إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الفرق بين اختلاف التنوع واختلاف التضاد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفرق بين اختلاف التنوع واختلاف التضاد

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    بسم الله الرحمن الرحيم

    وبعد فهذا مقال طيب جدا فيه مبحث أصولى هام لكل مسلم يريد أن يفهم أسباب وأنواع الاختلاف في الأحكام والتفاسير بين أهل العلم رحمهم الله ، وله علاقة وطيدة بما يستنبط من أحكام سواء من القرآن أو السنة...

    ولن أطيل عليكم في التقديم له فقد راجع المقال الشيخ الفوزان جزاه الله خيرا:

    الفرق بين اختلاف التنوع واختلاف التضاد
    نوف بنت ماجد بن عبدالله الفرم


    أولاً: المراد باختلاف التنوع:

    التنوع في اللغة: مأخوذ من النوع، وهو يرجع إلى معنيين.

    قال ابن فارس: "النون والواو والعين كلمتان، إحداهما تدل على طائفة من الشيء مماثلة لـه، والثانية ضرب من الحركة... الأول: النوع من الشيء الضرب... الثاني: ناع الغصن ينوع إذا تمايل"[1].

    والتنوع اصطلاحاً: كون الشيء متعدداً ومتفقاً في الحقيقة[2].

    أما تعريف اختلاف التنوع: فقد اعتاد المتقدمون على تعريفه بالتقسيم والمثال، ولم يعرفوه بالحد[3]، وسأذكر ما وقفت عليه من تعريف المعاصرين وهي على النحو الآتي:

    1 – قيل في تعريفه: "ما كانت المخالفة فيه لا تقتضي المنافاة، ولا تقتضي إبطال أحد القولين للآخر، فيكون كل قول للآخر نوعاً لا ضداً"[4].

    2 – وقيل: "هو ما لا يكون فيه أحد الأقوال مناقضاً للأقوال الأخرى، بل كل الأقوال صحيحة[5].

    نقد التعريفات:
    يرد عليهما أنهما لم يقيدا أن المصحح لهذه الآراء جميعها إنما هو الشارع، حيث أهمل القيد في التعريف الأول، أما التعريف الثاني فقد أطلق الصحة.

    وفائدة القيد: لئلا يتوهم أن المصحح لهذه الآراء غير الشارع، فيدخل في التعريف المسائل الخلافية عند المصوبة الذين يرون أن كل مجتهد مصيب، فيصححون الآراء جميعها، فيدخل في التعريف ما ليس مراداً، وبالقيد المذكور يندفع الإشكال.

    ويرد أيضاً على التعريف الأول: إن فيه دوراً، لكونه عرف اختلاف التنوع بأن يكون كل قول للآخر نوعاً لا ضداً، كما أن هذا القيد لا حاجة لـه – في نظري – وفي قولنا: إن الآراء ثابتة جميعها في الشرع غنية؛ لأن الآراء إذا ثبتت جميعها في الشرع للحكم، كانت أنواعاً لـه.

    وبهذا يمكن أن يقال في تعريفه: هو ما كانت المنافاة فيه، لا تقتضي إبطال أحد القولين للآخر، لثبوت صحتها في الشرع.

    وسأذكر أوجه اختلاف التنوع لتوضيح معنى اختلاف التنوع وهي كالآتي:

    وجوه اختلاف التنوع:
    ذكر شيخ الإسلام أربعة وجوه هي على النحو الآتي:
    الوجه الأول: "ما يكون كل واحد من القولين، أو الفعلين حقاً مشروعاً"[6].
    ومثال القولين: ما جاء في حديث أبي بكر الصديق لما قال للنبي – صلى الله عليه وسلم - : علمني دعاء أدعو به في صلاتي فقال: (قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كبيراً، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)[7] وفي رواية (كثيراً)[8].

    والكل مشروع عن النبي – صلى الله عليه وسلم - ، كما أن المعنى واحد. قال ابن تيمية: "ولو تدبر القول لعلم أن كل واحد من المأثور يحصل المقصود... فمتى كثر فهو كبير في المعنى، ومتى كبر فهو كثير في المعنى"[9].

    ومثال الفعلين: ما جاء عن عبدالله بن أبي قيس قال: سألت عائشة عن وتر رسول الله – صلى الله عليه وسلم - كيف كان يُوتر: من أول الليل، أو من آخره؟ فقالت: كلُ ذلك قد كان يصنع، ربما أوتر من أول الليل، وربما أوتر من آخره. فقال: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة.

    فقلت: كيف كانت قراءته، أكان يُسر بالقراءة أم يجهر ؟ قالت: كل ذلك قد كان يفعل، قد كان ربما أسر، وربما جهر، قال: فقلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة.

    قلت: فكيف كان يصنع في الجنابة ؟ أكان يغتسل قبل أن ينام، أو ينام قبل أن يغتسل؟ قالت: كل ذلك قد كان يفعل، فربما اغتسل فنام، وربما توضأ فنام. قلت الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة[10].

    والشاهد من هذا ظاهر، وهو جواز الأمرين في الوتر، والقراءة، والاغتسال من الجنابة.

    ومن هذا الباب أيضاً اختلاف الأنواع في صفة الأذان، والإقامة، والاستفتاح، والتشهدات، وصلاة الخوف، وتكبيرات العيد، وتكبيرات الجنازة[11].

    الوجه الثاني: "ما يكون كل من القولين هو في معنى القول الآخر، لكن العبارتين مختلفتان، كما قد يختلف كثير من الناس في ألفاظ الحدود، وصيغ الأدلة، والتعبير عن المسميات، وتقسيم الأحكام[12].

    ومثال ذلك: أسماء الله كلها تدل على مسمى واحد، فليس دعاؤه باسم من أسمائه الحسنى مضاداً لدعائه باسم آخر؛ بل الأمر كما قال تعالى: ﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾[13].

    الوجه الثالث: "ما يكون المعنيان غيرين، لكن لا يتنافيان. فهذا قول صحيح، وهذا قول صحيح، وإن لم يكن معنى أحدهما هو معنى الآخر، وهذا كثير في المنازعات جداً"[14].

    ومثال ذلك: قول الله تعالى: ﴿وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾[15] أي بعد حين، ﴿وبعد أَمَةٍ﴾ أي بعد نسيان لـه، والمعنيان جميعاً وإن اختلفا صحيحان؛ لأنه ذكر أمر يوسف بعد حين وبعد نسيان لـه، فأنزل الله على لسان نبيه – صلى الله عليه وسلم - بالمعنيين جميعاً في غَرضين[16]، وكقوله: ﴿رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا﴾[17] على طريق الدعاء والمسألة، و﴿رَبَّنَا بَاعَدَ بَيْنَ أَسْفَارِنَا﴾ على جهة الخبر، والمعنيان وإن اختلفا صحيحان؛ لأن أهل سبأ سألوا الله أن يفرقهم في البلاد فقالوا:

    ﴿رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا﴾ فلما فرقهم الله في البلاد وباعد بين أسفارهم، قالوا: ربنا باعد بين أسفارنا وأجابنا إلى ما سألنا، فحكى الله سبحانه عنهم بالمعنيين في غرضين[18].

    يمكن أن يقال أيضاً أن ما ذكره ابن تيمية في مقدمة تفسيره في الفتاوى من أن يذكر كل فريق من الاسم العام بعض أنواعه، على سبيل التمثيل وتنبيه المستمع على النوع، لا على سبيل الحد المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه[19] يندرج تحت هذا الوجه.

    الوجه الرابع: "ما يكون طريقتين مشروعتين، وقوم قد سلكوا هذا الطريق، وآخرون قد سلكوا الأخرى، وكلاهما حسن في الدين"[20].

    ويمكن أن يقال: إن هذا الوجه يغني عنه الوجه الأول، وذلك لكون الطريقتين المشروعتين إما أن تكونا قولاً أو فعلاً، وهذا عين الوجه الأول ووافق ابن أبي العز الحنفي ابن تيمية في ذكره للوجه الأول والثاني[21]، ولم يذكر الثالث والرابع، ولعل إغفاله للوجه الرابع يُفسر بما ذكرنا – والله أعلم -.

    وقد عدّ ابن تيمية عدم توارد خلافهم على أمر واحد، فيثبت أحدهما شيئاً وينفي الآخر شيئاً آخر أنه من أفراد اختلاف التنوع[22]، وأخرج أيضاً الشاطبي الصورة المذكورة من الخلاف الحقيقي[23]، ولعل إدخال هذه الصورة ضمن أفراد اختلاف التنوع من باب التجوز، لكون الصورة المذكورة تشبه اختلاف التنوع في الاتفاق على الحكم الشرعي، إذ كل فريق يقر للآخر بما معه – والله أعلم -.

    ثانياً: المراد باختلاف التضاد:

    التضاد لغة: الضد: هو النظير والكفء، والجمع (أضداد)، وضد الشيء: خلافه وضادة الشيء مضاده إذا باينه مخالفة. والمتضادان اللذان لا يجتمعان كالليل والنهار[24].

    والتضاد اصطلاحاً: هي نسبة بين معنى ومعنى آخر من جهة عدم إمكان اجتماعهما معاً وعدم إمكان ارتفاعهما معاً في شيء واحد وزمان واحد[25].

    والمراد باختلاف التضاد: فقد أشار إلى تعريفه من المتقدمين ابن تيمية في قولـه: القولان المتنافيان: إما في الأصول وإما في الفروع[26].

    ووافق ابنَ تيمية في تعريفه ابنُ أبي العز الحنفي شارح العقيدة الطحاوية[27].

    ولم أقف على من عرفه من المتقدمين سواهما.

    وعرفه بعض المعاصرين: هو أن يكون كل قول من أقوال المختلفين يضاد الآخر ويحكم بخطئه أو بطلانه وهو يكون في الشيء الواحد من جهة الحكم لا الفتوى[28].

    نقد التعريفات:
    1 – إنه لم يقيد القولين المتنافيين بأنهما صدرا من المجتهدين، لإخراج غيرهم، حيث إنه لا يعتد برأيهم، كما لو تناقض قول المجتهد مع العامي، فإنه لا يُعتد برأي العوام، ولا يُعد تضاداً في حكم المسألة.

    2 – إنه لم يقيد كون التنافي الواقع بين الأقوال يرد على محل واحد، وذلك لإخراج ما لو كان التنافي الوارد بين الأقوال لا يرد على محل واحد فإنه لا يُعد خلافاً فضلاً على أن يكون تضاداً.

    قال الشاطبي عند ذكر أسباب نقل الخلاف في مسائل ليست في الحقيقة بمسائل خلاف "والرابع – أي من الأسباب – أن لا يتوارد الخلاف على محل واحد... وكثير من المسائل على هذا السبيل، فلا يكون في المسألة خلاف، وينقل فيها الأقوال على أنها خلاف"[29].

    3 – أن في تقييد ابن تيمية لكون التنافي واقعاً في الأصول والفروع طولاً في التعريف من غير حاجة لذلك، ويغني عنه إهمال العبارة المذكورة، لكون الإهمال فيه دلالة على التعميم، فيعلم أن المراد الفروع والأصول معاً.

    أما التعريف الثاني فقد زاد على ابن تيمية بثلاثة قيود هي كالآتي:

    1ـ إنه قيد أن الأقوال الواردة في الحكم الشرعي يُحكم بخطأ أحدها وهذا القيد غير مسلم – في نظري – لكون الحكم بخطأ أحدها إنكاراً للقول، وهذا لا يصح على إطلاقه، وذلك أن إنكار القول في اختلاف التضاد يسوغ إذا خالف نصاً أو إجماعاً وإلا فلا.

    2_ إنه قيد الخلاف في قولـه: "وهو يكون في الشيء الواحد" بأن الخلاف يتوارد على محل واحد، وهذا القيد مهم، لإخراج ما لو كان خلافهم لا يرد على محل واحد، فإنه لا يُعد من هذا الباب؛ لأنه إذا اختلف المحل فلا تنافي بين القولين.

    3_ إنه قيد التضاد الواقع بين الآراء من جهة الحكم لا الفتوى، لبيان أن المراد تضاد آراء العلماء في حكم المسألة العام، وذلك في الأحوال الاعتيادية لجميع المكلفين، ولإخراج ما لو تعارض الحكم مع الفتوى، كتعارض تحريم الخمر مع الإفتاء بالجواز عند الضرورة، فإنه لا يُعد تضاداً، إلا أن هذا القيد لا حاجة إلـيه – في نظري – لكون القيد السابق يغني عنه، فإن كلامهم في هذه الحالة لا يتوارد على محل واحد، وذلك أن تحريم الخمر في الأحوال العادية للمكلف، أما جوازه فعند الضرورة بالضوابط الشرعية، فافترق المحل فيهما.

    ويمكن أن يُستخلص مما سبق بأن يقال في تعريفه: هو أن يختلف المجتهدون في حكم المسألة على قولين متنافيين، بحيث ترد على محل واحد.

    ومن ذلك: خلاف العلماء في نكاح المتعة فقد ذهب عامة العلماء والفقهاء إلى تحريمه وحكى عن ابن عباس جوازه.

    ومن ذلك أيضاً: خلاف العلماء في نكاح المحلل قيل بتحريمه وقيل بإباحته.

    ومن خلال ما تقدم فإنه يظهر من أوجه اختلاف التنوع أن الأنواع فيها صحيحة، ولا منافاة بينها، إلا أن الذي يظهر لي أن أشد الأوجه اشتباهاً باختلاف التضاد هو الوجه الأول، وهو أن يكون كل من الفعلين أو القولين حقاً مشروعاً، ولذا سيكون الكلام عند بيان الفرق مرتكزاً على الوجه المذكور – إن شاء الله -.

    ثالثاً: أوجه الشبه والاتفاق بين اختلاف التنوع واختلاف التضاد:

    يشتبه اختلاف التنوع باختلاف التضاد في عدة أمور هي على النحو التالي:

    الأول: إنهما يشتركان في مسمى الاختلاف، وهذا ظاهر، كما سبق أن ذكرنا أن الاختلاف ينقسم إلى اختلاف تنوع، واختلاف تضاد[30].

    الثاني: إن المسائل المرادة في كل منهما مسائل الشرع، وهذا واضح.

    الثالث: إنه لا يشرع الجمع بين الأقوال المختلفة في العمل في وقت واحد بالنسبة لمكلف واحد. قال الجويني في اختلاف التضاد: "يستحيل أن يكون الشيء الواحد حلالاً حراماً فإنهما متناقضان متنافيان"[31].

    وقال ابن تيمية في اختلاف التنوع: "ومعلوم أنه لا يمكن المكلف أن يجمع في العبادة المتنوعة بين النوعين في الوقت الواحد، لا يمكنه أن يأتي بتشهدين معاً، ولا بقراءتين معاً، ولا بصلاتي خوف معاً"[32].

    وبمجموع العبارتين يتضح وجه الشبه بينهما.

    الرابع: إن في كل منهما قد يرد المنازع الحق الذي مع خصمه.

    قال ابن تيمية في اختلاف التضاد: "لكن نجد كثيراً من هؤلاء قد يكون القول الباطل الذي مع منازعه فيه حق ما، أو معه دليل يقتضي حقاً ما فيرد الحق"[33].

    وقال ابن تيمية أيضاً في اختلاف التنوع: "وأكثر الاختلاف الذي يؤول إلى الأهواء بين الأمة من القسم الأول - أي اختلاف التنوع- وكذلك آل إلى سفك الدماء واستباحة الأموال، والعداوة، والبغضاء؛ لأن إحدى الطائفتين لا تعترف للأخرى بما معها من الحق ولا تنصفها"[34].

    وبمجموع العبارتين يتضح أنهما يشتركان في ذلك.

    رابعاً: الفرق بين اختلاف التنوع واختلاف التضاد:

    لم أقف على من صرح أنهما بمعنى واحد، ولم ينقل عنهم خلاف في ذلك، إلا أنه يمكن بيان موقفهم من ذلك من خلال الآتي:

    1_ يوجد أمثلة وتطبيقات لاختلاف التنوع قد يتوهم بعض الناس أنها من اختلاف التضاد، وليس الأمر كذلك في الواقع.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن ذكر جملة من الأمثلة على اختلاف التنوع: "ومعلوم أن هذا ليس اختلاف تضاد كما يظنه بعض الناس"[35].

    وابن فورك[36] عند كلامه عن وجوه القراءات في قولـه: "ونظير قراءة ﴿وما هو على الغيب بظنين﴾ وقراءة ﴿وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ﴾ نظير من قال: هو حلال، وقال الآخر: هو مثله، لا نظير من قال: هو حلال، وقال الآخر: هو حرام"[37].

    ومعلوم أن القراءات من أفراد اختلاف التنوع، وقد نبه ابن فورك بمفهوم كلامه إلى أنها غير متضادة، وفي هذا التنبيه دلالة على اعتقاد البعض التضاد.

    يمكن أن يقال إن علة هذا التوهم: أن بعضهم نص على تقييد خلاف العلماء في مسألة (هل كل مجتهد مصيب) بأنه فيما لا نص فيه[38]، فخرج بهذا القيد اختلاف التنوع، لكون كل من الأمرين حقاً مشروعاً ثابتاً بالنص، ومع هذا ذكروا في حجة المخالف استدلالهم بوقائع تُعد من أفراد اختلاف التنوع، كاستدلالهم بجواز القراءات[39]، وجواز الإفطار والصوم في السفر[40]، وجواز الوتر في أول الليل وآخره[41]. وفي إدراجهم لهذه الوقائع ضمن حجج المخالفين في المسألة المذكورة دليل على أنهم اعتبروها من اختلاف التضاد، وإلا لما كان لاستدلالهم بهذه الوقائع ضمن المسألة المذكورة معنى وفائدة.

    ولهذا لم يرتض ابن حزم احتجاج المخالف بجواز القراءات في مسألة (هل كل مجتهد مصيب) في قولـه: "وهذا لا حجة لهم فيه؛ لأن القراءات المختلفة ليست متنافية، ونحن لم ننكر الصواب فيما لا يتنافى ولا فيما أمر به تعالى، وإنما أنكرنا أن يكون قول القائل لحم السبع على غير المضطر حلال حقاً، ويكون قول القائل لحم السبع على غير المضطر حرام حقاً، فيكون الشيء حراماً حلالاً طاعة معصية، مأموراً به منهياً عنه في وقت واحد"[42].

    ووافق ابن حزم في صنيعه أبو يعلى[43]، وأبو الخطاب[44].

    ولم يرتض احتجاج المخالف بالواقعتين الأخريين في ذات المسألة الزركشي في البحر المحيط[45].

    2_ إن الفرق بينهما مبني على مسألة (هل كل مجتهد مصيب)، وقد أشار إلى هذا المعنى ابن تيمية في قولـه: "وأما اختلاف التضاد فهو: القولان المتنافيان: إما في الأصول وإما في الفروع عند الجمهور الذين يقولون: "المصيب واحد" وإلا فمن قال: "كل مجتهد مصيب" فعنده: هو من باب اختلاف التنوع لا التضاد"[46].

    ولبيان ذلك سأذكر آراء العلماء في المسألة المذكورة دون بسطها، لكون هذا المقام ليس مقام تحريرها، وفيما أذكره كفاية في تحقيق البناء – إن شاء الله -.

    أولاً: الفرق بين اختلاف التنوع واختلاف التضاد في الأصول:

    يمكن أن يقال إن للعلماء رأيين في ذلك تخريجاً على آرائهم في مسألة (هل كل مجتهد مصيب) في الأصول هي كما يأتي:

    1 – إن اختلاف التنوع يفترق عن اختلاف التضاد في الأصول، وهذا على رأي من قال إن المصيب واحد في الأصول، وهذا ما ذهب إليه الجمهور من السلف والخلف[47].

    2 – إن اختلاف التنوع واختلاف التضاد في الأصول سواء، وهذا على راي من قال: إن كل مجتهد مصيب في الأصول، وهذا ما ذهب إليه العنبري[48] والجاحظ[49].

    والفرق ظاهر على الرأي الأول، لكون كل قول صحيحاً في اختلاف التنوع، أما اختلاف التضاد فالصحيح أحد الآراء، أما على الرأي الثاني فلا يظهر فرق بينهما، لكون الكل صحيحاً أيضاً عند القائل بأن كل مجتهد مصيب، فيستويان من هذه الجهة، إلا أن الرأي الثاني لا أثر لـه، وبيان ذلك في الآتي:

    1_ أنه لا قائل بهذا الرأي في واقع الأمر.

    قال ابن تيمية: "ومن حكى عن أحد من علماء المسلمين – سواء كان عبيدالله بن الحسن العنبري؛ أو غيره – أنه قال: كل مجتهد في الأصول مصيب، بمعنى أن القولين المتناقضين صادقان مطابقان؛ فقد حكى عنه الباطل بحسب توهمه، وإذا رد هذا القول وأبطله فقد أحسن في رده وإبطاله، وإن كان هذا القول المردود لا قائل به"[50].

    وقيل: عن مراد العنبري نفي الإثم[51].

    ونقل ابن حجر عن العنبري رجوعه عن رأيه في تصويب المجتهدين لما تبين لـه الصواب[52].

    أما الجاحظ فكثير من الأصوليين ينسبون إليه القول بنفي الإثم، ولا ينسبون إليه القول بتصويب المجتهدين[53].

    ونسب القول بالتصويب إلى الجاحظ الزركشي في "البحر المحيط"، ثم نفاه عنه وتبين أن حقيقة مذهبه نفي الإثم عن المخطئ في الأصول[54]، وعلى رأي الجاحظ هذا فإنه لا يلزم القول بالتصويب، إذ مراده – حسب ما ظهر لي – أن المجتهد إذا اجتهد وبذل وسعه فأخطأ فلا إثم عليه، وعلى هذا فهو موافق لرأي جمهور العلماء في أن المصيب واحد في الأصول.

    ومن خلال ما تقدم يُستخلص أنه لا أثر لتصويب الكل في الأصول، إذ لا قائل به.

    2_ وعلى فرض صحة نسبة الرأي المذكور لهما، فإنه مردود أيضاً لأمرين:

    أ_ إنهما محجوجان بالإجماع الذي انعقد قبل ظهورهما، فلا عبرة بقولهما[55].

    ب_ إن القول بتصويب المجتهدين في الأصول يؤدي إلى صحة قول القائل بقول، والقائل بنقيضه وهذا باطل ويفضي إلى السفسطة، ولا يخفى فساده على العوام فضلاً على العلماء[56].

    فننتهي إلى أن المسألة المذكورة ليس فيها خلاف معتبر، فتعود إلى الوفاق. والرأي المعتبر فيها رأي الجمهور القائلين: إن المصيب واحد، وعلى هذا فإن الفرق بين اختلاف التنوع واختلاف التضاد في الأصول ثابت بلا خلاف، وبناء عليه فإن كل قول مشروع في اختلاف التنوع، أما اختلاف التضاد فالمشروع أحد الأقوال.

    ثانياً: الفرق بين اختلاف التنوع واختلاف التضاد في الفروع:

    للعلماء قولان في ذلك، تخريجاً على آرائهم في مسألة (هل كل مجتهد مصيب في الفروع)، وهي على النحو التالي:

    القول الأول: إن اختلاف التنوع يفترق عن اختلاف التضاد، وهذا على رأي من قال: إن المصيب في الفروع واحد، وهذا ما روى عن الأئمة الأربعة[57]، وذهب إلى هذا جماعة من الأصوليين منهم: ابن حزم[58]، وأبو يعلى[59]، وابن السمعاني[60]، وأبوالخطاب[61]،وابن قدامة[62]، وابن تيمية[63]، والزركشي[64]، والفتوحي[65]، والشوكاني[66].

    القول الثاني: إن اختلاف التنوع واختلاف التضاد سواء في الفروع، وهذا على رأي من قال: إن كل مجتهد مصيب، وهذا ما حكي عن أبي حنيفة[67]، ورواية عن مالك[68]، ونسب للشافعي[69]، وأنكر هذه النسبة للأئمة جماعة من أتباعهم[70]، واختار هذا القول بعض المعتزلة[71]، وأكثر الأشاعرة[72].

    ومن المهم الإشارة إلى أن التسوية بين الاختلافين مقيدة بتفسير الإصابة في قولهم: (كل مجتهد مصيب) أن كل مجتهد أصاب الحق عند الله – تعالى -، أما من أراد بهذا الإطلاق أن المجتهد مصيب اتباع ما أداه إليه اجتهاده، أو نفي الإثم عنه، فلا تصح التسوية بينهما على هذين المعنيين، لكون الإصابة حينئذ إضافية وليست حقيقية والمصيب للحق عند الله تعالى في واقع الأمر واحد.

    والذي دعاني إلى هذا التقييد: ما نقل عن بعضهم من قولـه: كل مجتهد مصيب، والحق عند الله واحد[73].

    وفُسر ذلك: بأن المراد بالإصابة أنه مصيب في حق عمله، وما أداه إليه اجتهاده[74] فالإصابة عندهم إضافية وليست حقيقة، بدلالة أنهم نصوا على أن الحق واحد، وهذا يعني أن المصيب في واقع الأمر عند الله واحد عند اختلافهم في الحكم، وعلى هذا فهم موافقون للرأي الأول.

    وبهذا يتضح أن للعلماء مذهبين في تصويب المجتهدين، ولا يخفى بطلان المذهب الثاني القائلين: إن كل مجتهد مصيب، لكونه يفضي إلى ورود التعبد بما يتضاد ويتنافى، فتكون العين الواحدة حلالاً حراماً، في حالة واحدة، وهذه من جملة المستحيلات، والشرع لا يرد بما تحيله العقول[75].

    قال أبو إسحاق الإسفراييني: "القول بأن كل مجتهد مصيب أوله سفسطة وآخره زندقة"[76].

    ومعنى ذلك: أن هذا المذهب أوله سفسطة؛ لأنه في الابتداء يجعل الشيء ونقيضه حقاً، وآخره زندقة، لكونه في نهاية النظر والاجتهاد، يجعل المجتهد مخيراً بين النقيضين، يختار من المذاهب ما يروق لهواه[77].

    أما الرأي الأول: فهو الصواب؛ لدلالة السنة على هذا المعنى صراحة في قول المصطفى- صلى الله عليه وسلم - : (إذا حكم الحاكم فاجتهد، ثم أصاب، فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ، فله أجر)[78].

    ووجه الدلالة: أنه نص في أن المجتهدين منهم المخطئ، ومنهم المصيب، فدل على أن المصيب واحد[79].

    وهناك دلائل أُخر على صحة المذهب الأول، وبطلان المذهب الثاني، ليس هذا المقام مقام بسطها، ومظانها كتبهم، وسأذكر بعضها في أثناء بيان أوجه الفرق.

    وعلى هذا فإن اختلاف التنوع واختلاف التضاد ليسا سواء في الفروع أيضاً، فننتهي إلى أن الفرق ثابت بين الاختلافين مطلقاً سواء أكان اختلاف التضاد في الفروع أم في الأصول.

    وسأذكر أوجه الفرق بين الاختلافين لتقرير ذلك فيما يأتي:

    خامساً: أوجه الفرق بين اختلاف التنوع واختلاف التضاد:

    يفترق اختلاف التنوع عن اختلاف التضاد من عدة جهات، يمكن إبرازها بما يأتي:

    الأول: إنهما يفترقان من جهة حقيقتها من حيث الأتي:

    1 – يظهر من تعريفهما: أن اختلاف التنوع لا منافاة فيه بين الآراء، لكون اختلاف الآراء فيه من باب تعدد الوسائل والصفات والهيئات الموصلة للمقصود، أما اختلاف التضاد فإن الآراء فيه متنافية، لكون اختلاف الآراء فيه اختلافاً في الحكم الشرعي للمسألة، إذ المشروع أحد الآراء.

    وانبنى على هذا الفرق فرق مهم، وهو أن الآراء يمكن اجتماعها وتلاقيها على مورد واحد في اختلاف التنوع، وهو اتفاقهم على الحكم الشرعي، ولهذا أخرج الشاطبي الأوجه الثلاثة الأُول في اختلاف التنوع عند ابن تيمية من الخلاف عند ذكره أسباب نقل الخلاف في مسائل ليست في الحقيقة بخلاف.

    قال الشاطبي في الوجه الأول: "أن يقع الاختلاف في العمل لا في الحكم، كاختلاف القراء في وجوه القراءات... وليس في الحقيقة باختلاف"[80].

    وقال في الوجه الثاني: "الخلاف في مجرد التعبير عن المعنى المقصود، وهو متحد... فهذا خلاف في عبارة والمعنى متفق عليه"[81].

    وقال أيضاً في الوجه الثالث: "أن يذكر في التفسير عن النبي- صلى الله عليه وسلم - في ذلك شيء أو عن أحد من أصحابه أو غيرهم، ويكون ذلك المنقول بعض ما يشمله اللفظ، ثم يذكر غير ذلك القائل أشياء أخر مما يشمله اللفظ أيضاً... فيظن أنه خلاف"[82].

    فدل كلامه على أن الآراء في اختلاف التنوع لا منافاة بينها وبمكن اجتماعها على مورد واحد، فلا تُعد خلافاً في واقع الأمر.

    أما الوجه الرابع الذي ذكره ابن تيمية فهو عين الوجه الأول.

    فننتهي إلى أن اختلاف التنوع الآراء فيه مجتمعة، ولا منافاة بينها ولا تفضي إلى مناقضة، وهذا بخلاف اختلاف التضاد فإنه يفضي إلى مناقضة. فافترقا لهذا المعنى.

    2 – إن في اختلاف التنوع لا يخطئ كل فريق من المختلفين الآخر، ولكن يزعم أن ما يفعله هو الأفضل، وفي اختلاف التضاد يخطئ كل فريق الآخر، إلا أن كان من المصوبة فإنه لا يخطئ من خالفه عن اجتهاد.

    قال ابن تيمية عند تمثيله للوجه الأول من اختلاف التنوع: "إلى غير ذلك، مما قد شرع جميعه. وإن كان يقال: إن بعض أنواعه أفضل"[83].

    وقال في موضع آخر: "فقاعدتنا في هذا الباب أصح القواعد: أن جميع صفات العبادات من الأقوال والأفعال إذا كانت مأثورة أثراً يصلح التمسك به لم يكره بل يشرع ذلك كله"[84].

    وقال الشاطبي في اختلاف القراء في وجوه القراءات: "فإنهم لم يقرؤوا بما قرؤوا به على إنكار غيره، بل على إجازته والإقرار بصحته، وإنما وقع الخلاف بينهم في الاختيارات"[85].

    وقال الزركشي في ذلك أيضاً: "وخلافهم إنما هو في الاختيار ومن قرأ عن إمام لا يمنع القراءة الأخرى"[86].

    ونقل ابن عطية الإجماع في القراءات على أن التوسعة لم تقع في تحريم حلال، ولا في تحليل حرام[87].

    ومعلوم أن وجوه القراءات من أفراد اختلاف التنوع، والدلالة ظاهرة في كلامهم، في أن جميع الأفراد مشروعة، والاختلاف واقع في الاختيار.

    كما أن في الإجماع الذي نقله ابن عطية دلالة قوية على أن خلافهم لم يقع في الحكم الشرعي، وهذا ما دلت عليه عبارة ابن تيمية والشاطبي والزركشي السالفة الذكر.

    أما اختلاف التضاد فنزاعهم في الحكم الشرعي.

    قال ابن حزم في مسألة (هل كل مجتهد مصيب): "وأنما أنكرنا أن يكون قول القائل لحم السبع على غير المضطر حلال حقاً، ويكون قول القائل لحم السبع على غير المضطر حرام حقاً، فيكون الشيء حراماً حلالاً طاعة معصية مأموراً به منهياً عنه في وقت واحد"[88].

    وقال أبو يعلى في ذات المسألة: "ألا ترى أن كل من خالف في قراءة جاز لـه أن يقرأ بحرف غيره... وليس كذلك في مسألتنا؛ لأنه اختلاف في أحكام"[89].

    والمراد بالاختلاف في مسألة (هل كل مجتهد مصيب) فيما لا نص فيه – كما سبق – فخرج كل ما ثبت بالنص الشرعي، ومن ذلك اختلاف التنوع، لثبوت كل فرد من أفراده في الشرع، فدل هذا التقييد منهم، على أن المراد بالاختلاف المذكور في المسألة اختلاف التضاد، فيكون كلامهم محمولاً على هذا النوع من الاختلاف، وقد ذكروا أنه اختلاف في الحكم الشرعي، فثبت المراد.

    ويمكن أن يقال أيضاً: إن الآراء في اختلاف التضاد متنافية من كل وجه، والتنافي المذكور لا يكون إلا مع اختلافهم في الأصل، فدل هذا على أن خلافهم في الحكم الشرعي، وإلا لما كانت الآراء متنافية في اختلاف التضاد من كل وجه.

    3 – سبق أن أشرنا أن من أوجه الشبه بينهما أنه لا يمكن الجمع بين أفراد كلٍّ منهما في وقت واحد بالنسبة لمكلف واحد، والمانع لهذا الاجتماع مختلف فيهما، فاختلاف التضاد لا يمكن الجمع بين أفراده بأي وجه من الوجوه ألبتة.

    ووجه ذلك: أن الآراء في اختلاف التضاد متناقضة متنافية من كل وجه، فيستحيل الجمع بينها[90].

    وعلى هذا فإن المانع لاجتماع أفراد اختلاف التضاد إنما هو عدم الجواز العقلي.

    أما اختلاف التنوع فالكلام فيه على صورتين هما:

    الصورة الأولى: إذا كان المراد بالجمع بين أفراده أن يأتي بكل فرد من أفراد اختلاف التنوع بصفته المأثورة عن النبي – صلى الله عليه وسلم - في وقت واحد، لمكلف واحد، فلا يمكن الجمع بين أفراده، وعلى هذا يحمل كلام ابن تيمية في قولـه: "ومعلوم أنه لا يمكن المكلف أن يجمع في العبادة المتنوعة في الوقت الواحد، ولا يمكنه أن يأتي بتشهدين معاً، ولا بقراءتين معاً، ولا بصلاتي خوف معاً"[91].

    ومعلوم أن تعذر الجمع بين أفراده في الصورة المذكورة عائد إلى عدم الجواز العقلي.

    الصورة الثانية: إذا كان المراد بالجمع بين أفراده التلفيق والخلط بين النوعين وهذا ما أشار لـه ابن تيمية في قولـه: "ولا تنظر إلى من قد يستحب الجمع في بعض ذلك، مثل ما رأيت بعضهم قد لفق ألفاظ الصلوات عن النبي-صلى الله عليه وسلم - المأثورة عن النبي- صلى الله عليه وسلم - واستحب فعل ذلك الدعاء الملفق"[92].

    فهذا وإن كان متصوراً من جهة العقل، إلا أنه لا يصح شرعاً، فإنه منهي عنه باتفاق المسلمين كما نقله ابن تيمية[93]، وحكم عليه بأنه بدعة في الدين[94].

    ووجه ذلك: أن النبي-صلى الله عليه وسلم - لم يقل جميعه جميعاً، وإنما كان يأتي بهذا تارة، وهذا تارة، فالجمع بينهما خلاف المشروع[95].

    الثاني: إنهما يفترقان من حيث محل الوقوع فيهما، إذ إن اختلاف التنوع واختلاف التضاد يشتركان في الوقوع، إلا أن محل الوقوع فيهما مختلف، وذلك أن اختلاف التنوع واقع في الشرع، لكونه مما جاء به الشرع، وثبت كل فرد من أفراده بالدليل الشرعي – كما سبق -

    أما اختلاف التضاد فهو واقع في أنظار المجتهدين كما أشار إلى ذلك الشاطبي في قولـه: "إن الشريعة راجعة إلى قول واحد،... والاختلاف في مسائلها راجع إلى دورانها بين طرفين... يتعارضان في أنظار المجتهدين، وإلى خفاء بعض الأدلة وعدم الاطلاع عليها"[96].

    وأما الشرع فلا تضاد فيه، ولم يقع فيه هذا النوع من الاختلاف، لكونه مما لم يأت به الشرع، والحق في فرد من أفراده.

    قال ابن قتيبة عن اختلاف التضاد: "ولست واجده بحمد الله في القرآن إلا في الأمر والنهي والناسخ والمنسوخ"[97].

    وقال الصيرفي: ولا يوجد في الكتاب والسنة التناقض أبداً، وإنما يوجد في النسخ في وقتين بأن يوجب حكماً ثم يحله، وهذا لا تناقض فيه[98].

    وقال الجصاص: "الاختلاف الذي نفاه الله تعالى عن كتابه وأحكامه، هو اختلاف التضاد والتنافي، وذلك غير موجود في أحكام الله تعالى"[99].

    كما يفترق اختلاف التنوع عن اختلاف التضاد من جهة وقوعهما في الأحكام التكليفية، فإن اختلاف التنوع لا يتصور وقوعه إلا في المستحبات أو الواجبات[100]، وما عداهما من الأحكام التكليفية فلا يتصور وقوعه فيها، أما اختلاف التضاد فضابط وقوعه في الأحكام التكليفية أنه يقع في كل حكمين متنافين من كل وجه كالحل والتحريم والاستحباب والكراهة فافترقا من هذه الجهة.

    ويمكن الاستدلال عليه بالآتي:

    1_ إن اختلاف التنوع متفق على مشروعية أفراده وهذا يقتضي أنه لا يقع إلا في المستحبات أو الواجبات.

    2_ إن حقيقة التضاد لا تكون إلا بين أمرين متنافين من كل وجه كالحل والتحريم. وبمجموع هذين الأمرين ثبت الفرق.

    الثالث: يفترق الاختلافان من جهة الإصابة وعدمها، وذلك أن اختلاف التنوع كل من المختلفين فيه مصيب، وهذا ما أشار لـه ابن تيمية في قولـه: "وهذا القسم الذي سميناه اختلاف التنوع كل واحد من المختلفين مصيب فيه بلا تردد"[101].

    والدهلوي في قولـه: "وقد عللوا كثيراً من هذا الباب بأن الصحابة مختلفون، وأنهم جميعاً على الهدى"[102].

    يمكن أن يقال من دلائل ذلك ما يأتي:

    1_ قول المصطفى – صلى الله عليه وسلم - للمختلفين في القراءات: (كلاهما محسن)[103] ، وقوله-صلى الله عليه وسلم - : (فأي ذلك قرأتم أصبتم)[104].

    يمكن بيان وجه الدلالة بمجموع أمرين:

    أ_ إن القراءات من أفراد اختلاف التنوع، حيث أن الكل مشروع.

    ب_ إن الرسول- صلى الله عليه وسلم - نص على أن كل واحد من المختلفين مصيب، كما أن في إطلاق المصطفى- صلى الله عليه وسلم - على كل واحد من المختلفين صفة (محسن) لا معنى لـه إلا التصويب، فالمعنى فيها واحد، فثبت أن كلاً من المختلفين مصيب.

    وبمجموع الأمرين يثبت: أن كل مجتهد مصيب في اختلاف التنوع.

    2_ إن تنوع الآراء في اختلاف التنوع ثابت بإقرار الشرع، ولا معنى لهذا الإقرار، إلا جواز عمل المكلفين بكل الآراء.

    الثالث: إن الآراء في اختلاف التنوع لا تتنافى، بل يمكن تلاقيها واجتماعها، فيكون كلا الرأيين صحيح، وإلا لما أمكن اجتماعها، فدل ذلك على أن كل مجتهد مصيب في هذا النوع من الاختلاف.

    أما اختلاف التضاد فالمصيب فيه واحد، وهذا ما أشار لـه ابن تيمية في قولـه: "وإذا اختلف الناس... على قولين متناقضين لم يكن كل مجتهد مصيباً"[105].

    وقال أيضاً: "فإن كان النزاع في المعنيين المتناقضين فأحد القولين صواب والآخر خطأ"[106]. وهذا ثابت للأصول بلا خلاف، أما في الفروع فعلى القول الصحيح ودلائل صحته كثيرة منها الآتي:

    1 – قول المصطفى- صلى الله عليه وسلم- : (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد)[107].

    2 – قول الرسول – صلى الله عليه وسلم- : (الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس)[108].

    ووجه الدلالة: أنه لو كان كل قول مصيباً للحق، تبعاً لتعدد الاجتهادات، لكان كل الناس عالمين بحكم تلك المشتبهات، لكونها تابعة لاجتهاداتهم، وهذا يناقض مدلول النص[109].

    3 – لما حكم النبي- صلى الله عليه وسلم - سعد بن معاذ في بني قريظة فحكم أن يقتل مقاتلهم، وتسبى حريمهم وتقسم أموالهم، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم - : (لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع سموات)[110].

    ووجه الدلالة: أن في هذا دلالة على أن حكم الله واحد، وقد وافقه سعد، ولو لم يحكم بذلك لكان مخالفاً لحكم الله تعالى، والمخالف لحكم الله مخطئ[111].

    وقد ذكر أدلة أخرى على أن المصيب واحد[112]، إلا أن محل مناقشة هذه الأدلة ليست من مقاصد هذا البحث، وبطلان قول المصوبة لا يخفى على من عنده أدنى نظر.

    وعلى هذا فالفرق ثابت بين اختلاف التنوع والتضاد.

    الرابع: إنهما يفترقان من حيث الفتوى، إذ إنه يصح للمجتهد في اختلاف التنوع أن يفتي بالأنواع جميعاً، والمكلف يتخير منها، وذلك لأن كل قول مشروع فصحت الفتوى.

    وهذا بخلاف المجتهد في اختلاف التضاد، فلا يصح لـه أن يفتي بالآراء جميعاً، بل يفتي بما ترجح عنده.

    قال أبو الخطاب: "فإنه ليس للمفتي أن يفتي بالشيء وضده في حالة واحدة"[113].

    وهذا معنى قول الأصوليين: أن المجتهد لا يجوز أن يقول في مسألة واحدة قولين مختلفين في وقت واحد بالنسبة لشخص واحد[114].

    الخامس: إنهما يفترقان من حيث موقف المكلف فيهما، وذلك أن المكلف في اختلاف التنوع سواء أكان عامياً أم مجتهداً، فله أن يتخير أي الآراء شاء، ولا يصار فيه إلى الترجيح.

    ووجه ذلك: أن العمل بأي نوع من أنواع اختلاف التنوع عمل بالشرع، فساغ للمكلف أن يتخير أي الآراء شاء.

    وهذا بخلاف اختلاف التضاد، فلا يصح للمكلف أن يتخير أي الآراء شاء، وإنما يصير فيه إلى الترجيح، للآتي:

    1_ إن القول بالتخيير مبني على أن كل مجتهد مصيب، وتقدم فساد هذا القول، وأنه يؤدي إلى الزندقة في الدين، فلا يصح البناء عليه.

    2_ إن التخيير يفضي إلى تتبع عورات العلماء وزلاتهم، من غير دليل شرعي، فلا يصح، وقد نقل ابن عبدالبر الإجماع على المنع من تتبع الرخص[115]، ابن حزم على ذلك أنه فسق لا يحل[116].

    وعلى هذا فإن القول بالتخيير في هذا النوع من الاختلاف يعد خرقاً لإجماع العلماء فلا يصح، فثبت أنه على المكلف البحث عن الراجح، وهذا يختلف حسب حال المكلف.

    1 – العامي: عليه أن يستفتي الأوثق والأعلم من أهل العلم، ويسأله عن الراجح فيعمل به[117].

    2 – طالب العلم المميز القادر على الترجيح: عليه العمل بما ظهر لـه دليله من أقوال العلماء، وإلا حكمه حكم العامي[118].

    3 – المجتهد: يلزمه البحث والاجتهاد وجمع الأدلة والنظر في الراجح منها، فما ترجح عنده عمل وأفتى به[119].

    السادس: إنهما يفترقان من حيث أثر كل منهما في انعقاد الإجماع:

    1_ انعقاد الإجماع في اختلاف التنوع:

    أ – إن اختلاف التنوع لا يمنع انعقاد الإجماع على كلا الأمرين.

    يمكن أن يقال إن وجه ذلك: أن كلا الأمرين حقٌ وصوابٌ، وقد ثبت دليله في الشرع، ولا منافاة بين الأمرين، فلا يمنع انعقاد الإجماع عليهما جميعاً.

    قال الشاطبي بعد أن ذكر عشرة أسباب لعدم الاعتداد بالخلاف، وعدّ منها أوجه اختلاف التنوع: "وهذه عشرة أسباب لعدم الاعتداد بالخلاف، يجب أن تكون على بال من المجتهد، ليقيس عليها سواها، فلا يتساهل فيؤدي ذلك إلى مخالفة الإجماع"[120].

    وفي هذا إشارة منه إلى أن أمثال هذه الأسباب، والتي عدّ منها أوجه اختلاف التنوع لا تمنع انعقاد الإجماع، إذ لا معنى لعدم الاعتداد بالخلاف، إلا صحة انعقاد الإجماع على الأمرين جميعاً.

    وقد نقل الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم انعقاد الإجماع على الأمرين جميعاً في اختلاف التنوع، ومن ذلك ما يأتي:

    1_ قال النووي: "باب التشهد في الصلاة. وفيه تشهد ابن عباس وتشهد أبي موسى الأشعري ط واتفق العلماء على جوازها كلها، واختلفوا في الأفضل منها"[121].

    2_ قال النووي: "أعلم أن أحاديث الباب متظاهرة على جواز إفراد الحج عن العمرة، وجواز التمتع والقران، وقد أجمع العلماء على جواز الأنواع الثلاثة مع اختلافهم في أي هذه الأنواع الثلاثة أفضل "[122].

    وقال أيضاً: "وقد انعقد الإجماع بعد هذا على جواز الإفراد والتمتع والقران من غير كراهة، وإنما اختلفوا في الأفضل منها"[123].

    3_ ونقل الزركشي انعقاد الإجماع على صحة قراءة القراء وأنها سنة متبعة، ولا مجال للاجتهاد فيها[124].

    ومعلوم أن المسائل المذكورة من أفراد اختلاف التنوع، وقد انعقد الإجماع على جوازها جميعاً، وبهذا يتقرر صحة انعقاد الإجماع على جواز الأنواع جميعاً في اختلاف التنوع.

    ب – أما انعقاد الإجماع على جواز نوع من الأنواع في اختلاف التنوع دون غيره، فلا يصح.

    يمكن أن يقال إن وجه ذلك: أن الشرع جاء بمشروعية كل الأنواع، وانعقاد الإجماع على جواز نوع دون غيره مصادمة للنصوص الشرعية، ويلزم فيه إيقاع الإجماع الشرعي في الخطأ، وهذا لا يصح.

    أما انعقاد الإجماع على تفضيل نوع على آخر، مع الاتفاق على مشروعية كل الأنواع، فيصح انعقاده، وذلك لكون انعقاد الإجماع على تفضيل نوع على آخر، لا يقتضي نفي الجواز، فصح انعقاده.

    2_ انعقاد الإجماع في اختلاف التضاد:

    أ – أنه لا يمكن انعقاد الإجماع على صحة القولين جميعاً، وهذا لا يخفى على من عنده أدنى نظر.

    يمكن أن يقال إن وجه ذلك: أن إجماع هذه الأمة معصومٌ عن الخطأ، وانعقاد الإجماع على كلا القولين في اختلاف التضاد، أمر محال؛ لأنه يؤدي إلى وقوع الإجماع على الخطأ.

    ب – وأما انعقاد الإجماع على رأي من الآراء في اختلاف التضاد، فيمكن تقسيمه إلى قسمين:

    1 – اختلاف التضاد في المسائل التي لا يسوغ الاجتهاد فيها.

    2 – اختلاف التضاد في المسائل التي يسوغ الاجتهاد فيها.ولكل قسم حكمه الخاص من حيث أثر كل منهما على انعقاد الإجماع وبيانه فيما يأتي:

    1_ اختلاف التضاد في المسائل الشرعية التي لا يسوغ الاجتهاد فيها.

    المراد باختلاف التضاد في المسائل الشرعية التي لا يسوغ الاجتهاد فيها هي: المسائل الشرعية التي دل عليها دليل قاطع، واختلف المجتهدون في حكمها على أقوال متنافية بحيث ترد أقوالهم على محل واحد[125].

    وقد وقع الاختلاف في المسائل الشرعية بين المجتهدين، مع أن المسألة فيها دليل شرعي بين الصواب وذكر ابن القيم في إعلام الموقعين ما يقارب أربعاً وعشرين مسألة اختلف فيها السلف والخلف على أقوال متنافية، مع أن النصوص الشرعية بينت الصواب[126]، بما لا يبقى مع دلالة النصوص القاطعة مجال للاختلاف، وسأذكر مثاليين لبيان المقصود، ومن ذلك ما يأتي:

    1_ في حكم نكاح التحليل، مع أن العلماء يرون تحريم نكاح التحليل[127]، فقد ذهب بعضهم إلى أن فاعله يثاب، لما في ذلك من إزالة المفاسد بإعادة المرأة إلى زوجها كما نقل ذلك ابن تيمية[128]، وأشار إلى هذا أيضاً المباركفوري في قولـه: "... وهذا معمول به عند حنفية ديارنا، فيعملون به، ويظنون أنهم ينفعون إخوانهم، ويصيرون مأجورين، فهداهم الله تعالى إلى التحقيق"[129]. مع ثبوت النصوص الصريحة الدالة على تحريم نكاح التحليل ومن تلك النصوص ما روي عن عبدالله بن مسعود ط قال: (لعن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - المُحِلّ والمحلَّل لـه)[130].

    2_ خلاف العلماء في مشروعية رفع اليدين عند الركوع وعند رفع الرأس منه، نقل ابن حجر عن الإمام محمد بن نصر المروزي قولـه: "أجمع علماء الأمصار على مشروعية ذلك إلا أهل الكوفة"[131]

    وقال بعض الحنفية: إنه يبطل الصلاة، ونسب بعض متأخري المغاربة فاعله إلى البدعة[132].

    مع ثبوت النصوص الصريحة الدالة على أن ذلك سنة ثابتة عن المصطفى- صلى الله عليه وسلم - ومن ذلك ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام في الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه، وكان يفعل ذلك حين يكبر للركوع، ويفعل ذلك إذا رفع رأسه من الركوع، ويقول: سمع الله لمن حمده)[133].

    والحكم في هذا القسم، أن الخلاف فيه غير سائغ، لورود النص في المسألة المتنازع على حكمها، فيحسم الخلاف، ويطرح القول المخالف للنصوص الشرعية، إذ كل قول خالف نصاً جلياً، لا عبرة بقوله، ولا يلتفت إلى مخالفته[134].

    وهذا معنى قولهم: "لا اجتهاد مع النص"[135].

    قال الشاطبي: "أنه لا يصح اعتمادها – أي زلة العالم التي خالف فيها النصوص الشرعية – خلافاً في المسائل الشرعية... وأنما يُعد في الخلاف الأقوال الصادرة عن أدلة معتبرة في الشريعة... وأما إذا صدرت عن مجرد خفاء الدليل أو عدم مصادفته فلا "[136].

    وقال أيضاً: "فإذا كان بيناً ظاهراً أن قول القائل مخالف للقرآن أو للسنة لم يصح الاعتداد به ولا البناء عليه"[137].

    وقال ابن القيم: "فالاجتهاد إنما يعمل به عند عدم النص، فإذا تبين النص، فلا اجتهاد، إلا في إبطال ما خالفه"[138].

    وقد ذكر العلماء في شروط الاعتداد بالخلاف ألا يخالف نصاً شرعياً، إما إذا خالف القول النصوص الشرعية فلا يعتد به في الخلاف[139].

    ولا معنى لإبطال كل مخالف للنص كما ذكر ابن القيم، إلا صحة انعقاد الإجماع على القول الموافق للنص، وأما القول الآخر، فلا إشكال في اطراحه، لكونه في حكم المعدوم، ولا أثر لـه في منع انعقاد الإجماع.

    ووجه ذلك: أن الاجتهاد الصادر من المجتهد لم يصادف محلاً يصح الاجتهاد فيه، فصار في نسبته إلى الشرع كأقوال غير المجتهد، فلا يصح الاعتداد به[140].

    ويلحق بهذا القسم الأقوال الضعيفة، فإنها لا تمنع انعقاد الإجماع، لكون العلماء من شروط الاعتداد بالخلاف أن يقوى مدركه، فإن ضعف فلا يُعتد به، فلا يؤثر على انعقاد الإجماع.

    2_ اختلاف التضاد في المسائل التي يسوغ الاجتهاد فيها.

    المراد باختلاف التضاد في المسائل التي يسوغ الاجتهاد فيها هي: المسائل الشرعية التي دل عليها دليل ظني، واختلف المجتهدون في حكمها على أقوال متنافية، بحيث ترد أقوالهم على محل واحد[141].

    والحكم في هذا القسم، أن الخلاف سائغ، ويعتد بقول المخالف، وأما انعقاد الإجماع في هذا القسم على أحد الأقوال فلا يخلو من صورتين:

    أ_ أن يتفق المجتهدون في نفس العصر على قول واحد بعد خلافهم في حكم المسألة خلاف تضاد، فصحة انعقاد الإجماع مبناها على مسألة هل انقراض العصر شرط؟ فمن عده شرطاً صحح انعقاد الإجماع وإلا فلا[142].

    2_ أن يختلف المجتهدون في حكم المسألة على أقوال خلاف تضاد، وانقرض العصر ولم يرجع أحد منهم، فهل يجوز أن يجمع أهل العصر الثاني على أحد القولين ؟ منهم من جوز انعقاد الإجماع ومنهم من منع[143].

    والخلاصة في هذا الفرق:

    1 – إن اختلاف التنوع لا يمنع انعقاد الإجماع على صحة الآراء جميعاً، وأما اختلاف التضاد فلا يتصور ألبتة انعقاد الإجماع على صحة الآراء الواردة فيه، لما بينها من المنافاة التامة المانعة لانعقاد الإجماع، وهذا فرق مهم بين اختلاف التنوع واختلاف التضاد.

    يمكن أن يقال إن وجه الفرق بينهما: أنه لما كان اختلاف التنوع من باب تعدد الوسائل والصفات، مع الاتفاق على الحكم الشرعي، وجواز كل الأنواع، بخلاف اختلاف التضاد فإن الخلاف فيه يُعد خلافاً في الحكم الشرعي صح انعقاد الإجماع في اختلاف التنوع على الآراء جميعاً دون التضاد.

    2 – إن اختلاف التنوع لا يصح انعقاد الإجماع فيه على صحة أحد الأنواع دون غيره، وهذا بخلاف التضاد فإن انعقاد الإجماع فيه ممكن حسب التفصيل السابق.

    يمكن أن يقال في وجه ذلك: إن الشرع جعل للمكلف نوع تخيير بين الصفات والهيئات، والإجماع على واحدة منها دون الأخرى يضاد التخيير.

    السابع: إنهما يفترقان من حيث العمل بهما، إذ إنه يشرع في اختلاف التنوع أن يفعل بهذا تارة وبهذا تارة أخرى ليستوعب السنة، وهذا بخلاف اختلاف التضاد، فلا يتبع إلا ما ظهر لـه رجحانه أو أفتاه به عالم.

    وفائدة ذلك: أن في التنويع بين أفراده، حفظاً للشريعة من الضياع، ولئلا يؤدي هجران بعض الأنواع إلى ضياعها ونسيانها، فلا يعلم كونها من الدين، وهذا بخلاف اختلاف التضاد فإن الواجب على المكلف البحث عن الصواب، وهذا يقتضي رد أحدهما.

    قال ابن تيمية: "فإذا اتبع الرجل جميع المشروع المسنون. واستعمل الأنواع المشروعة، هذا تارة وهذا تارة، كان قد حفظت السنة علماً وعملاً، وزالت المفسدة المخوفة من ترك ذلك"[144].

    وقال: "ونكتة هذا الوجه أنه وإن جاز الاقتصار على فعل نوع، لكن حفظ النوع الآخر من الدين، ليعلم أنه جائز مشروع، وفي العمل به تارة حفظ للشريعة، وترك ذلك قد يكون سبباً لإضاعته ونسيانه"[145].

    ولهذا استنكر الزركشي عند كلامه عن القراءات في البرهان صنيع قوم برد أحد القراءات بعد ثبوتهما في قولـه: "وهذا كله ليس بجيد، والقراءتان متواترتان فلا ينبغي أن ترد أحدهما ألبتة"[146].

    ويمكن الاستدلال للفرق بأمرين:

    1_ إن الأنواع في اختلاف التنوع توقيفيه من قبل الشرع، فلا يصح رد أحد الآراء، لكونه إبطالاً لبعض المشروع، بخلاف الآراء في اختلاف التضاد فهي اجتهادية.

    2_ إن اعتقاد صواب الآراء جميعاً في اختلاف التضاد يفضي إلى تناقض الشرع، وهذا لا يصح، وهو مبني على رأي فاسد – وهو قول المصوبة – وتقدم فساده بخلاف اختلاف التنوع.

    ثامناً: إنهما يفترقان من حيث الإنكار على المكلف وعدم ذلك:

    1_ الإنكار في اختلاف التنوع:

    إن اختلاف التنوع لا إنكار على المكلفين في العمل في أحد أفراده دون الآخر، وهذا بخلاف اختلاف التضاد، فإن الإنكار يقع على المخالف إذا كان قولـه مخالفاً للكتاب والسنة.

    يمكن أن يقال في وجه ذلك: إن الأنواع في اختلاف التنوع ثابتة من قبل الشرع، وإنكار نوع من الأنواع إنكار للمشروع فلا يصح.

    ولهذا كان من الإنصاف الاعتراف بالحق الذي مع الآخرين في هذا النوع من الاختلاف، ومن الجهل والظلم الإنكار على أي نوع من أنواعه.

    قال ابن تيمية: "ثم الجهل أو الظلم يحمل على حمل إحدى المقالتين وذم الأخرى"[147].

    وإنما الذي ينكر عليه في اختلاف التنوع، هو من بغى وعد الحق حكراً عليه، لكونه أنكر أمراً مشروعاً وهذا لا يصح.

    قال ابن تيمية: "لكن الذم واقع على من بغى على الآخر فيه"[148].

    2_ الإنكار في اختلاف التضاد.

    يختلف حكم الإنكار في اختلاف التضاد حسب القسمين الآتيين:

    أ_ إذا كان قول المخالف ضعيفاً، ولم يتمسك بدليل قوي، وكان معارضاً لأدلة قوية من الكتاب والسنة والإجماع، يجب الإنكار عليه[149]، ولو تأول، بالاتفاق[150]، ويبين لـه الصواب.

    قال ابن رجب: "من أنواع النصح لله تعالى وكتابه ورسوله رد الأهواء المضلة بالكتاب والسنة، وبيان دلالتهما على ما يخالف الأهواء كلها"[151].

    وقال أيضاً: "ومن أنواع النصح لله تعالى وكتابه ورسوله... رد الأقوال الضعيفة من زلات العلماء، وبيان دلالة الكتاب والسنة على ردها"[152].

    وقال ابن القيم: "لابد من... النصيحة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - وكتابه ودينه وتنزيهه عن الأقوال الباطلة المناقضة لما بعث الله به رسوله من الهدى والبيان"[153].

    ولا معنى للنصيحة لله ورسوله، إلا إنكار كل قول باطل مخالف لنصوص الشرع.

    وقال ابن السبكي: فإن ضعف – أي الخلاف – ونأى عن مأخذ الشرع كان معدوداً من الهفوات والسقطات، لا من الخلافات المجتهدات"[154].

    وعلى هذا فإن كل قول ضعف مستنده، وبَعُد عن مقاصد الشرع وقواعده ينكر القول به، ومن دلائل ذلك الآتي:

    1_ ما استدل به الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في كتابه القواعد المثلى على أن القول المخالف للشرع يرد[155]، وهو قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - : (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)[156].

    ووجه الدلالة: أن القول المخالف لنصوص الكتاب والسنة، ليس من الشرع، فوجب رده وعدم العمل به، وهذا معنى إنكاره.

    2_ إن العلماء عدوا من شروط الاعتداد بالخلاف ألا يخالف نصاً جلياً أو إجماعاً شرعياً[157]، وفي اشتراط ذلك دلالة قوية ظاهرة على أنه ينكر على القائل قولـه إذا خالف نصوص الشرع، إذ لا معنى لعدم الاعتداد بها، إلا إنكار كونها من الشرع فثبت المقصود. كما أنهم عدوا من شروط الاعتداد بالخلاف أنه يقوى مدرك الخلاف، فإن ضعف فلا يعتد به[158]، وفي اشتراط ذلك دلالة على أنه ينكر على القائل قولـه إذا كان مستنده ضعيفاً.

    وعلى هذا فالفرق ظاهر بين اختلاف التنوع، وهذا القسم من حيث إن الإنكار واقع على القول المخالف لنصوص الشرع أو ضعف مدركه، وهذا بخلاف اختلاف التنوع فلا إنكار فيه على أي نوع من أنواعه.

    ب – إذا كان القول لـه حظ من الاستدلال الصحيح، وإن كان مرجوحاً فهذا الذي قالوا لا ينكر عليه إذا علم أنه فعله عن اجتهاد أو عن تقليد لمجتهد، وهذا معنى قولهم: "الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد"[159].

    قال النووي: وكذلك قالوا ليس للمفتي ولا القاضي أن يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نصاً أو إجماعاً أو قياساً"[160].

    وقال ابن القيم: "وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع، وللاجتهاد فيها مساغ، لم تنكر على من عمل بها مجتهداً أو مقلداً"[161].

    ويمكن القول في وجه ذلك: إن الإنكار نقض للاجتهاد، والاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد، فلا يصح الإنكار.

    أما إذا كان فعله جهلاً فيبيّن لـه الحق وينكر عليه.

    وعلى هذا فإن هذا القسم يشتبه باختلاف التنوع من حيث عدم الإنكار، إلا أن المانع فيهما مختلف، فالمانع من الإنكار في اختلاف التنوع أن كل الأراء مشروع، أما المانع من الإنكار في هذا القسم، فهو كون المسألة اجتهادية، والمختلفين بين مجتهد مصيب، ومجتهد مخطئ معذور في خطئه.

    فائدة معرفة الفروق:

    إن لمعرفة الفروق بين الاختلافين فوائد أهمها:

    1 – تضييق دائرة العداوة والخلاف بين المسلمين، وذلك أن غفلة بعض الناظرين عن حقيقة كل من الاختلافين، أدى إلى اعتقاد بعضهم التضاد بين أنواع اختلاف التنوع، فنشأ عن ذلك أمران:

    أ_ إيقاع القتال بين المسلمين وسفك الدماء والعداوة والبغضاء كما أشار ابن تيمية عند كلامه عن اختلاف التنوع إلى هذا في قولـه: "ثم نجد لكثير من الأمة في ذلك من الاختلاف؛ ما أوجب اقتتال طوائف منهم على شفع الإقامة وإيتارها، ونحو ذلك. وهذا عين المحرم"[162].

    وقد عد ابن تيمية أكثر الاختلاف الذي آل إلى سفك الدماء، واستباحة الأموال، والعداوة والبغضاء من اختلاف التنوع[163].

    ب_ إنكار أمر مشروع من الدين كما أشار ابن تيمية إلى هذا في قولـه: "فإذا سمع الإقامة الأخرى نفر عنها وأنكرها، ويصير كأنه سمع أذاناً ليس أذان المسلمين"[164].

    2 – أنه لا يصح قياس أحد الاختلافين على الآخر، كما ذكر بعضهم في استدلال المخالف على أن كل مجتهد مصيب في الأقوال المتضادة قياساً على جواز القراءات[165]، وجواز الإفطار والصوم في السفر[166]، وجواز الوتر في أول الليل وآخره[167].

    ومعلوم أن هذه المسائل المذكورة من أفراد اختلاف التنوع، فلا يصح القياس عليها، والمانع لهذا القياس الفروق المذكورة.
    _______________________
    [1] معجم مقاييس اللغة مادة "نوع" (5/37)، وينظر: القاموس المحيط ص993، لسان العرب (8/364).
    [2] ينظر: التعريفات ص316، ضوابط المعرفة ص40.
    [3] ينظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/132، 137)، مجموع الفتاوى (6/63)، تلبيس الجهمية (2/338)، العقيدة الطحاوية (2/778).
    [4] ينظر: الاختلاف وما آل إليه لمحمد بن عمر بن سالم بازمول ص19.
    [5] ينظر: فقه الخلاف بين المسلمين، ياسر حسين برهامي ص15.
    [6] اقتضاء الصراط المستقيم (1/132).
    [7] المثال مثل به ابن تيمية في مجموع الفتاوى (24/243).
    [8] رواه البخاري: 5/2331، كتاب الصلاة، باب الدعاء في الصلاة، حديث: 5967، ومسلم:
    4/2078، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، حديث: 2705.
    [9] مجموع الفتاوى (24/243).
    [10] رواه مسلم: 1/249، كتاب الطهارة، باب جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له...، حديث: 307.
    [11] ينظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/132)، ومجموع الفتاوى (24/242).
    [12] اقتضاء الصراط المستقيم (1/133).
    [13] ينظر: مجموع الفتاوى (13/333) والآية (110) من سورة الإسراء
    [14] اقتضاء الصراط المستقيم (1/133).
    [15] الآية (45) من سورة يوسف.
    [16] ينظر: تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص40.
    [17] الآية (19) من سورة سبأ
    [18] ينظر: تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص41.
    [19] ينظر: مجموع الفتاوى (13/337).
    [20] اقتضاء الصراط المستقيم.
    [21] ينظر: شرح العقيدة الطحاوية (2/778، 779). وابن أبي العز: هو علي بن علي بن محمد بن أبي العز، الحنفي الدمشقي. ولد سنة 731هـ. وتوفي سنة 792هـ. كان قاضي القضاة بدمشق، ثم بالديار المصرية، ثم بدمشق. له مؤلفات منها: "التنبيه على مشكلات الهداية"، "النور اللامع فيما يعمل به في الجامع". ينظر: الدرر الكامنة 3/87، شذرات الذهب 6/326، هداية العارفين 1/726.
    [22] ينظر: مجموع الفتاوى (19/139).
    [23] ينظر: الموافقات (4/216). والشاطبي هو:أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد الشاطبي: فقيه مالكي، مفسر أصولي، توفي سنة790هـ.من مؤلفاته: "الاعتصام"، و " شرح الخلاصة" في النحو، و"الموافقات في أصول الشريعة". ينظر:( نيل الابتهاج ص46، الفكر السامي2/248، الفتح المبين 2/212).
    [24] ينظر: اللسان مادة "ضدد" (3/263)، والمصباح المنير ص186.
    [25] ينظر: آداب البحث والمناظرة ص26، ضوابط المعرفة ص58.
    [26] ينظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/134).
    [27] ينظر: شرح العقيدة الطحاوية (2/778، 779).
    [28] ينظر: فقه الخلاف بين المسلمين د. ياسر حسين برهامي ص25.
    [29] الموافقات (4/216).
    [30] ينظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/132، 137)، مجموع الفتاوى (6/63)، تلبيس الجهمية(2/338)، العقيدة الطحاوية (2/778)..
    [31] البرهان (2/862)، وينظر أيضاً: التلخيص (2/344)، المنخول ص562.
    [32] مجموع الفتاوى (24/243).
    [33] اقتضاء الصراط المستقيم (134).
    [34] اقتضاء الصراط المستقيم (139)، وينظر: القواطع (5/13).
    [35] مجموع الفتاوى (13/336).
    [36] وابن فورك هو: أبوبكر محمد بن الحسن بن فورك الأصبهاني، فقيه أصولي متكلم نحوي، توفي سنة 406هـ. من مؤلفاته: "شحر أوائل الأدلة" و"طبقات المتكلمين" و"دقائق الأسرار". ينظر: تبيين كذب المفتري ص232، سير أعلام النبلااء 17/214، طبقات الشافعية للإسنوي2/266، تاج التراجم ص213، هدية العارفين 2/60).
    [37] نقل كلامه الزركشي في البحر المحيط (6/269) والآية (24) من سورة التكوير.
    [38] ينظر: المستصفى (2/409)، الإحكام للآمدي (4/283)، شرح المعالم (2/443)، نهاية الوصول
    (9/3846)، البحر المحيط (6/255).
    [39] ينظر: الإحكام لابن حزم (5/69)، العدة (5/1573)، التمهيد (4/335).
    [40] ينظر: البحر المحيط (6/257).
    [41] المصدر نفسه.
    [42] الإحكام لابن حزم (5/69).
    [43] ينظر: العدة (5/1573). وأبو يعلى هو: محمد بن الحسين بن محمد بن خلف الفراء أبو يعلى، المعروف بالقاضي الكبير، ولد سنة 380هـ، فقيهاً، أصولياً، توفي سنة 458هـ. من مؤلفاته: "الكفاية" في أصول الفقه، و"الأحكام السلطانية"، "العدة". ينظر: تاريخ بغداد (34/256، طبقات الحنابلة 3/193، سير أعلام النبلاء 18/89-92، البداية والنهاية 12/94).
    [44] ينظر: التمهيد (4/335).
    [45] ينظر: البحر المحيط (6/257).
    [46] اقتضاء الصراط المستقيم (1/134).
    [47] ينظر: شرح العمد (2/246)، المعتمد (2/398)، العدة (5/1540)، شرح اللمع (2/1034)، التبصرة ص496، المنخول ص556، التمهيد (4/307)، الوصول إلى علم الأصول
    (2/337)، ميزان الأصول ص755، روضة الناظر (3/957)، شرح مختصر الروضة (3/602)، المسودة ص495، الإبهاج (3/257)، شرح الكوكب المنير (4/488).
    [48] ينظر نسبة الرأي إليه في: شرح العمد (2/240)، التبصرة ص496، التلخيص (2/344)، المستصفى (2/401)، ميزان الأصول ص755، الإبهاج (3/257)، البحر المحيط (6/236). والعنبري هو: عبيدالله بن الحسين بن الحصين العنبري: قاضي البصرة، فقيه محدث، توفي سنة 168هـ. ينظر: التاريخ الكبير (5/376، أخبارا لقضاة 2/88، الجرح والتعديل 5/312، الثقات 7/143، البداية والنهاية 10/151).
    [49] ينظر نسبة الرأي إليه في: الإبهاج (3/257)، ، ونسبه إليه الزركشي ثم نفاه عنه في البحر المحيط
    (6/236). والجاحظ هو: أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ البصري، متكلم، معتزلي، مات سنة 255هـ. من مؤلفاته: "كتاب الحيوان" و"البيان والتبين". ينظر: ( تاريخ بغداد 12/212، سير أعلام النبلاء 11/526، البداية والنهاية 11/19)
    [50] مجموع الفتاوى (19/138).
    [51] ينظر: المحصول (6/26)، مجموع الفتاوى (13/125).
    [52] ينظر: تهذيب التهذيب (7/8).
    [53] ينظر: المستصفى (2/359)، روضة الناظر (3/979)، التقرير والتحبير (3/304)، تيسير التحرير
    (4/198).
    [54] ينظر: البحر المحيط (6/236).
    [55] ينظر: التلخيص (2/344)، المحصول (6/33)، الإبهاج (3/257).
    [56] ينظر: التلخيص (2/344)، التمهيد (4/308)، ميزان الأصول (ص755، وص758)، الإبهاج
    (3/257)، شرح الكوكب المنير (4/488).
    [57] ينظر: نقل ذلك عن أبي حنيفة في ميزان الأصول ص753، والتقرير والتحبير (3/306)، ونقل ذلك عن مالك في إحكام الفصول (2/714)، ونقل ذلك عن الشافعي في الفقيه والتفقه (2/114)، شرح اللمع (2/1048)، البرهان (2/861)، قواطع الأدلة (5/16)، ونقل ذلك عن أحمد في العدة
    (5/1542)، التمهيد (4/310)، المسودة ص498)، شرح مختصر الروضة (2/604)، شرح الكوكب المنير (4/489).
    [58] ينظر: الإحكام لابن حزم (5/69).
    [59] ينظر: العدة (5/1541).
    [60] ينظر: قواطع الأدلة (5/11).
    [61] ينظر: التمهيد (4/310).
    [62] ينظر: روضة الناظر (3/975). وابن قدامة هو: أبو محمد عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، فقيه حنبلي، محدث اصولي، ولد سنة 541هـ وتوفي سنة 620هـ بالشام. من مؤلفاته: "المغني" و"الكافي" و"المقنع" و"العمدة" في الفقه، و"روضة الناظر وجنة المناظر". ينظر: (معجم البلدان 2/160، التقييد ص330، سير أعلام النبلاء 22/165، ذيل طبقات الحنابلة
    2/133).
    [63] ينظر: الفتاوى (19/144).
    [64] ينظر: البحر المحيط (6/241).
    [65] ينظر: شرح الكوكب المنير (4/489).
    [66] ينظر: إرشاد الفحول (2/335).
    [67] ينظر: شرح العمد (2/238)، إحكام الفصول (2/713)، الفقيه والمتفقه (2/114)، التبصرة ص498، التمهيد (4/313).
    [68] ينظر: إحكام الفصول (2/713)، والفقيه والمتفقه (2/118).
    [69] ينظر: الفقيه والمتفقه (2/114)، شرح اللمع (2/1048)، البرهان (2/861)، المنخول ص561.
    [70] ينظر: في نفيه عن أبي حنيفة ميزان الأصول ص753، وفي نفيه عن مالك إحكام الفصول (2/713) وفي نفيه عن الشافعي الفقيه والمتفقه (2/114)، التلخيص (2/340)، قواطع الأدلة (5/19)، وعزى إلى الأئمة الأربعة ابن الحاجب في مختصره التخطئة والتصويب وصحح ابن السبكي في شرحه قولهم بالتخطئة ينظر رفع الحاجب على مختصر ابن الحاجب (4/546).
    [71] ينظر: شرح العمد (2/238)، المعتمد (2/370)، العدة (5/1549)، التبصرة ص498، التلخيص (2/340)، التمهيد (4/313)، ميزان الأصول ص754، المحصول (6/34)، البحر المحيط (6/246).
    [72] ينظر: العدة (5/1549)، التبصرة ص498، ميزان الأصول ص754.
    [73] نقل ذلك الزركشي في البحر المحيط عن أبي حنيفة (6/250)، وعن المزني (6/247)، وعن القاضي حسين وعبادته" والمختار إن كل مجتهد مصيب إلا أن أحدهم يصيب الحق عند الله والباقون يصيبون الحق عند أنفسهم" (6/251)، وعزى الشوكاني إلى جماعة ذكر منهم أبو يوسف إرشاد الفحول
    (2/334).
    [74] ينظر: البحر المحيط (6/247، 250).
    [75] ينظر: شرح العمد (2/240)، الإحكام لابن حزم (5/69)، التلخيص (2/344، 345)، البرهان(2/862)، المنخول ص562، المستصفى (2/415)، التمهيد (4/327)، ميزان الأصول ص758، روضة الناظر (3/990).
    [76] ينظر: البرهان (2/861)، منهاج السنة (5/86)، الفتاوى (19/144)، البحر المحيط (6/248).
    [77] ينظر: البرهان (2/862).
    [78] رواه مسلم: 3/1342، كتاب الأقضية، باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، حديث: 1716.
    [79] ينظر: الإحكام لابن حزم (5/69)، الفقيه والمتفقه (2/118)، شرح اللمع (2/1051)، إرشاد الفحول (2/335).
    [80] الموافقات (5/214).
    [81] المصدر نفسه (5/217).
    [82] المصدر السابق (5/211).
    [83] اقتضاء الصراط المستقيم (1/132 و133).
    [84] مجموع الفتاوى (24/242).
    [85] الموافقات (5/214، 215).
    [86] البحر المحيط (6/269) وقال أيضاً في البرهان في القراءات "فإنها كلها صحّت عن رسول الله e وهذه القراءات السبع اختيارات أولئك القراء" (1/227).
    [87] المحرر الوجيز (1/22)، وقال الزهري أيضاً: "إنما هذه الأحرف في الأمر الواحد، وليست تختلف في حلال ولا حرام" البرهان في علوم القرآن للزركشي (1/221).
    [88] الإحكام لابن حزم (5/69).
    [89] العدة (5/1573).
    [90] ينظر: التلخيص (3/344)، البرهان (2/862)، المنخول ص562.
    [91] مجموع الفتاوى (24/243).
    [92] المصدر نفسه
    [93] ينظر: مجموع الفتاوى (24/245).
    [94] ينظر: المصدر نفسه (24/243).
    [95] ينظر: المصدر نفسه
    [96] الموافقات (4/220).
    [97] مشكل القرآن لابن قتيبة ص40. وابن قتيبة هو: أبو محمد عبدالله مسلم بن قتيبة الدينوري المروزي، محدث حافظ فقيه، توفي سنة 276هـ بالكوفة، من مؤلفاته: "غريب القرآن"، و"غريب الحديث"، و"المعارف"، و"مشكل الحديث". ينظر: (تاريخ بغداد 10/168، المنتظم 12/276، ميزان الاعتدال (3/217)، سير أعلام النبلاء(13/296).
    [98] ينظر قولـه في: البرهان للزركشي 02/53)، والإتقان للسيوطي (2/64).
    [99] الفصول في الأصول (2/401)،.
    [100] قال ابن تيمية: "فإن كل تنوع تقع في الوجوب فإنه يقع مثله في المستحب" الفتاوى (19/119) وقد ذكر ابن تيمية الوجوب والاستحباب وسكت عن الأحكام الأخرى فدل على المراد.
    [101] اقتضاء الصراط المستقيم (1/135).
    [102] الإنصاف للدهلوي (ص108). والدهلوي هو: ولي الله بن عبدالرحيم العمري الدهلوي. محدث، مفسر، فقيه أصولي، ولد بالهند سنة 1114هـ، وتوفي في دلهي سنة 1176هـ. من مؤلفاته: "الإرشاد إلى مهمات الإسناد"، "وعقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد". ينظر: ( فهرس الفهارس 2/437، هداية العارفين 2/500، معجم المؤلفين 13/169).
    [103] رواه البخاري: 2/849، كتاب الخصومات، باب ما يذكر في الإشخاص والملازمة والخصومة بين المسلم واليهودي، حديث: 2279.
    [104] رواه أحمد: 4/205، حديث: 17855. قال ابن حجر في "فتح الباري" 9/26: إسناده حسن.
    [105] مجموع الفتاوى (16/138).
    [106] مجموع الفتاوى (16/139) وينظر: إعلام الموقعين (2/190).
    [107] رواه مسلم: 3/1342، كتاب الأقضية، باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، حديث: 1716.
    [108] رواه البخاري: 2/723، كتاب البيوع، باب الحلال بين والحرام بين وبينهما مشبهات، حديث: 1947، ومسلم: 3/1219، كتاب البيوع، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، حديث: 1599.
    [109] ينظر: الأحكام لابن حزم (5/81).
    [110] رواه البخاري: 5/2310، كتاب الاستئذان، باب كيف يكتب الكتاب إلى أهل الكتاب، حديث: 5907، ومسلم:3/1389، كتاب الجهاد والسير، باب جواز قتال من نقض العهد، حديث: 1768.
    [111] مجموع الفتاوى (33/41).
    [112] ينظر: الغنية ص203، شرح العمد (2/240)، المعتمد (2/395)، الأحكام لابن حزم (5/69)، التلخيص (2/344، 345)، البرهان (2/862)، المنخول ص562، المستصفى (2/415)، التمهيد
    (4/327)، ميزان الأصول ص758، روضة الناظر (3/990).
    [113] التمهيد (4/335).
    [114] ينظر: المعتمد (2/310)، والتمهيد (4/357)، الإحكام للآمدي (4/200-202)، ومختصر ابن الحاجب مع شرح العضد (2/299)، وتيسير التحرير (2/232)، فواتح الرحموت (2/394).
    [115] جامع بيان العلم وفضله (2/92). وابن عبدالبر هو: أبو عمر يوسف بن عبدالله بن محمد بن عبدالبر الأندلسي القرطبي، فقيه مالكي، محدث حافظ أصولي، ولد سنة 368هـ، وتوفي سنة 463هـ. من مؤلفاته: "الاستيعاب في أسماء الصحابة" و"الاستذكار" و"الكافي في الفقه المالكي". ينظر: (الصلة 2/677، تذكرة الحفاظ 3/1128، سير أعلام النبلاء 18/153، الديباج المذهب
    2/367).
    [116] نقله الشاطبي في الموافقات (4/172)، ولم أقف عليه في كتب ابن حزم.
    [117] ينظر: العدة (5/1601)، المستصفى (2/391)، روضة الناظر (3/1002)، الموافقات (4/132، 133، 143، 262).
    [118] ينظر: روضة الناظر (3/1008)، مجموع الفتاوى (20/204).
    [119] ينظر: التمهيد (4/394)، روضة الناظر (3/1008)، الموافقات (4/133).
    [120] الموافقات (4/220).
    [121] شرح صحيح مسلم للنووي (4/88).
    [122] شرح صحيح مسلم للنووي (8/301).
    [123] المصدر نفسه (8/328، 329).
    [124] ينظر: البرهان في علوم القرآن (1/322).
    [125] ينظر: المستصفى (2/390)، المحصول (6/27)، الإحكام للآمدي (4/364)، شرح المعالم(2/438)، نهاية الوصول (9/3787).
    [126] ينظر: إعلام الموقعين (3/300).
    [127] ينظر: مجموع شرح المهذب (16/249).
    [128] ينظر: مجموع الفتاوى (33/39).
    [129] تحفة الأحوذي (4/224). والمباركفوري: عبد الرحمن المباركفوري. عالم مشارك في أنواع من العلوم، ولد في بلدة "مباركفور"، ونشأ بها، قرأ العلوم العربية والمنطق والفلسفة والفقه وأصوله على علماء كثيرين. توفي سنة 1353هـ. من مؤلفاته: "تحفة الأحوذي في شرح سنن الترمذي". ينظر: معجم المؤلفين 5/166.
    [130] رواه النسائي في "السنن الكبرى": 3/325، كتاب النكاح، باب نكاح المحلل والمحلل لـه وما فيه من التغليظ، حديث: 5536، والترمذي: 3/428، كتاب النكاح، باب ما جاء في المحل والمحلل لـه، حديث: 1120. وقال: هذا حديث حسن صحيح.
    وللحديث طرق عديدة، وشواهد كثيرة، من حديث علي وحديث جابر وحديث عقبة بن عامر وحديث أبي هريرة وحديث ابن عباس. وينظر في هذا: سنن الترمذي في الموضع السابق، ونصب الراية 3/238، وتفسير ابن كثير 1/280، والدر المنثور 1/680. وقد قال ابن حجر في "تلخيص الحبير"
    3/170: وصححه ابن القطان وابن دقيق العيد على شرط البخاري" ثم ذكر طرقه وشواهده.
    [131] فتح الباري (2/219-220).
    [132] ينظر: المصدر نفسه (2/220).
    [133] رواه البخاري: 1/258، كتاب الصلاة، باب رفع اليدين إذا كبر، وإذا ركع، وإذا رفع، حديث: 703، ومسلم: 1/292، كتاب الصلاة، باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين، حديث: 390.
    [134] ينظر: الرسالة ص560، الموافقات (4/172، 177)، الأشباه والنظائر للسيوطي (1/236)، المواهب السنية (1/176)
    [135] ينظر: الفقيه والمتفقه (1/206)، جامع بيان العلم وفضله (2/55)، إعلام الموقعين (2/279).
    [136] الموافقات (4/172).
    [137] المصدر نفسه.
    [138] إغاثة اللهفان (1/170).
    [139] الرسالة ص560، الموافقات (1/172، 177)، الأشباه والنظائر للسيوطي (1/236)، المواهب السنية (1/176).
    [140] ينظر: الموافقات (4/172).
    [141] ينظر: المستصفى (2/391)، المحصول (6/27)، الإحكام للآمدي (4/164)، شرح المعالم(2/438)، نهاية الوصول (9/3787).
    [142] ينظر: الخلاف في المسألة في شرح اللمع (2/726)، القواطع (3/352)، الإحكام للآمدي(1/275)، شرح مختصر الروضة (3/95)، نهاية السول (3/286).
    [143] ينظر الخلاف في المسألة: الإحكام للباجي (1/498)، شرح اللمع (2/726)، القواطع (3/352)، الإحكام للآمدي (1/275)، شرح مختصر الروضة (3/95)، الإبهاج (2/375).
    [144] مجموع الفتاوى (24/251).
    [145] المصدر نفسه.
    [146] البرهان في علوم القرآن (1/341).
    [147] اقتضاء الصراط المستقيم (1/133).
    [148] المصدر نفسه (1/135).
    [149] ينظر: إعلام الموقعين (3/300)، الأحكام السلطانية للماوردي ص406، 407، الأحكام السلطانية لأبو يعلى ص297، والقواعد المثلى للشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – ص85.
    [150] ينظر: إعلام الموقعين (3/300).
    [151] جامع العلوم والحكم ص70. وابن رحب هو: عبدالرحمن أحمد بن رجب السالمي البغدادي الحنبلي، ولد سنة 736هـ, وتوفي 795هـ. من مؤلفاته: "لطائف المعارف", "أهل القبور". ينظر: (الدرر الكامنة 2/428, كشف الظنون 2/1554، معجم المؤلفين 2/74).
    [152] المصدر نفسه.
    [153] إعلام الموقعين (3/300).
    [154] الاشباه والنظائر (1/112).
    [155] ص58.
    [156] رواه البخاري: 2/959، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، حديث: 2550، ومسلم: 3/1343، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، حديث: 1718.
    [157] ينظر: الرسالة ص560، الموافقات (4/172، 177)، الأشباه والنظائر للسيوطي (1/236)، المواهب السنية (1/176
    [158] ينظر: الموافقات (4/271)، الأشباه والنظائر للسبكي (1/112).
    [159] ينظر: القواعد للزركشي (1/26)، والأشباه والنظائر للسيوطي (1/225).
    [160] شرح صحيح مسلم (2/42).
    [161] إعلام الموقعين (3/300).
    [162] اقتضاء الصراط المستقيم (1/133).
    [163] ينظر: المرجع السابق (1/139).
    [164] مجموع الفتاوى (24/250).
    [165] ينظر: الإحكام لابن حزم (5/69)، العدة (5/1573)، التمهيد (4/335).
    [166] ينظر: البحر المحيط (6/257).
    [167] المصدر نفسه.


    ولا تنسوا من نقله لكم بدعوة صالحة بظهر الغيب ليقول لك الملك ولك بمثله

  • #2
    رد: الفرق بين اختلاف التنوع واختلاف التضاد

    رائع نافع نافع هام جدا جدا
    بارك الله فيكم

    تعليق


    • #3
      رد: الفرق بين اختلاف التنوع واختلاف التضاد

      لا تنسوا والدتي من دعوة صالحة بظهر الغيب فقد
      توفيت في
      27 من صفر 1443 \ 9 من يناير 2013 بمستشفى جامعة المنصورة
      نسأل الله أن يرحم الوالدة الكريمة وأن يغسلها بالماء والثلج والبرد وان يبدلها دارا خيرا من دارها وأهلا خيرا من اهلها وان يوسع مدخلها ويتجاوز عنها في الصالحين ... آمين

      تعليق

      يعمل...
      X