إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

العمل المؤسسي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • العمل المؤسسي


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فكيف نتشاغل عن قضايا الأمة من قبيل: نعمل فرادى أو جماعات، نتعاون أو نعتزل؟!
    نعم، نريد أن ننبه الدعاة إلى أهمية الإدارة العلمية في تنظيم العمل الدعوي، وأن الدعوة شأنها شأن أي نشاط بشري يحتاج إلى نظام وإتقان، ومثل هذا النظام يتعقد كلما تعاظم النشاط، فيحتاج الدعاة إلى درس علوم الإدارة وهضمها، ومحاولة استثمار أصولها في خدمة الدين وتنظيم صفوف الصحوة.
    لقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهمية الإدارة والنظام في قوله: "ولكنكم غثاء كغثاء السيل"رواه أحمد في مسنده.
    عدد بلا فائدة، قوة غير مستغلة، مهارات غير موزعة، جهود مبعثرة.
    وليس من تفسير لذلك إلا عدم اجتماعهم، وعدم انضوائهم تحت نظام يرتب شئونهم ويرقى بثرواتهم وطاقاتهم.


    إن وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت أعظم فاجعة ألمت بالمسلمين، ولقد توقع الشيطان أن تنهار الصروح التي بناها النبي صلى الله عليه وسلم، وينشغل الناس بالحزن عليه عن القيام بما أمرهم الله تعالى به.
    ولكن الله أنقذ الأمة، وجعل إنقاذها على يد أكثر الناس حبا للرسول صلى الله عليه وسلم، وأكثر الناس حزنا عليه، وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
    فما أن مات النبي صلى الله عليه وسلم حتى وقف أبو بكر وقفته التاريخية التي لم يكن لأحد أن يقفها غيره، فأعلن في صراحة أن الرسالة الإسلامية لن تمضي في سبيلها بالحزن على صاحب الرسالة ومبلغها، بل يجب أن يتعلق الناس بالغاية الأصلية في الوجود وهو عبادة الحي القيوم، فقال رضي الله عنه: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.
    لم تكن عبارات سهلة يسيرة على أبي بكر رضي الله عنه، وليس من المعقول أن تكون قد خرجت بدون أحاسيس أو مشاعر، ولكن المسؤلية الضخمة التي استشعرها أبو بكر، وعلمه بحقيقة الرسالة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم هما اللذان أمليا عليه أن يتغلب على العواطف، وأن يتحكم في منظومة الأحداث التي تلت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
    لقد علم أبو بكر أن دعوة الإسلام عالمية وأن موت الرسول صلى الله عليه وسلم ليس نهاية الإسلام، بل ولا نهاية الكون، فكان واقعيا وعمليا إلى أبعد الحلول، إذ ليس الحزن على النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يثبت حبنا للنبي صلى الله عليه وسلم وليس إعلان الحداد عليه هو الذي سيدخل السرور عليه، بينما أوصال الدين تقطع والأمة تجتث من جذورها.
    لقد أسس أبو بكر رضي الله عنه ما يعرف في العصر الحديث بأصول دولة المؤسسات التي لا تتأثر بموت زعمائها وقادتها، فتحرك رضي الله عنه قبل أن يغسل النبي صلى الله عليه وسلم لتثبيت دعائم الدولة التي أرساها النبي صلى الله عليه وسلم، لعلمه أن ذلك هو الذي يقر عين النبي صلى الله عليه وسلم.
    اجتمع في سقيفة بني ساعدة، وتمت له البيعة، وشرع في استكمال بنيان الدولة، بل في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، على إثر ارتداد العرب لما علموا بموت النبي صلى الله عليه وسلم.


    وهذا هو الذي نقصده بالعمل المؤسسي، أن تتجه الدعوة الإسلامية بكل فصائلها وجماعاتها، وهيئاتها وحركاتها إلى إنشاء مؤسسات دعوية داخل الكيانات، تتحرك وفق أنظمة عمل مقننة ومعروفة لا تتيح فرصة لأحد أن يخترع عملا من عنديات نفسه، أو يبتكر أصولا من مزاجه، فالدعوة القوية هي التي تتحرك وفق رؤى مدروسة واتجاهات متفق عليها، وأساليب متعارف على تطبيقها، والاجتهاد يكون بعد ذلك فيما يسوغ فيه الاجتهاد.
    إن العمل المؤسسي هو الذي سيعمل على استمرار نشاطات الدعوة، وعدم تأثرها بموت الأشخاص، أو بالمكان أو بالزمان، حركة دائبة، تمضي وفق الخطة المرسومة وإن تخلف أحد من الركب أو تأخر فرد من العاملين لعذر أو لغير عذر.
    ومما يؤكد أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قد أدرك معنى العمل المؤسسي، أنه أمضى جيش أسامة بن زيد الذي جهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرص على ألا يغير شيئا مما جهزه النبي صلى الله عليه وسلم، بما في ذلك إمرة أسامة التي اعترض عليها بعض الصحابة، ولم يكن أبو بكر الصديق رضي الله عنه يريد التقيد بأسامة لمجرد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره فحسب، بل ليغرس في نفوس الصحابة أن الأعمال يجب أن تمضي على النظام الذي وافقت عليه الجماعة، وألا تتأثر بموت شخص، حتى ولو كان ذلك الشخص هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    إننا نشاهد بجلاء كيف أن كثيرا من الحركات والأنشطة الدعوية تنشأ في مكان ما، ثم تستمر إلى ما شاء الله، فإذا ما سافر قائد المسيرة أو مات أو تخطفته الزبانية (زبانية الطغيان) توقف العمل، أو تقهقر وتقلص على أقل الأحوال.



    منشأ ذلك هو تعودننا على المسلك الدعوي القطبي، أي: الذي يكون العمل فيه معتمدا على قطب يدور حوله ويتحرك في فلكه، يضعف بضعفه، وينشط بنشاطه، وينتكس بانتكاسه.
    والدعوة الإسلامية إذا ما أرادت أن تؤثر (لا مجرد أن تدعو) في مجرييات الأمور، فيجب عليها أن تنحو في عملها نهج العمل المؤسسي، وتقنن نشاطها بإدارة عالية، ونظام متقن، يسير به العمل، ولا يتأثر بأية ظروف ولا يلين تحت أية ضغط.
    ويستتبع ذلك أن يغير الدعاة كثيرا من المفاهيم الدعوية التقليدية التي يسيرون عليها، ويظنون أن بها ستهزم معاقل الشرك وأوتاد الكفر في الأرض.
    إن آلية العمل وإدارته لم تعد مجرد هوى مطاع أو مزاجا متقلبا، بل علما يدرس ويدرس ويحتاج إلى سعة في المعارف تتيح لصاحبه أن يدير العمل بكفاءة، أي: بما يحقق أفضل النتائج بأقل الخسائر.
    بل إن تطوير العمل، صار نسقا لا يخضع للظروف، ويستجيب للعوامل طردا أو عكسا، بل منهجا مدروسا، يتأسس عند بداية العمل، ويخضع لرؤى ثابتة ومتغيرة، ويسير وفق منظومة عمل متوازة مع العمل الأصلي.




    التعديل الأخير تم بواسطة *أمة الرحيم*; الساعة 20-02-2017, 03:36 AM. سبب آخر: تنسيق الخط وتصحيح بعض الأخطاء الكتابية
    الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات

  • #2
    رد: العمل المؤسسي

    لم تعد الإدارة الحديثة تسمح لكلمة الظروف أن تكون عذرا في فشل مشروع، أو أن يتذرع عامل بالقضاء والقدر في التملص من أخطاء في تطبيق نظام العمل.
    وتدخلت علوم ومعارف كثيرة تساعد علم الإدارة والعمل المؤسسي، مثل: علم النفس، وعلم الاجتماع، بل علوم الحاسب الآلي بأجمعها، وعلوم الرياضة والإحصاء.
    ومع غياب هذا العمل المؤسسي لدى قطاعات الدعوة فإن كل مراحل العمل وأطواره وأولوياته وسماته وآلياته لن تحدد وفق نظرة جماعية واسعة، بل تبعا لنظرة ضيقة محدودة بحدود عقل المدبر الأساس للعمل الدعوي.
    ومثل هذه المحدودية كفيلة بأن تجعل مصالح الدعوة مرتبطة بمصالح المدبر الأوحد لها، فإن الشفافية المطلقة منعدمة في العمل الجماعي، فكيف لو استأثر بالقرار فرد؟!
    والدعاة جميعا مطالبون أن يحرروا المقاصد، وأن يتخذوا الخطوات العملية التي تثبت إخلاصهم في دعوتهم، وصدقهم في تحركهم، ونقاءهم من مقاصد الدنيا، ولن يكون ذلك إلا بوجود الآلية التي تحرك العمل بعيدا عن الأثرة، أو ما يسمى في عرف الناس اليوم بالديكتاتورية.
    ولن تزال التهمة عالقة بالدعاة إذا ما أصروا على تداول الشأن الدعوي كعمل تجاري، أو مشكل أسري اجتماعي، أو وضع سياسي خاص.


    التعديل الأخير تم بواسطة *أمة الرحيم*; الساعة 20-02-2017, 03:37 AM. سبب آخر: تنسيق الخط وتصحيح بعض الأخطاء الكتابية
    الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات

    تعليق


    • #3
      رد: العمل المؤسسي

      موضوع طيب

      جزاكم الله خيرًا

      تعليق

      يعمل...
      X