وأجمع السلف على إثبات العلو لله، فيجب إثباته له من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، وهو علو حقيقي يليق بالله.

    وينقسم إلى قسمين:

    علو صفة بمعنى أن صفاته تعالى عليا ليس فيها نقص بوجه من الوجوه ودليله ما سبق.

    وعلو ذات بمعنى أن ذاته تعالى فوق جميع مخلوقاته ودليله مع ما سبق:

    قوله تعالى: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء) (59).

    وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك...". الحديث رواه أبو داود(60) وفيه زيادة بن محمد، قال البخاري: منكر الحديث.

    وقوله صلى الله عليه وسلم للجارية: "أين الله؟" قالت: في السماء. قال: "أعتقها فإنها مؤمنة". رواه مسلم في قصة معاوية بن الحكم(61).

    وقوله صلى الله عليه وسلم لحصين بن عبيد الخزاعي والد عمران بن حصين: "اترك الستة، واعبد الذي في السماء" هذا هو اللفظ الذي ذكره المؤلف، وذكره في الإصابة من رواية ابن خزيمة في قصة إسلامه بلفظ غير هذا وفيه إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لحصين حين قال: "ستة في الأرض وواحداً في السماء"(62).

    وأجمع السلف على ثبوت الذات لله وكونه في السماء فيجب إثباته له من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.

    وقد أنكر أهل التعطيل كون الله بذاته في السماء وفسروا معناها أن في السماء ملكه، وسلطانه، ونحوه ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة: وبوجه رابع: أن ملك الله وسلطانه في السماء وفي الأرض. أيضاً وبوجه خامس: وهو دلالة العقل عليه؛ لأنه صفة كمال. وبوجه سادس: وهو دلالة الفطرة عليه؛ لأن الخلق مفطورون على أن الله في السماء.

    معنى كون الله في السماء
    المعنى الصحيح لكون الله في السماء أن الله تعالى على السماء، فـ "في" بمعنى "على"، وليست للظرفية؛ لأن السماء لا تحيط بالله، أو إنه في العلو فالسماء بمعنى العلو وليس المراد بها السماء المبنية.

    تنبيه: ذكر المؤلف رحمه الله أنه نقل عن بعض الكتب المتقدمة أن من علامات النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنهم يسجدون بالأرض ويزعمون أن إلههم في السماء وهذا النقل غير صحيح؛ لأنه لا سند له، ولأن الإيمان بعلو الله والسجود له لا يختصان بهذه الأمة، وما لا يختص لا يصح أن يكون علامة، ولأن التعبير بالزعم في هذا الأمر ليس بمدح لأن أكثر ما يأتي الزعم فيما يشك فيه.

    جواب الإمام مالك بن أنس بن مالك، وليس أبوه أنس بن مالك الصحابي بل غيره، وكان جد مالك من كبار التابعين وأبو جده من الصحابة. ولد مالك سنة 93هـ بالمدينة ومات فيها سنة 179هـ وهو في عصر تابعي التابعين.

    سئل مالك فقيل: يا أبا عبد الله (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى). كيف استوى؟ فقال رحمه الله:
    (الاستواء غير مجهول) أي معلوم المعنى، وهو العلو والاستقرار. (والكيف غير معقول) أي كيفية الاستواء غير مدركة بالعقل؛ لأن الله تعالى أعظم وأجل من أن تدرك العقول كيفية صفاته. (والإيمان به) أي الاستواء (واجب) لوروده في الكتاب والسنة. (والسؤال عنه) أي عن الكيف (بدعة)؛ لأن السؤال عنه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. ثم أمر بالسائل فأخرج من المسجد خوفاً من أن يفتن الناس في عقيدتهم وتعزيراً له بمنعه من مجالس العلم.

    الصفة الخامسة عشرة: "الكلام".

    الكلام صفة من صفات الله الثابتة له بالكتاب، والسنة، وإجماع السلف.

    قال الله تعالى: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً)(63). (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّه)(64).

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله أن يوحي بأمره تكلم بالوحي". أخرجه ابن خزيمة وابن جرير وابن أبي حاتم(65).

    وأجمع السلف على ثبوت الكلام لله، فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.

    وهو كلام حقيقي يليق بالله، يتعلق بمشيئته بحروف وأصوات مسموعة.

    والدليل على أنه بمشيئته، قوله تعالى: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) (66). فالتكليم حصل بعد مجيء موسى فدل على أنه متعلق بمشيئته تعالى.

    والدليل على أنه حروف، قوله تعالى: (يَا مُوسَى* إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) (67). فإن هذه الكلمات حروف وهي كلام الله.

    والدليل على أنه بصوت، قوله تعالى: (وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً) (68) والنداء والمناجاة لا تكون إلا بصوت. وروي عن عبد الله بن أنيس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يحشر الله الخلائق فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديان". علقه البخاري بصيغة التمريض(69)، قال في "الفتح": وأخرجه المصنف في "الأدب المفرد" وأحمد، وأبو يعلي في "مسنديهما" وذكر له طريقين آخرين(70).

    وكلام الله تعالى قديم النوع، حادث الآحاد. ومعنى قديم النوع: أن الله لم يزل، ولا يزال متكلماً ليس الكلام حادثاً منه بعد أن لم يكن. ومعنى حادث الآحاد: أن آحاد كلامه - أي الكلام المعين المخصوص - حادث؛ لأنه متعلق بمشيئته، متى شاء تكلم بما شاء كيف شاء.

    المخالفون لأهل السنة في كلام الله تعالى:

    خالف أهل السنة في كلام الله طوائف نذكر منها طائفتين:

    الطائفة الأولى: الجهمية، قالوا: ليس الكلام من صفات الله، وإنما هو خلق من مخلوقات الله يخلقه الله في الهواء، أو في المحل الذي يسمع منه، وإضافته إلى الله إضافة خلق، أو تشريف مثل ناقة الله، وبيت الله.

    ونرد عليهم بما يلي:

    1- أنه خلاف إجماع السلف.

    2- أنه خلاف المعقول، لأن الكلام صفة للمتكلم وليس شيئاً قائماً بنفسه منفصلاً عن المتكلم.

    3- أن موسى سمع الله يقول: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي) (71). ومحال أن يقول ذلك أحد إلا الله سبحانه وتعالى.

    الطائفة الثانية: الأشعرية، قالوا: كلام الله معنى قائم بنفسه لا يتعلق بمشيئته، وهذه الحروف والأصوات المسموعة مخلوقة للتعبير عن المعنى القائم بنفس الله.

    ونرد عليهم بما يلي:

    1- أنه خلاف إجماع السلف.

    2- أنه خلاف الأدلة؛ لأنها تدل على أن كلام الله يسمع، ولا يسمع إلا الصوت ولا يسمع المعنى القائم بالنفس.

    3- أنه خلاف المعهود؛ لأن الكلام المعهود هو ما ينطق به المتكلم لا ما يضمره في نفسه.

    تعليق كلام المؤلف في فصل الكلام:

    قوله: (متكلم بكلام قديم) يعني قديم النوع حادث الآحاد لا يصلح إلا هذا المعنى على مذهب أهل السنة والجماعة، وإن كان ظاهر كلامه أنه قديم النوع والآحاد.

    قوله: (سمعه موسى من غير واسطة) لقوله تعالى: (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى) (72).

    قوله: (وسمعه جبريل) لقوله تعالى: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ) (73).

    قوله: (ومن أذن له من ملائكته ورسله) أما الملائكة فلقوله صلى الله عليه وسلم: "ولكن ربنا إذا قضى أمراً سبح حملة العرش، ثم يسبح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل السماء الدنيا فيقول الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: (مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ)(74) فيخبرونهم". الحديث رواه مسلم(75). وأما الرسل فقد ثبت أن الله كلم محمداً صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج.

    قوله: (وإنه سبحانه يكلم المؤمنين ويكلمونه) لحديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك". الحديث متفق عليه(76).

    قوله: (ويأذن لهم فيزورونه) لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل الجنة إذا دخلوا فيها نزلوا بفضل أعمالهم ثم يؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا فيزورون ربهم..." الحديث رواه ابن ماجه والترمذي(77) وقال: غريب وضعفه الألباني.

    وقوله: (وقال ابن مسعود: "إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء" وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم) أثر ابن مسعود لم أجده بهذا اللفظ وذكر ابن خزيمة طرقه في كتاب التوحيد بألفاظ منها: "سمع أهل السموات للسموات صلصلة"، وأما المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو من حديث النواس بن سمعان مرفوعاً "إذا أراد الله أن يوحي بأمره تكلم بالوحي فإذا تكلم أخذت السماوات منه رجفة، أو قال رعدة شديدة من خوف الله، فإذا سمع ذلك أهل السماوات صعقوا.."(78) الحديث رواه ابن خزيمة وابن أبي حاتم(79).

    "القول في القرآن"

    القرآن الكريم من كلام الله تعالى، منزل غير مخلوق، منه بدأ، وإليه يعود، فهو كلام الله حروفه ومعانيه. دليل أنه من كلام الله قوله تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ) (80). يعني القرآن.

    ودليل أنه منزل قوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ) (81).

    ودليل أنه غير مخلوق قوله تعالى: (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْر)(82). فجعل الأمر غير الخلق والقرآن من الأمر لقوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا)(83)، (ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُم)(84). ولأن كلام الله صفة من صفاته وصفاته غير مخلوقة.

    ودليل أنه منه بدأ، أن الله أضافه إليه، ولا يضاف الكلام إلا إلى من قاله مبتدئاً.

    ودليل أنه إليه يعود أنه ورد في بعض الآثار أنه يرفع من المصاحف والصدور في آخر الزمان(85).

    القرآن حروف وكلمات

    القرآن حروف وكلمات، وقد ذكر المؤلف رحمه الله لذلك أدلة ثمانية:

    1- أن الكفار قالوا: إنه شعر، ولا يمكن أن يوصف بذلك إلا ما هو حروف وكلمات.

    2- أن الله تحدى المكذبين به أن يأتوا بمثله، ولو لم يكن حروفاً وكلمات لكان التحدي غير مقبول، إذ لا يمكن التحدي إلا بشيء معلوم يدرى ما هو.

    3- أن الله أخبر بأن القرآن يتلى عليهم (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ) (86). ولا يتلى إلا ما هو حروف وكلمات.

    4- أن الله أخبر بأنه محفوظ في صدور أهل العلم ومكتوب في اللوح المحفوظ (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) (87). (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ* فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ* لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (88). ولا يحفظ ويكتب إلا ما هو حروف وكلمات.

    5- قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف منه عشر حسنات، ومن قرأه ولحن فيه فله بكل حرف حسنة". صححه المؤلف ولم يعزه ولم أجد من خرجه(89).

    6- قول أبي بكر وعمر: إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه.

    7- قول علي رضي الله عنه: من كفر بحرف منه فقد كفر به كله.

    8- إجماع المسلمين - كما نقله المؤلف - على أن من جحد منه سورة، أو آية، أو كلمة، أو حرفاً متفقاً عليه فهو كافر.

    وعدد سور القرآن (114) منها (29) افتتحت بالحروف المقطعة.

    أوصاف القرآن

    وصف الله القرآن الكريم بأوصاف عظيمة كثيرة ذكر المؤلف منها ما يلي:

    1- أنه كتاب الله المبين، أي: المفصح عما تضمنه من أحكام وأخبار.

    2- أنه حبل الله المتين، أي: العهد القوي الذي جعله الله سبباً للوصول إليه والفوز بكرامته.

    3- أنه سور محكمات، أي: مفصل السور، كل سورة منفردة عن الأخرى، والمحكمات المتقنات المحفوظات من الخلل والتناقض.

    4- أنه آيات بينات، أي علامات ظاهرات على توحيد الله، وكمال صفاته، وحسن تشريعاته.

    5- أن فيه محكماً ومتشابهاً، فالمحكم: ما كان معناه واضحاً، والمتشابه: ما كان معناه خفياً. ولا يعارض هذا ما سبق برقم (3) لأن الإحكام هناك بمعنى الإتقان والحفظ من الخلل والتناقض، وهنا بمعنى وضوح المعنى، وإذا رددنا المتشابه هنا إلى المحكم صار الجميع محكماً.

    6- أنه حق لا يمكن أن يأتيه الباطل من أي جهة (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (90).

    7- أنه بريء مما وصفه به المكذبون به من قولهم: إنه شعر؛ (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) (91)، وقول بعضهم: (إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَر) (92). (إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ) (93). فقال الله متوعداً هذا القائل: (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) (94).

    8- أنه معجزة لا يمكن لأحد أن يأتي بمثله وإن عاونه غيره (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (95).

    "رؤية الله في الآخرة"

    رؤية الله في الدنيا مستحيلة لقوله تعالى لموسى وقد طلب رؤية الله: (لَنْ تَرَانِي) (96).

    ورؤية الله في الآخرة ثابتة بالكتاب، والسنة، وإجماع السلف.

    قال الله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ* إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) (97). وقال: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (98). فلما حجب الفجار عن رؤيته دل على أن الأبرار يرونه وإلا لم يكن بينهما فرق.

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "'إنكم سترون ربكم كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته" متفق عليه(99). وهذا التشبيه للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي؛ لأن الله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)، ولا شبيه له ولا نظير.

    وأجمع السلف على رؤية المؤمنين لله تعالى دون الكفار بدليل الآية الثانية.

    يرون الله تعالى في عرصات القيامة وبعد دخول الجنة كما يشاء الله تعالى.

    وهي رؤية حقيقية تليق بالله، وفسرها أهل التعطيل بأن المراد بها رؤية ثواب الله، أو أن المراد بها رؤية العلم واليقين. ونرد عليهم باعتبار التأويل الأول بما سبق في القاعدة الرابعة، وباعتبار التأويل الثاني بذلك وبوجه رابع: أن العلم واليقين حاصل للأبرار في الدنيا وسيحصل للفجار في الآخرة.

    " القدر "

    من صفات الله تعالى أنه الفعال لما يريد كما قال تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) (100). فلا يخرج شيء عن إرادته وسلطانه، ولا يصدر شيء إلا بتقديره وتدبيره، بيده ملكوت السماوات والأرض، يهدي من يشاء برحمته ويضل من يشاء بحكمته، لا يسال عما يفعل لكمال حكمته، وسلطانه، وهم يسألون، لأنهم مربوبون محكومون.

    والإيمان بالقدر واجب، وهو أحد أركان الإيمان الستة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خير وشره" رواه مسلم وغيره(101)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه، ومره"(102). فالخير والشر باعتبار العاقبة والحلاوة والمرارة باعتبار وقت إصابته. وخير القدر ما كان نافعاً وشره ما كان ضاراً أو مؤذياً.

    والخير والشر هو بالنسبة للمقدور وعاقبته، فإن منه ما يكون خيراً كالطاعات، والصحة، والغنى، ومنه ما يكون شراً كالمعاصي، والمرض، والفقر، أما بالنسبة لفعل الله فلا يقال: إنه شر لقول النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء القنوت الذي علمه الحسن بن علي "وقني شر ما قضيت"(103)، فأضاف الشر إلى ما قضاه لا إلى قضائه.

    والإيمان بالقدر لا يتم إلا بأربعة أمور(104):

    الأول: الإيمان بأن الله عالم كل ما يكون جملة وتفصيلاً بعلم سابق؛ لقوله تعالى: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (105).

    الثاني: أن الله كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء لقوله تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا) (106). أي تخلق الخليقة، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قدر مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة" رواه مسلم(107).

    الثالث: أنه لا يكون شيء في السماوات والأرض إلا بإرادة الله ومشيئته الدائرة بين الرحمة والحكمة، يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بحكمته، لا يسأل عما يفعل لكمال حكمته وسلطانه، وهم يسألون، وما وقع من ذلك فإنه مطابق لعلمه السابق ولما كتبه في اللوح المحفوظ؛ لقوله تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)(108). (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً)(109). فأثبت وقوع الهداية والضلال بإرادته.

    الرابع: أن كل شيء في السماوات والأرض مخلوق لله تعالى، لا خالق غيره ولا رب سواه؛ لقوله تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (110). وقال على لسان إبراهيم: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (111).

    القدر ليس حجة للعاصي على فعل المعصية:

    أفعال العباد كلها من طاعات ومعاصي كلها مخلوقة لله كما سبق، ولكن ليس ذلك حجة للعاصي على فعل المعصية، وذلك لأدلة كثيرة منها:

    1- أن الله أضاف عمل العبد إليه وجعله كسباً له فقال: (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ) (112). ولو لم يكن له اختيار في الفعل وقدرة عليه ما نسب إليه.

    2- أن الله أمر العبد ونهاه، ولم يكلفه إلا ما يستطيع؛ لقوله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) (113). (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (114). ولو كان مجبوراً على العمل ما كان مستطيعاً على الفعل، أو الكف؛ لأن المجبور لا يستطيع التخلص.

    3- أن كل واحد يعلم الفرق بين العمل الاختياري والإجباري، وأن الأول يستطيع التخلص منه.

    4- أن العاصي قبل أن يقدم على المعصية لا يدري ما قدر له، وهو باستطاعته أن يفعل أو يترك، فكيف يسلك الطريق الخطأ ويحتج بالقدر المجهول؟! أليس من الأحرى أن يسلك الطريق الصحيح ويقول: هذا ما قدر لي؟!

    5- أن الله أخبر أنه أرسل الرسل لقطع الحجة(لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل) (115). ولو كان القدر حجة للعاصي لم تنقطع بإرسال الرسل.

    التوفيق بين كون فعل العبد مخلوقاً لله وكونه كسباً للفاعل:

    عرفت مما سبق أن فعل العبد مخلوق لله، وأنه كسب للعبد يجازي عليه الحسن بأحسن، والسيئ بمثله فكيف نوفق بينهما؟

    التوفيق بينهما أن وجه كون فعل العبد مخلوقاً لله تعالى أمران:

    الأول: أن فعل العبد من صفاته، والعبد وصفاته مخلوقان لله تعالى.

    الثاني: أن فعل العبد صادر عن إرادة قلبية وقدرة بدنية، ولولاهما لم يكن فعل، والذي خلق هذه الإرادة والقدرة هو الله تعالى، وخالق السبب خالق للمسبب، فنسبة فعل العبد إلى خلق الله له نسبة مسبب إلى سبب، لا نسبة مباشرة؛ لأن المباشر حقيقة هو العبد، فلذلك نسب الفعل إليه كسباً وتحصيلاً، ونسب إلى الله خلقاً وتقديراً، فلكل من النسبتين اعتبار والله أعلم.

    المخالفون للحق في القضاء والقدر والرد عليهم:

    المخالفون للحق في القضاء والقدر طائفتان:

    الطائفة الأولى: الجبرية. يقولون: العبد مجبور على فعله وليس له اختيار في ذلك.

    ونرد عليهم بأمرين:

    1- أن الله أضاف عمل الإنسان إليه وجعله كسباً له يعاقب ويثاب بحسبه، ولو كان مجبوراً عليه ما صح نسبته إليه ولكان عقابه عليه ظلماً.

    2- أن كل واحد يعرف الفرق بين الفعل الاختياري والاضطراري في الحقيقة والحكم، فلو اعتدى شخص على آخر وأدعى أنه مجبور على ذلك بقضاء الله وقدره لعد ذلك سفهاً مخالفاً للمعلوم بالضرورة.

    الطائفة الثانية:القدرية.يقولون:العبد مستقل بعمله ليس لله فيه إرادة،ولا قدرة،ولا خلق

    ونرد عليهم بأمرين:

    1- أنه مخالف لقوله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْء) (116). (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (117).

    2- أن الله مالك السماوات والأرض فكيف يكون في ملكه ما لا تتعلق به إرادته وخلقه؟!

    أقسام الإرادة والفرق بينهما:

    إرادة الله تنقسم على قسمين كونية وشرعية:

    فالكونية: هي التي بمعنى المشيئة كقوله تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) (118).

    والشرعية: هي التي بمعنى المحبة، كقوله تعالى: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) (119).

    والفرق بينهما أن الكونية يلزم فيها وقوع المراد ولا يلزم أن يكون محبوباً لله، وأما الشرعية فيلزم أن يكون المراد فيها محبوباً لله ولا يلزم وقوعه.

    " الإيمان "

    الإيمان لغة: التصديق.

    واصطلاحاً: قول باللسان وعمل بالأركان وعقد بالجنان.

    مثال القول: لا إله إلا الله.

    ومثال العمل: الركوع.

    ومثال العقد: الإيمان بالله وملائكته وغير ذلك مما يجب اعتقاده.

    والدليل على أن هذا هو الإيمان قوله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (120). فجعل الإخلاص، والصلاة، والزكاة من الدين.

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها شهادة لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق" رواه مسلم بلفظ " فأفضلها قول لا إله إلا الله" وأصله في الصحيحين(121).

    والإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية؛ لقوله تعالى: (فَزَادَهُمْ إِيمَاناً) (122). (لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِم) (123).

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال برة، أو خردلة، أو ذرة من إيمان" رواه البخاري بنحوه(124). فجعله النبي صلى الله عليه وسلم متفاضلاً، وإذا ثبتت زيادته ثبت نقصه؛ لأن من لازم الزيادة أن يكون المزيد عليه ناقصاً عن الزائد.


    المصدر


  • #2
    رد: فوائد من كتاب "لمعة الاعتقــاد", الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    جزاكم الله خيرا

    تعليق

    يعمل...
    X