إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مـــــــع اللـــــــــه-أسماء الله الحسنى ...للدكتور محمد راتب النابلسي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    رد: مـــــــع اللـــــــــه-أسماء الله الحسنى ...للدكتور محمد راتب النابلسي

    اسم الله الشاكر 2
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
    من أسماء الله الحسنى: ( الشاكر ):معان دقيقة مستنبطة من آيات وأحاديث تتعلق باسم ( الشاكر ):أيها الإخوة الكرام، لازلنا في اسم ( الشاكر )، وهناك معان دقيقة تتصل بهذا الاسم يمكن أن نستشفها من بعض الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة الصحيحة.
    1 – ذكرُ اللهِ للعبدِ إذا ذكره:ففي قوله تعالى:﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ (152) ﴾( سورة البقرة )لأن الله سبحانه وتعالى هو الشاكر، إن ذكرته ذكرك، لكن ذكر الله لك غير ذكرك له، ذكر الله لك أكبر من ذكرك له، إنك إن ذكرته أديت واجب العبودية.
    2 – ذكرُ العبدِ لربه سبب الأمن والطمأنينة:لكنه إن ذكرك منحك نعمة الأمن، قال تعالى:﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) ﴾( سورة الأنعام )




    لا يتمتع بنعمة الأمن الحقيقي إلا المؤمن، أما غير المؤمن فـ:


    ﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ ﴾( سورة آل عمران الراية: 151 )يمتلأ قلب المشرك خوفاً وفرقاً، بينما قلب المؤمن يمتلأ أمناً وطمأنينة، وفي قلب المؤمن من الأمن ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم، إنها نعمة يختص بها المؤمنون، إن ذكرته ذكرك، لكن ذكرك له أداء واجب العبودية، بينما ذكره لك أكبر بكثير من ذكرك له.
    3 – ذكرُ العبدِ لربه سبب للرضى:إن ذكرك منحك نعمة الرضى.
    قد يملك الإنسان ملايين مملينة، ومع ذلك هو ساخط، بينما المؤمن راض عن الله عز وجل.
    ﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ (22) ﴾( سورة المجادلة )منحك نعمة الحكمة:﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا (269) ﴾( سورة البقرة)منحك نعمة الطمأنينة، هذه النعم هي من ذكر الله لك.4 – ذكرُ الله أكبر من كل شيء:لذلك قال تعالى:﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء َالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾( سورة العنكبوت الآية: 45 )ذكر الله لك في الصلاة أكبر من ذكرك له، لأن الله عز وجل من أسمائه الحسنى أنه الشاكر، إن ذكرته ذكرك.
    5 – الله رفع ذكر النبي، ولكل مؤمن من هذا الرفع نصيبٌ:بل قال تعالى:﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) ﴾( سورة الشرح )




    ما من إنسان على وجه الأرض رفع الله ذكره كرسول الله، ولكل مؤمن من هذه الآية نصيب، بقدر استقامته وإخلاصه يرفع الله للمؤمن ذكره، ويعلي قدره، ويلقي في قلوب الخلق محبته.


    ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) ﴾( سورة الشرح )
    6 – تقرّب المؤمن بذكره لربَّه سبب لتقرّب الله منه:لمجرد أن تقترب من الله خطوة تجد أن الله عز وجل اقترب منك، لأنه الشاكر يقترب منك، مع بعض التفصيل في الأحاديث الصحيح:(( فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ))[ متفق عليه ]




    قد تلقي كلمة في مجتمع معين، في مجموعة إخوة كرام، في عقد قران، في سهرة، في لقاء، تتحدث عن الله عز وجل وتغفل نفسك، وتغفل بطولاتك، وتتحدث عن ربك.


    (( وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ ))[ متفق عليه ]




    هناك مستوى أرقى ؛ تذكر بخير، لك سمعة طيبة، لك ذكر عطر، هذا من فضل الله عز وجل عليك، ومن تحقيق اسم ( الشاكر ).


    (( وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ))[ متفق عليه ]



    لمجرد أن تتحرك نحو الله بصلح، بتوبة، بإنابة، بذكر، بصدقة بتلاوة قرآن، بفعل طيب مع مخلوق ما، لمجرد أن تتقرب إلى الله شبراً يتقرب الله إليك ذراعاً، ينتظر مبادرة منك، ينتظر حركة منك، ينتظر التفافة منك، ينتظر إقبالاً منك، وهذا الشيء واضح جداً، لمجرد أن تتحرك نحو الله بعمل صالح، بصيام نفل، بصلاة نافلة، بغض بصر، بضبط لسان، بخدمة إنسان، بإطعام جائع بهداية ضال يتقرب الله منك.


    (( وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ))[ متفق عليه ]فَلَيتَكَ تَحلو وَ الحَياةُ مَريـرَةٌ وَلَيتَكَ تَرضى وَالأَنامُ غِضابُ
    وَلَيتَ الَّذي بَيني وَبَينَكَ عامِرٌ وَبَيني وَبَينَ العـالَمينَ خَرابُ
    ***
    ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ (152) ﴾( سورة البقرة )(( فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ))[ متفق عليه ]هذا ضمن اسم الله ( الشاكر ).
    7 – من شكر الله للعبد إلهام الأبناء برَّهم للآباء:
    من معاني هذا الاسم أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: بروا آبائكم تبركم أبنائكم.
    يشكر الله لك برك لأبيك بأن يلهم أولادك في المستقبل أن يكونوا بك بررة، وهذا عطاء في الدنيا قبل الآخرة.
    ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) ﴾( سورة الرحمن)فالذي يبر أباه يهيئ الله له أولاداً بررة يطيعونه، يعظمونه، يحترمونه، وهم في خدمته كظله.
    8 – عفة الزوج سبب لعفة الزوجة:وعفو تعف نسائكم والذي يتعفف عن الحرام يكافئه الله بزوجة عفيفة، كما أنه عف عن الحرام فهي تعف عن الحرام، لأن الله عز وجل هو ( الشاكر )، يشكر لك برك لأبيك بأن يزيدك من فضله عن طريق أولاد بررة هم في خدمتك، ويشكر لك عفتك عن الحرام بأن يجعل زوجتك عفيفة مثلك عن الحرام، وعفو تعف نسائكم.
    9 – من شكر في صلة الرحم زيادة في العمر وسعة في الرزق:ومن اسم الله ( الشاكر ) أنه إذا وصلت رحمك زاد في عمرك ونفى عنك الفقر، لأن الضمان الاجتماعي في الإسلام أساسه النسب والجوار،و الأحاديث التي توصي بالجار كثيرة جداً، والأحاديث التي توصي بصلة الرحم كثيرة جداً.معنى صلة الرحم:ما معنى صلة الرحم ؟ أقرباءك مَن لهم غيرك ؟ الآخرون أنت لهم، وغيرك لهم، أما أقرباءكم فمَن لهم غيرك ؟ لا تعني صلة الرحم أن تطل عليهم في كل عيد دقائق معدودة، ومعك بطاقة، وتتمنى أن لا تراهم في البيت لكي توفر الوقت، ليست هذه صلة الرحم.
    صلة الرحم أن تتصل بهم، وأن تزورهم، وأن تجلس معهم، وأن تتفقد أحوالهم، وأن تمد لهم يد المساعدة، وأن تأخذ بيده إلى الله عز وجل، هذه صلة الرحم التي أرادها الله عز وجل، تبدأ بالاتصال، ولعله باتصال هاتفي، ثم بزيارة، ثم بتفقد أحوال، ثم مساعدة مادية أو معنوية، ثم بأن تأخذ بيده إلى الله عز وجل، هذه صلة الرحم التي تزيد في العمر، وتزيد في الرزق.
    معنى زيادة العمر بصلة الرحم:معنى تزيد في العمر، للعلماء وقفة عند هذا المعنى:
    الحقيقة العمر لا يتقدم ولا يتأخر، لكن قيمة العمر بمضمونه، كإنسان فتح محلا تجاريا من الساعة التاسعة صباحا حتى التاسعة ليلا، وقت محدود، الفرق بين محلين، محل قيمة غلته ألف، ومحل غلته مليون، فزيادة العمر تعني مضمون العمر، قد يعني المضمون كثيف جداً.
    الإمام الشافعي عاش أقل من خمسين سنة، لكنه ترك خيرات لا يعلمها إلا الله، والإمام النووي عاش أقل من خمسين سنة، وهناك أناس عاشوا تسعين سنة، ولم يفعلوا شيئاً.
    فلذلك زيادة العمر في رأي بعض العلماء أن العمر قيمته بأعماله الصالحة، العمر الحقيقي عمر العمل الصالح، وأتفه أعمار الإنسان عمره الزمني، لكن أجلّ أعماره عمره في العمل الصالح، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام:
    عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
    (( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ))[ متفق عليه ]إن أردت أن ينسأ الله لك في أجلك، ويزيد في رزقك فصل رحمك، هذه من الطاعات التي حض عليها النبي عليه الصلاة والسلام، لأن الله عز وجل شاكر.
    لو تتبعنا أحوال الناس فإن الإنسان الذي يتفقد أهله، ويعين أهله، وينفق عليهم، أهله بالمعنى الواسع، أقرباءه من طرف أبيه، ومن طرف أمه، ومعنى الرحم واسع جدا، كل أقربائك من دون تفصيل، من جهة أبيك ومن جهة أمك، لأن الله عز وجل جعل صلة الرحم أحد أنواع الضمان الاجتماعي، لذلك قال العلماء: لا تقبل زكاة إنسان وفي أقربائه محاويج، والكلمة التي أقولها دائماً: هؤلاء أقربائك مَن لهم غيرك، الآخرون أنت لهم وغيرك لهم، أما أقربائك فمَن لهم غيرك ؟
    أحياناً إنسان له أخت متزوجة في طرف المدينة، ما عنده وقت لزيارتها، لكن لو أنه زارها ما الذي يحصل ؟ تنتعش أمام زوجها، أمام أولادها، لا تنام الليل مِن فرحها، لذلك هناك أناس يزورون أقرباءهم الأقوياء أو الأغنياء أو اللامعين في الحياة، أما أقربائهم المساكين فيهملونهم، ويزورونهم من عام إلى عام.
    أيها الإخوة الكرام، لو طبقنا صلة الرحم لكنا في حال غير هذا الحال، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام أشار إلى أنك إذا أعطيت أقرباءك من مالك، من مال زكاتك، فهذه الزكاة لها أجران عند الله، لك أجر الصدقة، ولك أجر الصلة، ألا تحب أن تنال ثواباً مضاعفاً ؟ تفقد في هذا المال الذي هو مال زكاتك، تفقد أهلك، بل إن بعض العلماء يؤكد أن الله سبحانه وتعالى لا يقبل زكاة من مسلم، وفيه أقربائه محاويج، والحقيقة في ظاهرة عجيبة عمله الصالح لكل الناس إلى أقربائه، هؤلاء أقرب الناس إليك، أنت بعملك الصالح مع هؤلاء تقربهم منك.
    والله حدثني أخ زاره قريبه في بيت تحت الأرض ضعيف الشمس، رطب، والزائر منعم، قال له: هذا المكان لا يليق بأولاده من أجل صحتهم، قال لي: زيارة واحدة نقلني إلى بيت في طابق ثالث باتجاه القبلة، قال: والله أنعشني، القصد من الزيارة أن تمد يد العون، الزيارة دائما أن تمد يد العون، من القوي إلى الضعيف، ومن الغني إلى الفقير، ومن العالم إلى الجاهل، والأقوى منك ليس بحاجة إليك، يجب أن تزوره طبعًا، وهو ليس بحاجة إليك، مَن هو في حاجة إليك ؟ الذي يكون أضعف منك، فإذا تراحم الناس يرحمهم الله
    جميعًا، أما إذا تدابروا، وتناكر الناس، ولم يعبأ أحد بأحد سخط الله علينا جميعًا.
    10 – مِن شكرِ الله العبدَ عند توقيره الكبير:
    أيها الإخوة في بعض الأحاديث، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
    (( مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ ))[ الترمذي ]وهذا من اسم الله ( الشاكر ).


    11 – من شكر الله العبدَ عند إحسانه إلى المخلوقات:لكن كما قلت البارحة: أيّ عمل صالح قدِّم لمخلوق كائنا من كان وكائناً ما كان، كائناً من كان للبشر العقلاء، وكائناً ما كان لغير البشر، لمخلوق، لقطة، لجرو صغير، أيّ عمل صالح قدِّم لأي مخلوق كائناً من كان، أو كائناً ما كان فلابد من أن يجازي الله عليه مقدِّمَه، مسلما كان أو كافرا، في الدنيا أو في الآخرة، ومستحيل أن تقدم شيئا صالحا دون أن تنال الجزاء، فإن كنت مؤمناً بالله وباليوم الآخر كان الجزاء في الدنيا والآخرة، وإن كان الإنسان بعيداً عن الله، مؤمنا بالدنيا، ولم يؤمن بالآخرة كان الجزاء في الدنيا.
    ما أحسن مسلم عمله أو كافر إلا وقع أجره على الله في الدنيا أو في الآخرة، والعمل الصالح لابد أن تنال جزاءه.
    12 – من شكر الله العبدَ عند إنفاقه من وقته في طاعة الله:
    الذي ينفق يوسّع الله عليه في ماله.
    والذي يدعم الضعفاء والمساكين يقوي الله عز وجل مكانته في المجتمع.
    والذي يبذل من وقته لخدمة الخلق يبارك الله في وقته، لذلك الله عز وجل أمرنا أن نؤدي زكاة أموالنا، ومن منا ينتبه إلى أن الوقت له زكاة، لمجرد أن تؤدي الصلوات في أوقاتها فقد اقتطعت من وقتك الثمين وقتاً لطاعة الله، فالمكافأة على ذلك أن الله يبارك لك في وقتك، فتفعل في الوقت القليل الشيء الكثير.
    أحيانا إذا ضن الإنسان بوقته الثمين أن يعبد الله فيه، أو أن يحضر مجلس علم يتلف الله له وقته، وقد يشعر الإنسان بعدم التوفيق، عنده قائمة أعمال، انتقل من مكان إلى مكان، أغلق المحل، يسافر من مكان إلى مكان فلا يتحقق له شيء، فأراد الله عز وجل له أن يضيع الوقت مع الشعور بالألم، وهو قادر أن يبارك لك في وقتك، لذلك الوقت له زكاة، إن أنفقت بعض الوقت في أداء العبادات، وطلب العلم، وطاعة الله يبارك الله لك في وقتك، وإن أديت شيئاً من وقتك في خدمة الخلق يبارك الله عز وجل لك في جهدك.
    حدثني أخ أنه دخل محل إنسان، في إحدى المحافظات الشمالية، قال: أنا أريد أن تعلمني صنع هذه الحلوى، قال: حباً وكرامة، صنع أمامه طبخة، وقال له: اكتب عندك التفاصيل، وكلفه أن يصنع أمامه طبخة ثانية، والإنسان من محل بعيد من أقصى القطر، أقسم لي بالله منذ ثلاثين عاماً ما مِن عام إلا ويأتي إليه بهدايا ثمينة، يقول له: أنت فضلك علي كبير.
    هذا الإنسان مؤمن، وحينما تبذل الله عز وجل يكرمك، لذلك:
    (( مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ ))[ الترمذي ]لأن الله عز وجل هو ( الشاكر )، وإن قدّمت لإنسان عادي معروفاً يتفنن في شكرك، ويبارك هذا العمل، يقول لك: خجلتنا، تفضلت علينا، وخالق الأكوان صاحب الأسماء الحسنى والصفات الفضلى أيعقل أن تقدم معروفاً في الدنيا أم في الآخرة ولا يشكرك عليه.
    13 – من شكر الله العبدَ عند إنفاقه من وقته في خدمة خلقه:أيها الإخوة الكرام، لو قدمت معروفا لكلب، دققوا في هذا الحديث، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(( بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَنَزَلَ بِئْرًا، فَشَرِبَ مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ، فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي، فَمَلَأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، ثُمَّ رَقِيَ، فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا ؟ قَالَ: فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ ))[ متفق عليه ]
    والله لعل الله يرحمنا بخدمة مخلوق ضعيف، بخدمة هرة مريضة، وهناك أشخاص يأخذون هذه الحيوانات المريضة إلى مستوصفات بيطرية يعالجونها، هناك أناس مغرمون بإطعام الحيوانات.
    لذلك أيها الاخوة، حينما تعرف الله تتفنن في خدمة مخلوقاته، والمؤمن إنسان عظيم، إنسان اصطلح مع الله، اصطلح مع خلقه جميعاً، المؤمن يبني حياته على العطاء يعيش ليعطي:




    (( قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا ؟ قَالَ: فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ ))أيّ عمل صالح موجّه لأيّ مخلوق، هناك أشخاص مغرمون بإطعام الطيور، يشترون الحب ويضعونه على سطح البيت، والطيور تأتي تباعاً وتأكل.
    فلذلك أيها الإخوة الكرام، يا من جئت الحياة فأعطيت و لم تأخذ، يا من قدست الوجود كله، ورعيت قضية الإنسان، يا من زكيت سيادة العقل، و نهنهت غريزة القطيع، يا من هيأك تفوقك لتكون واحداً فوق الجميع، فعشت واحداً بين الجميع، يا من كانت الرحمة مهجتك، والعدل شريعتك، والحب فطرتك، والسمو حرفتك، ومشكلات الناس عبادتك.
    14 – من شكر الله العبدَ عند إماطته الأذى عن الطريق:

    أيها الإخوة الكرام، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
    (( بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَذَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ ))[ متفق عليه ]




    أحيانا شاحنة كبيرة تقف لإصلاح بعض العجلات، وتضع حجرا كبيرا وراء العجلة، ثم تنطلق والحجر قد يسبب دمار أسرة بأكملها، وهناك إنسان يقف، ويزيح هذا الحجر، فيشكر الله لك.
    أيها الإخوة، الله عز وجل هو ( الشاكر )، ومن أسماءه أيضا هو ( الشكور ).






    التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 30-04-2017, 10:44 PM.
    من قال سبحان اللهِ وبحمدِه في يومٍ مائةَ مرةٍ، حُطَّتْ خطاياه ولو كانتْ مثلَ زبدِ البحرِ
    موسوعة الكلم الطيب

    سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر استغفرالله

    تعليق


    • #17
      رد: مـــــــع اللـــــــــه-أسماء الله الحسنى ...للدكتور محمد راتب النابلسي

      اسم الله الستير 1
      بسم الله الرحمن الرحيم
      الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.من أسماء الله الحسنى: ( الستِّير ):
      1 – ( الستّير ) وليس الستَّار: أيها الإخوة الأكارم، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، وهو اسم ( الستير )، وقد يدور على ألسنة الناس اسم الستار، واسم الستار لم يرد لا في الكتاب ولا في السنة أما الذي ورد اسم ( الستير )، فقد ورد هذا الاسم في السنة، ولم يرد في القرآن مقروناً باسم الحَيِيّ، والاسم الحقيقي في هذا الموضوع اسم ( الستير )، وليس الستار.
      2 – ورودُ اسم ( الستّير ) في السنة الصحيحة: هذا الاسم ورد مطلقاً مُنَوّناً، مراد به العلمية، دالاً على كمال الوصف.
      في الحديث الشريف الصحيح عَنْ يَعْلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَغْتَسِلُ بِالْبَرَازِ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ:
      (( إِنّ اللهَ عزّ وَجَلّ حَلِيمٌ حَيّ سِتّيرٌ، يُحِبّ الحَيَاءَ والسّتْرَ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمُ فَلْيَسْتتِرْ ))[ النسائي ] وفي سنن البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنه:(( إن الله ستير يحب الستر ))3
      – لابد أن يكون السترُ من صفات المؤمن:
      الله عز وجل يقول:﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾( سورة الأعراف الآية: 180 ) ولا بد من وقفة عند كلمة: ﴿ فَادْعُوهُ بِهَا ﴾، يعني تقربوا إلى الله بالتخلق بالكمالات الإلهية، ويمكن أن تتقرب إلى الرحيم بأن تكون رحيماً، ويمكن أن تتقرب إلى العدل بأن تكون منصفاً، ويمكن أن تتقرب إلى ( الستير ) بأن تكون ستّيراً.الإنسان بين طبع الفضائح وتكليف الستر: ولا بد من التنويه إلى أن طبع الإنسان يقتضي الفضيحة، يستمتع في أن يذكر فضائح الناس، وأن يكشف عوراتهم، وأن يتندر بسقوطهم، والله عز وجل يقول:﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾( سورة النور الآية: 19 ) الإنسان معه طبع، ومعه تكليف، الطبع يتناقض مع التكليف، طبعه يقتضي أن يبقى نائماً، مسترخياً، غارقاً في نوم لذيذ، والتكليف يقتضي أن يستيقظ ليصلي الفجر في جماعة.
      عَن جُنْدَب بْن عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
      (( مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ فَلَا يَطْلُبَنَّكُمْ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَيُدْرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ))[ مسلم ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا ))[ متفق عليه] إذاً: الطبع يقتضي أن أخوض في فضائح الناس، والتكليف يأمرني أن أستر، الستر يحتاج إلى إرادة، إلى قوة إرادة، معك قصة ممتعة جداً تسرّ الحاضرين، يتلهفون إليك، وتشرئب أعناقهم إليك، لكنك مؤمن، والمؤمن ستّير، فيسكت.
      فلذلك هذا الذي يمشي مع طبعه، نقول له:
      (( أَلَا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ، ثَلَاثًا، أَلَا إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ ))[ أحمد عن ابن عباس ] قضية سهلة جداً، يسترخي، أيّ شيء يعرفه تكلم به، لكن: عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ))[ رواه مسلم ] هناك إنسان وصل إلى شيء أذنه فينشره، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلمنا أن إنساناً يحدثك بحديث، ولم يقل لك: هذا الحديث أمانة، إطلاقاً، لكن سمع خطوة نعال وراءه فالتفت قلقاً، فالتفاتته القلقة تعني أن هذا الحديث بالأمانة، ما قال لك شيئاً، لكن رأيته قد أصابه قلق حينما سمع وقع خطوات وراءه، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(( إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ بِالْحَدِيثِ، ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ ))[ أبو داود والترمذي ] وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( الْمَجَالِسُ بِالْأَمَانَةِ... ))[ أبو داود وأحمد ] الطبع في الإنسان يقتضي أن تنشر فضائح الناس، لذلك أعظم ما عند المؤمنين أنهم مجتمع ستّير، وأحقر ما في مجتمع الكفر أنه مجتمع فضائحي، أساسه الفضائح، والآن الإعلام أساسه الفضائح.الفضائح إمّا مالية أو جنسية: بالمناسبة: لو تتبعت فضائح أهل الدنيا من آدم إلى يوم القيامة لا تزيد الفضائح على موضوعين، فضيحة مالية، وفضيحة جنسية، وأنت حينما تحصن نفسك في موضوع المال وفي موضوع الجنس تكون في حصن حصين، وفي حرز حريز.
      لذلك أيها الإخوة، الحديث الشريف:
      (( إِنّ اللهَ عزّ وَجَلّ حَلِيمٌ حَيّ سِتّيرٌ، يُحِبّ الحَيَاءَ والسّتْرَ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمُ فَلْيَسْتتِرْ )) والحديث الآخر:(( إن الله ستير يحب الستر )) أختك حدثتك عن مشكلة بينها وبين زوجها، والمجلس بالأمانة، فضحتها، وذكرتَ ذلك لأختها الثانية، والثالثة، والرابعة، ولأخواتها، ولأخيها، فإذا مشكلتها مع زوجها بين كل الناس، هذا ليس من صفات المؤمن.
      إن الإنسان يمكن أن يتقرب إلى الله بكمال مشتق من كمال الله، الله ستّير، فالمؤمن يجب أن يكون ستّيراً.
      معنى ( الستِّير ):
      المعنى الأول:
      أولاً: ( الستّير ) في اللغة على وزن فعيل، وهذه الصيغة من صيغ المبالغة، يستر مليون فضحية، ويستر أكبر فضيحة، صيغ المبالغة تأتي في الكم والنوع، الله غفار صيغة مبالغة، يغفر أكبر ذنب، ويغفر مليار ذنب، كماً ونوعاً، الستّير على وزن فعّيل، وهو من صيغ المبالغة، ومعنى ستر الشيء ؛ أخفاه.الفرق بين السَّتر ـ بكسر السين ـ والسِّتر ـ بالفتح ـ: ملاحظة: فرق بين السِتر، والسَتر، السَتر مصدر، ستر يستر ستراً، أما السِتر فهو اسم، هذه القماشة التي توضع على النافذة اسمها سِتر، وهناك فرق بين الاسم والمصدر، المصدر يدل على حدث، تماماً كشق يشق، الآن هذه العملية اسمها شَق، أما هذا الخط اسمه شِق، الله عز وجل يستر عباده.
      أولاً: ( الستير ) من شأنه حب الستر والصون والحياء، وأساساً الله عز وجل جعل في الإنسان خصيصة، أن سرك لا يطلع عليه أحد، لا صديق، ولا قريب، ولا زوجة ولا ملِك، لذلك أعجب العجب ممن ستره الله عز وجل وهو يفضح نفسه، هذا يشيع بين الشباب والشابات بعد الزواج، تحدثه عن ماضيها، مَن سألكِ عن هذا ؟ وهو نوع من الحق، فإذا شك في ماضيها وقع النفور، أو يحدثها عن علاقاته السابقة، وحينما يبتعد الإنسان عن الله يسوقه الشيطان دون أن يشعر، مع أن الله عز وجل سترك.
      حدثني أخ قال لي: إن إنسانا صالحا ذكر له بعضُ أصدقائه أنه زنى في وقت مضى، قال لي: والله مضى على هذه القصة ثلاثون عاماً، كلما نظرت إليه تذكرت أنه زنى.
      الإنسان لا يغفر، فإذا وقع من إنسان زلة واللهُ ستره، فليس له حق في أن يفضح نفسه، وليس عندنا في الإسلام ما يسمى بالبوح، تقف أمام رجل دين، وتبوح له بكل أخطائك، هذا شيء ليس واردا عندنا إطلاقاً، الله ( ستّير )، ما دام أن الله سترك فيجب أن تستر نفسك، ولا داعي أبداً أن تبوح بأخطاء صدرت منك لأيّ إنسان.
      إذاً: ( الستير ) هو الذي مِن شأنه حب الستر والصون والحياء.
      تروي الكتب قصة رمزية: أن سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام استسقى ربه، فقال الله له: يا موسى، إن فيكم عاصياً، فلا مطر، إن فيكم عاصياً، فقال: من كان يعصي الله فليغادرنا، ما غادره أحد، وبعد حين نزلت الأمطار كأفواه القرب، قال: يا رب، مَن هذا الذي كان يعصيك ؟ قال: عجبتُ لك يا موسى، أستره عاصياً، وأفضحه تائباً ؟!
      من تاب الله عليه، وستره ينبغي ألا يفضح نفسه إطلاقاً، حتى لو كان عليك ذمة في الجاهلية، وتبت إلى الله، ولا بد من أن تؤدى هذه الذمة لصاحبها يمكن أن ترسلها له بحوالة بريدية، من دون أن تفضح نفسك، تقول له كنت عندك مرة، واختلست هذا المبلغ منك من الطاولة، حتى لو كان عليك حق فلا بد من أن تؤدي هذا الحق من دون أن تفضح نفسك، لأن الله ( ستّير )، أسبغ عليك ستره، فلا تفضح نفسك.
      المعنى الثاني: ( الستير ) يأتي بمعنى آخر، معنى المنع والابتعاد عن الشيء، فقد ورد في الحديث الصحيح أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ:(( جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ تَسْأَلُنِي، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَعْطَيْتُهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ: مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ ))[ متفق عليه ] مَن يصدق أنه إذا ربّى بنتاً أو بنتين، فأحسن تربيتهما، ربّاهما على الصلاح والحياء، والورع والتقوى، ثم اختار لهما زوجين صالحين من المؤمنين، ومات فله الجنة ؟!
      يكفي أن تربي بنتين، وفي بعض الروايات بنتاً واحدة، يكفي أن تربي بنتاً، أن ترعاها، أن تؤدبها بأدب الإسلام، أن تحجبها، أن تختار لها زوجاً مؤمناً، يكفي هذا العمل لتكون في الجنة.
      إذاً: الستر هنا بمعنى البعد، فتربية هذه البنت تربية صالحة تبعدك عن النار.
      إخواننا الكرام، من البيت هناك مئات الطرق إلى الله، من البيت، من الطريق هناك مئات الطرق إلى الله، من عملك هناك مئات الطرق إلى الله، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، هل هناك بيت ما فيه بنات ؟ هذا كلام النبي عليه الصلاة والسلام، يقول سيدنا سعد ابن أبي وقاص:
      << ثلاثة أنا فيهن رجل، وفيما سوى ذلك أنا واحد من الناس >>، ومعنى رجل لا تعني أنه ذكر، تعني أنه بطل.
      ﴿ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ﴾( سورة النور الآية: 37 ) كلمة رجال في القرآن لا تعني أنهم ذكور، تعني أنهم أبطال.
      قال: ثلاثة أنا فيهن رجل، وفيما سوى ذلك أنا واحد من الناس، واحد من عامة المؤمنين، ما هذه الثلاثة ؟! يقول: << ما سرتُ في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها >>، معنى ذلك أن الجنازة لها قول، القول قد يكون بلسان المقال، أو بلسان الحال.
      ورد في بعض الآثار " أن روح الميت ترفرف فوق النعش تقول: يا أهلي يا ولدي، لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعت المال مما حل وحرم، فأنفقته في حله، وفي غير حله، فالهناء لكم والتبعة علي ".
      قال: << ما سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها >>.
      لذلك إذا مشى الإنسان في جنازة فهذا الذي في النعش انقضى أجله، وخُتم عمله سيحاسب عن كل شيء.
      ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾( سورة الحجر ) كل مخلوق يموت ولا يبقَ إلا ذو العزة والجبروت.والليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر
      والعمر مهما طال فلا بد من نزول القبر
      ***
      وكل ابن أنثى وإن طلت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول
      فإذا حمــلت إلى القبور جنازة فاعلم أنك بعدها مــحمول
      ***

      لذلك قالوا: أندم الناسِ عالِمٌ دخل الناس بعلمه الجنة، ودخل هو بعلمه النار، ما طبق علمه، وأندم الناسِ غني دخل ورثته بماله الجنة، ورثوه حلالاً، وأنفقوه في طاعة الله، فدخلوا بمال أبيهم الجنة، ودخل هو بماله النار، لأنه كسبه بطرق متعددة لا ترضي الله عز وجل.
      فلذلك المعنى الدقيق: << ثلاثة أنا فيهن رجل، وفيما سوى ذلك أنا واحد من الناس ما سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها >>.
      الآن يمشي الرجل في الجنازة فيتحدث عن الصفقات، والبيت الفلاني، والمحل الفلاني، والحفلة الفلانية، قال له: هل حضرتها ؟ كانت رائعة ! وهو يمشي في جنازة.
      << ما سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها، ولا صليت صلاة فشغلت نفسي بغيرها حتى أقضيها >>.
      ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾( سورة المؤمنون ) في الجنازة بطل، والصلاة بطل.
      الثالثة، وهي موطن الشاهد: << وما سمعت حديثاً من رسول الله إلا علمت أنه حق من الله تعالى >>.
      إذا ربيت هذه البنت، وأحسنت أخلاقها، وحجبتها، ودللتها على الله، واخترت لها زوجاً مؤمناً فلك الجنة، هذا عمل يكفي لدخول الجنة.
      أيها الإخوة:
      (( مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ )) ( الستير ) هو سبحانه وتعالى، ويحب الستر، ويبغض القبائح، ويأمر بستر العورات، ويبغض الفضائح، ويستر العيوب على عباده، وإن كانوا بها مجاهرين، ويغفر الذنوب مهما عظمت، طالما كل عباده موحِّدون.قصة مناسبة لموضوع الستر: ليس من عادتي أن أروي قصصا مبنية على منامات، لكن هناك قصة مؤثرة جداً، أن أحد خطباء دمشق، والقصة من خمسين سنة تقريباً، رأى في المنام رسول الله، وتأثر تأثراً بالغاً بهذه الرؤيا، وقد ورد عَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:(( مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ، وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي ))[ أخرجه أحمد في مسنده وصحيح البخاري والترمذي ] هذا الخطيب رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، وقال له: قل: لجارك فلان، وجاره بائع متواضع جداً، إلى جانب المسجد، قل لجارك فلان: إنه رفيقي في الجنة، هذا الخطيب تألم ألماً شديداً، البشارة لي أم له ؟ لجاره، وهو إنسان متواضع، من عامة الناس طرق بابه، دخل إلى بيته ورحب به، قال له: لك عندي بشارة من رسول الله، ولن أعلمك إياها إلا إذا أخبرتني ماذا فعلت مع ربك ؟ امتنع، فلما ألح عليه، قال له: والله لن أنقلها إلى مسامعك إلا إذا أخبرتني ماذا فعلت مع ربك، قال له: والله أنا خطبت امرأة وتزوجتها، وفي الشهر الخامس، كانت حاملاً في الشهر التاسع، يعني أن الحمل ليس مني، قال له: زلت قدمها، قال له: بإمكاني أن أفضحها، بإمكاني أن أطلقها، بإمكاني أن أسحقها، لكن أردت أن أجعلها تتوب على يدي، جئت لها بولاّدة، وولدت في الليل، وحملت الطفل الصغير الذي ليس منه تحت عباءتي، ودخلت جامع في السنجقدار، دخل المسجد بعد أن نوى الإمام فريضة الفجر، وضع الغلام وراء الباب، والتحق بالمصلين، ولم يره أحد، فلما انتهت الصلاة تحلق الناس حول الغلام، ودهشوا، فجاء هو، وكأنه لم يعلم ما الخبر، قال: ما الخبر ؟! قالوا: تعال انظر، قال: أنا أكفله، أعطوني إياه، فأخذه أمام أهل الحي على أنه لقيط، وهو تولى تربيته، ورده إلى أمه، وتابت على يديه، الله عز وجل قال:﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ﴾( سورة النحل الآية: 90 ) العدل أن تطلقها، وأن تسحقها، وأن تركلها بقدمك، لكن الله أمرك بالإحسان، فأنت إذا فعلت هذا فقد أنقذتها من الفضيحة، وأنقذتها من الضياع، وما كل قضية تحل بالعدل، بل تحل آلاف القضايا بالإحسان، ﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ﴾، لا تكن فضّاحاً، كن ستّيراً.
      الله عز وجل ( ستّير )، يحب كل ستّير، وتخلق بهذا الكمال الإلهي، وتقرب إلى الله بهذا الكمال الإلهي، ولا تكن فضّاحاً.
      فلذلك في مجتمع الفضاح ما من قصة يرويها إنسان إلا وهي بعد أيام بين كل الناس.
      لذلك النبي عليه الصلاة والسلام وصف المرأة المؤمنة بأنها ستيرة، وأما التي تخرج من بيتها تشتكي على زوجها فهي فضاحة، لا ينظر الله إلى امرأة تشتكي على زوجها، يحب الله المرأة الستيرة، المرأة الستيرة امرأة مؤمنة.
      خاتمة: أيها الإخوة الكرام، حينما أتخلق بهذا الاسم، وبهذا الكمال أتقرب إلى الله.﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ نحن في علاقاتنا الاجتماعية الغيبة هي أحد أسباب الفضائح، حتى قال الواحد للثاني: لقد اغتبتني، قال له: من أنت حتى أغتابك ؟ لو كنت مغتاباً أحداً لاغتبت أبي وأمي، لأنهما أولى بحسناتي منك، فالقضية تنطلق من غيبة، وتنتشر.
      فهذا الذي أتمنى أن يكون واضحا عند إخوتنا الكرام، في أن الله سبحانه وتعالى من أسمائه الحسنى أنه ( ستّير )، ويمكن أن تتقرب إلى الله بهذا الكمال، وهو أن تستر.
      الكلام له قواعد شرعية في موضع الفتوى، في موضوع إنكار المنكر، في حالات أخرى، أما الأصل أنه ينبغي أن تستر، والمجالس بالأمانة.

      التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 30-04-2017, 10:55 PM.
      من قال سبحان اللهِ وبحمدِه في يومٍ مائةَ مرةٍ، حُطَّتْ خطاياه ولو كانتْ مثلَ زبدِ البحرِ
      موسوعة الكلم الطيب

      سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر استغفرالله

      تعليق


      • #18
        رد: مـــــــع اللـــــــــه-أسماء الله الحسنى ...للدكتور محمد راتب النابلسي

        اسم الله الستير 2
        بسم الله الرحمن الرحيم
        الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.من أسماء الله الحسنى: ( الستير): أيها الأخوة الأكارم، مازلنا مع اسم الستير، وقد قيل الرب رب والعبد عبد، من شأن الرب أن يستر القبيح وأن يظهر الحسن، ومن شأن العبد غير المؤمن أن يظهر القبيح ويستر الحسن، أما المؤمن فمن شأنه أن يتخلق بكمالات الله عز وجل فيستر القبيح ويظهر الحسن، وهذا خلق كريم، وهذا رقي إنساني، أن تُظهر الحسن وأن تستر القبيح، بينما غير المؤمن يظهر القبيح ويستر الحسن، لذلك ورد في بعض الأحاديث أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:(( لله أفرح بتوبة عبده من العقيم الوالد، ومن الضال الواجد، ومن الظمآن الوارد ))[ أخرجه ابن عساكر في أماليه عن أبي هريرة ]


        ضيعت شيئاً ثميناً جداً وأنت في حيرة من أمرك ثم وجدته.



        (( لله أفرح بتوبة عبده من العقيم الوالد، ومن الضال الواجد، ومن الظمآن الوارد ))[ أخرجه ابن عساكر في أماليه عن أبي هريرة ]

        بعد عشر سنوات جاءه الولد، بعد اليأس والإحباط، ومن الظمآن الوارد الذي كان على مشارف الهلاك.


        (( لله أفرح بتوبة عبده من العقيم الوالد، ومن الضال الواجد، ومن الظمآن الوارد ))[ أخرجه ابن عساكر في أماليه عن أبي هريرة ] وإذا تاب العبد توبة نصوحة، هنا الشاهد، هنا اسم الستير.
        إذا تاب العبد توبة نصوحة أنسى الله حافظيه والملائكة وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه.
        هذا شأن الستير، إذا تاب العبد توبة نصوحة أنسى الله حافظيه والملائكة وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه.
        التائب من الذنب كمن لا ذنب له: لذلك: التائب من الذنب كمن لا ذنب له.﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) ﴾(سورة النساء)

        وما أمرك أن تتوب إليه إلا ليتوب عليك، وما أمرك أن تستغفره إلا ليغفر لك، وما أمرك أن تسأله إلا ليعطيك، لكن الإنسان غير المؤمن شأنه العكس هو يظهر القبيح ويستر المليح، لذلك ورد في بعض الأحاديث الشريفة:


        ((تعوذوا بالله من ثلاث فواقر: تعوذوا بالله من مجاورة جار السوء، إن رأى خيرا كتمه وإن رأى شرا أذاعه...))[رواه البيهقي عن أبي هريرة]

        هناك إنسان أنا أسميه قناص، يتعامى عن كل الفضائل، فإذا ضبط تقصيراً أو مخالفة أو عيباً فضحها ونشرها وبالغ في الحديث عنها، هذه اسمه قناص، وهناك نماذج بشرية في كل المجتمعات، يتعامى عن كل الفضائل والخيرات ويظهر العيوب والنقائص.
        لذلك:


        (( تعوذوا بالله من ثلاث فواقر: تعوذوا بالله من مجاورة جار السوء، إن رأى خيرا كتمه وإن رأى شرا أذاعه، وتعوذوا بالله من زوجة سوء، إن دخلت عليها لسنتك، وإن غبت عنها خانتك، وتعوذوا بالله من إمام سوء، إن أحسنت لم يقبل، وإن أسأت لم يغفر))[رواه البيهقي عن أبي هريرة] هذه فواقر ثلاث.من ستر مؤمناً رضي الله عنه و قربه منه: صدق أيها الأخ الكريم، أنت حين تستر مسلماً وتدفن قصته تحت الأرض ولا تبوح بها إطلاقاً تشعر بقرب من الله كبير، وحدثتكم في اللقاء السابق عن هذه التي زلت قدمها فأصلحها زوجها وجعلها تتوب توبة نصوحاً حتى أن هناك بشارات تبشره برضوان الله عز وجل.
        القاضي شريح لقيه صديقة الفضيل فقال له: يا شريح كيف حالك في بيتك ؟ قال: منذ عشرين عاماً لم أجد من يعكر صفائي.
        أحياناً الإنسان يقول: ما نمت يوماً مرتاحاً معها، يقول: والله من عشرين عاماً ما وجدت من زوجتي ما يعكر صفائي، قال: وكيف ذلك يا شريح ؟ قال: خطبت امرأة من أسرة صالحة فلما كان يوم الزفاف وجدت صلاحاً وكمالاً، يقصد صلاحاً في دينها وكمالاً في خلقها، فصليت ركعتين شكراً لله على نعمة الزوجة الصالحة، فلما سلّمت من صلاتي وجدت زوجتي تصلي بصلاتي وتسلم بسلامي وتشكر بشكري، فلما خلا البيت من الأهل والأحباب دنوت منها، فقالت لي: على رسلك يا أبا أمية ( أي انتظر)، وقامت فخطبت، قوية في دينها كاملة في خلقها، قالت: أما بعد، يا أبا أمية إني امرأة غريبة لا أعرف ما تحب ولا ما تكره، فقل ما تحب حتى آتيه وما تكره حتى أجتنبه، ويا أبا أمية قد كان لك من نساء قومك من هي كفء لك، وكان لي من رجال قومي من هو كفء لي، ولكن كنت لك زوجة على كتاب الله وسنة رسوله ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، فاتقِ الله فيّ وامتثل قوله تعالى:
        ﴿ فإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ (229) ﴾(سورة البقرة)

        ثم قعدت، قال: فألجأتني إلى أن أخطب، يعني اضطر أن يلقي خطبة أمامها، وقف وقال: أما بعد، فقد قلت كلاماً إن تصدقي فيه وتثبتي عليه يكن لك زخراً وأجراً، وإن تدعيه يكن حجة عليك، أحب كذا وكذا وأكره كذا وكذا، أعطاها قائمتين.
        عندنا قاعدة: لا معصية قبل التكليف، تكلف، تبين، توضح ثم تحاسب، أزواج كثيرون لا ينطقون بكلمة فإذا أخطأت في ميزانه هو يقيم عليها الدنيا ولا يقعدها، ما بلغت، قال لها أحب كذا وكذا وأكره كذا وكذا، شاهد القصة من اسم الستير: قال لها: ما وجدت من حسنة فانشريها وما وجدت من سيئة فاستريها.


        صفة الستر أول صفة من صفات المرأة المؤمنة: لذلك النبي عليه الصلاة والسلام وصف المرأة المؤمنة بأنها ستيرة ليست فضاحة لا تفضح زوجها، الإنسان في البيت عليه ضغوط عمل، أحياناً يقل المال بين يديه، أحياناً يصبح سريع الاستثارة، فالمرأة الصالحة تقدر هذا الظرف، في متاعب في الحياة، أحياناً في التجارة في مشكلات كبيرة جداً، بالوظيفة في صعوبات بالغة، قال لها: ما وجدت من حسنة فانشريها وما وجدت من سيئة فاستريها.
        لذلك تكاد صفة الستر تكون صفة أولى في المرأة المؤمنة، من هنا قال عليه الصلاة والسلام: إني أكره المرأة تخرج من بيتها تشتكي على زوجها، لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر زوجها وهي لا تستغني عنه.
        شاهدنا في موضوع اسم الستير قوله لها: ما وجدت من حسنة فانشريها وما وجدت من سيئة فاستريها.

        من أراد معاتبة من حوله عليه أن يبدأ بذكر إيجابياته لا سلبياته: إخواننا الكرام، الإنسان أحياناً يأخذ من كل جهة إيجابيتها ويبتعد عن سلبياتها، هناك أشخاص بالعكس: يأخذون من كل جهة سلبياتها ويبتعدون عن إيجابيتها، يعني أحياناً يكون لك صديق له إيجابيات كثيرة جداً وله سلبيات، يقتبس من سلبياته ومن سلبيات هذا وهذا فإذا هو كتلة من العيوب والنقائص، وفي إنسان آخر يأخذ من كل شيء إيجابياته، يجمع محاسن كل شيء، فعود نفسك أن ترى في الإنسان الجانب الإيجابي، لا يوجد إنسان كله شر ولا يوجد إنسان كله خير، أنت حينما توطن نفسك، أن ترى في كل إنسان النواحي الإيجابية، كيف ؟ النبي عليه الصلاة والسلام يؤم أصحابه في صلاة من صلوات الفرض، صحابي تأخر عن إدراك الركعة الأولى فدخل إلى المسجد وأسرع ليلحق مع النبي الركعة الأولى، أحدث جلبة وضجيجاً وشوش على الصحابة في صلاتهم، لما انتهت الصلاة ماذا قال له النبي عليه الصلاة والسلام ؟ قال: زادك الله حرصاً ولا تعد.
        ابدأ بالإيجابيات، أنت كمدير مؤسسة، كمعلم، مدير مستشفى، مدير جامعة، مدير مدرسة، حولك موظفون لهم إيجابيات وسلبيات، إياك ثم إياك أن تبدأ بسلبياتهم، عندك موظف يتأخر ولكنه أمين إن أردت أن تعاتبه يجب أن تبدأ بالحديث عن أمانته، أنا معجب بأمانتك، وأنا ممتن من إخلاصك لكن هناك مأخذ طفيف لابد من تلافيه هكذا علمنا النبي عليه الصلاة والسلام.
        لذلك هناك عالم نفس أمريكي ألّف كتاباً، كيف تؤثر في الناس وتكسب الأصدقاء ؟ الكتاب الطبعة الأولى كانت خمسة ملايين نسخة، جاء عالم(محمد الغزالي رحمه الله)، أخذ هذه القواعد وذكر ما يقابلها في القرآن والسنة، فإذا كنت مدير مدرسة، أو مدير مشروع، أو مدير جامعة، أو أب، أو معلم، وأردت أن تعاتب بعض من حولك، ابدأ بإيجابياتهم، فجاء بالحديث هذا:
        زادك الله حرصا ولا تعد.
        على كل إنسان أن يرسم لزوجته سياسته في كل شيء للابتعاد عما يعكر صفوهما: إذاً الشاهد إني أكره المرأة تخرج من بيتها تشتكي على زوجها.
        و ما رأيت من حسنة فانشريها وما رأيت من سيئة فاستريها، قالت: كيف نزور أهلي وأهلك ؟ قال: نزورهم غباً مع انقطاع بين الحين والحين حتى لا يملونا، رسم سياسة، وأنا أقول: دائماً فترة الخطبة فترة مهمة جداً، يجب أن يرسم الزوج مستقبلاً لزوجته، سياسته في كل شيء، قالت: كيف نزور أهلي وأهلك ؟ قال: نزورهم غباً مع انقطاع بين الحين والحين لئلا يملونا.
        زر غباً تزدد حباً.
        قالت: فمن من الجيران تحب أن أسمح لهم بدخول بيتك ومن تكره ؟ قال: بنو فلان قوم صالحون وبنو فلان قوم غير ذلك، ثم قال: ومضى عليّ عام عدت فيه إلى البيت فإذا أم زوجتي عندنا، رحبت بها أجمل ترحيب، وكانت قد علمت من ابنتها أنها في أهنأ حال، قالت له أم زوجته: كيف وجدت زوجتك ؟ قلت: والله هي خير زوجة، قالت: يا أبا أمية ما أوتي الرجال شراً من المرأة المدللة فوق الحدود، فأدب ما شئت أن تؤدب، وهذب ما شئت أن تهذب، ثم التفتت إلى ابنتها تأمرها بحسن السمع والطاعة.
        شاهدنا، ما رأيت من حسنة فانشريها وما رأيت من سيئة فاستريها. والمرأة المؤمنة ستيرة والزوج المؤمن ستير لا يفضح، لا يمدحها أمام الناس مدحاً يغري الناس أن يلتقوا بها، كما أن هناك عادة سيئة جداً، يثني على جمال زوجته وعلى حكمتها وعلى طبخها وعلى و على.. ليس هذا من الكمال، لكن ليس من الكمال أيضاً أن تذم زوجتك، كما أن النبي عليه الصلاة والسلام أثنى على المرأة الستيرة، وأنت أيها الزوج الكريم يجب أن تكون ستيراً، قال: ومضى عليّ عشرون عاماً لم أجد ما يعكر صفائي إلا ليلة واحدة كنت فيها أنا الظالم.
        طاعة الله عز وجل تنظم العلاقة بين الزوجين: لذلك أنا أقول: مما ينظم علاقة الزوجين هذا الحديث الشريف:(( وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا تَوَادَّ اثْنَانِ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِذَنْبٍ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا ))[رواه أحمد عن ابن عمر، وإسناده حسن] وأقول دائماً: إذا بني الزواج على طاعة الله ولو افتقر إلى معظم مقومات نجاحه يتولى الله في عليائه التوفيق بين الزوجين، أما إذا بني الزواج على معصية الله ولو توافرت له كل أسباب النجاح يتول الشيطان التفريق بينهما.من معاني الاستتار التي ينبغي للمؤمن أن يتخلق بها:1 ـ على المؤمن ألا يفتخر بالمعصية:


        الآن من معاني الاستتار التي ينبغي للمؤمن أن يتخلق بها، المقولة الشهيرة إذا بليتم بالمعاصي فاستتروا، يعني إنسان غلبته نفسه لا ينبغي أن يفتخر بهذه المعصية، السؤال الآن: ما الفرق بين العاصي والفاجر ؟ العاصي عاصي أما الفاجر يجاهر بمعصيته ولا يعبأ بها، يفتخر بها أحياناً، لذلك ذنب الفاجر كبير لأنه إنسان مستعل مستكبر، لأنه يذكر ذنبه أمام الناس ولا يستحي منه فهو فاجر، أما العاصي قد يكون مغلوباً، ورب معصية أورثت ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً، لذلك فرق العلماء بين معصية غلبة الشهوة وبين معصية الاستكبار إبليس أبى واستكبر أن يكون مع الساجدين، هناك معاصي استكبار، وهناك معاصي غلبة شهوة:


        ﴿ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا (106) ﴾(سورة المؤمنون) لذلك الفرق كبير جداً بين أن تغلب وبين أن تستعلي، لذلك إذا بليتم بالمعاصي فاستتروا، مقولة إذا بليتم بالمعاصي فاستتروا والذي لا يستتر لا يصنف مع العصاة، يصنف مع الفجار.البوح بالأخطاء وقد سترها الله عز وجل استخفاف بستر الله: هناك شيء آخر نحن في إسلامنا ممنوع أشد المنع أن تبوح بمعاصيك لرجل الدين، هذا ليس وارداً في الإسلام، إنسان زلت قدمه وارتكب معصية والله ستره ممنوع منعاً باتاً أن تذهب إلى شيخ وأن تبوح له بما فعلت، الله سترك استر نفسك، والإنسان لا يغفر، وهناك أزواج كثر بعد الزواج يحدثها عن أخطائه قبل الزواج، أو هي من حمقها تحدثه عن أخطائها قبل الزواج، فالإنسان لا يغفر، الله تعالى سترك وما فضحك تفضح نفسك ؟ هذا موقف فيه حمق كبير، لذلك البوح بالأخطاء وقد سترها الله عز وجل استخفاف بستر الله، البوح بأخطاء وقد سترها الله عز وجل استخفاف بستر الله عز وجل.2 ـ أن يستر الإنسان عورته:

        الآن يدخل في باب الاستتار أن يستر الإنسان عورته، النبي عليه الصلاة والسلام استأجر أجيراً فاغتسل عريانا فقال له: خذ أجارتك لا حاجة لنا بك إني رأيتك لا تستحيي من الله.
        سبحان الله عز وجل، العالم الآن انقسم مؤمن وغير مؤمن، أهل الإيمان يستترون وأهل الضلال يكشفون عوراتهم، لذلك الآية الكريمة:


        ﴿ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا ﴾[سورة الأعراف الآية:27] شأن الشيطان التعري، أنا أقول لكم شيئاً مؤلماً هناك شباب يقومون في البيت بثيابهم الداخلية أمام أخواتهم، وهناك شابات يرتدين ملابس شفافة أمام آبائهن وأخواتهن، هذا لا يجوز إطلاقاً، لذلك إذا كان في فواحش ضمن الأسرة الواحدة سببها التعري، حتى الإنسان إذا دخل على ابنته ينبغي أن يستأذن منها، النبي عليه الصلاة والسلام علمنا أن نستأذن على أمهاتنا ففي صحابي تعجب كيف نستأذن على أمهاتنا ؟ قال: أتحب أن تراها عريانة ؟
        المرأة لها خصوصيات، فلذلك من شأن الشيطان أن ينزع عن الإنسان لباسه، هذا الشيء في تفلت في البيوت، تفلت في الطرقات، المرأة تبدو كما خلقها الله كاسية عارية بينما المؤمن يرتدي ثياباً سابغة والمؤمنة كذلك، الأبلغ من ذلك يجب أن تستر خصوصيات البيت، كل إنسان له زوجة، في خصوصيات، نسمي العلاقة بالزوجة علاقة حميمة جداً، هذه العلاقات الحميمة ينبغي ألا يبوح بها الزوج، ولا تبوح بها الزوجة أبداً، ينبغي ألا يبوح بها الزوج ولا تبوح بها الزوجة، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام أشار إلى هذا المعنى إشارة واضحة جداً فكان الذي يلتقي مع زوجته ثم يُحدّث الناس بما كان البارحة و كأن الناس يرون الزوجين عريانين، هذا أيضاً من نقائص المجتمع.
        3 ـ سترة ما بين الزوجين من خصوصيات: هناك شيء آخر سترة ما بين الزوجين من خصوصيات، إنسانة بفرنسا تعمل بالتمثيل سئلت وقد لفتت نظري إجابتها، سئلت ما شعورك وأنت على خشبة المسرح ؟ قالت شعور الخزي والعار، وهذا شعور كل أنثى تعرض مفاتنها على الجمهور، إن الحب يجب أن يبقى بين الزوجين وفي غرف مغلقة.
        شخص كان لا يصلي الفجر في وقته فاشتكى للنبي أنه نؤوم قال له عمر: ويحك! فضحت نفسك، قال له: دعه يا عمر، فضوح الدنيا أفضل من فضوح الآخرة، ثم دعا له وقال: رب أذهب عنه النوم إذا شاء. معنى هذا أن الإنسان إذا شاء استيقظ، أذهب عنة النوم إذا شاء.
        من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة: إخواننا الكرام، أهم ما في هذا الدرس من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة. اجعل ستر المسلمين عملاً صالحاً تلقاه يوم القيامة، من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة لأن المؤمن عليه أن يتخلق بكمالات الله.
        الآن قصة فيها فحش:
        ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾( سورة النور الآية: 19 )


        قصة تعطي فكرة سيئة عن المجتمع لا ترويها إذا رويتها إلى من لا يحتاجها استسهل المعصية، هناك قصص تقع ليس من المستحسن أن تكثر من روايتها، لذلك:


        ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾( سورة النور الآية: 19 )

        لا تؤذوا عباد الله ولا تعيروهم ولا تطلبوا عوراتهم فإنه من طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته حتى يفضحه في عقر بيته.
        كل إنسان يتتبع عورات الناس الله عز وجل توعده أن يفضحه في عقر داره، وآخر شيء في هذا اللقاء الطيب:


        (( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه))[أخرجه الترمذي عن الحسين بن علي]


        التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 30-04-2017, 10:57 PM.
        من قال سبحان اللهِ وبحمدِه في يومٍ مائةَ مرةٍ، حُطَّتْ خطاياه ولو كانتْ مثلَ زبدِ البحرِ
        موسوعة الكلم الطيب

        سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر استغفرالله

        تعليق


        • #19
          رد: مـــــــع اللـــــــــه-أسماء الله الحسنى ...للدكتور محمد راتب النابلسي

          اسم الله الجميل 1
          بسم الله الرحمن الرحيم
          الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.من أسماء الله الحسنى: ( الجميل )أيها الإخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم ( الجميل ).
          قد ورد هذا الاسم في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
          (( لا يَدْخُل الجَنَّةَ مَنْ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، فقال رجلٌ: إن الرجلَ يُحبّ أن يكون ثوبُه حسناً ونعلُه حسنةً، قال عليه الصلاة والسلام: إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ))ما هو الكِبْر ؟بالمناسبة، أيها الإخوة، لو أن عندك كمية قليلة من اللبن، وجاءك ضيوف كُثر، فإنه يمكن أن تضيف لهذا اللبن خمسة أضعافه ماءً من اللبن ويكون شراباً سائغاً، فتحمَّل هذا اللبن خمسة أضعافه ماء، لكنه لا يتحمّل قطرة بترول، فإن أضيفت إليه قطرة واحدة من البترول ألقيتَه وأهرقته، لأن البترول يتناقض في طعمه مع الماء، أما الماء فلا يتناقض.
          كذلك الكبر يتناقض مع العبودية لله،
          (( لا يَدْخُل الجَنَّةَ مَنْ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ))


          قال عليه الصلاة والسلام:


          (( لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر ))[ أخرجه البزار وابن والبيهقي عن أنس ]

          ما الذي هو أكبر من الذنب ؟ قال:


          (( العجب العجب ))

          رُبّ معصية أورثت صاحبها ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً.
          لذلك الكبر يتناقض مع العبودية لله عز وجل.


          (( لا يَدْخُل الجَنَّةَ مَنْ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، فقال رجلٌ: إن الرجلَ يُحبّ أن يكون ثوبُه حسناً ونعلُه حسنةً، قال عليه الصلاة والسلام: إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ )) الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ وَغَمْطُ النَّاس:أما الكبر فشيء آخر، بطر الحق أي ردّ الحق، وغمط الناس ؛ أن تبخسهم مكانتهم، أن ترد الحق، أن ترى نفسك أكبر من الحق، أن تتكبر عن أن تنصاع إلى الحق، أن تتأبى، هذه معصية إبليس.﴿ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾( سورة البقرة الآية: 32 )

          فلمجرد أن ترد الحق، وأن ترفضه، وأن تتعنت، وأن يركب الإنسان رأسه، وأن تأخذ العزة بالإثم، إذاً: هذا هو الكبر، ولمجرد أن تحتقر الناس، وأن تستهين بهم، وأن ترى نفسك فوقهم، وتغمط الناس فهذا كِبْرٌ.
          المؤمن يعترف بفضل الآخرين، يعترف بقيمة الآخرين يعترف بإنجازات الآخرين، هناك من يسلط الضوء على ذاته فقط، ويضع مَن حوله في التعتيم، هذا هو غمط الناس، وتعريف الكبر عند رسول صلى الله عليه وسلم:



          (( الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ ـ أي رد الحق ـ وَغَمْطُ النَّاسِ ـ أن تزدري الناس ))

          لذلك ليس من صفات المؤمن أن يزدري أخاه.


          (( بِحسْبِ المْرِء مِنَ الشرّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلمَ ))[ رواه الترمذي، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه ]أن يرى نفسه فوقه.النبي أشد الناس تواضعا:من علامات الإيمان التواضع، دخل على النبي الكريم رجل أصابته رعدة، من هيبة النبي، كان عليه الصلاة والسلام له هيبة، من رآه بديهة هابه ومن عامله أحبه، فعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ:(( أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَكَلَّمَهُ، فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ، فَقَالَ لَهُ: هَوِّنْ عَلَيْكَ، فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ ))[ ابن ماجه ]


          كان مع أصحابه في سفر، فأرادوا أن يعالجوا شاة، فقال عليه الصلاة والسلام بعد أن قال أحدهم: علي طبخها، والثاني علي سلخها، وقال عليه الصلاة والسلام:



          (( وعلي جمع الحطب ))[ ورد في الأثر ]

          الله يحبك أن تكون أنيقا، ثيابك نظيفة، ومتعطرا، شعرك معالج، يحبك كذلك.

          تواضعاً لله عز وجل.
          الحديث دقيق جداً:(( لا يَدْخُل الجَنَّةَ مَنْ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، فقال رجلٌ: إن الرجلَ يُحبّ أن يكون ثوبُه حسناً ونعلُه حسنةً، قال عليه الصلاة والسلام: إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ ))



          (( إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ ))الإنسان مفطور على حب الجمال:بالمناسبة، الإنتاج العقلي والشعوري للبشرية لا يزيد على علم وفلسفة وفن، فالعلم مع هو كائن، والفلسفة ما يجب أن يكون، والفن ما هو ممتع، فمن الفن ما هو مباح، كأن تكون أديباً، الأدب جمالي، التعبير المثير عن دقائق الحياة، أو أن يكون الفعل جميلاً هو الكمال.
          لذلك قالوا: الإنسان فُطر على حب الكمال، وحب الجمال، وحب النوال الإنسان يحب الجميل، فقد يكون الطفل جميل الصورة، يدع في قلب أبيه تعلقاً شديدا، وأحياناً يكون العطاء خالصا كريما، فالإنسان يحب المحسن.
          " يا داود، ذكر عبادي بإحساني إليهم، فإن النفوس جبلت على حبِّ مَن أحسن إليها "والإنسان يحب النوال، العطاء، والجمال، والكمال، وهذا موقف كامل، الوفاء والرحمة والتواضع.
          أحياناً تقرأ قصة، أو تقرأ سيرة، فتجد صحابيا جليلا كان أديباً أدباً جماً، وقد قيل للعباس: أيّكما أكبر أنت أم رسول الله ؟ عمه العباس، فقال: << أنا ولدت قبله، وهو أكبر مني >>.
          هناك كلمات رائعة جداً، وتصرفات رائعة، وشكل رائع.
          1 – ورودُ اسم ( الجميل ) في الحديث الصحيح:أيها الإخوة، هذا الحديث ورد فيه اسم ( الجميل )، وهو حديث في صحيح مسلم.
          ورد هذا الاسم مطلقاً، منوناً، مراداً به العلمية، دالاً على كمال الوصفية، ورد أيضاً في رواية أحمد في مسند ابن مسعود فيه تفصيل، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
          (( لَا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَيُعْجِبُنِي أَنْ يَكُونَ ثَوْبِي غَسِيلًا ـ أي نظيفًا ـ وَرَأْسِي دَهِينًا، وَشِرَاكُ نَعْلِي جَدِيدًا، وَذَكَرَ أَشْيَاءَ، حَتَّى ذَكَرَ عِلَاقَةَ سَوْطِهِ، أَفَمِنْ الْكِبْرِ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: لَا، ذَاكَ الْجَمَالُ، إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مَنْ سَفِهَ الْحَقَّ، وَازْدَرَى النَّاسَ ))[ أحمد في المسند ]
          2 – الجمال المادي والمعنوي مطلوب، وليس من الكِبْر:
          هذا الكبر، الأمر واضح تماماً، الكبر رد الحق، وازدراء الناس، بطر الحق وغمط الناس، أمّا أن تكون أنيقا، أن يكون بيتك مرتباً، منظماً، فيه تناسب ألوان، أن تكون مركبتك نظيفة، أن يكون ثوبك حسناً، أن يكون كلامك فصيحاً، أن تكون تصرفاتك رائعة، فهذا هو الجمال:
          (( إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ ))
          3 – لابد للمؤمن أن يكون جميلا بالمعنى العام:دائماً وأبداً أقول لكم: يجب أن تشتق من كمال الله كمالاً يكون هذا الكمال وسيلة للإقبال على الله.﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾( سورة الأعراف الآية: 180 )

          تتقرب إلى الجميل الجمال، تتقرب إلى الرحيم بالرحمة، تتقرب إلى العدل بالإنصاف، تتقرب إلى اللطيف باللطف، تتقرب إلى الكريم بالكرم.


          ﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾( سورة الأعراف الآية: 180 )

          أي تقربوا إليه بأن تتخلقوا بهذا الكمال الإلهي، هذا محور هذه الدروس.


          ﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾( سورة الأعراف الآية: 180 )ما من شيء يقربك من الله عز وجل كأن تكون متخلقاً بكمالات الله.
          4 – معنى الجمال:أيها الإخوة، الجميل في اللغة مأخوذ من الجمال، وهو الحُسن في الخَلْق والأخلاق.
          نحن كلما ذكرنا الجمال ننطلق إلى تصور جمال الشكل، لكن أحياناً هناك أعمال وتصرفات تستمع إليها فتبقى شهراً غارقاً في نشوتها.
          كما حدثتكم ببعض القصص، هناك مواقف فيها وفاء، مواقف فيها رحمة، مواقف فيها إنصاف، مواقف فيها حب، هذه المواقف جميلة جداً، وقد يكون الذي يفعلها ليس جميلاً.
          مثلاً: ورد في صفة بعض التابعين وهو الأحنف بن قيس، أنه كان قصير القامة، أسمر اللون، غائر العينين، ناتئ الوجنتين، أحنف الرجل، ليس شيء من قبح المنظر إلا وهو آخذ منه بنصيب، وكان مع ذلك سيد قومه، إذا غضبَ غضب لغضبته مئة ألف سيف، لا يسألونه فيم غضب ؟ وكان إذا علم أن الماء يفسد مروءته ما شرب، هذا كمال رائع جداً مع دمامة لا توصف.
          5 – ليس الجمال محصورًا في الجمال الجسدي المادي:
          لذلك الرجل جماله، بفصاحته، جماله في أخلاقه، جماله في كرمه، جماله في تواضعه، جماله في رحمته، لعل المرأة تتوهم أن كل قيمتها في جمال الجسدي، وهذا خطأ.
          أحاديث مهمة في بيان أهمية جمال الأخلاق:عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ))[ متفق عليه ]

          يجب أن نحرر مفهوم الجمال مما تراكم من أذهان الناس أنه جمال الشكل فقط، هناك مواقف جميلة، أحيانا تعيش مع امرأة في أعلى درجة من الوفاء، والحب، والتفاني والخدمة، تسعد بها سعادة أيّما سعادة، وقد يعيش المرء مع امرأة بارعة الجمال يكرهها من أعماقِ أعماق قلبه، لأن جمال الأفعال من أعلى مستويات الجمال.
          عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:


          (( إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَمَنْصِبٍ، إِلَّا أَنَّهَا لَا تَلِدُ، أَفَأَتَزَوَّجُهَا ؟ فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ، فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَنَهَاهُ، فَقَالَ: تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ ))[ النسائي، أبو داود ]

          مودتها تقرّبها من زوجها، فالجميل مأخوذ من الجمال، وهو الحسن في الخَلْق والخُلُق، وكان عليه الصلاة والسلام حسنَ الخَلق والخُلق.
          إذا رأى الإنسان صورته في المرآة ماذا يقول ؟ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ:


          (( اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي ))[ أحمد ]

          قال بعض الشعراء:


          جمال الجسم مع قبح النفوس كقنديل على قبر المجوس
          ***


          مرة إنسان جميل الصورة، أنيق الثياب جداً، تكلم كلاماً بذيئاً، فقال له أحدهم: إما أن تتكلم وَفق ثيابك، أو البس وَفق كلامك، فالتناسب رائع جداً، أحيانا إنسان أنيق، حسن الصورة ثيابه أنيقة، جميلة لكن كلامه بذيء، هذا الجمال وهذه الأناقة يناسبهما علم، يناسبهما كلام منضبط، لذلك: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:



          (( لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ، وَلَا يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ))[ أحمد ]

          وبعض العلماء، منهم الإمام الغزالي عدّ من آفات اللسان أكثر من عشرين آفة، وعلماء آخرون منهم الشيخ عبد الغني النابلسي عدّ آلاف أمراض اللسان، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ:


          (( كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ، وَنَحْنُ نَسِيرُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، وَيُبَاعِدُنِي عَنْ النَّارِ، قَالَ: لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، قَالَ: ثُمَّ تَلَا: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ ﴾ حَتَّى بَلَغَ ﴿ يَعْمَلُونَ ﴾، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ كُلِّهِ، وَعَمُودِهِ، وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، قَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ))[ أخرجه الترمذي ]


          عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:


          (( حَكَيْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَقَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنِّي حَكَيْتُ رَجُلًا، وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ صَفِيَّةَ امْرَأَةٌ، وَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا، كَأَنَّهَا تَعْنِي قَصِيرَةً، فَقَالَ: لَقَدْ مَزَجْتِ بِكَلِمَةٍ لَوْ مَزَجْتِ بِهَا مَاءَ الْبَحْرِ لَمُزِجَ ))[ رواه أبو داود والترمذي وأحمد ]

          عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:


          (( إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ ))[ الترمذي ]والكلمة الطيبة صدقة، وقد ترقى بكلمة رقياً لا يعلمه إلا الله، كلمة تواضع، كلمة مؤانسة، كلمة اعتراف بالحق، هذا كله في ميزان حسنات الإنسان.من الأخلاق الجميلة:إذاً: ( الجميل ) مأخوذ الجمال، وهو الحُسن في الخَلق وفي الخُلق.
          1 – الصبر الجميل:هنالك صبر جميل، قال تعالى:﴿ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ﴾( سورة المعارج )

          هناك صبر مع الضيق، مع التوتر، كأن الإنسان مرجل يغلي، مع كلام قاسٍ، الأبواب تخبط، البلور يكسر، هذا ليس صبرا جميلا، يجب أن تصبر صبراً جميلاً:


          ﴿ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ﴾( سورة المعارج )
          1 – الصفح الجميل:وهناك صفح جميل، أنا سامحتك، لا تنس أن كل خيرك من خيري، لا تسامحه.﴿ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴾( سورة الحجر)

          إذا سامحته انتهى كل شيء، لا تذكره بخطئه.
          مثلاً: أيهما أخطر ؛ أن يتآمر إنسان على إنسان فيضعه في السجن، أم يضعه في البئر ؟ البئر الموت فيه محقق، إخوة يوسف وضعوه في البئر، والموت محقق، أما امرأة العزيز فوضعته في السجن، ولما التقى يوسف بإخوته ماذا قال ؟ قال:


          ﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ﴾( سورة يوسف الآية: 100 )

          ما ذكّرهم بجريمتهم، أما الخروج من البئر فنعمة أكبر، مع أن الموت في البئر محقق، وفي السجن غير محقق، فمن كماله ما ذكّرهم بجريمتهم:


          ﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ﴾( سورة يوسف الآية: 100 )إخواننا الكرام، إن قرأتم قصص الأنبياء فتخلَّقوا بأخلاقهم، الأنبياء مدارس، كل نبي له مدرسة، وعلى رأسهم سيد الخلق وحبيب الحق.
          إذاً: هناك صبر جميل، وصفح جميل، وفعل جميل، وعفو جميل، وعطاء جميل.
          أنا أتمنى على الإنسان إذا فعل خيراً أن ينساه، وإذا فُعل معه خير لا ينساه حتى الموت.
          أتمنى أنك إذا فعلت خيراً يجب أن تناساه وكأنك لم تفعله، أما إذا أسدي إليك معروف فينبغي ألا تنساه ما حييت.
          مراتب الجمال الربّاني: جمال الذات والصفات والأفعال والأسماء:الله عز وجل ( جميل )، قال: جماله على أربع مراتب، جمال الذات، وجمال الصفات، وجمال الأفعال، وجمال الأسماء، أسماءه كلها حسنى:﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾

          قطعاً، حتى لو توهمت أن الأسماء الحسنى منها المنتقم، لو تبحرت في معنى المنتقم لذابت نفسك تعظيماً لله، لو تبحرت في معنى المتكبر لذابت نفسك تعظيماً لله:


          ﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾فالله عز وجل جماله على أربع مراتب، جمال الذات، وجمال الصفات، وجمال الأفعال، وجمال الأسماء، أسماءه كلها حسنة، وصفاته كلها صفات كمال، وأفعاله كلها حكمة.
          لذلك لما قال بعض العلماء: " الشريعة عدل كلها، لأنها منهج الله، رحمة كلها حكمة كلها، مصلحة كلها، وأية قضية خرجت من الحكمة إلى خلافها، ومن العدل إلى الجور، ومن المصلحة إلى المفسدة، فليست من الشريعة، ولو أدخلت عليها بألف تأويل وتأويل ".
          حتى إن علماء العقيدة قالوا: " الحسن ما حسنه الشرع، والقبيح ما قبحه الشرع، الله عز وجل ذاته جميلة، وصفاته جميلة، وأفعاله جميلة، وأسماءه جميلة.
          لكن المشكلة أن جمال الذات لا يدركه أحد في الكون، لا يعرف الله إلا الله، جمال الذات، لا يدركه أحد في الكون ولا الأنبياء، لكن جمال الصفات تدل على جمال الذات، وجمال الصفات محجوبة بأفعاله، فأفعاله الجميلة تدل على جمال صفاته، وجمال صفاته تدل على جمال ذاته، وأنت ترى أفعاله، ترى الربيع، ترى العصفور، ترى الوردة، ترى الزهرة، ترى طفلا جميل الصورة، هذه كلها أفعاله.
          أحيانا تأكل طعاما طيبا، مَن أودع في الطعام هذا الطعم ؟
          أحيانا يهب نسيم عليل فتنتعش به، مَن ساق هذا النسيم ؟
          أحيانا ترى مرجا أخضر، مَن أعطاه هذا اللون الجمال ؟
          ترى السماء زرقاء، البحر صافيا، الجبال خضراء، الأطفال الذين وهبهم الله مسحة جمال، وهناك إنسان قد يفتن بابنه من جماله، هذه كلها أفعاله، أفعاله تشير إلى صفاته، وصفاته تشير إلى ذاته، جمال الذات لا يعلمه أحد في الكون حتى الأنبياء.
          لذلك قال بعض العارفين: " لا يعرف الله إلا الله "، حصرًا.
          نحن مع جمال الأفعال نرى المطر تنعش الأرض، نرى النبع، الماء الزلال، نرى الفاكهة الجميلة، منظر الفاكهة جميل جمالا رائعا جداً، وأحيانًا يزينون بعض الغرف بصور الفاكهة، فاكهة جميلة، البساتين جميلة، الماء الرقراق جميل، يجب أن تخترق جمال الكون إلى جمال الخالق.
          آية خطيرة فافهم معناها: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاًإخواننا الكرام:﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾( سورة البقرة الآية: 165 )

          من أجل امرأة عصى الله، ما الذي فتنه بها ؟ جمالها، من أجل المال عصى الله، ما الذي فتنه ؟ المال، فالمال يعطيك الجمال، يعطيك بيتا جميلا جداً واسعا، له إطلالة، يعطيك مركبة فارهة جداً، يدعك تختار أجمل زوجة.


          ﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ ﴾( سورة البقرة الآية: 165 )

          لماذا هو في العذاب ؟ ما الذي أغواه وعصى به ربه ؟ الجمال، هذا الذي أغواه الجمال فعصى ربه من أجله.


          ﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً ﴾( سورة البقرة الآية: 165 )


          هنا قوة الجمال.



          فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لمــــــا وليت عنا لغيرنا
          و لــــو سمعت أذناك حسن خطابنا خلـعت عنك ثياب العجب وجئتنا
          ولـــــو ذقت من طعم المحبة ذرة عذرت الـذي أضحى قتيلاً بحبنا
          ولـــــو نسمت من قربنا لك نسمة لــــمت غريباً واشتياقاً لقربنا
          و لـــــو لاح من أنوارنا لك لائح تركت جمـــيع الكائنات لأجلنا
          ***

          هؤلاء الذين أطاعوا الله هم الفائزون، عرفوا أن يختاروا الجمال المطلق، الجمال الأبدي.
          لابد أن تترك الجمالَ أو يتركك فانتبه:﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ﴾( سورة الرحمن )

          لو أحب الإنسان زوجته، لا بد من أن يتركها في الموت، أو أن تتركه إن ماتت قبله إلا أنك إذا أحببت الله فأنت معه إلى أبد الآبدين.




          التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 30-04-2017, 11:10 PM.
          من قال سبحان اللهِ وبحمدِه في يومٍ مائةَ مرةٍ، حُطَّتْ خطاياه ولو كانتْ مثلَ زبدِ البحرِ
          موسوعة الكلم الطيب

          سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر استغفرالله

          تعليق


          • #20
            رد: مـــــــع اللـــــــــه-أسماء الله الحسنى ...للدكتور محمد راتب النابلسي

            اسم الله الجميل 2

            بسم الله الرحمن الرحيم
            الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.من أسماء الله الحسنى: ( الجميل ):1
            – يتجلى الله به على بعض مخلوقاته باسم ( الجميل ):
            أيها الإخوة الأكارم، لا زلنا مع اسم ( الجميل )، وهذا الاسم أيها الإخوة، يتجلى الله به على بعض مخلوقاته، فإذا هو جمال أخّاذ، فالذي ينظر إلى الورود والرياحين والنباتات يأخذه العجب العجاب، إن الله سبحانه وتعالى يتجلى على هذه المخلوقات باسم ( الجميل ).
            هناك عصافير لها ألوان أخاذة، ومهندسو الألوان يقتبسون ألوانهم مِن خَلق الله عز وجل.
            2 – الله عزوجل أصلُ الجمال: أيها الإخوة، ( الجميل ) هو الله عز وجل، هو أصل الجمال، فإذا منح الله العبد مسحةً من الجمال تعلق الخلقُ به، فكيف بأصل الجمال ؟
            لذلك جاء تعريف العبادة: " هي طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية ".
            في الدين عنصر جمالي، وفي الدين عنصر معرفي، وفي الدين عنصر سلوكي، وفي الدين عنصر جمالي.
            بلا مبالغة ؛ لو شققت على قلب المؤمن لرأيت في قلبه من السعادة ما لو وزعت على أهل بلد لكفتهم.
            في صحيح مسلم من حديث أَبِي مُوسَى قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، فَقَالَ:
            (( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ، لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ ))[ مسلم ] وحينما قال الله عز وجل:
            ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾( سورة القيامة ) ورد في بعض الكتب أن أهل الجنة ينظرون إلى وجه الله الكريم فيغيبون خمسين ألف عام من نشوة النظرة.
            3 – لماذا يعصي الإنسان ربَّه من أجل الجمال الدنيوي ؟ الذي ينبغي أن يكون واضحاً أن هذا الإنسان حينما يجهل حقيقة الواحد الديان، حينما يجهل أسماء الله الحسنى، وصفاته الفضلى، حينما يغويه جمال بعض المخلوقات، ويعصي الله من أجل جمال امرأة، أو جمال قصر، أو جمال مركبة، أو جمال موقع، فيظلم نفسه، ويستحق اللعنة، والبعد عن الله عز وجل، يُخاطب:وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً ﴾( سورة البقرة الآية: 165 ) وكلمة القوة هنا واسعة جداً، هناك قوة الجمال، هناك قوة العلم، هناك قوة المال، صاحب المال قوي، وصاحب العلم قوي، والجميل قوي يأخذ جماله الألباب، هؤلاء الذين عصوا ربهم، وخسروا آخرتهم من أجل جمال مخلوق لو عرفوا أن هذا الجمال مسحة من جمال الله عز وجل، ولو أنهم تعرفوا إلى الله لكانوا مع أصل الجمال.4 – تجلِّي الله على المؤمنين سعادة لهم ولو فقدوا الدنيا: هناك من يتوهم أنّ المؤمن فاتته مباهج الدنيا، أن المؤمن باستقامته حرم نفسه أشياء كثيرة، لكن العكس هو الصحيح، فإن الله يتجلى على قلب المؤمن تجلياً، سمّه إن شئت رحمة، وسمه إن شئت سكينة، هذا التجلي يسعده ولو فقد كل شيء، ويشقى بفقده ولو ملك كل شيء.
            أيعقل أن يكون الذي في بطن الحوت نبي كريم، وهو يناجي ربه بقوله:
            ﴿ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ﴾( سورة القصص الآية: 176 ) فيتجلى الله عليه وينقذه، وأن النبي عليه الصلاة والسلام كان في أسعد حالاته وهو في غار ثور، وأن إبراهيم تجلى الله عليه وهو في النار، هذه السعادة التي تلقى في قلب المؤمن يشقى بفقدها الإنسان ولو ملك كل شيء.5 – الأغنياء الشاردون أشقياء ولو ملكوا الدنيا: في نفس الإنسان فراغ لا يملؤه المال، ولا يملؤه جمال الأرض، الأقوياء والأغنياء يعيشون حياة ناعمة جداً، بيوتهم قطعة من الجمال، مركباتهم، مائدتهم، مَن حولهم، ومع ذلك هم أشقى الخلق، لأنهم ابتعدوا عن الله عز وجل، وحينما تؤمن أن كل السعادة باتصالك بالله تسعد.﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾( سورة الرعد الآية: 28 ) وأن كل الشقاء بالبعد عنه.
            ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ﴾( سورة طه ) حينما تؤمن أن سعادتك المطلقة باتصالك بالله، لأنه جميل، لأن الجمال جزء أساسي في حياة الناس، وأن الشقاء كل الشقاء في البعد عن الله:
            ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ﴾ قال بعض العلماء: ـ دققوا ـ " ما بال الأقوياء والأغنياء هم أشقياء ؟ فجاء الجواب: نعم، شقاءهم ليس في نقص المال، ولكن في ضيق القلب ".
            أحياناً يتجلى الله على قلب المؤمن باسم ( الجميل ) فهو في جنة، من هنا قيل: " في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة "، و" مساكين أهل الدنيا، جاؤوا إلى الدنيا وغادروها، ولم يذوقوا أطيب ما فيها ".
            حينما ترى أناساً مجتمعين في ملهى اسأل نفسك سؤالاً عقائدياً: لماذا ؟ ما في هذا المكان ؟ فيه امرأة، لعلها ترقص، فيه مغنٍّ، فيه طعام، رأوا سعادتهم في هذا، ولو كشف لهم لو أنهم إذا أقبلوا على الله كانوا في نشوة ما بعدها نشوة، وفي سعادة ما بعدها سعادة، لسفهوا أعمالهم، ولاحتقروا ذواتهم.
            إذاً:

            (( حِجَابُهُ النُّورُ، لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ ))لا شقاء في الدنيا مع معرفة الله: أيها الإخوة، قيل: حجبت الذات بالصفات، وحجبت الصفات بالأفعال، فما ظنك بجمال حجب بأوصاف الكمال، وسُتِر بنعوت العظمة والجلال.
            أنت تتعامل مع الله، مع ذات كاملة، مع قوي، مع جميل، مع غني، مع قدير، مع رحيم، مع لطيف.
            صدقوا أيها الإخوة، مستحيل وألف ألف ألْف مستحيل أن يكون هناك شقاء في الدنيا مع معرفة الله، لا يجتمعان أبداً، ولا أقول: إن المؤمن إذا كان مع الله كان في بحبوحة، قد يكون في يسر، وقد يكون في عسر، وقد يكون في فقر، وقد يكون في مرض، لكن لأنه مع الله فهو في سعادة لا توصف.
            6 – جمالُ الله وكماله مطلق: نحن في حياتنا قد نلتقي بإنسان عالم كبير، أستاذ في الجامعة مثلاً، لكن لا يرحم الطلاب، يقسو عليهم، يتفنن في إحراجهم في الامتحانات، فالطلاب يكبرون علمه، ولا يحبونه، وقد تلتقي بإنسان تحبه كثيراً، لكن لا تقدر علمه، معلوماته محدودة جداً، لكنه طيب جداً، ففي حياة الإنسان إنسان يكبره ولا يحبه، وإنسان يحبه ولا يكبره، لكنك إذا أقبلت على الواحد الديان بقدر ما تعظمه تحبه، بقدر ما تدهش بكماله، وتدهش بجماله، بقدر ما يرحمك بقدر ما ينتزع إعجابك.
            فلذلك هذا المعنى ورد في قوله تعالى:
            ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾( سورة الرحمن ) قد يكون الشيء كبيراً وليس كاملاً، و قد يكون كاملاً وليس كبيراً، لكن الله سبحانه وتعالى في آية أخرى قال:
            ﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾( سورة الرحمن ) إذاً: أيها الإخوة، الإنسان إذا أقبل على الله وصل إلى كل شيء.
            (( ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء ))[ ورد في الأثر ]سعادة الدنيا غير متنامية ولا مستمرة: حينما يختار الإنسان هدفاً محدوداً، والإنسان في أصل تصميمه لا نهائي، لا يملأ طموحه إلا الله، فإذا اختار هدفاً أرضياً ؛ اختار المال، يسعى إليه جاهداً، فإذا حصله، وأحاط به يكتشف حقيقة مُرّة ؛ أنه شيء، و ليس كل شيء، فإذا اقترب من مغادرة الدنيا يراه لا شيء.
            قد يُقبل الإنسان على المرأة في مقتبل حياته، إن كان شارداً عن الله يظنها كل شيء، في منتصف حياته هي شيء، وليست كل شيء، في وقت مغادرة الدنيا يراها ليست بشيء.
            سبحان الله ! ما من شيء في الدنيا يمكن أن يمد الإنسان بسعادة متنامية، ولا بسعادة مستمرة، بل بسعادة متناقصة، والدليل: أن الإنسان قد يشتري بيتا يلفت النظر، بعد شهر أصبح كأي بيت عنده، وقد يقتني مركبة من أعلى مستوى، بعد حين تصبح هذه المركبة شيئاً عادياً، كل ما يحيط بالإنسان من مظاهر الجمال المادي بعد حين هذا البريق يخبو، وهذا الاهتمام يضعف، هذه الدهشة تقلّ إلا إذا أردت أن تعرف الله.
            الأصل في الموضوع أنك تتمتع بنفس طموحة لا يملؤها إلا معرفة الله، أما إذا اخترت هدفاً أرضياً فهذا الهدف ما إن تصل إليه حتى يبدأ الملل والسأم، لذلك انظر إلى أهل الدنيا الناجحين في حياتهم، بعد أن ينجحوا تصير حياتهم مملة، لأن النجاح أصبح مألوفاً، لكنهم إذا اختاروا الذات الكاملة، إنهم إن اختاروا الله عز وجل فهم في شباب دائم.
            أنا أؤكد لكم أن المؤمن في شباب دائم، لسبب بسيط، لأنه اختار هدفاً يفوق كل إمكاناته، لذلك، إن أردت أن تعرف الله فأنت في طريق السعادة، من هنا نؤمن أن المؤمن لا يشيخ أبداً، بل هو شاب دائماً.
            والله كان في الشام رجل من علماء دمشق، بلغ السن السادسة والتسعين، وكان منتصب القامة، حاد البصر، مرهف السمع، أسنانه في فمه كاملة، وكأنه شاب، يُسأل من حين إلى آخر: يا سيدي، ما هذا ؟ قال: " يا بني، حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر، من عاش تقياً عاش قوياً ".
            7 – على المسلم أن يتجمَّل ماديًّا: أيها الإخوة، النقطة الدقيقة: أن الإنسان ما موقفه من هذا الاسم ؟ لمَ لا يكون جميلاً في ثيابه ؟ في بيته ؟ إذا قلت: جميل، فلا أقصد الفخامة، ولا البذخ، ولا الترف ولا الإسراف أبداً.
            قد يكون في البيت مسحة جمالية، بيت مريح، المكتب التجاري فيه مسحة جمالية، الدكان فيها مسحة جمالية، الثياب فيها ألوان متناسقة، لماذا ترى الجمال الصارخ في الطرف الآخر، وفي بلاد أخرى ؟ وهم بعيدون عن الله بُعد الأرض عن السماء، لماذا هناك الجمال، وعندنا الإهمال ؟ هذه مشكلة كبيرة، يجب على المؤمن أن يتجمل.
            قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَنَا:
            (( إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ وَلِبَاسَكُمْ حَتَّى تَكُونُوا فِي النَّاسِ كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلَا التَّفَحُّشَ ))[ أخرجه أحمد ] المؤمن نظيف، وذو أذواق عالية في حياته، والأذواق العالية تجذب الناس إليه، أما إذا أهمل ثيابه، أهمل مركبته، أهمل بيته، أهمل دكانه يفرُّ الناس منه.
            أحيانا تدخل إلى دكان صاحبها مؤمن، فترى النظافة، والترتيب، والنظام، فتؤخذ به، وأحيانا تجد إنسانا مقصرا، في دكانه فوضى، وغبار، وإهمال، هذا شيء منفّر، وأهل الدنيا اكتشفوا هذه الحقيقية، فتأنقوا في حياتهم، وتأنقوا في نظام حياتهم، هذا التأنق وهذا الجمال في حياتهم يجذب الناس إليهم، تذهب إلى بلاد بعيدة فترى عناية بجمال البلاد منقطعة النظير.
            مرة سافرت إلى بلد، سرت مسافة طويلة جداً لم أرَ إلا اللون الأخضر، الطرقات منظمة، محددة، الشاخصات، اللافتات، الحدائق، أنا أقول: الإنسان بحاجة ماسة إلى الجمال، وهذا مودع في أصل فطرة الإنسان، فإذا لبّى هذه الحاجة، وتخلق بكمالات الله سعد في دنياه.

            (( إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ ))[ رواه مسلم عن ابن مسعود ] تغدو حياتنا جميلة، تغدو حياتنا براقة، ما الذي يمنع أن نعتني بمساجدنا ؟ بنظافة مساجدنا، بأناقة مساجدنا، ما الذي يمنع أن نعتني ببيوتنا ؟
            والله مرة دخلت إلى بيت متواضع بشكل لا يوصف، بيت عربي، لكن لا تجد فيه خطأ جمالياً، لا شيء فيه يمكن أن تنتقده، مع أنه بيت متواضع جداً، أنا أرى أنك إذا اعتنيت بدنياك عناية تجذب الناس إليك فهذا جزء من الدين، النبي كان كذلك عليه الصلاة والسلام كان نظيفا، كانت ثيابه حسنة، يتعطر دائماً.
            8 – الدعاء باسم ( الجميل ): فلذلك أيها الإخوة، يمكن أن تدعو الله بهذا الاسم، ألم يقل الله عز وجل:﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾( سورة الأعراف الآية: 180 ) وفي بعض أدعية النبي عليه الصلاة والسلام: عن عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: صَلَّى بِنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ صَلَاةً فَأَوْجَزَ فِيهَا، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ: لَقَدْ خَفَّفْتَ، أَوْ أَوْجَزْتَ الصَّلَاةَ، فَقَالَ: أَمَّا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ دَعَوْتُ فِيهَا بِدَعَوَاتٍ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَامَ تَبِعَهُ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ، هُوَ أُبَيٌّ، غَيْرَ أَنَّهُ كَنَى عَنْ نَفْسِهِ، فَسَأَلَهُ عَنْ الدُّعَاءِ، ثُمَّ جَاءَ فَأَخْبَرَ بِهِ الْقَوْمَ:
            (( اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي، اللَّهُمَّ وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ ))[ النسائي، أحمد ] هذا من أدعية النبي.
            (( اللهم أغنني بالعلم، وزيني بالحلم، وجملني بالتقوى، وأكرمني بالعافية ))[ الجامع الصغير عن ابن عمر بسند فيه ضعف ] هذه أدعية النبي عليه الصلاة والسلام.
            أنا لا أستطيع أن أبتعد عن الواقع، الحاجة إلى الجمال مودعة في كل إنسان، فإن لبّاها وفق منهج الله كانت حياته كاملة، وإن أهملها يشقى.
            ليس هذا هو الجمال المطلوب: أحياناً تتألم ألماً شديداً، تزور قرية مسلمة فترى فيها إهمالا، فيها فوضى، فيها مناظر مخرشة للعين، وأحياناً تزور بلدة أخرى غير مسلمة ترى فيها الأناقة في البيوت، الورود على الشرفات، الطرقات النظيفة، الحدائق الغناء، شيء يلفت النظر، ويؤلم أشد الألم، من قال: إن الجمال وقفٌ على هؤلاء ؟ الإسلام جميل، وربنا جميل، ويحب الجمال، لكن سبحان الله ! الإنسان أحياناً يفهم من هذا الموضوع شيئًا آخر ما أراده الله، يفهم أن يتعلق بالمرأة، يقول لك:(( إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ ))يطلق بصره في الحرام، ويخالف الواحد الديان ويقول:
            (( إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ ))ليس هذا هو المعنى.
            المعاني الحسية والأخلاقية والأدبية للجمال:
            الجمال له معانٍ لا تنتهي، ولاسيما أن الجمال له معانٍ حسية، وله معان أخلاقية، والله موقف أخلاقي تذكره، وكأنك تستمتع بالجمال، هناك مواقف أخلاقية، مواقف الوفاء، مواقف الرحمة، مواقف التواضع، مواقف العفو، مواقف الإنصاف، الجمال كلمة واسعة جداً، وعندنا فعل جميل، وعندنا إنسان قوي، ومتواضع، عندنا إنسان غني وسخي، عندنا إنسان متفوق في علمه، ومع ذلك يحبه مَن حوله، فالجمال معناه واسع جداً.
            لعلي أقول: إن أقلّه الجمال الحسي، لكن اتساع المفهوم يشمل كل شيء، فهناك كلمة جميلة، الأدب أدب، الأدب فن.
            مثلاً قال أحدهم: تكاثرت عليّ المصائب، هذا كلام، لكن غيره قال:

            رماني الدهر بالأرزاء حتى كأني في غشاء مـن نبـال
            فصرت إذا أصابتني سهام تكسرت النصال على النصال
            ***

            هذا أدب، فالكلمة الجميلة أدب، والحركة الجميلة رشاقة، والصوت الجميل نغم، فالجمال واسع جداً يشمل كل حياتنا، وفي جوانب منها كثيرة جداً مباح، بل مطلوب.

            (( فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ ))[ الترمذي وأبو داود ] هذا كلام النبي عليه الصلاة والسلام.
            أنا أتمنى أن يكون في حياتنا مسحة من الجمال، لأننا مسلمون، ولا ينبغي أن يوازن بين مسلم بيته مضطرب، فيه مناظر مؤذية، وبين غير مسلم فيه أناقة في بيته، كلما ذكرت الأناقة والجمال لا أقصد المال إطلاقاً، قد تكون أفقر الناس، لكن هناك أذواق، هناك تناسب ألوان، هناك طلاء رخيص، لكن الطلاء يملأ القلب بهجة.
            أحيانا يسكن إنسان في بيت من دون طلاء، المناظر مؤذية، منظر الإسمنت مؤذٍ، لو طلاه بطلاء رخيص أبيض، بلون سماوي، أو لون زهري، يشعر براحة، الآن علم الألوان له علاقة بسلوك الإنسان، وهناك مكان ينتحر فيه الغربيون، طلوه باللون الأخضر فخفت نسبة الانتحار.
            انظر إلى السماء الزرقاء، والحقول الخضراء، ألوان مريحة جداً، الله جميل، انظر إلى العصافير، والله فيها ألوان تأخذ بالألباب، انظر إلى الفراشات، انظر إلى الحقول، انظر إلى الفواكه، دعك أنها فاكهة تؤكل، لها منظر رائع جداً.
            اسم ( الجميل ) تجلى على هذا فكان جميلاً، يجب أن تكون حياتك جميلة، في بيتك، في عملك، في هندامك، في مركبتك، والنظافة أصل في الجمال، وتناسب الألوان أصل في الجمال، ورقة العبارة أصل في الجمال.
            كان سيدنا عمر إذا مر على أناس يشعلون النار، يقول: السلام عليكم، يا أهل الضوء، ولم يقل: السلام عليكم يا أصحاب النار.
            في اللغة عبارات جميلة جداً فيها ذكاء، فيها لطف.
            جاءت امرأة تشكو زوجها إلى سيدنا عمر، متألمة جداً منه، أهملها إهمالاً كلياً، قالت: يا أمير المؤمنين، إن زوجي صوام قوام، ما انتبه سيدنا عمر، قال لها: << بارك الله لكِ بزوجك، سيدنا علي قال له: لا، إنها تشكو زوجها >>، انظر إلى الأدب، وهي تشكو زوجها.
            والله في أقوال الصحابة أدب، أنا أساساً أرفض أن تقول: لا حياء في الدين، الدين كله حياء.

            ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ ﴾( سورة المعارج ) كل أنواع الانحراف الجنسي دخلت في هذه الآية.
            ﴿ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾( سورة المعارج ) لذلك الكلمة الجميلة، والثياب جميلة، والبيت جميل، والمحل التجاري جميل، والحركة جميلة، و جلسة وراء مقود السيارة فيها أدب، وفيها جمال، وهناك جلسة فيها غطرسة.
            (( إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ ))
            خاتمة:

            وأتمنى أن يكون الجمال جزاءً أساسياً في حياتنا، تنظيم البيت يريح، وقالوا: الجمال في البساطة، فقد ترى مركبة أحياناً كلها زينات، وكلها تعليقات، وكلها كلمات، شيء منفر، دعها طبيعية، المركبة أجمل بكثير.
            فنحن بحاجة إلى الجمال، لأن حياتنا كلها دم، وكلها قهر، وكلها قتل، وكلها تدمير، وكلها خراب، هذه مشكلة كبيرة، والله أتمنى عليكم ألا تسمحوا لأولادكم بمتابعة الأخبار من شدة ما تترك هذه الأخبار من انعكاسات سيئة في نفوس الصغار.



            التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 30-04-2017, 11:01 PM.
            من قال سبحان اللهِ وبحمدِه في يومٍ مائةَ مرةٍ، حُطَّتْ خطاياه ولو كانتْ مثلَ زبدِ البحرِ
            موسوعة الكلم الطيب

            سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر استغفرالله

            تعليق


            • #21
              رد: مـــــــع اللـــــــــه-أسماء الله الحسنى ...للدكتور محمد راتب النابلسي

              اسم الله المعطي 1
              بسم الله الرحمن الرحيم


              الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.



              من أسماء الله الحسنى: ( المُعطي ): أيها الإخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى وهو اسم ( المعطي ).
              1– ورودُ اسم ( المعطي ) في السنة الصحيحة: لم يرد هذا الاسم في القرآن الكريم، بل ورد في السنة، ففي صحيح البخاري عَنْ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(( مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَاللَّهُ الْمُعْطِي، وَأَنَا الْقَاسِمُ، وَلَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ ))[ متفق عليه ]
              2 – أعظمُ عطاءٍ من اللهِ هو العلمُ: أول ملمح في الحديث كرامة العلم أعظم كرامة، قال تعالى:﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾( سورة النساء )

              لأن الله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان قوة إدراكية، وما لم يبحث عن الحقيقة، وما لم يطلب العلم فقد هبط من مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به.
              لذلك: كرامة العلم أعظم كرامة عند الله، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم.


              ﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾( سورة الزمر )﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾( سورة المجادلة )

              فالله سبحانه وتعالى اعتمد في القرآن الكريم العلم والعمل كقيمتين مرجِّحتين بين خلقه، فبطولة الإنسان أن تأتي مقاييس التفوق عنده كما هي في القرآن.
              الناس في الدنيا يعظِّمون الأغنياء والأقوياء، لكن القرآن الكريم بيّن لنا أن رتبة العلم أعلى الرتب:


              ﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾العلمُ بالله وبخَلق الله وبأمرِ الله: وكما تعلمون هناك علم بخلقه، وعلم بأمره، وعلم به، العلم بخلقه وبأمره يحتاجان إلى مدارسة، إلى كتاب، وإلى معلّم، وإلى شهادة، وإلى امتحان، هذه مدارسة، لكن العلم به يحتاج إلى مجاهدة.
              على كلٍ في الملمح الأول من الحديث الشريف:
              (( مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ))

              والبطولة لا أن يكون طلب العلم في أوقاتك الهامشية، يجب أن يكون طلب العلم جزءاً من خطتك في الحياة، لأن هناك إنسانا بحسب فراغه يطلب العلم، لكنْ عنده أشياء أساسية لا يعلو عليها شيء، أما المؤمن فطلب العلم جزء أساسي من حياته، ولا يعلو عليه شيء، وقد قال سيدنا علي رضي الله عنه: << يل بني، العلم خير من المال، لأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق، يا بني، مات خزان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة >>.
              إذاً: في الإنسان حاجات سفلى، وحاجات عليا، الحاجة العليا الكبيرة طلب العلم، فما لم يطلب الإنسان العلم لا يرقى إلى مستوى إنسانيته، والإنسان من دون علم وُصِف في القرآن الكريم بأنه:



              ﴿ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾( سورة الفرقان ) ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ﴾ ( سورة الجمعة الآية: 5 ) ﴿ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ﴾ ( سورة الأعراف الآية: 176 )

              بل أبلغ من ذلك:


              ﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ﴾( سورة المنافقون الآية: 4 )
              لذلك الذي يرقى بالإنسان إلى مستوى إنسانيته، وإلى مستوى يليق به هو طلب العلم.
              3
              – الماء من عطاء الله:
              إلا أن الحديث فيه ملمح ثانٍ، وهو موضوع درسنا:(( وَاللهُ المُعْطِي وَأَنَا القَاسِمُ ))

              الملمح الثاني: أنه الأصل أن هذا الماء من عطاء الله، نحن وضعناه في خزانات، وسُقناه إلى البيوت بأنابيب، ووزّعناه بقوارير، هذا عمل ثانوي، لا يعد من صلب الماء، الماء منحة من الله عز وجل، فكل شيء الأصل أنه عطاء من الله، نحن تفننا بعرضه، بتعليبه، بتغليفه، بوصوله، أما الأصل فإن الله هو المعطي.


              (( وَاللهُ المُعْطِي وَأَنَا القَاسِمُ )
              4 – المعطي المانع: دائماً وأبداً في الأسماء الحسنى أسماء يجب أن تلفظ معاً، كاسم " الضار "، الأولى أن يلفظ اسم " الضار " مع اسم " النافع "، تقول: " الضار النافع "، " المعطي المانع "، " المعز المذل "، لماذا ؟ لأن الله سبحانه وتعالى يمنع ليعطي، ويأخذ ليعطي، ويخفض لرفع، ويذل ليعز، لأن الإنسان حمل الأمانة، لكنه قصر في حملها، فتأتي المعالجة.
              الفرق واضح جداً، بين من يعين موظفاً، ويعطيه مدة ستة أشهر ليمتحنه، مهمة صاحب المؤسسة أن يحسب على هذا الموظف أخطاءه، لكن بلا رحمة، إذا كانت بحجم لا يحتمل ألغى عقده، أما لو أن كان هذا الموظف ابنه فإنه يتابعه، كل خطأ يوقفه عنده، ويعطيه التوجيه، لأن رحمة الأب تقتضي المتابعة، ولأن الله رب العالمين رحيم بعباده، فإذا أخطاء الإنسان تابعه بالمعالجة.
              أنا أتصور لو أن الله سبحانه وتعالى لم يربِّ عباده فإن معظمهم إلى النار، لكن هذا ربّاه بمرض، هذا بقلق، أو بشبح مصيبة، أو بضيق معين، الله عز وجل يسوقنا إلى بابه سوقاً، وهذا من نِعم الله عز وجل، فهو معطٍ ومانع، خافض ورافع، معز ومذل، وقد ورد في الأثر:
              (( إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء ))[ رواه الديلمي عن ابن عمر ]

              لا تستقيم الدنيا لأحَدٍ، وهذا لحكمة بالغةٍ أرادها الله.


              (( ودار تَرحٍ لا دار فرح ))

              فيها أحزان، فيها آلام، فيها فراق الأحبة، فيها أمراض تصيب الأولاد أحياناً.


              (( ودار ترح لا دار فرح فمن عرفها ))

              أي: مَن عرف حقيقة الدنيا.


              (( لم يفرح لرخاء ))

              لأنه مؤقّت.


              (( ولم يحزن لشدة ))

              لأنه مؤقّت، الموت ينهي كل شدة، الموت ينهي قوة القوي، وغنى الغني، وذكاء الذكي، وصحة الصحيح، لذلك:



              (( فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشدة، ألا وإن الله تعالى خلق الدنيا دار بلوى ))﴿ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾( سورة المؤمنون )

              لذلك:


              ((ألا وإن الله تعالى خلق الدنيا دارَ بلوى، والآخرة دار عقبى، فجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضا، فيأخذ ويبتلي ليجزي ))

              في بعض الأحاديث القدسية، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ:


              (( يَا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ ؟ يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي ؟ يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي ؟ ))[ أخرجه مسلم ]

              الله عز وجل حينما أخذ من الإنسان بعض صحته ليعوِّضه أضعافاً مضاعفة من القرب والسكينة.


              ((أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ ؟ )) فهذه فكرة دقيقة جداً، الله عز وجل يأخذ ليعطي، يمنع ليعطي، يخفض ليرفع يضر لينفع، هذه الأسماء الأَولى أن تذكر مَثْنى مَثْنَى.
              5 – من عطاء الله نعمة الإيجاد: شيء آخر، الله عز وجل ما الذي أعطانا إياه ؟ النعم الكبرى الصارخة، أعطانا نعمة الإيجاد، فإنه أوجدنا.﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا ﴾( سورة الإنسان ) أنت موجود، لك كيان، لك اسم، لك زوجة، لك أولاد، لك بيت، لك مكانة، عندك قناعات.
              لذلك نعمة الإيجاد النعمة الأولى، وأنا أحياناً لما أتصفح كتابا، وأطلع على تاريخ تأليفه، فإذا كان تاريخ التأليف قبل ولادتي أتخذ موعظة كبيرة، أنا في هذا التاريخ أين كنت؟ ما لي اسم في الأرض كلها.
              6 – من عطاء الله نعمةُ الإمداد: منحك الله نعمة الإيجاد، لا يكفي الإيجاد، أعطاك جهاز تنفس الهواء، أعطاك جهاز هضم، هناك ماء، وطعام، ولحوم، وخضراوات، ومحاصيل، وأنت بحاجة إلى طرف آخر فخلق المرأة من أجلك، وخلقك من أجلها، أعطاك النصف الآخر، فأنجبت أولادا ملؤوا البيت فرحة، منحك نعمة الإيجاد، ومنحك نعمة الإمداد.
              7– من عطاء الله نعمةُ الهدى والرشاد: أحيانا يشق الطريق، بعد حين توجد الشاخصات، هنا منحدر زلق، وهنا تقاطع خطر، وهنا الطريق ضيقة، هذه الشاخصات هداية للسائقين.
              فبعد أن منحك نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، منحك نعمة الهدى والرشاد، هذه نعم كبرى، فضلاً على أنها نِعَمٌ لا تعد ولا تحصى.
              8 – من عطاء الله تسخير الكون تسخير تعريف وتكريم: لكن الكون أكبر ثابت في الإيمان، هذا الكون بنص القرآن الكريم سُخر للإنسان تسخير تعريف وتكريم، الدليل:﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ﴾( سورة الجاثية الآية: 13 )

              بالمناسبة، المسخَّر له أكرم من المسخَّر، الإنسان سُخِّر له ما في الكون، فهو المسخَّر له، وهو أكرم عند الله من الشيء المسخَّر، وهذه حقيقة أولى، الإنسان هو المخلوق المكرَّم المكلَّف.


              ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾( سورة الأحزاب الآية: 72 )

              لأنه قَبِل حمل الأمانة، كان المخلوق الأول تكريما وتكليفا، لذلك قال سيدنا علي: << رُكِّب الملَك من عقل بلا شهوة، ورُكّب الحيوان من شهوة بلا عقل، ورُكّب الإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سَمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان >>، هذا الكلام خطير جداً تؤكده الآية الكريمة:


              ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾( سورة البينة )

              على الإطلاق، لمجرد أنك إنسان في الأصل فأنت فوق المخلوقات جميعاً:


              ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾( سورة البينة )

              بالمقابل: << وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان >>.


              ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ﴾( سورة البينة ) بين أن تكون أرقى من الملائكة، وبين أن يكون الإنسان الذي كفر بربه دون أحقر حيوان فراق كبير جدا، فلذلك أعطانا هذا الكون، وسخّره لنا تسخير تعريف وتكريم.موقف المؤمن من تسخير التعريف والتكريم: لو أن إنسانا قدّم لك جهازا متطورا جداً، وفيه قفزة نوعية بخصائصه، وهو من اختراعه، فقدمه لك هدية، يجب أن ينتابك شعورٌ، شعور التعظيم له على هذا الإنجاز العلمي الكبير، وشعور الامتنان، لأنه قدّمه لك مجاناً، ولأن الله سبحانه وتعالى سخر للإنسان:﴿ مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ﴾

              تسخير تعريف وتكريم، فردّ فعل التعريف أن تؤمن، ورد فعل التكريم، أن تشكر، لمجرد أنك آمنت، وشكرت فقد حققت الهدف من وجودك، وإذا حُقق الهدف من الوجود تتوقف كل أنواع المعالجة، الآية:


              ﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾( سورة النساء الآية: 147 )

              إذا آمنت بهذا الإله العظيم، والرب الكريم، والمسيّر الحكيم، صاحب الأسماء الحسنى، والصفات الفضلى، إنك إن آمنت، ثم أيقنت أنه منحك نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد فقد حققت الهدف من وجودك، لذلك تتوقف عندها جميع أنواع المعالجات، والآية دقيقة جداً:


              ﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾( سورة النساء الآية: 147 )(( يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ ))[ رواه مسلم عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه ]

              لأن عطائي كلام، وأخذي كلام، كن فيكون، زل فيزول.
              الآن الدقة البالغة في الحديث:


              (( فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ ))[ رواه سلم عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه ]

              لا تعتب على أحد.



              ﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾( سورة الشورى )(( ما من عثرة، واختلاج عرق، وخدش عود، إلا بما كسبت أيديكم، وما يعفو الله أكبر ))[ ورد في الأثر ]رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى النقطة الدقيقة في هذا اللقاء: قال تعالى:﴿ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى ﴾( سورة طه ) فرعون سأل سيدنا موسى:﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾( سورة طه )

              ما معنى قول النبي ؟


              (( أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ ))[ ابن ماجه عن ابن عمر ]

              ما قال: أعطوه أجراً، أجره الذي يعادل جهده، أجره الذي يحقق له كرامته، بالمقابل:


              ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾( سورة طه ) أعطاه الخلق الكامل.الإنسان خَلَقه الله خَلْقًا كاملاً:﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾( سورة التين )
              1 – العينان: أعطاه عينين، لماذا أعطاه عينين، ولم تكن عيناً واحدة ؟ بالعينين يدرك البُعد الثالث، بعين واحدة يدرك بُعدين، الطول والعرض، بالعين الثانية تدرك البعد الثالث، أنت ترى الطول والعرض والعمق، والدليل أنك بعينٍ واحدة لا تستطيع أن تضم إبرة، يأتي الخيط بعيدا عن الإبرة عشرة سنتيمترات، بالعينين معًا تعرف المسافة.﴿ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ﴾( سورة البلد )

              العين جعل مادة مضادة للتشنج، بالميل متر المربع في شبكية العين في مئة مليون مستقبل ضوئي، عصية ومخروط بالميل متر مربع بشبكية العين فيها مئة مليون من أجل صورة دقيقة جداً، من أجل أن تميز بين 8 ملايين لون، واللون الواحد لو دُرج 800 ألف درجة لفرقت العين البشرية بين لونين، لذلك:


              ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾( سورة التين )
              2 – الشَّعرُ: أعطاك شَعرا، ففي الرأس تقريباً بالشكل المتوسط 300 ألف شعرة، لكل شعرة وريد، وشريان، وعصب، وعضلة، وغدة دهنية، وغدة صبغة، والحكمة البالغة أنه ليس في الشعر أعصابُ حسٍّ، لو فيه أعصاب حس لكانت عملية حلاقة الشعر تحتاج إلى مستشفى، وإلى تخدير كامل، هذه من حكمة الله عز وجل.
              3 – الأنف: الأنف فيه عشرون مليون عصب شمٍّ، ينتهي كل عصب بسبعة أهداب، الهدب مغمس بمادة تتفاعل مع الرائحة، تتشكل شكلا هندسيا، كرة، موشورا، هرما، هذا الشكل رمز الرائحة، يشحن إلى الدماغ للذاكرة الشمّية، وعندنا عشرة آلاف بند، هذا الشكل يعرض إلى أن يتوافق هذا الشكل مع هذا الشكل تقول: هذه رائحة كمون في الأكل، مثلاً، فالشمّ آلية معقدة جداً.﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾( سورة التين )﴿ أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾( سورة طه )
              4 – الأذنان: الأذنان: لمَ لمْ تكن أذنا واحدة ؟ بالأذن الواحدة لا يمكن أن تعرف جهة الصوت، بالأذنين تعرف الجهات، هناك صوت بوق لمركبة من اليمين، دخل هذا الصوت إلى هذه الأذن قبل هذه، والفرق الزمني واحد على 1620 جزءا من الثانية، فأدركت أن المركبة على اليمين، فأعطاك الدماغ أمرًا بالانحراف نحو اليسار، وهذه آلية معقدة جداً.﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾( سورة طه )
              5 – القدَمانِ وآلية التوازن: هدانا إليه، لو أن الإنسان ليس عنده قنوات توازن في الأذن لاحتاج إلى قَدَم مساحتها 70 سم حتى يقف، يحتاج إلى قاعدة ارتكاز واسعة جداً، أما لأن في الأذن جهاز توازن فيمكن عند الميل أن يصحح التوازن، ولولا هذا الجهاز لم ركب إنسان دراجة إطلاقاً، ولا مشى إنسان على الأرض، فالقدمان لطيفتان بحجم معقول جداً، وأنت واقف.
              إذاً: التوازن من آيات الله الدالة على الله.
              6 – أعصاب الحس في الأسنان: وضع الله عز وجل في لبّ السن عصب حسي، ليس له فائدة، إذا بدأ النخر، ووصل إليه لا تنام الليل، تسارع إلى الطبيب، ولولا هذا العصب لخسر الإنسان كل أسنانه، العصب الحسي جهاز إنذار مبكر.
              7 – آلية اجتماع اللعاب في أثناء النوم: وأنت نائم غارق في النوم يجتمع اللعاب في فمك، تذهب رسالة إلى الدماغ، اللعاب زاد على حده، يأتي أمر من الدماغ وأنت نائم، يفتح البلعوم لسان المزمار، يغلق القصبة الهوائية، يفتح المريء فتبلع ريقك، وأنت نائم:﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾( سورة التين )
              8 – البروستاتة: البروستاتة تقع بين مجرى البول ومجرى ماء الحياة، عند الالتقاء، هذه في اللقاء الزوجي تفرز مادة مطهرة، ومادة مغذية، ومادة معطرة، هذه البروستاتة موضعها في مكان حرج عند ملتقى ماء الحياة مع بول الإنسان، ففي حال الحمل يجب أن يكون المجرى طاهراً، فتفرز مادة مطهرة، ومغذية، ومعطرة:﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾( سورة التين ).

              الخاتمة: الموضوع طويل جداً، موضوع أن نكتشف عظمة خلق الإنسان، هذا من التفكر في خلق السماوات والأرض.﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾( سورة آل عمران )


              إنّ جزءًا من الإيمان أن تتفكر في خلق السماوات والأرض، المعلومات موجودة، لكن لا تقرأ هذه المعلومات قراءة إيمانية، ندرسها في كلية الطب، لكن لا تقرأ قراءة إيمانية.
              لو فكر الإنسان في جسمه، فكر في حواسه الخمس، فكر في أجهزته، فكر في جهاز الدوران، في القلب، في جهاز الأعصاب، في جهاز الهضم، فهذه آيات دالة على عظمة الله عز وجل:


              ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾( سورة طه )


              التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 30-04-2017, 11:24 PM.
              من قال سبحان اللهِ وبحمدِه في يومٍ مائةَ مرةٍ، حُطَّتْ خطاياه ولو كانتْ مثلَ زبدِ البحرِ
              موسوعة الكلم الطيب

              سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر استغفرالله

              تعليق


              • #22
                رد: مـــــــع اللـــــــــه-أسماء الله الحسنى ...للدكتور محمد راتب النابلسي

                اسم الله المعطي 2
                بسم الله الرحمن الرحيم


                الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.


                من أسماء الله الحسنى: ( المعطي ):
                1 – العطاء الدنيوي ينقضي بفناء الدنيا: أيها الإخوة الكرام، لا زلنا في اسم ( المعطي )، ولو تساءلنا: ماذا يعطينا الله عز وجل ؟ يعطينا نعماً دنيوية، يعطينا الصحة، يعطينا القوة، يعطينا المال، يعطينا الجمال، ويعطينا نعماً إيمانية، يعطينا السكينة، يعطينا الأمن، يعطينا الرضى، يعطينا السعادة، يعطينا نعماً لا تعد ولا تحصى، لكن نعم الله عز وجل ما كان منها في الدنيا تنقضي بانقضاء الدنيا.
                فلذلك يقول الله عز وجل:
                ﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾( سورة الفجر )

                جاء الجواب مع الردع:


                ﴿ كَلَّا ﴾( سورة الفجر )
                2 – الرضى بالعطاء والمنع هو رضى بالقضاء والقدر: يعني: يا عبادي، ليس عطائي إكراماً في الدنيا، ولا منعي حرماناً، عطائي ابتلاء، وحرماني دواء.
                فلذلك الله يعطي الصحة، والذكاء، والقوة، والجمال، والمال للكثيرين من خَلقه، ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين، يعطيك نعماً إيمانية، يعطيك الرضى، فأنت راضٍ عن الله، راضٍ عن نفسك، بمعنى أنك قبلت قضاء الله وقدره، راضٍ عمّا نزل بك من مِحنٍ، ليقينك القطعي أنه هناك حكمة بالغة.
                فلذلك أيها الإخوة، حينما نؤمن أن كل شيء بقضاء من الله وقدر، وأن الإيمان بالقدر يذهب الهمّ والحزن، وأن الإيمان بالقدر نظام التوحيد نكون قد عرفنا حقيقة العطاء، لكن ولكل شيء حقيقة، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
                (( لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ، وَمَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ ))[ أخرجه أحمد في مسنده]

                وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:



                (( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ، وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ))[ رواه مسلم ]

                ولا ينبغي للمؤمن أن يقول: لو، ليس في قاموس المؤمن كلمة ( لو )، لو لم أَسِرْ في هذا الطريق لم يقع الحادث، هذا طريق مسدود، لكن قل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(( لَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللَّهُ، وَما شاء فَعَلَ، فإنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطانِ ))وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ الله عز وجل حينما يقول:﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ ﴾( سورة العنكبوت الآية: 45 )




                مِن أدق معاني هذه الآية أن ذِكركَ لله عز وجل أكبر من كل شيء، وأن الله يذكرك، لكن ذكر الله لك أكبر من ذكرك له، فإذا ذكرته أديت واجب العبودية، لكنه إذا ذكرك أعطاك الأمن، والأمن نعمة خاصة بالمؤمنين.


                ﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ﴾( سورة آل عمران الآية: 151 )

                أما المؤمنون:


                ﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾( سورة آل عمران )

                إذاً: ذكر الله لك أكبر من ذكرك له، إن ذكرك منحك الحكمة.


                ﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيراً ﴾( سورة البقرة الآية: 269 ) ذكر الله لك يمنحك السكينة، سعادة ما بعدها سعادة، لا يعرفها إلا من ذاقها، إذا ذكرك الله عز وجل أعطاك الرضى، لذلك يعطي الله نِعماً دنيوية، ويعطي نعما أخروية، أو يعطي نعمًا إيمانية، النعم الإيمانية تسعد بها إلى أبد الآبدين، والنعم الدنيوية تنقضي بانقضاء الدنيا.
                فلذلك ليس عطائي إكراماً، ومنعي حرماناً، عطائي ابتلاء، وحرماني دواء.
                مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ الآن:﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا * كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴾( سورة الإسراء )

                قد يختار إنسان الغنى، ثم يموت، وتبقى أغانيه تذاع في الإذاعات إلى يوم القيامة، وقد يختار إنسان القرآن، ثم ويموت، وتبقى تلاوته تذاع في الإذاعات إلى يوم القيامة:


                ﴿ كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ ﴾( سورة الإسراء )

                هناك إنسان بنى مسجدا، وإنسان بنى ملهى، الإنسان مخير، فاختر ما شئت، وافعل ما شئت، لكن كل شيء له حسابه.


                ﴿ كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴾( سورة الإسراء )

                الله عز وجل لا يتعامل مع التمنيات.


                ﴿ لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾( سورة النساء الآية: 123 ) التمنيات بضائع الحمقى، الله عز وجل يتعامل مع الصدق.وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا﴿ وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ﴾( سورة الإسراء الآية: 19 )

                علامة إرادتها صادقاً:


                ﴿ وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا ﴾( سورة الإسراء الآية: 19 )

                فلذلك هذه الآية أصل في العقيدة، الله عز وجل خلقك، منحك حرية الاختيار، وقال لك: عبدي اطلب تُعْطَ، إن أردت الدنيا أخذت الدنيا، لكن ما لك:


                ﴿ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ ﴾( سورة البقرة الآية: 200 ) إن أردت الآخرة تأتك الدنيا وهي راغمة، لذلك أقول دائماً: من آثر آخرته على دنياه ربحهما معاً، ومن آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً.إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ الآية الكريمة:﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾( سورة الكوثر )

                أيها الإخوة، أيّ عطاء ينتهي بالموت ليس في كرم الله عطاء، لكن عطاء الله عطاء أبدي مستمر، فلذلك:


                ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾( سورة الكوثر )

                قال علماء التفسير: كل مؤمن بقدر إيمانه، واستقامته وعمله الصالح له من هذه الآية نصيب.


                ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾( سورة الشرح )

                كل مؤمن بحسب إيمانه، واستقامته، وإخلاصه له من هذه الآية نصيب، أما العطاء البدي السرمدي الذي خلقنا من أجله:


                ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾( سورة هود )العاقل من يعيش المستقبل: كلنا ينتقل من بيت إلى قبر، والبيت معتنى فيه جداً، فيه زوجة وأولاد، وغرف ضيوف، وغرف جلوس، مطبخ، حمام، مركبة واقفة عند الباب، هناك نزهات، فإذا توقف القلب وُضع في القبر، ماذا في القبر ؟
                الذكاء والتوفيق والعقل أن تعيش المستقبل، لا أن تعيش الماضي، ولا أن تعيش الحاضر، الذي يعيش الماضي غبي، لأنه ما مضى فات والمؤمل غيب، ولك الساعة التي أنت فيها، والذي يعيش المستقبل هو أعقل العقلاء، ماذا في المستقبل ؟ مغادرة الدنيا، ماذا أعددنا لهذه الساعة ؟ فلذلك الجنة عطاء غير محدود، لكن ما هي الخسارة ؟
                ﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾( سورة الزمر الآية: 15 ) إنسان باع بيته، وباع معمله، وباع بيت المصيف، وباع بيتا على البحر، وباع كل أدواته ومركباته، وهذا المبلغ بطريقة أو بأخرى فَقَده، يشعر بخسارة لا تحتمل، الآخرة الخسارة فيها أشد، خُلقت للأبد فخسرت الأبد، من أجل سنوات معدودة أمضاها الإنسان في المعاصي والآثام.
                3 – المعنى التوحيدي في العطاء والمنع:كن مع الله تر الله معك واترك الكل وحاذر طمعك

                هناك معنى توحيدي في العطاء.


                وإذا أعطــاك من يمنعه ثم من يعطي إذا ما منعـك

                يدخل التوحيد في معنى العطاء، لأنه لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، علاقتك مع الله، فهذا هو التوحيد الله وحده هو الرافع، والخافض، والمعز، والمذل والمانع، والمعطي، ولا إله إلا الله، وهذا الدين لا يقوم إلا على التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، ونهاية العلم التوحيد، ونهاية العمل التقوى.
                ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، هذا معنى قوله تعالى:


                ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾( سورة لقمان الآية: 20 )

                المصائب والحرمان والمتاعب نِعَمٌ باطنة، لأن الله عز وجل يقول:


                ﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾( سورة النساء الآية: 147 ) حينما يؤمن الإنسان ويشكر تنتهي كل المعالجات، لأنه حقق الهدف من وجوده، إذاً:وإذا أعطــاك من يمنعه ثم من يعطي إذا ما منعـك

                لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعك، علاقتك مع الله عز وجل.
                فلذلك سيدنا سعد ابن أبي وقاص إذا دخل على النبي عليه الصلاة والسلام كان يداعبه، لأنه يحبه حباً جما، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَقْبَلَ سَعْدٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:


                (( هَذَا خَالِي، فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ ))[ الترمذي ]

                وفداه بأبيه وأمه.


                (( ارْمِ سَعْدٌ فِدَاكَ أَبِي وَأُمّي ))[ أخرجه الشيخان عن علي بن أبي طالب ]

                وبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له عمر كلمة توحيد، قال له: << يا سعد، لا يغرنك أنه قد قيل: خال رسول الله، فالخلق كلهم عند الله سواسية، ليس بينه وبينهم قرابة إلا طاعته >>.
                هذا المعنى يدفعنا إلى الله دفعاً، كلنا عباده، وتجري علينا مقاييس واحدة، ونقيّم بقيمٍ واحدة.


                ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾( سورة الحجرات الآية: 13 )

                أحياناً تأتي المصيبة فتكون سبب الهداية، حينما تكشف لك حكمتها تذوب كالشمعة محبة لله، هذا معنى قوله تعالى:


                ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾( سورة البقرة )

                يجب أن تؤمن إيماناً قطعياً أن المصائب نِعَمٌ، وأن الرضى بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين، وأن المصائب تعني أنك ضمن عناية الله، وأن المصائب تعني أنك ضمن رحمة الله، لذلك:


                ﴿ فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ ﴾( سورة الأنعام الآية: 147 )

                مما تقتضيه رحمة الله.


                ﴿ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾( سورة الأنعام )

                صدقوا أيها الإخوة، إذا دخلت إلى مسجد فقد تجد عددا كبيرا جداً من رواد المسجد اصطلحوا مع الله عقب تدبير حكيم، عقب شبح مصيبة، عقب تهديد، عقب خطورة على الرزق، خطورة على المنصب، فالإنسان ليس له إلا الله، وحينما قال الله عز وجل:


                ﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾( سورة المعارج )
                4 – العطاء من صفات الأنبياء والمؤمنين: فإنه يعني أن الإنسان شحيح، وحريص على ما في يديه، لكنه إذا اتصل بالله عز وجل أصبح سخياً، كما أنه يتلقى من الله عطاء، يتقرب إلى الله بكمال مشتق من كماله فيعطي، فلذلك الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، والأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، والمؤمن يبني حياته على العطاء، كيف ؟﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾( سورة الليل )

                بنى حياته على العطاء، بالتعبير المعاصر بنى استراتيجيته على العطاء، العطاء سمة عميقة من سماته، فيعطي من وقته، ويعطي من ماله، ويعطي من خبرته، ويعطي من عضلاته في سبيل مرضاة الله عز وجل، لذلك قال الله تعالى:


                ﴿ مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾( سورة البقرة الآية: 245 ) فأيّ عمل صالح فهو في حقيقته قرض لله عز وجل.5 – المنع هو عطاء من الحكيم: الآن: إذا كشف لك الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء، وأحياناً:﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾( سورة الشورى )

                في آية ثانية:


                ﴿ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾( سورة التغابن الآية: 11 )

                إلى حمتها، فإذا كشف الله لك الحكمة فيما ساقه إليك عاد المنع عين العطاء، ومن أدق الأحاديث الشريفة:


                (( إن الله ليحمي صفيه من الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه من الطعام ))

                في رواية أخرى:


                (( إن الله ليحمي صفيه من الدنيا كما يحمي الراعي الشفيق غنمه عن مراتع الهلكة ))[ أخرجه البيهقي عن حذيفة بسند فيه ضعف ]

                حينما تؤمن أنك بعين الله، وبعنايته، وبرعايته، وبحكمته، وأن الذي ساقه إليك محض محبة، ومحض حكمة، ومحض خير ترضى عن الله.
                كان أحدهم يطوف حول الكعبة فقال: " يا رب، هل أنت راضٍ عني ؟ كان وراءه الإمام الشافعي، قال له: يا هذا، هل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى عنك ؟ قال له: سبحان الله ! مَن أنت يرحمك الله ؟ قال له: أنا محمد بن إدريس، قال له: كيف أرضى عن الله، وأنا أتمنى رضاه ؟ هذا الكلام ما فهمه، قال له: إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله "، والدليل:


                ﴿ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ﴾( سورة المائدة الآية: 119 )

                يجب أن ترضى عن الله، يجب أن ترضى عن قضائه وعن قدره، وعن حكمته، حين جعل إنسانا ذا دخل محدود، يا رب، لك الحمد، وإذا جعل إنسانا آخر بدخل غير محدود، يا رب، لك الحمد، تتمتع بصحة جيدة، يا رب، لك الحمد، فيك بعض الأمراض، يا رب، لك الحمد، زوجة صالحة جداً، يا رب لك الحمد، زوجة متعبة، يا رب لك الحمد.
                عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:



                (( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ))[ مسلم ]وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى أحيانا يمضي الإنسانُ سنوات طويلةً في الدراسة في بلد أجنبي، ولا دخل له، ووالده فقير، فيشتغل هذا الطالب في مطعم، أو يشتغل حارسا، ويدرس في النهار، وضعه المنظور مؤلم جداً، لكن هذا مستقبله مشرق جداً، حينما ينال الشهادة، ويعود إلى بلده، ويعيّن بمنصب رفيع، وله دخل وفير، وله مكانة اجتماعية، ينسى كل التعب الذي أصابه، فلذلك:﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾( سورة الضحى )

                أحيانا يقول الطبيب للمريض: تحمّل الآلام، إن شاء الله هناك شفاء مع الآلام.
                الإنسان بين يدي ربه مستسلم


                ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾( سورة الضحى )

                هذه الآية لرسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكنها تنسحب على كل مؤمن بقدر إيمانه واستقامته وإخلاصه


                ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾( سورة الضحى )

                الآن: عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ:



                (( آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ، قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ، قَالَ: فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، قَالَ: نَمْ، فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ، فَقَالَ: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، قَالَ سَلْمَانُ: قُمْ الْآنَ فَصَلَّيَا، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ سَلْمَانُ ))
                6– أَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ أنت تتلقى من الله العطاء، لكن ينبغي أن تتخلق بهذا الكمال الإلهي، أن تعطي، لذلك كان عليه الصلاة والسلام يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، المؤمن كريم، والكرم أحد أساسيات إيمانه، لأنه أيقن أن الدنيا ممر للآخرة، وأن ثمن الآخرة العمل الصالح، وأن حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، فبقدر تضحياتك ترقى عند الله.
                والله أنا ألتقي مع بعض الأشخاص يرسل من ماله الشيء الوفير للحق، للدعوة، لنشر الحق، لإطعام الفقراء والمساكين، والله أقول له كلمة: أنت تعمل بذكاء وبعقل، لأنك آمنت بالآخرة، وتعمل الآن لها.
                ((فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ))

                " إن لله عملاً بالليل لا يقبله في النهار، وإن لله عملاً بالنهار لا يقبله في الليل "
                الله عز وجل يحاسبك على زوجتك، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ:


                (( دَخَلَتْ عَلَيَّ خُوَيْلَةُ بِنْتُ حَكِيمِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْأَوْقَصِ السُّلَمِيَّةُ، وَكَانَتْ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، قَالَتْ: فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَذَاذَةَ هَيْئَتِهَا، فَقَالَ لِي: يَا عَائِشَةُ، مَا أَبَذَّ هَيْئَةَ خُوَيْلَةَ ! قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، امْرَأَةٌ لَا زَوْجَ لَهَا، يَصُومُ النَّهَارَ، وَيَقُومُ اللَّيْلَ، فَهِيَ كَمَنْ لَا زَوْجَ لَهَا، فَتَرَكَتْ نَفْسَهَا، وَأَضَاعَتْهَا، قَالَتْ: فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فَجَاءَهُ، فَقَالَ: يَا عُثْمَانُ، أَرَغْبَةً عَنْ سُنَّتِي ؟ قَالَ: فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَكِنْ سُنَّتَكَ أَطْلُبُ، قَالَ: فَإِنِّي أَنَامُ وَأُصَلِّي، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَنْكِحُ النِّسَاءَ، فَاتَّقِ اللَّهَ يَا عُثْمَانُ، فَإِنَّ لِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَصَلِّ وَنَمْ ))[ أحمد ](( وجاءت في اليوم التالي عطرة نضرة، فسألتها السيدة عائشة، ما الذي حصل ؟ قالت: أصابنا ما أصاب الناس ))[ الطبراني عن أبي موسى الأشعري ]

                حقوق العباد مبنية على المشاححة، وحقوق الله مبنية على المسامحة، فالزوجة لها حق، والابن له حق، وأنت كطبيب هذا المريض له حق عندك، يجب أن تنصحه، وأنت كمحامٍ هذا الموكل له حق عندك، وأنت كمدرس هذا الطالب له حق عندك.


                ((فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ))7 – لابد أن يكون العطاء لله والمنع لله: لكن في النهاية عندنا معنى دقيق جداً: من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان، المؤمن عطاءه وفق مبادئه، يعطي لله، ويمنع لله، يرضى بحسب مبادئه، يرضى ويغضب، يرضى لله، ويغضب لله، يصل لله، ويقطع لله، ليس عنده عمل عشوائي، وعادات وتقاليد مسيطرة عليه، يتحرك وفق مبادئ وقيم.
                عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
                (( مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ ))[ أبو داود]

                الله عز وجل يعطي الصحة والذكاء، والمال والجمال والقوة للكثيرين من خَلقه، ويعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين، ويعطي الحكمة بقدر، ويعطي الرضى بقدر، ويعطي الشعور بالفوز بقدر، الله عنده عطاءات دنيوية، وعطاءات أخروية، وعطاءه غير محدود.


                وإذا أعطاك من يمنعه ثم من يعطي إذا ما منعكالخلاصة الجامعة: والعطاء متعلق بالتوحيد، كل هذه المعاني الأولى متعقلة باسم الله ( المعطي )، لكن ينبغي أن تتخلق بخلق العطاء، النبي عليه الصلاة والسلام سأله أحد رؤساء القبائل: لمن هذا الوادي من الغنم ؟ قال له: هو لك، قال: أتهزأ بي ؟ قال له: لا والله، هو لك فقال: أشهد أنك رسول الله تعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وأنت إذا أعطيت أعطاك الله.(( أنفق، أنفق عليك ))[ متفق عليه ](( أنفق يا بلال، ولا تخشى من ذي العرش إقلالا ))[ أخرجه السيوطي عن بلال]

                والصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير.


                (( باكروا بالصدقة، فإن البلاء لا يتخطى الصدقة ))[ أخرجه البيهقي عن أنس ]

                والله عز وجل يسترضى بالصدقة، هذه خبرة عند المؤمنين، والله عز وجل حينما ترجو منه شيئاً، وتتوسل لهذا الرجاء بصدقة تنفقها على نية التوفيق، أو تحقيق ما تصبو إليه، فالله عز وجل يسترضى.
                إذاً: كما أن الله أعطاك نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمى الهدى والرشاد ينبغي أن تبني حياتك على العطاء، والناس كما تعلمون على اختلاف مللهم ونحلهم، وانتماءاتهم وأعراقهم وأنسابهم وطوائفهم لا يزيدون على رجلين ؛ رجل عرف الله فانضبط بمنهجه، وأحسن إلى خلقه، وبنى حياته على العطاء فسعد في الدنيا والآخرة، ورجل غفل عن الله، وتفلت من منهجه، وأساء إلى خلقه، فشقي وهلك في الدنيا والآخرة، والآية:



                ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾( سورة الليل )

                المكافأة الإلهية:


                ﴿ مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾( سورة الليل )
                ﴿ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى ﴾
                ( سورة الليل )
                والحمد لله رب العالمين
                التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 30-04-2017, 11:31 PM.
                من قال سبحان اللهِ وبحمدِه في يومٍ مائةَ مرةٍ، حُطَّتْ خطاياه ولو كانتْ مثلَ زبدِ البحرِ
                موسوعة الكلم الطيب

                سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر استغفرالله

                تعليق


                • #23
                  رد: مـــــــع اللـــــــــه-أسماء الله الحسنى ...للدكتور محمد راتب النابلسي

                  اسم الله الديان 1
                  بسم الله الرحمن الرحيم
                  الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.من أسماء الله الحسنى: ( الديَّان ):
                  1 – ورودُ اسم ( الديَّان ) في السنة النبوية: أيها الإخوة الكرام، مع اسم من أسماء الله الحسنى، و الاسم اليوم ( الديان )، ولم يَرِد هذا الاسم في القرآن، ولكنه ورد في حديث النبي العدنان، ورد دالاً على العلمية وعلى كمال الوصف.
                  عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن أُنَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
                  (( يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَوْ قَالَ: الْعِبَادُ عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا، قَالَ: قُلْنَا: وَمَا بُهْمًا ؟ قَالَ: لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مِنْ قُرْبٍ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ، وَلَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ، حَتَّى اللَّطْمَةُ، قَالَ: قُلْنَا: كَيْفَ وَإِنَّا إِنَّمَا نَأْتِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا ؟ قَالَ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ))[ أحمد في المسند بسند حسن ]2
                  – معنى: الديَّان:
                  و ( الديان ) مِن دانَ يدين، أي جاز يجازي، ويوم الدين هو يوم الجزاء.طريقة الإيمان باليوم الآخر:دائرة المحسوسات ودائرة المعقولات ودائرة الإخباريات: ولا بد من وقفة متأنية حول طريقة الإيمان بيوم الجزاء، بيوم الدين، ونحن في سورة الفاتحة نقرؤها كل يوم عشرات المرات:﴿ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾( سورة الفاتحة ) الحقيقة أن هناك دوائر ثلاث، دائرة المحسوسات، وأداة اليقين بها الحواس الخمس، ودائرة المعقولات، وأداة اليقين بها العقل، ودائرة الإخباريات، وأداة اليقين بها الخبر الصادق.
                  في الدين حينما نضع كل قضية، أو كل مقولة في مكانها الصحيح يسهل البحث فيها.
                  1 – دائرة المحسوسات: فالمحسوسات شيء ظهرت عينه وظهرت آثاره، ظهرت عينه أو ذاته، وظهرت آثاره، فأداة اليقين بها الحواس الخمس.
                  هناك ضوء متألق تراه بعينك، صوت مسموع تسمعه بأذنك، لون أبيض تدركه بالعين، شيء خشن تحسه باللمس، طعم مر تكتشفه بالذوق.
                  الله عز وجل أودع فينا الحواس الخمس، والعلوم حينما تطورت صنعت استطالات للحواس الخمس، فالمجهر استطالة للعين، والتلسكوب استطالة للعين، وتكبير الصوت استطالة للأذن.
                  إذاً: الدائرة الأولى دائرة المحسوسات، أداة اليقين بها الحواس الخمس، فأية قضية تعني شيئاً ظهرت عينه وآثاره أداة اليقين بها الحواس الخمس، هذه قضية لا خلاف فيها، ونحن نشترك فيها مع بقية المخلوقات.
                  إن الدابة حينما ترى حفرة تقف، الحواس الخمس أداة اليقين بها، الحواس الخمس نشترك فيها مع بعض المخلوقات.
                  2 – دائرة المعقولات: ولكن الدائرة التي يتميز بها الإنسان هي دائرة المعقولات، وتعني شيئاً غابت عينه، وبقيت آثاره.
                  أنت ترى من التنظيم المنظِّمَ بعقلك، وترى من التسيير المسيِّر، وترى من الحكمة الحكيم، وترى من الخلق الخالق.
                  الدائرة الثانية دائرة المعقولات، وهي جهة غابت عينها وبقيت آثارها، وهذا مجال العقل.
                  إن هذا الكون أثر من آثار الله، بل هو الثابت الأول في العقيدة، كون ينطق بوجود الله، وأعيننا لا ترى الله.
                  ﴿ لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَار ُ﴾( سورة الأنعام الآية: 103 )


                  ولكن العقول تصل إليه، فالذات الإلهية غابت عن حواسنا، ولكن الله سبحانه وتعالى أودع فينا عقولاً نستطيع من خلال هذه العقول لا أن نحيط، بل أن نصل، وفرق كبير بين الإحاطة والوصول، أنت بمركبتك تصل إلى البحر، لكن بهذه المركبة لا تستطيع أن تخوض بها البحر، فعقولنا تصل إلى الله.


                  وفي كل شيء آية تدل على أنه واحد
                  ***
                  إذاً: الدائرة الثانية دائرة المعقولات، يمكن أن تؤمن الإيمان الصحيح من خلال العقل، فالكون يدل على الله، يدل على الله موجوداً، وواحداً، وكاملاً، وأسماء الله الحسنى ظاهرة في الكون، بل إن الكون مظهر لأسماء الله الحسنى، بل إن الكون يشفّ عن أسماء الله الحسنى، فبإمكانك أن تصل إلى الله من خلال الكون، أن تصل إليه مؤمناً بوجوده، ووحدانيته، وكماله.
                  ويمكن أن تصل من خلال العقل إلى أن هذا القرآن كلامه، ولاسيما من خلال وقوع الوعد والوعيد، ومن خلال إعجازه، فوقوع الوعد والوعيد دليل قطعي على أن هذا الكلام كلام الله، وإعجاز القرآن الكريم دليل أيضاً على أن هذا الكلام كلام الله.
                  ويمكن أن تؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال العقل، لأن الذي جاء بهذا الكتاب المعجز لا بد من أن يكون رسول الله، القضية واضحة جداً، أنت بعقلك تؤمن بوجود الله ووحدانيته، وكماله من خلال الكون.
                  وبعقلك تؤمن بأن هذا القرآن كلام الله من خلال الإعجاز، ومن خلال وقوع الوعد والوعيد، وأنت بعقلك تؤمن أن هذا الإنسان الذي اسمه محمد بن عبد الله هو رسول الله من خلال القرآن، وهنا ينتهي دور العقل، وأي شيء عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به.
                  مثلاً: هناك ميزان في أعلى مستوى، وفي أعلى أداء، إلا أنه مصمم لمكان أو لدكان، أو لبقالية تستخدمه ما بين خمسة غرامات، إلى خمسة كيلوات، فيه ذواكر كثيرة و تعقيدات مذهلة، ودقة بالغة، إلا أن هذا الميزان مهمته محدودة، بين خمسة غرامات وخمسة كيلوات، مادام استخدامه ضمن هذين الحدين فهو يؤدي نتائج رائعة.
                  ويجب أن تؤمن أن العقل محدود بمهمة محدودة، ما دام استخدامه في هذا المجال فالعقل يؤدي نتائج رائعة.
                  3 – دائرة الإخباريات: إلا أنك إذا استخدمت العقل في شأن غيبي، في شأن غابت عينه وآثاره فالعقل لا يفلح.
                  إذاً: أيّ شيء عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به، أخبرك الله بالقرآن الكريم عن الماضي السحيق، عن بدء الخليقة، أخبرك القرآن الكريم ماذا بعد الموت، عن اليوم الآخر، عن الحساب، عن الجزاء، عن الجنة، عن النار، عن الصراط، أخبرك الله عن أسمائه الحسنى.
                  إذاً: ما دام البحث وفق هذا النظام ففي القضية الحسية أداة اليقين بها الحواس الخمس، وفي القضية العقلية أداة اليقين بها العقل، وفي القضية الإخبارية أداة اليقين بها الخبر الصادق.
                  القضية الأولى: ظهرت عين الشيء وآثاره.
                  القضية الثانية: غابت عين الشيء وظهرت آثاره.
                  القضية الثالثة: غابت عين الشيء وآثاره.
                  حينما تضع كل قضية في الدين في مكانها الصحيح تجد يسراً في الفهم، ويسراً في اليقين، ويسراً في التعامل معها، فالقضايا التي غابت عينها وآثارها أداة اليقين بها الخبر الصادق.
                  يوم الدين من الدائرة الثالثة.
                  أنا أنصح كل الإخوة المؤمنين إذا تحاوروا مع إنسان اهتزت عنده بديهيات الإيمان ألا يطرحوا معه قضايا من النوع الثالث ليس لها دليل عقلي، وليس لها دليل حسي، دليلها الوحيد الإخباري، وهو لا يصدِّق هذا الخبر الذي جاء به القرآن الكريم.
                  إذاً: يوم الدين من الدائرة الثالثة، من دائرة موضوعاتها غابت عينها وآثارها، وسبيل اليقين بها الخبر الصادق، فنحن آمنا بالله من خلال الكون، وآمنا بالقرآن من خلال الإعجاز، وآمنا بالنبي الكريم من خلال القرآن، وانتهى دور العقل، وجاء دور النقل.
                  النقل أخبرنا أن هناك يومًا آخر، يوما تسوى فيه الحسابات، يوما تؤخذ من القوي إلى الضعيف من الظالم للمظلوم، يوما يعطى لكل ذي حق حقه، يوما يقوم الناس فيه لرب العالمين، يأتي الناس ربهم فرادى، هذا اليوم أساسي جداً في الإيمان.
                  الإيمان بالله واليوم الآخر ركنان متلازمان: لذلك: ما اقترن ركنان من أركان الإيمان في القرآن كما اقترن الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر.
                  إن الإيمان بالله ينبغي أن يحملك على طاعته، والإيمان باليوم الآخر ينبغي أن يمنعك من أن تؤذي مخلوقاً، وما لم يحملك إيمانك بالله على طاعته، وما لم يحملك إيمانك باليوم الآخر على البعد عن إيذاء خلقه فالإيمان لا قيمة له إطلاقاً.
                  بل قد أقول لكم إبليس حينما قال:
                  ﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾( سورة ص الآية: 82 ) آمن بالله رباً وعزيزاً، ولكن لأنه استكبر وعصى فهذا الإيمان لا قيمة له.
                  إذاً: لا قيمة للإيمان الذي لا يحملنا على طاعته، ولا قيمة للإيمان باليوم الآخر الذي لا يحملنا على اتقاء أن نؤذي مخلوقاً.
                  قد يكون الإيمان باليوم الآخر من دائرة المعقولات: أيها الإخوة، إلا أن عالماً كبيراً من علماء المسلمين وهو ابن القيم رحمه الله تعالى يرى أن الإيمان باليوم الآخر من الدائرة الثانية، دليله عقلي، لأن العقل لا يقبل أن كوناً عظيماً يشفُّ عن خالق عظيم، عن خالق قوي، عن خالق كامل، عادل، رحيم أن يخلق إنسان قوياً وضعيفاً، والقوي يأكل الضعيف، وينتهي الأمر.
                  إنسان غني يستغل الفقير، ويأتي يوم الدين، وينتهي الأمر، لا يعقل، ولا يقبل ألاّ تسوى الحسابات، لا يعقل ولا يقبل ألا يكون هناك يوم تسوى فيه الحسابات، يؤخذ للضعيف من القوي، للمظلوم من الظالم.
                  لذلك ورد في القرآن الكريم قوله تعالى:
                  ﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ﴾( سورة مريم الآية: 71 ) أي النار، وقد قال العلماء: ورد النار غير دخولها، دخول النار دخول جزاء، أما ورود النار فورود إطلاع، فمِن أجل أن تتحقق من عدل الله الإنسان يرد النار يوم القيامة، ولا يتأثر بوهجها، ليرى تحقيق اسم الله العدل.تحقيق اسم العدل كاملا يوم القيامة: بالمناسبة، أسماء الله الحسنى كلها محققة في الدنيا، إلا أن اسم العدل محقق جزئياً، فالله سبحانه وتعالى يكافئ بعض المحسنين تشجيعاً للباقين، ويعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين، ولكن تسوية الحسابات، وختام الحسابات:﴿ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾( سورة آل عمران الآية: 185 )

                  إذاً: يمكن أن يكون الإيمان باليوم الآخر عن طريق العقل، لأن كمال الخلق يدل على كما التصرف، لا يعقل لإله عظيم، قوي كريم، رحمن رحيم أن يدع عباده من دون حساب، قال تعالى:


                  ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ﴾( سورة المؤمنون الآية: 115 )

                  مستحيل وألف ألف مستحيل أن يُخلق الإنسان عبثا، العبثية تتناقض مع وجود الله، إما أن تؤمن بوجود إله كامل وعادل، أو أن تؤمن بالعبثية، لذلك الشر المطلق لا وجود له في الكون، هناك شر نسبي، موظف للخير المطلق، أما الشر مطلق فلا يوجد، لذلك:


                  ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾( سورة آل عمران الآية: 26 )

                  لم يقل: والشر.


                  ﴿ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾

                  لأن إيتاء الملك خير، وأحياناً يعد نزع الملك خيرا، خيراً للأمة، وخيرا لمن أدبه الله بهذا، والإعزاز خير، والإذلال خير.
                  لذلك: يرى علماء التوحيد أنه لا يجوز أن تقول: الله ضار، والضار من أسمائه، بل ينبغي أن تقول: الله ضار نافع، خافض رافع، مذل معز، أي هو يضر لينفع، ويخفض ليرفع، ويذل ليعز.
                  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:


                  (( عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فِي السَّلَاسِلِ ))[ رواه البخاري ] حينما تؤمن بكمال الله، ووحدانيته ترى أن الشر النسبي موظف للخير المطلق.معنى صيغ المبالغة الواردة في صفات الله تعالى: لذلك: ( الديان ) صيغة مبالغة، وماذا تعني المبالغة إذا ارتبطت بأسماء الله الحسنى تقول: غفور، وزن فعول من صيغ المبالغة، يعني يغفر أكبر ذنب، ويغفر مليون ذنب، يغفر كماً ونوعاً.
                  إنّ صيغ المبالغة إذا تعلقت بأسماء الله الحسنى فتعني شيئين، تعني المبالغة في الكمّ، والمبالغة في النوع، فالله عز وجل ( ديان ) ، بمعنى أنه سيحاسب عن كل الذنوب مهما كثرت، و ( الديان ) سيحاسب عن أكبر الذنوب مهما كبرت، لذلك:
                  ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾( سورة الحجر )

                  النبي عليه الصلاة والسلام في عدد من أحاديثه ورد في نصوصه اسم ( الديان ):


                  (( أنا الملك، أنا الديَّان ))[ رواه أحمد عن أنيس رضي الله عنه ](( والبر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، اعمل كما شئت، كما تدين تدان ))[ أخرجه عبد الرزاق في الجامع عن أبى قلابة، وفي سنده ضعف ]العاقل مَن يعيش مستقبله: البطولة ألاّ تعيش الحاضر كشأن معظم الناس الغافلين، البطولة أن تعيش المستقبل، وفي المستقبل حساب دقيق:﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:(( لَيَأْتِيَنَّ عَلَى الْقَاضِي الْعَدْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَاعَةٌ يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي تَمْرَةٍ قَطُّ ))[ رواه أحمد في مسنده عن عائشة ]

                  وسيدنا عمر يقول: << والله لو تعثرت بغلة في العراق لحاسبني الله عنها، لمَ لمْ تصلح لها الطريق يا عمر ؟ >>.
                  أرجح الناس عقلاً من خاف من الواحد الديان، أرجح الناس عقلاً من هيأ جواباً للملك العادل رب العالمين، أعقل الناس من عاش المستقبل، من عاش يوم الحساب.
                  لذلك سئُل طالب نال الدرجة الأولى في الامتحان: " لمَ نلت هذا التفوق ؟ قال: لأن لحظة الامتحان لن تغادر مخيلتي طوال العام ".
                  والمؤمن الصادق قبل أن يعطي، قبل أن يمنع، قبل أن يغضب، قبل أن يرضى، قبل أن يصل، قبل أن يقطع، قبل أن يطلّق، قبل أن يتّهم، قبل أن يفتري، قبل أن يضرب، قبل أن يفعل أيّ شيء نقول له: أعندك جواب لله عز وجل ؟
                  لو أن الله أوقفك يوم القيامة بين يده وقال لك: لمَ فعلت كذا ؟ منحتك نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد، لمَ فعلت كذا ؟ لمَ طلقت زوجتك ؟ لمَ أخرجت شريكك من الشركة ؟ لمَ ؟ لمَ لم تعتنِ بابنك ؟ كل شيء سوف نُسأل عنه، والبطولة لا أن تعيش الحاضر كما يعيشه معظم الناس، البطولة أن تعيش المستقبل.
                  فلذلك أيها الإخوة، ما من إنسان أعقل ممن عاش اليوم الآخر، لذلك يجب أن ننقل اهتماماتنا نقلاً حقيقياً من هذه الدار الفانية إلى الدار الباقية، يجب أن نُهيئ لكل سلوك جواباً له يوم القيامة.
                  يقول لي أحدهم: أنا أعطيت ابني هذا البيت، أقول له: إذا كان معك جواب يوم القيامة فلا مشكلة أبداً، أنت مالِك، والمالك يهب، والهبة جائزة في الشرع، أما أحياناً تعطي عطاءً فيه محاباة، وفيه ظلم.
                  فالبطولة قبل أن تفعل، قبل أن تتحرك، قبل أن تعطي، قبل أن تمنع، قبل أن تغضب، قبل أن ترضى، قبل أن تصل، قبل أن تقطع، هيئ لربك جواباً، هيئ جواباً ليوم الدين، وتقرأ في الفاتحة كل يوم:


                  ﴿ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾

                  والعقل أن تصل إلى الشيء قبل أن تصل إليه، ومِن نعم الله العظمى هذا الخيال، فالخيال يتيح لك أن تعيش المستقبل، الخيال يتيح لك أن تصل إلى المستقبل قبل أن تصل إليه بل إن الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم بيّن لك مشاهد من يوم القيامة.


                  ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ *يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى َنِّي مَالِيهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ﴾( سورة الحاقة )
                  الخاتمة:
                  إخوتنا الكرام، أزمة أهل النار في النار أزمة علم، والدليل:﴿ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾( سورة الملك )


                  فإذا أردنا الدنيا فعلينا بالعلم، وإذا أردنا الآخرة فعلينا بالعلم، وإذا أردناهما معاً فعلينا بالعلم، والعلم لا يعطينا بعضه إلا إذا أعطيناه كلنا، فإذا أعطيناه بعضنا لم يعطِنا شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه علم فقد جهل، وطالبُ العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، والجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً.




                  التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 30-04-2017, 11:37 PM.
                  من قال سبحان اللهِ وبحمدِه في يومٍ مائةَ مرةٍ، حُطَّتْ خطاياه ولو كانتْ مثلَ زبدِ البحرِ
                  موسوعة الكلم الطيب

                  سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر استغفرالله

                  تعليق


                  • #24
                    رد: مـــــــع اللـــــــــه-أسماء الله الحسنى ...للدكتور محمد راتب النابلسي

                    اسم الله الشافي 1
                    بسم الله الرحمن الرحيم
                    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

                    من أسماء الله الحسنى: ( الشافي):

                    أيها الأخوة الأكارم، الاسم اليوم " الشافي " ورد هذا الاسم في الحديث الشريف الصحيح الذي أخرجه الإمام البخاري ومسلم والحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم، إذا عاد مريضاً يدعو له ويقول:

                    ((اذهب البأس رب الناس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً ))

                    هذا الاسم أريد به العلانية، ودلّ على كمال الوصفية، وجاء معرف بأل.
                    ولكن لا بد من مقدمة كي تتضح ماذا تعني كلمة الشافي ؟.


                    حياتنا مفعمة بالقوانين الثابتة ولكن لحكمة بالغة حرك الله شيئين الصحة والرزق:

                    أيها الأخوة، بادئ ذي بدء: الله سبحانه وتعالى قنن القوانين في الكون، ثبت القوانين، وكأن القانون علاقة ثابتة بين متغيرين، ولولا القوانين ما استقرت الحياة، ولا انتظمت الدنيا، فخصائص المعادن ثابتة، خصائص البذور، دورة الأفلاك ثابتة، أقول ولا أبالغ: مليارات القوانين ثابتة، لمئات ملايين السنين، يمكن أن يقال لك بحساب فلكي دقيق أن الشمس تشرق في عام ألفين و ثمانين في السادس عشر من شباط الساعة الخامسة وأربع دقائق مثلاً.
                    إذاً الله عز وجل ترسيخاً للنظم، وإراحة للناس، وتطميناً لهم ثبت القوانين، تنشئ بناء ضخماً من الاسمنت المسلح، لو أن الحديد غيّر صفاته لانهار البناء، تشتري سبيكة ذهبية، لو أن الذهب غيّر خصائصه، لخسرت ثمنها، تزرع بذرة معينة تنتج كما زرعت، حياتنا مفعمة بالقوانين الثابتة، وهذه من رحمة الله بنا، ولكن لحكمة بالغة بالغةٍ أرادها الله حرك شيئين، حرك الصحة، وحرك الرزق، قد تأتي الأمطار كثيرة وقد تشح السماء، قد ينعم الإنسان بصحة، وقد يفقد صحته.


                    تقنين الله عز وجل تقنين تأديب لا تقنين عجز:

                    السؤال الآن: أنه كان من الممكن أن لا يمرض الإنسان إطلاقاً، أوضح مثل:
                    قد تقتني طاولة في بيتك في غرفة الضيوف، مهمتها أن يضع الضيف عليها كأسا من الماء، وقد يقف عليها الإنسان فتحمله، ما معنى ذلك ؟ كأس الماء لا يزيد وزنه عن مئتي غرام، وقد يقف عليها إنسان، وإنسانان، وثلاثة، وتحملهم، معنى ذلك أن الاحتياط فيها مئات الأضعاف، لو كان في الإنسان لكل جهاز ألف ضعف احتياط ألغي المرض كلياً.
                    والدليل: أن تفجيراً نووياً كان في الصحراء في أفريقيا، التفجير لصالح فرنسا بعد التفجير (والتفجير كما تعلمون ماحق من الضغط، ومحرق من الحرارة)، رؤوا عقرباً يمشي في أرض التفجير، أجريت عليه بحوث لعشرات السنين، تبين أن العقرب يستطيع أن يعيش من دون طعام وشراب ثلاث سنوات، ويستطيع إذا غمسته في الماء أن يبقى حياً ثلاثة أيام، من دون هواء، ويتحمل من الإشعاع النووي ما يزيد ثلاثمئة ضعف ما يتحمله الإنسان ولو نقلته من حرارة الصحراء 60 فوق الصفر، إلى 10 تحت الصفر لم يتأثر، كان من الممكن ألا يكون مرضاً على الإطلاق، وكان من الممكن ألا يكون شح السماء على الإطلاق لأن بعض العلماء كشفوا في الفضاء الخارجي البعيد سحابة يمكن أن تملأ محيطات الأرض ستين مرة كل يوم بالمياه العذبة، فإذا قنن الله الأمطار فالتقنين تقنين تأديب لا تقنين عجز.


                    ﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ( سورة الحجر )

                    الإنسان حينما يغفل عن الله يدفع ثمن أخطائه باهظة و يؤدبه الله في الدنيا قبل الآخرة:

                    إذاً كان من الممكن أن لا يكون هناك مرض إطلاقاً، وكان من الممكن ألا يكون نقص في الرزق إطلاقاً، ولكن شاءت حكمة الله أن يكون هناك تقنين رزق، وأن يكون هناك تأخر صحة، ولعل الصحة والرزق، والإنسان حريص على صحته، وعلى رزقه حرصاً لا حدود له، لعل في هذا تأديباً لنا، لماذا ؟ لأن الإنسان خُلق لجنة عرضها السموات والأرض وجيء به إلى الدنيا ليدفع ثمن الجنة، جيء به إلى الدنيا ليعبد الله، جيء به إلى الدنيا ليتحرك لمنهج الله، ما أودع الله فيه شهوة إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، ليس في الإسلام حرمان، ولكن في الإسلام تنظيم.
                    الإنسان حينما يغفل عن الله، ويتحرك بدوافع شهواته، بعيداً عن منهج الله، يقع في شر عمله، يدفع ثمن أخطائه باهظة، ولأن الله رب العالمين، ولأنه خلقه لجنة عرضها السموات والأرض، يؤدبه في الدنيا، هو رب.
                    سأوضح معنى كلمة رب: قد تكون مدير لمؤسسة، وتعين موظفاً، وتشترط عليه التجريب لستة أشهر، أنت كمدير مؤسسة، وعندك موظف مهمتك في هذا الوقت أن تحصي عليه أخطاءه، فإذا تفاقمت اعتذرت عن تعيينه في المؤسسة، لو أن ابنك في المؤسسة كلما أخطأ نبهته، كان موقفك إحصاء أخطاء صار الموقف مع ابنك تقويم أخطاء.


                    الله عز وجل رحيم بعباده فإذا أخطؤوا يؤدبهم إما برزقهم أو بصحتهم:


                    لأن الله رحمن رحيم، ولأن الله رب العالمين، فإذا أخطأ العبد أدبه، أدبه إما بصحته، أو أدبه برزقه:

                    ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ ﴾( سورة الأعراف الآية: 96 )

                    ﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾( سورة الجن )

                    الآيات واضحة جداً.

                    ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ﴾( سورة المائدة الآية: 66 )

                    إذاً الله عز وجل يؤدب عباده بتقنين الرزق، قد يُحرم المرء بعض الرزق بالمعصية.
                    وفي موضوع يعالج في وقت آخر إن شاء الله كيف يزداد الرزق ؟ يزداد بالاستغفار، بإقامة الصلوات، بصلة الرحم، بالتصدق، بالأمانة... إلخ.


                    المرض أحد أكبر أسباب تربية الإنسان:

                    أيها الأخوة، إذاً كان من الممكن أن نمرض، لو أن الله سبحانه وتعالى جعل في كل جهاز من أجهزتنا، وفي كل عضو من أعضائنا احتياطات كبيرة جداً، الطاولة في البيت تُستخدم لوضع كأس ماء، وقد يقف عليها إنسان وزنه ثمانين كيلو، وتحمله، إذاً كأس الماء مئتي غرام وزن الإنسان 80 كغ، كم احتياط يوجد ؟ ثلاثمئة احتياط، لو أن كل عضو في جسم الإنسان أخذ هذا الاحتياط الكبير ألغي المرض إطلاقاً، ولكن الله سبحانه وتعالى شاء لنا أن نمرض ليكون المرض أحد أكبر أسباب تربية الإنسان، لأن الإنسان بحسب فطرته حريص على وجوده وعلى رزقه.


                    خلق الله كامل كمالاً مطلقاً ولكن أخطاء الإنسان تؤدي به إلى المرض:

                    أيها الأخوة، الآن يوجد إشارة ثانية في القرآن دقيقة جداً، متعلقة باسم " الشافي" قال تعالى:

                    ﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ( سورة الشعراء )

                    دقق في السياق: ﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ﴾
                    الآية الثالثة بحسب السياق وإذا أمرضني فهو يشفيني، لا، قال:


                    ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ ﴾( سورة الشعراء الآية: 80 )


                    عُزي المرض إلى الإنسان، بمعنى أن خلق الله كامل كمالاً مطلقاً، ولكن أخطاء الإنسان قد تكون أخطاء فردية، وقد تكون أخطاء في العصر، في عصر الضجيج، في عصر التلوث، في عصر تغيير خلق الله، معظم حياتنا فيها تغيير لخلق الله, نريد أن ينمو هذا الفروج إلى كغ بأربعين يوماً، يجب ألا ينام، هذا وضع غير طبيعي.
                    نريد أن نطعم البقر طحين الجيف، فجن البقر واضطر الإنسان أن يحرق ثلاثين مليون بقرة، ثمنها ثلاثة وثلاثين مليار جنيه إسترليني، وما جنون البقر إلا من جنون البشر لما نغير خلق الله عز وجل.
                    لما ننام في النهار ونسهر في الليل، هذا بخلاف منهج الله عز وجل، لما نحاول أن نأكل كل شيء بكل الأوقات عن طريق زراعة محمية هذه لها أخطار، طبيعة حياتنا فيها أخطار كبيرة جداً، عندما نحاول أن نحفظ الطعام بمعلبات نضع مادة مضادة للفساد بنزوات الصوديوم، والمادة مسرطنة.
                    عندما استخدمنا المبيدات الكيماوية رفعت ملوحة التربة، لما استخدمنا الأدوية الكيماوية أيضاً، الدواء الكيماوي يحل مشكلة من جهة ويخلق مشكلة من جهة ثانية، هناك تغيير بخلق الله، أكثر ما يعانيه الناس من الأمراض من التلوث، من استخدام المبيدات، من استخدام الأسمدة الكيماوية، من استخدام مشتقات البترولية، والآن الخبر الأول في العالم ارتفاع الحرارة، الاحتباس الحراري بسبب ثاني أوكسيد الكربون.

                    من طبق القواعد الصحية التي جاءت بها رسالات الأنبياء تمتع بصحة جيدة طوال حياته:

                    إذاً المرض يعزى إلى الإنسان، الخطأ من الإنسان، لو تصورنا أن الإنسان اتبع القواعد الصحية التي جاءت بها رسالات الأنبياء، لقلّ المرض إلا أن يكون قضاءً وقدراً أقول كلاماً دقيقاً، أحياناً يأتي المرض قضاء وقدر، لكن في الأعم الأغلب يكون المرض عقب تقصير في تطبيق التعليمات التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام.
                    هناك مستشفى بألمانيا كتب عليها: نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع عن محمد بن عبد الله، هذا الكلام يعد كلاماً أساسياً في الطب الوقائي، نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع.
                    إذاً لو أن الإنسان طبق التعليمات لتمتع بصحة جيدة طوال حياته، وقد تلاحظ أحياناً إنسان يحرص على تطبيق التعليمات الصحية حرصاً بالغاً في الأعم الأغلب يتمتع بصحة عالية جداً.
                    وكان هذا العالم الجليل الذي رؤي في الثالثة والتسعين، وكان منتصب القامة، حاد البصر، مرهف السمع، إذا سُئل يل سيدي ما هذه الصحة التي حباك الله بها ؟! يقول: يا بني حفظناها في الصغر، فحفظها الله علينا في الكبر، من عاش تقياً عاش قوياً.


                    الله عز وجل ثبت أشياء استقراراً للنظام وحرك شيئين تأديباً لنا:

                    إذاً الله عز وجل ثبت أشياء استقراراً للنظام، وحرك شيئين، حرك الرزق وحرك الصحة، ليكون هذا التحريك أداة تأديب لنا.


                    ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعون * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ﴾( سورة البقرة )


                    ها هو التأديب، وهذه هي التربية. فلذلك:

                    ﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾( سورة الشورى )

                    (( ما من عثرة، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم، وما يغفر الله أكثر ))[ أخرجه ابن عساكر عن البراء ]

                    الله عز وجل خلق لكل إنسان جهاز مناعة قوامه الكريات البيضاء و فِرقه هي:


                    1 ـ فرقة الاستطلاع:


                    لكن لو دخلنا في تفاصيل اسم "الشافي" من الزاوية العلمية، الله عز وجل وضع فينا جهاز المناعة، وجهاز المناعة يكاد يكون جيشاً بكل ما في هذه الكلمة من معنى، قوام هذا الجيش الكريات البيضاء، هذه الكريات مجموعة فرق، هناك فرقة الاستطلاع، فرقة معلومات استخبارات، أو اسمها في بعض الجيوش الاستطلاع، مهمتها معلوماتية فقط فإذا دخل إلى الجسم جرثوم تتجه كريات بيضاء من فرقة الاستخبارات، تقترب من هذا الجرثوم تأخذ شفرته الكيماوية وتعود لا تقاتله، إلا أنها تستكشف خصائصه (شفرته الكيماوية) وتذهب إلى مؤسسة معامل الدفاع.


                    2 ـ فرقة تصنيع السلاح:


                    فرقة ثانية مهمتها تصنيع السلاح، متواجدة في العقد اللمفاوية، فالكريات البيضاء من فرقة الاستطلاع، تأخذ شفرة الجرثوم الكيماوية وتتجه إلى العقد اللمفاوية، في العقد يصنع المصل المضاد للجرثوم، لكن أعظم ما في الفرقة الثانية تصنيع المصول.
                    قد نعطي الطفل مثلا لقاح الكوليرا، يعني جرثوم مضعف، فكما هي العادة الكرات البيضاء الاستطلاعية تأخذ شفرته الكيماوية وتذهب إلى العقد اللمفاوية في فرقة تصنيع المصل، وتعطى الشفرة، وتصنع المصول المضادة لهذا الجرثوم، وتحفظ في ذاكرة هذه الفرقة، فإذا عاد الجرثوم بعد سبعين عاماً الملف جاهز.
                    لذلك لولا ذاكرة فرقة تصنيع المصول لما كان من معنى إطلاقاً للقاحات في الأرض، لا قيمة للقاحات أساساً من دون ذاكرة مودعة في فرقة تصنيع المصول.


                    3 ـ فرقة المقاتلين:

                    الفرقة الثالثة فرقة المقاتلين، هذه الفرقة مهمتها أن تأخذ المصل المضاد وتتجه إلى الجرثوم، وتجري معركة بين الكريات البيضاء المقاتلة (هذه الفرقة الثالثة)، وبين الجرثوم.


                    4 ـ فرقة التنظيف:

                    أحياناً الإنسان يرى ورما خفيفاً، ثم بقعة بيضاء من القيح، هذه نتائج المعركة معركة تجري في الجسم بين الكريات البيضاء المقاتلة وبين الجراثيم، فإذا حُسمت المعركة لصالح الكريات البيضاء، في فرقة الخدمات، تنظف أرض المعركة، وتزيل آثار العدوان.


                    5 ـ فرقة المغاوير:

                    اكتشف بعض العلماء فرقة خامسة اكتشفها في عام 1967م " اسمها فرقة المغاوير " بالتعبير الأجنبي كومندوس، هذه الفرقة تستطيع أن تكتشف الخلية السرطانية في وقت مبكر جداً وتلتهما.


                    الشدة النفسية سببها ضعف التوحيد:

                    ثبت أن كل إنسان في دمه ملايين الخلايا السرطانية، لكنها غير مفعلة عليها قامع يقمعها، يمنع تفعيلها، فإذا ذهب القامع عن بعضها الفرقة الخامسة المغاوير تكتشف هذه الخلية السرطانية فتلتهما، وينجو الإنسان من الورم الخبيث.
                    قال: هذا القامع ما الذي يفكه ؟ الشدة النفسية، الخوف، القلق، الحقد، لذلك قال تعالى:﴿ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ ﴾( سورة آل عمران الآية: 119)

                    الغيظ مميت، الآن المرض الأول في العالم الشدة النفسية، خوف، تهديد قد يكون سلامة لكن ما في أمن.
                    لذلك قالوا: أنت من خوف المرض في مرض، يعني أحياناً تأتي أمراض القلب من خوف مرض قلب، أنت من خوف المرض في مرض، ومن خوف الفقر في فقر وتوقع المصيبة مصيبة أكبر منها، أنت من خوف التهديد في مرض، من خوف شبح الحصار الاقتصادي في مرض، من خوف شبح الاجتياح في مرض، هذه كلها أمراض الإنسان الآن يتحمل من الضغوط ما لا يحتمله إنسان في عصور سابقة.
                    لذلك: ما في حل إلا التوحيد، ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، ما في حل إلا أن ترى أمرك بيد الله، وأن الذي خلقك لن يسلمك إلى أحد غيره.
                    ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾( سورة هود الآية: 123 )

                    ارتفاع نسبة السرطان في عصرنا إما لضعف في نفوسنا أو ضعف في إيماننا:

                    ما لم توقن أن أمرك وسلامتك وأهلك وأولادك ورزقك وصحتك بيد الله، وأنك إذا كنت مع الله كان الله معك، وإذا عبدت الله أنشأ الله لك حقاً عليه ألا يعذبك، هذه المعاني الناس في أمس الحاجة إليها، قال تعالى:

                    ﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾( سورة الأنعام )

                    الفرقة الخامسة إذاً فرقة مغاوير، ما الذي يفك القامع ؟ الشدة النفسية، والإشعاع النووي، وصول مشتقات البترول إلى جوف الإنسان، هذا الذي يغسل المحركات بالبنزين إذا أكل بيديه قل أن يغسلهما جيداً عنده احتمال وصول المشتقات إلى جوفه، وهذه تسبب الأورام.
                    وشيء آخر كما قال العلماء: التوسع في استخدام البلاستيك، البلاستيك يجب أن نبتعد عن استعماله مع الحرارة الشديدة، أو مع المواد الحامضة، أو أن يدخل إلى جوفنا بعض منه عن طريق التيفال، وعاء تيفال بعد سنتين يصبح حديداً، المادة أين ذهبت ؟ أكلناها، فمشتقات البترول، والتوسع في استخدام البلاستيك، والإشعاع النووي والشدة النفسية، تفك القامع.
                    لذلك ارتفاع نسبة السرطان أصبحت إلى عشرة أمثال، لخطأ في عصرنا، أو ضعف في نفوسنا، أو ضعف في إيماننا، هذه حقيقة أيها الأخوة.

                    جهاز المناعة جيش يقويه الأمن والحب والود و يضعفه الخوف والقلق والحقد:

                    الآن في غدة اسمها " التايموس " اكتشفت أخيراً أنها غدة لا وظيفة لها هكذا قال الأطباء، ثم اكتشف أنها أخطر غدة في جسم الإنسان، قال هذه مدرسة حربية، تدخلها الكريات البيضاء وتبقى فيها سنتين، تتعلم من هو الصديق، ومن هو العدو، كريه بيضاء معها سلاح خطير، الكريه المحاربة الفرقة الثالثة، هذه سموها الخلية التائية الهمجية جاهلة تدخل في هذه الغدة وتبقى سنتين، لما كُبّرت مئات المرات بدت وكأنها مدرج روماني، وهذه الخلايا التائية الهمجية كأنهم طلاب علم، تبقى الخلية التائية الهمجية سنتين وبعدها تمتحن هناك مخرجان امتحانيان، الأول تعطى هذه الكريه الممتحنة عنصراً صديقاً فإذا قتلته ترسب وتقتل، وإذا لم تقتله تنجح وتتخرج، ثم تمتحن امتحاناً آخر تعطى عنصراً عدواً فإذا لم تقتله ترسب وتقتل، وإذا قتلته تنجح وتتخرج.
                    قال بعد سنتين تضمر هذه الغدة ضموراً كلياً، الأمر الذي جعل بعض الأطباء أن يقولوا لا وظيفة لها، تبين أن الجيل المتخرج يتولى إلى نهاية الحياة تعليم الأجيال الصاعدة فصار أول جيل تخرج من هذه الكلية الحربية، يتولى تعليم الأجيال الصاعدة، لكن بعد الستين أو السبعين يضعف التعليم، مع ضعف التعليم ينشأ شيء اسمه " الخرف المناعي" منها التهاب المفاصل الرثوي، منها سبعة أمراض تقريباً، يعني ما معنى التهاب مفاصل ؟ يعني ضعف التعليم، صار العنصر القوي الكرية البيضاء تقتل الصديق، أي أصبح حرباً أهلية، فالتهاب المفاصل الرثوي نتيجة حرب أهلية داخل الجسم.
                    أيها الأخوة، جهاز المناعة هذا الجهاز يؤكد اسم " الشافي " جيش بكل معاني هذه الكلمة، هذا الجيش يقويه الأمن والحب والود، يضعفه الخوف والقلق والحقد.
                    التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 30-04-2017, 11:50 PM.
                    من قال سبحان اللهِ وبحمدِه في يومٍ مائةَ مرةٍ، حُطَّتْ خطاياه ولو كانتْ مثلَ زبدِ البحرِ
                    موسوعة الكلم الطيب

                    سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر استغفرالله

                    تعليق


                    • #25
                      رد: مـــــــع اللـــــــــه-أسماء الله الحسنى ...للدكتور محمد راتب النابلسي

                      اسم الله الشافي 2
                      بسم الله الرحمن الرحيم
                      الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.من أسماء الله الحسنى: ( الشافي):
                      أيها الأخوة الكرام، لازلنا في اسم " الشافي "، فالنبي عليه الصلاة و السلام كان إذا عاد مريضاً يقول له:
                      (( اذهب البأس رب الناس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً ))العلامات من تمام رحمة الله بنا: الحقيقة أن الله سبحانه و تعالى جلّت حكمته لولا أن جعل للأمراض أعراضاً لما أمكن الشفاء منها، و قال تعالى:﴿ وَعَلامَاتٍ ﴾( سورة النجم الآية: 16 ) هذه آية واسعة جداً، لولا الأعراض لما اهتدى الإنسان إلى مرضه.
                      لذلك تعد أخطر الأمراض الآن الأمراض التي لا أعراض لها، كالأورام أحياناً فلذلك رحمنا الله عز وجل أن للأمراض أعراضاً، و هذا طريق إلى الشفاء منها، و هذه واحدة.
                      لو توسعنا قليلاً في فهم العلامات، نضج الفواكه لها علامات، وأي شيء في الأرض له علامات، وأي حدث في الأرض له علامات، فالعلامات من تمام رحمة الله بنا.
                      التوحد في بنية الإنسان التشريحية: شيء آخر: الإنسان له بنية موحدة، أي إنسان في أي زمان و مكان بنيته التشريحية واحدة، فقد يدرس الطبيب الطب في أمريكا، و يعالج المرضي في الصين، مكان الشريان، مكان العصب، بنية الأجهزة، البنية التشريحية للإنسان في أدق أدق التفاصيل واحدة، أماكن الأوعية، أماكن الأعصاب، أماكن الأجهزة، النسج كلها موحدة و لولا هذا التوحد في بنية الإنسان التشريحية لما أمكن أن نتابع الطب في بلد، وأن نعالج المرضى في بلد، وأن نصنع الدواء في بلد، وأن نستخدمه في بلد، هذا كله ينضوي تحت اسم "الشافي ".التئام النسج من آيات الله الدالة على عظمته: شيء آخر: ثبات قوانين الجسم، الجسم له قوانين دقيقة جداً، فلولا هذا التوحد في الخلق لما أمكن أن يكون الشفاء للإنسان.
                      ذلك لأن الله سبحانه وتعالى كما بينت في لقاء سابق أن هذا المرض أحد الوسائل التي تكون ناجعة في تأديب الإنسان، وفي تربيته، وفي تقريبه من الله عز وجل.
                      شيء آخر: هناك قوانين دقيقة في الجسم، هذه القوانين أساسها أن النسج تلتئم إذا تمزقت، من قنن هذا القانون أن النسيج يلتئم إذا تمزق أحياناً ؟ ذلك أن بعض النسج في جسم الإنسان التي تؤكد عفة الفتاة لا تلتئم أبداً، فالتئام النسج من رحمة الله بنا، يكون الجرح يأتي الطبيب ويخيط هذا الجرح بعد حين يلتئم الجرح، جميع النسج تلتئم بسبب أن الله قنن هذا القانون فهو " الشافي ".
                      العظم يلتئم، الخلية العظمية قد تنام ستين عاماً، فإذا صار كسر تستيقظ هذه الخلايا وتلتئم، ما دور الطبيب العظمي ؟ يضع العظمة على العظمة فقط، وانتهى دوره، و تأتي هذه الخلايا ويستيقظ و تسهم في التئام الجروح و الكسور.
                      قضايا دقيقة جداً، ولقطات مؤثرة جداً نكتشفها حينما نقول أن الله سبحانه وتعالى هو " الشافي " فالتئام النسج من آيات الله الدالة على عظمته، ألا يوجد إنسان عنده مركبة وتصاب بكسر في بعض أجزائها، يقول لك الخبير في إصلاحها: دعها تلتئم وحدها، هذا لا يكون في عالم المعادن إطلاقاً، أما في عالم خلق الإنسان، ولأن الله هو " الشافي " النسج تلتئم.
                      القوانين التي أودعها الله في الإنسان كلها تؤكد اسم الشافي: الذي يلفت النظر كما قلت قبل قليل: أن بعض النسج لا يلتئم أبداً، لأن تمزقها دليل، ولا يمكن أن يلغى هذا التمزق.
                      هناك أشياء كثيرة نستفيدها من اسم " الشافي " مثلاً: الاحتياط الذي جعله الله في بعض الأجهزة، الكلية مثلاً فيها احتياط كبير، يستطيع الإنسان أن يعيش بكلية واحدة والثانية احتياط كبير، أنا أتمنى الإنسان حينما يدرس الطب يدرسه في ضوء الإيمان، يجد أن هذه القوانين التي أودعها الله في الإنسان كلها تؤكد اسم " الشافي ".
                      من قال إن القلب إذا أردنا إصلاحه بعلمية جراحة و أوقفناه عن طريق التبريد و بعد انتهاء العملية يعطى القلب صعقة فيعود و يعمل، لو أن القلب إذا توقف لا يعمل انتهى العمل الجراحي كله، انتهي كل شيء اسمه عمليات القلب المفتوح، عمليات القلب المفتوح لولا أن الله أعطى القلب هذا القانون أنه إذا توقف أو إذا أوقف بفعل التبريد فالله سبحانه و تعالى سمح له أن يعمل بعد أن تأتيه صعقة كهربائية، لولا هذه القاعدة لألغي الطب في شأن جراحة القلب.
                      من تفكر في خلق السماوات و الأرض وصل إلى الله سبحانه و تعالى: إذاً لو أردت أن تتفكر في خلق السماوات و الأرض لرأيت اسم " الشافي " واضحاً جداً في كل قانون قننه الله عز وجل، و في كل نسيج صممه الله عز وجل، و في كل خصيصة لأي عضو من أعضاء الجسم أودع الله فيه هذه الخاصة.
                      يعني أحياناً يقول طبيب قلب جراح: إن في القلب شرياناً يبدو أنه لا فائدة منه لكن حينما تسد بعض الشرايين يؤخذ هذا الشريان وهو من أمتن الأوعية، ويوضع مكان الشريان التالف، وكأن الله سبحانه و تعالى و ضع في جسم الإنسان بعض قطع الغيار، و هذا من تمام خلق الله عز وجل، تؤخذ بعض الشرايين من مكان وتوضع في مكان، و حتى في الهيكل العظمي هناك أجزاء يمكن أن تستخدم كقطع غيار، هذا الخلق الدقيق العظيم.
                      ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾( سورة التين )


                      قال تعالى:


                      ﴿ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾( سورة الذاريات ) الإنسان لو تفكر في خلق السماوات و الأرض و صل إلى الله، وصل إلى الله معظماً، مكبراً، خاشعاً، فإذا تفكر في جسمه فهو أقرب شيء إليه.من رحمة الله بالإنسان أنه جعل لكل داء دواء: والله يا أيها الأخوة، لو أمضينا العمر كله في التدقيق في عجائب خلق الله في الإنسان لما اكتفى العمر للتفكر في خلق الإنسان، والآية واضحة:﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾

                      أحياناً من الذي جعل هذا الدواء يفعل فعله ؟ يعني الدواء من رحمة الله بنا أنه جعل لكل داء دواء، والنبي عليه الصلاة والسلام حينما قال:


                      (( لكل داء دواء ))[حديث صحيح رواه مسلم والإمام أحمد عن جابر]

                      هذا الحديث إذا قرأه إنسان مريض بماذا يشعر ؟ يمتلئ قلبه أملاً بالشفاء و إلهنا وربنا من خلال نبيه ورسوله يقول: (( لكل داء دواء ))، ولو سمع هذا الحديث طبيب ماذا يفعل ؟ يجب أن يجتهد و يبحث عن الدواء، فإذا سمع هذا الحديث المريض امتلأ قلبه أملاً بالشفاء، وإذا سمع الطبيب هذا الحديث شعر بتقصيره حينما لا يجد لهذا الداء دواء، وقد خلق الله لكل داء دواء.



                      حرص الإنسان على سلامة وجوده تقتضي أن يطبق تعليمات الصانع: كما ذكرت من قبل الله عزّ وجل من خلال صحتنا يربينا، يقربنا إليه، الإنسان كما تعلمون حريصاً على وجوده، وعلى سلامة وجوده، وعلى استمرار وجوده، وعلى كمال وجوده، و قد بينت من قبل أن حرص الإنسان على وجوده يقتضي أن يحمي نفسه من الأخطار، وأن حرصه على سلامة وجوده يقتضي أن يطبق تعليمات الصانع، و أن حرص الإنسان على كمال وجوده يقتضي أن يقترب من الله عز وجل حتى يسعد بقربه، وأن حرص الإنسان على استمرار وجوده يعني أن يربي أولاده ليكونوا استمراراً له بعد موته، و الله عز وجل حينما برمج الإنسان وفطره على حبّ وجوده، وعلى حبّ كمال وجوده، وعلى حبّ سلامة وجوده، وعلى حبّ استمرار وجوده، من أجل أن يكون الإنسان في أعلى درجة من السلامة والسعادة.الطبيب المؤمن حينما يرى من آيات الله في خلق الإنسان يكاد يذوب خشوعاَ لله: أيها الأخوة حدثني بعض الأخوة الأطباء: أنه أحياناً إذا سدّ شريان في القلب تنمو مجموعة شُريانات في مجموع أقطارها تساوي الشريان المسدود، و أنت لا تشعر، يوجد بالجسم آلية الشفاء الذاتي، فحينما يضعف عضو ينمو عضو آخر، حينما يضيق شريان ينمو شريان آخر، و هذا من آيات الله الدالة على عظمته، و الطبيب المؤمن حينما يرى من آيات الله في خلق الإنسان يكاد يذوب خشوعاَ لله عز وجل.
                      شيء آخر: الكبد مثلاً، الكبد يقوم بمئات الوظائف، كل خلية من خلايا الكبد تقوم بكل وظائفه، فلو تشمع الكبد وصل إلى ثلثي الكبد، بل إلى أربعة أخماس الكبد وجاء الطبيب الجراح واستأصل أربعة أخماس الكبد، الكبد يعيد بناء ذاته في ستة عشر أسبوعاً، ذلك لأن كل خلية في الكبد تقوم بكل وظائف الكبد، ولو تعطل كبد الإنسان لكان الموت محققاً لأنه المخبر، والمعمل الكيماوي في الجسم.
                      إخوتنا الكرام، التفكر في خلق السماوات و الأرض أقصر طريق إلى الله و أوسع باب ندخل منه على الله، وأنت حينما تتعرف إلى أسماء الله الحسنى، تقول " الشافي " الشافي جسمك مصمم للشفاء، الأمراض لها أعراض، البنية التشريحية للإنسان واحدة بشكل عجيب، الإنسان له شكل.
                      الله عز وجل منح الإنسان أحد صفاته وهي الفردية لكرامته عند الله: يقول بعض العارفين بالله: والله يا رب لو تشابهت ورقتا زيتون لما سميت الواسع، يوجد بالأرض ستة آلاف مليون إنسان لا يوجد إنسان يشبه الآخر، الإنسان فرد، وقد منح الله جلّ جلاله الإنسان أحد صفاته وهي الفردية لأن الإنسان كريم عليه، لكرامة الإنسان عند الله، فالإنسان فرد في شكل وجهه، وفي قوامه، و في نمط حركته، فرد في قزحية عينه، لا يوجد قزحية عين في الأرض تشبه قزحية عين الآخر، حتى إن بعض البلدان الآن تأخذ صورة قزحية العين وتضعها على الجواز، ولا يمكن لهذا الجواز أن يزور، بل إن بعض الأقفال التي صنعت لا تفتح إلا على قزحية العين، ومعنى ذلك أن هذا القفل لا يفتح إلا من خلال صاحبه، فقزحية العين هوية للإنسان.
                      رائحة جلده هوية له، لا يوجد إنسان له رائحة جلد تشبه رائحة جلد إنسان آخر و على هذا الأساس يبنى عمل الكلاب البوليسية، ولولا أن الإنسان يتميز برائحة خاصة لما استطعنا أن نستخدم الكلاب البوليسية التي تملك من حاسة الشم مليون ضعف عن حاسة شم الإنسان.
                      ونبرة الصوت هوية لك، لا يوجد إنسان في الأرض تشبه نبرة صوته نبرة صوتك وهذا نستخدمه في الهاتف، فلان تعرفه من نبرة صوته.
                      الآن بلازما الدم، الزمرة النسيجية غير الزمرة الدموية، لكل إنسان زمرته النسيجية، هذا من تكريم الله للإنسان جعله فرداً، فرد في قزحية عينه، وفرد في شكل وجه، وفرد في قوامه، وفرد في رائحة جلده، وفرد في نبرة صوته، وفرد في زمرته النسيجية وفرد في بلازما الدم، وفرد في بصمته، واكتشف أخيراً أنه فرد بالنطفة التي يملكها، لكل نطفة علامة يتميز بها، عند الزوجة جهاز لاستقبال هذه العلامة، فما دامت هذه العلامة تأتيها تباعاً فهذا زوجها، فإذا جاءت علامة أخرى فهذا مؤشر لوجود مرض في الرحم إلا أن المرأة قادرة على أن تستقبل علامة أخرى بعد أربعة أشهر أي العدة.
                      الإنسان فرد متميز لا أحد يشبهه فالله عز وجل واحد و واسع: إذاً أيها الأخوة الإنسان فرد، أما من أجل أن نفهم اسم " الشافي " الآن هناك مفارقة، هو فرد متميز لا أحد يشبهه، وفي الوقت نفسه ستة آلاف مليون البنية التشريحية واحدة، مكان الشريان، مكان العصب، لولا أن الأعصاب لها أماكن محددة جداًً أي عملية جراحية في الوجه تعني الشلل أحياناً، لكن معروف العصب هنا مكانه، الطبيب الجراح عنده مهارة فائقة في معرفة أماكن الأعصاب، وأماكن الأوعية والشرايين.
                      إذاً البنية التشريحية الواحدة تؤكد اسم " الشافي ".
                      الآن الوظائف الفيزيولوجية في الإنسان تؤكد اسم " الشافي "، الآن استجابة الجسم للدواء، الجسم عضو نبيل يستجيب للدواء إذاً الله شافٍ، ما أوقع المرض فينا إلا أن يكون المرض أداة قرب من الله عز وجل و يأتي بعده الشفاء، فالله عز وجل شافٍ، أي هذه الأدوية من صمم هذه العشبة لتهدئة القلب، هناك أدوية مبطئة للنظم، هناك أدوية موسعة للشرايين، هناك أدوية مقوية لعضلة القلب، هناك أدوية تعطي الإنسان راحة نفسية، هناك أدوية مهدئة، هناك أدوية مسكنة، أي علم الأدوية علم قائم بذاته.
                      إذاً اسم " الشافي " تراه من وحدة الإنسان في بنيته التشريحية، ومن وحدة الإنسان في وظائفه الفيزيولوجية، بينما لكل إنسان هوية، هذا شيء دقيق جداً، أي وحدة تشابه البنية التشريحية، والوظائف الفيزيولوجية في الإنسان تؤكد أن الله واحد، أن الخالق واحد، وأما التفاوت في شكل الإنسان، وفي خصائصه، وفي هوياته، تؤكد اسم " الواسع " فالله واحد و واسع.
                      الله عز وجل قنن القوانين ليكون هناك أمل في شفاء الأمراض: أيها الأخوة الكرام، الدم له خصائص مذهلة، يوضع هذا الدم في بنك باسم صاحبه، بعد سنوات، بعد عشر سنوات إذا تورمت بعض الخلايا أو تعطلت بعض الخلايا في مكان، يوضع هذا الدم في المكان نفسه، فإذا به يتشكل من الخلايا التالفة، يعني إذا تعطلت خلايا نقي العظام المصنعة لكريات الدم الحمراء، يوضع هذا الدم في نقي العظام، وهذا الموضوع يمثل الخلايا الجذعية، من أحدث الموضوعات، أي مكان عندما استأصلنا بعض النسج وضعنا الدم مع الاستئصال تنمو خلايا من جنس الخلايا المحيطة بهذا الدم، وهذا الدم له ثمن باهظ جداً، والآن هناك بنوك للخلايا الجذعية.
                      إذاً الله عز وجل هو " الشافي " أي كل جهود الأطباء لولا أن الله قنن هذه القوانين، أعطى هذه الخصائص لما كان من أمل في شفاء الأمراض. إذاً الله عز وجل هو " الشافي ".
                      تقدم علم الطب نتيجة كرامة الإنسان عند الله: لذلك الحديث:(( إن لكل داء دواء ))[حديث صحيح رواه مسلم والإمام أحمد عن جابر]

                      يقرأ هذا الحديث المريض فيمتلئ ثقة بالشفاء، يقرأ هذا الحديث الطبيب فيشعر بالتقصير تجاه البشر، ينبغي أن نبحث عن شفاء لهذا المرض، الآن فإذا أصيب دواء الداء معنى الطبيب حينما يصيب في تشخيص الداء قطع نصف المرحلة، فإذا أصيب دواء الداء قال برئ بإذن الله.
                      الطبيب له مهمتان، المهمة الأولى: أن يصيب في تشخيص الداء، وأن يصيب في وصف الدواء، فإذا جاء التشخيص صحيحاً، وجاء الدواء مناسباً برئ، ولكن بإذن الله.
                      لذلك قال عليه الصلاة والسلام:



                      (( داووا مرضاكم بالصدقة ))[ رواه الطبراني عن عبد الله بن مسعود] أولاً أعطاك ثوابت، أعطاك بنى تشريحية واحدة، أعطاك وظائف فزيولوجية، أعطاك أدوية لها فعل في الأمراض، وهيأ أطباء، والأطباء من رحمة الله بالإنسان، و أنا أقول دائما أيها الأخوة إن تقدم علم الطب لكرامة الإنسان عند الله، لأن الله هو الشافي إلا أن مرض الموت لا شفاء له، هذا المرض لأنه بوابة الخروج، الإنسان كيف يخرج ؟ يخرج بمرض الموت، قد يكون في الكبد، وقد يكون في الكلية، وقد يكون في القلب، وقد يكون في الدماغ، وقد يكون بحادث، تارة سكتة دماغية، ومرة سكتة قلبية، ومرة احتشاء، هذه الأمراض التي هي أمراض الموت هي بوابة الخروج، والإنسان حينما يرى أنه لابد من أن يخرج من الدنيا هذا من أعظم المواعظ و العبر.على الإنسان أن يأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم يتوكل على الله وكأنها ليست بشيء: الآن (( إن لكل داء دواء )) فإذا أصيب دواء الداء برئ المريض بإذن الله، إذاً ما الموقف الكامل حينما يصيب الإنسان المرض ؟ الموقف الكامل أن أبحث عن طبيب متفوق، ولي مصطلح لطيف: ابحث عن طبيب مسلم حاذق ورع، لأنه ينصح، والدين النصيحة.
                      الآن هذا الطبيب يصيب في وصف تشخيص الداء، ويصيب إن شاء الله في وصف الدواء، ثم توجه إلى الله أن يسمح لهذا الدواء أن يفعل فعله في الداء، هذا الموقف الكامل.
                      لذلك هذا ينقلنا إلى شيء مهم جداً في الإيمان، أنت يجب أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، يجب أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، هذه بطولة، أن تذهب إلى أفضل طبيب، أن تستخدم بدقة بالغة تعليمات الطبيب، ثم تتوجه من أعماق أعماقك إلى الله، يا رب اشفِ أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء من السهل جداً أن تأخذ بالأسباب، وأن تعتمد عليها وتنسى الله، وهذا واضح جداً في العالم الغربي، ألهوا الأسباب، يأخذون بالأسباب ويعتمدون عليها، وينسون الواحد القهار، لكن الله يقهرهم أحياناً، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.
                      الأخذ بالأسباب من الدين: الإنسان من ضعفه إذا أخذ بالأسباب يعتمد عليها وينسى الله، و يوجد مسلمون مقصرون لا يأخذون بالأسباب، وهم عصاة، لذلك الطريق الأمثل هو طريق وادٍ سحيق و عن يساره وادٍ سحيق، فالإنسان إذا أخذ بالأسباب و اعتمد عليها وقع في وادي الشرك، و إن لم يأخذ بالأسباب و قع في وادي المعصية ففي حنين قال الصحابة:(( لن نغلب من قلة ))[ أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم عن ابن عباس ]

                      معهم بسبب الكثرة فقال تعالى:


                      ﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ﴾( سورة التوبة )

                      فالأخذ بالأسباب من الدين:


                      (( إن الله يلوم على العجز، ولكن عليكم بالكيس، فإذا غلبك أمر فقل حسبي الله ونعم الوكيل ))[ أبو داود وأحمد عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ ] يجب أن نأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، يجب أن تعالج عند الطبيب، يجب أن تذهب إلى طبيب متفوق، أن تستخدم الدواء بعناية بالغة، وفي الوقت نفسه يجب أن يمتلئ القلب رجاء من الله عز وجل أن يسمح للدواء أن يفعل فعله.الله تعالى إذا أخذ من المؤمن بعض صحته عوضه عليها أضعافا ًمن القرب منه: فلذلك:(( لكل داء دواء، فإذا أصاب الدواء الداء برئ بإذن الله))[حديث صحيح رواه مسلم والإمام أحمد عن جابر]

                      هذا الذي يقتضي الدعاء، والتوسل إلى الله عز وجل، ودفع الصدقات، مع الأخذ بالأسباب هذا الموقف الكامل
                      هناك مثل يقرب الحقيقة: عندك سفر، راجعت المركبة مراجعة تامة، راجعت كل شيء فيها، وكلها جاهزة، الآن أخذت بالأسباب، الآن تتوجه بكل أعماقك إلى الله، يا رب، أنت الحافظ، أنت الموفق، أنت المسلم في هذا السفر، أنت الرفيق في السفر، هذا شأن المؤمن في كل شيء يأخذ بالأسباب و كأنها كل شيء، و يتوكل على الله و كأنها ليست بشيء.
                      شيء آخر الحديث القدسي الصحيح:



                      (( يا ابنَ آدمَ مَرِضْتُ فلم تَعُدْني، قال: يارب كَيْفَ أعُودُكَ وأنتَ ربُّ العالمين ؟ قال: أمَا علمتَ أنَّ عبدي فلاناً مَرِضَ فلم تَعُدْهُ ؟ أما علمتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لوجَدتني عنده ))[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة]

                      و الله أيها الأخوة، بالحديث ملمح يذيب محبة لله، الله عز وجل إذا أخذ من المؤمن بعض صحته عوضه عليها أضعافاً مضاعفة من القرب من الله.


                      (( أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده ))كل شيء في خلق الإنسان يؤكد اسم الشافي: الحقيقة ماذا نستطيع أن نقول في اسم " الشافي " ؟ كل شيء في خلق الإنسان يؤكد اسم " الشافي "، كل شيء حول الإنسان يؤكد اسم " الشافي "، كل شيء في بنية الإنسان التشريحية يؤكد اسم " الشافي "، كل شيء في وظائف الجسم يؤكد، الفيزيولوجية تؤكد اسم " الشافي "، كل دواء خلقه الله لهذا الإنسان يؤكد اسم " الشافي ".
                      والآن الأبحاث الطبية تؤكد هذه الحقيقة، بعد حين يظهر دواء ناجح لبعض الأمراض المستعصية، إذاً الله عز وجل شافٍ.

                      ﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾
                      ( سورة الشعراء )


                      التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 30-04-2017, 11:40 PM.
                      من قال سبحان اللهِ وبحمدِه في يومٍ مائةَ مرةٍ، حُطَّتْ خطاياه ولو كانتْ مثلَ زبدِ البحرِ
                      موسوعة الكلم الطيب

                      سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر استغفرالله

                      تعليق


                      • #26
                        رد: مـــــــع اللـــــــــه-أسماء الله الحسنى ...للدكتور محمد راتب النابلسي

                        اسم الله المحسن 1
                        بسم الله الرحمن الرحيم


                        الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.


                        من أسماء الله الحسنى: ( المحسن ):
                        أيها الإخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم هو اسم: ( المحسن ).
                        1 – ورودُ اسم ( المحسن ) في السنة النبوية: قد ورد هذا الاسم في السنة النبوية دالاً على كمال الوصفية مرادا به العلمية، فقد ورد عند الطبراني من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله على وسلم قال:(( إذا حكمتم فاعدلوا، وإذا قتلتم فأحسنوا، فإن الله عز وجل محسن يحب الإحسان ))[ الجامع الصغير بسند حسن ]
                        2 – الإسلام أمَرَ بالإحسان مطلقًا: التعذيب ممنوع، لو رأيت عقربا يجب أن تقتله بضربة واحدة، أما أن تفنن في تعذيبه فهذا مناقض لمنهج الله عز وجل.
                        وقد ورد من حديث شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ:
                        (( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ِ))[ مسلم في صحيحه ]صورة نبوية لسيدنا إبراهيم في الإحسان إلى الضيف: أيها الإخوة، قضية الإحسان أن يأتي فعلك كاملاً، لو أنك دعوت إنسان إلى طعام فقد علّمنا القرآن آداب الدعوة، فقال عز وجل:﴿ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء﴾( سورة الذاريات الآية: 26 )

                        سيدنا إبراهيم راغ، أي انسلّ خفية، لم يستأذن الضيف في إحضار الطعام، لأن الضيف يستحي، لو عرضت على أن تأتيه بالطعام لتعفف، يقول لك: لست جائعا.
                        لذلك من كمال أدب الضيافة ألاّ تستأذن الضيف في إحضار الطعام:


                        ﴿ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء﴾( سورة الذاريات الآية: 26 )

                        أي انسل خفية.


                        ﴿ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴾( سورة هود)

                        لم يكن إحضار الطعام متأخراً، جاء الطعام سريعاً، وهذا من كمال الدعوة، وجاء بطعام نفيس:


                        ﴿ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴾( سورة هود)

                        أي طيب.
                        الآن:


                        ﴿ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ ﴾( سورة الذاريات الآية: 27 )

                        أحياناً يكون طبق الطعام بعيدا عن الضيف، يستحي أن يتمطى ليصل إليه، يجب أن تقرب له الطعام، وهناك إنسان أحياناً يضع الطعام أمام الضيف، أو يضع الفاكهة أمام الضيف، ولا يدعوه إلى تناول الطعام، حديث ممتع، أو حديث خطير، فالطعام أمامه، أو الفاكهة أمامه، ولا يقول له: تفضل، والضيف يستحي أن يمد يده قبل أن يدعى.


                        ﴿ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء﴾﴿ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴾﴿ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ ﴾﴿ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ﴾( سورة الذاريات ) كمال الإحسان في الدعوة ألا تستأذن الضيف، وأن يأتي الطعام سريعاً، وأن يكون الطعام طيباً، وأن يقرب الطعام إلى الضيف، وأن يدعى إلى تناول الطعام.الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ كلمة إحسان واسعة جداً، الله عز وجل قال:﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾( سورة السجدة الآية: 7 )الإحسان في خَلق الإنسان:
                        جعل لك عينين، ولولا العينان لما أدركت البعد الثالث، أنت بعين واحدة ترى بعدين سطحيين، لكنك في العين الثانية ترى البعد الثالث، ترى العمق.
                        وجعل لك أذنين، وبأذن واحدة يصل الصوت إليك، لكن بالأذنين تعرف جهة الصوت.
                        وجعل العين في محجر لتكون في حرز حريز، وجعل الدماغ في صندوق عظمي بالجمجمة، وجعل النخاع الشوكي في العمود الفقري، وجعل أخطر معمل معامل الكريات الحمراء في نقيِ العظام.
                        جعل الرحم في عظم الحوض.
                        ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾( سورة السجدة الآية: 7 )

                        وفي الشَّعر، جعل لكل شعرة وريدا، وشريانا، وعصبا، وعضلة، وغدة صبغية وغدة دهنية، وليس في الشعر أعصاب حس، من أجل أن تهذب شعرك من دون مستشفى، ولولا أن الشعر خالٍ من أعصاب الحس لاضطر الإنسان إن أراد أن يهذب شعره إلى تخدير شامل في المستشفى.


                        ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾( سورة السجدة الآية: 7 )

                        قرنية العين جعلها شفافة، إذاً: لابد من أن تغذى قرنية العين بطريقة فريدة، لا عن طريق الأوعية، بل عن طريق الحلول، من أجل أن تكون الرؤية شفافة شفافية مطلقة أودعت العين مادة مضادة للتجمد، لو أن ماء العين كان صاحبه في مكان الحرارة دون الصفر لفقد بصره، لكن أودع الله في ماء العين مادة مضادة للتجمد.
                        أعظم هذا التصريف احترافية رقمية في ـ المليمتر ـ عشرة آلاف مستقبل ضوئي، أما في شبكية العين في المليمتر مئة مليون مستقبل ضوئي


                        ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾( سورة السجدة الآية: 7 )

                        الله ( محسن )، من أجل أن تفرق بين 8 ملايين لون، ولو درجت اللون الواحد إلى 800 ألف درجة لكشفت العين السليمة الفرق بين الدرجتين:


                        ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾( سورة السجدة الآية: 7 )

                        القلب يضخ ثمانية أمتار مكعبة من الدم كل يوم، قد يحتاج الإنسان إلى متر مكعب من الوقود السائل طوال الشتاء، أما القلب فيضخ ثمانية أمتار مكعبة من الدم كل يوم بلا كلل وبلا ملل.
                        الحديث عن الجسم لا ينتهي، المعدة، الأمعاء الدقيقة، الكليتان، جهاز التصفية، العضلات الملساء والمخططة، الإرادية واللاإرادية، والأوعية، الشرايين عميقة، والأوردة سطحية، لو عكست الآية، وجُرح الإنسان لخرج دمه كله.
                        حدثني طبيب جراح قطع معه في أثناء عمل جراحي شريان، أقسم لي أن الدم وصل إلى سقف الغرفة من الضغط، فالأوعية خارجية، أما الشرايين فعميقة.
                        لو دققت في خلق الإنسان لوجدت العجب العجاب، حتى في الحواس الخمس.


                        ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾( سورة القمر )

                        كأس الماء لو رأيت ما فيه من بكتريات لما شربته، جعل للبشر عتبة لا ترى أكثر مما ينبغي أن تراه، ولا تسمع أكثر مما ينبغي أن تسمعه.


                        ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾( سورة القمر )

                        لذلك كلمة محسن تعني أنه محسن في خَلقه، محسن في التصميم، محسن في الأجهزة، محسن في الحواس، محسن في قوام الإنسان.
                        هذا المفصل داخلي، أما الركبة فخارجة، تصور العكس، تصور لو لم يكن هذا المفصل كيف يأكل الإنسان ؟ يجب أن يأكل كالهرة تماماً، ينبطح ويتناول الطعام بلسانه من الطبق مباشرة.


                        ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾( سورة التين )الإحسان في خلق الفواكه:


                        انظر إلى التفاحة بحجم مناسب، وبقوام مناسب، وبرائحة مناسبة، وبشكل مناسب، وبمحتويات مناسبة، فيها حديد، فيها سكر، فيها معادن، فيها كالسيوم، فيها مغنزيوم:


                        ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾( سورة السجدة الآية: 7 )
                        3 – معنى ( المحسن ): لذلك: ( المحسن ) شيء دقيق جداً، ( المحسن ) اسم فاعل من أحسن يحسن إحساناً، فهو محسن، والحسن ضد القبح، وحسن الشيء زينه، يعني تصور إنسان بلا جلد منظره لا يحتمل.
                        تماماً كبيت على الهيكل، أما كسوة البيت، والطلاء، والنوافذ، والأرض، والأثاث:
                        ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾( سورة السجدة الآية: 7 )صوَرٌ من إحسان الله في مخلوقاته: تصور الإنسان بلا شعر، لكنه بشعر وجلد، والجلد متماسك، والأعضاء متناسقة، تصور الإنسان بلا جهاز توازن، يحتاج الإنسان إلى قاعدة استناد تزيد على سبعين سنتيمترًا حتى يبقى واقفا، أما بقدم صغيرة لطيفة تبقى متوازنا، فالتوازن سره في أجهزة التوازن، ففي الأذن ثلاث قنوات، فيها سائل، فيها أهداب، وأي ميل يبقى السائل مستوى يمس أهداب من جهة معينة، فتدرك أنت أن هناك خللا في التوازن، فتصحح الوضع، ولولا جهاز التوازن في الأذن لما استطاع الإنسان أن يقف إطلاقاً.﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾( سورة السجدة الآية: 7 )

                        انظر إلى طعامك، لو أن المحاصيل القمح والشعير والعدس والحمص تنضج تباعاً كالفواكه، شيء لا يحتمل، تمسك سنبلة فتقول: يا ترى نضجت كي أقطعها ؟ المحاصيل تنضج في وقت واحد.
                        لو أن الفواكه تنضج في وقت واحد لكان شيئا غير محتَمل ! حقل البطيخ يعطيك لتسعين يوما على مدى أشهر الصيف، كل الفواكه والخضروات تنضج تباعاً، ولو أن كل الفواكه يبدأ نضجها في وقت معين لكان الأمرُ صعبًا، لكن تبدأ بفاكهة، بعد شهر فاكهة ثانية، آخر شيء العنب في الخريف، قبله التين، قبله الإجاص، قبله الدراق، قبله الكرز، أيضاً الفواكه موزعة في الصيف توزيعا مريحا، على مدى الصيف، كل أسبوعين أو ثلاثة أو شهر ينضج نوع من الفاكهة، هذا من الإحسان.
                        البقرة تعطيك من الحليب ما يفوق ثمن الطعام، لو أنها تعطيك من الحليب أقلّ من ثمن الطعام فلا أحد يقتني بقرة، لو أن الدجاجة تعطي في الشهر بيضة واحدة لكانت مكلفة، وأصبحت غير اقتصادية، كل يوم لها بيضة، وطعام الدجاج لا يساوي الإنتاج الذي ينتجه من البيض، وهذا من الإحسان.
                        لو أن هذا الفكر بدأ يجول في خلق الله عز وجل لتعرف على الله، لذلك أرقى عبادة هي التفكر:


                        ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾( سورة آل عمران )صفة الإحسان تتجلّى في جهاز المناعة المكتسب: أنت معك جهاز مناعة عبارة عن جيش بكل معاني الكلمة، فيه خمس فرق: فرقة الاستطلاع، فرقة مهمتها استخبارية فقط، يدخل الجرثوم إلى الجسم فتتجه كريات بيضاء من فرقة الاستخبارات، وتأخذ شفرة الجرثوم ولا تقاتله، تأخذ هذه الشفرة إلى مركز صنع المصول، إلى مركز معامل الدفاع في العقد الليمفاوية، وتعطي العقد تركيب الجرثوم، وصفاته الكيماوية، هذه المراكز معامل أسلحة تصنع المصل المضاد لهذا الجرثوم، المعامل أو العقد الليمفاوية تشكل معامل للسلاح، والفرقة الاستطلاعية تشكل جهاز المخابرات في الجسم، وهناك فرقة المقاتلين، وهي الفرقة الثالثة، هذه الفرقة تحمل المصل المضاد، وتتجه إلى الجرثوم فتقاتله، وينشب بينهما قتال، وقد ينتصر الجرثوم، وربما لا ينتصر.
                        عندنا فرقة رابعة، وهي فرقة الخدمات، هذه الفرقة تنظف أرض المعركة، وتدفن الجثث، وأحياناً يرى الإنسان كتلة بيضاء في جلده، هذه أثر معركة بين الجراثيم وكريات الدم الحمراء، هذا تصميم من ؟
                        هناك فرقة أخرى خامسة، وهي فرقة تكتشف الخلية السرطانية في وقت مبكر جداً وتلتهمها، وفي الإنسان ملايين الخلايا السرطانية، لكن لكل خلية سرطانية قامع يمنعها أن تكون فعالة، وهناك أشياء تفك هذا القامع، الشدة النفسية، والمواد البترولية، والمواد البلاستيكية، والإشعاع النووي هذه أسباب السرطان، فجهاز مناعة مكتسب جهاز مذهل.
                        الدماغ موضوع في صندوق عظمي، بين الدماغ والصندوق سائل، هذا السائل من أجل امتصاص الصدمات، لو أن طفلا وقع على رأسه هذا الاهتزاز الشديد السائل يوزعه على كامل مساحة الدماغ، يبقى الطفل سليماً.
                        التفكر في خلق السموات والأرض يجعلك تقف أمام عظمة الله عز وجل، وأمام الإحسان.
                        لذلك الله عز وجل يصف نفسه عن طريق نبيه بأنه محسن كاسم، أما كفعل:
                        ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾( سورة السجدة الآية: 7 )

                        كمعنى:


                        ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾( سورة التين ) في أكمل حالة.إحسان الله يتجلى في عظام الإنسان: في خلق الإنسان شيء عجيب، مثلاً: الخلية العظمية هذه تنمو، فإذا وصل الإنسان إلى المستوى الكامل يقف النمو.
                        من أسماء الله عز وجل ( القابض ) و (الباسط )، يقف النمو، وتنام الخلية العصبية، وبعد سبعين سنة من نومها إذا حصل كسر تستيقظ كي يلتئم العظم، هذا صنع مَن ؟ قدرة مَن ؟
                        العظام متينة جداً، أنت ماذا تأكل ؟ تأكل الحديد، فإذا به عظم، عنق الفخذ يتحمل قوة ضغط تساوي تقريباً 250 كغ، كل عنق فخذ يتحمل ربع طن، العنقين نصف طن، هذا العظم المتين من أين جاءته المتانة ؟!.
                        ميناء الأسنان ثاني أقسى عنصر في الكون، الأول الماس، بعده ميناء الأسنان، من أين جاءت هذه ؟.
                        أيها الإخوة، هذا من كمال خلق الله:
                        ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾( سورة التين )
                        4 – ينبغي لك أن تكون محسنًا: الآن أنت أيها الإنسان، من أجل أن تتخلق بكمال مشتق من كمال الله ينبغي أن تكون محسنا، لذلك قال الله عز وجل:﴿ وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾( سورة لقمان الآية: 22 ) كما أن الله محسن إليك، منحك نعمة الإيجاد، ومنحك نعمة الإمداد، ومنحك نعمة الهدى والرشاد، ينبغي أن تكون محسناً، وكلمة محسن هي ألصق صفة بالإنسان المؤمن، محسن في كلامه، فلا بذاءة، ولا تهجم، ولا سخرية، ولا فحش، ولا طرف قبيحة محرجة تُحمّر الوجه، بل الكلام منضبط، محسن في تصرفاتك، محسن في زيارتك، محسن في قيادة مركبتك، محسن في تنظيم عملك.
                        5 – الإحسان صفة جامعة شاملة: الإحسان صفة الواحد الديان، وكل إنسان مؤمن ينبغي أن يشتق هذه الصفة من الله عز وجل، محسن في تربية أولاده، محسن في علاقاته، محسن في مواعيده، محسن في دعواته، محسن في أفراحه، محسن في أحزانه، الإحسان صفة جامعة مانعة، فكما أنك تكتشف إحسان الله من خلال خلقه، يجب أن تكون أنت محسناً تجاه الخلق.
                        الزوج يجب أن يكون محسناً لزوجته:
                        ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾( سورة النساء الآية: 19 )

                        محسن في تربية أولاده:


                        (( علموا، ولا تعنفوا، فإن المعلم خير من المعنف ))[ الجامع الصغير بسند ضعيف عن أبي هريرة ]

                        محسن في عمله، عمله متقن.



                        (( إن الله يحب من العبد إذا عمل عملا أن يتقنه ))[ الجامع الصغير بسند حسن عن عائشة ]

                        أنا لا أصدق أن هناك صفة شاملة إلى درجة لا تصدق، هناك إحسان في الكلام، إحسان في المعاقبة، اتق الوجه، أردت أن تؤدب ابنك فاتقِ الوجه، لأنه كرامة الإنسان، فالنبي نهي عن ضرب الوجه، هناك ضرب معتدل، ليس القصد إيقاع الألم الشديد، القصد لفت نظره.
                        مرة النبي الكريم أرسل غلاما في حاجة، وتأخر كثيراً، فغضب، النبي بشر، معه سواك، قال له:


                        (( لولا القصاص لأوجعتك بهذا السواك ))[ الجامع الصغير بسند ضعيف عن أم سلمة ]

                        محسن في تربية أولاده، إذا كنت مدير مؤسسة فكن محسنًا في معاملة الموظفين.
                        كلمة ( محسن ) واسعة اتساعا يفوق حد الخيال، الاحتفال فيه إحسان، وأحيانا يكون الاحتفال في أربع ساعات، والله فيه إساءة، والوقت ثمين جداً، أما احتفال منظم في ساعة ونصف فيه إحسان خيرٌ، وهناك تعزية ما فيها إحسان، في بعض البلاد التعزية تقريباً عشرين ساعة بغير كلام، ولا قرآن، كلام فقط، حديث عادي.
                        قضية الإحسان تشمل الأفراح والأتراح، وتربية الأولاد، حتى في الثياب إحسان، ثياب نظيفة، ألوانها متناسقة، بسيطة، ما فيها تعقيدات، حتى في مكان عملك فيه نظام، ونظافة، وترتيب بالدكان، هذا أيضاً إحسان.
                        في علم النفس تعلّمنا أن هناك صفات وسمات، السمات عميقة جداً، مثلاً: سما، والضبط يظهر في مواعيد مضبوطة، والضبط يظهر في هندام منضبط، والضبط يظهر في مشروع منضبط.
                        الآن هناك برامج كمبيوترية، يمكن أن تبدأ بالبناء فما تضيع ثانية، الموضوع مدروس دراسة دقيقة جداً، كل شيء يحتاج إلى جفاف، وإلى استواء، يعطيك ماذا تفعل من أجل أن لا تضيع ثانية واحدة، والإنسان كلما تقدم صان وقته، وأدار وقته.
                        هناك إحسان يكون في إدارة في الوقت، أحياناً إلغاء الروتين إحسان، تخفيف الأعباء على مواطن إحسان، هذا يشمل الأنظمة التي تنظمها الدولة، أحيانا تجمع حاجات المواطنين في بناء واحد، هذا إحسان.
                        كلمة إحسان واسعة بشكل غير معقول، يمكن أن تكون محسناً في كلامك، وفي تصرفك، وفي تربية أولادك، وفي معاملتك لزوجتك، وفي عملك، وفي أفراحك، وفي أتراحك، في كل شيء.
                        إن الله كتب الإحسان على كل شيء، والمؤمن محسن، والمؤمن يشتق هذه الصفة العالية من الله عز وجل:



                        ﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾( سورة الأعراف الآية: 180 )

                        أي تقربوا من الله بكمال مشتق من كمالات الله.




                        التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 30-04-2017, 11:57 PM.
                        من قال سبحان اللهِ وبحمدِه في يومٍ مائةَ مرةٍ، حُطَّتْ خطاياه ولو كانتْ مثلَ زبدِ البحرِ
                        موسوعة الكلم الطيب

                        سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر استغفرالله

                        تعليق


                        • #27
                          رد: مـــــــع اللـــــــــه-أسماء الله الحسنى ...للدكتور محمد راتب النابلسي

                          اسم الله المحسن 2
                          بسم الله الرحمن الرحيم
                          الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علنا، وارنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وارنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا مما يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأدخلنا في رحمتك في عبادك الصالحين.
                          من أسماء الله الحسنى: ( المحسِن ):
                          1– إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ: أيها الإخوة الكرام، لا زلنا مع اسم الله ( المحسن )، فقد ورد في صحيح مسلم من حديث شداد بن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ))


                          حتى لو قتلت حية، أو قتلت عقرباً.



                          (( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ))
                          2– الحسنى هي الجَنة، لأن فيها كمال مطلقٌ: أيها الإخوة، الإنسان خُلق للجنة.﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾( سورة الليل )

                          صدق أنه مخلوق للجنة، وهذه الدنيا دار أعداد، دار تكليف، سمّى الله الجنة ﴿ ِالْحُسْنَى ﴾، لأن فيها الكمال المطلق.


                          ﴿ لَهُم مَّا يَشَاءونَ فِيهَا ﴾( سورة ق الآية: 35 )

                          أما الدنيا فطبيعتها الكدح.


                          ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ﴾( سورة الانشقاق )

                          نظام الدنيا شيء، ونظام الآخرة شيء آخر، نظام الدنيا هي دار تكليف، نظام الآخرة دار تشريف، نظام الدنيا دار عمل، نظام الآخرة دار جزاء، الحسنى مبنية على قوله تعالى:


                          ﴿ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾( سورة ق الآية: 35 ) أي شيء تطلبه وأنت في الجنة هو بين يديك:﴿ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾( سورة ق الآية: 35 )

                          لأن الإنسان دفع ثمن الجنة في الدنيا، في الدنيا أودع الله فيه الشهوات، أعطاه الاختيار، سخره له ما في السموات وما في الأرض، فيه قبضة من قبضات الأرض، وفيه نفخه من نفخات الله، فلذلك عندما تنجح في الدنيا تستحق الجنة.


                          ﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى ﴾( سورة يونس الآية: 26 ) فالذي صدق أنه مخلوق للجنة يتقي أن يعصي الله، ويبني حياته على العطاء.المكذِّب بالحسنى مؤمن بالدنيا فقط: لو سألتني عن فرق صارخ بين المؤمن وغير المؤمن فإن المؤمن حياته مبنية على العطاء، قمة سعادته في أن يعطي، لا أن يأخذ، وغير المؤمن قمة سعادته في أن يأخذ.
                          لذلك الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، والأقوياء أخذوا ولم يعطوا:
                          ﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى ﴾( سورة يونس الآية: 26 )﴿ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾( سورة الليل )

                          الذي كذب أنه مخلوق للجنة، واعتقد أنه مخلوق للدنيا استغنى عن طاعة الله، وبنى حياته على الأخذ، وأنت ببساطة يمكن أن تكتشف ما إذا كنت من أهل الدنيا أم من أهل الآخرة، فإذا أسعدك أن تأخذ، وتتوهم أنك ذكي جداً حينما تأخذ ما ليس لك فأنت من أهل الدنيا، وتسمى عند الناس ذكيًّا، أما إذا أسعدك أن تعطي فأنت من أهل الآخرة.
                          إذاً: الحسنى هي الجنة، ثمن الجنة:


                          ﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى ﴾( سورة يونس الآية: 26 )
                          3 – ينبغي للمؤمن أن يتحلى بصفة الإحسان: كما أن الله محسن ينبغي أنت أيها المؤمن ينبغي أن تتخلق بهذا الكمال، أي يكون عملك مشمولاً بالإحسان، فإن أعطيت فأعطِ دون أن تمن، وإنْ عاقبت فعاقب دون أن تحقد، وإنْ عملت فاعمل عملاً متقناً، وإن زرت فكن متواضعاً، لا تصغر دنيا هذا الإنسان في نظره، انقله إلى الآخرة.
                          4 – الإحسان شامل لكل شيء: قضية الإحسان لا أعتقد أن شيء أوسع منها، يمكن أن تحسن وأنت، تعاقب أن تحسن وأنت تمنع، أن تحسن وأنت تعطي، أن تحسن وأنت تقاتل:(( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ))

                          حتى ولو قتلت حيواناً مؤذياً أمرك الله بقتله فينبغي ألاّ تعذبه، هذا شأن المؤمن.
                          إن المؤمن يحترم أن تكون السمكة في أعلى درجة الحركة، ثم يأخذ أحشاءها وينظفها، قبل أن تثبت وتموت، قال تعالى:


                          ﴿ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا ﴾( سورة الحج الآية: 36 )

                          بعد أن تخرج روحها تماماً، وتستقر، وتثبت الآن نظفها:


                          (( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ))
                          5 – وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ أيها الإخوة، الآن الآية الكريمة:﴿ مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ ﴾( سورة النساء الآية: 125 )

                          المعنى دقيق جداً، لن تستطيع أن تقبل على الله إلا إذا كنت محسناً، يقول لك أحدهم: لا أخشع في الصلاة، إن كنت محسناً تخشع في الصلاة.



                          ﴿ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾( سورة البقرة )

                          الذي استقام على أمر الله، وخضع له في الصلاة يشعر بهذه الصلة، الصلة لها ثمن:


                          ﴿ مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ ﴾( سورة النساء الآية: 125 ) المؤمن الخشوع سهل عليه، والركوع سهل عليه، لأنه أحسن في كل أعماله.
                          6 – الإِحسَانُ أَنْ تعَبْدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام:(( الإِحسَانُ أَنْ تعَبْدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ))[ مسلم عن أبي هريرة ]

                          لاحظ نفسك إن جاءك ضيف مِن علية القوم، ضيف محترم جداً، فهو على فهم، وعلى علم، وعلى قوة، وعلى تفوق، وعلى أخلاق، جاءك زائراً هل يعقل أن تجلس أمامه بثياب غير متبذله ؟ هل يعقل أن تجلس أمامه، وتضع رجلاً على رجل ؟ لا تستطيع، هل يعقل أن تجلس أمامه وتعبث بالسبحة، لا تستطيع، هل يعقل أن تقول كلاما لا يليق ؟ لا تستطيع.
                          أنت أمام إنسان من علية القوم تضبط كلامك، تضبط جلوسك، تضبط ثيابك، تضبط حركتك، وهو إنسان دخل إلى بيتك فتلاقيه بالنظر إلى جهة واحدة، لأنه ليس من أدب الضيف أن يزيغ البصر عنه.


                          ﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ﴾( سورة النجم )

                          لذلك الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه.
                          وأنا أقول لكم أيها الإخوة: أفضل حالة من حالات المؤمن أن تشعر أن الله معك لذلك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:



                          (( اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ))[ الترمذي]

                          الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، هذا حال المراقبة.
                          والله أيها الإخوة، هناك آيات في كتاب الله تكفي:


                          ﴿ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾( سورة النساء الآية: 1 )تفعل هذا مع إنسانْ مثلِك فكيف برب العالمين ؟!! أنت مع إنسان، لو وصل إلى سمعك أنك مراقب مِن قِبَل إنسان فإنك تضبط حركتك، إذا مشيت على رصيف وإلى جانب هذا الرصيف سفارة تنتقل إلى الرصيف الآخر، لأنك مراقب، هذا شأن المراقب.
                          حينما تشعر أن الله معك، وأن الله يراقبك، هذه درجة من الإيمان عالية جدا، هذه الدرجة تقتضي الانضباط، وحينما تشعر أن علم الله يطولك، وأن قدرته تطولك لا يمكن أن تعصيه، ولا يمكن أن تعصيه، بل تكون عندئذٍ محسناً.
                          وقد ضربت لكم من قبل هذا المثل: إنسان مواطن من الدرجة العادية أو الدرجة الثانية، وقف عند الإشارة الحمراء، والشرطي واقف، والضابط واقف، وشرطي آخر على دراجة واقف، فالأول يضبطه، فإذا خالف يلحقه الثاني، والثالث لئلا يتواطأ هذا الشرطي مع هذا المواطن، وهو من الدرجة الثانية هل يعقل أن يخالف ؟ مستحيل، مع إنسان وضع قانون السير لا يمكن أن تخالفه، لأنك موقن أن علمه يطولك، عن طريق هذا الشرطي، وعن طريق الشرطي الثاني، وعن طريق الضابط في السيارة، وأن قدرته تطولك، تسحب منك الإجازة، وتصادر السيارة، مثلاً، أنت مع إنسان من بني جلدتك، لكن علمه يطولك، وقدرته تطولك لا يمكن أن تعصيه، لكن بحسب الواقع في إنسان يخالف الإشارة في الساعة الثالثة ليلاً، لأنه علم واضع القانون لا يطوله، وقد يخالفها في رابعة النهار، إذا كانت قدرة واضع النظام لا تطوله، إن طالك علمك أو طالتك قدرتك فلا يمكن أن تعصيه، أما إن توهمت أن علمه لا يطولك، وأن قدرته لا تطولك فإنه يمكن أن تعصيه، فكيف مع خالق السموات والأرض ؟ لا تخفى عليه خافية.
                          ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ ﴾( سورة غافر الآية: 19 )

                          كتوضيح لهذه الآية: طبيب أمامه مريضة، وقد سمح له الشرع أن ينظر إلى مكان المرض، لو اختلس نظرة إلى مكان آخر لا تشكو منه، ليس في الأرض كلها جهة يمكن أن تضبط هذه الخيانة، إلا الله، فإنه:


                          ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُور﴾( سورة غافر الآية: 19 )

                          فهو مطّلع عليك، تتكلم يسمعك، تتحرك يراك، تضمر شيئاً يعلمه، لا تخفى عليه خافية، هذا مقام الإحسان، حينما تشعر أن الله معك، لكن معك بلطف، سميع بصير عليم، سميع إذا تكلمت، بصير إذا تحركت، عليم إذا أضمرت، مقام الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، هو محسن في كل شيء، الدليل:


                          ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾( سورة السجدة الآية: 7 )صورٌ من إحسان الله في مخلوقاته: هذا الفرخ الذي في البيضة، ينشأ في منقاره نتوء مؤنف حاد يكسر بهذا النتوء البيضة، فإذا خرج منها ضمر هذا النتوء، هل هناك من إحسان أدق من ذلك ؟ في منقار الصوص، وهو في البيضة، كيف يخرج منها، ينمو له نتوء مؤنف كالإبرة تماماً من أجل أن يكسرها، يكسر القشرة بهذا النتوء، فإذا خرج من البيضة ضمر هذا النتوء، وتلاشى.
                          في طحال الرضيع كمية حديد تكفيه عامين، الحليب ليس فيه حديد:
                          ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾( سورة السجدة الآية: 7 )

                          قرنية العين شفافة، تنفرد بنظام تغذية خاص، تتغذى لا عن طريق الشعريات، بل عن طريق الحلول:


                          ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾( سورة السجدة الآية: 7 )

                          الماء بدرجة زائد أربع يتمدد، ولولا تمدده لما كان هذا الدرس، ولما كانت هذه البلدة، ولما كان إنسان على وجه الأرض:


                          ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾( سورة السجدة الآية: 7 )

                          الصقر يرى ثمانية أمثال رؤية الإنسان، يرى طعامه في الماء وهو في أعالي الجو، الإنسان يرى، أما الصقر فسوف يغامر، ويسقط من أعالي السماء ليأكل، فإذا لم يكن بصره حادًّا يرى طعامه على سطح الأرض وهو في أعالي السماء لا يكون خلقه حسنًا.
                          الحديث عن الآيات التي تؤكد أن الله ( محسن ) لا تنتهي:
                          هذا الصوان، هذه السطوح، والتجاويف لتغطي كل الاتجاهات، أي صوت يتعامد مع سطح من سطوح الصوان بالأذن، لو أن ثقب الأذن كان أوسع بقليل فإن الطفل دون أن يشعر يخرق غشاء طبله، لكن ثقب الأذن أضيق من أي إصبع، بل من أصغر إصبع.
                          أحيانا يحمل إنسان ابنه، الأربطة هنا مدروسة بشكل أنها تحمل جسم الطفل، وقد يكون الأب غضبان فيحمله بعنف، الوزن تضاعف، وأحيانا تقتني محفظة تملأها بالأغراض، وتحملها فتنخلع يدها، يقول لك: صناعة غير متقنة، كيف أن الإنسان مدروس، وأن وزنه متناسب مع متانة الأربطة التي في ذراعه:


                          ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾( سورة السجدة الآية: 7 )
                          7 – إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ لذلك أيها الإخوة، الآن عندنا أمر:﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ﴾( سورة النحل الآية: 90 )

                          أنت مأمور بالعدل، ومأمور مع العدل بالإحسان، فأحياناً المشكلة تحل بالإحسان لا بالعدل، فلان ليس له عندك شيء، هذا صحيح، لكنه بحاجة إلى مساعدتك، فأنت حينما تفهم هذه الآية يمكن أن تحل بهذه الآية آلاف المشكلات، القضية التي لا تحل بالعدل يجب أن تصرفه، يجب أن تدمره، يجب أن تفضحه، أما بالإحسان فيجب أن تعينه على الشيطان.
                          لذلك التوجيه الدقيق أن تعين أخاك على الشيطان، لا أن تعين الشيطان على أخيك، بالإحسان طبعاً.
                          أحيانا يكون للإنسان جار سيئ جداً، يستطيع أن يقطع لسانه، لا بالمقص، بل بالإحسان، الإحسان يسكت، وأنا أنصح إنسانا عنده جار سيئ أن يقدم له هدية، تجد الأمور كلها انضبطت، من يقطع لسانه ؟ مَن يحسن إليه حتى يسكت ؟ بالبر يستعبد الحر.
                          والله أيها الإخوة، موضوع الإحسان يدور مع الإنسان في كل حياته.
                          سمعت عن قاضٍ أمر يحجز حرية إنسان، والمحامي طلب إطلاق سراحه، ما استجاب القاضي ولم يقتنع، قدم طلبا ثانيا، وطلبا ثالثا، وطلبا رابعا، وطلبا خامسًا، القاضي ما استجاب، فموكِّلو المحامي عزلوه، وعينوا محامياً جديداً، القاضي بعد أن عُين محامي جديد بدا له أن يطلق سراحه، فإن أطلق سراحه يسقط الأول ويتألق الثاني، قال: ائتوني بالمحامي السابق ليقدم طلب إخلاء سبيل حتى أخلي سبيله، ما قَبِل أن يخلي سبيله إلا بطلب من المحامي السابق، هذا منتهى الإحسان، وقد كان غير قانع بإطلاق سراحه، ما استجاب لخمس طلبات، أما لما بدا له وهو يطلق سراحه عيِّن محامٍ جديدٌ، سوف يصول ويجول، ومن أول طلب أطلق سراحه، قال: ائتوني بالمحامي السابق ليقدم طلبا لإطلاق سراحه حتى أطلق سراحه.
                          الإحسان أن تفكر، وقد تكون ابتسامة في غير مكانها فيها إساءة، أو جلسة فيها كِبر، أو سؤال، ماذا قدم لك زوجك في العيد ؟ هو يحبها وهي تحبه، وزوجها فقير، ضعضعها وحجّمها بسؤاله، وأربكها، ثم هي تألمت لأنه ما قدم لها شيئًا فعلاً، هذا سؤال محرج.
                          أينما دخلت يجب أن تحبّب الناس بالله عز وجل، لا أن تكرههم بحياتهم.
                          والله مرة أذكر أني دخلت بيتا بحجم غرفة الضيوف، غير معقول إطلاقاً، لا مكان للجلوس، فخجل صاحب البيت، قلت له: بالعكس، سيد الخلق وحبيب الخلق غرفته لا تكفي لصلاته و نوم زوجته، وهو قمة البشر، فاستبشر.
                          إذا زرت أختك يجب أن تمتّن علاقتها بزوجها، عن طريق الثناء على زوجها، على أخلاقه، لا على دخله، لا تقل: كم دخله ؟ ما يكفيكم هذا المبلغ، هذا عدم إحسان، الإحسان أن تلاحظ نفسك على الخطرة، على النظرة، على الكلمة، على الابتسامة، أحياناً ابتسامتك تكون إساءة.


                          (( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ))﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى ﴾( سورة يونس الآية: 26 )﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾( سورة التغابن )

                          النبي علّمنا أنك إذا وقفت أمام المرآة، ورأيت خَلقك سليماً فقل:


                          (( اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي ))[ أحمد عن ابن مسعود ]

                          هناك عاهات، ودمامة أحياناً، ومشكلة، وعضو مبتور،


                          (( اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي ))
                          8 – فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ قال تعالى:﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾( سورة المؤمنون )

                          غسيل الدم بالأجهزة الصناعية يحتاج إلى ساعات، أعتقد 6 ساعات، كل الأسبوع ثلاث مرات، وفي كل مرة تغرز إبرةٌ في مكان معيَّن، لكن الله هيأ لك كُلية حجمها كالبيضة تعمل بلا صوت، وبلا تعب، وبلا مشقة، وبلا أجر، وتصفي تصفية تامة.
                          سمعت من أحد الأطباء أن الكلية الواحدة فيها عشرة أضعاف حاجتك، والكليتان عشرون ضعفا، هذا احتياط، لذلك يمكن أن يستغني الإنسان عن إحدى كليتيه:


                          ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾( سورة السجدة الآية: 7 )

                          هذه الآية تدور مع الإنسان، مع خلق الإنسان، مع حاجاته، مع طعامه، مع شرابه.


                          ﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ ﴾( سورة الطارق )

                          اللقاء الزوجي بحاجة إلى حوين واحد، وأحيانا الزوج يفرز من 300 مليون إلى500 مليون حوين:


                          ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾( سورة السجدة الآية: 7 )﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾( سورة المؤمنون )

                          كم مِن خالق ؟ خالقٌ واحدٌ، لكن سمّى الصانع خالقا مَجازاً.
                          وزانْ بين غسيل الكلية الصناعية والكلية الطبيعية، وازن بين آلة التصوير التي فيها في الميليمتر عشرة آلاف مستقبل ضوئي، وبين عينك التي في الميليمتر في الشبكية مئة مليون مستقبل ضوئي، في الشبكية في كل مليمتر مربع فيها 130 مليون عصية ومخروط، عصيات ومخاريط، للون الأبيض والأسود، والألوان، لذلك أنت تفرق بين 8 ملايين لون.


                          ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾( سورة السجدة الآية: 7 )﴿ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾( سورة يوسف الآية: 23 ) جعلك من أبٍ، هذه نعمة كبيرة، لك أبٌ معروف، لك أم طاهرة شريفة، عندها أولاد، بيتك مستقر، هذه من نعم الله الكبرى.
                          9 – وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ لذلك الآية الكريمة:﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾( سورة القصص الآية: 77 )

                          أي شيء آتاك الله إياه ينبغي أن يوظف للآخرة كيف ؟ قال:


                          ﴿ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾( سورة القصص الآية: 77 )

                          لا تنس المهمة التي آتيت من أجلها.


                          ﴿ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾( سورة القصص الآية: 77 )

                          هذا أمر آخر:


                          ﴿ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾( سورة القصص الآية: 77 )

                          الله عز وجل صبر عليك حتى اهتديت، فإذا كان عندك زوجة لم تستقم على أمر الله فاصبر عليها، لا تأخذها بالعنف، الله كان حليما عليك، كيف أن الله صبر عليك، فاصبر عليها، كيف أن الله ذكرك فذكّر الآخرين.


                          ﴿ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾( سورة القصص الآية: 77 )﴿ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ﴾( سورة القصص الآية: 77 )
                          التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 01-05-2017, 12:05 AM.
                          من قال سبحان اللهِ وبحمدِه في يومٍ مائةَ مرةٍ، حُطَّتْ خطاياه ولو كانتْ مثلَ زبدِ البحرِ
                          موسوعة الكلم الطيب

                          سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر استغفرالله

                          تعليق


                          • #28
                            رد: مـــــــع اللـــــــــه-أسماء الله الحسنى ...للدكتور محمد راتب النابلسي

                            اسم الله المبين 1
                            بسم الله الرحمن الرحيم
                            الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
                            من أسماء الله الحسنى: ( المُبِين ):
                            1 – ورودُ اسم ( المبين ) في القرآن الكريم: مع اسم من أسماء الله الحسنى، وهو اسم ( المبين )، وقد ورد هذا الاسم في القرآن الكريم في آية واحدة، قال تعالى:﴿ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ ﴾( سورة النور )
                            2 – ورودُ اسم ( المبين ) معرَّفًا بـ ( أل ) إشارة إلى الوصفية: ورد هذا الاسم في القرآن الكريم معرفا بـ ( أل )، فلان اسمه راشد، راشد اسم علم، أما إذا عرفت الاسم لقلت: جاء الراشد، أنت تريد أن تؤكد اتصاف هذا الإنسان بالرشد، فحين يعرّف اسم العلم يقصد منه التعريف، ودقة اتصاف صاحب الاسم بصفته، إذا قلت: جاء راشد، قد يكون جاء رجل اسمه راشد، لكنه غير راشد، كأن تقول: فلان سعيد، اسمه سعيد، وهو من أشقى الناس، فلان كامل، وفيه كمية نقص لا تعد ولا تحصى.
                            لذلك إذا عُرِّف الاسم العلم بـ ( أل ) أُشير إلى اتصاف صاحبه بهذه الصفة، فاسم الله تعالى ( المبين ) ورد معرَّفا بـ: أل:
                            ﴿ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ ﴾( سورة النور ) شيء آخر أيها الأخوة، نحن نعلم في اللغة أن الكلمات معارف ونكرات، المعرفة ما دلت على معين، والنكرة ما دلت على غير معين، تقول: عاصمة، فهي غير معين، نكرة، أما دمشق فمعرفة.
                            قال بعض النحاة:
                            إن المعارف سبعة في قولنا كَمُل أنا صالح من ذا الفتى ابني يا رجل


                            الضمير معرفة، اسم العلم معرفة، اسم الإشارة معرفه، اسم الموصول معرفة، المُعرف بأل معرفة، المضاف معرفة، المنادى معرفة.


                            إن المعارف سبعة في قولنا كَمُل أنا صالح من ذا الفتى ابني يا رجل.
                            3 – اسم ( المبين ) مفيدٌ للمدح والثناء: هذا الاسم يفيد المدح والثناء، والعبد عبد والرب رب، شأن العبد الافتقار، وشأن الرب المدح والثناء، لكن لو أن غنياً تواضع، وقال لمن يسأله عطاءً: أنا لا أملك شيئًا، ليس هذا المقام مقام تواضع، مقام أن تذكر له أنك يمكن تساعده، فشأن الله المدح والثناء، وشأن العبد الافتقار.غزوة بدرٍ وحنين درسان بليغان: في حياة الناس درسان بليغان، الدرس الأول درس بدر، والدرس الثاني درس حنين.
                            النبي عليه الصلاة والسلام مع أنه سيد الخلق وحبيب الحق، وهو قمة البشر وقد اختاره الله، واختار له أصحابه، قال:
                            (( إن الله اختارني واختار لي أصحابي ))[ الجامع الصغير بسند ضعيف عن أنس ]

                            أصحابه والنبي على رأسهم في بدر افتقروا إلى الله في بدر فقال تعالى:


                            ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾( سورة آل عمران الآية: 123 )

                            النبي نفسه، وهو في أعلى درجات القرب والافتقار إلى الله، لكن أصحابه في حنين قالوا:



                            (( لن نغلب من قلة ))[ أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم، عن ابن عباس ]

                            فتخلى الله عنهم، قال تعالى:


                            ﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ﴾( سورة التوبة الآية: 25 )لا تقل: أنا، لي، عندي: درْسا بدر وحنين يحتاجهما المؤمن في كل يوم، بل في كل ساعة، فإذا قلت: أنا، تخلى الله عنك، وإذا قلت: الله، تولاك، قل: أنا ابن فلان، يتخلّ الله عنك، قل: أنا عندي علم يتخلّ الله عنك، قل: أنا عندي تجربة غنية في هذا الموضوع، قل: أنا أعلم من حولي يتخلّ الله عنك، إياك أن تقول: أنا، قالها إبليس:﴿ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ ﴾( سورة الأعراف الآية: 12 )

                            فأهلكه الله، وقالها قوم بلقيس:


                            ﴿ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ ﴾( سورة النمل الآية: 33 )

                            وقالها قارون:


                            ﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي ﴾( سورة القصص الآية: 78 )

                            فخسف به الأرض، وقال فرعون:


                            ﴿ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ ﴾( سورة الزخرف الآية: 51 )

                            فدمره الله، أنا، ونحن، ولي، وعندي كلمات مهلكات، فإذا قلت أنا تخلى الله عنك، وإذا قلت الله تولاك الله، ونحن جميعا بحاجة ماسة لهذين الدرسين في كل ساعة من حياتنا.
                            هناك طبيب جراح نسائي في بلد عربي متفوق، له زميل طبيب من المستوى نفسه، له زوجه في حملها إشكال، فذهب إليه، واتفق أن تكون الولادة عنده، ثم سأله زميله: هل ترى أن نسأل طبيبا آخر؟ قال: أنا أعلم مَن في هذه المدينة بهذا الاختصاص، بكل كِبْر، القصة طويلة، لكن مغزاها أن هذا الطبيب ارتكب خطأ فادحا جداً لا يرتكبه ممرِّض، الأمر الذي وجب على القائمين على شؤون الصحة أن يسحبوا منه الشهادة لأول مرة في تاريخ البلد العربي بعد النهضة والاستقلال.
                            لا تقل: أنا، لا تقل: ليس هناك من هو أعلم مني.


                            ﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾( سورة يوسف )

                            إن شاب ناشئًا ألقى درساً فتحلق والتف الناس حوله، وأحبوه، ورجل آخر مِن أهلِ العلم آلمه هذا الإقبال على هذا الشاب، فجاء إليه، وأراد أن يصغّره، فحضر درسه، فلما انتهى الدرس، سأل هذا الفتى: وقال له: يا هذا، هذا الذي قلته ما سمعناه، تصغيرا له، فالشاب مؤدب جداً، قال: يا سيدي، وهل تعلمت العلم كله، فإذا قال: نعم، فقد خالف قوله تعالى:


                            ﴿ وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾( سورة الإسراء ) قال: لا، قال: كم تعلمت منه ؟ قال: شطره، قال: يا سيدي هذا الذي قلته من الشطر الذي لا تعرفه.
                            إياك أن تقول: أنا، قل: بفضل الله، الله مكني أن أنال هذه الشهادة، الله مكني أن أتقن هذه الحرفة، الله مكني أن ألقي هذه الكلمة، الله مكني أن تنجح هذه العلمية.
                            أعرف طبيبا جراحاً عصبياً، المريض على الطاولة، يصلي أمامه ركعتين، ويقول: يا رب، ألهمني الصواب، أنا مفتقر إليك.
                            عوِّد نفسك في كل عمل تقدم عليه أن تقول: اللهم إني تبرأت من حولي وقوتي، والتجأت إلى حولك وقوتك يا ذا المتين، شأن العبد أن يفتقر، وشأن الرب أن تثني عليه، وأن تمدحه، كي نطمع بفضله، وكي نقبل عليه، وكي نلجأ إليه، وكي نعتمد عليه.
                            لا تُظهِر نفسَك وتعتِّم على غيرك: أيها الإخوة، لكن بالمناسبة، إذا مُدح المؤمن ربَا الإيمان في قلبه، وهناك إنسان بطبيعته لا يُظهِر مَن حوله إطلاقاً، تعتيم شديد على مَن حوله، وتسليط للإضاءة شديد على شخصه، هو يكبُر ومَن حوله يصغرون، ليس هذا من شأن النبي عليه الصلاة والسلام.(( لو كان نبيا بعدي لكان عمر ))[ أخرجه الترمذي عن عُقْبَةَ بنِ عامرٍ ]

                            سيدنا الصديق ما ساءني قط، وما طلعت شمس على رجل بعد نبي أفضل من أبي بكر.
                            سيدنا ابن الجراح أمين هذه الأمة، كل صاحبي أعطاه النبي حقه، هذه بطولة أن تُظهِر مَن حولك، لا أن تعتم من حولك.
                            فذالك أيها الإخوة، إذا مُدح المسلم رَبا الإيمان في قلبه، والمؤمن الصادق إذا مُدح والله يزداد تواضعاً لله، يزداد محبة له، يقول: يا رب، إني تبرأت مِن حولي وقوتي، والتجأت إلى حولك وقوتك، يا ذا القوة المتين، يا رب، هذا فضلك، يا رب، هذا توفيقك يا رب، هذا من عندك، يا رب، هذا من تأييدك.
                            المؤمن الصالح إذا مُدح ربا الإيمان في قلبه، وهناك أشخاص إذا مدحتهم، يصدقون، ويستعلون، ويتغطرسون، ويعانون من أمراض نفسية كانوا في غنىً عنها.
                            إذاً: أنت أيها الأخ المؤمن كن حكيما، إذا كان مدحك يسوق الإنسان إلى الفجر فإياك أن تمدحه، لذلك ورد أيضاً:



                            (( احْثُوا التُّرَابَ فِي وُجُوهِ المَدَّاحِينَ ))[ أخرجه مسلم المقداد بن الأسود ] ورد النهي عن المديح، وورد الثناء على المديح، هذا بحسب حال الممدوح، فإذا كان مؤمناً ربا الإيمان في قلبه، وإن كان غير مؤمن ازداد كبراً وغطرسة واستعلاء.علاقة التوكل بالأخذ بالأسباب: أيها الإخوة، قضية التولي والتخلي، أخطر شيء في حياتنا، قل: الله، حقيقة المؤمن أن يأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم يتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، سهل جداً أن تأخذ بالأسباب، وأن تعتمد عليها، وأن تؤلهها، وأن تنسى الله معها، وهذا شأن العالم الغربي، وسهل أيضاً ألا تأخذ بها جهلاً وتواكلاً وتقول: توكلنا على الله.
                            سيدنا عمر رأى أناساً يتكففون الناس في الحج، سألهم: << من أنتم ؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال: كذبتم، المتوكل من ألقى حبة في الأرض، ثم توكل على الله >>.
                            يجب أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، هذا شيء مهم جداً أيها الإخوة.
                            إذاً: المؤمن الصادق يأخذ بالأسباب ولا يعتمد عليها، يعتمد على الله، وقبل أن يسافر يراجع مركبته مراجعة دقيقة، ثم من أعماق أعماقه يقول: يا رب، أنت الحافظ، أنت الموفق، أنت المسلم، أما ألاّ يأخذ بالأسباب، ولا يراجع المركبة، ولا يتفقد مكابحها، ولا أجهزتها، ولا وسائلها، ويقع الحادث، ثم يقول: هذه مشيئة الله، فهذا افتراء على الله، هذه نتائج التقصير، ولو فهِم المسلمون أن الأخذ بالأسباب من الدين، بل هو من صلب الدين لما كانوا فيما هم فيه الآن من ضعف، لكن العالم الغربي وقع في متاهة أخرى، أخذ بالأسباب واعتمد عليها، ونسى الله، وتغطرس، فأدبه الله عز وجل.
                            الإنسان يؤدَّب مرتين، مرة إذا أخذ بالأسباب واعتمد عليها، وأشرك مع الله، وينسي ربه، ومرة إن لم يأخذ بها، ففي الحالتين يؤدب، لذلك البطولة أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست شيء.
                            الكون مسخَّر للإنسان تعريفًا وتكريما: أيها الإخوة، الكون كما تعلمون مسخر تسخير تعريف وتكريم، تماماً لو قدم لك أحدهم هاتفا متطورا جداً، وفيه خدمات كبيرة جداً، قدمه لك أحدهم هدية، وهذا الجهاز من اختراعه، أنت بماذا تشعر ؟ تشعر بإكبار لهذا الإنجاز العلمي، وتشعر بامتنان، لأنه أعطاك إياه هدية، هذا مثل للتبسيط.
                            هذا الكون الذي سخره الله للإنسان، سخره له تسخير تعريف وتكريم، من أين جئنا بهذا المعنى ؟ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ:
                            (( هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ، هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ، هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ ))[ رواه أبو داود وفي سنده ضعف ]

                            هلال خير أنتفع به، وهلال رشد يرشدني إلى ربي، هذا منهج.
                            الطعام أمامك، طعام خير ورشد، تنتفع به، وتتعرف إلى خالقه، نظرت إلى السماء، نظرت إلى النجوم، إلى البحار، إلى الجبال، نظرت إلى الأسماك، إلى الأطيار كل شيء سخره الله لنا تسخير تعريف وتكريم، فردُّ فعل التعريف أن تؤمن، وردُّ فعل التكريم أن تشكر، وحينما تؤمن، وحينما تشكر فقد حققت الهدف من وجودك، وإنْ آمنت وشكرت توقفت المعالجة، الدليل قال تعالى:


                            ﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾( سورة النساء )

                            في اللحظة التي تؤمن بها بالله، وتشكره على نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد ونعمة الهدى والرشاد، فقد حققت سر وجودك وغاية وجودك، واعلم علم اليقين أنه ربما وفي العمل الأغلب وإن شاء الله تتوقف كل المعالجات، لذلك ورد في بعض الأحاديث عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:



                            (( لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلَّا الْبِرُّ ))[ أخرجه الترمذي والحاكم في المستدرك ] إذا دعوت وأنبت، واستقمت، وتبت يتوقف كل شيء في حقك، وهذه بشارة كبيرة جداً.التوحيد لا يغفي من المسؤولية: أيها الإخوة، ولكن كما تحدثت عن التوحيد لا بد من التنويه أن الله عز وجل حينما سمح لموضوع حديث الإفك أن يكون، قال في القرآن الكريم:﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ ﴾( سورة النور الآية: 11 )

                            لأن كل شيء وقع أراده الله، ولأن كل شيء أراده الله وقع، ولأن إرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، ولأن حكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق، فخير، لكن لئلا يتوهم الإنسان أن القضاء والقدر يعفيه من المسؤولية، قال تعالى:


                            ﴿ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾( سورة النور )

                            كي أترجم هذه الفكرة إلى حياتنا: طبيب اشتغل مع ممرضة في المستشفى بحديث غزلي، جاء إنسان في الإسعاف، قال لهم: انتظروا، حتى مات، فالطبيب مسؤول، ولا يقل: سبحان الله ! مات بأجله، لا، أنت مسؤول، الدليل: عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:



                            (( مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ ضَامِنٌ ))[ أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم ] التوحيد لا يلغي المسؤولية.
                            4 – الاشتقاق اللغوي لاسم ( المبين ): أيها الإخوة، المبين اسم فاعل من المشتقات نحن لغتنا لغة اشتقاق، وهي من أرقى اللغات ( المبين ) اسم فاعل، نحن في لغتنا اللغة أُسَر، هناك أسرة جدها بانَ، فيها اسم فاعل بائن، فيها فعل رباعي، أبان، فيها اسم فاعل رباعي مبين، وهناك بينونة، عندنا فعل ماضٍ، وفعل مضارع، وفعل أمر، واسم فاعل واسم مفعول، وصفة مشبهة باسم الفاعل، واسم تفضيل، اسم مكان، واسم زمان، واسم آلة، لغتنا من أرقى اللغات، ويكفي أن الله سبحانه وتعالى اختارها لكلامه:﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ﴾( سورة الشعراء )


                            وفي اللغة لقطات مذهلة، اللغة العربية تتسع اتساعاً مذهلاً، فهناك كلمة نظر، وحدّج، حدج نظر مع المحبة، وفي الحديث الشريف:


                            (( حدث القوم ما حدجوك بأبصارهم )) هناك نظر شزراً، مع الاحتقار، وهناك شَخَص مع الخوف، وحَدج، وهناك بَحْلق مع التحديق، وحملق، ظهر حملاقُ العين، واستشرف مع التمطي، واستشف مع اللمس، ولَمَح، نظر، وأعرض، هناك ولّى، وظهر، واختفى.
                            العربية من أرقى اللغات الإنسانية، لكن اللغة تضعف بضعف أهلها، وتقوى بقوتهم، وفي العربية مثلا: كتب، ومكتب، وكتابة، وكتاب، من أسرة واحدة، وفي اللغة الإنجليزية Write, book, table، كل كلمة من اشتقاق، نحن كتب، يكتب، كاتب، مكتوب، مكتب، كتاب، هل نظرت إلى النظام ؟
                            فلذلك ( المبين ) اسم فاعل من أبان، أظهر، أما بائن مِن بان، وهو فعل لازم، اسم فاعله بائن، أما أبان: اسم فاعله مبين.
                            بانت المرأة ؛ انفصلت عن زوجها، وفي الطلاق الثالث تكون البينونة الكبرى.
                            5 – معنى اسم ( المبين ): شيء الآخر، ( المبين ) الواضح:﴿ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ﴾( سورة الأعراف )

                            السحرة جاءوا بأنابيب، وطلوها على شكل ثعبان، ووضعوا فيها زئبقًا، ثم وضعوها على مكان ساخن، تمدد الزئبق، تحركت هذه الأنابيب المطاطية


                            ﴿ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ﴾( سورة الأعراف )﴿ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى * قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى * قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾( سورة الشعراء )

                            شيء رائع جداً:


                            ﴿ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ﴾

                            أي: واضح.


                            ﴿ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾( سورة الدخان ) حينما يرى الإنسان أنه خسر الأبد، وخسر الآخرة قال تعالى:﴿ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾( سورة الزمر )

                            الخسارة الحقيقية أن تخسر الله، أن تخسر الجنة، أن تخسر الأبد.
                            لذلك أبان ؛ أظهر، والبيان ؛ الفصاحة.


                            ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾( سورة الرحمن )البيان أرقى أداة اتصال بشري: البيان أرقى أداة اتصال بشري، فلو فرضنا دولة فيها نظام، لكن ما فيها لغة، وأراد حاكم هذه البلدة أن يمنع التجول، ماذا يفعل ؟ يحتاج على شرطي لكل مواطن يدفعه إلى البيت، لكنه يصدر بلاغا في أربع كلمات لا تجد بعد ذلك إنسانا في الطريق.
                            أرقى أداة اتصال بين البشر اللغة، قال تعالى:
                            ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾( سورة الرحمن )

                            أيضا البيان شفهي للتواصل المباشر، وكتابي للتواصل الغير مباشر.


                            ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾

                            البيان الكتابي ينتقل من جيل إلى جيل، ومن عصر إلى عصر، والبيان الكتابي مع الترجمة ينتقل من أمة إلى أمة، ومن ثقافة إلى ثقافة، والإنسان خُص بالبيان:


                            ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾( سورة الرحمن )(( وإن من البيان لسحرا ))[ أخرج مالك أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي عن ابن عمر ](( إنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً ))[ أخرجه البخاري عن أُبي بن كعب ]
                            التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 01-05-2017, 12:13 AM.
                            من قال سبحان اللهِ وبحمدِه في يومٍ مائةَ مرةٍ، حُطَّتْ خطاياه ولو كانتْ مثلَ زبدِ البحرِ
                            موسوعة الكلم الطيب

                            سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر استغفرالله

                            تعليق


                            • #29
                              رد: مـــــــع اللـــــــــه-أسماء الله الحسنى ...للدكتور محمد راتب النابلسي

                              اسم الله المبين 2
                              بسم الله الرحمن الرحيم
                              الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
                              من أسماء الله الحسنى: ( المبين ): أيها الإخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، وهو اسم ( المبين ).
                              1 – اسم (المبين ) وصف للذات والأفعال: الحقيقة أن هذا الاسم فيه وصف للذات، فالله سبحانه وتعالى بائن ؛ أي ظاهر، من بان واسم الفاعل من هذا الفعل بائن.
                              أما إذا بيّن الله للناس آياته فهو ( المبين )، وهذا وصف للأفعال، فاسم ( المبين ) بين أن يكون وصفاً للذات، وبين أن يكون وصفاً للأفعال.

                              2 – الله يبيِّن الآيات:
                              ﴿ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ ﴾( سورة البقرة الآية: 242 )


                              جاءت آيات كثيرة:


                              ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾( سورة البقرة )﴿ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾( سورة البقرة )﴿ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾( سورة البقرة )﴿ لَعَلَّكُمْ تَتّقُونَ ﴾( سورة البقرة )﴿ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾( سورة الحج ) إذاً: الله جل جلاله يبيّن لخلقه آياته، لعل هؤلاء الناس يعرفون الحقيقة، لعلهم يتفكرون، لعلهم يعقلون، لعلهم يهتدون، لعلهم يتقون، لعلهم يشكرون.ما هي آياتُ الله عزوجل ؟ فما هي آيات الله عز وجل ؟ قال العلماء: هناك آيات كونية، وهي خَلْق الله عز وجل، وهناك آيات تكوينية هي أفعاله، وهناك آيات قرآنية أي كلامه، فمن أجل أن نعرفه، ومعرفة الله أصل الدين ينبغي أن نتفكر في آياته الكونية، وأن ننظر في آياته التكوينية، وأن نتدبر آياته القرآنية.
                              لو وقفنا وقفة متأنية عند آياته الكونية، فالله سبحانه وتعالى يأمرنا أن ننظر في السماوات ولأرض، وكما تعلمون كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، لأن الله عز وجل جعل التفكر من أعلى درجات العبادة، فقال تعالى:
                              ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾( سورة آل عمران )
                              نماذج من آيات الله الكونية:
                              سرعة الضوء:
                              من بعض آياته الكونية: أن بين الأرض وأقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية، والضوء يقطع في الثانية الواحدة 300 ألف كم، كم يقطع في الدقيقة ؟ ضرب 60، كم يقطع في الساعة ؟ ضرب 60، كم يقطع في اليوم ؟ ضرب 24، كم يقطع في السنة ؟ ضرب 365 يوما، كم يقطع في أربع سنوات ؟
                              إن طالبا من طلابنا في المرحلة الإعدادية يحسب كم يبعد هذا النجم الذي هو أقرب نجم ملتهب إلينا عن أرضنا، فإذا كان لهذا النجم طريق سالك، ومعنا مركبة أرضية، وسرنا بسرعة مئة في الساعة، لو قسمنا المسافة على مئة يكون الجواب كم ساعة تستغرق الرحلة، لو قسمنا الناتج على 24 نجد كم من يوم تستغرق الرحلة ؟ لو قسمنا الناتج على 365 كم من عام، من أجل أن نصل إلى أقرب نجم ملتهب إلى الأرض بمركبة أرضية نحتاج إلى خمسين مليون عام، متى نصل إلى نجم القطب الذي يبعد عنا 4000 سنة ضوئية ؟ بل متى نصل إلى مجرة المرأة المسلسلة التي تبعد عنا مليوني سنة ضوئية، ومتى نصل إلى بعض المجرات التي اكتشفت حديثاً، وتبعد عنا 20 مليار سنة ضوئية، إذا فتحت كتاب الله، وقرأت قوله تعالى:
                              ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾( سورة الواقعة )


                              لذلك أيها الإخوة:


                              ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾( سورة فاطر الآية: 28 )

                              إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم.
                              ولكن في الآية الكريمة ملمح دقيق:


                              ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾( سورة الواقعة )

                              إنها كلمة مواقع، الموقع يعني أن صاحب الموقع قد لا يكون في الموقع، لأن هذا النجم، أو هذه المجرة، أو هذا النجم الذي يبعد عنا عشرين مليار سنة كان في هذا المكان، وأرسل ضوءه إلى الأرض، وبقي الضوء يقطع في الفضاء الخارجي مسافة يستغرق قطعها 20 مليار سنة، النجم أين هو الآن ؟ ليس في هذا المكان، سرعته تقترب من سرعة الضوء.
                              لذلك إذا تأمل عالم فلك في كلمة: ﴿ بِمَوَاقِعِ ﴾، لخر ساجداً لله.


                              ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾( سورة الواقعة ) لو أن الآية: لا أقسم بالمسافات بين النجوم، فهذا ليس قرآناً:﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾( سورة الواقعة )برج العقرب:
                              إخوتنا الكرام، الأرض تدور حول الشمس، بين الأرض والشمس 156 مليون كم، يقطعها الضوء في 8 دقائق، الشمس تكبر الأرض بمليون و300 ألف مرة، أي أن جوف الشمس يتسع لمليون و300 ألف أرض، وبينهما 156 مليون كم، وحينما قال الله عز وجل:
                              ﴿ وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾( سورة البروج )

                              أحد أبراج السماء اسمه برج العقرب، برج العقرب فيه نجم صغير متألق اسمه قلب العقرب، هذا النجم الصغير المتألق يتسع ـ دققوا الآن ـ يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما، أهذا الإله العظيم يُعصى ؟! ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره ؟


                              ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾( سورة الواقعة )﴿ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾( سورة يونس الآية: 101 )البعوضة: لو انتقلنا نقلة فجائية من المجرات، ومن السماوات إلى أحقر مخلوق عند الإنسان إنه البعوضة، البعوضة بعد أن وضعت تحت المجهر تبين أن في رأسها مئة عين، وفي فمها 48 سناً، وفي صدرها 3 قلوب، قلب مركزي، وقلب لكل جناح، وفي كل قلب أذينان وبطينان ودسامان، وتملك البعوضة جهازا استقباليا حراريا لا تملكه الطائرات، إنها ترى الأشياء لا بأشكالها، ولا بأحجامها، ولا بألوانها، ولكن ترى الأشياء بحرارتها فقط، وحساسية هذا الجهاز الحراري واحد على ألف من الدرجة المئوية.
                              وتملك جهاز تحليل دم، فما كل دم يناسبها، وتملك جهازاً آخر، جهاز تمييع للدم، لأن لزوجة دم الإنسان لا تسري في خرطومها، وتملك جهاز تخدير.
                              أما خرطومها ففيه ستة سكينان، أربع سكاكين لإحداث جرح مربع، وسكينان يلتئمان على شكل أنبوب لامتصاص الدم، فإذا قال الله عز وجل في قرآنه:
                              ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾( سورة البقرة الآية: 26 )

                              هذه الآية تندرج تحت الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.
                              في أرجل البعوضة مخالب، إن أرادت أن تقف على سطح خشن، وفي أرجل البعوضة محاجم، إن أردت أن تقف على سطح أملس.


                              ﴿ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾( سورة يونس الآية: 101 )﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾( سورة آل عمران )

                              أيها الإخوة الكرام، الآيات التي تتحدث عن العلم، وعن التفكر، وعن العقل تقترب من ألف آية في القرآن الكريم، والآيات التي تتحدث عن الكون تقترب أيضاً من ألف آية، لذلك سبيل معرفة الله التفكر في آياته، فالله عز وجل حينما قال:


                              ﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾( سورة الجاثية ) الله عز وجل مبين، بيّن هذه الآية، والله عز وجل ظاهر، بل إن كل شيء في الكون ينطق بوجود الله، ووحدانيته، وكماله، هذا عن آياته الكونية.من آيات الله التكوينية: فماذا عن آياته التكوينية ؟ نحن مأمورون أن نتفكر بآياته الكونية، أما آياته التكوينية فهي أفعاله.
                              تصوروا فرعون، وما أدراكم من فرعون، بجبروته، بقوته، باستعلائه، باستكباره، بقسوته، بظلمه، بطغيانه، هذا فرعون رواء سيدنا موسى بقوته، سيدنا موسى معه شرذمة قليلون من بني إسرائيل، وصلوا إلى ساحل البحر الأحر.
                              ﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾( سورة الشعراء )

                              احتمال النجاة صفر، فرعون بأسلحته، بحقده، بطغيانه، باستعلائه، باستكباره، وراء نبي كريم مع شرذمة من بني إسرائيل.


                              ﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾( سورة الشعراء )

                              والقصة معروفة لديكم، حيث إن هذا النبي الكريم ضرب البحر بعصاه فأصبح طريقاً يبساً، سار فيه موسى ومن معه، تبعهم فرعون، وكان موسى قد خرج من الطرف الآخر، وفرعون في منتصف البحر، فغرق، وكان إغراق فرعون آية من آيات الله عز وجل.
                              وهذه القصة لنا من أجل ألا نيأس، من أجل أن نثق بالله عز وجل، وأن الله سبحانه وتعالى لا يتخلى عن عباده المؤمنين.


                              ﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾( سورة آل عمران )

                              هذه آية من آياته التكوينية، قال تعالى:


                              ﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾( سورة الأنعام )

                              هؤلاء الذين عارضوا النبي الكريم، أين هم الآن ؟ في مزبلة التاريخ، أبو جهل وأبو لهب، هؤلاء الذين وقفوا معه أين هم ؟ في أعلى عليين.


                              ﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾( سورة الأنعام )

                              وفي آية أخرى:


                              ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا ﴾( سورة النمل الآية: 69 ) أحياناً يأتي التدمير سريعاً، وقد يأتي متأخراً لحكمة أرادها الله عز وجل، فآياته الكونية أُمرنا أن نتفكر فيها، وآياته التكوينية أُمرنا أن ننظر فيها.الآيات القرآنية: بقيت آياته القرآنية أُمرنا أن نتدبر آياته القرآنية، والقرآن الكريم يُقرأ، والأولى أن يُقرأ قراءة صحيحة، وفق قواعد اللغة، لأن هذا القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين، وإن أمكن ينبغي أن يُقرأ قراءة وفق أحكام التجويد، هذا مندرج تحت قوله تعالى:﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ ﴾( سورة البقرة الآية: 121 )

                              ثم ينبغي أن نفهمه، ثم ينبغي أن نتدبره، ما الفرق بين أن نفهمه وأن نتدبره ؟ أن نفهمه أي نفهم المعنى الذي أراده الله عز وجل وفق علم الأصول، أما التدبر فتقول: أين أنا من هذه الآية ؟ هل أنا مطبق لها ؟ دائماً وأبداً التدبر يعني أن تسأل نفسك: أين أنا من هذه الآية ؟ فلذلك القرآن الكريم يقول:


                              ﴿ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾( سورة آل عمران )

                              هل أنا متوكل ؟ فالمؤمن الصادق حيث ما قرأ آية في كتاب الله يسأل نفسه: هل أنا مطبق لها ؟ هذا هو التدبر، وأعلى شيء في تلاوة القرآن الكريم التطبيق، إذاً:


                              ﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ ﴾( سورة البقرة الآية: 121 )

                              بدءاً من تلاوته وفق أحكام اللغة العربية الصحيحة، ثم قراءته وفق علم التجويد، ثم فهمه، ثم تدبره، ثم تطبيقه.


                              (( ما آمن بالقرآن من استحل محارمه ))[ أخرجه الترمذي عن صهيب ]

                              إذاً: الآيات الكونية أتفكر فيها، والتفكر أمرٌ في القرآن الكريم، بل إن هذا الأمر يعد من أوثق الأوامر، لماذا ؟ جاء بفعل مضارع، يتفكرون، التفكر مستمر:


                              ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾( سورة آل عمران ) والآيات التي تزيد على ألف آية في كتاب الله، وتتحدث عن الكون هي في الحقيقة منهج لنا، منهج للتفكر، فأية آية كونية يجب أن تقف منها الموقف الذي أراده الله، مثلاً:ماذا تقتضي قراءة الآيات الكونية والتكوينية والقرآنية ؟ إذا قرأت آية فيها أمر ماذا تقتضي منك هذه الآية ؟ أن تأتمر، إن قرأت آية فيها نهي ماذا تقتضي منك هذه الآية ؟ أن تنتهي، إن قرأت آية فيها وصف لأهل الجنة ماذا تقتضي منك هذه الآية ؟ أن تسعى لدخول الجنة بالعمل الصالح، والتوبة، والاستقامة، وإن قرأت آية فيها وصف لأهل النار ماذا تقتضي منك هذه الآية ؟ أن تبتعد عن النار.(( اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقّ تَمْرَةٍ ))[ أخرجه البخاري ومسلم، عن عديّ بن حاتم رضي اللّه عنه ]

                              فإذا قرأت آية تتحدث عن الأقوام السابقة ماذا تقتضي منك هذه الآية ؟ أن تعتبر.
                              الآن الشاهد: فإذا قرأت آية كونية ماذا تقتضي منك هذه الآية ؟ أن تتفكر في خلق السماوات والأرض، وربما كان التفكر عبادة يقوم بها الإنسان، لأن التفكر طريق إلى معرفة الله، وأصل الدين معرفته، وحينما تعرف الآمر، ثم تعرف الأمر تتفانى في طاعة الآمر، أما حينما تعرف الأمر، ولا تعرف الآمر تتفنن في التفلت من الأمر، وهذه مشكلة المسلمين الأولى، عرفوا الأمر ولم يعرفوا الآمر، هان أمر الله عليهم فهانوا على الله، هان أمر الله عليهم لأنهم ما عرفوا من الآمر.
                              لذلك المرحلة المكية التي أمضى فيها النبي عليه الصلاة والسلام سنوات طويلة في تعريف أصحابه بالله، ويغلب على الآيات المكية أنها كونية، ويغلب على الآيات المدنية أنها تشريعية، وفي الدعوة إلى الله لا بد أن تتمايز المرحلة المكية التي فيها تعريف لله عز وجل عن المرحلة المدينة التي فيها تعريف بأمره.
                              والمقولة التي أرددها كثيراً: أنت بالكون تعرفه، وبالقرآن الكريم تعبده، بالكون تعرفه، وبالمنهج القويم الذي جاء به القرآن الكريم والسنة المطهرة تعبده، بالتفكر تعرفه، وبالطاعة تعبده، والإنسان علة وجوده أن يعبد الله، والعبادة طاعة طوعية، ممزوجة بحبحة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سادة أبدية.
                              أيها الإخوة، الله عز وجل من خلال التفكر في خلق السماوات والأرض نرى كمالاً، ونرى عظمة، ونرى رحمة، ونرى حكمة، ونرى قوة، أسماء الله الحسنى نستشفها من التفكر في خلق السماوات والأرض، قد نصل في نهاية المطاف إلى أن الله موجود، وكامل وواحد، وأـسمائه حسنى، وصفاته فضلى.
                              الآن كمال الخلق يدل على كمال التصرف، إذاً من مقتضيات كماله الذي وصلنا إلى هذه الحقيقة من خلال التفكر في خلقه، أنه يبين لعباده، يبين لهم الآيات من أجل أن يتفكروا، يبين لهم الآيات من أجل أن يعقلوا، يبين لهم الآيات من أجل أن يهتدوا، من أجل أن يطيعوا، من أجل أن يتقوا، من أجل أن يشكروا.


                              ﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾( سورة النساء الآية: 147 )

                              حينما تؤمن، وحينما تشكر تحقق الهدف من وجودك، ذلك لأن الكون مسخر لك أيها الإنسان تسخير تعريف وتكريم، هذا يستنبط من قول النبي الكريم حينما رأى هلالاً قال:


                              (( هِلالٌ خَيْرٍ وَرُشْدٍ ))[ رواه أبو داود عن قتادة ] ننتفع به، يرشدنا إلى الله عز وجل، وأي شيء من دون استثناء خلقه الله عز وجل له وظيفتان كبيرتان، وظيفة إرشادية، ووظيفة نفعية، العالم الغربي حقق الوظيفة الثانية في أعلى مستوى، انتفع من خيرات الأرض، وخيرات السماء، وما تحت الأرض، بينما المسلم ينبغي أن يضيف إلى انتفاعه من خيرات ربه جل جلاله يضيف إلى استمتاعه بهذه الخيرات أنه يعرف الله من خلالها.
                              لذلك أي شيء خلقه الله عز وجل له وظيفتان، وظيفة نفعية، ووظيفة إرشادية.
                              إذاً: أن يبين الله لنا آياته هذا من لوازم كماله، من هنا جاءت الرسالات السماوية والأنبياء، والمرسلون، وكل وسائل هداية الخلق هي تعبير عن محبة الله لنا، وعن أنه خلقنا ليسعدنا.
                              3 – ماذا تستفيد من اسم ( المبين ) ؟ البيان يطرد الشيطان: الآن أنت كمؤمن ماذا ينبغي أن تفعل حيال هذا الاسم ؟ ينبغي أن تبين النبي عليه الصلاة والسلام كان في معتكفه، وجاءت السيدة صفية رضي الله عنها تتفقده، وتقدم له بعض الحاجات، جلست معه قليلاً، ثم أرادت أن تنطلق إلى بيتها، رافقها النبي عليه الصلاة والسلام، لما رافقها النبي، وهما في الطريق رأيا صحابيين، فقال عليه الصلاة والسلام: على رسليكما هذه زوجتي صفية، بين، وضح.
                              لذلك قالوا: البيان يطرد الشيطان، والمؤمن مِن تخلّقه بهذا الاسم العظيم يبيّن، هناك حساب بينك وبين شريكك، أنت أمين إلى أعلى درجة، وجدت أن المدفوعات تساوي المصروفات، قلت: الحساب مغلق، انتهى، لا يكفي، لا بد من أن تقدم الحساب، وتبين.
                              كلمة: " هذه زوجتي صفية " يُحمل عليها آلاف الحالات، بيّن وضح.
                              أنت مسافر، كلفت أخا زوجتك أن يتفقدها في غيبتك، بلِّغ الجيران، أنا مسافر، وسيأتي أخو زوجتي يتفقد شؤون أخته، لئلا يظن الناس أن هذا الإنسان غريب دخل إلى بيتك في غيبتك، لذلك لا تضع نفسك موع التهمة، ثم تلوم الناس إذا اتهموك.
                              البطولة أن كل عمل يقتضي تفسيرين يجب أن تبتعد عنه، وإن كنت مضطراً فبيّن ماذا تريد من هذا العمل، هذه من صفات المؤمن، يبيّن، هذه زوجتي صفية، وهذا هو الحساب، وهذا الذي جاء إلينا فلان، فكلما بينت أزلت الشكوك، وأبعدت نفسك عن التهم، والمؤمن حريص على سمعته، وعلى كلام الناس في غيبته، ورحم الله عبداً جب المغيبة عن نفسه.

                              التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 01-05-2017, 02:46 AM.
                              من قال سبحان اللهِ وبحمدِه في يومٍ مائةَ مرةٍ، حُطَّتْ خطاياه ولو كانتْ مثلَ زبدِ البحرِ
                              موسوعة الكلم الطيب

                              سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر استغفرالله

                              تعليق


                              • #30
                                رد: مـــــــع اللـــــــــه-أسماء الله الحسنى ...للدكتور محمد راتب النابلسي

                                اسم الله القريب 1
                                بسم الله الرحمن الرحيم
                                الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
                                من أسماء الله الحسنى: ( القريب ):
                                1 – ورودُ اسم ( القريب ) في القرآن الكريم مقترنا بغيره من الأسماء: أيها الإخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، وهو اسم ( القريب )، وقد ورد اسم الله ( القريب ) في القرآن الكريم مطلقاً منوناً، مرادا به العلمية، دالاً على كمال الوصفية، ومقترناً باسم الله المجيب، كما في قوله تعالى:﴿ فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ ﴾( سورة هود ) واقترن باسمه السميع، في قوله تعالى:﴿ قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ﴾( سورة سبأ )
                                2 – ورودُ اسم ( القريب ) في القرآن الكريم مفرَدًا: ورد هذا الاسم أيضاً مفرداً في قوله تعالى:﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾( سورة البقرة الآية: 186 )
                                3 – قربُ الله قربُ علمٍٍ وقدرةٍ: أيها الإخوة، هذا الاسم له قرب من الإنسان شديد، المعنى أنك إذا أيقنت الله معك فلن تستطيع أن تعصيه، بل حينما تشعر أن قرب الله قرب علم، وأن قرب الله قرب قدرة لا يمكن أن تتجاوز أمره﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا ﴾( سورة الطلاق ) فعلّة خلق السماوات والأرض أن تعلموا.﴿ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾( سورة الطلاق )
                                4 – قربُ الله يستلزم معيّته: حينما توقن أن علم الله يطولك، وأن قدرته تطولك، وأن قرب الله قرب علم، وأن قرب الله قرب قدرة، أنت في قبضته، وعلمه يطولك، وقدرتك تطولك، فكيف تعصيه ؟ حتى إنه قد قيل: أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان.﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾( سورة الحديد الآية: 4 ) وهو مع المؤمنين بالحفظ، والتأييد، والنصر، التوفيق.
                                فلذلك أيها الإخوة، ورد في مرتبة الإحسان:
                                (( أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ))[ مسلم عن عمر بن الخطاب ]﴿ فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾( سورة الشعراء ) أحياناً يكون الإنسان قريباً منك، يلازمك كظلك، لا يفارقك، مهما يكن محبوباً تضجر من قربه، تقول: دعني وشأني، أيّ إنسان إذا لازمك ورافقك لا تحتمل قربه، تحتاج من حين لآخر ألا أن تنفرد بنفسك، ومع أن الله معنا في كل وقت، وفي كل حين، وفي كل شأن:﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾( سورة الحديد الآية: 4 ) لكن معية لطيفة لا تشعر بثقل وجوده، بل تشعر براحة وجوده.
                                5 – قربُ الله أكبر ضمان لاستقامة العبد: فلذلك أعلى درجة من الإيمان أن تشعر أن الله معك، وأكبر ضمانة للاستقامة أن تشعر أن الله معك، وأكبر باعث للخشية أن تشعر أن الله معك، وأكبر مُطمئِنٍ لك أن تشعر أن الله معك.﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾( سورة الشعراء ) بالموازين الأرضية لا أمل، فرعون بقوته، بجيشه، بطغيانه، بحقده، بجبروته، يتابع نبياً مع شرذمة قليلين من بني إسرائيل، إلى أن وصلوا إلى البحر، وانتهى الأمر، بالموازين الأرضية لا أمل في النجاة أبداً.﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾( سورة الشعراء ) معية الله للمؤمنين معية النصر، معية التوفيق، معية التأييد، معية الحفظ، ومعية الله لأي إنسان كائناً من كان، حتى ولو كان ملحداً فهو معه معية العلم:﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾( سورة الحديد الآية: 4 ) إما أن تكون المعية معية علم لكل خلقه، وإما أن تكون المعية معية توفيق، وحفظ، وتأييد ونصر.معية الله لها ثمن: إلا أن المعية الخاصة لها ثمن، ولا شيء بلا ثمن.﴿ وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا ﴾( سورة المائدة الآية: 12 ) معية الله عز وجل لها ثمن، وأعلى درجة الإيمان أن تشعر أن الله معك، قريب منك، هو أقرب إليك من حبل الوريد، قال بعض العلماء: أقرب إليك من روحك.
                                امسك قطعة كهربائية، وضمها إلى صدرك، وضمها ضماً شديداً، مهما تكن قريباً منها، ومهما تكن قريبة منك، مهما شددت عليها، الذي أقرب إليها منك القوة الكهربائية التي تحركها، لكن الله سبحانه وتعالى، ولله المثل الأعلى أقرب إليك من القوة التي تمدك بالحياة.
                                ﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾( سورة ق ) فهو معنا، يطلع علينا، يطلع على خواطرنا، على نوايانا، يطلع علينا، إذا تكلمنا فهو يسمعنا، يطلع علينا فهو يرانا، يطلع على قلوبنا إذا أضمرنا، لا تغيب عنه غائبة، ولا تخفى عنه خافية، هذا الإيمان إلى أن نصل إليه نكون قد حققنا تسعة أعشار الطريق إلى الله، أن الله قريب:﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ * وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾( سورة الشعراء ) أيها الإخوة، للتقريب: إن الإنسان لو زاره رجل من علية القوم، من وجهاء الحي، من أقرب الناس إليه، في الأعم الأغلب يرتدي ثيابا جميلة، في الأعم الأغلب يجلس جلسة مؤدبة، في الأعم الأغلب ينتقي كلمات دقيقة، في الأعم الأغلب يتجمل أمامه، فإذا كان هذا حالنا مع كبراء القوم، هذا مع علية القوم، فكيف حال المؤمن مع خالق السماوات والأرض ؟.
                                الحقيقة أن الخشوع يحتاج إلى إحساس بالقرب، ودائماً وأبداً يشعر المؤمن أن الله معه، فهو أولاً في طمأنينة، وثانياً في مراقبة.
                                الأعرابي الذي سأل النبي عليه الصلاة والسلام، قال: يا رسول الله، عظني ولا تطل، فتلا عليه قوله تعالى:
                                ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾( سورة الزلزلة ) قال هذا الأعرابي: كُفيت، فقال عليه الصلاة والسلام: فَقُه الرجل، لم يقل فَقِه قال فَقُه، يعني أصبح فقيهاً، آية واحدة كفته.
                                صدقوا أيها الإخوة، أن هناك آيات لا تعد ولا تحصى، الواحدة منها تكفي.
                                ﴿ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾( سورة النساء )﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾( سورة الحديد الآية: 4 ) وهو قريب منكم.وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾( سورة البقرة الآية: 186 ) أحياناً تدعو الله بقلبك، ولا تحرك شفتيك، ولا تنطق بكلمة.
                                حدثني رجل، قال لي: والله انتهيت من أداء خدمتي الإلزامية، ولا أملك من الدنيا شيئاً، أعطتني أختي سوارا من الذهب، فبعتها، واشتريت بها بطاقة إلى بلاد الخليج، وأنا راكب في الطائرة أضمرت في قلبي أن إذا أكرمني الله عز وجل سأبني له مسجداً في بلدتي، قال لي: الله ما حركت شفتاي بهذا الكلام، وبعد أعوام مديدة أنشأ هذا المسجد، وصليت في المسجد، وحدثني عن قصته.
                                لذلك الله عز وجل مطلع على خواطرك، يمكن أن تدعوه بقلبك.
                                ﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا ﴾( سورة مريم )﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي ﴾( سورة البقرة الآية: 186 ) الدعاء سلاح المؤمن، وأنت بالدعاء أقوى إنسان، إن أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله، إن أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك إذا أردت أن تكون أكرم الناس فاتقِ الله.
                                أيها الإخوة:
                                (( ما من عبد يعتصم بي دون خلقي أعرف لك من نيته فتكيده السماوات بمن فيها إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا، وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماء بين يديه، وأرسخت الهوى من تحت قدميه ))[ أخرجه ابن عساكر عن كعب بن مالك ] فأنت إذا أيقنت أن الله قريب منك، وأنه معك، وأنه مطلع على سريرتك، لأنه يسمع دعاءك، ويرى حركتك، ويعلم ما في قلبك، لا بد من أن تستقيم على أمره، ولا بد من أن تستحي منه.
                                عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
                                (( اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ، وَمَا وَعَى وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ))[ أخرجه أحمد، والترمذي والحاكم، والبيهقي ]الإسلام والإيمان والإحسان: إذاً: الموضوع أن تشعر أنه معك، ومرتبة الإحسان، وهذه في النصوص الصحيحة تأتي فوق مرتبة الإيمان، هناك مرتبة الإسلام، ومرتبة الإيمان، ومرتبة الإحسان، مرتبة الإسلام أن تخضع للواحد الديان، أن تخضع جوارحك لمنهجه، أن تؤدي زكاة مالك، أن تصلي الفرائض، أن تدفع الزكاة، أن تحج البيت، أن تغض البصر، أن تكون صادقاً، أميناً، عفيفاً، منجزاً للوعد، راعياً للعهد، هذا هو الإسلام.﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا ﴾( سورة الحجرات الآية: 14 ) فالإسلام أولاً، مرتبة الإسلام خضوع الجوارح والأعضاء لمنهج الله عز وجل، أما الإيمان فأن ينعقد مع هذا الخضوع صلة بالله عز وجل، فتقبل عليه، لذلك الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالإقبال على الله، وينقص بفتور العلاقة معه.
                                المرتبة الثالثة مرتبة الإحسان، هذه متعلقة باسم ( القريب )، أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
                                أيها الإخوة، أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان.
                                أيها الإخوة، ورد في بعض الأحاديث عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
                                (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إِنَّهُ مَعَكُمْ، إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ، تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ ))[ متفق عليه ] إنه معكم، وأبرز ما يميز المؤمن خشوعه، وأسباب خشوعه إيمانه أن الله معه، وهناك قصص لا تعد ولا تحصى تبين أن الناس يتفاوتون بإيمانهم، بقدر إدراكهم بقرب ربهم:﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾( سورة الحديد الآية: 4)
                                6 – من معاني اسم ( القريب ): الآن ما معنى اسم ( القريب ) على التفصيل:
                                1 ـ القرب المكاني: أول معنى هناك القرب المكاني، القريب عكس البعيد، القريب ليس بينك وبينه حجاب، البعيد بكل معاني الكلمة، هناك قرب المكان، قال تعالى:﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُون نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ﴾( سورة التوبة الآية: 28 ) من معاني القريب قرب المكان، تؤكده هذه الآية الكريمة: ﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُون نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ﴾( سورة التوبة الآية: 28 )
                                2ـ القرب الزماني:
                                ومن معاني القريب قرب الزمان.﴿ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ ﴾( سورة الأنبياء ) إما قرب مكاني، وإما قرب زماني.
                                3 ـ قُربُ النَّسب: ومن معانيه القريب في النسب:﴿ لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ ﴾( سورة النساء الآية: 7 ) عندنا قرب نسب، وبالمناسبة: هناك قاعدة: الأقربون أولى بالمعروف، من أدق هذه القواعد: القرب النسبي، والقرب إلى الفقر، والقرب إلى الإيمان، عندك ثلاثة موازين في دفع صدقتك أو زكاتك، إما أنه أفقر، أو أنه أقرب إلى الإيمان، أو أنه أقرب إليك نسباً.
                                إذاً:
                                ﴿ لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ ﴾( سورة النساء الآية: 7 )
                                4 ـ قُرب الحظوة: ومن معاني القرب قرب الحظوة، أحيانا يكون الإنسان قريبا من إنسان يحتل مركزا مرموقا، وله رجلٌ قريب جداً منه، بإمكانه أن يدخل عليه بلا استئذان، بإمكانه أن يبوح له بكل شيء، هذا قربُ الحظوة، وعندنا قرب مكان، وقرب زمان، وقرب حظوة، هذا المعنى في قوله تعالى:﴿ فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ﴾( سورة الواقعة ) كيف هو قريب ؟ قال: هو قريب من خلقه كما شاء، وكيف شاء، هو القريب من فوق عرشه، أقرب إلى عباده من حبل الوريد، كما قال تعالى:﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾( سورة ق الآية: 16 )﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ ﴾( سورة الواقعة ) إنسان حضرته الوفاة، أقرباءه، زوجته، أولاده، إخوته حوله، قريبون منه، يضعون يدهم على جبينه، وهذا على يده يقيس ضغطه، كل هذا القرب قال تعالى:﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ ﴾ لذلك حينما تصل إلى أن تؤمن أن الله معك دائماً، تكون قد قطعت تسعة أعشار الطريق إلى الله، والإحساس بقرب الله عز وجل أكبر باعث على طاعته، وأكبر باعث على الخشية منه، والإنسان حينما يرى أن الله معه يقبل عليه.(( يا موسى أتحب أن أكون جليسك قال: كيف ذلك يا رب ؟ أما علمت أني جليس من ذكرني، وحيثما التمسني عبدي وجدني ))[ ورد في الأثر ] لذلك القرب من الله قمة التدين، قمة الإيمان أن تكون قريباً من الله، القرب من الله يعني الانضباط، القرب من الله يعني الشعور بالأمن، القرب من الله يعني الشعور بالسكينة، القرب من الله يعني الشعور بالسعادة، الشعور بالرضا، هذه المعاني الدقيقة جداً لذلك في قوله تعالى:﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾( سورة العنكبوت الآية: 45 ) ذكر الله لكم وأنتم تتصلون به أكبر من ذكركم له، وأنتم تعبدونه، لأن الله إذا ذكر الإنسان منحه نعمة الأمن، والأمن بشكل أو بآخر خاص بالمؤمنين، قال تعالى:﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾( سورة الأنعام ) والله أيها الإخوة، ما من نعمة أعظم عند الله من أن تشعر بالأمن، من أن تشعر أن مصيرك بيد الله، لا بيد زيد، ولا بيد فلان أوعلان، مصيرك بالله، رزقك بيده، صحتك بيده، الأقوياء بيده، أعداءك بيده، أقرب الناس إليك بيده، من له علاقة حميمة معك بيده.
                                لذلك:
                                (( عبدي كن لي كما أريد أكن لك كما تريد، أنت تريد وأنا أريد، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد ))هذا ما يعنيه القربُ من الله: لذلك القرب من الله يعني الشعور بالأمن، سيدنا يونس وجد نفسه فجأة في بطن حوت، بمقاييس الأرض الأمل صفر، النجاة صفر، بطن الحوت، يقف المرء في فمه قائماً، وجبته المعتدلة أربعة أطنان، الإنسان كله خمسين كيلوا، والحوت وجبته المعتدلة بين وجبتين أربعة أطنان، نبي كريم يجد نفسه في بطن حوت، في ظلمة الليل، وفي ظلمة البحر، وفي ظلمة بطن الحوت، العلماء يقولون: تحت 200 متر ظلام دامس، إذا أخرج يده لم يكد يراها، فهو في ظلمة الليل، وفي ظلمة بطن الحوت، وفي ظلمة البحر.﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾( سورة الأنبياء ) لأنه يحس أن الله معه.﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾( سورة الأنبياء ) أروع ما في الآية أن التعقيب نقلها من قصة وقعت إلى قانون مستمر، قال: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾( سورة الأنبياء ) لذلك المؤمن سلاحه الدعاء، إحساسه أن الله قريب منه، وأن الدعاء أقوى ما يميزه عن غير المؤمن، والدعاء له قوة لا يملكها خصمه.
                                7 – من ثمرات اسم ( القريب ): أيها الإخوة الكرام، من ثمرات اسم ( القريب ) أنه ينصرك، فلا تخشى بالله لومة لائم.
                                حينما أدى الحسن البصري واجب العلماء في التبيين، وبيّن، وسمع الحجاج مقالة الحسن البصري، وغضب غضباً شديداً، وتوعده بالقتل، وقال لمن حوله: " يا جبناء والله لأروينّكم من دمه، وأمر بقتله، وجاء بالسياف، وأرسل في طلبه، دخل الحسن البصري إلى المجلس، فإذا بالسياف، وإذا بالنطع قد مد، فحرك شفتيه، لأنه يشعر أن الله قريب منه، فحرك شفتيه، وإذا بالحجاج يختلف أمره، يقف له، ويقول: أهلاً بأبي سعيد، أنت سيد العلماء، شيء غير متوقع، ومازال يدنيه من مجلسه حتى أجلسه على سريره، وسأله في بعض القضايا، واستفتاه، وضيفه، وعطره، وشيعه إلى باب القصر، الذي صُعق السياف والحاجب، فتبعه الحاجب، قال: يا أبا سعيد، لقد جيء بك بغير ما فُعل بك، فماذا قلت بربك ؟ قال: قلت: يا ملاذي عند كربتي، يا مؤنسي في وحشتي، اجعل نقمته عليّ برداً وسلاماً كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم ".
                                أنت حينما تشعر أن الله قريب منك تدعوه في أي وقت، وفي أي مكان، وفي أطباق السماء وأنت راكب الطائرة، وفي أعماق البحار وأنت في غواصة، وعلى سطح الأرض، وعلى أي مكان في الأرض، وفي أي حال.
                                لذلك الشعور بالقرب من الله شعور مُسعِد، الشعور القرب من الله شعور مطمئن، الشعور بالقرب من الله شعور السكينة التي تسعد بها، ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء.

                                التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 01-05-2017, 02:50 AM.
                                من قال سبحان اللهِ وبحمدِه في يومٍ مائةَ مرةٍ، حُطَّتْ خطاياه ولو كانتْ مثلَ زبدِ البحرِ
                                موسوعة الكلم الطيب

                                سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر استغفرالله

                                تعليق

                                يعمل...
                                X